lundi 28 juillet 2014

الزيدية : وضع اليدين في الصلاة



 


كتاب : توضيح المقال

المقد مة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الأمين وعلى آله الطاهرين، أما بعد ..
فإن هذا البحث المتواضع في مسألة الإرسال والضم أثناء القيام في الصلاة، سبق وأن طُبع منذ سنوات، وكنت قد أشرت في مقدمته إلى أن الباعث عليه أننا ابتلينا بأناسٍ يعتبرون الضم في الصلاة علامة المعرفة والتَّسنُّن، ويعتبرون الإرسال علامة الجهالة والابتداع، وبالغوا في ذلك حتى صارت المسألة كأنها من مهمات مسائل أصول الدين، متعللين في ذلك بأن الإرسال لا دليل عليه، وأن أدلة الضم متواترة!! وأنه لا يرسل في الصلاة إلا حَفْنَة من الناس ليس لهم في ذلك رائحة دليل.
تلك التقولات وغيرها جعلت البعض يتساءل كيف جاء الارسال في الصلاة؟ ومن هم القائلون بشرعيته؟ وما مدى صحة ما يعتمدون عليه من الأدلة في ذلك؟
وكنت ممن خطر بباله تلك التساؤلات؛ فتوجهت نحو البحث في هذه المسألة بجدٍ وتوسع، إيمانا مني بأن بحث أي موضوع، وجمع ما أمكن من أدلته وملابساته، وفحصها بموضوعية، بعيداً عن أي عصبية أو ميول مسبق، أو تأثر بمحيط ثقافي أو اجتماعي أو سياسي؛ يؤدي إلى رؤية إن لم تكن صواباً، فقريبة من الصواب.
وبعد أن باشرت عملي في البحث والتتبع وجدت أن الخلاف في مسألة الضم والإرسال في الصلاة واقع بين علماء المسلمين: فقهاء ومحدثين، وهو خلاف لا يؤدي - في الحقيقة - إلى التباعد والتنافر بين الأمة الواحدة، لا سيما وأن هذه المسألة من المسائل الفرعية الاجتهادية التي كل مجتهد فيها مصيب، إذا اجتهد وأعطى المسألة حقها من البحث والتنقيب الذي لا يشوبه شيء من العصبية المذمومة.
وحين فرغت من الاطلاع على مقالات العلماء واستعراض الأدلة في هذه المسألة، رأيت أن أدون ما اجتمع عندي من المعلومات، لأقدمها للقراء وأقربها للباحثين، فجاءت في ثلاثة أبواب على النحو التالي:
(1/1)

الباب الأول في: الإرسال، ويشتمل على ذكر القائلين به، وبيان أدلتهم ومرجحاتهم، وما يتعلق بذلك.
الباب الثاني في: الضم، ويشتمل على ذكر القائلين به واختلافهم في صفته، وأدلتهم عليه، مع تعليق وتقييم للروايات المذكورة فيه.
الباب الثالث في: نتيجة البحث في المسألة، ويشتمل على تأملات في مجمل الأدلة، وذكر محاولات العلماء للجمع بينها، وما هو الأقرب إلى واقع الأدلة منها.
وهنا أود أن أشير إلى أن هذا الكتاب كان أول تجربة لي في مجال البحث والتأليف، وقد كنت سوَّدته وصورته لغرض التصحيح والمراجعة، ولكنني فؤجئت بعد أشهر بأن بعض دور النشر قد قامت بطباعته بغير أذن مني، فخرج الكتاب مشوها بكثير من الأخطاء والسقط، مما اضطرني إلى مراجعته على عجل وتقديمه للطباعة مرة ثانية، ولكنني رغم ذلك لم أتمكن من تصحيح جميع الأخطاء، فرأيت بعد نفاد الطبعة الأولى والثانية أن أعمل على مراجعة الكتاب وتهذيبه، فقمت بترتيبه والخذف منه والإضافة إليه وتأكدت من المصادر التي نقلت عنها، ونحو ذلك من التصحيحات.
والآن وبعد المراجعة والتهذيب أقدمه للقراء والباحثين باعتباره بديلاً عن الطبعتين السابقتين، راجياً أن أكون بهذا قد لفت النظر إلى أهمية ما وقع فيه من تغير، ومن الله أستمد العون والسداد.
وأخيراً أقدم هذا الجهد مني لطلبة العلم الشريف الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل ونور يذهب ظلمات العصبية والتحجر، وأنصح كل متعصب أن لا يقرأ كتابي هذا حتى لا يضيّع وقته، فأنا أعرف أنه لا يرضي المتعصبين.
ومن الله أستمد العون والهداية، والحمد لله رب العالمين.
محمد يحيى سالم عِزَّان
صنعاء : 1/ رمضان/ 1419هـ

Hg

مدخل
الارسال في الصلاة، هو: جعل اليدين - عند القيام - بجانب الفخذين، وهو الوضع الطبيعي للإنسان عند القيام.
(1/2)

وقد ذهب إلى أنه هو المشروع في الصلاة سائر المنتمين إلى خط أهل البيت من زيدية، وإمامية، وإسماعيلية، واختاره الإمام مالك ومن تبعه من المالكية، وذهب إليه سادات التابعين وكبار فقهاء المسلمين، أمثال سعيد بن المسيب فقيه أهل المدينة، وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير فقيها أهل الكوفة، وعطاء بن أبي رباح وعبد الملك بن جريج فقيها أهل مكة، والحسن البصري فقيه أهل البصرة، والليث بن سعد فقيه أهل مصر، وعبد الرحمن الأوزاعي فقيه أهل الشام، وغيرهم.
والقائلون بالارسال المتمسكون بفعله في الصلاة منتشرون على طول البلاد الاسلامية وعرضها، وليسوا قلة شاذة كما يروج متعصبي مخالفيهم، وهم يعتقدون أنهم متمسكون في ذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، معتمدين في ذلك على ما عرفوا من صفة صلاته صلى الله عليه وآله وسلم. وذلك ما سنفصله لاحقاً بمشيئة الله تعالى.

الفصل الأول
مذهب أهل البيت عليهم السلام
تضافرت الرِّوايات من طرق الخاصَّة والعامة على أن الإرسال أثناء القيام في الصلاة هو مذهب جمهور أهل البيت، وقد أخذوا ذلك خَلَفاً عن سلف، وعليه مضى سائر المنتمين إليهم من زيدية، وإمامية، وإسماعيلية، رغم اختلافهم في مسائل كثيرة، وذلك ما سنوضحه فيما يلي:
أولاً: مذهب الزيدية
اتفق جمهور الزيدية قديماً وحديثاً على أن إرسال اليدين على الفخذين هو المشروع عند القيام في الصلاة، وهو ما اشتهر عنهم واحتجوا له في كتبهم، ورجحوه على غيره وما زالوا يفعلونه جيلاً بعد جيل إلى يومنا هذا، وتأكيداً لذلك سأورد هنا نبذة من نصوص أئمتهم وعلمائهم لأضع القارئ أما صورة واضحة لهذا الجانب من المسألة.
(1/3)

فعن الإمام أحمد بن عيسى بن زيد (المتوفى 247هـ) أنه كان إذا كَبَّر في أول الصلاة أرسل يديه على فخذيه وهو قائم، ولم يضع واحدة على الأخرى(1).
* وجاء عن الإمام القاسم بن إبراهيم (المتوفى 246هـ) أن فعله يفسد الصلاة (2).
* وقال الحافظ محمد بن منصور المرادي المتوفى (390 هـ تقريباً): (( إذا كبَّرت فأرسل يديك حتى تقع كفّاك على فخذيك ))(3).
* واشتهر عن الإمام الهادي (المتوفي 298هـ) أن أن فعله لايجوز وأنه يفسد الصلاة (4).
* وقالت الناصرية، وهم زيدية الجيل والديلم(5): وضع اليد على اليد في الصلاة بعد التكبيرة غير مشروع(6).
* وقال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفي 411هـ): (( وذلك مكروه عند أهل البيت عليهم السلام؛ لأن ذلك ينافي السكون؛ فإنه يحتاج عند الوضع إلى إرسالهما، ثم إلى رفعهما، ثم إلى إرسالهما وذلك ضد السكون )).روى ذلك عنه القاضي زيد في (شرح التحرير)(7)، والأمير الحسين في (الشفاء)(8).
__________
(1) أمالي أحمد بن عيسى المطبوع باسم (رأب الصدع 1/263 رقم: 368)، وباسم بـ(العلوم 1/124)، ورواه عنه أبو عبد الله العلوي في الجامع الكافي 1/55 مخطوط، والعلامة الشهيد محمد بن صالح السماوي في الغطمطم 5/48.
(2) البحر الزخار 2/241، لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار مخطوط 1/496. ونقل العلامة صلاح بن أحمد المهدي عن القاسم بن إبراهيم أنه بدعة غير مفسد، إذ لا دليل.
(3) أمالي أحمد بن عيسى المسمى بالعلوم ، ورواه أبو عبد الله العلوي في الجامع الكافي 1/55، والعلامة الشهيد محمد بن صالح السماوي في الغطمطم 5/48.
(4) شفاء الأوام 1/310، البحر الزخار 2/241.
(5) وهم أتباع الإمام الناصر الأطروش (المتوفى 304هـ )، لأنه كان أبرز أئمة الزيديه هناك.
(6) البحر الزخار 2/241، لطف الغفار - خ - 1/497.
(7) شرح التحرير للقاضي زيد مخطوط.
(8) شفاء الأوام 1/310.
(1/4)

* وقال الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني (المتوفى 424هـ): ((ولا يجوز للمصلي أن يضع يمينه على يساره في حال القيام، على موجب قول القاسم ويحيى عليهما السلام، فإن فعل ذلك بطلت صلاته)) (1).
* وقال الحافظ أبو عبد الله العلوي (المتوفى 445هـ): (( وأما وضع اليمنى على كفه اليسرى فيكره، ويقال: إنه من فعل اليهود ))(2).
* وقال العلامة جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى 576هـ) في تعداد مفسدات الصلاة: ((والثالث: أن يفعل فيها أفعالاً كثيرة ليست منها، ويِدْخل في ذلك وضع اليد على اليد ))(3).
* وقال الأمير الحسين بن بدر الدين (المتوفى 662هـ): (( قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أُسكنوا في الصلاة )). يدل جميع ذلك على أنه لا يجوز للمصلي أن يضع يمينه على يساره في حال القيام ))(4).
* وقال الإمام يحيى بن حمزة (المتوفى 749هـ): يكره(5).
* وقال العلامة ابن المظفر (المتوفى 796هـ): (( وضع اليد اليسرى على اليمنى مفسد إذا كثر، نحو أن يستمر حتى كَثُر، وهو حيث يكون الوضع أكثر من الإرسال. ذكره المنصور بالله. ونحو أن يضع ثم يرفع ثم يضع، وكذا في وضع اليمنى على اليسرى ))(6).
* قال العلامة يوسف بن أحمد بن عثمان ـ وهو أحد أقطاب المذهب الزيدي في عصره (توفي 832 هـ): هذه المسألة ـ أي الضم ـ اختلف فيها العلماء، فمذهب عامة أهل البيت أن ذلك غير مشروع(7).
* وقال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (المتوفى 840هـ): تركه أحوط(8).
__________
(1) التحرير 1/ 90، الثمرات 2/1045 مخطوط.
(2) الجامع الكافي 1/55 مخطوط.
(3) نكت العبادات 50.
(4) شفاء الأوام 1/310.
(5) البحر الزخار 2/242، ولطف الغفار مخطوط 1/497.
(6) البيان الشافي 1/264 - 265.
(7) الثمرات 2/1045 -خ -. وعامة أهل البيت جمهورهم.
(8) البحر الزخار 2/241 ـ 242.
(1/5)

* وقال العلامة عبد الله بن مفتاح (المتوفى 877هـ) في (شرح الأزهار) عند ذكر مفسدات الصلاة وأثناء الكلام على كون الفعل الكثير مفسداً، ما لفظه: (( قال المؤيد بالله - واختاره الإمام يحيى -: إن الكثير: ما وقع الإجماع على كونه كثيراً. قال الفقيه يحيى: ولو اختلفوا هل هو مفسد أم لا؟ فلا عبرة بهذا الخلاف بعد إجماعهم على كثرته، كوضع اليد على اليد ))(1).
* واعتبره العلامة صارم الدين الوزير (المتوفى 941هـ) من الفعل الكثير المفسد للصلاة، فقال: ومنه وضع اليمنى على الشمال مطلقا(2).
* ورجح العلامة صلاح بن أحمد المهدي المؤيدي (المتوفى 1044هـ) كون الضم مفسد للصلاة(3).
* وذكر العلامة محمد بن القاسم الوجيه (المتوفى 1418هـ) أن العمل بالإرسال وخلاف الضم اشتهر عن الزيدية(4).
فهذه نبذة من أقوال أئمة وعلماء الزيدية، من قبل عصر الإمام الهادي، ومن مختلف العصور تبين ما كانوا عليه في هذه المسألة، أما علماء الزيدية المعاصرين فنحن نشاهدهم يرسلون أيديهم في الصلاة ويفتون بذلك.
الروايات المخالفة للمشهور عن الزيدية
لقد أتاح المذهب الزيدي لأتباعه حرية النظر والترجيح في مختلف المسائل الفرعية وذلك عندما يكون المرجح أهلا للنظر والاجتهاد، وتلك ميزة تسجل للمذهب الزيدي وتحمد له، وعلى هذا فلا حرج أن يختار بعض علماء الزيدية لنفسه العمل بهذه المسألة أو تلك، ولكنَّ غير المقبول هو أن يلزم أحد سواه باجتهاده، أو يجعل مما توصل إليه مذهباً لعموم الزيدية، ثم يعمد إلى تطويع نصوص الأئمة ويكثر التمحلات لترجيح ما ذهب إليه.
__________
(1) شرح الأزهار 1/266.
(2) هداية الأفكار -خ – 53.
(3) لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار -خ – 1/ 497.
(4) المنهاج السوي شرح منظومة الهدى النبوي 59.
(1/6)

وهذا ما فعله بعض علماء الزيدية المتأخرين في مسألة الضم والإرسال، وكان العلامة محمد بن إسماعيل الأمير من أكثر هم المتحمسين لإلزام الزيدية بفعل الضم في الصلاة، فقد قال في بحث له سماه: (المسائل الثمان)، ما لفظه: "الضم هو مذهب زيد بن علي، وأحمد بن عيسى حفيده، قال في (البحر): قال زيد وأحمد ين عيسى إن وضع اليد على اليد بعد التكبيرة مشروع، استوفى الهادي دليل هذا القول وكان يذهب إليه ، وقد عد رواته في ضوء النهار من عشرين طريقا، فإذا كان مذهب زيد بن علي تعين على من يدعي أنه زيدي المذهب أن يفعله في صلاته وإلا فليس بزيدي" أهـ.
وقد اخترت كلام العلامة الأمير للتعليق عليه هنا؛ لأن مخالفي الزيدية في هذه المسألة يروجون له كثيراً، وفيه من الأوهام ما لا بد من الكشف عنه.
أما نسبة الضم إلى الإمام زيد، فلا بد من التنبيه هنا على أن ما يذكر عن الإمام زيد من القول بمشروعية الضم مصدره الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى(1)، وهو إنما أراد أن الإمام زيد يرى أن الصلاة لا تفسد بفعله، لا أنه كان يفعله، ويؤكد ذلك أن الغمام المهدي أورده مقابل القول بأن الضم يبطل الصلاة.
وقد يحتج بعض الناس على اعتبار الضم مذهباً للإمام زيد بما ورد في (مسنده)، ولفظه: "قال أبو خالد رحمه الله: حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، أنه قال: ثلاثٌ من أخلاق الأنبياء تعجيل الإفطار، وتأخير السَّحور، ووضع الكف على الكف تحت السرة )(2).
وقد استشهد بهذه الرواية على شرعية الضم كل من الإمام محمد بن المطهر في (المنهاج الجلي) (3). والعلامة السياغي في (الروض النضير) (4).
ولكن أكثر الزيدية ينكرون أن يكون فعل الضم مذهباً للإمام زيد، ويقولون: إن ما ورد في (المسند) لا يدل عليه، لعدة أمور:
__________
(1) أنظر البحر الزخار 2/241 ـ 242.
(2) مسند الإمام زيد 205.
(3) المنهاج الجلي شرح مجموع زيد بن علي ـ خ ـ .
(4) الروض النضير 3/17.
(1/7)

الأول ـ أن الحديث ليس فيه ذكر الصلاة، ومن ادعى أنه في الصلاة فعليه الدليل الصحيح، ولعل إيراده في باب الصيام قرينة صارفة عن أن يكون المراد به في الصلاة.
قال شيخانا العلامة بدر الدين الحوثي حفظه الله: ((ليس في (المجموع) ذكرُ أنَّه في الصلاة ولا ينصرف إليها إلا بدليل، فإن ثبت أن الضم فيها للأنبياء بدليل آخر، انصرف إليها، وإلا كان الظاهر الإطلاق، وأنه أدب في العادة المعهودة للناس، التي هي الضم بدون تقييد كونه في الصلاة، فينبغي لمن يضم وراء ظهره أو على صدره أو يجعل اليسرى على اليمنى؛ أن يرجع إلى هذا الخُلُق النبوي ويترك العادة المخالفة له )) (1).
ويؤيد ذلك: أنه ورد بلفظ (أخلاق الأنبياء)، ولفظ (الأخلاق) يستعمل للآداب العامة في غير الصلاة، وفي ذلك ما روى البخاري من طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحدى صلاة العَشِيّ - قال ابن سيرين: قد سماها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا - فصلى بنا ركعتين، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى(2).
الثاني: أنه قد اشتهر عن الزيدية الإرسال في الصلاة، وهم أعرف بمذهب إمامهم واشد تمسكا به، وحديث (المجموع) عندهم صحيح، فلو كان الضم في الصلاة مفهوماً من الحديث، أو قولاً معروفاً للإمام زيد، لتسابقوا إلى فعله إذ ليس ثَمَّ ما يدعوهم لمخالفته لو كان مشروعاً.
الثالث: أن الرواية عن الإمام علي، ولو سُلم أن المراد بها (الضم في الصلاة)، فقد وجد قرائن تدل على أن ذلك في غير الفريضة.
منها: أن البخاري حينما روى الضم عن الإمام علي رواه في (باب الاستعانة)، أحد أبواب صلاة التهجد من صحيحه(3).
__________
(1) تحرير الأفكار 419.
(2) أخرجه البخاري 1/206، وأبو داود، وابن ماجة والنسائي، كما في تحفة الأشراف 10/342
(3) صحيح البخاري 2/138.
(1/8)

ومنها: أن ابن حزم حكى ذلك عن علي عند التطويل، فقال: كان ـ يعني علياً ـ إذا طول قيامه في الصلاة يمسك بيده اليمنى ذراعه اليسرى، من أصل الكف إلا أن يسوي ثوباً أو يحك جلداً(1).
ومنها: أن ذكر الوضع مع الفطور والسحور فيه إشارة إلى ما يفعله الصائم بين ذلك من تهجد وقيام.
وأما نِسْبَة الضم إلى الإمام أحمد بن عيسى فإذا لم يكن من قبيل ما ذكرنا عن الإمام زيد فهو وهم؛ لأن الثابت عنه غير ذلك، فقد جاء في كتاب الحافظ محمد بن منصور المرادي المسمى: (آمالي أحمد بن عيسى) قوله : (( إذا كبَّرت فأرسل يديك حتى تقع كفّاك على فخذيك )). وقال: رأيت أحمد بن عيسى بن زيد بن علي حين كبرَّ في أول الصلاة أرسل يديه على فخذيه وهو قائم، ولم يضع واحدة على الأخرى. وقد تقدم.
وأما اعتماد العلامة الأمير على ما في (البحر)، فقد تقدم وجهه، إلى جانب أن مؤلفه رجح ترك الضم فقال: تركه أحوط(2).
وأما قوله: أن الهادي استوفى دليله وكان يذهب إليه. فهو خلاف المعلوم عند الجميع، فإذا لم يكن غلطاً من الناسخ فهو سهو من العلامة الأمير.
وأما اعتماده على ما ذكر العلامة الجلال، حيث قال: وقد عد رواته في (ضوء النهار) من عشرين طريقاً. فنقول: نعم، ولكنه لم يعد منها طريقاً واحداً من طرق أهل البيت، فهو استشهاد في غير محله؛ لأن النزاع في دعوى نسبة ذلك إليهم، وما أورد من الروايات فهي من طرق مثبتي الضم، وعلى حسب أصولهم فكيف يلزم بها مخالفيهم. هذا إلى جانب أن الجلال نفسه اعترف بضعفها، وإنما اعتبرها "لشهادة بعضها لبعض"، على حد قوله(3).
__________
(1) المحلى بالآثار 3/30.
(2) البحر الزخار 2/241 ـ 242.
(3) ضوء النهار 544 ـ 545.
(1/9)

مع أننا لا نسلم أنها رويت من عشرين طريقاً، كما سيأتي توضيح ذلك، ولا نسلم شهادة بعضها لبعض؛ لأن ذلك لا يكون إلا فيما كان متحد المعنى متقارب الدلالة، وليس الحال كذلك في الأحاديث المذكورة، فإن فيها من الاختلاف في اللفظ ما يجعلها ذات معان مختلفة، فلا تصح شهادة بعضها لبعض.
وأما إلزامه للزيدية بهذا المذهب، بقوله: فإذا كان مذهب زيد بن علي تعين على من يدعي أنه زيدي المذهب أن يفعله في صلاته وإلا فليس بزيدي.
فإننا نقول: قد تقدم أنه ليس مذهب الإمام زيد فلا يتعين على أحد من الزيدية فعله، ثم أن نسبة الزيدية إلى الإمام الأعظم زيد بن على ليس على أساس اتباعه في مسألة فرعية، ولكن على أساس الانتماء إلى أصل الفكر، الذي من مبادئه: التوحيد والعدل، وما يلحق بهما من مسائل النبوة والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء لأهل البيت.
ومما يثار في هذا الجانب أن جماعة من العلماء المحسوبين في الزيدية قد اختاروا الضم ورجحوه، كالحافظ محمد بن إبراهيم الوزير(1)، والعلامة الجلال(2) والعلامة السياغي(3)، والعلامة الحسن بن يحيى القاسمي(4).
والواقع أن من أختار العمل بالضم من المذكورين أو غيرهم، لم يختره على أساس أنه مذهب الزيدية؛ لعدم المستند في ذلك، ولكنهم اختاروه على أساس أنهم وجدوا ما يرجح شرعيته في نظرهم، ولكلٍ اجتهاده، والزيدية كمذهب غير ملزمة باجتهاد بعض المنتمين إليها إذا كان مبنياً على غير قواعدهم، كما هو الحال في هذه المسألة.
أدلة الزيدية على الإرسال
__________
(1) العواصم والقواصم 3/14.
(2) ضوء النهار 1/544.
(3) الروض النضير 3/17.
(4) المسائل النافعة ـ خ ـ 93.
(1/10)

استدل علماء الزيدية على ما ذهبوا إليه من أن إرسال اليدين عند القيام في الصلاة هو المشروع بمجموعة من الأدلة، مع أنهم ومَن وافقهم لا يحتاجون إلى دليل في ذلك؛ لأنهم باقون على الأصل، وإنما يلزم من أتي برافع عن الأصل، أو ادعي شرعية ما اخْتَلَفَ في شرعيته أئمةُ الإسلام، وإنما ذكرنا هذه الأدلة تنبيها على عدم دقة دعاوى عدم وجود دليل على الإرسال، فعن الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير أنه قال: "وما علمت أنه روى أحد من أهل البيت وشيعتهم حديثاً واحداً في النهي عن وضع الكف على الكف في الصلاة(1).
وقال العلامة الحسن بن علي السقاف: وأما الإسبال ـ وهو: إرسال اليدين دون وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة الذي يفعله بعض الناس ـ فالسنة بخلافه(2).
ولعمري لقد تسرع كل من الحافظ الوزير والعلامة السقاف في هذا الحكم؛ لأن ما نورده من الروايات من كتب أهل البيت يشهد بغلطهما.
ومما يحسن التنبيه عليه هنا أنه لا يصح أن تُقَيَّم أدلة القائلين بالإرسال على قواعد مخالفيهم في تقييم الأدلة، فلا يقال: هذا الحديث ضعفه ابن معين أو الذهبي أو الشوكاني أو أتباعهم؛ أو أنه لا يوجد في كتاب البخاري أو مسلم أو الترمذي أو أبي داود أو غيرهم من المحدثين، ولكن تقيَّم على قواعد الزيدية أنفسهم، فإن ذلك أقرب إلى الحق والانصاف، إذ الكل يعتقد أن ما لديه هو الأصح وأن على بقية المسلمين التمسك به.
فمن أدلة الزيدية على ما ذهبوا إليه من ترجيح الإرسال في الصلاة ما يلي:
(1) - روى الحافظ محمد بن منصور المرادي، عن الإمام القاسم الرسي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إذا كنت في الصلاة قائماً فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى، ولا اليسرى على اليمنى، فإن ذلك تكفير أهل الكتاب، ولكن أرسلهما إرسالاً، فإنه أحرى أن لا تشغل قلبك عن الصلاة )).
__________
(1) العواصم والقواصم 3/14.
(2) صحيح صفة صلاة النبي 83.
(1/11)

احتج به الإمام القاسم بن محمد في (الاعتصام)(1)، والعلامة صلاح بن المهدي في (لطف الغفار)(2).
(2) - روى الإمام محمد المرتضى (ت310هـ)، عن أبيه الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في كتاب (المناهي)(3) بالإسناد من طريق آبائه، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه نهى أن يجعل الرجل يده على يده على صدره في الصلاة، وقال: ذلك مِنْ فعل اليهود، وأمر أن يرسلهما.
احتج بهذا الحديث الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد في الاعتصام(4)، والشهيد محمد بن صالح السماوي في (الغطمطم)(5) وقال: هذا إسناد في نهاية الصحة، كيف لا، ورجاله تلك السلسلة النبوية المطهرة بتطهير الله ورسوله؟
وصحح سنده شيخنا العلامة المحقق بدر الدين الحوثي في كتاب (التبيين)(6). ولا أعلم أحداً من علماء الزيدية ضعف هذه الرواية، أو شكك في صحتها.
(3) - أخرج الحافظ محمد بن منصور أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه نهى أن يدخل إحدى يديه تحت الأخرى على صدره وهو يصلي، وقال: ذلك فعل اليهود، وأمر أن يرسلهما(7).
احتج به الإمام المنصور بالله في (الاعتصام)(8)، والعلامة السماوي في (الغطمطم)(9).
__________
(1) الاعتصام 1/362.
(2) لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار مخطوط 496.
(3) المجموعة الفاخرة 247 مخطوط.
(4) الاعتصام 1/363.
(5) الغطمطم الزخار 5/48.
(6) التبيين في الضم والتأمين 8.
(7) كتاب المناهي ـ مخطوط ـ.
(8) الاعتصام 1/362 و2/13. وقد أسقط أيضاً من المطبوع: وذلك من فعل اليهود. وهو ثابت في جميع النسخ المخطوطة.
(9) الغطمطم الزخار 5/48.
(1/12)

ولفظه في (لطف الغفار): أمر صلى الله عليه وآله وسلم أن يرسل يديه إذا كان قائماً في الصلاة، ونهى أن يدخل إحدى يديه تحت الأخرى على صدره، وقال: ذلك فعال اليهود، وأمره أن يرسلهما(1).
ويشهد لما تقدم من غير طريق أهل البيت، ما أخرج ابن أبي شيبة - وهو من كبار محدثي أهل السنة - عن وكيع، عن يوسف بن ميمون، عن الحسن البصري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة ))(2). ورواه السيوطي في (الجامع الكبير)، وقال العلامة الشهيد محمد بن صالح السماوي: إسناده إلى الحسن صحيح(3). أقول: وقد ثبت عن الحسن البصري رحمه الله، أنه قال: كل شيء أقوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو عن علي بن أبي طالب(4).
(4) - أخرج الحافظ محمد بن منصور المرادي، في كتاب (المناهي)(5) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى الرجل أن يجعل يده على يده في صدره وهو يصلي، أو يده على فِيْهِ وهو يصلي، وقال: كذلك المغلول، وأمر أن يرسل يديه إذا كان قائماً في الصلاة.
احتج به الإمام القاسم بن محمد في (الاعتصام)(6)، والعلامة أحمد بن محمد الشرفي في كتابه (ضياء ذوي الأبصار في الأدلة على الأزهار)(7)، والمحقق الشهيد محمد بن صالح السماوي في (الغطمطم)(8) وجزم بصحته.
__________
(1) لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار مخطوط 496.
(2) مصنف ابن أبي شيبة 1/343 (3937).
(3) الغطمطم الزخار 5/48.
(4) قواعد التحديث للقاسمي 148.
(5) كتاب المناهي ـ مخطوط ـ.
(6) الاعتصام 1/362 و 2/13. وقد أُسقط من المطبوع، قوله: وذلك من فعل اليهود. وهو ثابت في جميع النسخ المخطوطة.
(7) ضياء ذوي الأبصار في الأدلة على الأزهار 1/77 مخطوط.
(8) الغطمطم 5/48.
(1/13)

ويشهد لهذا من غير طريق أهل البيت، ما روى ابن القيم: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن التكفير(1). فقال: ويكره أن يجعلهما على الصدر، وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه نهى عن التكفير، وهو وضع اليدين على الصدر.
(5) - أن أكثر أحاديث صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يَرِد فيها ذكر الضم، قال ابن رُشْد القرطبي: (( رأى قوم أن الآثار التي أَثْبَتَتْ ذلك ـ يعني الضم ـ اقتضت الزيادة على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة، وأن الزيادة يجب أن يصار إليها، ورأى قوم أن الأوجب المصير إلى الآثار التي ليست فيها هذه الزيادة؛ لأنها أكثر، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنما هي من باب الاستعانة؛ ولذلك أجازها مالك في النَّفل ولم يجزها في الفرض ))(2).
ومن أشهر روايات صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما روي عن أبي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ فقد سُمِع - وهو في عَشْرَة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منهم أبي قتادة الأنصاري، وأبي هريرة، وأبي أسيد، وسهل بن سعد- يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قالوا: لم ؟ فالله ما كنت أقدمنا له صحبةً ولا أكثرنا له إتياناً. قال: بلى، قالوا: فاعْرِض. فعرض أمامهم صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مفصلة بأركانها وهيئاتها ولم يضع يده على يده، ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين لترك ذلك، مع أنهم في مقام النَّقد، فلما انتهى قالوا: صدقت هكذا كان يصلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا الحديث رواه الصحاب الصحاح والسنن (3).
__________
(1) بدائع الفوائد 3/91. وأشار ابن الأثير إلى هذا الحديث في النهاية مادة (كفر).
(2) الهداية في تخريج أحاديث البداية 3/141.
(3) يأتي الحديث بلفظة وتخريجه.
(1/14)

(6) - إجماع المسلمين على أن من صلى ولم يضع يده على يده في صلاته وأرسلهما على فخذيه، فإنه قد صلى صلاة صحيحة كاملة، والاتزام بما أجمع عليه خير من فعل ما اختلف فيه.
(7) - الضم فعل كثير، إذ هو عبارة عن حركة وانشداد، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أسكنوا في الصلاة )). وواضع الكف على الكف لا يسمى ساكناً؛ لأنه لا يضعهما إلا بعد حركة.. وقد جعل الله تعالى الخشوع في الصلاة من صفات المؤمنين، فقال تعالى: ?الَّذِيْنَ هُمْ فِيْ صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ?[المؤمنون:2]، والإرسال إلى الخشوع أقرب، إذ المطلوب خشوع القلب والجوارح، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للذي كان يعبث بلحيته في الصلاة: أما هذا فلو خشع قلبه لخشعت جوارحه(1).
المطلب الثاني مذهب الإمامية
اتفق علماء الإمامية الشيعة الاثنا عشرية على أن الضم غير مشروع في الصلاة أصلاً، وأن المشروع فيها هو الإرسال.
* فقال الشيخ المفيد في صفة المصلي: (( يرسل يديه مع جنبيه إلى فخذيه )).. وقال: (( ولا يضع يمينه على شماله في صلاته كما يفعل ذلك اليهود والنصارى ))(2).
* قال شيخ الطائفة الإمامية أبو جعفر الطوسي: (( إذا أرَدْتَ الدخول في الصلاة بعد دخول وقتها، فقم مستقبل القبلة بخشوع وخضوع، وأنت على طهر، ثم ارفع يديك بالتكبير حيال وجهك ولا تجاوز بها طرفي أذنيك، ثم أرسلهما على فخذيك، حيال ركبتيك ))(3).
* وقال الكاشاني في صفة المصلي: (( ينتصب قائماً متوجهاً إلى القبلة عينها أو جهتها بوقار وخشوع، واضعاً يديه على فخذيه بإزاء ركبتيه ))(4).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة، واستشهد به ابن حجر في فتح الباري باب الخشوع في الصلاة، وقال: "فيه إشارة إلى أن الظاهر عنوان الباطن".
(2) المقنعة 104 ـ 105.
(3) النهاية في الفقه للطوسي 69.
(4) المحجة البيضاء 1/359.
(1/15)

* وقال الشيرازي ـ وهو يذكر صفة المصلي أثناء القيام ـ: (( يسدل منكبيه ويضع كفيه على فخذيه ))(1).
* وذكر السيد محمد باقر الصدر: أن التكتف (الضم) في الصلاة من الزيادة التي لا تجوز في الصلاة(2).
ثم اختلفوا في حكم صلاة من فعله على عدة أقوال:
القول الأول: أنها تبطل صلاته، قال العلامة العاملي: (( القول بالبطلان هو المشهور بين الأصحاب، ونقل الشيخ ـ يعني الطوسي ـ والمرتضى فيه الإجماع ))(3).
وقال العلامة الكركي: (( هو حرام في الصلاة عند أكثر الأصحاب ومبطل ))(4).
وعده الشهيد الثاني في مبطلات الصلاة(5).
وقال العلامة الحلي: (( التكفير مبطل للصلاة ـ وهو: وضع اليمين على الشمال في القراءة ـ عند علمائنا لإجماع الفرقة عليه ))(6).
وقال العلامة النِّراقي: (( حرمته في الصلاة مشهورة، صرح بها في (الانتصار) و(الخلاف) و(النهاية) و(الجمل) و(السرائر) و(الوسيلة) و(الغنية) و(النافع) و(المنتهى) و(التذكرة) و(نهاية الأحكام) و(التحرير) و(الإرشاد) و(القواعد) و(شرحه) و(الروضة) وغيرها ))(7).
وقال الشيخ محمد جواد مغنية: (( ذهب أكثر الفقهاء ـ يعني فقهاء الإمامية ـ إلى أنه حرام ومبطل للصلاة )) (8).
واحتجوا على كونه مبطلاً للصلاة بحجج، منها:
ـ أنه فِعْلُ كثير خارج عن الصلاة.
ـ أن أفعال الصلاة متلقاة من الشارع، ولم يشرع الضم في رأيهم؛ لأنهم لا يعتدون بما روي في ذلك من روايات.
ـ أن الاحتياط يقضي بترك ذلك؛ لأنه قد وقع الخلاف فيه دون الإرسال.
ـ أنه قد روي عن الصادق النهي عنه، والنهي يقتضي التحريم(9).
__________
(1) المسائل الإسلامية 283 المسألة رقم 985.
(2) الفتاوى الواضحة 524 المسألة رقم 156.
(3) مدارك الأحكام 3/459.
(4) جامع المقاصد 2/344.
(5) اللمعة الدمشقية 1/235.
(6) تذكرة الفقهاء 3/295.
(7) مستند الشيعة 7/ 16 ـ 17.
(8) فقه الإمام جعفر الصادق 1/187.
(9) انظر مدارك الأحكام 3/459 ـ 460، وجامع المقاصد 2/344.
(1/16)

القول الثاني: أنه حرام غير مبطل للصلاة.
قال العلامة النِّراقي: (( ثم أنه هل هو موجب لبطلان الصلاة؟ كما صرح به كثير من المحرمين؛ ومنهم والدي ـ رحمه الله تعالى ـ في بحث المنافيات من (التحفة الرضوية) أو لا؟ كما في (شرح الإرشاد) للأردبيلي، و(الروضة) و(المسالك)، ووالدي ـ رحمه الله ـ في بحث القيام من الكتاب المذكور. الحق هو الثاني للأصل الخالي عن المعارض مطلقاً، إلا ما استدل به من الإجماع البسيط في (الخلاف)، والمركب المصرح به في كلام الثانيين ـ يعني المحقق الثاني في (جامع المقاصد)، والشهيد الثاني في (روض الجنان) ـ وكونه فعلاً كثيراً، وأصل الاشتغال، وتوقيفية العبادة، ولزوم الزيادة في الصلاة، والكل ضعيف يظهر وجهه مما مر مراراً ))(1).
القول الثالث: أن تركه مستحب وفعله مكروه.
أشار إلى ذلك العلامة العاملي فقال: (( وخالف في ذلك ـ أي في كونه مبطلاً للصلاة ـ ابن الجنيد، حيث جعل تركه مستحباً، وأبو الصلاح حيث جعل فعله مكروهاً، واستوجهه في (المعتبر) ))(2).
واحتج أصحاب هذا القول بأن الأحاديث دلت على استحباب وضع اليدين على الفخذين محاذياً للركبتين، ولم تدل على الوجوب، ولم يتناول النهي وضعها في موضع معين، فكان للمكلف وضعها كيف يشاء. وأن ما ورد من إجماع على أنه مبطل للصلاة غير معلوم، خصوصاً مع وجود المخالف من أكابر الفضلاء. وأن من الضعف بمكان القول بأنه فعل كثير؛ لأن الفعل الكثير هو ما لا يُعَدَّ فاعله معه مصلياً في العادة. وأنه لم يثبت تحريمه كما لم يثبت تشريعه، فكان للمكلف وضعها كيف يشاء، وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه.
__________
(1) مستند الشيعة 7/ 18 ـ 19.
(2) مدارك الأحكام 3/459، جامع المقاصد 2/344.
(1/17)

وأجابوا على القول بأن الاحتياط يقضي بطرح ذلك، بأن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها على عدم المنع، وحملوا النهي عن التَّشَبُّه بالمجوس في ذلك على الكراهة؛ لأن مخالفتهم غير واجبة؛ لأنهم قد يفعلوا بعض ما يجب، فيكون الأمر بمخالفتهم لا على الوجوب.
وأجيب عليهم بأن ظاهر النهي التحريم، وكون مخالفتهم غير واجبة لا يقدح؛ لأن وجوبها حيث لا يدل دليل على الضِّد؛ لأن العام المخصص حجة في الباقي، على أنه لو تم ما ذكروه فإنها لا تتحقق الكراهة أيضاً؛ لأن مخالفتهم في الواجب حرام(1).
وفرق الشهيد الصدر بينما فُعِل منه بقصد أنه مشروع، وما فعل بقصد آخر، فقال: (( وضع إحدى اليدين على الأخرى في حال الصلاة غير مطلوب شرعاً ومن صنع ذلك قاصداً أنه مطلوب ومحبوب للشرع، فقد فعل حراماً؛ لأنه شَرَّع، ومن أتى به ولم يقصد أنه جزء من الصلاة فصلاته تقع صحيحة، وأما إذا قصد أنه جزء من الصلاة فصلاته باطلة ما لم يكن معتقداً خطأ بأنه جزء (2).
ولعله يريد بذلك ما فعل للتقية، ويُفهم من آخر كلامه أن من فعله معتقداً أنه جزء من الصلاة فإن صلاته لا تبطل وإن كان خطأ.
أدلة الإمامية
يَعتبر الإماميةُ أقوالَ الأئمة الاثني عشر حجة ودليلاً، وهي عندهم بمنزلة الحديث النبوي، باعتبارها صادرة من المعصوم في نظرهم، وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه ـ من ذلك ـ بأدلة كثيرة منها:
(1) - روى أبو جعفر الطوسي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر من حديث طويل في صفة الصلاة، أنه قال: (( وأسدل منكبيك وأرسل يديك ))(3).
(2) - عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ أنه لما صلى قام مستقبل القبلة منتصباً، فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضَمَّ أصابعه(4).
__________
(1) مدارك الأحكام 3/460 جامع المقاصد 2/344 ـ 345.
(2) الفتاوى الواضحة 534.
(3) وسائل الشيعة 5/511.
(4) وسائل الشيعة 5/511.
(1/18)

(3) - عن أبي جعفر عليه السلام قال: (( إذا قمت إلى الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ودع بينهما فصلاً إصبعاً أقل ذلك إلى شبر أكثره، وأسدل منكبيك، وأرسل يديك ولا تشبك أصابعك، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك ))(1).
(4) - وروي أيضاً عن أبي جعفر أنه قال: ((لا تُكَفِّر إنما يصنع ذلك المجوس ))(2).
(5) - وروى أيضاً فقال: (( وعن أحدهما ـ يعني الصادق والباقر ـ أنه سئل عن وضع اليمنى على اليسرى، فقال: ذلك التَّكْفِير فلا تفعل )). ونحوه حكى الشيخ محمد جواد مغنية(3).
(6) - وروى الشيخ الصدوق عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أنه قال ـ من كلام طويل ـ : (( لا تكفر إنما يصنع ذلك المجوس، وأرسل يديك وضعها على فخذيك، قبالة ركبتيك فإنه أحرى أن تهتم بصلاتك، ولا تشتغل عنها نفسك ))(4).
(7) - وعن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: (( وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة عمل ))(5).
(8) - وعن علي عليه السلام أنه قال: (( لا يجمع المسلم يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عز وجل يتشبه بأهل الكفر ـ يعني المجوس ))(6).
وهنالك عشرات الروايات في كتبهم عن سائر الأئمة الاثني عشر، أقتصر منها على ما سبق.

hg

الفصل الثاني
الإرسال في مذهب إمام أهل السنة مالك بن أنس
يعتبر الإمام مالك بن أنس من أكابر أئمة الحديث والفقه، فقد جمع بين الدقة في رواية الأحاديث وحسن النظر في معانيها، إلى جانب أن وجوده في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته وتعلمه من مشايخها مَكَّنه من التعرف عن كثب على الكثير مما مضى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، خصوصاً في المسائل العملية التي ورثها أهل المدينة في عصره عن جيل الصحابة رضوان الله عليهم.
__________
(1) وسائل الشيعة 5/511.
(2) تهذيب الأحكام 2/83 ـ 84.
(3) فقه الإمام الصادق 1/187.
(4) من لا يحضره الفقيه 1/214.
(5) قرب الإسناد 208 (809).
(6) وسائل الشيعة 7/267.
(1/19)

وقد كان إرسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليديه عند القيام في صلاة الفريضة من الأشياء المعروفة المألوفة عند أهل المدينة في الصدر الأول، مما جعل الإمام مالك مع شدة بحثه وتقصيه يقول ـ عندما سئل عن وضع الكف على الكف في الصلاة ـ: (( لا أعرفه في الفريضة )). وهو ثقة يحكي عن واقع يعيشه ويشاهده.
ونظراً إلى مكانة الإمام مالك العلمية، وقربه من عصر التشريع، وموقعه المتقدم بين أئمة أهل السنة، كان لكلمته في هذا الباب وزن كبير، مما جعل بعض المتحيزين يسعون إلى الخلاص مما روي عنه في هذه المسألة، فتارة يكتمونها، وتارة يروون عنه معارضاً لها، وتارة يفلسفونها فلسفة بعيدة، فيزعمون أن الإمام مالك ما ترك الضم في الصلاة إلا لأنه ضُرِب على يده، فكان لا يستطيع أن يمسكها على صدره، وهذا تأويل غير مجد حتى مع صحة الحادثة؛ لأنه إن كان ضُرب على يده فلم يُضْرَب على لسانه، حتى يقول: (( لا أعرفه في الفريضة ))!!
ولكي يكون المطلع على بينة من الأمر، سنضع بين يديه بعض التفاصيل المتعلقة بما روي عن الإمام مالك في هذه المسألة فنقول:
اشتهر عن الإمام مالك بن أنس القول بالإرسال، وعليه مضى كبار أصحابه، وروي عنه التخيير بين الإرسال والضم، وحكي آخرون عنه أن الضم مندوب، فهذه ثلاثة مذاهب، سنفصلها جميعاً فيما يلي:
المذهب الأول: الإرسال، وهو الأشهر والأكثر رواية، وعليه جمهور أصحابه، وأتباعه ممن لم يتأثر بالمذاهب الأخرى، كما هو الحال في سائر المذاهب، وقد روي عنه في ذلك روايات:
الرواية الأولى: الإرسال وكراهة الضم في صلاة الفريضة، وجواز الضم في النافلة.
ففي (مدونة فقه الإمام مالك): (( عن ابن القاسم قال: سئل مالك عن الضم، فقال: لا أعرفه في الفريضة. وكان يكرهه ))(1).
__________
(1) المدونة 1/76.
(1/20)

وقال ابن رُشْد المالكي: (( اختلف العلماء في وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة فكره ذلك مالك في الفرض، وأجازه في النفل ))(1).
وقال النووي: (( وعن مالك رحمه الله أيضاً استحباب الوضع في النفل والإرسال في الفرض، وهو الذي رجحه البصريون من أصحابه ))(2).
وقال العلامة الشهيد السماوي: (( وأما الإمام مالك بن أنس إمام أهل السنة فقد كره وضع إحدى اليدين على الأخرى في الفرض، وأجاز ذلك في النفل كما ذكر ابن رشد، والظاهر أن آثار الفعل لم تصح عنده، ولو صحت لقال بسنيته، فمنع منه الفرض دون النفل ))(3).
الرواية الثانية: أن الضم لا يجوز في الفريضة ولا يستحب في النافلة.
قال القرطبي وهو يحكي آراء المالكية: (( لا توضع ـ يعني اليدين ـ في فريضة ولا نافلة؛ لأن ذلك من باب الاعتماد، ولا يجوز في الفرض ولا يستحب في النفل ))(4).
وقال ابن عبد البر في (التمهيد)(5): ((قال مالك: وضع اليدين إحداهما على الآخرى في الصلاة إنما يفعل ذلك في النوافل من طول القيام، قال: وتركه أحب إلي )).
وقال النووي في (المجموع): ((وروى عنه ابن القاسم الإرسال، وهو الأشهر، وعليه جميع أهل المغرب من أصحابه أو جمهورهم ))(6).
وقال (في شرح صحيح مسلم) بعد ذكر رواية الإرسال عن مالك: ((وهذه رواية جمهور أصحابه وهي الأشهر عندهم ))(7).
وقال الحافظ ابن حجر: (( وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه ))(8)، ومثل قول ابن حجر قال العلامة الأمير في (سبل السلام)(9)، والزرقاني في (شرح الموطأ) (10).
__________
(1) بداية المجتهد 3/136 (النهاية).
(2) شرح صحيح مسلم 4/114.
(3) الغطمطم الزخار 5/49.
(4) جامع أحكام القرآن 20/220.
(5) التمهيد 20/74.
(6) المجموع 3/247.
(7) شرح صحيح مسلم 4/114.
(8) فتح الباري 2/178.
(9) سبل السلام 1/169.
(10) شرح الموطأ 1/454.
(1/21)

وذكر ابن القيم الأحاديث التي رويت في الضم، ثم قال: (( وردت هذه الآثار برواية ابن القاسم عن مالك: تركه أحب إلي ))(1).
وقال الشوكاني: (( ونقله ـ أي الإرسال ـ ابن القاسم عن مالك، وخالفه ابن الحكم فنقل عن مالك الوضع، والرواية الأولى عنه هي رواية جمهور أصحابه، وهي المشهورة عندهم ))(2).
وقال المباركفوري في ذكر الروايات عن مالك: ((إحداها ـ وهي المشهورة عنه ـ أنه يرسل يديه كما نقله صاحب (الهداية) والسرخسي في (محيطه) وغيرهما عن مالك، وقد ذكر العلامة أبو محمد عبد الله الشاسي المالكي في كتابه (عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة)، والزرقاني في (شرح الموطّأ) أن إرسال اليدين رواية ابن القاسم عن مالك، وزاد الزرقاني أن هذا هو الذي صار إليه أكثر أصحابه ))(3).
وقال العلامة الفضيل: (( عبارة مالك تعني أنه لا يعرفه أهل المدينة ولا يعلمونه، ولهذا فالمالكية جميعاً لا يعملونه اليوم، ويقول فقهاء المالكية في مؤلفاتهم: إن الإرسال في الصلاة هو إجماع أهل المدينة المنورة )) (4).
وقال صاحب (الاستنارة): (( ومعلوم أن مذهب المالكية هو الإرسال وما زال إلى التاريخ ))(5).
المذهب الثاني: التخيير بين الضم والإرسال، ذكر ذلك العلامة أبو محمد الشاسي(6)، والمباركفوري في تحفة الأحوذي(7)، وهي رواية مغمورة، ولعلها مجرد ترجيح من أحد المالكية.
المذهب الثالث: الضم مندوب، ذكر الشاسي أنها رواية مطرف وابن الماجشون عن مالك(8)، وقال المباركفوري: ذكره العيني في شرح (الهداية)(9).
وذكر النووي أن ابن عبد الحكم نقل عن مالك الوضع(10).
__________
(1) أعلام الموقعين 2/383.
(2) نيل الأوطار 2/201.
(3) تحفة الأحوذي 2/83. وانظر عقد الجواهر الثمينة 1/132.
(4) رسالتان 9 ـ 10.
(5) الاستنارة 75.
(6) عقد الجواهر الثمينة 1/132.
(7) تحفة ألأحوذي 2/83.
(8) عقد الجواهر الثمينة 1/132.
(9) تحفة الأحوذي 2/83.
(10) المجموع 3/312.
(1/22)

قال المبارك فوري: (( هو الذي ذكره مالك في (الموطأ) ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره ))(1).
وهذه رواية ضعيفة لمخالفتها المشهور عنه وما عليه جمهور أصحابه.
فإن قال قائل: قد روى مالك في (الموطّأ) حديث سهل بن سعد في الضم، و(الموطأ) عند المالكية عمدة.
قيل له: مجرد الرواية لا تدل على العمل بظاهرها، إضافة إلى أن عمدة المالكية في الفقه هو كتاب (المدونة)؛ لأنها مؤلفة بعد (الموطّأ)، أشار إلى ذلك غير واحد(2).
وقال ابن حجر: قال الحسيني في مقدمة (التذكرة): (الموطأ) لمالك هو مذهبه الذي يدين الله به أتباعه ويقلدونه. ثم تعقبه ابن حجر بقوله: ليس الأمر عند المالكية كما ذكر، بل اعتمادهم في الأحكام والفتوى على ما رواه ابن القاسم عن مالك ـ يعني (المدونة) ـ سواء وافق ما في (الموطأ) أم لا(3).
والأوْلَى أن يقال: قد ثبت عن مالك القول بالإرسال، فما روي من طريقه في (الموطّأ) أو غيره يجب أن يحمل على معنى يتلاءم مع ما ثبت عنه أنه كان يفعله.
أدلة الإرسال عند المالكية
(1) - البقاء على الأصل، فالمالكية يرون أن الإرسال هو الأصل في هيئة الإنسان أثناء القيام، وعلى ذلك لا يحتاجون إلى غير دليل القيام، والضَّم حركة زائدة على المأمور به، فلا تثبت إلا بدليل.
(2) - أن الضم غير معروف عند السلف، ولو عرفه مالك وأصحابه لما عدلوا عنه، إذ لا دافع لهم في تركه، إلا عدم ثبوت الدليل .
(3) - أن الضم ينافي الخشوع المأمور به؛ لأنه حالة من الاعتماد والانشداد.
(4) - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَلَّم المسيء صلاته ولم يذكر وضع اليدين إحداهما على الأخرى.
__________
(1) عون المعبود 2/455. وعزي الزرقاني في شرح الموطأ 4/454 هذا القول إلى ابن عبد البر ، ولم أقف عليه في التمهيد.
(2) العلامة الفضيل في الرسالتان 9.والحارث بن عبد الوارث في الاستنارة 75.
(3) تعجيل المنفعة 4.
(1/23)

(5) - أن أشهر أحاديث صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يَرِد فيها ذكر الضم، ومن أشهر تلك الروايات:
ما روي عن أبي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ فقد سُمِع - وهو في عَشْرَة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منهم أبي قتادة الأنصاري، (وأبي هريرة، وأبي أسيد، وسهل بن سعد)- يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قالوا: لم ؟ فالله ما كنت أقدمنا له صحبةً ولا أكثرنا له إتياناً. قال: بلى، قالوا: فاعْرِض.
فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائماً ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر، وركع، ثم اعتدل، فلم يصوب رأسه ولم يقنع، ووضع يديه على ركبتيه (وفرج بين أصابعه ثم هصر ظهره ) ثم قال: سمع الله لمن حمده، ورفع يديه واعتدل، حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم أهوى إلى الأرض ساجداً، ثم قال: الله أكبر، ثم جافى عضديه عن إبطه، وفتح أصابع رجليه، (وأمكن أنفه وجبهته وأمكن الأرض بكفيه وركبتيه وصدور قدميه) ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثم اعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم أهوى ساجداً، ثم قال: الله أكبر، ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه، ثم نهض.
(1/24)

ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك، حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه، حتى يحاذي بهما منكبيه، كما صنع حين افتتح الصلاة، ثم صنع كذلك حتى كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته أخّر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركاً، ( فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بأصبعه)، ثم سلم(1).
هذا وعشرة من الصحابة يراقبونه مراقبة شديدة لعله يخطئ أو يسهو فيعترضون عليه، إذ هو في مقام النَّقد، فلما انتهى قالوا: صدقت هكذا كان يصلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فمراعاته لوصف جميع هيآت الصلاة، وعدم ذكره لوضع الكف على الكف يوكد على أن ذلك لم يكن معروفاً في الصلاة عندهم.
وقد ألف الشيخ محمد بن يوسف المالكي كتاباً سماه: (نصرة الفقيه السالك في الرد على منكر السدل في مذهب مالك).

الفصل الثالث
في ذكر من روي عنه الإرسال من الصحابة والتابعين
__________
(1) هذا لفظ الترمذي 2/105 رقم (304)، وما بين الأقواس من مصادر الحديث الأخرى، فقد أخرجه البخاري 2/11، وأبو داود 1 رقم (730 ـ 734) والنسائي 2/211، وابن ماجة 1/337، وابن خزيمة 1/ رقم (587، 651، 700)، وأحمد بن حنبل في المسند 5/424، وابن حبان 5 رقم (1866، 1867، 1869، 1870، 1871، 1876)، وابن أبي شيبة 1/235، والبيهقي في السنن 2/116. وصححه غير واحد، وهو من أشهر الأحاديث الواردة في صفة الصلاة.وقد شذ ابن حزم فذكر ه في المحلى 3/30، وفيه ذكر الوضع، ولم يوافقه على ذلك أحد من الحفاظ.
(1/25)

تذكر المصادر الحديثية والفقهية أن هنالك كوكبة من سادات السلف وكبار التابعين وتابعيهم، روي عنهم القول بأن الإرسال هو المشروع أثناء القيام في الصلاة، أحببت أن أذكر ما قيل عنهم في هذه المسألة؛ لما في ذلك من دلالة على أن إرسال اليدين في الصلاة كان معروفاً مشهوراً يفعله كبار علماء الصدر الأول، كما أنه يجعلنا نتساءل عن حقيقة الأحاديث المروية في الضم، خصوصا وأن شطراً منها مروي من طُرق ألئك الذين يروى عنهم الارسال. فمنهم:
عبد الله بن الزبير
وهو من مشاهير الصحابة، قال الذهبي: كان كبيراً في العلم والشرف والجهاد والعبادة(1).
روى ابن أبي شيبة عن عفَّان، قال حدثنا يزيد بن إبراهيم، قال: سمعت عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير إذا صلى يرسل يديه(2). ومن طريق بن أبي شيبة رواه ابن المنذر(3).
وقال النووي: وحكى ابن المنذر عن ابن الزبير أنه يرسلهما، ولا يضع اليمنى على اليسرى(4). ومثله قال الشوكاني(5).
وأما أبو داود فروى عن ابن الزبير أن وضع اليد على اليد سُنَّة، وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه إن شاء الله.
فقيه المدينة سعيد بن المسيب
وهو الإمام أبو محمد القرشي، أحد كبار فقهاء المدينة، وسيد التابعين في زمانه، روى عن كثير من الصحابة، توفي (79 هـ).
روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمر بن هارون، عن عبد الله بن يزيد قال: ما رأيت ابن المسيب قابضاً يمينه في الصلاة، كان يرسلهما(6).
فقيه الشهداء سعيد بن جبير
وهو الإمام المجاهد الشهير، أحد الرواة عن الصحابة، ومشاهير علماء التابعين، كان يسمى: جهبذ العلماء، قتله الحجاج (سنة 95 هـ).
__________
(1) سير أعلام النبلاء 3/364.
(2) مصنف ابن أبي شيبة 1/344 (3950).
(3) الأوسط 3/94.
(4) المجموع 3/311 ـ 312.
(5) نيل الأوطار 2/201.
(6) مصنف ابن أبي شيبة 1/344 (3952).
(1/26)

قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن العيزار، قال: كنت أطوف مع سعيد بن جبير فرأى رجلاً واضعاً إحدى يديه على الأخرى، هذه على هذه، فذهب فَفَرَّق بينهما ثم جاء(1).
وقال ابن المنذر: وروي أن سعيد بن جبير رأى رجلاً يصلي واضعاً إحدى يديه على الأخرى؛ فذهب ففرق بينهما(2). ونحوه روى ابن بطال في (شرح البخاري)(3).
وقد روى البيهقي من طريق يحيى بن أبي طالب، أنبأنا زيد، أخبرنا سفيان، عن ابن جريج، عن أبي الزبير قال: أمرني عطاء أن أسأل سعيداً: أين تكون اليد؟ فقال: فوق السرة. وقد ضعَّف هذه الرواية غير واحد من وجوه(4).
وعلى فرض صحتها، فسؤال عطاء عن مكان الضم يدل على أنه لم يكن معروفاً، وأن أحسن ما يقال فيه: أنه شُرِعَ كرخصة عند التَّعب والتطويل في النوافل، ولخفاء ذلك ونَدْرَته كان مما يسأل عنه، إذ لو كان يفعل في الفرائض لما احتاج ذلك إلى سؤال.
فقيه الكوفة إبراهيم النخعي
وهو: الإمام أبو عمران إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه، رأى عائشة، وروى عنه التابعون، قال الذهبي: كان عجبا في الورع والخير متوقيا للشهرة، رأسا في العلم. (توفي 96هـ)
روى عبد الرزاق عن الثوري وهشيم أو أحدهما، عن مغيرة، عن إبراهيم النخعي، أنه كان يصلي مسبلاً يديه(5).
__________
(1) المصنف 1/344 (3953).
(2) الأوسط 3/92 ـ 94.
(3) الاستنارة 74.
(4) انظر الجوهر النقي على سنن البيقي: 2/31.
... ... وقال أبو الطيب الأبادي في عون المعبود 2/457 ـ 458: وفي هذا الإسناد يحيى بن أبي طالب. قال الذهبي في ميزان الاعتدال وثقه الدارقطني، وقال فيه موسى بن هارون أشهد أنه يكذب عني في كلامه والدار قطني ممن اعتبر الناس به، وقال أبو عبيد الأجري خط أبو داود على حديث يحيى. وفيه زيد بن الحباب. قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطيء في حديث الثوري.
(5) مصنف عبد الرزاق 2/276.
(1/27)

وروى ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم النخعي، أنه كان يرسل يديه في الصلاة(1).
وروى ابن المنذر عنه أنه كان يرسل يديه، ولا يضع اليمنى على اليسرى(2)، وذكر ذلك النووي(3)، وابن عبد البر(4)، والشوكاني(5).
وقد روى عنه بعضهم الوضع. فروى ابن أبي شيبة، عن جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: لا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة(6). ولكن قال ابن عبد البر أن هذه الرواية لا تثبت عنه(7).
إمام الزهاد الحسن البصري
وهو: الإمام التابعي الكبير، المشهور علماً وزهداً وعبادة، لقي الصحابة وروى عنهم، (توفي110 هـ)
روى ابن المنذر(8)، والقفَّال(9)، وابن عبد البر(10) عن الحسن البصري القول بالإرسال، وقال النووي: روى ابن المنذر عن الحسن أنه يرسلهما، ولا يضع اليمنى على اليسرى(11). ومثله قال الشوكاني(12).
وفي (موسوعة فقه الحسن البصري): ويرسل يديه في القيام إرسالاً ولا يعقدهما على صدره، وقد كان الحسن يفعل ذلك(13).
وروى ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن يونس، عن الحسن، أنه كان يرسل يديه في الصلاة(14).
فقيه المحدثين محمد بن سيرين
وهو: الإمام الشهير أحد سادات تابعيين، روى عن كثير من الصحابة، قال الذهبي: كبير العلم ورع بعيد الصيت، (توفي110هـ).
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة 1/344 (3949).
(2) الأوسط 3/92.
(3) المجموع 1/311 ـ 312.
(4) التمهيد 20/75.
(5) نيل الأوطار 2/201.
(6) مصنف ابن أبي شيبة 1/343 (3944).
(7) تحفة الأحوذي 2/86 نقلاً عن التمهيد.
(8) الأوسط 3/92.
(9) حلية العلماء 96.
(10) التمهيد 20/76.
(11) المجموع 3/311 ـ 312.
(12) نيل الأوطار 2/201.
(13) موسوعة فقه الحسن البصري 2/608.
(14) مصنف ابن أبي شيبة 1/344 (3949).
(1/28)

روى عنه الارسال ابن أبي شيبة، فقال: حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن ابن سيرين، أنه سئل عن الرجل يمسك يمينه بشماله، قال: إنما فعل ذلك من أجل الدَّم(1). يعني نزول الدم أثناء القيام إلى أطراف الأصابع.
ورواه عنه ابن المنذر(2)، والقفال في (حلية العلماء)(3)، والقاضي أبو الطيب كما في (المجموع) للنووي(4).
شيخ الفقهاء عطاء بن أبي رباح
وهو: أحد الأعلام المشهورين، روى عن الصحابة، وهو شيخ أبي حنيفة والاوزاعي وابن جرج، (توفي 114 هـ).
روى عبد الرزاق الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاء، أنه كان يكره أن يقبض بكفه اليمنى على عضده اليسرى، أو كفه اليسرى على عضده اليمنى(5).
وحكاه عنه ابن عبد البر في (التمهيد)(6).
شيخ الحرم عبد الملك بن جرج
وهو: الإمام العلامة الحافظ شيخ الحرم، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، قيل إنه أول من صنف الكتب في مكة، قال عنه الذهبي: كان من بحور العلم. (توفي 149هـ ).
قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني في ( المصنف): رأيت ابن جريج يصلي مسبل يديه(7).
فقيه أهل الشام أبو عمرو الوزاعي
وهو: الإمام أبو عمر عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، فقيه أهل الشام وحافظهم، روى عن التابعين، وقال عنه الذهبي: كان رأسا في العلم والعبادة. (توفي 157هـ ).
__________
(1) المصنف 1/344 (3951).
(2) الأوسط 3/92.
(3) حلية العلماء 96.
(4) المجموع 3/311 ـ 312.
(5) مصنف عبد الرزاق 2/276.
(6) التمهيد 20/75.
(7) كذا في المصنف 2/276. وفي التمهيد نقلاً عن المصنف مسبلاً.
(1/29)

حكى السرخسي(1) عن الأوزاعي أنه كان يقول: إنما أمروا بالاعتماد إشفاقاً عليهم؛ لأنهم كانوا يطوِّلون القيام، وكان ينزل الدم إلى رؤوس أصابعهم، فقيل لهم: لو اعتمدتم لا حرج عليكم. وروى عنه القفال(2) والإمام المهدي(3) وابن عبد البر(4) والشوكاني(5) التخيير بين الوضع والإرسال.
وظاهر كلام النووي(6) يشير إلى أن التخيير عند الأوزاعي بين الوضع فوق أو تحت السُّرَّة، وهو خلاف ظاهر كلامه السابق.
عالم الديار المصرية الليث بن سعد
وهو: الإمام الحافظ عالم الديار المصرية وفقيهها، سمع من التابعين، وكان من مشاهير أهل العلم، (توفي 175 هـ).
قال ابن عبد البر: قال اللييث بن سعد: سدل اليدين في الصلاة أحب إليَّ، إلا أن يطيل القيام ويعيا فلا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى(7).
وقال القفال: قال الليث بن سعد: إنه يرسل يديه إلا أن يطيل القيام ويعيا(8).
وروى الإرسال عنه النووي في (شرح صحيح مسلم)(9). وقال في (المجموع): قال الليث بن سعد يرسلهما، فإن طال ذلك وضع اليمني على اليسرى للاستراحة(10).

****
هذا ما وقفت عليه من الروايات عن سادات التابعين وكبار علماء السلف من التابعين وتابعيهم في مسألة الإرسال، وهي روايات في أمهات كتب الحديث المشهورة، ولاشك أن من البعيد والبعد جداً أن تكون روايات الضم لم تبلغ أولئك العلماء الفطاحل، وهم من أكثر الناس اهتماماً بمسائل الفقه ورواية الحديث؛ لأنهم أئمة فقه وحديث، هذا إلى جانب أنهم كانوا من مختلف الأقطار، وأخذوا عن كثير من الصحابة.
__________
(1) المبسوط 1/23 ـ 24.
(2) حلية العلماء 96..
(3) البحر الزخار 2/242..
(4) التمهيد 20/75.
(5) نيل الأوطار 2/102.
(6) شرح صحيح مسلم 4/114.
(7) التمهيد 20/75.
(8) حلية العلماء 2/82.
(9) شرح صحيح مسلم 4/114.
(10) المجموع شرح المهذب 3/247.
(1/30)

وهذا يعني أن روايات الضم المذكورة إن كان لها حظ من الثبوت فإن علماء الصدر الأول فهموا أن المراد بها شيئاً غير الضم في صلاة الفريضة.
ولم ينصف صاحب (الروضة الندية) حين قال بعد ذكره للتابعين القائلين بالإرسال: فإن بلغ عندهم حديث الوضع، فمحمول على أنهم لم يحسبوه سنة من سنن الهدى، بل حسبوه عادة من العادات، فمالوا إلى الإرسال لأصالته، مع جواز الوضع، فعملوا بالإرسال بناء على الأصل، إذ الوضع أمر جديد يحتاج إلى دليل، وإذ لا دليل لهم، فاضطروا إلى الإرسال، لا أنه ثبت عندهم(1).
فهذا كلام غير صحيح؛ لأن من البعيد أن سادات السلف وكبار التابعين لم تبلغهم أحاديث الضم، ولكنها إما لم تكن موجودة، أو أنهم كانوا يضعفونها، أو يحملونها على محمل آخر، ومالوا إلى الإرسال لكونه المشروع دون غيره.

hg

مدخل
الضم، هو: وضع إحدى اليدين على الأخرى أثناء القيام في الصلاة، ويسميه البعض: التكتف، أو التكفير، وهو عند القائلين بشرعيته مجرد هيئة مندوبة، لا يؤثر تركه في صحة الصلاة.
وسأذكر في هذا الباب الذاهبين إلى شرعيته وما اختلفوا فيه من صفته، مسندا ذلك إلى أمهات كتبهم.
ثم استعرض أدلتهم التي اعتمدوا عليها معلقاً عليها بما يلتزمه المحدثون من أصول النقد وتقييم الأخبار، معتمداً في ذلك على النقل من كتبهم المشهورة، وأشير في الهامش إلى اسم الكتاب ورقم الجزء والصفحة، وسأبين في آخر هذا البحث الطبعات التي اعتمدتها لتلك الكتب.
وسيلحظ القارئ أنني تعمدت كشفت كثير من العلل التي قد يمر عليها بعض الباحثين مرور الكرام، وما ذلك إلا لأبين الجانب المفقود من البحث في هذه المسألة، لأن كثيراً ممن تطرق للبحث فيها أغفل جانب النقد وتغاضى في التقييم، مع أنني لم أهمل ذكر أقوال المصححين لبعض الروايات، وذلك ما سيجده القارئ في أثناء البحث، ومن الله أستمد العون والسداد.

الفصل الأول
__________
(1) الروضة الندية 1/97.
(1/31)

في ذكر القائلين بالضم وبيان اختلافهم فيه
ذهب علماء الحنفية والشافعية والحنبلية إلى أن المشروع في الصلاة أثناء القيام هو وضع اليد على اليد.
ثم اختلفوا، فمنهم من قال: فوق الصدر، ومنهم من قال: تحت الصدر، ومنهم من قال: تحت السرة، ومنهم من فرق بين الرجل والمرأة في ذلك(1).
ثم اختلفوا مرة أخرى في كيفية وضع اليد على اليد، هل يقبض اليسرى باليمنى، أم يضعها فقط؟ وهل يكتفي بوضع الكف على الكف، أم لا بد من وضع الكف على الكف والرسغ والساعد، أو على الذراع والكرسوع؟
يقول علماء الحنفية: إن كان المصلي رجلاً فيسن في حقه أن يضع باطن كفه اليمنى على ظهر كفِّه اليسرى، يحَلِّق بالخُنْصُر والإبهام على الرسغ، ويكون ذلك تحت السرة. وإن كانت امرأة فيسن لها أن تضع يديها على صدرها من غير تَحْلِيق (2).
ويقول علماء الشافعية: السُّنَّة للرجل والمرأة وضع باطن الكف اليمنى على ظهر كف اليسرى على بعض الكف وبعض الرسغ تحت الصدر وفوق السرة مما يلي الجانب الأيسر، وأما أصابع يده اليمنى فهو مخير بين أن يبسطها في عرض مَفْصِل اليسرى وبين أن ينشرها في جهة ساعدها (3).
وحكى الإمام المهدي عن الشافعي وابن الزبير أن الضَّم مشروع للسكون، فلو سكن مرسلاً كفى(4).
__________
(1) كما ذكر صاحب البحر الرائق 1/303.
(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1/251. ونظر المبسوط 1/24، والبحر الرائق 1/303.
(3) الفقه على المذاهب الأربعة 1/251، المهذب 1/239.
(4) البحر الزخار 2/242.
(1/32)

وفي (عون المعبود): ((جاء عن الشافعي في الوضع ثلاث روايات، إحداها: أنه يضع يده اليمنى على يده اليسرى تحت الصدر فوق السرة، والثانية أن يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، وهي الرواية التي نقلها صاحب الهداية عن الشافعي. وقال العيني: إنها المذكور في (الحاوي) من كتبهم. والثالثة: أن يضع يده تحت السرة. ذكر هذه الروايات الثلاث العلامة هاشم السِّندي في بعض رسائله في هذه المسألة )) (1).
أما علماء الحنبلية فالمروي عنهم: أن السنة للرجل والمرأة وضع بطن الكف اليمنى على ظهر كف اليسرى ويجعلهما تحت سرته (2).
وقال ابن القيم: اختلف قوله ـ يعني أحمد ـ في صفة وضع اليد على اليد، فعند أحمد بن أصرم المزني وغيره أنه يقبض بيمينه على رسغ يساره، وعند أبي طالب يضع يديه اليمنى وضعاً بعضها على ظهر كفه اليسرى وبعضها على ذراعه الأيسر.
واختلف في موضع الوضع، فعنه فوق السرة، وعنه تحتها، وعنه أبو طالب سألت أحمد: أين يضع يده إذا كان يصلي؟ قال: على السرة أو أسفل. وكل ذلك واسع عنده إن وَضَعَ فوق السرة أو عليها أو تحتها (3).
قال النووي: وعن أحمد روايتان كالمذهبين ـ يعني فوق السرة وتحتها ـ ورواية ثالثة أنه مخير بينهما ولا ترجيح، وبهذا قال الأوزاعي وابن المنذر (4).
وفي سبيل إظهار كل فريق لحجته احتدم جدال ونزاع واسع صارت ضحيته أدلة الضم، حيث ضَعَّف كل فريق أدلة الفريق الآخر وكشف خَلَلَها، مما يجعلنا نعيد النظر في المسألة من حيث المبدأ، لأن تلك الروايات إذا اختلف مدولها لم يصح أن يشهد بعضها لبعض.
__________
(1) عون المعبود 2/264.
(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1/251.
(3) بدائع الفوائد 3/91.
(4) شرح صحيح مسلم 4/115.
(1/33)

قال المباركفوري ـ بعد ذكر أحاديث الوضع تحت السرة ـ: ((فهذه الأحاديث التي أُستدل بها على الوضع تحت السرة، وقد عرفت أنه لا يصلح واحد منها )). وقال أيضاً: (( الفصل الثاني في ما تمسك به من ذهَب إلى وضع اليدين فوق السرة، لم أقف على حديث مرفوع يدل على هذا المطلوب ))(1).
وقال أبو الطيب الأبادي ـ وهو من الشافعية ـ: أما الوضع فوق السرة أو تحت السرة فلم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديث (2).
وقال الألباني: وضعهما على الصدر هو الذي ثبت في السنة، وخلافه إما ضعيف أو لا أصل له(3).
وهذه دعوى ناقضه فيها - من معاصريه - العلامة السقاف، فقال: ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع يديه على صدره(4). ثم أنه لم يستدل على ذلك إلا بحديث وائل عند ابن خزيمة، وقد ضعفه هو في هامش صحيح ابن خزيمة(5)، فهل نعتبر ذلك من تناقضاته؟
واستعمل الأحناف والحنابلة - القائلون بأن الوضع تحت السرة - نفس الأسلوب. فقد بذل الزيلعي - وهو من الأحناف - جهداً جهيداً في تضعيف أحاديث القائلين بالوضع على الصدر، وكذلك ابن القيم - وهو من الحنابلة - كما في (بدائع الفوائد) (6)، وألف بعض الأحناف كتاباً سماه: (دراهم الصُّرة في وضع الأيدي تحت السرة)، وأجاب عليه بعض الشافعية بكتاب سماه: (نقد الصُّرة)، وَرَدَّ عليه آخر من الحنفية بكتاب سماه: (الدرة في إظهار غش نقد الصرة)، وألف آخر من الشافعية كتاباً سماه: (فتح الغفور في وضع الأيدي على الصدور) ورد عليه آخر من الحنفية بكتاب سماه: (فوز الكرام بما ثبت في وضع الأيدي عند القيام).
__________
(1) تحفة الأحوذي شرح صحيح الترمذي 2/89.
(2) عون المعبود شرح سنة أبي داود 2/462.
(3) صفة صلاة النبي 61.
(4) صحيح صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم 83.
(5) صحيح ابن خزيمة 1/243.
(6) بدائع الفوائد 3/91.
(1/34)

وقد وقع جَدَل طويل حول الحديث الذي رواه ابن خزيمة في صحيحه عن وائل بن حُجْر، وفيه أن الوضع على الصدر، فالشافعية وأنصارهم يذكرون أن حديث وائل هذا صححه ابن خزيمة، وأن إسناده هو إسناد حديث وائل الذي أخرجه مسلم من طريق محمد بن جحادة، وشددوا على ذلك وأكثروا الاحتجاج حتى يكاد المطالع يعتقد أن ذلك شيء مقطوع به.
وعلى العكس شدد الأحناف والحنابلة في النكير على من ادعى تصحيحه من قِبَل ابن خزيمة، وانتقد صاحب (حاشية نصب الراية) الشوكاني بشدة واتهمه بالتهور، والمجازفة، حين ادعى أن ابن خزيمة صحح حديث وائل.
وكذلك ردُّوا بشدة على من زعم أن إسناد ذلك الحديث كالذي في صحيح مسلم، والأعجب من هذا كله أن المتنازعين مجرد مستنتجين إذ لم يطلع أحد منهم على كتاب صحيح ابن خزيمة.
وبعد أن طبع صحيح ابن خزيمة، وجدنا الحديث فيه، وليس إسناده كإسناد حديث مسلم، ولكنه مروي من طريق مؤمّل بن إسماعيل وهو ضعيف، وعلق عليه الألباني بقوله: إسناده ضعيف(1). وكان القول بعد الجَدَل الطويل قول الأحناف (2).
وفي ظل ذلك النِّزاع ذهب بعض العلماء إلى أن الأحاديث التي فيها ذكر تعيين الموضع ليست صحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأجمعها، قال الشيخ ابن الهمام: ولم يثبت حديث صحيح يوجب العمل في كون الوضع تحت الصدر وفي كونه تحت السرة (3).
وقال ابن أمير الحاج في (شرح المنية): ولم يثبت حديث يوجب تعين المحل إلا حديث وائل(4). وهذا بناء منه على أن ابن خزيمة صححه.. وليس كذلك كماسبق.
وقال ابن المنذر في بعض تصانيفه: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك شيء ـ يعني في تعيين مكان الوضع (5).
__________
(1) انظر صحيح ابن خزيمة 1/243.
(2) راجع نصب الراية وحاشيتها 1/313، وتحفة الأحوذي 2/87، وما بعدها، وعون المعبود 2/454، وصحيح ابن خزيمة 1/242.
(3) الروضة الندية 1/87.
(4) تحفة الأحوذي 1/87.
(5) عون المعبود 2/456.
(1/35)

بالعكس جزم العلامة المقبلي: فقال: اعلم أنه قد صح في صفتها وضع اليد على الصدر وتحت السرة، وروي من حديث علي مرفوعاً من طرق تحت السرة(1).
وهذا كلام غير دقيق، كما ستعرف، بل قد صرحوا بعكسه، فقال ابن المنذر في بعض تصانيفه: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك (أي في مكان الوضع) شيء فهو مخير(2).

hg

الفصل الثاني
في أدلة القائلين بالضم والتعليق عليها
احتج القائلون بأن الضم في الصلاة هو السنة بجملة من الروايات، منها ما هو خاص بالقائلين بأن الضم تحت السرة، ومنها ما هو خاص بالقائلين بأن الضم على الصدر، ومنها ما هو مشترك بينهم، ومنها ما وقع النزاع فيه، وقد رأيت أن أوردها في فصل واحد حتى لا يتكرر الكلام عليها.
وقبل البدء لابد من الإشارة إلى أنه ليس بصحيح ما يقال من أنه ورد في ذلك أكثر من عشرين حديثاً، فذلك تهويل وإرجاف لا واقع له، وإنما هي عدة روايات كَثَّرها النقل بالمعنى، واضطراب الرواة عند النقل، وهي كما يلي:
الرواية الأولى: في أن الضم من أخلاق الأنبياء
تنص إحدى الروايات على أن من سلوك الأنبياء: تعجيل الفطور، وتأخير السحور، ووضع الكف على الكف في الصلاة، وهي تروى عن: ابن عباس، أو ابن عمر، أو أبي هريرة اضطرب فيها الرواة، كما تروى عن أبي الدرداء، ويعلى بن مرة.
أما حديث ابن عباس
فرواه الطيالسي (3)، ومن طريقه البيهقي (4)، قال الطيالسي: حدثنا طلحة [بن عمرو الحضرمي]، عن عطاء [بن أبي رباح]، عن ابن عباس، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نُعَجِّل إفطارنا، ونؤخر سحورنا، ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة )).
__________
(1) المنار 1/174.
(2) عون المعبود 2/461ـ462.
(3) الطيالسي في المسند 346 (2654).
(4) البيهقي في السنن الكبرى 4/238.
(1/36)

ورواه الدارقطني(1)، من طريق مخلد بن يزيد: أخبرنا طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنا معاشر الأنبياء، أمرنا أن نؤخر السحور، ونعجل الإفطار، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة )).
تقييم الحديث
يوجد في هذا الحديث مجموعة من العلل، منها:
الأولى ـ أن مدار هذا الحديث على طلحة بن عمرو المكي، وقد تركه بعض المحدثين وضعفه الآخرون.
فقال فيه أحمد، والنسائي، وابن الجنيد، وابن حجر: متروك الحديث (2).
وقال عمر بن علي: لا شيء، متروك الحديث، كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه(3).
وقال ابن معين: ليس بشيء، ضعيف (4).
وقال البخاري: ليس بشيء، كان يحيى سيء الرأي فيه(5).
وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يحل كتابة حديثه ولا الرواية عنه، إلا على وجهة التعجب(6).
وضعفه: ابن المديني، وأبو زرعة، وأبوحاتم، والبزار، وأبو داود، والعجلي، والدارقطني، وابن سعد، وأبو أحمد الحاكم وغيرهم(7).
وقال الجوزجاني: غير مرضي في حديثه (8).
الثانية ـ أنه مضطرب، فقد رُوِيَ تارة عن ابن عباس، وتارة عن أبي هريرة، وتارة عن ابن عمر.
قال البيهقي: هذا حديث يعرف بطلحة بن عمرو المكي، وهو ضعيف، واختلف عليه ـ أي اضطرب ـ فقيل عنه كذا، وقيل: عنه عن عطاء عن أبي هريرة، وروي من وجه آخر ضعيف عن ابن عمر (9).
__________
(1) الدار قطني في السنن 1/284.
(2) الجرح والتعديل 4/478، الضعفاء للنسائي 143، تهذيب التهذيب 5/21 ـ 22، تقريب التهذيب 1/379.
(3) الجرح والتعديل 4/478. تهذيب التهذيب 5/21.
(4) الجرح والتعديل 4/478.
(5) تهذيب التهذيب 5/21.
(6) المجروحين 1/382.
(7) انظر تهذيب التهذيب 5/ 21 ـ 22، الخلاصة 180، الجرح والتعديل 4/678.
(8) أحوال الرجال 145 (252).
(9) السنن الكبرى 4/238، 2/29.
(1/37)

الثالثة ـ أنها اختلفت ألفاظه اختلافاً يؤثر في المعنى، ففي رواية الطيالسي: ونضع أيماننا... وفي رواية الدارقطني: وأن نمسك بأيماننا شمائلنا.. ومفهوم الوضع غير مفهوم الإمساك، ولذلك اختلفوا، فمنهم من قال: يكفي الوضع، ومنهم من قال: لا بد من الإمساك.
الرابعة ـ أنه من طريق عطاء، وقد ثبت عنه أنه كان يرسل يديه في الصلاة ـ كما تقدم ـ، فهذا الحديث من طريقه لا يخلوا: إما أن يكون غير صحيح عنه، وإما أن يكون له مدلول غير الضم في الصلاة، إذ لو كان صحيحاً ويفيد الضم لما خالفه.
متابعة عمرو بن الحارث
روى الطبراني في الكبير (1)، وابن حبان (2) من طريق حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، أنه سمع عطاء بن أبي رباح يحدث عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نؤخر سحورنا، ونعجل فطرنا، ونمسك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا)). هذا لفظ ابن حبان، وفي لفظ الطبراني: (( ووضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة )).
قال ابن حبان: سمع هذا الخبر ابن وهب عن عمرو بن الحارث، وطلحة بن عمرو، عن عطاء بن أبي رباح.
تقييم الرواية
يبدو أن هذه الرواية أصح ما في الباب من وجهة نظر ابن حبان، ولهذا اقتصر عليها في باب الضم، وذكر أنه رواها ابن وهب من طريق عمرو بن الحارث ليؤكد أن لها طريقاً آخر غير طريق طلحة بن عمرو، وهذا ما جعل بعض المحدثين يسارعون إلى تصحيحها، ولكنها رغم ذلك معلولة بخمس علل:
الأولى ـ أن هناك تردداً في صحة روايتها من طريق عمرو بن الحارث، فقد ذكر البيهقي أن هذا الحديث يعرف بطلحة بن عمرو ـ كما تقدم ـ. وعلى هذا فيحتمل أن بعض الرواة قد توهم فرواه من طريق عمرو بن الحارث، بدلاً من طريق طلحة بن عمرو خصوصاً وأن بين الاسمين تشابهاً.
__________
(1) المعجم الكبير 11/199 رقم (11485).
(2) صحيح ابن حبان 5/67 رقم (1770).
(1/38)

وهذا ما استشعره ابن حجر، فذكر عن الطبراني أنه قال: لم يروه عن عمرو بن الحارث إلا ابن وهب، انفرد به حرملة. قلت ـ والقائل ابن حجر ـ: أخشى أن يكون الوهم فيه من حرملة (1).
أقول: وقد يكون الوهم من ابن وهب نفسه، فقد ذكر النسائي والساجي أنه كان يتساهل في السَّماع (2).
الثانية ـ أنه انفرد به حرملة بن يحيى الحضرمي، وهو وإن كان كثير الرواية عن ابن وهب، إلا أنه لكثرة روايته كان يتفرد بغرائب، أشار إلى ذلك الذهبي (3).
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به (4).
وقال ابن عدي في الضعفاء: سألت عبد الله بن محمد الفرهاداني أن يملي علي شيئاً عن حرملة، فقال: هو ضعيف(5).
وأما أحمد بن صالح المصري فقد كان يحمل عليه ويتكلم فيه (6).
الثالثة ـ أنه على فرض صحته عن عمرو بن الحارث، لا يحتج به؛ لأن أحمد قد تكلم في عمر بن الحارث نفسه، فقال: رأيت له مناكير (7). وذكر الأثرم أنه حمل عليه حملاً شديداً. وقال: يروي عن قتادة أحاديث يضطرب فيها، ويخطيء (8). هذا إلى جانب أن حرملة انفرد به، وهو ضعيف كما تقدم.
الرابعة ـ أنه مروي من طريق عطاء، وقد تقدم أنه ممن يرى الإرسال، ومخالفة الراوي لما روي مُوجب لضعف الرواية.
الخامسة ـ أن في ألفاظه اختلافاً يؤثر في المعنى، ففي رواية الطبراني: ووضع أيماننا .. وفي رواية ابن حبان: ونمسك بأيماننا..
وروي عن ابن عباس من طريق أخرى
__________
(1) تلخيص الحبير 1/224. وقال الشوكاني في نيل الأوطار 2/200: تفرد به حرملة.
(2) انظر تهذيب التهذيب 6/67.
(3) ميزان الاعتدال 1/472.
(4) الجرح والتعديل 3/274.
(5) الكامل في الضعفاء 2/863.
(6) تهذيب التهذيب 2/202.
(7) تهذيب التهذيب 8/14.
(8) ميزان الاعتدال 3/252.
(1/39)

رواه الطبراني في الكبير (1)، والأوسط (2) من طريق محمد بن أبي يعقوب الكرماني، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجل الإفطار، وأن نؤخر السحور وأن نضرب بأيماننا على شمائلنا )).
وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد) وقال: رجاله رجال الصحيح(3).
تقييم الرواية
يعتبر هذا الحديث من أجود الأحاديث سنداً عند المحدثين، ورغم ذلك فإن فيه علتين:
الأولى ـ أن محمد بن أبي يعقوب تفرد براويته عن ابن عيينة. قال الطبراني عقب روايته: لم يروِ هذا الحديث عن ابن عيينة إلا محمد بن أبي يعقوب (4).
وقد قيل: إنه غير معروف، قال أبو حاتم: هو مجهول (5).
وذكره البخاري في مكانين من (التاريخ الكبير) أحدهما باسم محمد بن أبي يعقوب (6)، وثانيهما باسم محمد بن إسحاق وقال: هو ابن أبي يعقوب (7).
وقال الذهبي: اسم أبيه إسحاق بن منصور، وأنكر أن يكون مجهولاً (8).
الثانية ـ أن فيه: عمرو بن دينار أبو محمد المكي، وقد أشار الحاكم في علوم الحديث إلى أنه كان يدلِّس (9).
وقال عنه سفيان بن عيينة: اتفقوا على أنه كان مدلساً (10). وقد جاءت روايتهما بالعنعنة كما ترى.
وأما حديث ابن عمر
__________
(1) المعجم الكبير 11/7 رقم (10851).
(2) المعجم الأوسط للطبراني 5/137 (4261).
(3) مجمع الزوائد 3/155.
(4) المعجم الأوسط للطبراني 5/137 (4261).
(5) الجرج والتعديل 8/122، وتهذيب التهذيب 9/34.
(6) التاريخ الكبير 1/267.
(7) التاريخ الكبير 1/41.
(8) ميزان الاعتدال 4/70.
(9) تعريف أهل التقديس بمراتب المعروفين بالتدليس 42 (20).
(10) تعريف أهل التقديس بمراتب المعروفين بالتدليس 65 (52).
(1/40)

فأخرجه الطبراني في الصغير (1)، والأوسط (2)، والبيهقي (3)، من طريق يحيى بن سعيد بن سالم القداح، قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث: بتعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة )). اللفظ للطبراني.
تقييم الحديث
هذا الحديث لا يصح الاعتماد عليه؛ لما فيه من علل توجب سقوطه، وسوف ألخصها فيما يلي:
الأولى ـ الذي يظهر أن هذا الحديث لم يُرْوَ عن ابن عمر أصلاً، وإنما غلط في نقله بعض الرواة، فقد أثار الطبراني الشك حول هذا الحديث، فقال في (الأوسط): لا يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه.
وقال في (الصغير): لم يروه عن نافع إلا عبد العزيز، ولا عنه إلا ابنه، انفرد به يحيى بن سعيد القداح.
أقول: وكل واحد من هؤلاء ضعيف.
وجاء البيهقي ليؤكد أن هذا الحديث: ((تفرد به عبد المجيد وإنما يعرف بطلحة بن عمرو ـ وليس بالقوي ـ عن عطاء عن ابن عباس، ومرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ))(4).
ويؤكد ابن حبان ذلك فيقول في عبد العزيز بن أبي رواد: روى عن نافع أشياء لا يشك مَنْ الحديث صناعته ـ إذا سمعها ـ أنها موضوعة، كان يحدث بها توهماً لا تعمداً، ومن حَدَّث على الحسبان وروى على التَّوهم حتى كثر ذلك منه سقط الاحتجاج به، وإن كان فاضلاً في نفسه (5).
واتهم ابن عدي في ذلك عبد المجيد، فقال: يروي عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر، وكل هذه الأحاديث غير محفوظة (6).
الثانية ـ أن أكثر رواته ممن تُكُلِّمَ فيه.
* ففيه عبد العزيز بن أبي رواد. رُوي عن يحيى القطان أنه قال عنه: كذاب(7)
__________
(1) المعجم الصغير 1/176 رقم (279).
(2) المعجم الأوسط 4/41 (3053).
(3) السنن الكبرى 2/29.
(4) السنن الكبرى 2/29.
(5) المجروحين 2/136 ـ 137.
(6) الكامل في الضعفاء 5/1984.
(7) تهذيب الكمال 18/286.
(1/41)

وقال علي بن الجنيد: كان ضعيفاً وأحاديثه منكرات (1).
وذكره ابن عدي في الضعفاء وقال: في بعض رواياته ما لا يتباع عليه (2).
وذكره العقيلي في الضعفاء، وروي عن سفيان الثوري أنه قال: مات على بدعته، وروي أنه جاء عكرمة بن عمار إلى ابن أبي رواد فدق عليه الباب فقال: أين الضال (3).
* وفيه عبد المجيد بن عبد العزيز، قيل كان من غلاة المرجئة، اشتهر عنه أنه كان يقول: الإيمان قول.
قال الدارقطني: لا يحتج به، يعتبر به، وأبوه أيضاً لين، والابن أثبت، قيل: إنه مرجئ، ولا يعتبر بأبيه، يترك (4).
وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك(5).
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس بالقوي يكتب حديثه، كان الحُميدي يتكلم فيه(6).
وقال البخاري: كان يرى الإرجاء، كان الحميدي يتكلم فيه(7). وقال: في أحاديثه بعض اختلاف، لا يعرف، له خمسة أحاديث صحاح(8).
وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: حدثنا أحمد بن علي، قال: سألت محمد بن يحيى بن أبي عمر عن عبد المجيد فقال: ضعيف(9).
وقال الخزرجي: قال أحمد ويحيى: يغلو في الإرجاء(10).
وقال عبد الرزاق ـ حين بلغه موته ـ: الحمد لله الذي أراح أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من عبد المجيد(11).
* وفيه يحيى بن سعيد القداح، قال الهيثمي: ضعيف(12).
وقال الدار قطني: ليس بالقوي(13). وقال الذهبي: له مناكير(14).
__________
(1) تهذيب التهذيب 6/302.
(2) الكامل في الضعفاء 5/1929.
(3) الضعفاء الكبير 3/8.
(4) تهذيب الكمال 18/275.
(5) المجروحين 2/160 ـ 161.
(6) الجرح والتعديل 6/64 ـ 65.
(7) التاريخ الكبير 6/112.
(8) ميزان الاعتدال 2/648.
(9) الضعقاء الكبير 3/96.
(10) الخلاصة 243.
(11) تهذيب التهذيب 6/340.
(12) مجمع الزوائد 3/155.
(13) لسان الميزان 6/257.
(14) ميزان الاعتدال 4/378.
(1/42)

وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: في حديثه مناكير(1).
الثالثة ـ أنه قد نص بعض المحدثين على ضعف الحديث، قال الشوكاني: ضعفه العقيلي(2). فلعله ضعفه لعلة أخرى غير ما ذكرنا.
وأما حديث أبي هريرة
فأخرجه الدارقطني(3) من طريق النضر بن إسماعيل، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أمرنا معاشر الأنبياء أن نعجل إفطارنا، ونؤخر سحورنا، ونضرب بأيماننا على شمائلنا في الصلاة )).
تقييم الحديث
في حديث أبي هريرة هذا علتان تمنعان الاحتجاج به:
الأولى ـ أن في إسناده من تُكُلِّم فيه، ففيه: ابن أبي ليلى، وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
قال ابن حبان: كان رديء الحفظ، كثير الوهم فاحش الخطأ، يروي الشيء على التوهم، ويحدث على الحسبان فكثرت المناكير في روايته، فاستحق الترك. وتركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين(4).
وكان زائدة لا يروي عن ابن أبي ليلى، وكان قد تركه ويأمر بترك حديثه(5).
وكان شعبة يقول: ما رأيت أحداً أسوأ حفظاً من ابن أبي ليلى(6).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: كان سيء الحفظ مضطرب الحديث(7).
وقال الجوزجاني: سيء الحفظ(8).
وعن ابن المديني: كان سيء الحفظ واهي الحديث(9).
وقال الساجي: كان سيء الحفظ لا يتعمَّد الكذب، فكان يُمدح في قضائه، فأما في الحديث فلم يكن حجة(10).
وقال أبو حاتم: محله الصدق، كان سيء الحفظ، شُغِل بالقضاء فساء حفظه، لا يتهم بشيء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه ولا يحتج به(11).
__________
(1) الضعفاء الكبير 4/404.
(2) نيل الأوطار 2/200.
(3) سنن الدارقطني 1/284.
(4) المجروحين 2/244.
(5) الجرح والتعديل 7/322. والضعفاء الكبير 1/162.
(6) الجرح والتعديل 7/322.
(7) الجرح والتعديل 7/323.
(8) أحوال الرجال 71 (86).
(9) تهذيب التهذيب 9/303.
(10) تهذيب التهذيب 9/303.
(11) الجرح والتعديل 7/323.
(1/43)

وقال النسائي: ليس بالقوي(1). وقال الدارقطني: كان رديء الحفظ كثير الوهم.
وقال ابن جرير الطبري: لا يحتج به. وقال أبو أحمد الحاكم: عامة أحاديثه مقلوبة.
وقال ابن خزيمة: ليس بالحافظ وإن كان فقيهاً عالماً(2).
* وفيه: النظر بن إسماعيل، قال ابن حبان: كان ممن فحش خطأه وكثر وهمه فاستحق الترك من أجله(3).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه، فقال: لم يكن يحفظ الإسناد(4).
وقال عباس الدُّوري ويعقوب بن شيبة عن يحيى بن معين: ليس بشيء(5).
وقال أبو عبيد الآجرِّي عن أبي داود: تجيء عنه مناكير(6).
وقال أبو زرعة(7) والنسائي(8): ليس بالقوي.
وذكره العقيلي(9)وابن عدي في الضعفاء(10).
الثانية ـ ما أشار إليه البيهقي من أن هذا الحديث يعرف بطلحة بن عمرو المكي، وقد اضطرب في روايته، فرواه تارة عن ابن عباس، وتارة عن أبي هريرة، وتارة عن ابن عمر، لا سيما وأن طلحة شيخ النضر بن إسماعيل كما ذكر المزُِّي، فيحتمل أنه أخذه منه، ثم رواه من طريق أخرى؛ لأنه لم يكن يحفظ الإسناد كما قيل.
وأما حديث يعلى بن مُرَّة
رواه الطبراني في الكبير(11)، من طريق عبد الرحمن بن مسلمة الرازي، حدثنا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء، عن عمر بن عبد الله بن يعلى، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ثلاث يحبها الله: تعجيل الفطر، وتأخير السحور، وضرب اليدين إحداهما بالأخرى في الصلاة )).
تقييم الحديث
__________
(1) الضعفاء والمتروكين ترجمه 214 رقم (550).
(2) تهذيب التهذيب 9/303.
(3) المجروحين 3/51.
(4) العلل ومعرفة الرجال 2/256.
(5) تاريخ بغداد للخطيب 13/433.
(6) تهذيب التهذيب 10/388، ميزان الاعتدال 4/255.
(7) الجرح والتعديل 8/474.
(8) الضعفاء والمتروكين الترجمة 236 (624).
(9) الضعفاء الكبير 4/290.
(10) الكامل في الضعفاء 7/2491.
(11) المعجم الكبير 22/263 رقم (686).
(1/44)

مدار هذه الرواية على عمر بن عبد الله بن يعلى، عن أبيه، وهما ضعيفان جداً.
* فأما عمر بن عبد الله، فقال الدار قطني: متروك(1).
قال أحمد والنسائي وابن معين وأبو حاتم والساجي: منكر الحديث(2).
وقال ابن معين أيضاً: ليس بشيء(3).
وقال البخاري: يتكلمون فيه(4).
وقال أبو زرعة: ليس بالقوي. قيل له: فما حاله؟ قال: أسأل الله السلامة(5).
وقال أبو نعيم: رأيت عمر بن عبد الله فما أستحل أن أروي عنه(6).
وقال جرير بن عبد الحميد: كان يشرب الخمر(7).
وقال زائدة: رأيته يشرب الخمر(8).
وذكره العقيلي وابن عدي والدار قطني في الضعفاء(9).
وقال ابن حبان: منكر الرواية عن أبيه، وقال روى ـ نسخة أكثرها مقلوب ـ عن أبيه عن جده(10). وهذا الحديث من تلك النسخة كما ترى.
وقال الذهبي: ضعَّفوه(11).
* وأما عبد الله بن يعلى بن مرة، فقال البخاري: فيه نظر(12).
وإذا قال البخاري: فيه نظر لأي رجل فهو ممن لا يحتج بحديثه، ولا يستشهد به، ولا يصلح للاعتبار(13).
وقال ابن حبان: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، لكثرة المناكير في روايته، على أن ابنه واهٍ أيضاً، فلست أدري البلية فيها منه أو من أبيه(14).
وقال الذهبي: ضعَّفه غير واحد(15).
وقال الدار قطني: لا يعرف إلا بابنه عمر(16).
__________
(1) تهذيب الكمال 21/420.
(2) تهذيب الكمال 21/420.
(3) ميزان الاعتدال 3/211. تهذيب التهذيب 7/414.
(4) التاريخ الكبير 6/170.
(5) الجرح والتعديل 6/118.
(6) المجروحين 2/91.
(7) الكامل في الضعفاء 5/1693.
(8) ميزان الاعتدال 3/211.
(9) الضعفاء للعقيلي 3/176، الضعفاء والمتروكين للدار قطني 183، الكامل في الضعفاء 5/1693.
(10) المجروحين 2/91.
(11) الكاشف 2/274.
(12) الضعفاء الكبير للعقيلي 2/318.
(13) تحفة الأحوذي 2/87.
(14) المجروحين 2/92.
(15) ميزان الاعتدال 2/528.
(16) الضعفاء والمتروكين، ترجمة عمر بن عبد الله 128 (397).
(1/45)

وذكره ابن عدي والعقيلي في الضعفاء(1).
*وفيه أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء، قال ابن المديني: ليس بشيء تركناه لم يكن بذاك(2).
وذكره ابن عدي في الضعفاء وقال: الذي قاله علي بن المديني هو كما قال، وهو في جملة الضعفاء(3).
وقال الساجي: فيه ضعف(4).
وقال في الخلاصة: هو من جملة الضعفاء(5).
وقد أعله العقيلي(6)، والهيثمي(7)، والشوكاني(8)، بعمر بن عبدالله بن يعلى.
وأما حديث أبي الدرداء
رواه الطبراني في المعجم الكبير كما في (مجمع الزوائد)(9) بلفظ: ((ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة )).
قال الهيثمي: في رجاله من لم أجد مَن ترجمه.
ولم أظفر به في معجم الطبراني حتى أنظر في رجاله، ولعله في أحد الأجزاء المفقودة.
الراوية الثانية: في أن النبي كان يفعله
تذكر بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع إحدى يديه على الأخرى في الصلاة، وهي مروية عن شداد بن شرحبيل، وغطيف بن الحارث، وهلب الطائي، وثلاثتهم مشكوك في صحبتهم، كما تروى عن ووائل بن حجر، وابن مسعود، ومرسل عن طاووس اليماني.
فأما حديث شداد بن شرحبيل
__________
(1) الكامل في الضعفاء 4/1540، الضعفاء الكبير 2/318.
(2) ميزان الاعتدال 2/592.
(3) الكامل في الضعفاء 4/1599.
(4) تهذيب التهذيب 6/247.
(5) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 235.
(6) الضعفاء الكبير 3/177.
(7) مجمع الزوائد 2/105.
(8) نيل الأوطار 2/200.
(9) مجمع الزوائد 2/105.
(1/46)

فرواه الطبراني(1)، والبزار(2)، والبخاري في التاريخ(3)، من طريق حيوة بن شريح الحمصي، حدثنا بقية بن الوليد، حدثنا حبيب بن صالح، حدثنا عياش بن مؤنس، عن شداد بن شرحبيل الأنصاري، قال: مهما نسيت فإني لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائماً يصلي ويده اليمنى على اليسرى، قابضاً عليها.
هذا لفظ الطبراني. وليس في رواية البخاري قابضاً عليها.
تقييم الحديث
ترك الاحتجاج بهذا الحديث معظم القائلين بشرعية الضم في الصلاة؛ لأنه لا يرقى إلى أن يكون دليلاً، لما فيه من علل، نذكر منها:
الأولى ـ أن هذا الحديث مرسل؛ فليس هنالك ما يثبت صحبة شداد بن شرحبيل إلا ما في هذا الحديث من قوله: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. والحديث من رواية عياش، وهو مع جهالته لم يذكر سماعاً من شداد. فصحة الحديث متوقفة على صحبة شداد، وصحبة شداد متوقفة على صحة الحديث، وهذا الدور يقضي بعدم حجية الحديث. ويؤكد ذلك أنه قد تردد غير واحد من الحفاظ، في كونه صحابياً، فقال ابن السكن: ليس بمشهور.
وقال ابن عبد البر: ليس لشداد بن شرحبيل غير هذا الحديث(4).
وقال البزار: لم يرو شداد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا هذا الحديث، ولم يرو له الطبراني إلا هذا الحديث(5).
الثانية ـ الانقطاع فإن عياش بن مؤنس مع أنه مجهول، قال فيه الهيثمي: لم أجد من ترجمه(6). ولم يذكر سماعاً من شداد، وقد نبه على البخاري على هذه العلة في (التاريخ الكبير)(7).
الثالثة ـ أنه تفرد به بقية بن الوليد، ولا عبرة بما تفرد به، خصوصاً أنه رواه من طريق مجهول العين والعدالة، عن مجهول الصحبة.
__________
(1) المعجم الكبير 7/282 رقم (7111).
(2) كشف الأستار 1/254.
(3) التاريخ الكبير 4/225.
(4) الإصابة 2/1393، الاستيعاب 2/137.
(5) مجمع الزوائد 2/105.
(6) مجمع الزوائد 2/105، نيل الأوطار 2/200.
(7) التاريخ الكبير 4/225.
(1/47)

قال أحمد: توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير، فعلمت من أين أتى(1).
وقال الخطيب: في حديثه مناكير(2).
وقال القطان: بقية يدلس عن الضعفاء، ويستبيح ذلك، وهذا إن صح مفسد لعدالته. قال الذهبي: نعم والله صح هذا عنه إنه يفعله(3).
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال أبو مسهر: إحذر حديث بقية وكن منها على تقية، فإنها ليست نقية(4).
وقال الجوزجاني: ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذه، أما حديثه عن الثقات فلا بأس به(5).
وقال عبد الحق: بقية لا يحتج به(6).
وقال الذهبي: بقية ذو غرائب وعجائب ومناكير(7).
وذكره الدار قطني(8)، والعقيلي(9)، وابن عدي(10) في الضعفاء.
وقال البيهقي: أجمعوا على أن بقية ليس بحجة(11).
وشدد ابن حبان النكير عليه، ولم يذكره في الثقات ـ على تساهله في التوثيق ـ بل ذكره في المجروحين، وقال بعد كلام طويل: فلا يحل أن يحتج به إذا انفرد بشيء(12).
وأما حديث الحارث بن غطيف
فرواه ابن أبي شيبة(13)، ومن طريقه الطبراني(14)، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن غطيف، أو غطيب بن الحارث، أنه قال: مهما رأيت نسيت لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضع يده اليمنى على اليسرى. يعني في الصلاة.
__________
(1) تهذيب التهذيب 1/417 ـ 419.
(2) تاريخ بغداد 7/123.
(3) ميزان الاعتدال 1/133 ـ 138.
(4) تاريخ بغداد 7/124، تهذيب الكمال 4/198.
(5) أحوال الرجال 174 ـ 175 (312).
(6) تهذيب التهذيب1/417 ـ 419.
(7) ميزان الاعتدال 1/339.
(8) الضعفاء والمتروكين 187 (631).
(9) الضعفاء الكبير 1/112.
(10) الكامل في الضعفاء 2/504.
(11) تهذيب التهذيب 1/417 ـ 419.
(12) المجروحين 1/200 ـ 202.
(13) مصنف ابن أبي شيبة 1/342 (3933).
(14) المعجم الكبير 3/276 (339).
(1/48)

ورواه أحمد(1)، عن حماد بن خالد، عن معاوية، عن يوسف بن سيف عن الحارث بن غطيف.
ورواه(2) عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن غطيف، قال: ما نسيت من الأشياء لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضعاً يمينه على شماله في الصلاة.
ورواه الطبراني(3) من طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح، به. غير أنه زاد بعد يونس رشيد الحبراني.
تقييم الحديث
لايصح الاحتجاج بهذا الحديث لعدة علل، منها:
الأولى ـ الاضطراب في السند، فقد زاد الطبراني ـ في إحدى الروايات ـ بين يونس والحارث: أبا رشيد الحبراني، كما ترى.
وفي إحدى روايات أحمد معاوية عن يونس بن سيف، وفي الأخرى يوسف بن سيف.
وبأقل من هذا يكون الحديث مضطرباً، فقد نص غير واحد على أن الزيادة في السند تؤدي إلى اضطرابه، ذكر ذلك ابن الأمير، عن ابن حجر، عن العلائي(4). وهذا اضطراب موجب لضعف الحديث.
الثانية ـ اختلاف اللفظ، ففي رواية أحمد أن الوضع كان في الصلاة، بينما رواية ابن أبي شيبة خالية من ذلك، فقال بعض الرواة: يعني في الصلاة.
الثالثة ـ أن هذا الحديث مرسل، فالقائل: لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد اختلف في اسمه، فقيل: الحارث بن غطيف.
وقيل: غطيف بن الحارث بالطاء المهملة. وقيل: غظيف بالظاء المعجمة. وقيل: غضيف بالضاد المعجمة(5)، وإلى جانب ذلك اختلف في صحبته. فالرجل معروف بروايته عن الصحابة وليس له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا هذا الحديث، فلا يبعد أن يكون فيه غلط من بعض الرواة.
__________
(1) مسند أحمد 4/105، 5/290.
(2) مسند أحمد 4/105، 5/290.
(3) المعجم الكبير 3/276 (3400). وانظر هامش العواصم والقواصم 3/10.
(4) توضيح الأفكار 2/38، وانظر علوم الحديث لصبحي الصالح 188.
(5) الإصابة 1/287، تقريب التهذيب 2/105.
(1/49)

قال ابن سعد: غطيف بن الحارث في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام(1).
وقال العجلي: غطيف بن الحارث شامي تابعي ثقة(2).
وقال المزي: مختلف في صحبته(3).
وذكره العلائي في (جامع التحصيل) وقال: مختلف في صحبته(4).
الرابعة ـ أن فيه معاوية بن صالح الحمصي. قال الذهبي: قال أبو حاتم: لا يحتج به، وكذلك لم يخرج له البخاري، وليَّنه ابن معين(5).
قال فيه ابن أبي حاتم: كان يحيى بن سعيد لا يرضاه. وقال: ما كنا نأخذ عنه ولا حرفاً. وقال ابن معين: ليس برضى(6).
وقال أبو إسحاق الفزاري: ما كان بأهل أن يروى عنه(7).
وقال ابن معين: كان عبد الرحمن إذا حدث بحديث معاوية بن صالح زجره يحيى بن سعيد(8).
وذكره ابن عدي(9) والعقيلي في الضعفاء. وروى العقيلي عن موسى بن سلمة قال: أتيت معاوية بن صالح لأكتب عنه، فرأيت أدوات الملاهي فلم أكتب عنه(10).
وأما حديث هُلْب الطائي
فرواه أحمد(11)، والترمذي(12)، وابن ماجة(13)، من طريق أبي الأحوص، عن سماك بن حرب، عن قبيصة بن هلب، عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤمنا، فيأخذ شماله بيمينه.
__________
(1) سير أعلام النبلاء 3/455.
(2) تاريخ الثقات 381.
(3) تهذيب الكمال 5/112.
(4) جامع التحصيل 1/251.
(5) ميزان الاعتدال 4/135.
(6) الجرح والتعديل 8/383.
(7) الضعفا الكبير 4/183. تهذيب التهذيب 10/190.
(8) ميزان الاعتدال 4/135.
(9) الكامل في الضعفاء 6/6300.
(10) الضعفاء الكبير 4/183.
(11) مسند أحمد 5/226 و227.
(12) صحيح الترمذي 2/32 رقم (252).
(13) سنن ابن ماجة 1/266.
(1/50)

ورواه ابن أبي شيبة(1)، ومن طريقه أحمد(2)، ورواه الدار قطني(3)، والبيهقي(4)، كلهم من طريق وكيع عن سفيان عن سماك بن حرب، عن قبيصة بن هلب الطائي، عن أبيه، قال رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم واضعاً يمينه على شماله في الصلاة.
ورواه أحمد(5) من طريق يحيى بن سعيد، عن سفيان ، عن سماك به، بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع هذه على صدره، وصف يحيى اليمني على اليسرى فوق المفْصِل.
وقد غلط بعضهم فرواه من طريق سماك عن تميم بن طرفة كما في (الإصابة)(6)، قال إبن أبي حاتم في (العلل)(7) : سألت أبي عنه فقال إنما هو سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه.
تقييم الحديث
هذا الحديث معلول بعلل شتى تمنع صحة الاحتجاج به.
الأولى ـ أن في صحبة هلب نظر، لأن من زعم أنه من الصحابة لم يستند في إثبات ذلك إلا إلى هذه الرواية وروايتين أخريين كلها من طريق سماك عن قبيصة، وسماك ضعيف، وقبيصة مجهول. ثم أنهم اختلفوا في اسمه فقيل اسمه هلب، وقيل: يزيد، وهلب لقب. وهذا ما جعل الصغاني يدرجه فيمن في صحبته نظر(8). فكيف يتسنى له أن يقول رأيت النبي .. الخ.
الثانية ـ أضطرب في نقله، ففي بعضها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤمُّهم، وفي بعضها لم يذكر ذلك، واكتفى بأن قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي بعضها حدَّد مكان الوضع بأنه على الصدر. وهذا الاضطراب في اللفظ يؤدَّي إلى الاختلاف في المعنى.
وقد أنكر المباركفوري ما ورد في رواية أحمد من زيادة تحدد مكان الوضع وأطال في الاحتجاج على ردِّها(9).
__________
(1) المصنف 1/341 رقم (3934).
(2) مسند أحمد 5/226 من طريق ابن أبي شيبة.
(3) سنن الدار قطني 1/285.
(4) سنن البيهقي 2/29.
(5) مسند أحمد 5/ 226.
(6) الاصابة 2/517.
(7) علل ابن أبي حاتم 1/142.
(8) أنظر: جامع التحصيل 1/294 . التحصيل 1/333.
(9) راجع تحفة الأحوذي 2/92 ـ 95.
(1/51)

الثالثة ـ تفرد به سماك عن قبيصة، وقد قال النسائي: إذا تفرد سماك بأصل لم يكن بحجة لأنه كان يلقن فيتلقن(1). وقال أحمد: مضطرب(2).
وقال ابن أبي مريم: كان شعبة بن الحجاج يضعفه(3).
وقال ابن المبارك: ضعيف في الحديث، وروي عن سفيان الثوري أنه كان يضعفه(4)
وقال صالح جزرة: يضعف(5). وقال ابن خراش: في حديثه لين(6).
وقال الدار قطني: سيئ الحفظ(7).
وذكره ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين، وقال: كان شعبة وسفيان يضعفانه(8).
الرابعة ـ فيه قبيصة بن هلب، وهو مجهول، قال ابن المديني والنسائي: مجهول لم يرو عنه غير سماك(9). ومثله قال الذهبي(10)، والشوكاني(11).
وقد حاول أبو الطيب الأبادي وغيره تصحيح هذا الحديث، وبرَّرَ ما قيل في اضطراب سماك وضعَّفه، بأنه خاص بروايته عن عكرمة، وليس الأمر كذلك كما ترى، فإنهم إنما ذكروا أنه أشد اضطراباً في روايته عن عكرمة.
وبرر جهالة قبيصة بأن حديث مجهول العين مقبول إذا وثَّقه غير المنفرد عنه.. قال: وقد عرفت أن أحمد العجلي وابن حبان من أئمة الجرح والتعديل وثقاه فكيف يكون مجهولاً(12)؟
أقول: أما العجلي فمعروف بأن منهجه ذكر كل التابعين في كتابه (الثقات)، حتى أنه ذكر فيه عمر بن سعد قاتل الحسين عليه السلام. وأما ابن حبان فمعروف بتوثيق المجاهيل.
__________
(1) ميزان الاعتدال 2/233، تهذيب التهذيب 4/204.
(2) الجرح والتعديل 4/279.
(3) تاريخ بغداد 9/215.
(4) تهذيب الكمال 12/120. المغني في الضعفاء 1/285.
(5) تاريخ بغداد 9/216.
(6) تاريخ بغداد 9/216.
(7) هامش تهذيب الكمال عن العلل.
(8) الضعفاء والمتروكين 2/26.
(9) الخلاصة 315، تهذيب التهذيب 8/314.
(10) ميزان الاعتدال 3/384.
(11) نيل الأوطار 2/200.
(12) عون المعبود 2/461.
(1/52)

قال ابن حجر: ((هذا الذي ذهب إليه ابن حبان ـ من أن الرَّجلَ إذا انتفت جهالة عينه، كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه ـ مذهب عجيب، والجمهور على خلافه، وهذا هو مسلك ابن حبان في كتابه الثقات ))(1)، لذلك يعتبر بعض المحدثين انفراد ابن حبان بالتوثيق، جرح. وعلى هذا فتوثيق العجلي وابن حبان لا يخلص قبيصة من الجهالة.
وأما حديث وائل بن حجر
فهو أشهر أحاديث الضم وأكثرها طرقاً، وهو الذي عول عليه كثير من القائلين بالضم، ولكنه في نفس الوقت أكثر أحاديث الباب اضطراباً واختلافاً في أسانيده ومتونه، وقد حاولت أن أعرضه هنا بما أمكنني من أسانيده ومتونه ليكون المطلع أمام حقائق يمكنه التأمل فيها .
(1) ـ ما روي من طريق علقمة ومولى لهم.
ـ روي من طريق محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل: أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبَّر (وصف همام حيال أذنيه)، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. رواه مسلم(2)، وأحمد(3)، وأبو عوانة(4)، والبيهقي(5)، والطبراني(6).
ـ ومن طريق محمد بن جحادة، عن عبد الجبار، عن أبيه، بلفظ: أن النبي كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه وكبَّر ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. رواه الطبراني(7).
ـ ومن طريق موسى بن عمير العنبري وقيس بن سليم (قالا): حدثنا علقمة بن وائل، عن أبيه، بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله. رواه النسائي(8)، والدار قطني(9).
__________
(1) لسان الميزان 1/14.
(2) صحيح مسلم 1/301 (401).
(3) مسند أحمد 4/317 ـ 318.
(4) مسند أبي عوانة 2/97.
(5) السنن الكبرى 2/28.
(6) المعجم الكبير 22/27 (60).
(7) المعجم الكبير 22/27 (60).
(8) السنن الكبرى للنسائي 1/309 (961).
(9) سنن الدار قطني 1/286.
(1/53)

ـ ومن طريق موسى بن عمير (بمفرده) عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضعاً يمينه على شماله في الصلاة. رواه أحمد(1) والدار قطني(2).
وبلفظ: كان إذا قام في الصلاة قبض على شماله بيمينه، رواه الطبراني(3)، والبيهقي(4)، وابن المنذر(5).
ـ ومن طريق حجر أبي العنبس، عن علقمة، عن وائل بن حجر، بلفظ: وضع يده اليمنى على يده اليسرى. رواه أحمد(6).
(2) ـ ما روي من طريق أم عبد الجبار
ـ وروي من طريق محمد بن حجر، حدثنا سعيد بن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيه، عن أمه، عن وائل، بلفظ: حضرت صلاة رسول الله إذا (أو حين) نهض إلى المسجد فدخل المحراب ثم رفع يديه بالتكبير، ثم وضع يمينه على يساره على صدره. رواه البيهقي(7).
ـ ومن طريق المسعودي، عن عبد الجبار بن وائل، عن أهل بيته، عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ووضع اليمنى على اليسرى ويحبس كفيه. رواه أحمد(8) والطبراني(9).
(3) ما روي من طريق عبد الجبار
ـ وروي من طريق أبي إسحاق عن عبد الجبار بن وائل عن وائل:
* بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة قريباً من الرسغ. رواه الطبراني(10).
* وبلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل في الصلاة فكبر ثم وضع ساعده اليمنى على ساعده اليسرى. رواه الطبراني(11).
__________
(1) مسند أحمد 7/316.
(2) سنن الدار قطني 1/286.
(3) المعجم الكبير 22/9 (1).
(4) السنن الكبرى 2/28.
(5) الأوسط 3/90 رقم (1282)، ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل الصلاة يأخذ شماله بيمينه.
(6) مسند أحمد 4/317.
(7) السنن الكبرى 2/30.
(8) مسند أحمد 4/316.
(9) المعجم الكبير 22/32 ـ 33 (76). إلا أن فيه: عن ناس من أهله، بدل: أهل بيته.
(10) المعجم الكبير 22/25 (52).
(11) المعجم الكبير 22/25 (50).
(1/54)

* وبلفظ: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيته وضع اليمنى على الأخرى. رواه الطبراني(1).
* وبلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة قريباً من الرسغ. رواه أحمد(2) والطبراني(3).
* وبلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتمد بإحدى يديه على الأخرى في الصلاة. رواه الطبراني(4).
* وبلفظ: يضع يده اليمنى في الصلاة على اليسرى. رواه أحمد(5).
(4) ـ ما روي من طريق كليب بن شهاب
ـ ومن طريق عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، بلفظ: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف يصلي فنظرت إليه فقام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد. رواه أحمد(6)، والدارمي(7)، والنسائي(8)، وابن خزيمة(9)، وابن الجارود(10)، والبيهقي(11)، والطبراني(12).
* وبلفظ: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى. رواه أحمد(13)، والطبراني(14).
* وبلفظ: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فأخذ شماله بيمينه. رواه ابن ماجة(15).
__________
(1) المعجم الكبير 22/25 (51).
(2) مسند أحمد 4/318.
(3) المعجم الكبير 22/25 (52).
(4) المعجم الكبير 22/25 (53).
(5) مسند أحمد 4/318.
(6) مسند أحمد 4/318.
(7) سنن الدارمي 1/314. وليس فيها: والرسغ والساعد.
(8) سنن النسائي 2/126. وليس فيها لفظ: ظهر.
(9) صحيح ابن خزيمة 1/243، رقم (480).
(10) المنتقى 62 رقم (208). وفيه: ثم وضع كفه اليمنى..
(11) السنن الكبرى 2/28. وفيها: الرسغ من الساعد..
(12) المعجم الكبير 22/ 35 (82). وفيه: بين الرسغ والساعد.
(13) مسند أحمد 4/319. وفيه: ووضع يده اليمنى على اليسرى..
(14) المعجم الكبير 22/33 (78).
(15) سنن ابن ماجة 1/266 (810).
(1/55)

* وبلفظ: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. وفيه: ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره. رواه ابن خزيمة(1). وهذه هي الرواية التي وقع كلام كثير حولها.
* وبلفظ: أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع يمينه على شماله، ثم وضعها على صدره. رواه البيهقي(2).
* وبلفظ: ثم أخذ شماله بيمينه. رواه عبد الله بن أبي شيبة(3)، وابن خزيمة(4)، وأحمد ابن حنبل(5)، والطبراني(6).
* وبلفظ: ثم ضرب يمينه على شماله فأمسكها. رواه ابن خزيمة(7).
* وبلفظ: رأيته ممسكاً يبمينه على شماله في الصلاة. رواه أحمد(8).
* وبلفظ: ثم قَبَض باليمنى على اليسرى. رواه الطبراني(9).
وذكر الشيخ قاسم قطلوبغا في تخريج أحاديث (الاختيار) عن ابن أبي شيبة أنه رواه عن وكيع، عن موسى بن عمير، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه، بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضع يمينه على شماله في الصلاة تحت السرة(10).
تقييم الحديث
__________
(1) صحيح ابن خزيمة 1/242 (479). وهذه الرواية ضعفها الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة.
(2) السنن الكبرى 2/30. هذه الرواية ضعفها الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/449 (449)، وحكى أيضاً أن العلامة عبد الله الغماري ضعفها.
(3) مصنف ابن أبي شيبة 1/342 (3935).
(4) صحيح ابن خزيمة 1/242 (477).
(5) مسند أحمد 4/316.
(6) المعجم الكبير 22/ 33 (79).
(7) صحيح ابن خزيمة 1/243 (478). وروى نحوه الطبراني في الكبير 22/38 (91)، إلا أنه لم يقل: فأمسكها. وزاد في الصلاة.
(8) مسند أحمد 4/318.
(9) المعجم الكبير 22/38 (90).
(10) انظر فتح الغفور 35 ـ 37، وعون المعبود 2/456، وقد طولا في تضعيف زيادة: تحت السرة.
(1/56)

هذا الحديث صححه بعض القائلين بأن الضم فوق السرة بناء منهم على أن ابن خزيمة صححه. وليس الأمر كذلك كما عرفت. وتساهل بعض المتأخرين منهم فصححوه، رغم معرفتهم بعدم تصحيح ابن خزيمة له، وتغاضوا عما قيل في رواية علقمة وعبد الجبار عن أبيهما، وذلك شأن الانتصار للمذهب والتعصب للرأي والأسلاف.
وقد تتبعت حديث وائل، فوجدت فيه من العلل ما يسقطه عن الاعتبار ويمنع من الاحتجاج به، ومن ذلك:
العلة الأولى ـ أن فيه اضطراباً في سنده، ففي بعض الروايات: علقمة عن أبيه.
وفي بعضها: عبد الجبار بن وائل، عن أمه، عن وائل.
وفي بعضها: عبد الجبار، عن أبيه.
وفيه بعضها: عبد الجبار، عن أناس من أهل بيته، عن أبيه.
وفي بعضها: علقمة، ومولى لهم، عن وائل.
وفي بعضها: أهل بيت عبد الجبار، عن أبيه وائل.
العلة الثانية ـ أن في هذا الحديث اضطراباً في متنه، واختلاف شديد ينعكس على فهم المعنى المراد من الحديث، ومن ذلك:
* أنه اختلف بالنسبة لذكر الوضع من عدمه، فقد رواه بعضهم وليس فيه ذكر الوضع أصلاً، وذلك في رواية الحميدي(1)، والطبراني(2).
* واختلف لفظه بالنسبة إلى موضع الوضع.
ففي رواية البزار: عند الصدر(3). وفي رواية ابن خزيمة: على الصدر. وفي رواية نسبت إلى ابن أبي شيبة: تحت السرة.
* واختلف لفظه في كيفية تشبيك اليدين.
ففي رواية أنه كان: يقبض. وفي رواية: يضع. وفي رواية: يمسك. وفي رواية: يضرب. وفي رواية: يحبس. وفي رواية: يأخذ.
* واختلف في موقع الكف على الكف.
ففي رواية: يده على يده. وفي رواية: اليمنى على اليسرى. وفي رواية: قريباً من الرسغ. وفي رواية: ساعده اليمنى على ساعده اليسرى. وفي رواية: يعتمد بإحدى يديه على الأخرى. وفي رواية: يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد.
__________
(1) مسند الحميدي 2/392 (885).
(2) المعجم الكبير 22/34 (81) و36 (85).
(3) ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري 2/178.
(1/57)

وهذا الاختلاف في السَّند والمتن اضطراب واضح في الحديث، وقد حاول بعضهم دفع هذا الاضطراب فقال المباركفوري(1): قال بعض الحنفية: حديث وائل فيه اضطراب، فأخرج ابن خزيمة في هذا الحديث: على صدره، والبزار: عند صدره، وابن أبي شيبة: تحت السرة.
قلت ـ والقائل المباركفوري ـ: ((قد تقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب، بل من شرطه استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجح أحد الأقوال قُدِّم (ولا يعل الصحيح) بالمرجوح، ومع الاستواء يتعذر الجمع على قواعد المحدثين. وهاهنا وجوه الاختلاف ليست بمستوية، فإن في ثبوت لفظ (تحت السرة) في رواية ابن أبي شيبة نظراً قوياً كما تقدم بيانه. وأما رواية ابن خزيمة بلفظ: على صدره، ورواية البزار بلفظ: عند صدره، فالأولى راجحة فتقدم على الأخرى. ووجه الرجحان أن لها شاهداً حسناً من حديث هلب، وأيضاً يشهد لها مرسل طاووس بخلاف الأخرى، فليس لها شاهد )).
أقول: لو سلم عدم ثبوت لفظ (تحت السرة)، فإن ترجيح لفظ: (على الصدر) على لفظ: (عند الصدر) بمرجح خارجي، وهو ما في حديث هلب وطاووس؛ غير دقيق ولا مخلص من الاضطراب؛ لأن هذا المرجح لا يصير الرواية غير مضطربة وإن صيرها راجحة، فلا بد من أن يكون المرجح لأحد لفظي الرواية من نفس الرواية لا من خارجها.
وقوله المقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب؛ صحيح، غير أن المراد الاختلاف بين روايتين لا في رواية واحدة، فهو اضطراب بلا شك.
قال: ولو سلم أنهما متساويتان فالجمع بينهما ليس بمتعذر.. ثم نقل عن بعض الشافعية أن الشافعي قد أخذ بهذه الأحاديث، لكن قال بوضع اليد على الصدر بحيث تكون آخر اليد تحت الصدر جمعاً بين هذه الأحاديث وبين ما في بعض الروايات: عند الصدر.
__________
(1) تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 2/83.
(1/58)

أقول: وهذا غير مخلص من الاضطراب في الرواية أيضاً، لأن الجمع يكون بين روايتين مختلفتين، لا بين اضطراب للفظ في رواية واحدة ذات أصل واحد.
قال: وقد جمع بعض أهل العلم بينهما بالحمل على صلاتين مختلفتين، ونظير هذا الاختلاف اختلاف رفع اليدين حذو المنكبين وحذو الأذنين في الصلاة.
أقول: هذه مجرد دعوى، فالرواية واحدة، والرواة متحدون، وإذا جاز الحمل على صلاتين مختلفتين، جاز حمل روايات الضم على أنها في النافلة عند التعب، وأن الإرسال في الفريضة هو المشروع، ونحو ذلك، وهم لا يقبلونه.
العلة الثالثة ـ أن في سنده انقطاعاً؛ لأن جميع رواياته إما من طريق علقمة أو عبد الجبار ابني وائل، وقد اختلف في صحة سماعهما من أبيهما. وإما من طريق كليب بن شهاب، أو أناس من أهل بيت عبد الجبار وهم مجاهيل لا يعرفون، ولعل هذا ما جعل البخاري يتجنب ذكر هذه الرواية في صحيحه.
* أما علقمة بن وائل، فأحاديثه عن أبيه مرسلة.
قال ابن معين: لم يسمع من أبيه شيئاً(1).
وحكى العسكري عن ابن معين أنه قال: علقمة بن وائل، عن أبيه مرسل(2).
ونص أبو بكر البزار على أن القائل: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي. هو علقمة بن وائل، لا أخوه عبد الجبار(3).
وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل الكوفة(4).
قال ابن حجر: لم يسمع من أبيه(5).
وكذبه ورد روايته، عن أبيه إبراهيم النخعي، وذلك في الحديث الذي رواه عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا افتتح الصلاة كبر.. إلخ(6).
* وأما عبد الجبار بن وائل، فقال الآجري: قلت لأبي داود سمع من أبيه، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: مات أبوه وهو حمل.
__________
(1) جامع التحصيل في أحكام المراسيل ترجمة رقم (536). ميزان الاعتدال 5/134. المغني في الضعفاء 2/442.
(2) تهذيب التهذيب 7/248.
(3) تهذيب التهذيب 6/95.
(4) طبقات ابن سعد 6/312.
(5) تقريب التهذيب 2/31.
(6) المغني على الدار قطني 1/291، سنن الدار قطني 1/391.
(1/59)

وقال الدوري، عن ابن معين: لم يسمع من أبيه شيئاً(1).
وقال البخاري: قال محمد بن حجر: ولد بعد موت أبيه بستة أشهر(2).
وقال أبو حاتم: روى عن أبيه مرسل، ولم يسمع منه(3).
وقال ابن حبان: من زعم أنه سمع أباه فقد وهم؛ لأن أباه مات وأمه حامل به، ووضعته بعد موت وائل بستة أشهر(4).
وقال ابن المديني، وابن جرير الطبري، ويعقوب بن سفيان، ويعقوب بن شيبة، والدار قطني، والحاكم: لم يسمع من أبيه ولم يدركه(5).
وقال ابن الأثير: مات أبوه وأمه حامل به، فكل ما يرويه عن أبيه فهو منقطع(6).
وقال السمعاني: من زعم أنه سمع أباه فقد وهم؛ لأن وائل بن حجر مات وأمه حامل به، ووضعته بعد ستة أشهر(7).
وقال ابن منجويه: ولد بعد موت أبيه بستة أشهر(8).
وقال ابن حجر: ثقة لكنه أرسل عن أبيه(9).
وقال ابن سعد: يتكلمون في روايته عن أبيه ويقولون:لم يلقه(10).
وقال القرطبي: لم يسمع عبد الجبار من أبيه(11).
أما المزِّي(12) فقد أنكر ذلك، وقال: قد صح أنه قال: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي، ولو مات أبوه وهو حمل لم يقل هذا القول.
قال ابن حجر مجيباً عليه: نص أبو بكر البزار على أن القائل كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي هو علقمة بن وائل لا أخوه عبد الجبار.
وقال الترمذي: سمعت محمداً ـ يعني البخاري ـ يقول: عبد الجبار لم يسمع من أبيه ولا أدركه(13).
* وأما كليب بن شهاب المجنون، فقال النسائي: لا نعلم أحداً روى عنه إلاَّ ولده عاصم وإبراهيم بن المهاجر، وإبراهيم ليس بالقوي في الحديث.
__________
(1) تهذيب الكمال 16/394.
(2) التاريخ الكبير 6/106.
(3) الجرح والتعديل 6/30.
(4) الثقات 7/135.
(5) وحاشية سير أعلام النبلاء 2/573.
(6) الكامل في التاريخ 4/214.
(7) الأنساب 5/105.
(8) رجال صحيح مسلم 2/446 (1001).
(9) تقريب التهذيب 1/466.
(10) طبقات ابن سعد 6/312.
(11) الاستيعاب 3/606 المطبوع مع الإصابة.
(12) تهذيب الكمال 16/395.
(13) تهذيب التهذيب 6/95.
(1/60)

وقال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: عاصم بن كليب، عن أبيه، عن جده، ليس بشيء، الناس يغلطون يقولون: كليب عن أبيه، ليس هو ذاك(1).
وليس كليب من الصحابة كما زعم بعضهم، قال ابن حجر: وقد بينت في (الإصابة) سبب زعمهم في ذلك(2).
* وأما مولى آل أبي وائل، وأهل بيت وائل، وأهل بيت عبد الجبار، فمجاهيل لا تعرف أسماؤهم ولا أحوالهم، فلا عبرة بشيء من رواياتهم.
* أما وائل بن حجر، فهو الذي تورط في دم (حجر بن عدي) رضي الله عنه، وذلك حين شهد عليه شهادة أوجبت سفك دمه عند السلطة الأموية، وهو الذي أخرج حجراً وأصحابه من الكوفة إلى الشام، ليقدمهم للأعدام بدون أي حق.
إن وائلاً الذي كان لا يألو جهداً في نصرة المذهب الأموي وتمكينة، وكان جندياً أميناً للسلطة الأموية، حطم شرف صحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد ذُكر أن وائل كان مع علي يوم صفين لا لينصره، ولكن ليكتب بأسراره إلى معاوية بن أبي سفيان، ولما قدم معاوية الكوفة أتى وائل إليه، وبايعه على السمع والطاعة، ولكي تعرف من هو وائل انظر مصادر ترجمته(3).
قال الإمام القاسم بن إبراهيم في تعليقه على حديث التأمين: والحديث الذي جاء فيها إنما هو عن وائل بن حجر، ووائل الذي فعل ما فعل(4).
وبهذا يتبين أن حديث وائل هذا الذي هو أشهر أحاديث الضم هو من أهزلها.
أما حديث ابن مسعود
فرواه الدار قطني(5)، من طريق إسماعيل بن أبان الوراق، حدثنا مندل، عن ابن أبي ليلى، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذ شماله بيمينه في الصلاة.
تقييم الحديث
__________
(1) تهذيب الكمال 24/212.
(2) تهذيب التهذيب 8/400.
(3) انظر تاريخ الطبري 4/186 ـ 213، تاريخ ابن الأثير 3/239 ـ 240، سير أعلام النبلاء 2/572، الجداول ـ خ ـ.
(4) الجامع الكافي 1/ مسألة في التأمين.
(5) سنن الدار قطني 1/283.
(1/61)

إسناده ضعيف، فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد تقدم الكلام فيه.
* وفيه مندل بن علي العَنَزِيّ، قال ابن أبي حاتم: قال أحمد: ضعيف الحديث(1). وكذبه شريك في بعض أحاديثه(2).
وسئل الدار قطني عن مندل وأخيه فقال: متروكان(3).
وقال ابن حبان: كان ممن يرفع المراسيل ويسند الموقوفات ويخالف الثقات في الروايات من سوء حفظه، فاستحق الترك(4).
وقال أبو زرعة: لين(5).
وعن ابن معين: مندل وحبان فيهما ضعف(6).
وقال يعقوب: أصحابنا يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهما من نظائرهما يضعفونه(7).
وقال الجوزجاني: مندل وحبان واهيا الحديث(8). وفي (تاريخ بغداد): ذاهبا الحديث(9). وقال الساجي: ليس بثقة، روى مناكير(10).
وضعفه النسائي وابن قانع وابن حجر(11). وقال الطحاوي: ليس من أهل التثبت في الرواية بشيء، ولا يحتج به(12).
وأما مرسل طاووس
فرواه أبو داود(13)، قال: حدثنا أبو توبة، حدثنا الهيثم ـ يعني ابن حميد ـ، عن ثور، عن سليمان بن موسى، عن طاووس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة.
تقييم الحديث
حاول بعض القائلين بأن الضم فوق السرة التشبث بهذا الحديث، فذكر إنه أصح ما روي في ذلك، ولكنه إلى جانب كونه مرسلاً لا يحتج به، قد تضمن إسناده مجموعة من المجروحين.
__________
(1) العلل ومعرفة الرجال 1/135.
(2) التاريخ الصغير للبخاري 2/151.
(3) هامش تهذيب الكمال عن سؤلات البرقاني.
(4) المجروحين 3/25.
(5) الجرح والتعديل 8/434.
(6) تاريخ يحيى بن معين 2/36 رقم (3057).
(7) تاريخ بغداد 13/ 250.
(8) أحوال الرجال 70 (82)
(9) تاريخ بغداد 13/ 250.
(10) تهذيب التهذيب 10/266.
(11) تهذيب التهذيب 10/266، تقريب التهذيب 2/280.
(12) نصب الراية 11/318.
(13) سنن أبي داود 1/198 رقم (759).
(1/62)

* ففيه: سليمان بن موسى الدمشقي الأموي، ذكره البخاري في الضعفاء وقال: عنده مناكير(1). وقال في التاريخ الصغير: عنده أحاديث عجائب(2).
قال أبو أحمد الحاكم: في حديثه بعض المناكير(3).
وذكره العقيلي في الضعفاء، وروي عن ابن المديني أنه قال: سليمان بن موسى مطعون عليه(4).
وروى الترمذي في العلل الكبير عن البخاري أنه قال: منكر الحديث، أنا لا أروي عنه شيئاً، روى سليمان بن موسى أحاديث عامتها مناكير(5).
وذكره النسائي في (الضعفاء)، وقال أحد الفقهاء، وليس بالقوي في الحديث(6).
وذكره ابن عدي في الضعفاء(7).
* وفيه: الهيثم بن حميد، قال ابن خيثمة: لم يكن في الأثبات ولا من أهل الحفظ(8).
وعن أبي مسهر قال: حدثنا الهيثم بن حميد، وكان صاحب كتب، ولم يكن من الأثبات، ولا من أهل الحفظ، وقد كنت أمسكت الحديث عنه، استضعفته( ).
* وفيه: ثور بن يزيد الكلاعي الحمصي.
قال ابن سعد: ((كان قدرياً، وكان جده قتل يوم صفين مع معاوية، فكان ثور إذا ذكر علي قال: لا أحب رجلاً قتل جدي ))( )!! فأين يذهب ثور من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق )).
وقال أبو مسهر: كان الأوزاعي يتكلم فيه ويهجوه، وقدم المدينة فنهى مالك عن مجالسته( ).
وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: كان ابن أبي داود يقول: اتقوا ثوراً لا ينطحنكم بقرنه( ).
وذكره ابن عدي في الضعفاء( ).
وقال أبو مسلم الفزاري: كان الأوزاعي سيء الراي في ثور( ).
وقال الذهبي: يحكى عن ابن أبي داود أنه كان إذا أتاه من يريد الشام قال: إن بها ثوراً فاحذروه( ).
وقال دحيم: ما رأيت أحداً يشك أنه قدري، ثم قال: وكان يرمى بالنصب أيضاً.
__________
(1) الضعفاء الصغير 110.
(2) التاريخ الصغير 1/340.
(3) تهذيب تاريخ ابن عساكر 6/287.
(4) الضعفاء الكبير 2/140.
(5) تهذيب الكمال 12/97.
(6) الضعاء والمتروكين 122.
(7) الكامل في الضعفاء 3/1119.
(8) تهذيب التهذيب 11/82.
(1/63)

وقال يحيى بن معين: كان يجالس قوماً ينالون من علي( ).
الرواية الثالثة:
أن النبي صحح وضع اليدين على الصدر
تذكر بعض الروايات أن رجلاً كان يصلي واضعاً يسراه على يمناه، فأصلح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بجعل اليمنى على اليسرى. وهذه مروية عن ابن مسعود، أوجابر بن عبد الله.. إضطرب فيها الرواة.
أما حديث ابن مسعود
فرواه النسائي( )، ومن طريقه الدار قطني( )، أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا هشيم، عن الحجاج بن أبي زينب قال: سمعت أبا عثمان يحدث عن ابن مسعود قال: رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضعت شمالي على يميني في الصلاة فأخذ بيميني فوضعها على شمالي.
قال أبو عبد الرحمن النسائي: غير هشيم أرسل الحديث.
ورواه ابن ماجة( )، حدثنا أبو إسحاق الهروي إبراهيم بن عبد الله بن حاتم، أنبأنا هشيم، أنبأنا الحجاج بن أبي زينب السلمي، عن أبي عثمان النهدي، عن عبد الله بن مسعود، قال: مرَّبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا واضع يدي اليسرى على اليمنى، فأخذ بيدي اليمنى فوضعها على اليسرى.
ورواه أبو داود( ) ومن طريقه البيهقي( ) حدثنا محمد بن بكار الريان، عن هشيم بن بشير، عن الحجاج بن أبي زينب، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى.
ورواه العقيلي( ) عن جده وعلي بن عبد العزيز قالا: حدثنا حجاج بن المنهال، حدثنا هشيم، عن حجاج بن أبي زينب، حدثنا أبو عثمان، عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زار رجلاً وهو يصلي واضعاً يده اليسرى على اليمنى، قال: فنزع اليسرى عن اليمنى، ووضع اليمنى على اليسرى.
تقييم الحديث
زعم النووي أن هذا حديث صحيح، فقال: إسناده صحيح على شرط مسلم( ).
(1/64)

فقوله: صحيح. دعوى، وقوله: على شرط مسلم. غير صحيح، فإن مسلماً لم يرو لحجاج هذا إلا حديثاً واحداً في الخَلّ، ولم يروه عنه إلا بعد عدة روايات من طرق أخرى( )، وهذا مما يؤكد أن حجاجاً ليس ممن يصحح مسلم حديثه عند انفراده.. ولو قال النووي: رجاله رجال الصحيح، لكان أدق.
هذا وقد انتقد النوويَ غيرُ واحد من الحفاظ، مؤكدين على أنه حديث ضعيف لا يصح الاعتماد عليه( ).
ثم إن فيه عللاً تمنع الاعتماد عليه:
الأولى ـ أن في ألفاظه اختلافاً، ففي بعضها أن الذي كان يضع يده على يده هو ابن مسعود، وفي آخر أن الواضع غير ابن مسعود، وإنما هو رجل آخر. وهذا اضطراب بيّن في لفظ الحديث، وقد أشار إليه ابن عدي( ).
الثانية ـ أن طرق الحديث تجتمع عند حجاج، وقد تكلم في حجاج هذا غير واحد، فقال الحسن بن شجاع البلخي: سألت ابن المديني عن الحجاج بن أبي زينب، فقال: شيخ من أهل واسط ضعيف( ).
وذكره النسائي في (الضعفاء والمتروكين)، وقال: ليس بالقوي( ).
وقال الدار قطني: ليس بقوي ولا حافظ( ).
وقال أحمد بن حنبل: أخشى أن يكون ضعيف الحديث( ).
وذكره العقيلي( )، وابن عدي( )، في الضعفاء، وقال الذهبي: لين( ).
الثالثة ـ أن فيه اضطراباً، فقد رواه الدار قطني من طريق الحجاج، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود، ورواه عن الحجاج، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله، وسيأتي الكلام عليه.
ورواه ابن عدي( ) في الكامل عن أبي عثمان عن النبي مرسلاً، وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ برجل وهو قائم يصلي.. إلخ.
الرابعة ـ أن هشيماً ممن اشتهر بالتدليس، فقد ذكر ذلك عنه ابن المبارك وابن القطان والجوزجاني والنسائي وابن العجمي وابن حجر( )، وقد جاء الحديث في بعض رواياته معنعناً.
الخامسة ـ أن من الحفاظ من ضعفه، ولعله ضعفه لعلة لم نعرفها، فقد رواه العقيلي في الضعفاء من طريق حجاج وقال: لا يتابع عليه( ).
(1/65)

وقال الزيلعي وأبو الطيب الأبادي: في سنده حجاج بن أبي زينب، فيه لين( ).
وأما حديث جابر بن عبد الله الأنصاري
فرواه الدار قطني( ) من طريق محمد بن الحسن الواسطي، عن الحجاج بن أبي زينب، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل وضع شماله على يمينه ـ مثله ـ . أي مثل حديث بن مسعود.
تقييم الحديث
من أقرب الاحتمالات أنه اشتبه على حجاج ـ رواي هذا الحديث ـ لفظ: أبي سفيان بأبي عثمان، خصوصاً مع تقارب اللفظين، وسوء حفظ الرجل، ولما كان أبو سفيان معروفاً بالرواية عن جابر رواه عنه، ولما كان أبو عثمان معروفاً بالرواية عن ابن مسعود رواه عنه. وقد تحدثنا عن هذا الاضطراب في حديث ابن مسعود السابق.
* وفيه حجاج بن أبي زينب وهو ضعيف، وقد تقدم الكلام فيه.
* وفيه أيضاً: محمد بن الحسن الواسطي المزني، ذكره ابن حبان في (المجروحين)، وقال: يرفع الموقوف، ويسند المراسيل( ).
* وفيه أبو سفيان، هو طلحة بن نافع القرشي مولاهم، أبو سفيان الواسطي، قال يحيى بن معين: لا شيء( ).
وقال ابن المديني: كانوا يضعفونه في حديثه( ).
وذكره العقيلي، وابن عدي( ) في الضعفاء.
وسئل أبو زرعة عنه فقال: أتريدون أن أقول: ثقة؟ الثقة شعبة وسفيان( ).
وقال أبو حاتم: أبو الزبير أحب إليَّ منه( ).
الروايات الموقوفة و ما في حكمها
من الأشياء المتفق عليها عند المحدثين أن الأخبار الموقوفة لا تعتبر أدلة، ولا تصلح للاحتجاج، وقد ورد في هذا الباب روايات موقوفة أو في حكم الموقوفة، أحببت أن أوردها إستكمالا للبحث، وتتميما للفائدة بالوقوف على حقيقتها.
وسأبدأ بذكر الروايات الواردة المختلف في كونها موقوفة أو مرفوعة، وهي ما جاء بصيغة : من السنة كذا.. أو أمرنا بكذا.. أو كان الناس يؤمرون بكذا.. ونحوها( )، فمن ذلك:
ما روي عن سهل بن سعد
(1/66)

روى مالك( )، ومن طريقه أحمد( )، والبخاري( )، وابن حزم( )، وغيرهم من طريق أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد، أنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك. ـ أي يرفعه ـ.
تقييم الخبر
يبدو من اقتصار البخاري على إيراد هذا الحديث أنه أصح ما عرف في بابه، وبرغم ذلك فإن فيه بعض العلل المبرئة للذمة من العمل بمقتضاه.
الأولى ـ هذا الحديث موقوف على سهل بن سعد كما ترى، وقول أبي حازم: لا أراه إلا ينمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ظن منه وتخمين، ولو كان مرفوعاً لما احتاج إلى هذه العبارة.
قال الداني في أطراف (الموطّأ): هذا معلول؛ لأنه ظن من أبي حازم( ).
ويؤكد ذلك أن أحد مشايخ البخاري رواه بلفظ: يُنمى ـ مبني للمجهول ـ وذلك يؤكد كونه مرسلاً. قال ابن حجر: (( قوله: (وقال إسماعيل يُنمَى ذلك ولم يقل ينمي)، الأول بضم أوله وفتح الميم بلفظ المجهول، والثاني وهو المنفي كرواية القعنبي، فعلى الأول الهاء ضمير الشأن، فيكون مرسلاً؛ لأن أبا حازم لم يعين من نماه له، وعلى رواية القعنبي الضمير لسهل شيخه فهو متصل ))( ).
الثانية ـ أن قوله: كان الناس يؤمرون.. يحتمل أن يكون الآمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره؛ لأنه إذا حذف الفاعل احتمل أن يكون الآمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره، أشار إلى ذلك القاسمي في كتابه (قواعد التحديث)( ) وغيره من علماء الحديث.
وهو ما استشعره ابن حزم، فقال عقب ذكر الحديث: هذا راجع في أقل أحواله إلى فعل الصحابة رضي الله عنهم، إن لم يكن مسنداً( ).
(1/67)

وعلى هذا فيحتمل أن يكون الآمر هنا معاوية أو بعض حكام الأمويين؛ لأنه قد أثر عنهم كثير من التشريعات المخالفة لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أن سهل بن سعد أدرك زمن معاوية ويزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك؛ لأنه توفي سنة (91هـ)، وعمره يوم ذاك مائة سنة، وهو آخر الصحابة موتاً في المدينة، والوليد بن عبد الملك تولى سنة (86هـ)( ).
ويؤيد هذا ويزيده وضوحاً أن بعض المتأخرين من الصحابة كانوا يحثون على اتباع الأمراء، والأدلة على ذلك كثيرة( ).
الثالثة ـ أن مدار رواية هذا الحديث على الإمام مالك، وقد اشتهر عنه أنه سئل عن الضم، فقال: لا أعرفه في الفريضة، فلو كان هذا الحديث يقضي بشرعية الضم في الفريضة لما قال ما قال، ولما تركه وعمل بغيره.
وقد أعتبر كثير من العلماء أن من العلل القادحة في صحة الحديث أن يعمل الراوي بغير ما روى.
ما روي عن الإمام علي
روى ابن أبي شيبة( )، وأبو داود( )، والدار قطني( )، والبيهقي( )، وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي، عن زياد بن زيد السوائي، عن أبي جحيفة، عن علي أنه قال: من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة.
تقييم الخبر
يلاحَظ أن معظم الذين رووا هذا الحديث قد ضعفوه، إما جملة أو بأحد رواته، إلا ابن القيم فقد اعتبره رواية صحيحة( ). وسنلمح فيما يلي إلى شيء مما قيل فيه.
قال النووي: ضعيف متفق على تضعيفه، رواه الدار قطني، والبيهقي من رواية أبي شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف بالاتفاق( ).
وقال البيهقي: لا يثبت إسناده( ). وقال: تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو متروك( ).
وقال ابن حجر: وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة، وإسناده ضعيف( ).
وقال ابن عبد البر أنه لا يثبت عن علي( ).
(1/68)

وأعلَّه السندي، فقال عقيب الحديث في سنن أبي داود: قال أبو داود: سمعت أحمد يضعف عبد الرحمن بن إسحاق( ).
وقال المباركفوري بعد تضعيفه: وإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن حديث علي هذا لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: ولكنه مع كثرة المخرجين والأسانيد ضعيف.. وقال: وقد عرفت أن الحديث ضعيف لا يصلح للاستدلال( ).
هذا إضافة إلى أن مدار رواية هذا الحديث على عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ممن قد ضعف. قال أحمد بن حنبل: ليس بشيء، منكر الحديث( ).
وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ضعيف، ليس بشيء. وروي عنه أنه قال: متروك( ).
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به( ).
وذكره البخاري في الضعفاء، وقال: فيه نظر( ).
وقال أبو زرعة: ليس بقوي( ).
وقال أبو بكر بن خزيمة: لا يحتج بحديثه( ).
وقال البزار: ليس حديثه حديث حافظ( ).
وقال ابن عدي: وفي بعض ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه( ).
وقال العقيلي: ضعيف الحديث( ).
وذكره النسائي في الضعفاء وقال: ضعيف( ).
وذكره الدار قطني في الضعفاء والمتروكين( ).
وقال الساجي: كوفي، أصله واسطي، أحاديثه مناكير( ).
* وفيه أيضاً زياد بن زيد السوائي الأعسم، قال أبو حاتم، والخزرجي، والذهبي وابن حجر: مجهول( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: لا يعرف( ).
موقوف آخر عن الإمام علي
روى أبو داود( )، وابن أبي شيبة( )، من طرق أبي طالوت عبد السلام، عن ابن جرير الضبي، عن أبيه، قال: رأيت علياً رضي الله عنه يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة. هذا لفظ أبي داود.
ولفظ ابن أبي شيبة: كان علي إذا قام في الصلاة وضع يمينه على رسغ يساره ولا يزال كذلك حتى يركع، إلا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده.
وحكاه ابن حزم عن علي فقال: كان إذا طول قيامه في الصلاة يمسك بيده اليمنى ذراعه اليسرى، من أصل الكف إلا أن يسوي ثوباً أو يحك جلداً( ).
(1/69)

ويؤيد رواية ابن حزم في أن ذلك عند طول القيام، أن البخاري حكى ذلك عن علي في باب الاستعانة من صحيحه، فقال: ووضع علي رضي الله عنه كفه على رسغه الأيسر. إلا أن يحك جلداً أو يصلح ثوباً( ).
ورغم ذلك ففي هذه الرواية عدة علل تمنع من صحتها والاعتماد عليها:
الأولى ـ أن كثيراً من المحدثين قد ضعفوها.
فقال ابن حجر: لا يعرف إلا من طريق جرير( ).
وقال الشوكاني: في إسناد أبو طالوت عبد السلام( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: في إسناده جرير الضبي( ).
وأعله الأرنؤوط فقال: في سنده غزوان بن جرير، لم يوثقه إلا ابن حبان، على عادته في توثيق المجاهيل( ).
الثانية ـ أن فيه جرير الضبي، قال ابن حجر: قرأت بخط الذهبي في الميزان: لا يعرف( ). ولم يذكر المزي في ترجمته إلا أنه روى عن علي وروى عنه ولده غزوان، ولم يرو إلا هذا الحديث( ).
* وفيه ابن جرير، واسمه: غزوان، ذكر الأرنؤوط: أنه لم يوثقه غير ابن حبان، وكذا أبوه( ). وابن حبان معروف بتوثيق المجاهيل. نص على ذلك غير واحد( ).
الثالثة ـ رواه البخاري معلقاً بدون سند، ولعله لو وجد له إسناداً يعتمد عليه لذكره.
وقد أشار ابن حجر أنه نفس الأثر المروي عن علي من طريق جرير الضبي( ). وهو الظاهر فقد يكون البخاري احتاج إلى الاستشهاد بهذا الأثر، ولكنه لم يجد له طريقاً تصلح لإدخالها في الصحيح، فذكره معلقاً.
الرابعة ـ أنه قد وقع اضطراب في لفظ الرواية، ففي رواية أبي داود: يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة. وفي رواية ابن أبي شيبة: يضع يمينه.. بدل يمسك. وليس فيها فوق السرة. وفيها زيادة: ولا يزال كذلك حتى يركع، إلا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده.
(1/70)

وأما رواية ابن حزم ففيها أنه كان يفعل ذلك إذا طول قيامه.. وليس فيها تحديد موقع الوضع. وكثير ممن يحتج بهذه الرواية في باب الضم لا يذكر أن البخاري رواها في باب الاستعانة في الصلاة؛ لأن شيئاً من ذلك يدل على أن الضَّم إذا سُلِّم صحة شرعيته ليس إلا رخصة في النوافل عند التَّعب.
ما يروي عن أبي هريرة
روى أبو داود( )، والدار قطني( )، من طريق عبد الواحد بن زياد، عن عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، عن سيار أبي الحكم( )، عن أبي وائل شقيق بن سلمة الأسدي، قال: قال أبو هريرة: أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة. هذا لفظ أبي داود.
ولفظ الدار قطني: وضع الكف على الكف في الصلاة من السُّنَّة.
وهذا الخبر يشتمل على عدة علل تمنع الاحتجاج به:
الأولى ـ أنه مختلف في لفظه، ففي رواية أبي داود: أخذ الأكف.. وفيها أن الضم يكون تحت السرة. وفي رواية الدار قطني وضع الكف.. وليس فيها تحديد مكان الوضع. وهذا الاختلاف يؤدي إلى اختلاف المعنى.
الثانية ـ أنه قد ضعفه كل من رواه من المحدثين، فأعله أبو داود والبيهقي بعبد الرحمن بن إسحاق. وقال أبو داود بعد حديث علي الآتي: وروي عن أبي هريرة وليس بالقوي.
وقال المباركفوري: حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: لا يصح الاحتجاج به( ).
وقال ابن عبد البر: لا يثبت عنه( ).
الثالثة ـ أن في إسناده ضعفاء. ففيه عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، متروك الحديث متفق على ضعفه، وسيأتي الكلام عليه.
* وفيه شقيق بن سلمة، وهو أبو وائل، كان مع علي يوم النهروان، ثم مال عنه، قال عاصم بن بهدلة: قيل لأبي وائل: أيهما أحب إليك علي أو عثمان؟ قال: كان علي أحب إليَّ من عثمان، ثم صار عثمان أحب إليَّ من علي( ).
وذكر العجلي عن أبي بكر بن عياش أنه قال: كان أبو وائل علوياً، ثم صار عثمانياً( ).
ما يروي عن ابن الزبير
(1/71)

أخرجه أبو داود( )، ومن طريقه البيهقي( )، حدثنا نصر بن علي، أخبرنا أبو أحمد، عن العلاء بن صالح، عن زرعة بن عبد الرحمن، قال: سمعت ابن الزبير يقول: صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة.
* فيه علاء بن صالح، قال ابن المديني: روى أحاديث مناكير( ).
وقال البخاري: لا يتابع( ). وقال الذهبي: ثقة يغرب( ).
* وفيه زرعة بن عبد الرحمن، لم يرو له أبو داود إلا هذا الحديث، ولم يوثقه غير ابن حبان( )، على عادته في توثيق المجاهيل.
وقد تقدم عن ابن الزبير القول بالإرسال، فلعل المراد بقوله هنا، الوضع في غير الصلاة.
ما يروي عن عائشة
أخرجه الدار قطني( )، والبيهقي( )، من طريق شجاع بن مخلد الفلاس، حدثنا هشيم، قال منصور: حدثنا عن محمد بن أبان الأنصاري، عن عائشة قالت: ثلاث من النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة( ).
ورغم أن البيهقي قال: هو أصح ما ورد فيه( ). فإن فيه إلى جانب كونه موقوفاً عللاً تمنع من صحته، منها:
الأولى ـ أنه تفرد به محمد بن أبان، وهو مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث.
الثانية ـ أنه منقطع، قال البخاري ـ بعد ذكر الحديث ـ: لا يعرف لمحمد سماعاً (كذا) من عائشة( ).
وقال ابن حبان: من زعم أنه سمع من عائشة فقد وهم( ).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : إلا أن محمد بن إبان لا يعرف سماعه من عائشة، قال ذلك البخاري( ).
وأما منصور، فليس بمنصور بن المعتمر الثقة الحافظ، وإنما هو منصور بن زاذان، ذكر ذلك أبو حاتم( ).
فإذا كان هذا أصح ما روي في الباب على حد قول البيهقي، فكيف يكون حال غيره؟
ما يروي عن أبي بكر
(1/72)

روى ابن أبي شيبة( )، ومن طريقه ابن المنذر( )، عن يحيى بن سعيد، عن ثور ، عن خالد بن معدان، عن أبي زياد مولى آل دراج، قال: ما رأيت فنسيت فإني لم أنس أبا بكر كان إذا قام في الصلاة قال هكذا.. فوضع اليمنى على اليسرى. هذا لفظ ابن أبي شيبة، ولفظ ابن المنذر: قام هكذا.. وأخذ يحيى بن سعيد بكفه اليمنى على ذراعه اليسرى لازقاً بالكوع.
وهذه الرواية ساقطة، فهي إلى جانب كونها موقوفة، فيها ضعيف ومجهول.
* ففيها أبو زياد مولى آل دراج، قال ابن حجر: لا يعرف، وقال الدار قطني متروك ( ).
* وفيه ثور بن يزيد، وقد تقدم الكلام عليه في حديث طاووس.
ما يروي عن أبي الدرداء
روى ابن المنذر( ) من طريق حجاج، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا علي بن أبي العالية، عن مورق العجلي، أن أبا الدرداء قال: (( ثلاث من مناقب الخير: التَّبْكير بالإفطار، والتبليغ بالسحور، ووضع الأيدي على الأيدي في الصلاة )).
ورواه ابن أبي شيبة( ) حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الأعمش، عن مجاهد، عن مورق العجلي، عن أبي الدرداء قال: من أخلاق النبيين وضع اليمنى على الشمال في الصلاة.
وأشار إليه الهيثمي في (المجمع)، وذكر أن الطبراني رواه في الكبير.
أقول: أما رواية ابن المنذر ففيها: علي بن أبي العالية، وهو مجهول غير معروف، إضافة إلى أن البخاري قال: إن روايته عن مورق مرسلة( ).
وأما رواية ابن أبي شيبة فقد عنعن فيها إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وهما موصوفان بالتدليس( ).
هذا إضافة إلى علة أخرى وهي: الانقطاع، فإن مورق العجلي لم يصح له سماع عن أبي الدرداء، ذكر ذلك الذهبي( ).
ما يروي عن عبد الله بن جابر البياضي
(1/73)

أخرج الطبراني في الكبير( )، وابن الأثير في (أسد الغابة)( )، من طريق هشام بن عمار، حدثنا عبد الله بن أبي سفيان ـ من أهل المدينة ـ قال: سمعت جدي عقبة بن أبي عائشة يقول: رأيت عبد الله بن جابر البياضي صاحب رسول الله يضع إحدى يديه على ذراعيه في الصلاة.
* فيه عبد الله بن أبي سفيان، مجهول لا يعرف.
* وفيه هشام بن عمار، قال فيه أبو حاتم: لما كبُر هشام تغير، فكلما دفع إليه قرأه، وكلما لُقِّن تلقن( ).
وقال أبو داود: حدث بأربعمائة حديث مسندة ليس لها أصل( ).
وقال أبو بكر الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سيار: كان هشام بن عمار يلقن، وكان يلقن كل شيء( ).
وقال أحمد: إن صلوا بعده فليعيدوا الصلاة.
وقال مسلمة: تُكُلِّمَ فيه( ).
وقال الذهبي: له مناكير، وروي عن أبي عبد الله أحمد ابن حنبل أنه قال: أعرفه طياشاً، قاتله الله( ).
وذكره ابن العجمي فيمن رمي بالاختلاط( ).
وقال الآجري: كان فضلك يدور بدمشق على أحاديث أبي مسهر، وأحاديث الشيوخ يلقنها هشام بن عمار، فيحدثه بها، وكنت أخشى أن يفتق في الإسلام فتقاً( ).
* وفيه عقبة، مجهول لم يوثقه أحد. وذكره البخاري( )، وابن أبي حاتم( ) ولم يزيدا على ذكر أنه روي عن عبد الله بن جابر وعنه عبد الله بن أبي سفيان.
ما روي في تفسير النحر
تكثَّر القائلون بشرعية الضم بروايات ضعيفة وشاذة في تفسير قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر}، رووا عن أنس وابن عباس وعلي، انهم فسورا النحر بوضع اليمنى على اليسرى عند القيام في الصلاة، وهنا سوف أقوم بعرض تلك الروايات ليكون المطلع على بينة.
فأما الرواية عن أنس
فرروى ابن حزم( ) عنه أنه قال: من أخلاق النبوة وضع اليمنى على الشمال تحت السرة.
قال المباركفوري: ((لم أقف على سند هذا الحديث، والعلماء الحنفية يذكرونه في كتبهم ويحتجون به، ولكنهم لا يذكرون إسناده، فما لم يعلم إسناده لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار.
(1/74)

قال صاحب (الدرة): وأما حديث أنس: (( من أخلاق النبوة وضع اليمين على الشمال تحت السرة ))، الذي قال فيه العيني: إنه رواه ابن حزم، فسنده غير معلوم لينظر فيه هل رجاله مقبولون أم لا ))( ).
وروى البيهقي( ) من طريق عاصم الأحول عن رجل عن أنس، مثل ما روي عن علي وابن عباس في تفسير: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر } .
وهذه كما ترى في إسنادها مجهول، والمشهور عن أنس في تفسير النحر ما رواه ابن جرير قال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن جابر، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينحر قبل أن يصلي، فأُمِرَ أن يصلي ثم ينحر( ).
وأما الرواية عن علي
فقد رواها ابن أبي شيبة( )، والدار قطني( )، والحاكم( )، والبيهقي( )، والبخاري في التاريخ( )، وابن جرير في التفسير( ) من طريق عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، أو ابن ضبيان أو ابن صبان، على خلاف في اسمه، عن علي، قال: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } : هو وضع يمناك على شمالك في الصلاة. وفي رواية : وضع يده اليمنى على وسط ساعده على صدره.
هذه الرواية قد ضعفها المحدثون بعلل شتى:
الأولى ـ أنه قد ضعفها بعض المحدثين، فقال ابن كثير: هذا عن علي لا يصح( ).
وقال ابن التركماني: في سنده ومتنه اضطراب( ).
الثانية ـ أنها مضطربة المتن، فإنها قد رويت بلفظ: وضع يده على وسط ساعده على صدره. عند البخاري في التاريخ.
وبلفظ: وضع اليمين على الشمال في الصلاة. عند ابن أبي شيبة، وابن جرير في رواية. والحاكم، والدار قطني، والبيهقي في رواية.
وبلفظ: وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر، ثم وضعهما على صدره. عند البيهقي في رواية، وابن جرير في رواية.
وفي رواية أخرى في تاريخ البخاري: وضعها على الكرسوع.
الثالثة ـ أنها مضطربة السند، وذلك أن يزيد بن زياد رواها عن عاصم عن عقبة عن علي، كما عند ابن أبي شيبة، والبخاري في رواية.
(1/75)

ورواها حماد بن زيد، عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة، عن علي.. كما عند البخاري في رواية، والحاكم. فزاد بعد عاصم عن أبيه.
وقد أشار ابن أبي حاتم إلى هذا الاضطراب في (الجرح والتعديل)( ). وابن التركماني في (الجوهر النقي)( ).
الرابعة ـ أنه قد ثبت عن أهل بيت علي عليه السلام خلافه، وهم أعلم بما كان عليه أبوهم، وليس هنالك ما يدفعهم لمخالفته.
قال الطبرسي: ((وأما ما روي عن علي عليه السلام أن معناه: ضع يدك اليمنى على اليسرى، فمما لا يصح عنه، لأن جميع عترته الطاهرة قد رووا عنه خلاف ذلك ))( ).
وروي عن جعفر الصادق أنه قال: النحر عند الله: الاعتدال في القيام، أن يقيم صلبه ونحره ولا يُكَفِّر، فإنما يصنع ذلك المجوس( ).
الخامسة ـ أن تفسير النحر بنحر البدن أولى وأوضح دلالة، ومن غير المتوقع أن يعدل علي عليه السلام إلى تفسير بعيد وغامض وهو تلميذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحليف القرآن.
قال الرازي في قوله تعالى: { وَانْحَرْ } : ((إن استعمال النحر على نحر البدن أشهر من استعماله في سائر الوجوه، ويجب حمل كلام الله عليه ))( ). وذلك ما رجحه معظم المفسرين.
قال ابن جرير الطبري: ((وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً دون ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان، شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له، وخصك به، من إعطائه إياك الكوثر ))( ).
قال ابن كثير: ((وهذا الذي قاله في غاية الحسن، وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظي وعطاء ))( ).
وقال بعد ذكر الروايات في ذلك: ((وكل هذه الأقوال غريبة جداً، والصحيح القول الأول، أن المراد بالنحر ذبح المناسك ))( ).
وأما الرواية عن بن عباس
(1/76)

فررواها البيهقي ( )، من طريق روح بن المسيب، قال: حدثني عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } ، قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النَّحر.
وهذه الرواية معلولة بعلل:
الأولى ـ أن في رواته من تَكُلِّم فيه، فأما روح بن المسيب، فقال فيه ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات ويقلب الأسانيد ويرفع الموقوفات، وهو أنكر حديثاً من غطيف، لا تحل الرواية عنه ولا كتابة حديثه إلا للاختبار ( ).
وقال أبو حاتم: صالح ليس بالقوي ( ).
وقال ابن معين: صويلح ( ). وهذا من ألفاظ الجرح عند المحدثين.
وقال ابن عدي في الضعفاء: يروي عن ثابت ويزيد الرقاشي أحاديث غير محفوظة ( ).
* وفيه عمرو بن مالك النكري، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطيء ويُغرب ( ).
قال ابن عدي: منكر الحديث عن الثقات ويسرق الحديث ( ). وذكر أنه روى عن أبي الجوزاء أحاديث غير محفوظة ( ).
وقال أبو يعلى: كان ضعيفاً ( ).
وذكر ابن حجر أن البخاري كان يضعفه ( ).
الثانية ـ أن فيه انقطاعاً بين أبي الجوزاء وابن عباس، فقد قال البخاري عن أبي الجوزاء: في إسناده نظر، قال: ويختلفون فيه ( ).
قال ابن عدي: يروي عن الصحابة، ابن عباس وعائشة وابن مسعود، وأرجو ألا بأس به، ولا تصح روايته عنهم أنه سمع منهم ( ).
وقال أبو زرعة: مُرْسِل ( ). وقال ابن حجر: كان كثير الإرسال ( ).
الثالثة ـ أن المشهور عن ابن عباس أن معنى الآية هو نحر النُّسُك.
قال ابن جرير: حدثني علي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ?فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ?، يقول: اذبح يوم النحر.
(1/77)

وقال: حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ?فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ? قال: الصلاة المكتوبة، والنحر: النسك والذبح يوم الأضحى ( ). ولم يَرْوِ عنه ابن جرير غير ذلك. وأخرجه ابن المنذر كما في الدر المنثور للسيوطي ( ).
الرابعة ـ أنه قد ضعفه بعض الحفاظ، فقال ابن حجر: إسناده ضعيف جداً ( ).
وفي حاشية نصب الراية: غير صحيح ( ). وقال ابن التركماني: فيه روح بن المسيب ( ).

hg

مدخل للتأمل
عندما يتجرد الباحث وينظر بإنصاف إلى مجمل ما ذكرنا من أدلة القائلين بالإرسال والقائلين بالضم، وما شرحناه من ملابسات حولها، فإنه يلمس في قرارة نفسه أن من البعيد أن القائلين بالإرسال - وفي مقدمتهم أئمة أهل البيت وسادات التابعين وفقهائهم - جهلوا السنة أو تمردوا عليها، وهم أهل تقوى وورع، وليس هنالك ما يحملهم على ترك شيء شرعه الله تعالى وعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كما يلمس أيضاً أنه لا يمكن أن تأتي جميع تلك الأحاديث - المروية في شرعية الضم - من فراغ، أو أنه قد تواطأ على وضعها جيل بأكمله، رغم ما قيل فيها من مقالات؛ تجوز للإنسان العدول عنها، والتعبد بغيرها وتبرأ ذمته في ذلك، خصوصاً وأنه قد اشتهر الارسال عن بعض من روى تلك الأحاديث من التابعين وتابعيهم.
وقد يكون من السهل أن يحكم كل فريق بعدم اعتبار أدلة الفريق الآخر، وقد ذكرنا فيما مضى نماذج من تلك الأحكام، ولكن من الصعوبة بمكان خلق قناعة لدى الآخرين بشيء من تلك الأحكام، خصوصاً عند أولئك الذين لا يهمهم إلا معرفة الحقيقة أياً كانت، وهذا شيء لا يمكن تجاهله.
إن ذلك الشعور هو ما جعل كثيراً من العلماء يفتش عن صيغة مقبولة يحاول من خلالها إما الجمع بين الأدلة ولو بشكل تقريببي، وإما الوصول إلى مبرر مقبول للعمل بهذا الدليل دون ذاك. ومن تلك المحاولات، المحاولات التالية:
(1/78)

الجمع بأن كلاً من الضم والإرسال مشروع
يرى البعض أن من الأشياء المحتملة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضمَّ تارة وأرسل أخرى، فمن رآه يرسل يديه نقل ما رأى وعمل به، ومن رآه يضمهما نقل ما رأى وعمل به. وذلك كما روي في التشهد والقراءة في الركعتين الأخيرتين وثالثة المغرب. فإنه قد صح في ذلك أكثر من رواية.
ومع مرور الزمن غلب عند قوم أن الضم هو المشروع في الصلاة، أو أنه الأفضل، فذكروه في كتبهم واستدلوا عليه، وغلب عند آخرين العكس، كما هو الحال فيما روي في الوضع على الصدر أو تحت السرة. وعلى هذا فإن كلاً من الضم والإرسال فعل جائز في الصلاة، فمن شاء فليرسل، ومن شاء فليضم، و إلى هذا القول ذهب بعض العلماء قديماً وحديثاً.
الجمع بأن في الأدلة ما هو ناسخ وما هو منسوخ
ويمكن توضيح ذلك بأن يقال: كان وضع اليد على اليد على الصدر عند الوقوف بين يدي السيد أو الملك وأثناء العبادة، من عادات الملل السابقة قبل الإسلام لا سيما عند التذلل والخضوع. والشواهد على ذلك كثيرة، منها:
أ ـ ما جاء في حديث المرتضى، ومحمد بن منصور، من أن ذلك من فعل اليهود.
ب ـ وما روي عن القاسم بن إبراهيم أن ذلك تكفير أهل الكتاب.
ج ـ وما رواه الطوسي عن محمد بن علي الباقر: أن ذلك من فعل المجوس.
د ـ وما رواه ابن أبي شيبة، عن الحسن البصري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة ))، وقد تقدم.
وأكد العلامة المقبلي ذلك فقال: رأينا الأعاجم مطبقين على كون عبيدهم وخدمهم بتلك الهيئة عند القيام بين أيديهم( ).
(1/79)

بهذا يتبين أن الضم ـ في مواقف الاحترام والعبادة ـ من عادات الأمم السابقة، ومن المعروف عند المسلمين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوافق الأمم السابقة في بعض الأمور التي لا حرج فيها، حتى ينهاه الله عز وجل عن ذلك، ألا ترى أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتوجه في صلاته إلى بيت المقدس كمن كان قبله، ثم أمره الله أن يتوجه إلى الكعبة زادها الله شرفاً، فلما شرعت الصلاة وهي مقام عبادة بين يدي الله تعالى قام بعض المسلمين ووضع يسراه على يمناه كعادة الأمم السابقة، فغير ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوضع اليمنى على اليسرى رضاءً منه بأدنى مخالفة، ولم تطل الأيام حتى نهى عن ذلك التكتف وأمر بالإرسال، كما أفادته روايات الإرسال.
وفي احتمال النسخ يقول العلامة السماوي: ((على أنا لا ننكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعله في الصلاة، غير أنا ندعي أنه بعد أن فعله نهى عنه، فكان الآخر ناسخاً، وإنما يؤخذ من الشريعة بالآخر فالآخر ))( ).
الجمع بأن المراد الوضع تحت السرة
(1/80)

حاول الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي رحمه الله الجمع بين أحاديث الضم والإرسال، بأن المراد بالإرسال وضع اليدين تحت السرة، فقال: ((مسألة ووضع اليد على اليد على الصدر في الصلاة منهي عنه، ولكن يرسلهما ويضع اليمنى على اليسرى تحت السرة، والوجه في ذلك ما روي في (المجموع) و(الجامع الكافي) عن علي عليه السلام أنه قال: ((ثلاث من أخلاق الأنبياء: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع الأكف على الأكف تحت السرة )). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نقبض بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا )). وأخرج رزين أن عليّاً عليه السلام قال: ((السنة وضع الكف على الكف في الصلاة، ويضعهما تحت السرة )). وهو عند أبي داود وأحمد بلفظ: ((من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة )). وأخرج أبو داود والنسائي أن الهلب (كذا) كان يصلي، فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى. وفي (المنهاج [الجلي]) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل بيد ابن مسعود كذلك.
وفي كتاب (المناهي): ((نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يضع الرجل يده على يده على صدره في الصلاة، وقال ذلك فعل اليهود و[أمر] أن يرسلهما ))( ).
وقال ولده العلامة الكبير عبد الله بن الإمام: ((الإمام ـ يعني والده ـ ووضع اليد على اليد على الصدر منهي عنه لما في كتاب (المناهي): نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل الرجل يده على يده على صدره في الصلاة، وقال: ذلك فعل اليهود و[أمر] أن يرسلهما ))، أهـ. لكن يضع اليمنى على اليسرى تحت السرة، عند زيد بن علي وأحمد بن عيسى والحسن بن يحيى والإمام، ثم محمد بن المنصور ثم أبي حنيفة والثوري، وإسحاق المروزي.. )) ثم ذكر بعض أحاديث الضم( ).
(1/81)

وما ذكره الإمام القاسمي قد أشار إليه غير واحد، منهم ابن القيم حيث قال: إن أحاديث النهي عن التكفير تعني الوضع على الصدر، وأن أحاديث الضم تعني الوضع تحت السرة. اعتباراً منهم أنه ليس بتكفير.
الجمع باختلاف موضع اليد على اليد
وذكر قوم أن الضم المنهي عنه أو المكروه هو وضع اليمنى على كف اليسرى، فقد روى ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا حفص، عن ليث، عن مجاهد، أنه كان يكره أن يضع اليمنى على الشمال، يقول: على كفه أو على الرسغ، ويقول: فوق ذلك، ويقول: أهل الكتاب يفعلونه( ).
وفي (الجامع الكافي) قال الحافظ العلوي: وقد ذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أنهم كانوا يضعون أيمانهم على شمائلهم في الصلاة، وإنه لَمِمَّا أُختلف فيه، وإنما ذكر عمن كان يفعله أنه كان يضع كفه اليمنى على موضع الرسغ من اليد اليسرى من الذراع، وأما وضع اليمنى على كفه اليسرى فيكره، ويقال: إنه من فعل اليهود( ).
قال في (لطف الغفار شرح هداية الأفكار): قلت: ولعل من أجازه جعل هذا جامعاً بين روايات المانعين والمثبتين، ويقول: الذي من فعل اليهود وضع الراحة على الكف لا على الرسغ. لكن ينفي هذا التأويل قوله: يرسلهما إرسالاً( ).
الجمع بأن الضم في الصلاة خاص بالأنبياء
ذكر الإمام المهدي في (البحر الزخار)( ) أنه يمكن أن يقال: إن الضم شرع، ولكنه خاص بالأنبياء لظاهر ما ورد في الأحاديث من قوله: من سنن المرسلين، أو من أخلاق الأنبياء، أو من النبوة.
ورده الجلال( ) فقال: وأما الاعتبار بأنه يحتمل اختصاصه بذلك لظاهر: ((أمرنا معاشر الأنبياء ))، فساقط؛ لأن خصائصهم مما يندب الاقتداء بهم فيها، إلا ما قام الدليل على منع التأسي كنكاح التسع، وهبة المرأة نفسها ونحو ذلك.
الجمع بأن الضم رخصة عند التطويل في النافلة
(1/82)

ونعني بذلك: أن الإرسال شُرِعَ في حال، وشرع الضم في حال آخر، وذلك بأن يكون الأصل في الصلاة الإرسال، وما روي في شرعية الضم من الأحاديث فالمراد به عند التطويل في النوافل، ولما كانت النوافل مما يغلب فيها التطويل رخص فيها للمصلي ـ عند التعب ـ أن يضع يديه على صدره أو على سرته أو تحتها، أما الفرائض فالمشروع فيها عدم التطويل، فلذا لم يشرع فيها شيء من ذلك.
وهذا ما يمكن أن يستوحى من أكثر الروايات عند الفريقين وهو أقرب مما سبقه، لأمور عدة، منها:
أولاً: الضم في الصلاة لم يكن مشهوراً عند الصدر الأول، ولم يكن غائباً فيه نهائياً، وذلك ما نلاحظه مما يلي:
(1) ـ وقف أبو حميد الساعدي أمام مجموعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أنه أعرفهم بصلاته، ولما طلب منه أن يعرض ما يعرف من صلاة النبي، وصفها فلم يذكر فيها الضم، رغم أنه ذكر جملة من مندوبات الصلاة.
وبعد فراغه لم ينتقده أحد من الحاضرين، أو يقول: نسيت وضع الكف على الكف أثناء القيام.
وهذا من الأحاديث المشهورة، ومن أهم أدلة الفقه، وقد تقدم الكلام عليه.
(2) ـ أن الذين روي عنهم أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده على يده لا يتجاوزون ثلاثة أشخاص، أحدهم: وائل بن حجر الذي اضطربت روايته حتى أن بعض ألفاظها لم يرد فيه ذكر الضم، كما بينا، والثاني والثالث: غطيف بن الحارث، وشداد بن شرحبيل، ولم تعرف لهما صحبة، وليس لكل واحد منهما إلا حديث واحد هو ذلك الحديث الذي ذكر فيه كل منهما أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده على يده.
وهذه الصيغة وإن كان البعض يرى أن صحبة الصحابي تثبت بمثلها؛ إلا أنه يحتمل أنه قال: روي بصيغة المبني للمجهول، أو نحو ذلك.
(1/83)

وعلى فرض صحة الرواية في ذلك، فيحتمل أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يفعل ذلك في صلاة نافلة بعدما تعب، أما لو كان ذلك في فريضة لما ترك الحديث به آلاف الصحابة وتحدث به من لم تعرف صحبته!!
(3) ـ أنه روي القول بالإرسال عن سادات أهل البيت كعلي بن الحسين، وجعفر الصادق، والقاسم بن إبراهيم، والهادي، والناصر، وكذلك صح عن كبار التابعين كسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين وغيرهم، وذلك يدل على أن الضم لم تكن معروفاً أصلاً، أو أنها كانت مجرد رخصة في النافلة عند التعب، وهذا هو الأقرب كما ترى؛ لأن من البعيد أن تكون أحاديث الضم التي بلغتنا بعد قرون لم تبلغهم والعهد قريب، وهم من أكثر الناس اهتماماً بمعرفة ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفقهه، كما أنه من البعيد أن يكونوا تركوا ذلك تعنتاً وإصراراً على مخالفة المشروع، فقد عرف عنهم شدة تمسكهم بالسنة واقتفاء نهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وليس ثَم ما يدفعهم لمخالفة ذلك.
فان قيل: قد روي الضم عن بعض الصحابة والتابعين ومن البيعد أن يكونوا قد اخترعوا ذلك من تلقاء أنفسهم وأدخلوه في الشرع؛ لأنهم أيضاً أهل ورع واستقامة، إضافة إلى أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك من خُلق الأنبياء.
قلنا: نحن نوافقكم على ذلك، والجمع بين القولين ممكن ومعقول، وهو أن الضم شُرع في النافلة وشُرع الإرسال في الفريضة.
فإن قيل: ولما لا يكون العكس هو الصحيح، وهو: أن الإرسال رخصة في النفل والضم سنة في الفرض؟
قلنا: لأن جميع ما ذكرنا من الشواهد تدل على عكس ذلك.
(1/84)

(4) ـ جاء عن سعيد بن جبير أنه كان في الطواف فرأى رجلاً يضع يده على يده فخرج من الطواف وذهب ففرق بينهما ثم عاد، وهذا يدل على أن في المسألة من المخالفة ما يستوجب النهي عنه بشدة، كما يدل على أن سعيداً لم ير غيره يفعل ذلك، ذلك وهو بفناء الكعبة؛ لأن ذلك لو كان معروفاً أو كان هنالك من يفعله غيره لما قصده بالذات.
(5) ـ أن الخلاف الكبير في موضع الضم، هل هو فوق السرة، أو تحت السرة، أو فوق الصدر، أو عند الصدر؟ وهل يوضع الكف على الكف أم الكف على الرسغ أم على الرسغ والساعد؟ وهل يقبض اليسرى باليمنى أو يضعها فقط؟ وهل ينشر أصابعه أم يحلق بها؟ إلى آخر ما ذكر في الروايات، كل ذلك يشير إلى أن المسألة لم تكن معروفة بجلاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يفعلها كل يوم خمس مرات وأمام المئات بل الألوف من الصحابة لما اكتنفه الغموض إلى هذا الحد.
ثانياً: أنه قد روي عن بعض الصحابة الضم تارة والإرسال تارة أخرى، وذلك كعلي عليه السلام وابن الزبير، وكذلك روي عن بعض التابعين كإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير، كما حكي عن الإمام زيد، والإمام الصادق( ) وغيرهم، وأحسن التأويل لذلك هو ما ذكرناه من شرعية الإرسال في الفريضة والترخيص في الضم في النافلة.
ثالثاً: أنه قد اشتهر القول بهذا عن بعض العلماء، فقد روى ابن أبي شيبة، عن ابن سيرين أنه سئل عن الرجل يمسك بيمينه شماله، فقال: إنما فعل ذلك من أجل الدَّم( ).
وعن الأوزاعي أنه كان يقول: إنما أمروا بالاعتماد إشفاقاً عليهم؛ لأنهم كانوا يطولون القيام، وكان ينزل الدم إلى رؤوس أصابعهم( ).
وعن الليث بن سعد أنه كان يرسلهما، فإن أطال وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة( ).

وقال ابن حجر: ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمداً لقصد الراحة( ).
(1/85)

وروى الحافظ العلوي في (الجامع الكافي) عن عبد الجبار، عن محمد بن منصور المرادي أنه أجاز وضع اليمين على الرسغ أسفل السرة في غير الفرض( ).
رابعاً: أن الإمام مالك ابن أنس أكد على أنه لا يعرف الضم في الفريضة، رغم أنه روى أصح أحاديث الضم عند القائلين به، فقوله ـ مع ذلك ـ: لا أعرفه في الفريضة، ليس له تأويل مقبول إلا ما ذكرنا، وفيه دلالة على أن الضم لم يكن معرفاً عند الصدر الأول من صحابة وتابعين؛ لأنه لا يمكن أن يكون مشهوراً ومالك لا يعرفه، وقد نشأ في المدينة المنورة، وآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ما زالت تلوح في الأفق.
وأود أن أشير هنا إلى أن الخلاف فيما نقل عن مالك نموذج مصغَّر للخلاف المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد اشتهر عن مالك أنه قال: لا أعرفه في الفريضة، وكان يرخص فيه في النافلة، فعمل المتحمسون للإرسال على القول بأنه لا يجيز الضم على أي حال، وأوردوا نصوصه في ذلك. وفي المقابل حمل المتحمسون للضم ما روي عنه في الضم في النافلة على الفرض والنفل.
خامساً: ما أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي، حدثنا محبوب بن الحسن القرشي، عن الخصيب بن جحدر، عن النعمان بن نعيم، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: (( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبالة أذنيه، فإذا كبَّر أرسلهما، ثم سكت، وربما رأيته يضع يمينه على يساره ))( ).
ورواه الهيثمي( ) وقال: رواه الطبراني في الكبير. وأخرجه الطبري في المعجم الوسيط، واحتج به الشيخ محمد بن يوسف المالكي في كتابه (نصرة الفقيه السالك في الرد على منكر السَّدل في مذهب مالك)( ).
سادساً: أن أغلب روايات الضم لم يأت في شيء منها أنه كان في صلاة الفريضة.
(1/86)

سابعاً: قد لا يكون من الصدفة اقتران ذكر الوضع بالسحور والفطور كما في معظم الروايات، وقد يكون فيه إشارة إلى ما بين الفطور والسحور من التهجد والنوافل.
وقد لا يكون من الصدفة التأكيد على أن ذلك من أخلاق الأنبياء أو من سننهم، فهم أكثر الناس تهجداً وتعبداً لله.
ثامناً: أنه قد روي ذلك عن علي عليه السلام، ذكر ذلك ابن حزم، وقد تقدم.
وعلق البخاري تلك الرواية بصيغة الجزم، وهو وإن لم يقل: إذا طول، فإنه ذكرها في باب الاستعانة في الصلاة. وقد تقدم الكلام عن هذه الرواية.
تاسعاً: أنه لما كان المقصود بوضع اليد على اليد الاستراحة، روي عن بعضهم أنه وضع يسراه على يمناه كما في حديث ابن مسعود وجابر، وذلك يدل على أنه لم يكن في ذلك شيء مشروع، ولكن للمتنفل أن يضع إحدى يديه على الأخرى للاستراحة، كما يمكنه أن يعتمد على جدار أو يتنفل من قعود. وما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث من تغير وضع اليدين بحيث جعل اليمنى على اليسرى إنما يدل على أن من أراد وضع إحدى يديه على الأخرى فإنه يستحب له التَّيَمُّن بأن يضع اليمنى على اليسرى، كما يأخذ ويأكل ويشرب بيمينه.
*****
بهذا ينتهي هذا البحث المتواضع، ولايسعني في آخره إلا أن أدعو جميع من اطلع على كتابي هذا إلى الإنصاف والبعد عن التعصب وحمل الآخرين على السلامة واحتمال أن يكون لهم دليل فيما يذهبون إليه، مؤكداً أنني ما طرقت هذا الموضوع إلا طلباً للأجر عند الله وبحثاً عن الحقيقة، ولأبين للمتعصبين أن كل إمام من أئمة الفقه لا يختار شيئاً إلا بناء على دليل فيما يذهب إليه، وأن مقلديه والعاملين بفقهه مستندين من خلاله إلى دليل من الكتاب والسنة وإن لم يطلعوا عليه.
فهل آن لنا أن يقبل بعضنا بعضا ونظهر حسن النية ونتبادل الاحترام فيما بيننا، ونتجنب الدعوة بإلحاح إلى المسائل المختلف فيها ؟ أرجو أن يكون ذلك قد آن.
(1/87)

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الطاهر الأمين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين

قائمة المراجع
أحوال الرجال/لإبراهيم الجوزجاني/ تحقيق صبحي السمرائي/ مؤسسة الرسالة / بيروت.
أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
أسماء الدلسين لسبط بن العجمي / مؤسسة الريان للطباعة ـ بيروت لبنان.
أعلام الموقعين/ لابن القيم الجوزجاني/ دار الفكر ـ بيروت.
أمالي أحمد بن عيسى المسمى بالعلوم/ للإمام محمد بن منصور المرادي/ طبعة مجهولة.
الأنساب، لأبي سعيد عبدالكريم بن محمد السمعاني/ تعليق عبد اللّه عمر البارودي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1 1408 هـ ـ 1988 م.
الأوسط في مذاهب العلماء، لابن المنذر، تحقيق الدكتور أبو حماد صغير أحمد /دار طيبة.
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي/ تحقيق شعيب الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت/ ط 1.
الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني/ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
الإعتصام بحبل الله المتين، للإمام القاسم بن محمد / الجمعية العلمية الملكية ، عَمَّان/ ط 1.
الاستنارة/ للحارث بن عبد الوارث/ مجهولة.
الاستيعاب لابن عبد البر المطبوع مع الإصابة/ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
الاغتباط فيمن رمي بالاختلاط/ إبراهيم بن محمد سبط ابن العجمي/ تحقيق فواز أحمد زمرلي/ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
البحر الزخار المعروف بمسند البزار، لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبدالخالق العتكي البزار/ تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله/ مؤسسة علوم القرآن ـ بيروت/ ط 1.
بدائع الفوائد/ لابن القيم الجوزجاني/ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
بداية المجتهد/ لابن رشد القرطبي بهامش الهداية في تخريج أحاديث البداية/ عالم الكتب/ بيروت.
البرهان في تفسير القرآن/ لهاشم البحراني/ مؤسسة الوفاء ـ بيروت.
(1/88)

البيان الشافي المنتزع من البرهان الكافي/ للعلامة يحيى بن أحمد ابن المظفر / طباعة مجلس القضاء الأعلى باليمن.
تاريخ ابن معين، ليحيى بن معين بن عون المري البغدادي/ تحقيق عبدالله أحمد حسين/ دار القلم ـ بيروت.
تاريخ الثقات، لعمر بن أحمد العجلي/ تحقيق د. عبدالمعطي قلعجي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1.
التاريخ الصغير، لمحمد بن إسماعيل البخاري/ تحقيق محمود إبراهيم زايد/ مؤسسة الكتب الثقافية/ بيروت ـ لبنان.
تاريخ الطبري المعروف بتاريخ الأمم والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت/ ط 4.
التاريخ الكبير، لمحمد بن إسماعيل البخاري/ مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت.
تاريخ بغداد، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
التبيين في الضم والتاميين للسيد العلامة بدر الدين الحوثي /ط1 دار التراث اليمني صنعاء.
التحرير (في فقه الزيدية) للإمام أبي طالب الهاروني / ط1 1418هـ ـ 1997م/ بتحقيق محمد يحيى سالم عزان/ مكتبة بدر صنعاء .
تحرير الأفكار، للسيد بدر الدين الحوثي/ مؤسسة أهل البيت للرعاية الاجتماعية/ ط 1 1415 هـ ـ 1993 م.
تحفة الأحوذي شرح صحيح الترمذي/ العلامة المباركفوري / دار الفكر ـ بيروت.
تذكرة الفقهاء/ للحسن بن يوسف الحلي/ مؤسس آل البيت لإحياء التراث.
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأربعة/ للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسكلاني/ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
تعريف أهل التقديس بمراتب المعروفين بالتدليس/ الحافظ بن حجر/ دار الكتب العلمية/ بيروت ـ لبنان.
تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، لمحمد الرازي فخر الدين بن عمر/ دار الفكر ـ بيروت/ ط 3 1405 هـ ـ 1985 م.
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير القرشي الدمشقي/ دار الندى ـ بيروت/ ط 1.
تقريب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني/ تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف/ دار المعرفة ـ بيروت/ ط 2.
(1/89)

تلخيص الحبير، لابن حجر العسقلاني/ عني به عبدالله هاشم اليماني بالمدينة المنورة ـ الحجاز.
تمام المنة في التعليق على فقه السنة/ لمحمد ناصر الدين الألباني/ المكتب الإسلامي ـ عمّان.
تهذيب الأحكام/ للعلامة الطوسي/ دار الصعب ودار التعارف ـ بيروت.
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني/ دار الفكر / ط 1.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للإمام المزي/ تحقيق د. بشار عواد معروف/ مؤسسة الرسالة/ ط 2.
تهذيب تاريخ دمشق، لعبدالقادر بدران/ دار المسيرة ـ بيروت/ ط 2.
الثقات، لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم البستي/ دائرة المعارف العثمانية/ ط 1.
الثمرات اليانعة (في آيات الأحكام) للفقيه العلامة يوسف بن أحمد بن عثمان /مخطوط.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأببي جعفر محمد بن جرير الطبري/ دار الفكر ـ بيروت/ 1984 م.
جامع الرواه، لمحمد بن علي الأردبيلي/ منشورات دار الأضواء ـ بيروت.
الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة/ تحقيق أحمد محمد شاكر/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، لجلال الدين بن أبي بكر السيوطي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1.
الجامع الكافي، للحافظ أبي عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن العلوي/ مخطوط.
جامع المقاصد/ علي بن الحسين الكركي/ مؤسة آل البيت ـ قم.
جامع بيان العلم وفضله وماينبغي في روايته وحمله، لأبي عمر يوسف بن عبدالبر/ دار الفكر ـ بيروت.
الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد الأنصاري القرطبي/ صححه أحمد عبدالعليم البردوني.
الجداول، لعبد الله بن الهادي القاسمي، مخطوط.
الجرح والتعديل، لعبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي/ دائرة المعارف العثمانية/ ط 1.
حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء ، لسيف الدين أبي بكر محمد بن احمد الشاشي/ دار البرامكة.
(1/90)

خلاصة تذهيب تهذيب الكمال، لأحمد بن عبدالله الخزرجي الأنصاري/ مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب، بيروت/ ط 3.
الدر المنثور في التفسير المأثور، لعبدالرحمن جلال الدين السيوطي/ إشراف دار الفكر ـ بيروت/ ط 1.
رأب الصدع ( أمالي الإمام أحمد بن عيسى) / تحقيق علي بن إسماعيل بن عبد الله المؤيد /دار النفائس ـ بيروت/ ط 1.
رجال صحيح مسلم/ لأحمد بن علي بن منجويه/ تحقيق عبد الله الليثي/ دار المعرفة ـ بيروت.
الرسالتان في الضم والارسال وحي على خير العمل ، لعلى بن عبد الكريم الفضيل.
الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني/ تحقيق محمد شكور محمود الحاج أمرير/ المكتب الإسلامي ـ بيروت/ ط 1 1985 م.
الروض النضير/ الحسين بن أحمد السياغي/ مكتبة المؤيد ـ الطائف/ ط 2.
الروضة الندية صديق بن حسن البخاري/ دار الندوة الجديدة ـ بيروت.
سبل السلام/ محمد بن إسماعيل الأمير/ دار الرسالة الحديثة.
سنن أبي داود = سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي/ دار الجيل ـ بيروت.
سنن ابن ماجه/ محمد بن يزيد القزويني/ تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي/ دار إحياء التراث العربي.
سنن البيهقي، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، وفي ذيله الجوهر النقي لابن التركماني/ دار الفكر.
سنن الدار قطني، لعلي بن عمر الدار قطني/ عالم الكتب ـ بيروت/ ط 4.
نن الدارمي، لأبي محمد عبد الله بن عبدالرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
سنن النسائي (المجتبى) بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي/ تحقيق عبدالفتاح أبو غدة/ دار البشائر الإسلامية ـ بيروت/ ط 2 1988 م.
سنن النسائي الكبرى، للإمام أحمد بن شعيب النسائي/ تحقيق د. عبدالغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن/ دار الكتب العلمية ـ بيروت / ط 1 1991 م.
سير أعلام النبلاء، للذهبي/ حققه مجموعة من المحققين/ مؤسسة الرسالة/ ط 4.
شرح الأزهار/ للعلامة ابن مفتاح/ مكتبة غمضان لإحياء التراث.
(1/91)

شرح التحرير للقاضي زيد بن محمد الكلاري مخطوط.
شرح صحيح مسلم، للنووي (في حاشية صحيح مسلم)/ مؤسسة الكتب الثقافية.
شرح معاني الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي/ تحقيق محمد زهري النجار/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 2 1407 هـ ـ 1987 م.
شفاء الأوام/ للأمير حسين بن بدر الدين/ جمعية علماء اليمن ـ صنعاء.
صحيح ابن خزيمة، لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري/ تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي/ المكتب الإسلامي ـ بيروت/ ط 1.
صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري/ عالم الكتب ـ بيروت/ ط 4.
صحيح صفة صلاة النبي/ لحسن بن علي السقاف/ دار النووي ـ عمّان.
صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري/ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
صحيفة علي بن موسى الرضا، طبع مع مجموع الإمام زيد في مجلد واحد/ دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
صفة صلاة النبي/ لناصر الدين الألباني/ المكتب الإسلامي ـ عمّان.
الضعفاء الصغير، لمحمد بن إسماعيل البخاري/ تحقيق بوران الضناوي/ عالم الكتب ـ بيروت/ ط 1.
الضعفاء، لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي/ تحقيق عبدالمعطي أمين قلعجي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1 1404 هـ ـ 1984 م.
الضعفاء، لأحمد بن شعيب النسائي/ ـحقيق مركز الخدمات والأبحاث الثقافية: بوران الضناوي ـ كمال يوسف الحوت/ مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت/ ط 1.
ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار/ للحسن بن أحمد الجلال/ غمضان لإحياء التراث ـ صنعاء.
ضياء ذوي الأبصار، لأحمد بن محمد الشرفي/ مخطوط.
طبقات الزيدية الكبرى، لإبراهيم بن القاسم بن محمد بن القاسم، مخطوط.
الطبقات الكبرى، لابن سعد/ دار صادر.
العتب الجميل/ للسيد محمد بن عقيل/ مؤسسة البلاغ ـ بيروت/ دار الحكمة ـ صنعاء.
(1/92)

عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة ، لجلال الدين عبد الله بن نجم بن شاس/ دار الغرب الاسلامي.
العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد بن محمد بن حنبل/ تحقيق وصي الله عباس/ المكتب الإسلامي ـ بيروت/ ط 1 1988 م.
العواصم والقواصم، للحافظ محمد بن إبراهيم الوزير/ تحقيق شعيب الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت/ ط 2 1412 هـ ـ 1992 م.
عون المعبود شرح سنن أبي داود/ محمد شمس الحق الأبادي/ دار الفكر ـ بيروت.
الغطمطم الزخار، لمحمد بن صالح السماوي/ تحقيق محمد يحيى سالم عزان/ ط 1 1415 هـ ـ 1994 م.
الفتاوى الواضحة/ للسيد محمد باقر الصدر/ دار التعارف ـ بيروت.
فتح الباري شرح صحيح البخاري/ أحمد بن علي بن حجر العسكلاني/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
الفقه على المذاهب الأربعة/ لعبد الرحمن الجزري/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
الفلك الدوار في علوم الحديث والفقه والآثار، للسيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير/ تحقيق محمد يحيى سالم عزان/ ط 1 .
قرب الإسناد عبد الله بن جعفر الحميري/ مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم.
قواعد التحديث/ جمال الدين القاسمي/ دار النفائس ـ بيروت.
الكاشف، للذهبي/ تحقيق لجنة من العلماء/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1.
الكامل في الضعفاء، لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني/ تحقيق لجنة من المختصين/ دار الفكر ـ بيروت/ ط 2.
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، لمحمود بن عمر الزمخشري/ رتبه وصححه مصطفى حسين أحمد/ دار الكتاب العربي.
كشف الأستار عن سوائد مسند البزار/ نور الدين الهيثمي/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ ط 3.
لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار، للعلامة صلاح بن احمد المهدي/ مخطوط .
اللمعة الدمشقية/ محمد بن جمال الدين العاملي/ دار العالم الإسلامي ـ بيروت.
(1/93)

المجروحين، لابن حبان البستي/ تحقيق محمود إبراهيم زايد/ دار المعرفة ـ بيروت.
مجمع ا لزوائد، للهيثمي/ دار الكتاب العربي ـ بيروت/ ط 3.
مجمع البيان في تفسير القرآن/ الفضل بن الحسن الطبرسي/ دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
المجموع شرح المهذب، للنووي، تحقيق محمد نجيب المطيعي/ توزيع الكتبة العالمية بالفجالة.
مجموع كتب الإمام زيد، تحت الطبع بتحقيق محمد يحيى سالم عزان.
المجموعة الفاخرة (مجموع كتب الإمام الهادي يحيى بن الحسين) ، مخطوط.
المحجة البيضاء في تهذييب الإحياء/ الفيض الكاشاني/مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
المحلى/ علي بن محمد بن حزم/ تحقيق عبد الغفار سليمان/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
مدارك الأحكام/ لمحمد بن علي الموسوي العاملي /موسسة آل البيت ـ قم.
المسائل الإسلامية/ محمد الشيرازي/ مؤسسة الوفاء ـ بيروت.
المسائل النافعة، للعلامة الحسن بن يحيى القاسمي، محطوط.
المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري/ دار المعرفة ـ بيروت.
مستدرك وسائل الشيعة/ حسين النوري/ مؤسسة آل البيت ـ قم.
مستند الشيعة/ أحمد بن محمد النراقي/ مؤسسة آل البيت ـ قم.
مسند أبي عوانة، ليعقوب بن إسحاق الإسفرائني/ دار المعرفة ـ بيروت.
مسند أبي يعلى الموصلي/ تحقيق حسين سليم أسد/ دار المأمون للتراث ـ دمشق وبيروت/ ط 1.
مسند الإمام أحمد بن حنبل، وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال/ دار الفكر.
مسند الإمام زيد (المجموع) ، للإمام زيد بن علي / دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
مسند الحميدي، لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي/ حققه حبيب الرحمن الأعظمي/ المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.
مسند الطيالسي، للحافظ سليمان بن داود بن الجارود/ دار المعرفة.
مصنف ابن أبي شيبة/ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة/ دار التاج ـ المدينة.
مصنف عبد الرزاق الصنعاني/ تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي/ المكتب الإسلامي/ عمّان.
(1/94)

المعارف، لابن قتيبة/ تحقيق د. ثروة عكاشة/ دار المعارف/ ط 4.
المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني/ حققه د. محمود الطحان/ مكتبة المعارف ـ الرياض/ ط 2.
المقنعة/ للشيخ المفيد/ دار المفيد ـ بيروت.
من لا يحضره الفقيه/ محمد بن علي الصدوق/ مؤسسة الأعلمي.
المنار، لصالح بن مهدي المقبلي/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت/ ط 1 1408 هـ ـ 1988 م.
المنتخب، للإمام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام/ دار الحكمة اليمانية ـ صنعاء/ ط 1 1414 هـ ـ 1993 م.
المنتقى/ عبد الله بن الجارود/ تحقيق عب الله عمر البارودي/ دار الجنان ـ بيروت.
المنهاج الجلي، للإمام محمد بن المطهر/ مخطوط.
المنهاج السوي شرح منظومة الهدى النبوي/ محمد بن قاسم الوجيه/ دار الحكة اليمانية ـ صنعاء.
موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف/ إعداد أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول/ عالم التراث ـ بيروت/ ط 1 1989 م.
موسوعة فقه إبراهيم النخعي/ محمد رواس قلعة جي/ دار النفائس ـ بيروت.
موسوعة فقه الحسن البصري/ محمد رواس قلعة جي/ دار النفائس ـ بيروت.
الموطأ/ للإمام مالك بن أنس/ تحقيق محمد فؤائد عبد الباقي/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
ميزان الاعتدال، للذهبي/ تحقيق علي محمد البجاوي/ دار الفكر.
نجوم الأنظار، للعلامة عبد الله بن الإمام الحسن بن يحيى القاسمي، مخطوط.
نصب الراية لأحاديث الهداية، لجمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي/ دار الحديث/ المركز الإسلامي ـ الأهرام.
نكت العبادات/ جعفر بن أحمد بن عبد السلام/ دار الندوة الجديدة ـ بيروت.
المناهي ، للإمام محمد بن منصور المرادي ـ مخطوط ـ.
المناهي ، للإمام المرتضى محمد بن يحيى بن الحسين ـ مخطوط ـ..
النهاية في الفقه للطوسي/ دار الكتاب اللبناني ـ بيروت.
النهاية في غريب الحديث والأثر، للمبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير) / تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي/ المكتبة العلمية ـ بيروت.
(1/95)

نيل الأوطار/ لمحمد بن علي الشوكاني/ دار الفكر ـ بيروت.
الهداية في تخريج أحاديث البداية/ لأحمد بن محمد بن صدي الغماري/ عالم الكتب ـ بيروت.
وسائل الشيعة/ محمد بن الحسن العاملي/مؤسة آل البيت ـ قم.

i

فهرس المواضيع

مرجحات الإرسال
وإضافة إلى ما ذكرنا من الأدلة فهنالك مرجحات شتى تؤيد القول بالإرسال، منها:
1 . المشهور عن أهل البيت عليهم السلام الإرسال، وقد أمرنا بالإقتداء بهم.
2 . كان كبار التابعين كالحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير وغيرهم يرجحون الإرسال ولا يعملون إلا به، ولا يعرفون الضم في الصلاة، حتى قال إمام أهل البيت جعفر الصادق حين سئل عنه: لا تفعله!!
وقال إمام أهل السنة مالك بن أنس، حين سئل عن الضم: لا أعرفه!!
وقال إمام أهل الحديث محمد بن سيرين، حين سئل عنه: إنما فعل ذلك من أجل الدَّم!! يعني عندما ينزل إلى الأصابع.
وقصد سعيد بن جبير رجلاً يضع إحدى يديه على الأخرى في صلاته ففرق بينهما!
ومن البعيد أن يكون سادات التابعين جهلوا روايات الضم، وقد رُوي بعضها من طريقهم.
3 . الأخبار الفعلية الواردة في شرعية الضم مهما كَثُرَت فإنها لا تدل إلا على أنه فُعل ذلك، والفعل لا ظاهر له، وما صح من الأخبار القولية لا ينص على شرعية الضم في الصلاة المفروضة، إذ يحتمل أن يكون في غير الفرض، أو أنه منسوخ، أو أنه خاص بالأنبياء، كما هو ظاهر الروايات.
4 . أحاديث الضم بين مُرْسَل وموقوف ومسند ومرفوع، فالمرسل والموقوف لا يستدل بهما عند أهل الحديث، والمسند والمرفوع بين مضطرب وضعيف. وسيأتي الكلام في ذلك.
5 . أحاديث الضم إن صحت فهي أخبار عن وقوعه، وأحاديث الإرسال نهي عنه نص في الإرسال، وعند الترجيح يرجح النهي على الأمر والإخبار، كما هو معلوم في مواضعه من أصول الفقه.
(1/96)

6 . تضاربت روايات الضم في تحديد مكانه وهيأته، مما أدى إلى تضعيفها أو سقوطها، وإذا لم يبق إلا الروايات التي ليس فيها ذكر الموضع، فيحتمل أن يكون المراد منها غير الضم المعروف، قال الأمير الحسين بن بدر الدين ـ بعد ذكر الضم ـ: (( ويجوز أن يكون المراد به التطبيق ـ وهو وضع الكف على الكف بين الفخذين ـ وقد ثبت نسخه ))( ).

(8) - أن الله قد أمرنا بالقيام في الصلاة، والأصل عد القيام هو إرسال اليدين، فعلينا أن نبقى على الأصل، حتى يأتيِ دليل صحيح يخرج عن الأصل. والروايات الواردة في ذلك ضعيفة ومتضاربة، فلا تنقل عن الأصل خصوصا مع وجود المعارض.
ولا يصح قول من يقول: إن ما روي من اختلاف في روايات الضم لا يؤثر، لأنه إنما يفيد أن المصلي مخير بين الوضع على الصدر، أو تحت السرة وأنه موسع فيه؛ لأن التخيير يحتاج إلى ثبوت دليل عليه، أو صحة الشيئين المختلفين مع الإشارة إلى عدم الحرج في ذلك.
قال شيخنا العلامة بدر الدين الحوثي: ((إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعله في موضع معين، فالمشروع الإقتداء به في محله، وأن لا يثبت التخيير إلا بدليل، إما أن يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع تارة على صدره وتارة تحت سرته، ولكن ليس هذا في شيء من روايات الضم، وإما أن يثبت التخيير بالقول، كأن يقول: ضع اليمنى على اليسرى على الصدر أو فوق السرة أو تحتها، ولا يوجد هذا في شيء من الروايات، أو تثبت رواية صحيحة تدل على أنه وضعها على صدره، ورواية أخرى صحيحة تدل على أنه وضعها فوق السرة، فتقبل الروايات كلها، وتُحمل على أنه تارة يفعل ما في رواية الصدر، وتارة يضعهما على السرة، وتارة تحتها ))( ).
وقد أشار إلى ذلك العلامة يوسف بن أحمد بن عثمان بقوله: (( قال أهل المذهب: اختلاف الرواية فيما لا يجوز فيه الاختلاف يوجب اطِّراحها، والرجوع إلى الأصل، وهو أن الأفعال غير مشروعة وأن الفعل الكثير مفسد ))( ).
(1/97)

وأكد ذلك الأمير الحسين، فقال: بعد ذكر حديث علي وأبي هريرة: (( فأحد الخبرين بلفظ الأخذ، وهو القبض، والثاني بلفظ الوضع، والفعلان المتنافيان إذا ورد بهما الخبر ولم يحصل الترجيح لأحدهما على الآخر، ولم يصح القول فيهما بالتخيير، سقط العمل بهما؛ ولأنه لم يعين في أي الأركان يفعل ذلك، أفي حال القيام؟ أم في حال القعود؟ أم في حال الركوع؟ أم في حال السجود؟ فصار تعيين الحال مجملاً يحتاج إلى بيان من حيث لم يتضمن بيان الموضع، فلا يصح الاستدلال به ))( ).
(1/98)

المقد مة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الأمين وعلى آله الطاهرين، أما بعد ..
فإن هذا البحث المتواضع في مسألة الإرسال والضم أثناء القيام في الصلاة، سبق وأن طُبع منذ سنوات، وكنت قد أشرت في مقدمته إلى أن الباعث عليه أننا ابتلينا بأناسٍ يعتبرون الضم في الصلاة علامة المعرفة والتَّسنُّن، ويعتبرون الإرسال علامة الجهالة والابتداع، وبالغوا في ذلك حتى صارت المسألة كأنها من مهمات مسائل أصول الدين، متعللين في ذلك بأن الإرسال لا دليل عليه، وأن أدلة الضم متواترة!! وأنه لا يرسل في الصلاة إلا حَفْنَة من الناس ليس لهم في ذلك رائحة دليل.
تلك التقولات وغيرها جعلت البعض يتساءل كيف جاء الارسال في الصلاة؟ ومن هم القائلون بشرعيته؟ وما مدى صحة ما يعتمدون عليه من الأدلة في ذلك؟
وكنت ممن خطر بباله تلك التساؤلات؛ فتوجهت نحو البحث في هذه المسألة بجدٍ وتوسع، إيمانا مني بأن بحث أي موضوع، وجمع ما أمكن من أدلته وملابساته، وفحصها بموضوعية، بعيداً عن أي عصبية أو ميول مسبق، أو تأثر بمحيط ثقافي أو اجتماعي أو سياسي؛ يؤدي إلى رؤية إن لم تكن صواباً، فقريبة من الصواب.
وبعد أن باشرت عملي في البحث والتتبع وجدت أن الخلاف في مسألة الضم والإرسال في الصلاة واقع بين علماء المسلمين: فقهاء ومحدثين، وهو خلاف لا يؤدي - في الحقيقة - إلى التباعد والتنافر بين الأمة الواحدة، لا سيما وأن هذه المسألة من المسائل الفرعية الاجتهادية التي كل مجتهد فيها مصيب، إذا اجتهد وأعطى المسألة حقها من البحث والتنقيب الذي لا يشوبه شيء من العصبية المذمومة.
وحين فرغت من الاطلاع على مقالات العلماء واستعراض الأدلة في هذه المسألة، رأيت أن أدون ما اجتمع عندي من المعلومات، لأقدمها للقراء وأقربها للباحثين، فجاءت في ثلاثة أبواب على النحو التالي:
(1/1)

الباب الأول في: الإرسال، ويشتمل على ذكر القائلين به، وبيان أدلتهم ومرجحاتهم، وما يتعلق بذلك.
الباب الثاني في: الضم، ويشتمل على ذكر القائلين به واختلافهم في صفته، وأدلتهم عليه، مع تعليق وتقييم للروايات المذكورة فيه.
الباب الثالث في: نتيجة البحث في المسألة، ويشتمل على تأملات في مجمل الأدلة، وذكر محاولات العلماء للجمع بينها، وما هو الأقرب إلى واقع الأدلة منها.
وهنا أود أن أشير إلى أن هذا الكتاب كان أول تجربة لي في مجال البحث والتأليف، وقد كنت سوَّدته وصورته لغرض التصحيح والمراجعة، ولكنني فؤجئت بعد أشهر بأن بعض دور النشر قد قامت بطباعته بغير أذن مني، فخرج الكتاب مشوها بكثير من الأخطاء والسقط، مما اضطرني إلى مراجعته على عجل وتقديمه للطباعة مرة ثانية، ولكنني رغم ذلك لم أتمكن من تصحيح جميع الأخطاء، فرأيت بعد نفاد الطبعة الأولى والثانية أن أعمل على مراجعة الكتاب وتهذيبه، فقمت بترتيبه والخذف منه والإضافة إليه وتأكدت من المصادر التي نقلت عنها، ونحو ذلك من التصحيحات.
والآن وبعد المراجعة والتهذيب أقدمه للقراء والباحثين باعتباره بديلاً عن الطبعتين السابقتين، راجياً أن أكون بهذا قد لفت النظر إلى أهمية ما وقع فيه من تغير، ومن الله أستمد العون والسداد.
وأخيراً أقدم هذا الجهد مني لطلبة العلم الشريف الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل ونور يذهب ظلمات العصبية والتحجر، وأنصح كل متعصب أن لا يقرأ كتابي هذا حتى لا يضيّع وقته، فأنا أعرف أنه لا يرضي المتعصبين.
ومن الله أستمد العون والهداية، والحمد لله رب العالمين.
محمد يحيى سالم عِزَّان
صنعاء : 1/ رمضان/ 1419هـ

Hg

مدخل
الارسال في الصلاة، هو: جعل اليدين - عند القيام - بجانب الفخذين، وهو الوضع الطبيعي للإنسان عند القيام.
(1/2)

وقد ذهب إلى أنه هو المشروع في الصلاة سائر المنتمين إلى خط أهل البيت من زيدية، وإمامية، وإسماعيلية، واختاره الإمام مالك ومن تبعه من المالكية، وذهب إليه سادات التابعين وكبار فقهاء المسلمين، أمثال سعيد بن المسيب فقيه أهل المدينة، وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير فقيها أهل الكوفة، وعطاء بن أبي رباح وعبد الملك بن جريج فقيها أهل مكة، والحسن البصري فقيه أهل البصرة، والليث بن سعد فقيه أهل مصر، وعبد الرحمن الأوزاعي فقيه أهل الشام، وغيرهم.
والقائلون بالارسال المتمسكون بفعله في الصلاة منتشرون على طول البلاد الاسلامية وعرضها، وليسوا قلة شاذة كما يروج متعصبي مخالفيهم، وهم يعتقدون أنهم متمسكون في ذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، معتمدين في ذلك على ما عرفوا من صفة صلاته صلى الله عليه وآله وسلم. وذلك ما سنفصله لاحقاً بمشيئة الله تعالى.

الفصل الأول
مذهب أهل البيت عليهم السلام
تضافرت الرِّوايات من طرق الخاصَّة والعامة على أن الإرسال أثناء القيام في الصلاة هو مذهب جمهور أهل البيت، وقد أخذوا ذلك خَلَفاً عن سلف، وعليه مضى سائر المنتمين إليهم من زيدية، وإمامية، وإسماعيلية، رغم اختلافهم في مسائل كثيرة، وذلك ما سنوضحه فيما يلي:
أولاً: مذهب الزيدية
اتفق جمهور الزيدية قديماً وحديثاً على أن إرسال اليدين على الفخذين هو المشروع عند القيام في الصلاة، وهو ما اشتهر عنهم واحتجوا له في كتبهم، ورجحوه على غيره وما زالوا يفعلونه جيلاً بعد جيل إلى يومنا هذا، وتأكيداً لذلك سأورد هنا نبذة من نصوص أئمتهم وعلمائهم لأضع القارئ أما صورة واضحة لهذا الجانب من المسألة.
(1/3)

فعن الإمام أحمد بن عيسى بن زيد (المتوفى 247هـ) أنه كان إذا كَبَّر في أول الصلاة أرسل يديه على فخذيه وهو قائم، ولم يضع واحدة على الأخرى(1).
* وجاء عن الإمام القاسم بن إبراهيم (المتوفى 246هـ) أن فعله يفسد الصلاة (2).
* وقال الحافظ محمد بن منصور المرادي المتوفى (390 هـ تقريباً): (( إذا كبَّرت فأرسل يديك حتى تقع كفّاك على فخذيك ))(3).
* واشتهر عن الإمام الهادي (المتوفي 298هـ) أن أن فعله لايجوز وأنه يفسد الصلاة (4).
* وقالت الناصرية، وهم زيدية الجيل والديلم(5): وضع اليد على اليد في الصلاة بعد التكبيرة غير مشروع(6).
* وقال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفي 411هـ): (( وذلك مكروه عند أهل البيت عليهم السلام؛ لأن ذلك ينافي السكون؛ فإنه يحتاج عند الوضع إلى إرسالهما، ثم إلى رفعهما، ثم إلى إرسالهما وذلك ضد السكون )).روى ذلك عنه القاضي زيد في (شرح التحرير)(7)، والأمير الحسين في (الشفاء)(8).
__________
(1) أمالي أحمد بن عيسى المطبوع باسم (رأب الصدع 1/263 رقم: 368)، وباسم بـ(العلوم 1/124)، ورواه عنه أبو عبد الله العلوي في الجامع الكافي 1/55 مخطوط، والعلامة الشهيد محمد بن صالح السماوي في الغطمطم 5/48.
(2) البحر الزخار 2/241، لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار مخطوط 1/496. ونقل العلامة صلاح بن أحمد المهدي عن القاسم بن إبراهيم أنه بدعة غير مفسد، إذ لا دليل.
(3) أمالي أحمد بن عيسى المسمى بالعلوم ، ورواه أبو عبد الله العلوي في الجامع الكافي 1/55، والعلامة الشهيد محمد بن صالح السماوي في الغطمطم 5/48.
(4) شفاء الأوام 1/310، البحر الزخار 2/241.
(5) وهم أتباع الإمام الناصر الأطروش (المتوفى 304هـ )، لأنه كان أبرز أئمة الزيديه هناك.
(6) البحر الزخار 2/241، لطف الغفار - خ - 1/497.
(7) شرح التحرير للقاضي زيد مخطوط.
(8) شفاء الأوام 1/310.
(1/4)

* وقال الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني (المتوفى 424هـ): ((ولا يجوز للمصلي أن يضع يمينه على يساره في حال القيام، على موجب قول القاسم ويحيى عليهما السلام، فإن فعل ذلك بطلت صلاته)) (1).
* وقال الحافظ أبو عبد الله العلوي (المتوفى 445هـ): (( وأما وضع اليمنى على كفه اليسرى فيكره، ويقال: إنه من فعل اليهود ))(2).
* وقال العلامة جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى 576هـ) في تعداد مفسدات الصلاة: ((والثالث: أن يفعل فيها أفعالاً كثيرة ليست منها، ويِدْخل في ذلك وضع اليد على اليد ))(3).
* وقال الأمير الحسين بن بدر الدين (المتوفى 662هـ): (( قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أُسكنوا في الصلاة )). يدل جميع ذلك على أنه لا يجوز للمصلي أن يضع يمينه على يساره في حال القيام ))(4).
* وقال الإمام يحيى بن حمزة (المتوفى 749هـ): يكره(5).
* وقال العلامة ابن المظفر (المتوفى 796هـ): (( وضع اليد اليسرى على اليمنى مفسد إذا كثر، نحو أن يستمر حتى كَثُر، وهو حيث يكون الوضع أكثر من الإرسال. ذكره المنصور بالله. ونحو أن يضع ثم يرفع ثم يضع، وكذا في وضع اليمنى على اليسرى ))(6).
* قال العلامة يوسف بن أحمد بن عثمان ـ وهو أحد أقطاب المذهب الزيدي في عصره (توفي 832 هـ): هذه المسألة ـ أي الضم ـ اختلف فيها العلماء، فمذهب عامة أهل البيت أن ذلك غير مشروع(7).
* وقال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (المتوفى 840هـ): تركه أحوط(8).
__________
(1) التحرير 1/ 90، الثمرات 2/1045 مخطوط.
(2) الجامع الكافي 1/55 مخطوط.
(3) نكت العبادات 50.
(4) شفاء الأوام 1/310.
(5) البحر الزخار 2/242، ولطف الغفار مخطوط 1/497.
(6) البيان الشافي 1/264 - 265.
(7) الثمرات 2/1045 -خ -. وعامة أهل البيت جمهورهم.
(8) البحر الزخار 2/241 ـ 242.
(1/5)

* وقال العلامة عبد الله بن مفتاح (المتوفى 877هـ) في (شرح الأزهار) عند ذكر مفسدات الصلاة وأثناء الكلام على كون الفعل الكثير مفسداً، ما لفظه: (( قال المؤيد بالله - واختاره الإمام يحيى -: إن الكثير: ما وقع الإجماع على كونه كثيراً. قال الفقيه يحيى: ولو اختلفوا هل هو مفسد أم لا؟ فلا عبرة بهذا الخلاف بعد إجماعهم على كثرته، كوضع اليد على اليد ))(1).
* واعتبره العلامة صارم الدين الوزير (المتوفى 941هـ) من الفعل الكثير المفسد للصلاة، فقال: ومنه وضع اليمنى على الشمال مطلقا(2).
* ورجح العلامة صلاح بن أحمد المهدي المؤيدي (المتوفى 1044هـ) كون الضم مفسد للصلاة(3).
* وذكر العلامة محمد بن القاسم الوجيه (المتوفى 1418هـ) أن العمل بالإرسال وخلاف الضم اشتهر عن الزيدية(4).
فهذه نبذة من أقوال أئمة وعلماء الزيدية، من قبل عصر الإمام الهادي، ومن مختلف العصور تبين ما كانوا عليه في هذه المسألة، أما علماء الزيدية المعاصرين فنحن نشاهدهم يرسلون أيديهم في الصلاة ويفتون بذلك.
الروايات المخالفة للمشهور عن الزيدية
لقد أتاح المذهب الزيدي لأتباعه حرية النظر والترجيح في مختلف المسائل الفرعية وذلك عندما يكون المرجح أهلا للنظر والاجتهاد، وتلك ميزة تسجل للمذهب الزيدي وتحمد له، وعلى هذا فلا حرج أن يختار بعض علماء الزيدية لنفسه العمل بهذه المسألة أو تلك، ولكنَّ غير المقبول هو أن يلزم أحد سواه باجتهاده، أو يجعل مما توصل إليه مذهباً لعموم الزيدية، ثم يعمد إلى تطويع نصوص الأئمة ويكثر التمحلات لترجيح ما ذهب إليه.
__________
(1) شرح الأزهار 1/266.
(2) هداية الأفكار -خ – 53.
(3) لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار -خ – 1/ 497.
(4) المنهاج السوي شرح منظومة الهدى النبوي 59.
(1/6)

وهذا ما فعله بعض علماء الزيدية المتأخرين في مسألة الضم والإرسال، وكان العلامة محمد بن إسماعيل الأمير من أكثر هم المتحمسين لإلزام الزيدية بفعل الضم في الصلاة، فقد قال في بحث له سماه: (المسائل الثمان)، ما لفظه: "الضم هو مذهب زيد بن علي، وأحمد بن عيسى حفيده، قال في (البحر): قال زيد وأحمد ين عيسى إن وضع اليد على اليد بعد التكبيرة مشروع، استوفى الهادي دليل هذا القول وكان يذهب إليه ، وقد عد رواته في ضوء النهار من عشرين طريقا، فإذا كان مذهب زيد بن علي تعين على من يدعي أنه زيدي المذهب أن يفعله في صلاته وإلا فليس بزيدي" أهـ.
وقد اخترت كلام العلامة الأمير للتعليق عليه هنا؛ لأن مخالفي الزيدية في هذه المسألة يروجون له كثيراً، وفيه من الأوهام ما لا بد من الكشف عنه.
أما نسبة الضم إلى الإمام زيد، فلا بد من التنبيه هنا على أن ما يذكر عن الإمام زيد من القول بمشروعية الضم مصدره الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى(1)، وهو إنما أراد أن الإمام زيد يرى أن الصلاة لا تفسد بفعله، لا أنه كان يفعله، ويؤكد ذلك أن الغمام المهدي أورده مقابل القول بأن الضم يبطل الصلاة.
وقد يحتج بعض الناس على اعتبار الضم مذهباً للإمام زيد بما ورد في (مسنده)، ولفظه: "قال أبو خالد رحمه الله: حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، أنه قال: ثلاثٌ من أخلاق الأنبياء تعجيل الإفطار، وتأخير السَّحور، ووضع الكف على الكف تحت السرة )(2).
وقد استشهد بهذه الرواية على شرعية الضم كل من الإمام محمد بن المطهر في (المنهاج الجلي) (3). والعلامة السياغي في (الروض النضير) (4).
ولكن أكثر الزيدية ينكرون أن يكون فعل الضم مذهباً للإمام زيد، ويقولون: إن ما ورد في (المسند) لا يدل عليه، لعدة أمور:
__________
(1) أنظر البحر الزخار 2/241 ـ 242.
(2) مسند الإمام زيد 205.
(3) المنهاج الجلي شرح مجموع زيد بن علي ـ خ ـ .
(4) الروض النضير 3/17.
(1/7)

الأول ـ أن الحديث ليس فيه ذكر الصلاة، ومن ادعى أنه في الصلاة فعليه الدليل الصحيح، ولعل إيراده في باب الصيام قرينة صارفة عن أن يكون المراد به في الصلاة.
قال شيخانا العلامة بدر الدين الحوثي حفظه الله: ((ليس في (المجموع) ذكرُ أنَّه في الصلاة ولا ينصرف إليها إلا بدليل، فإن ثبت أن الضم فيها للأنبياء بدليل آخر، انصرف إليها، وإلا كان الظاهر الإطلاق، وأنه أدب في العادة المعهودة للناس، التي هي الضم بدون تقييد كونه في الصلاة، فينبغي لمن يضم وراء ظهره أو على صدره أو يجعل اليسرى على اليمنى؛ أن يرجع إلى هذا الخُلُق النبوي ويترك العادة المخالفة له )) (1).
ويؤيد ذلك: أنه ورد بلفظ (أخلاق الأنبياء)، ولفظ (الأخلاق) يستعمل للآداب العامة في غير الصلاة، وفي ذلك ما روى البخاري من طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحدى صلاة العَشِيّ - قال ابن سيرين: قد سماها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا - فصلى بنا ركعتين، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى(2).
الثاني: أنه قد اشتهر عن الزيدية الإرسال في الصلاة، وهم أعرف بمذهب إمامهم واشد تمسكا به، وحديث (المجموع) عندهم صحيح، فلو كان الضم في الصلاة مفهوماً من الحديث، أو قولاً معروفاً للإمام زيد، لتسابقوا إلى فعله إذ ليس ثَمَّ ما يدعوهم لمخالفته لو كان مشروعاً.
الثالث: أن الرواية عن الإمام علي، ولو سُلم أن المراد بها (الضم في الصلاة)، فقد وجد قرائن تدل على أن ذلك في غير الفريضة.
منها: أن البخاري حينما روى الضم عن الإمام علي رواه في (باب الاستعانة)، أحد أبواب صلاة التهجد من صحيحه(3).
__________
(1) تحرير الأفكار 419.
(2) أخرجه البخاري 1/206، وأبو داود، وابن ماجة والنسائي، كما في تحفة الأشراف 10/342
(3) صحيح البخاري 2/138.
(1/8)

ومنها: أن ابن حزم حكى ذلك عن علي عند التطويل، فقال: كان ـ يعني علياً ـ إذا طول قيامه في الصلاة يمسك بيده اليمنى ذراعه اليسرى، من أصل الكف إلا أن يسوي ثوباً أو يحك جلداً(1).
ومنها: أن ذكر الوضع مع الفطور والسحور فيه إشارة إلى ما يفعله الصائم بين ذلك من تهجد وقيام.
وأما نِسْبَة الضم إلى الإمام أحمد بن عيسى فإذا لم يكن من قبيل ما ذكرنا عن الإمام زيد فهو وهم؛ لأن الثابت عنه غير ذلك، فقد جاء في كتاب الحافظ محمد بن منصور المرادي المسمى: (آمالي أحمد بن عيسى) قوله : (( إذا كبَّرت فأرسل يديك حتى تقع كفّاك على فخذيك )). وقال: رأيت أحمد بن عيسى بن زيد بن علي حين كبرَّ في أول الصلاة أرسل يديه على فخذيه وهو قائم، ولم يضع واحدة على الأخرى. وقد تقدم.
وأما اعتماد العلامة الأمير على ما في (البحر)، فقد تقدم وجهه، إلى جانب أن مؤلفه رجح ترك الضم فقال: تركه أحوط(2).
وأما قوله: أن الهادي استوفى دليله وكان يذهب إليه. فهو خلاف المعلوم عند الجميع، فإذا لم يكن غلطاً من الناسخ فهو سهو من العلامة الأمير.
وأما اعتماده على ما ذكر العلامة الجلال، حيث قال: وقد عد رواته في (ضوء النهار) من عشرين طريقاً. فنقول: نعم، ولكنه لم يعد منها طريقاً واحداً من طرق أهل البيت، فهو استشهاد في غير محله؛ لأن النزاع في دعوى نسبة ذلك إليهم، وما أورد من الروايات فهي من طرق مثبتي الضم، وعلى حسب أصولهم فكيف يلزم بها مخالفيهم. هذا إلى جانب أن الجلال نفسه اعترف بضعفها، وإنما اعتبرها "لشهادة بعضها لبعض"، على حد قوله(3).
__________
(1) المحلى بالآثار 3/30.
(2) البحر الزخار 2/241 ـ 242.
(3) ضوء النهار 544 ـ 545.
(1/9)

مع أننا لا نسلم أنها رويت من عشرين طريقاً، كما سيأتي توضيح ذلك، ولا نسلم شهادة بعضها لبعض؛ لأن ذلك لا يكون إلا فيما كان متحد المعنى متقارب الدلالة، وليس الحال كذلك في الأحاديث المذكورة، فإن فيها من الاختلاف في اللفظ ما يجعلها ذات معان مختلفة، فلا تصح شهادة بعضها لبعض.
وأما إلزامه للزيدية بهذا المذهب، بقوله: فإذا كان مذهب زيد بن علي تعين على من يدعي أنه زيدي المذهب أن يفعله في صلاته وإلا فليس بزيدي.
فإننا نقول: قد تقدم أنه ليس مذهب الإمام زيد فلا يتعين على أحد من الزيدية فعله، ثم أن نسبة الزيدية إلى الإمام الأعظم زيد بن على ليس على أساس اتباعه في مسألة فرعية، ولكن على أساس الانتماء إلى أصل الفكر، الذي من مبادئه: التوحيد والعدل، وما يلحق بهما من مسائل النبوة والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء لأهل البيت.
ومما يثار في هذا الجانب أن جماعة من العلماء المحسوبين في الزيدية قد اختاروا الضم ورجحوه، كالحافظ محمد بن إبراهيم الوزير(1)، والعلامة الجلال(2) والعلامة السياغي(3)، والعلامة الحسن بن يحيى القاسمي(4).
والواقع أن من أختار العمل بالضم من المذكورين أو غيرهم، لم يختره على أساس أنه مذهب الزيدية؛ لعدم المستند في ذلك، ولكنهم اختاروه على أساس أنهم وجدوا ما يرجح شرعيته في نظرهم، ولكلٍ اجتهاده، والزيدية كمذهب غير ملزمة باجتهاد بعض المنتمين إليها إذا كان مبنياً على غير قواعدهم، كما هو الحال في هذه المسألة.
أدلة الزيدية على الإرسال
__________
(1) العواصم والقواصم 3/14.
(2) ضوء النهار 1/544.
(3) الروض النضير 3/17.
(4) المسائل النافعة ـ خ ـ 93.
(1/10)

استدل علماء الزيدية على ما ذهبوا إليه من أن إرسال اليدين عند القيام في الصلاة هو المشروع بمجموعة من الأدلة، مع أنهم ومَن وافقهم لا يحتاجون إلى دليل في ذلك؛ لأنهم باقون على الأصل، وإنما يلزم من أتي برافع عن الأصل، أو ادعي شرعية ما اخْتَلَفَ في شرعيته أئمةُ الإسلام، وإنما ذكرنا هذه الأدلة تنبيها على عدم دقة دعاوى عدم وجود دليل على الإرسال، فعن الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير أنه قال: "وما علمت أنه روى أحد من أهل البيت وشيعتهم حديثاً واحداً في النهي عن وضع الكف على الكف في الصلاة(1).
وقال العلامة الحسن بن علي السقاف: وأما الإسبال ـ وهو: إرسال اليدين دون وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة الذي يفعله بعض الناس ـ فالسنة بخلافه(2).
ولعمري لقد تسرع كل من الحافظ الوزير والعلامة السقاف في هذا الحكم؛ لأن ما نورده من الروايات من كتب أهل البيت يشهد بغلطهما.
ومما يحسن التنبيه عليه هنا أنه لا يصح أن تُقَيَّم أدلة القائلين بالإرسال على قواعد مخالفيهم في تقييم الأدلة، فلا يقال: هذا الحديث ضعفه ابن معين أو الذهبي أو الشوكاني أو أتباعهم؛ أو أنه لا يوجد في كتاب البخاري أو مسلم أو الترمذي أو أبي داود أو غيرهم من المحدثين، ولكن تقيَّم على قواعد الزيدية أنفسهم، فإن ذلك أقرب إلى الحق والانصاف، إذ الكل يعتقد أن ما لديه هو الأصح وأن على بقية المسلمين التمسك به.
فمن أدلة الزيدية على ما ذهبوا إليه من ترجيح الإرسال في الصلاة ما يلي:
(1) - روى الحافظ محمد بن منصور المرادي، عن الإمام القاسم الرسي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إذا كنت في الصلاة قائماً فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى، ولا اليسرى على اليمنى، فإن ذلك تكفير أهل الكتاب، ولكن أرسلهما إرسالاً، فإنه أحرى أن لا تشغل قلبك عن الصلاة )).
__________
(1) العواصم والقواصم 3/14.
(2) صحيح صفة صلاة النبي 83.
(1/11)

احتج به الإمام القاسم بن محمد في (الاعتصام)(1)، والعلامة صلاح بن المهدي في (لطف الغفار)(2).
(2) - روى الإمام محمد المرتضى (ت310هـ)، عن أبيه الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في كتاب (المناهي)(3) بالإسناد من طريق آبائه، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه نهى أن يجعل الرجل يده على يده على صدره في الصلاة، وقال: ذلك مِنْ فعل اليهود، وأمر أن يرسلهما.
احتج بهذا الحديث الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد في الاعتصام(4)، والشهيد محمد بن صالح السماوي في (الغطمطم)(5) وقال: هذا إسناد في نهاية الصحة، كيف لا، ورجاله تلك السلسلة النبوية المطهرة بتطهير الله ورسوله؟
وصحح سنده شيخنا العلامة المحقق بدر الدين الحوثي في كتاب (التبيين)(6). ولا أعلم أحداً من علماء الزيدية ضعف هذه الرواية، أو شكك في صحتها.
(3) - أخرج الحافظ محمد بن منصور أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه نهى أن يدخل إحدى يديه تحت الأخرى على صدره وهو يصلي، وقال: ذلك فعل اليهود، وأمر أن يرسلهما(7).
احتج به الإمام المنصور بالله في (الاعتصام)(8)، والعلامة السماوي في (الغطمطم)(9).
__________
(1) الاعتصام 1/362.
(2) لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار مخطوط 496.
(3) المجموعة الفاخرة 247 مخطوط.
(4) الاعتصام 1/363.
(5) الغطمطم الزخار 5/48.
(6) التبيين في الضم والتأمين 8.
(7) كتاب المناهي ـ مخطوط ـ.
(8) الاعتصام 1/362 و2/13. وقد أسقط أيضاً من المطبوع: وذلك من فعل اليهود. وهو ثابت في جميع النسخ المخطوطة.
(9) الغطمطم الزخار 5/48.
(1/12)

ولفظه في (لطف الغفار): أمر صلى الله عليه وآله وسلم أن يرسل يديه إذا كان قائماً في الصلاة، ونهى أن يدخل إحدى يديه تحت الأخرى على صدره، وقال: ذلك فعال اليهود، وأمره أن يرسلهما(1).
ويشهد لما تقدم من غير طريق أهل البيت، ما أخرج ابن أبي شيبة - وهو من كبار محدثي أهل السنة - عن وكيع، عن يوسف بن ميمون، عن الحسن البصري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة ))(2). ورواه السيوطي في (الجامع الكبير)، وقال العلامة الشهيد محمد بن صالح السماوي: إسناده إلى الحسن صحيح(3). أقول: وقد ثبت عن الحسن البصري رحمه الله، أنه قال: كل شيء أقوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو عن علي بن أبي طالب(4).
(4) - أخرج الحافظ محمد بن منصور المرادي، في كتاب (المناهي)(5) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى الرجل أن يجعل يده على يده في صدره وهو يصلي، أو يده على فِيْهِ وهو يصلي، وقال: كذلك المغلول، وأمر أن يرسل يديه إذا كان قائماً في الصلاة.
احتج به الإمام القاسم بن محمد في (الاعتصام)(6)، والعلامة أحمد بن محمد الشرفي في كتابه (ضياء ذوي الأبصار في الأدلة على الأزهار)(7)، والمحقق الشهيد محمد بن صالح السماوي في (الغطمطم)(8) وجزم بصحته.
__________
(1) لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار مخطوط 496.
(2) مصنف ابن أبي شيبة 1/343 (3937).
(3) الغطمطم الزخار 5/48.
(4) قواعد التحديث للقاسمي 148.
(5) كتاب المناهي ـ مخطوط ـ.
(6) الاعتصام 1/362 و 2/13. وقد أُسقط من المطبوع، قوله: وذلك من فعل اليهود. وهو ثابت في جميع النسخ المخطوطة.
(7) ضياء ذوي الأبصار في الأدلة على الأزهار 1/77 مخطوط.
(8) الغطمطم 5/48.
(1/13)

ويشهد لهذا من غير طريق أهل البيت، ما روى ابن القيم: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن التكفير(1). فقال: ويكره أن يجعلهما على الصدر، وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه نهى عن التكفير، وهو وضع اليدين على الصدر.
(5) - أن أكثر أحاديث صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يَرِد فيها ذكر الضم، قال ابن رُشْد القرطبي: (( رأى قوم أن الآثار التي أَثْبَتَتْ ذلك ـ يعني الضم ـ اقتضت الزيادة على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة، وأن الزيادة يجب أن يصار إليها، ورأى قوم أن الأوجب المصير إلى الآثار التي ليست فيها هذه الزيادة؛ لأنها أكثر، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنما هي من باب الاستعانة؛ ولذلك أجازها مالك في النَّفل ولم يجزها في الفرض ))(2).
ومن أشهر روايات صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما روي عن أبي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ فقد سُمِع - وهو في عَشْرَة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منهم أبي قتادة الأنصاري، وأبي هريرة، وأبي أسيد، وسهل بن سعد- يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قالوا: لم ؟ فالله ما كنت أقدمنا له صحبةً ولا أكثرنا له إتياناً. قال: بلى، قالوا: فاعْرِض. فعرض أمامهم صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مفصلة بأركانها وهيئاتها ولم يضع يده على يده، ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين لترك ذلك، مع أنهم في مقام النَّقد، فلما انتهى قالوا: صدقت هكذا كان يصلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا الحديث رواه الصحاب الصحاح والسنن (3).
__________
(1) بدائع الفوائد 3/91. وأشار ابن الأثير إلى هذا الحديث في النهاية مادة (كفر).
(2) الهداية في تخريج أحاديث البداية 3/141.
(3) يأتي الحديث بلفظة وتخريجه.
(1/14)

(6) - إجماع المسلمين على أن من صلى ولم يضع يده على يده في صلاته وأرسلهما على فخذيه، فإنه قد صلى صلاة صحيحة كاملة، والاتزام بما أجمع عليه خير من فعل ما اختلف فيه.
(7) - الضم فعل كثير، إذ هو عبارة عن حركة وانشداد، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أسكنوا في الصلاة )). وواضع الكف على الكف لا يسمى ساكناً؛ لأنه لا يضعهما إلا بعد حركة.. وقد جعل الله تعالى الخشوع في الصلاة من صفات المؤمنين، فقال تعالى: ?الَّذِيْنَ هُمْ فِيْ صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ?[المؤمنون:2]، والإرسال إلى الخشوع أقرب، إذ المطلوب خشوع القلب والجوارح، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للذي كان يعبث بلحيته في الصلاة: أما هذا فلو خشع قلبه لخشعت جوارحه(1).
المطلب الثاني مذهب الإمامية
اتفق علماء الإمامية الشيعة الاثنا عشرية على أن الضم غير مشروع في الصلاة أصلاً، وأن المشروع فيها هو الإرسال.
* فقال الشيخ المفيد في صفة المصلي: (( يرسل يديه مع جنبيه إلى فخذيه )).. وقال: (( ولا يضع يمينه على شماله في صلاته كما يفعل ذلك اليهود والنصارى ))(2).
* قال شيخ الطائفة الإمامية أبو جعفر الطوسي: (( إذا أرَدْتَ الدخول في الصلاة بعد دخول وقتها، فقم مستقبل القبلة بخشوع وخضوع، وأنت على طهر، ثم ارفع يديك بالتكبير حيال وجهك ولا تجاوز بها طرفي أذنيك، ثم أرسلهما على فخذيك، حيال ركبتيك ))(3).
* وقال الكاشاني في صفة المصلي: (( ينتصب قائماً متوجهاً إلى القبلة عينها أو جهتها بوقار وخشوع، واضعاً يديه على فخذيه بإزاء ركبتيه ))(4).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة، واستشهد به ابن حجر في فتح الباري باب الخشوع في الصلاة، وقال: "فيه إشارة إلى أن الظاهر عنوان الباطن".
(2) المقنعة 104 ـ 105.
(3) النهاية في الفقه للطوسي 69.
(4) المحجة البيضاء 1/359.
(1/15)

* وقال الشيرازي ـ وهو يذكر صفة المصلي أثناء القيام ـ: (( يسدل منكبيه ويضع كفيه على فخذيه ))(1).
* وذكر السيد محمد باقر الصدر: أن التكتف (الضم) في الصلاة من الزيادة التي لا تجوز في الصلاة(2).
ثم اختلفوا في حكم صلاة من فعله على عدة أقوال:
القول الأول: أنها تبطل صلاته، قال العلامة العاملي: (( القول بالبطلان هو المشهور بين الأصحاب، ونقل الشيخ ـ يعني الطوسي ـ والمرتضى فيه الإجماع ))(3).
وقال العلامة الكركي: (( هو حرام في الصلاة عند أكثر الأصحاب ومبطل ))(4).
وعده الشهيد الثاني في مبطلات الصلاة(5).
وقال العلامة الحلي: (( التكفير مبطل للصلاة ـ وهو: وضع اليمين على الشمال في القراءة ـ عند علمائنا لإجماع الفرقة عليه ))(6).
وقال العلامة النِّراقي: (( حرمته في الصلاة مشهورة، صرح بها في (الانتصار) و(الخلاف) و(النهاية) و(الجمل) و(السرائر) و(الوسيلة) و(الغنية) و(النافع) و(المنتهى) و(التذكرة) و(نهاية الأحكام) و(التحرير) و(الإرشاد) و(القواعد) و(شرحه) و(الروضة) وغيرها ))(7).
وقال الشيخ محمد جواد مغنية: (( ذهب أكثر الفقهاء ـ يعني فقهاء الإمامية ـ إلى أنه حرام ومبطل للصلاة )) (8).
واحتجوا على كونه مبطلاً للصلاة بحجج، منها:
ـ أنه فِعْلُ كثير خارج عن الصلاة.
ـ أن أفعال الصلاة متلقاة من الشارع، ولم يشرع الضم في رأيهم؛ لأنهم لا يعتدون بما روي في ذلك من روايات.
ـ أن الاحتياط يقضي بترك ذلك؛ لأنه قد وقع الخلاف فيه دون الإرسال.
ـ أنه قد روي عن الصادق النهي عنه، والنهي يقتضي التحريم(9).
__________
(1) المسائل الإسلامية 283 المسألة رقم 985.
(2) الفتاوى الواضحة 524 المسألة رقم 156.
(3) مدارك الأحكام 3/459.
(4) جامع المقاصد 2/344.
(5) اللمعة الدمشقية 1/235.
(6) تذكرة الفقهاء 3/295.
(7) مستند الشيعة 7/ 16 ـ 17.
(8) فقه الإمام جعفر الصادق 1/187.
(9) انظر مدارك الأحكام 3/459 ـ 460، وجامع المقاصد 2/344.
(1/16)

القول الثاني: أنه حرام غير مبطل للصلاة.
قال العلامة النِّراقي: (( ثم أنه هل هو موجب لبطلان الصلاة؟ كما صرح به كثير من المحرمين؛ ومنهم والدي ـ رحمه الله تعالى ـ في بحث المنافيات من (التحفة الرضوية) أو لا؟ كما في (شرح الإرشاد) للأردبيلي، و(الروضة) و(المسالك)، ووالدي ـ رحمه الله ـ في بحث القيام من الكتاب المذكور. الحق هو الثاني للأصل الخالي عن المعارض مطلقاً، إلا ما استدل به من الإجماع البسيط في (الخلاف)، والمركب المصرح به في كلام الثانيين ـ يعني المحقق الثاني في (جامع المقاصد)، والشهيد الثاني في (روض الجنان) ـ وكونه فعلاً كثيراً، وأصل الاشتغال، وتوقيفية العبادة، ولزوم الزيادة في الصلاة، والكل ضعيف يظهر وجهه مما مر مراراً ))(1).
القول الثالث: أن تركه مستحب وفعله مكروه.
أشار إلى ذلك العلامة العاملي فقال: (( وخالف في ذلك ـ أي في كونه مبطلاً للصلاة ـ ابن الجنيد، حيث جعل تركه مستحباً، وأبو الصلاح حيث جعل فعله مكروهاً، واستوجهه في (المعتبر) ))(2).
واحتج أصحاب هذا القول بأن الأحاديث دلت على استحباب وضع اليدين على الفخذين محاذياً للركبتين، ولم تدل على الوجوب، ولم يتناول النهي وضعها في موضع معين، فكان للمكلف وضعها كيف يشاء. وأن ما ورد من إجماع على أنه مبطل للصلاة غير معلوم، خصوصاً مع وجود المخالف من أكابر الفضلاء. وأن من الضعف بمكان القول بأنه فعل كثير؛ لأن الفعل الكثير هو ما لا يُعَدَّ فاعله معه مصلياً في العادة. وأنه لم يثبت تحريمه كما لم يثبت تشريعه، فكان للمكلف وضعها كيف يشاء، وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه.
__________
(1) مستند الشيعة 7/ 18 ـ 19.
(2) مدارك الأحكام 3/459، جامع المقاصد 2/344.
(1/17)

وأجابوا على القول بأن الاحتياط يقضي بطرح ذلك، بأن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها على عدم المنع، وحملوا النهي عن التَّشَبُّه بالمجوس في ذلك على الكراهة؛ لأن مخالفتهم غير واجبة؛ لأنهم قد يفعلوا بعض ما يجب، فيكون الأمر بمخالفتهم لا على الوجوب.
وأجيب عليهم بأن ظاهر النهي التحريم، وكون مخالفتهم غير واجبة لا يقدح؛ لأن وجوبها حيث لا يدل دليل على الضِّد؛ لأن العام المخصص حجة في الباقي، على أنه لو تم ما ذكروه فإنها لا تتحقق الكراهة أيضاً؛ لأن مخالفتهم في الواجب حرام(1).
وفرق الشهيد الصدر بينما فُعِل منه بقصد أنه مشروع، وما فعل بقصد آخر، فقال: (( وضع إحدى اليدين على الأخرى في حال الصلاة غير مطلوب شرعاً ومن صنع ذلك قاصداً أنه مطلوب ومحبوب للشرع، فقد فعل حراماً؛ لأنه شَرَّع، ومن أتى به ولم يقصد أنه جزء من الصلاة فصلاته تقع صحيحة، وأما إذا قصد أنه جزء من الصلاة فصلاته باطلة ما لم يكن معتقداً خطأ بأنه جزء (2).
ولعله يريد بذلك ما فعل للتقية، ويُفهم من آخر كلامه أن من فعله معتقداً أنه جزء من الصلاة فإن صلاته لا تبطل وإن كان خطأ.
أدلة الإمامية
يَعتبر الإماميةُ أقوالَ الأئمة الاثني عشر حجة ودليلاً، وهي عندهم بمنزلة الحديث النبوي، باعتبارها صادرة من المعصوم في نظرهم، وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه ـ من ذلك ـ بأدلة كثيرة منها:
(1) - روى أبو جعفر الطوسي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر من حديث طويل في صفة الصلاة، أنه قال: (( وأسدل منكبيك وأرسل يديك ))(3).
(2) - عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ أنه لما صلى قام مستقبل القبلة منتصباً، فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضَمَّ أصابعه(4).
__________
(1) مدارك الأحكام 3/460 جامع المقاصد 2/344 ـ 345.
(2) الفتاوى الواضحة 534.
(3) وسائل الشيعة 5/511.
(4) وسائل الشيعة 5/511.
(1/18)

(3) - عن أبي جعفر عليه السلام قال: (( إذا قمت إلى الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ودع بينهما فصلاً إصبعاً أقل ذلك إلى شبر أكثره، وأسدل منكبيك، وأرسل يديك ولا تشبك أصابعك، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك ))(1).
(4) - وروي أيضاً عن أبي جعفر أنه قال: ((لا تُكَفِّر إنما يصنع ذلك المجوس ))(2).
(5) - وروى أيضاً فقال: (( وعن أحدهما ـ يعني الصادق والباقر ـ أنه سئل عن وضع اليمنى على اليسرى، فقال: ذلك التَّكْفِير فلا تفعل )). ونحوه حكى الشيخ محمد جواد مغنية(3).
(6) - وروى الشيخ الصدوق عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أنه قال ـ من كلام طويل ـ : (( لا تكفر إنما يصنع ذلك المجوس، وأرسل يديك وضعها على فخذيك، قبالة ركبتيك فإنه أحرى أن تهتم بصلاتك، ولا تشتغل عنها نفسك ))(4).
(7) - وعن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: (( وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة عمل ))(5).
(8) - وعن علي عليه السلام أنه قال: (( لا يجمع المسلم يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عز وجل يتشبه بأهل الكفر ـ يعني المجوس ))(6).
وهنالك عشرات الروايات في كتبهم عن سائر الأئمة الاثني عشر، أقتصر منها على ما سبق.

hg

الفصل الثاني
الإرسال في مذهب إمام أهل السنة مالك بن أنس
يعتبر الإمام مالك بن أنس من أكابر أئمة الحديث والفقه، فقد جمع بين الدقة في رواية الأحاديث وحسن النظر في معانيها، إلى جانب أن وجوده في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته وتعلمه من مشايخها مَكَّنه من التعرف عن كثب على الكثير مما مضى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، خصوصاً في المسائل العملية التي ورثها أهل المدينة في عصره عن جيل الصحابة رضوان الله عليهم.
__________
(1) وسائل الشيعة 5/511.
(2) تهذيب الأحكام 2/83 ـ 84.
(3) فقه الإمام الصادق 1/187.
(4) من لا يحضره الفقيه 1/214.
(5) قرب الإسناد 208 (809).
(6) وسائل الشيعة 7/267.
(1/19)

وقد كان إرسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليديه عند القيام في صلاة الفريضة من الأشياء المعروفة المألوفة عند أهل المدينة في الصدر الأول، مما جعل الإمام مالك مع شدة بحثه وتقصيه يقول ـ عندما سئل عن وضع الكف على الكف في الصلاة ـ: (( لا أعرفه في الفريضة )). وهو ثقة يحكي عن واقع يعيشه ويشاهده.
ونظراً إلى مكانة الإمام مالك العلمية، وقربه من عصر التشريع، وموقعه المتقدم بين أئمة أهل السنة، كان لكلمته في هذا الباب وزن كبير، مما جعل بعض المتحيزين يسعون إلى الخلاص مما روي عنه في هذه المسألة، فتارة يكتمونها، وتارة يروون عنه معارضاً لها، وتارة يفلسفونها فلسفة بعيدة، فيزعمون أن الإمام مالك ما ترك الضم في الصلاة إلا لأنه ضُرِب على يده، فكان لا يستطيع أن يمسكها على صدره، وهذا تأويل غير مجد حتى مع صحة الحادثة؛ لأنه إن كان ضُرب على يده فلم يُضْرَب على لسانه، حتى يقول: (( لا أعرفه في الفريضة ))!!
ولكي يكون المطلع على بينة من الأمر، سنضع بين يديه بعض التفاصيل المتعلقة بما روي عن الإمام مالك في هذه المسألة فنقول:
اشتهر عن الإمام مالك بن أنس القول بالإرسال، وعليه مضى كبار أصحابه، وروي عنه التخيير بين الإرسال والضم، وحكي آخرون عنه أن الضم مندوب، فهذه ثلاثة مذاهب، سنفصلها جميعاً فيما يلي:
المذهب الأول: الإرسال، وهو الأشهر والأكثر رواية، وعليه جمهور أصحابه، وأتباعه ممن لم يتأثر بالمذاهب الأخرى، كما هو الحال في سائر المذاهب، وقد روي عنه في ذلك روايات:
الرواية الأولى: الإرسال وكراهة الضم في صلاة الفريضة، وجواز الضم في النافلة.
ففي (مدونة فقه الإمام مالك): (( عن ابن القاسم قال: سئل مالك عن الضم، فقال: لا أعرفه في الفريضة. وكان يكرهه ))(1).
__________
(1) المدونة 1/76.
(1/20)

وقال ابن رُشْد المالكي: (( اختلف العلماء في وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة فكره ذلك مالك في الفرض، وأجازه في النفل ))(1).
وقال النووي: (( وعن مالك رحمه الله أيضاً استحباب الوضع في النفل والإرسال في الفرض، وهو الذي رجحه البصريون من أصحابه ))(2).
وقال العلامة الشهيد السماوي: (( وأما الإمام مالك بن أنس إمام أهل السنة فقد كره وضع إحدى اليدين على الأخرى في الفرض، وأجاز ذلك في النفل كما ذكر ابن رشد، والظاهر أن آثار الفعل لم تصح عنده، ولو صحت لقال بسنيته، فمنع منه الفرض دون النفل ))(3).
الرواية الثانية: أن الضم لا يجوز في الفريضة ولا يستحب في النافلة.
قال القرطبي وهو يحكي آراء المالكية: (( لا توضع ـ يعني اليدين ـ في فريضة ولا نافلة؛ لأن ذلك من باب الاعتماد، ولا يجوز في الفرض ولا يستحب في النفل ))(4).
وقال ابن عبد البر في (التمهيد)(5): ((قال مالك: وضع اليدين إحداهما على الآخرى في الصلاة إنما يفعل ذلك في النوافل من طول القيام، قال: وتركه أحب إلي )).
وقال النووي في (المجموع): ((وروى عنه ابن القاسم الإرسال، وهو الأشهر، وعليه جميع أهل المغرب من أصحابه أو جمهورهم ))(6).
وقال (في شرح صحيح مسلم) بعد ذكر رواية الإرسال عن مالك: ((وهذه رواية جمهور أصحابه وهي الأشهر عندهم ))(7).
وقال الحافظ ابن حجر: (( وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه ))(8)، ومثل قول ابن حجر قال العلامة الأمير في (سبل السلام)(9)، والزرقاني في (شرح الموطأ) (10).
__________
(1) بداية المجتهد 3/136 (النهاية).
(2) شرح صحيح مسلم 4/114.
(3) الغطمطم الزخار 5/49.
(4) جامع أحكام القرآن 20/220.
(5) التمهيد 20/74.
(6) المجموع 3/247.
(7) شرح صحيح مسلم 4/114.
(8) فتح الباري 2/178.
(9) سبل السلام 1/169.
(10) شرح الموطأ 1/454.
(1/21)

وذكر ابن القيم الأحاديث التي رويت في الضم، ثم قال: (( وردت هذه الآثار برواية ابن القاسم عن مالك: تركه أحب إلي ))(1).
وقال الشوكاني: (( ونقله ـ أي الإرسال ـ ابن القاسم عن مالك، وخالفه ابن الحكم فنقل عن مالك الوضع، والرواية الأولى عنه هي رواية جمهور أصحابه، وهي المشهورة عندهم ))(2).
وقال المباركفوري في ذكر الروايات عن مالك: ((إحداها ـ وهي المشهورة عنه ـ أنه يرسل يديه كما نقله صاحب (الهداية) والسرخسي في (محيطه) وغيرهما عن مالك، وقد ذكر العلامة أبو محمد عبد الله الشاسي المالكي في كتابه (عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة)، والزرقاني في (شرح الموطّأ) أن إرسال اليدين رواية ابن القاسم عن مالك، وزاد الزرقاني أن هذا هو الذي صار إليه أكثر أصحابه ))(3).
وقال العلامة الفضيل: (( عبارة مالك تعني أنه لا يعرفه أهل المدينة ولا يعلمونه، ولهذا فالمالكية جميعاً لا يعملونه اليوم، ويقول فقهاء المالكية في مؤلفاتهم: إن الإرسال في الصلاة هو إجماع أهل المدينة المنورة )) (4).
وقال صاحب (الاستنارة): (( ومعلوم أن مذهب المالكية هو الإرسال وما زال إلى التاريخ ))(5).
المذهب الثاني: التخيير بين الضم والإرسال، ذكر ذلك العلامة أبو محمد الشاسي(6)، والمباركفوري في تحفة الأحوذي(7)، وهي رواية مغمورة، ولعلها مجرد ترجيح من أحد المالكية.
المذهب الثالث: الضم مندوب، ذكر الشاسي أنها رواية مطرف وابن الماجشون عن مالك(8)، وقال المباركفوري: ذكره العيني في شرح (الهداية)(9).
وذكر النووي أن ابن عبد الحكم نقل عن مالك الوضع(10).
__________
(1) أعلام الموقعين 2/383.
(2) نيل الأوطار 2/201.
(3) تحفة الأحوذي 2/83. وانظر عقد الجواهر الثمينة 1/132.
(4) رسالتان 9 ـ 10.
(5) الاستنارة 75.
(6) عقد الجواهر الثمينة 1/132.
(7) تحفة ألأحوذي 2/83.
(8) عقد الجواهر الثمينة 1/132.
(9) تحفة الأحوذي 2/83.
(10) المجموع 3/312.
(1/22)

قال المبارك فوري: (( هو الذي ذكره مالك في (الموطأ) ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره ))(1).
وهذه رواية ضعيفة لمخالفتها المشهور عنه وما عليه جمهور أصحابه.
فإن قال قائل: قد روى مالك في (الموطّأ) حديث سهل بن سعد في الضم، و(الموطأ) عند المالكية عمدة.
قيل له: مجرد الرواية لا تدل على العمل بظاهرها، إضافة إلى أن عمدة المالكية في الفقه هو كتاب (المدونة)؛ لأنها مؤلفة بعد (الموطّأ)، أشار إلى ذلك غير واحد(2).
وقال ابن حجر: قال الحسيني في مقدمة (التذكرة): (الموطأ) لمالك هو مذهبه الذي يدين الله به أتباعه ويقلدونه. ثم تعقبه ابن حجر بقوله: ليس الأمر عند المالكية كما ذكر، بل اعتمادهم في الأحكام والفتوى على ما رواه ابن القاسم عن مالك ـ يعني (المدونة) ـ سواء وافق ما في (الموطأ) أم لا(3).
والأوْلَى أن يقال: قد ثبت عن مالك القول بالإرسال، فما روي من طريقه في (الموطّأ) أو غيره يجب أن يحمل على معنى يتلاءم مع ما ثبت عنه أنه كان يفعله.
أدلة الإرسال عند المالكية
(1) - البقاء على الأصل، فالمالكية يرون أن الإرسال هو الأصل في هيئة الإنسان أثناء القيام، وعلى ذلك لا يحتاجون إلى غير دليل القيام، والضَّم حركة زائدة على المأمور به، فلا تثبت إلا بدليل.
(2) - أن الضم غير معروف عند السلف، ولو عرفه مالك وأصحابه لما عدلوا عنه، إذ لا دافع لهم في تركه، إلا عدم ثبوت الدليل .
(3) - أن الضم ينافي الخشوع المأمور به؛ لأنه حالة من الاعتماد والانشداد.
(4) - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَلَّم المسيء صلاته ولم يذكر وضع اليدين إحداهما على الأخرى.
__________
(1) عون المعبود 2/455. وعزي الزرقاني في شرح الموطأ 4/454 هذا القول إلى ابن عبد البر ، ولم أقف عليه في التمهيد.
(2) العلامة الفضيل في الرسالتان 9.والحارث بن عبد الوارث في الاستنارة 75.
(3) تعجيل المنفعة 4.
(1/23)

(5) - أن أشهر أحاديث صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يَرِد فيها ذكر الضم، ومن أشهر تلك الروايات:
ما روي عن أبي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ فقد سُمِع - وهو في عَشْرَة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منهم أبي قتادة الأنصاري، (وأبي هريرة، وأبي أسيد، وسهل بن سعد)- يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قالوا: لم ؟ فالله ما كنت أقدمنا له صحبةً ولا أكثرنا له إتياناً. قال: بلى، قالوا: فاعْرِض.
فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائماً ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر، وركع، ثم اعتدل، فلم يصوب رأسه ولم يقنع، ووضع يديه على ركبتيه (وفرج بين أصابعه ثم هصر ظهره ) ثم قال: سمع الله لمن حمده، ورفع يديه واعتدل، حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم أهوى إلى الأرض ساجداً، ثم قال: الله أكبر، ثم جافى عضديه عن إبطه، وفتح أصابع رجليه، (وأمكن أنفه وجبهته وأمكن الأرض بكفيه وركبتيه وصدور قدميه) ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثم اعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم أهوى ساجداً، ثم قال: الله أكبر، ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه، ثم نهض.
(1/24)

ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك، حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه، حتى يحاذي بهما منكبيه، كما صنع حين افتتح الصلاة، ثم صنع كذلك حتى كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته أخّر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركاً، ( فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بأصبعه)، ثم سلم(1).
هذا وعشرة من الصحابة يراقبونه مراقبة شديدة لعله يخطئ أو يسهو فيعترضون عليه، إذ هو في مقام النَّقد، فلما انتهى قالوا: صدقت هكذا كان يصلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فمراعاته لوصف جميع هيآت الصلاة، وعدم ذكره لوضع الكف على الكف يوكد على أن ذلك لم يكن معروفاً في الصلاة عندهم.
وقد ألف الشيخ محمد بن يوسف المالكي كتاباً سماه: (نصرة الفقيه السالك في الرد على منكر السدل في مذهب مالك).

الفصل الثالث
في ذكر من روي عنه الإرسال من الصحابة والتابعين
__________
(1) هذا لفظ الترمذي 2/105 رقم (304)، وما بين الأقواس من مصادر الحديث الأخرى، فقد أخرجه البخاري 2/11، وأبو داود 1 رقم (730 ـ 734) والنسائي 2/211، وابن ماجة 1/337، وابن خزيمة 1/ رقم (587، 651، 700)، وأحمد بن حنبل في المسند 5/424، وابن حبان 5 رقم (1866، 1867، 1869، 1870، 1871، 1876)، وابن أبي شيبة 1/235، والبيهقي في السنن 2/116. وصححه غير واحد، وهو من أشهر الأحاديث الواردة في صفة الصلاة.وقد شذ ابن حزم فذكر ه في المحلى 3/30، وفيه ذكر الوضع، ولم يوافقه على ذلك أحد من الحفاظ.
(1/25)

تذكر المصادر الحديثية والفقهية أن هنالك كوكبة من سادات السلف وكبار التابعين وتابعيهم، روي عنهم القول بأن الإرسال هو المشروع أثناء القيام في الصلاة، أحببت أن أذكر ما قيل عنهم في هذه المسألة؛ لما في ذلك من دلالة على أن إرسال اليدين في الصلاة كان معروفاً مشهوراً يفعله كبار علماء الصدر الأول، كما أنه يجعلنا نتساءل عن حقيقة الأحاديث المروية في الضم، خصوصا وأن شطراً منها مروي من طُرق ألئك الذين يروى عنهم الارسال. فمنهم:
عبد الله بن الزبير
وهو من مشاهير الصحابة، قال الذهبي: كان كبيراً في العلم والشرف والجهاد والعبادة(1).
روى ابن أبي شيبة عن عفَّان، قال حدثنا يزيد بن إبراهيم، قال: سمعت عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير إذا صلى يرسل يديه(2). ومن طريق بن أبي شيبة رواه ابن المنذر(3).
وقال النووي: وحكى ابن المنذر عن ابن الزبير أنه يرسلهما، ولا يضع اليمنى على اليسرى(4). ومثله قال الشوكاني(5).
وأما أبو داود فروى عن ابن الزبير أن وضع اليد على اليد سُنَّة، وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه إن شاء الله.
فقيه المدينة سعيد بن المسيب
وهو الإمام أبو محمد القرشي، أحد كبار فقهاء المدينة، وسيد التابعين في زمانه، روى عن كثير من الصحابة، توفي (79 هـ).
روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمر بن هارون، عن عبد الله بن يزيد قال: ما رأيت ابن المسيب قابضاً يمينه في الصلاة، كان يرسلهما(6).
فقيه الشهداء سعيد بن جبير
وهو الإمام المجاهد الشهير، أحد الرواة عن الصحابة، ومشاهير علماء التابعين، كان يسمى: جهبذ العلماء، قتله الحجاج (سنة 95 هـ).
__________
(1) سير أعلام النبلاء 3/364.
(2) مصنف ابن أبي شيبة 1/344 (3950).
(3) الأوسط 3/94.
(4) المجموع 3/311 ـ 312.
(5) نيل الأوطار 2/201.
(6) مصنف ابن أبي شيبة 1/344 (3952).
(1/26)

قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن العيزار، قال: كنت أطوف مع سعيد بن جبير فرأى رجلاً واضعاً إحدى يديه على الأخرى، هذه على هذه، فذهب فَفَرَّق بينهما ثم جاء(1).
وقال ابن المنذر: وروي أن سعيد بن جبير رأى رجلاً يصلي واضعاً إحدى يديه على الأخرى؛ فذهب ففرق بينهما(2). ونحوه روى ابن بطال في (شرح البخاري)(3).
وقد روى البيهقي من طريق يحيى بن أبي طالب، أنبأنا زيد، أخبرنا سفيان، عن ابن جريج، عن أبي الزبير قال: أمرني عطاء أن أسأل سعيداً: أين تكون اليد؟ فقال: فوق السرة. وقد ضعَّف هذه الرواية غير واحد من وجوه(4).
وعلى فرض صحتها، فسؤال عطاء عن مكان الضم يدل على أنه لم يكن معروفاً، وأن أحسن ما يقال فيه: أنه شُرِعَ كرخصة عند التَّعب والتطويل في النوافل، ولخفاء ذلك ونَدْرَته كان مما يسأل عنه، إذ لو كان يفعل في الفرائض لما احتاج ذلك إلى سؤال.
فقيه الكوفة إبراهيم النخعي
وهو: الإمام أبو عمران إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه، رأى عائشة، وروى عنه التابعون، قال الذهبي: كان عجبا في الورع والخير متوقيا للشهرة، رأسا في العلم. (توفي 96هـ)
روى عبد الرزاق عن الثوري وهشيم أو أحدهما، عن مغيرة، عن إبراهيم النخعي، أنه كان يصلي مسبلاً يديه(5).
__________
(1) المصنف 1/344 (3953).
(2) الأوسط 3/92 ـ 94.
(3) الاستنارة 74.
(4) انظر الجوهر النقي على سنن البيقي: 2/31.
... ... وقال أبو الطيب الأبادي في عون المعبود 2/457 ـ 458: وفي هذا الإسناد يحيى بن أبي طالب. قال الذهبي في ميزان الاعتدال وثقه الدارقطني، وقال فيه موسى بن هارون أشهد أنه يكذب عني في كلامه والدار قطني ممن اعتبر الناس به، وقال أبو عبيد الأجري خط أبو داود على حديث يحيى. وفيه زيد بن الحباب. قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطيء في حديث الثوري.
(5) مصنف عبد الرزاق 2/276.
(1/27)

وروى ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم النخعي، أنه كان يرسل يديه في الصلاة(1).
وروى ابن المنذر عنه أنه كان يرسل يديه، ولا يضع اليمنى على اليسرى(2)، وذكر ذلك النووي(3)، وابن عبد البر(4)، والشوكاني(5).
وقد روى عنه بعضهم الوضع. فروى ابن أبي شيبة، عن جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: لا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة(6). ولكن قال ابن عبد البر أن هذه الرواية لا تثبت عنه(7).
إمام الزهاد الحسن البصري
وهو: الإمام التابعي الكبير، المشهور علماً وزهداً وعبادة، لقي الصحابة وروى عنهم، (توفي110 هـ)
روى ابن المنذر(8)، والقفَّال(9)، وابن عبد البر(10) عن الحسن البصري القول بالإرسال، وقال النووي: روى ابن المنذر عن الحسن أنه يرسلهما، ولا يضع اليمنى على اليسرى(11). ومثله قال الشوكاني(12).
وفي (موسوعة فقه الحسن البصري): ويرسل يديه في القيام إرسالاً ولا يعقدهما على صدره، وقد كان الحسن يفعل ذلك(13).
وروى ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن يونس، عن الحسن، أنه كان يرسل يديه في الصلاة(14).
فقيه المحدثين محمد بن سيرين
وهو: الإمام الشهير أحد سادات تابعيين، روى عن كثير من الصحابة، قال الذهبي: كبير العلم ورع بعيد الصيت، (توفي110هـ).
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة 1/344 (3949).
(2) الأوسط 3/92.
(3) المجموع 1/311 ـ 312.
(4) التمهيد 20/75.
(5) نيل الأوطار 2/201.
(6) مصنف ابن أبي شيبة 1/343 (3944).
(7) تحفة الأحوذي 2/86 نقلاً عن التمهيد.
(8) الأوسط 3/92.
(9) حلية العلماء 96.
(10) التمهيد 20/76.
(11) المجموع 3/311 ـ 312.
(12) نيل الأوطار 2/201.
(13) موسوعة فقه الحسن البصري 2/608.
(14) مصنف ابن أبي شيبة 1/344 (3949).
(1/28)

روى عنه الارسال ابن أبي شيبة، فقال: حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن ابن سيرين، أنه سئل عن الرجل يمسك يمينه بشماله، قال: إنما فعل ذلك من أجل الدَّم(1). يعني نزول الدم أثناء القيام إلى أطراف الأصابع.
ورواه عنه ابن المنذر(2)، والقفال في (حلية العلماء)(3)، والقاضي أبو الطيب كما في (المجموع) للنووي(4).
شيخ الفقهاء عطاء بن أبي رباح
وهو: أحد الأعلام المشهورين، روى عن الصحابة، وهو شيخ أبي حنيفة والاوزاعي وابن جرج، (توفي 114 هـ).
روى عبد الرزاق الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاء، أنه كان يكره أن يقبض بكفه اليمنى على عضده اليسرى، أو كفه اليسرى على عضده اليمنى(5).
وحكاه عنه ابن عبد البر في (التمهيد)(6).
شيخ الحرم عبد الملك بن جرج
وهو: الإمام العلامة الحافظ شيخ الحرم، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، قيل إنه أول من صنف الكتب في مكة، قال عنه الذهبي: كان من بحور العلم. (توفي 149هـ ).
قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني في ( المصنف): رأيت ابن جريج يصلي مسبل يديه(7).
فقيه أهل الشام أبو عمرو الوزاعي
وهو: الإمام أبو عمر عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، فقيه أهل الشام وحافظهم، روى عن التابعين، وقال عنه الذهبي: كان رأسا في العلم والعبادة. (توفي 157هـ ).
__________
(1) المصنف 1/344 (3951).
(2) الأوسط 3/92.
(3) حلية العلماء 96.
(4) المجموع 3/311 ـ 312.
(5) مصنف عبد الرزاق 2/276.
(6) التمهيد 20/75.
(7) كذا في المصنف 2/276. وفي التمهيد نقلاً عن المصنف مسبلاً.
(1/29)

حكى السرخسي(1) عن الأوزاعي أنه كان يقول: إنما أمروا بالاعتماد إشفاقاً عليهم؛ لأنهم كانوا يطوِّلون القيام، وكان ينزل الدم إلى رؤوس أصابعهم، فقيل لهم: لو اعتمدتم لا حرج عليكم. وروى عنه القفال(2) والإمام المهدي(3) وابن عبد البر(4) والشوكاني(5) التخيير بين الوضع والإرسال.
وظاهر كلام النووي(6) يشير إلى أن التخيير عند الأوزاعي بين الوضع فوق أو تحت السُّرَّة، وهو خلاف ظاهر كلامه السابق.
عالم الديار المصرية الليث بن سعد
وهو: الإمام الحافظ عالم الديار المصرية وفقيهها، سمع من التابعين، وكان من مشاهير أهل العلم، (توفي 175 هـ).
قال ابن عبد البر: قال اللييث بن سعد: سدل اليدين في الصلاة أحب إليَّ، إلا أن يطيل القيام ويعيا فلا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى(7).
وقال القفال: قال الليث بن سعد: إنه يرسل يديه إلا أن يطيل القيام ويعيا(8).
وروى الإرسال عنه النووي في (شرح صحيح مسلم)(9). وقال في (المجموع): قال الليث بن سعد يرسلهما، فإن طال ذلك وضع اليمني على اليسرى للاستراحة(10).

****
هذا ما وقفت عليه من الروايات عن سادات التابعين وكبار علماء السلف من التابعين وتابعيهم في مسألة الإرسال، وهي روايات في أمهات كتب الحديث المشهورة، ولاشك أن من البعيد والبعد جداً أن تكون روايات الضم لم تبلغ أولئك العلماء الفطاحل، وهم من أكثر الناس اهتماماً بمسائل الفقه ورواية الحديث؛ لأنهم أئمة فقه وحديث، هذا إلى جانب أنهم كانوا من مختلف الأقطار، وأخذوا عن كثير من الصحابة.
__________
(1) المبسوط 1/23 ـ 24.
(2) حلية العلماء 96..
(3) البحر الزخار 2/242..
(4) التمهيد 20/75.
(5) نيل الأوطار 2/102.
(6) شرح صحيح مسلم 4/114.
(7) التمهيد 20/75.
(8) حلية العلماء 2/82.
(9) شرح صحيح مسلم 4/114.
(10) المجموع شرح المهذب 3/247.
(1/30)

وهذا يعني أن روايات الضم المذكورة إن كان لها حظ من الثبوت فإن علماء الصدر الأول فهموا أن المراد بها شيئاً غير الضم في صلاة الفريضة.
ولم ينصف صاحب (الروضة الندية) حين قال بعد ذكره للتابعين القائلين بالإرسال: فإن بلغ عندهم حديث الوضع، فمحمول على أنهم لم يحسبوه سنة من سنن الهدى، بل حسبوه عادة من العادات، فمالوا إلى الإرسال لأصالته، مع جواز الوضع، فعملوا بالإرسال بناء على الأصل، إذ الوضع أمر جديد يحتاج إلى دليل، وإذ لا دليل لهم، فاضطروا إلى الإرسال، لا أنه ثبت عندهم(1).
فهذا كلام غير صحيح؛ لأن من البعيد أن سادات السلف وكبار التابعين لم تبلغهم أحاديث الضم، ولكنها إما لم تكن موجودة، أو أنهم كانوا يضعفونها، أو يحملونها على محمل آخر، ومالوا إلى الإرسال لكونه المشروع دون غيره.

hg

مدخل
الضم، هو: وضع إحدى اليدين على الأخرى أثناء القيام في الصلاة، ويسميه البعض: التكتف، أو التكفير، وهو عند القائلين بشرعيته مجرد هيئة مندوبة، لا يؤثر تركه في صحة الصلاة.
وسأذكر في هذا الباب الذاهبين إلى شرعيته وما اختلفوا فيه من صفته، مسندا ذلك إلى أمهات كتبهم.
ثم استعرض أدلتهم التي اعتمدوا عليها معلقاً عليها بما يلتزمه المحدثون من أصول النقد وتقييم الأخبار، معتمداً في ذلك على النقل من كتبهم المشهورة، وأشير في الهامش إلى اسم الكتاب ورقم الجزء والصفحة، وسأبين في آخر هذا البحث الطبعات التي اعتمدتها لتلك الكتب.
وسيلحظ القارئ أنني تعمدت كشفت كثير من العلل التي قد يمر عليها بعض الباحثين مرور الكرام، وما ذلك إلا لأبين الجانب المفقود من البحث في هذه المسألة، لأن كثيراً ممن تطرق للبحث فيها أغفل جانب النقد وتغاضى في التقييم، مع أنني لم أهمل ذكر أقوال المصححين لبعض الروايات، وذلك ما سيجده القارئ في أثناء البحث، ومن الله أستمد العون والسداد.

الفصل الأول
__________
(1) الروضة الندية 1/97.
(1/31)

في ذكر القائلين بالضم وبيان اختلافهم فيه
ذهب علماء الحنفية والشافعية والحنبلية إلى أن المشروع في الصلاة أثناء القيام هو وضع اليد على اليد.
ثم اختلفوا، فمنهم من قال: فوق الصدر، ومنهم من قال: تحت الصدر، ومنهم من قال: تحت السرة، ومنهم من فرق بين الرجل والمرأة في ذلك(1).
ثم اختلفوا مرة أخرى في كيفية وضع اليد على اليد، هل يقبض اليسرى باليمنى، أم يضعها فقط؟ وهل يكتفي بوضع الكف على الكف، أم لا بد من وضع الكف على الكف والرسغ والساعد، أو على الذراع والكرسوع؟
يقول علماء الحنفية: إن كان المصلي رجلاً فيسن في حقه أن يضع باطن كفه اليمنى على ظهر كفِّه اليسرى، يحَلِّق بالخُنْصُر والإبهام على الرسغ، ويكون ذلك تحت السرة. وإن كانت امرأة فيسن لها أن تضع يديها على صدرها من غير تَحْلِيق (2).
ويقول علماء الشافعية: السُّنَّة للرجل والمرأة وضع باطن الكف اليمنى على ظهر كف اليسرى على بعض الكف وبعض الرسغ تحت الصدر وفوق السرة مما يلي الجانب الأيسر، وأما أصابع يده اليمنى فهو مخير بين أن يبسطها في عرض مَفْصِل اليسرى وبين أن ينشرها في جهة ساعدها (3).
وحكى الإمام المهدي عن الشافعي وابن الزبير أن الضَّم مشروع للسكون، فلو سكن مرسلاً كفى(4).
__________
(1) كما ذكر صاحب البحر الرائق 1/303.
(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1/251. ونظر المبسوط 1/24، والبحر الرائق 1/303.
(3) الفقه على المذاهب الأربعة 1/251، المهذب 1/239.
(4) البحر الزخار 2/242.
(1/32)

وفي (عون المعبود): ((جاء عن الشافعي في الوضع ثلاث روايات، إحداها: أنه يضع يده اليمنى على يده اليسرى تحت الصدر فوق السرة، والثانية أن يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، وهي الرواية التي نقلها صاحب الهداية عن الشافعي. وقال العيني: إنها المذكور في (الحاوي) من كتبهم. والثالثة: أن يضع يده تحت السرة. ذكر هذه الروايات الثلاث العلامة هاشم السِّندي في بعض رسائله في هذه المسألة )) (1).
أما علماء الحنبلية فالمروي عنهم: أن السنة للرجل والمرأة وضع بطن الكف اليمنى على ظهر كف اليسرى ويجعلهما تحت سرته (2).
وقال ابن القيم: اختلف قوله ـ يعني أحمد ـ في صفة وضع اليد على اليد، فعند أحمد بن أصرم المزني وغيره أنه يقبض بيمينه على رسغ يساره، وعند أبي طالب يضع يديه اليمنى وضعاً بعضها على ظهر كفه اليسرى وبعضها على ذراعه الأيسر.
واختلف في موضع الوضع، فعنه فوق السرة، وعنه تحتها، وعنه أبو طالب سألت أحمد: أين يضع يده إذا كان يصلي؟ قال: على السرة أو أسفل. وكل ذلك واسع عنده إن وَضَعَ فوق السرة أو عليها أو تحتها (3).
قال النووي: وعن أحمد روايتان كالمذهبين ـ يعني فوق السرة وتحتها ـ ورواية ثالثة أنه مخير بينهما ولا ترجيح، وبهذا قال الأوزاعي وابن المنذر (4).
وفي سبيل إظهار كل فريق لحجته احتدم جدال ونزاع واسع صارت ضحيته أدلة الضم، حيث ضَعَّف كل فريق أدلة الفريق الآخر وكشف خَلَلَها، مما يجعلنا نعيد النظر في المسألة من حيث المبدأ، لأن تلك الروايات إذا اختلف مدولها لم يصح أن يشهد بعضها لبعض.
__________
(1) عون المعبود 2/264.
(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1/251.
(3) بدائع الفوائد 3/91.
(4) شرح صحيح مسلم 4/115.
(1/33)

قال المباركفوري ـ بعد ذكر أحاديث الوضع تحت السرة ـ: ((فهذه الأحاديث التي أُستدل بها على الوضع تحت السرة، وقد عرفت أنه لا يصلح واحد منها )). وقال أيضاً: (( الفصل الثاني في ما تمسك به من ذهَب إلى وضع اليدين فوق السرة، لم أقف على حديث مرفوع يدل على هذا المطلوب ))(1).
وقال أبو الطيب الأبادي ـ وهو من الشافعية ـ: أما الوضع فوق السرة أو تحت السرة فلم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديث (2).
وقال الألباني: وضعهما على الصدر هو الذي ثبت في السنة، وخلافه إما ضعيف أو لا أصل له(3).
وهذه دعوى ناقضه فيها - من معاصريه - العلامة السقاف، فقال: ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع يديه على صدره(4). ثم أنه لم يستدل على ذلك إلا بحديث وائل عند ابن خزيمة، وقد ضعفه هو في هامش صحيح ابن خزيمة(5)، فهل نعتبر ذلك من تناقضاته؟
واستعمل الأحناف والحنابلة - القائلون بأن الوضع تحت السرة - نفس الأسلوب. فقد بذل الزيلعي - وهو من الأحناف - جهداً جهيداً في تضعيف أحاديث القائلين بالوضع على الصدر، وكذلك ابن القيم - وهو من الحنابلة - كما في (بدائع الفوائد) (6)، وألف بعض الأحناف كتاباً سماه: (دراهم الصُّرة في وضع الأيدي تحت السرة)، وأجاب عليه بعض الشافعية بكتاب سماه: (نقد الصُّرة)، وَرَدَّ عليه آخر من الحنفية بكتاب سماه: (الدرة في إظهار غش نقد الصرة)، وألف آخر من الشافعية كتاباً سماه: (فتح الغفور في وضع الأيدي على الصدور) ورد عليه آخر من الحنفية بكتاب سماه: (فوز الكرام بما ثبت في وضع الأيدي عند القيام).
__________
(1) تحفة الأحوذي شرح صحيح الترمذي 2/89.
(2) عون المعبود شرح سنة أبي داود 2/462.
(3) صفة صلاة النبي 61.
(4) صحيح صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم 83.
(5) صحيح ابن خزيمة 1/243.
(6) بدائع الفوائد 3/91.
(1/34)

وقد وقع جَدَل طويل حول الحديث الذي رواه ابن خزيمة في صحيحه عن وائل بن حُجْر، وفيه أن الوضع على الصدر، فالشافعية وأنصارهم يذكرون أن حديث وائل هذا صححه ابن خزيمة، وأن إسناده هو إسناد حديث وائل الذي أخرجه مسلم من طريق محمد بن جحادة، وشددوا على ذلك وأكثروا الاحتجاج حتى يكاد المطالع يعتقد أن ذلك شيء مقطوع به.
وعلى العكس شدد الأحناف والحنابلة في النكير على من ادعى تصحيحه من قِبَل ابن خزيمة، وانتقد صاحب (حاشية نصب الراية) الشوكاني بشدة واتهمه بالتهور، والمجازفة، حين ادعى أن ابن خزيمة صحح حديث وائل.
وكذلك ردُّوا بشدة على من زعم أن إسناد ذلك الحديث كالذي في صحيح مسلم، والأعجب من هذا كله أن المتنازعين مجرد مستنتجين إذ لم يطلع أحد منهم على كتاب صحيح ابن خزيمة.
وبعد أن طبع صحيح ابن خزيمة، وجدنا الحديث فيه، وليس إسناده كإسناد حديث مسلم، ولكنه مروي من طريق مؤمّل بن إسماعيل وهو ضعيف، وعلق عليه الألباني بقوله: إسناده ضعيف(1). وكان القول بعد الجَدَل الطويل قول الأحناف (2).
وفي ظل ذلك النِّزاع ذهب بعض العلماء إلى أن الأحاديث التي فيها ذكر تعيين الموضع ليست صحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأجمعها، قال الشيخ ابن الهمام: ولم يثبت حديث صحيح يوجب العمل في كون الوضع تحت الصدر وفي كونه تحت السرة (3).
وقال ابن أمير الحاج في (شرح المنية): ولم يثبت حديث يوجب تعين المحل إلا حديث وائل(4). وهذا بناء منه على أن ابن خزيمة صححه.. وليس كذلك كماسبق.
وقال ابن المنذر في بعض تصانيفه: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك شيء ـ يعني في تعيين مكان الوضع (5).
__________
(1) انظر صحيح ابن خزيمة 1/243.
(2) راجع نصب الراية وحاشيتها 1/313، وتحفة الأحوذي 2/87، وما بعدها، وعون المعبود 2/454، وصحيح ابن خزيمة 1/242.
(3) الروضة الندية 1/87.
(4) تحفة الأحوذي 1/87.
(5) عون المعبود 2/456.
(1/35)

بالعكس جزم العلامة المقبلي: فقال: اعلم أنه قد صح في صفتها وضع اليد على الصدر وتحت السرة، وروي من حديث علي مرفوعاً من طرق تحت السرة(1).
وهذا كلام غير دقيق، كما ستعرف، بل قد صرحوا بعكسه، فقال ابن المنذر في بعض تصانيفه: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك (أي في مكان الوضع) شيء فهو مخير(2).

hg

الفصل الثاني
في أدلة القائلين بالضم والتعليق عليها
احتج القائلون بأن الضم في الصلاة هو السنة بجملة من الروايات، منها ما هو خاص بالقائلين بأن الضم تحت السرة، ومنها ما هو خاص بالقائلين بأن الضم على الصدر، ومنها ما هو مشترك بينهم، ومنها ما وقع النزاع فيه، وقد رأيت أن أوردها في فصل واحد حتى لا يتكرر الكلام عليها.
وقبل البدء لابد من الإشارة إلى أنه ليس بصحيح ما يقال من أنه ورد في ذلك أكثر من عشرين حديثاً، فذلك تهويل وإرجاف لا واقع له، وإنما هي عدة روايات كَثَّرها النقل بالمعنى، واضطراب الرواة عند النقل، وهي كما يلي:
الرواية الأولى: في أن الضم من أخلاق الأنبياء
تنص إحدى الروايات على أن من سلوك الأنبياء: تعجيل الفطور، وتأخير السحور، ووضع الكف على الكف في الصلاة، وهي تروى عن: ابن عباس، أو ابن عمر، أو أبي هريرة اضطرب فيها الرواة، كما تروى عن أبي الدرداء، ويعلى بن مرة.
أما حديث ابن عباس
فرواه الطيالسي (3)، ومن طريقه البيهقي (4)، قال الطيالسي: حدثنا طلحة [بن عمرو الحضرمي]، عن عطاء [بن أبي رباح]، عن ابن عباس، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نُعَجِّل إفطارنا، ونؤخر سحورنا، ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة )).
__________
(1) المنار 1/174.
(2) عون المعبود 2/461ـ462.
(3) الطيالسي في المسند 346 (2654).
(4) البيهقي في السنن الكبرى 4/238.
(1/36)

ورواه الدارقطني(1)، من طريق مخلد بن يزيد: أخبرنا طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنا معاشر الأنبياء، أمرنا أن نؤخر السحور، ونعجل الإفطار، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة )).
تقييم الحديث
يوجد في هذا الحديث مجموعة من العلل، منها:
الأولى ـ أن مدار هذا الحديث على طلحة بن عمرو المكي، وقد تركه بعض المحدثين وضعفه الآخرون.
فقال فيه أحمد، والنسائي، وابن الجنيد، وابن حجر: متروك الحديث (2).
وقال عمر بن علي: لا شيء، متروك الحديث، كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه(3).
وقال ابن معين: ليس بشيء، ضعيف (4).
وقال البخاري: ليس بشيء، كان يحيى سيء الرأي فيه(5).
وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يحل كتابة حديثه ولا الرواية عنه، إلا على وجهة التعجب(6).
وضعفه: ابن المديني، وأبو زرعة، وأبوحاتم، والبزار، وأبو داود، والعجلي، والدارقطني، وابن سعد، وأبو أحمد الحاكم وغيرهم(7).
وقال الجوزجاني: غير مرضي في حديثه (8).
الثانية ـ أنه مضطرب، فقد رُوِيَ تارة عن ابن عباس، وتارة عن أبي هريرة، وتارة عن ابن عمر.
قال البيهقي: هذا حديث يعرف بطلحة بن عمرو المكي، وهو ضعيف، واختلف عليه ـ أي اضطرب ـ فقيل عنه كذا، وقيل: عنه عن عطاء عن أبي هريرة، وروي من وجه آخر ضعيف عن ابن عمر (9).
__________
(1) الدار قطني في السنن 1/284.
(2) الجرح والتعديل 4/478، الضعفاء للنسائي 143، تهذيب التهذيب 5/21 ـ 22، تقريب التهذيب 1/379.
(3) الجرح والتعديل 4/478. تهذيب التهذيب 5/21.
(4) الجرح والتعديل 4/478.
(5) تهذيب التهذيب 5/21.
(6) المجروحين 1/382.
(7) انظر تهذيب التهذيب 5/ 21 ـ 22، الخلاصة 180، الجرح والتعديل 4/678.
(8) أحوال الرجال 145 (252).
(9) السنن الكبرى 4/238، 2/29.
(1/37)

الثالثة ـ أنها اختلفت ألفاظه اختلافاً يؤثر في المعنى، ففي رواية الطيالسي: ونضع أيماننا... وفي رواية الدارقطني: وأن نمسك بأيماننا شمائلنا.. ومفهوم الوضع غير مفهوم الإمساك، ولذلك اختلفوا، فمنهم من قال: يكفي الوضع، ومنهم من قال: لا بد من الإمساك.
الرابعة ـ أنه من طريق عطاء، وقد ثبت عنه أنه كان يرسل يديه في الصلاة ـ كما تقدم ـ، فهذا الحديث من طريقه لا يخلوا: إما أن يكون غير صحيح عنه، وإما أن يكون له مدلول غير الضم في الصلاة، إذ لو كان صحيحاً ويفيد الضم لما خالفه.
متابعة عمرو بن الحارث
روى الطبراني في الكبير (1)، وابن حبان (2) من طريق حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، أنه سمع عطاء بن أبي رباح يحدث عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نؤخر سحورنا، ونعجل فطرنا، ونمسك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا)). هذا لفظ ابن حبان، وفي لفظ الطبراني: (( ووضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة )).
قال ابن حبان: سمع هذا الخبر ابن وهب عن عمرو بن الحارث، وطلحة بن عمرو، عن عطاء بن أبي رباح.
تقييم الرواية
يبدو أن هذه الرواية أصح ما في الباب من وجهة نظر ابن حبان، ولهذا اقتصر عليها في باب الضم، وذكر أنه رواها ابن وهب من طريق عمرو بن الحارث ليؤكد أن لها طريقاً آخر غير طريق طلحة بن عمرو، وهذا ما جعل بعض المحدثين يسارعون إلى تصحيحها، ولكنها رغم ذلك معلولة بخمس علل:
الأولى ـ أن هناك تردداً في صحة روايتها من طريق عمرو بن الحارث، فقد ذكر البيهقي أن هذا الحديث يعرف بطلحة بن عمرو ـ كما تقدم ـ. وعلى هذا فيحتمل أن بعض الرواة قد توهم فرواه من طريق عمرو بن الحارث، بدلاً من طريق طلحة بن عمرو خصوصاً وأن بين الاسمين تشابهاً.
__________
(1) المعجم الكبير 11/199 رقم (11485).
(2) صحيح ابن حبان 5/67 رقم (1770).
(1/38)

وهذا ما استشعره ابن حجر، فذكر عن الطبراني أنه قال: لم يروه عن عمرو بن الحارث إلا ابن وهب، انفرد به حرملة. قلت ـ والقائل ابن حجر ـ: أخشى أن يكون الوهم فيه من حرملة (1).
أقول: وقد يكون الوهم من ابن وهب نفسه، فقد ذكر النسائي والساجي أنه كان يتساهل في السَّماع (2).
الثانية ـ أنه انفرد به حرملة بن يحيى الحضرمي، وهو وإن كان كثير الرواية عن ابن وهب، إلا أنه لكثرة روايته كان يتفرد بغرائب، أشار إلى ذلك الذهبي (3).
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به (4).
وقال ابن عدي في الضعفاء: سألت عبد الله بن محمد الفرهاداني أن يملي علي شيئاً عن حرملة، فقال: هو ضعيف(5).
وأما أحمد بن صالح المصري فقد كان يحمل عليه ويتكلم فيه (6).
الثالثة ـ أنه على فرض صحته عن عمرو بن الحارث، لا يحتج به؛ لأن أحمد قد تكلم في عمر بن الحارث نفسه، فقال: رأيت له مناكير (7). وذكر الأثرم أنه حمل عليه حملاً شديداً. وقال: يروي عن قتادة أحاديث يضطرب فيها، ويخطيء (8). هذا إلى جانب أن حرملة انفرد به، وهو ضعيف كما تقدم.
الرابعة ـ أنه مروي من طريق عطاء، وقد تقدم أنه ممن يرى الإرسال، ومخالفة الراوي لما روي مُوجب لضعف الرواية.
الخامسة ـ أن في ألفاظه اختلافاً يؤثر في المعنى، ففي رواية الطبراني: ووضع أيماننا .. وفي رواية ابن حبان: ونمسك بأيماننا..
وروي عن ابن عباس من طريق أخرى
__________
(1) تلخيص الحبير 1/224. وقال الشوكاني في نيل الأوطار 2/200: تفرد به حرملة.
(2) