حتى الحجاب
شريعة يهودية
إذا كنت مثلي من هواة قراءة الكتب
الصفراء , ستلاحظ أن لفظة “الحجاب” في هذه الكتب القديمة لا تشير أبداً إلي غطاء
الرأس أو ما يعرف بـ “الطرحة ” . بل هي لفظة تعني حرفياً “عزل المرأة” وحجبها عن
الأنظار .
إلا أنه في أواخر حقبة الستينات
وبداية السبعينات طرأ انحراف صحراوي علي استخدام المصطلح وأصبح يستخدم في الإشارة
إلي “غطاء الرأس” !
ذلك لأن البشرية برمتها كانت قد
تجاوزت الحقبة التي سن فيها “العرب” تشريع عزل المرأة متأثرين بثقافة اليهود
والفرس .
وإذا كنت مثلي من قاطني المناطق
الشعبية ستلاحظ أيضاً وجود مئات الملصقات ” الملطوخة ” علي جدران البنايات
تتحدث عن مواصفات ” الحجاب الشرعي ” وستكتشف بسهوله أنها لا تتحدث عن غطاء الشعر
.. بل هي مواصفات أقرب لـ “عزل المرأة“
إن لغة السحرة لا تصمد أبداً أمام لغة
العقل والمنطق .. ومهما تلاعب الكهنة بدلالات لفظ ما لتطويعه لأهدافهم السحرية لا يمكن
أن يجردوه من معناه .. أو علي الأقل من تاريخه !
حجب حجب:الـحِجابُ:السِّتْرُ. حَجَبَ
الشيءَ يَحْجُبُه حَجْبا ًو حِجاباً و حَجَّبَه:سَتَرَه أو منعه .وقد احْتَـجَبَ
وتَـحَجَّبَ إِذا اكْتَنَّ من وراءِ حِجابٍ. أو منع بين الشيئين وفصل بينهم أو منع
الميراث
( لسان العرب،لابن منظور .. وهو
المرجع الأهم في اللغة العربية.. و كذلك المعجم الوسيط : مادة حجب)
إن كلمة ” حجاب ” بحسب اللغويين
الأكثر شهرة في تاريخ العرب تعني حرفياً “عزل” و “فصل” ومنع
لكن المعجم الوسيط لا تقوم عليه عقيدة
ولا يفسر شريعة ولا “عادة ” .. و ابن منظور أيضاً ليس بصاحب مذهب
فلنري إذا ماذا يقول القرآن في الحجاب!
ذكرت كلمة ” حجاب ” في القرآن سبع
مرات جاءت كالتالي :
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ
اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ
بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ . الشورى51
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ
مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ
حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ . فصلت5
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ
الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب. ص32
وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً
فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن
تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ
عَظِيماً. الأحزاب53
فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً
فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً . مريم17
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا
بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً .
الإسراء45
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى
الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ
الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ .
الأعراف46
إن كل موضع ذكرت فيه كلمة ” الحجاب” في القرآن كانت
تشير إلي معني العزل أو الفصل بين الشيئين .. ولم تكن تمت لغطاء الشعر أو حتى
الملبس بصفة عامة بأي صلة
فكيف حدث هذا الانحراف . .ومن أين جاء
؟
أصل الحكاية يعود إلي 3000 سنة قبل
تاريخ اليوم .
في ذلك الوقت لم يكن البدوي العبراني
قد انتقل من شبة الجزيرة العربية إلي وادي النيل بعد , وكان يعتقد وقتها أن ”
الطمث ” مرض .. لذا فقد عمد إلي عزل المرأة وقت المحيض. كإجراء وقائي أشبه بالحجر
الصحي الذي نتبعه اليوم !
في معابد مصر تعلم ذاك البدوي أن
يتحدث باسم الرب .. وتغير اسمه من عبراني إلي “يهودي” .. فتحولت عاداته ”
الصحراوية ” إلي أوامر “إلهية” مقدسة ومعها تحول الحجر الصحي من إجراء وقائي بدائي
إلي عقاب رباني مقدس للمرأة بوصفها ملعونة وبوصف الطمث نجاسة !
إن الكاهن اليهودي القديم لم يكن يدري
بعد أن الأمراض تسببها الجراثيم . وقد شاء له جهله أن يعالج موضوع الحيض في التوراة باسم الرب كما كان يعالجها في
الصحراء باسم العرف !
لقد جاءت تعليمات الكاهن اليهودي
للمرأة في التوراة بأن تعزل المرأة وقت المحيض سبعة أيام من كل شهر فتقول التوراة:
( إذا اعتري المرأة غسول , وكان
ذلك الغسول في المرأة دماً , تعزل وحدها سبعة أيام , وكل من يمسها يظل دنساً )
وفي خلال هذه المدة جاءت التعليمات
التوراتية صارمة في صراحتها حين تقول ( كل شئ مقدس لا تمس وإلي المقدس لا تجئ )
بيد أن الموضوع لم يتوقف عند كون
الطمث وحده عقاب رباني دوري للمرأة المسكينة . بل تعمدت التوراة وكنتيجة
لجريمة المرأة وغوايتها للرجل – بحسب قصة الخلق التوراتية التي يتبناها المسلمون
حرفياً – تعمدت أن تعالج موضوع الحمل كأنه عقاب إضافي أبدي لكل بنات حواء فتقول
التوراة :
وقال لها الرب : سأضاعف ألامك وأحزانك
مضاعفة كبيرة ..وستلدين الأطفال بالآلام وحدها
ولم تكتفي التوراة باعتماد ألام الحمل
والولادة كعقاب إلهي وحيد لتعيسة الحظ , بل قررت أيضاً عزلها كعقاب
إضافي . وجاء العزل أيضاً بعنصرية مقيتة , فإذا ولدت ذكر تعزل 40 يوم , بينما
تتضاعف فتره العزل إذا ولدت أنثي فتعزل 80 يوم !!
وفي ذلك تقول التوراة مخاطبة المرأة :
) وكلم الرب موسي قائلاً .. إذا
حبلت المرأة , ولدت ولداً , تكون نجسه سبعة أيام , كما في أيام طمث علتها , تكون
نجسه .. ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوماً في دم تطهيرها .. وإن ولدت أنثي تكون
نجسه أسبوعين , كما في طمثها , ثم تقيم ستة وستين يوماً في دم تطهيرها (
ولم يكن العزل أيضاً هو العقاب الوحيد
. فبعد
انقضاء فترة العزل كان علي المرأة أن تقدم قرباناً إلي الكاهن عبارة عن خروف و
دجاجة أو خروف ويمامة كي يرضي عنها الرب !!
وإمعاناً في التهميش والاحتقار
وإرتفاعاً بوتيرة الحرب النفسية إلي الذروة و كي تصل المرأة بذاتها إلي نتيجة
مفادها أنها كائن هامشي لا حياة لها ولا صلاح إلا بجوار الرجل .. كان لابد للتوراة
أن تقنعها أنها خلقت من ضلع أعوج من أضلاع الرجل وتلك طريقة الكاهن في القول أن
مكان المرأة الدائم إلي جانب الرجل ..
وترجمت التوراة هذا المعني في مواضع
كثيرة إذا تقول في موضع (وستكون حياتك خاضعة لمشيئة زوجك .. وسوف يظل زوجك حاكماً
عليك ) وفي موضع أخر تقول ( إلي رجلك يكون اشتياقك , وهو يسود عليك)
إن جريمة الكهنة في حق المرأة تبدأ من
قصة الخلق التوراتية التي تعمد إلي القول بأنها خلقت من ضلع أعوج من الرجل .. لتؤكد أن الرجل وحده هو “الإنسان” وأن المرأة هي “بعضه”
الأعوج . والرجل هو سيدها وهو المسئول عن تقويمها ومع ذلك يكون له اشتياقها !
في صيغة سحرية كهنوتية معناها : أنه وبرغم كل هذا الذل ستظلين إلي جوار رجلك ولا قيمة لك بعيدة عنه
في صيغة سحرية كهنوتية معناها : أنه وبرغم كل هذا الذل ستظلين إلي جوار رجلك ولا قيمة لك بعيدة عنه
ثم لا يتوقف الموضوع عند هذا الحد ..
بل تعمد التوراة أن تخاطب المرأة بصفتها “ملعونة” لأنها مسئولة عن غواية
الرجل وخروجه من الجنة .. حين أعطته الثمرة المحرمة .. وكعقاب علي هذه الجريمة –
التي لم تقترفها – كان الطمث والحمل وآلامهما ملازماً لها طيلة حياتها , وكانت هي
نفسها قد تحولت إلي كائن “نجس” وجب عزله معظم أيام السنة !
وبحماسة دينية شديدة كان كهنة اليهود
وأحبارهم يعمدون إلي “حجب” المرأة وعزلها , مطبقين حرفياً تعليمات الرب التي
كتبوها بأيديهم ..
أما بالنسبة للأيام القليلة الأخرى ,
تلك التي يسمح فيها للمسكينة أن تغادر محبسها أو مكان “حجابها” فكان يتحتم عليها
ألا تكون سبباً في غواية يهودي واحد ورع كما فعلت أمها حين أغوت أدم فأخرجته من
الجنة !
إذا ذاك فقط خرجت فكرة العباءة التي
تغطي المرأة من رأسها حتى أخمص قدميها !
إن حجاب المرأة يتحول علي يد أجيال
اليهود من مكان محدد تعزل فيها المرأة وقت الطمث وبعد الولادة إلي ” زي ” يرافقها
أينما حلت أو ارتحلت كي لا تصبح كأمها ” مدخل الشيطان ” علي حد وصف التوراة !
لكن ولأنه لا وجود للجريمة الكاملة ..
فقد كان متوقعاً أن يقترف الكاهن اليهودي خطأ ساذجاً يشبه سذاجة قصته !
فكتاب اليهود المقدس نفسه يقول أن
الرب لا يلعن الأطفال ولا العجائز .. والمرأة كما الرجل .. تولد طفلاً وتموت
عجوزاً .. مما أربك نظرية الكاهن اليهودي التي تعمد وصف المرأة بأنها نجسة ملعونة !
لقد وجد الكاهن اليهودي نفسه في حرج
شديد أمام الرب !
و تحتم عليه أن يعدل من نظريتهم
قليلاً كي يخرج من هذا المأزق. فاعتمد الكاهن اليهودي نظريته علي أساس أن شريعة ”
حجاب المرأة ” لا تسري إلا علي المرأة التي تحيض” .. أما أولئك اللائي لم يحضن بعد
أو تخطين سن الحيض فلا يتوجب حجابهن أو عزلهن .. وتلك هي النظرية التي تبناها
فقهاء المسلمين فيما بعد حرفيا ً !!!
ثم كان القرآن…
لقد عمد القرآن أن يعالج القضية من
أساسها وجذرها . من منشائها ومنبعها . لذا فقد أسقط متعمداً نظرية الخلق التوراتية
وبسقوطها سقط كل توابعها وما ترتب عليها .. فأسقط معها القول بأن المرأة خلقت من
ضلع أعوج .. وعمد إلي عدم تحميلها ذنب غواية أدم والخروج من الجنة . بل أنه ذهب
إلي تحميل آدم نفسه مسئولية الخروج من الجنة في تلك القصة “الرمزية” !
وحين عالج القرآن موضوع “الطمث”..
توجه بحديثه إلي الرجل .. وأسقط عن المرأة وصاية الكهنة أو بلغة الإسلام “الفقهاء”
. وأسقط مفهوم النجاسة .. وأصبح مؤدي الطمث “الوحيد” هو التوقف عن الممارسة
الجنسية أثنائه. ومع إسقاط هذه الوصاية , سقطت معها تلقائياً شريعة ” حجاب” المرأة
و أصبح اكتمال الطهارة يعني الغسل بالماء لا القرابين التي تقدمها للكهنة !
بيد أن لغة القرآن قد انهزمت !
فمع الانقلاب الأموي علي الإسلام , لم
يعد القرآن هو لغة الدين , بل أصبح الحديث .. وفتح الفقهاء الباب أمام شرائع
اليهود كي تدخل الإسلام برخصة جرت علي لسان أبو هريرة حين قال ” حدثوا عن بني
إسرائيل ولا حرج ” .
إذاً ذاك فقط تخلي الفقهاء عن لغة
القرآن رسمياً و اعتمد الفقه لغة التوراة , وعادت شريعة الحجاب مرة أخري .
و ارتد الطمث إلي خانة النجاسة , ولم يعد مؤداه الوحيد التوقف عن الممارسة الجنسية
, بل عمد الفقهاء إلي اعتماد لغة الكهنة حرفياً فعمدوا إلي وصف المرأة بـ ” ناقصة
العقل والدين” وأمروها بأن ” كل شئ مقدس لا تمس وإلي المقدس لا تجئ ” !
إن الفقهاء يتحدثون لغة التوراة بلا
ذرة خجل أو حياء !
يقول النيهوم ” في ظروف هذا الانقلاب
العبراني علي لغة القرآن ,قامت القيامة سراً . وبعث عالم التوراة حياً في واقع
المسلمين , فأصبح عزل المرأة المسلمة فريضة في أصل الشريعة , وتحولت المرأة نفسها
إلي “حرم” لا يراه سوي الأقارب … وتصاعدت الحرب السماوية ضد المرأة إلي درجة جعلت
لمس يدها ” نجاسة
” تنقض الوضوء “
ولأن التاريخ لا يعيد نفسه , بل أن
البشر هم من دأبوا علي تكرار ذات الحماقات , فقد اقترف فقهاء المسلمين ذات الخطأ
الذي وقع فيه أحبار اليهود . وعادوا لاستدراك الخطأ فاستثنوا اللائي لم يحضن و
اللائي تخطين سن المحيض من شريعة “الحجاب” !
وإذا كان سجن المرأة قد بدأ علي يد
العبرانيين في معابد مصر باسم الرب , فمن مصر تحررت المرأة علي يد رموز تنويرها
وخرجت من سجن ” حجابها ” بعد أن ظلت فيه طيلة 3000 سنة !
وإذا كان الانقلاب الأموي علي لغة
الإسلام قد أعاد المرأة إلي سجنها بعد أن حررها القرآن , فإن الانقلاب
“السلفوإخواني” ذو المنبع الصحراوي أيضاً قد أعاد المرأة مرة أخري إلي سجنها باسم
” الحجاب ” مصحوباً
بانقلاب ” لغوي” أخر , مفاده أن الحجاب يعني ” غطاء الرأس ” .
محمود جمال
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire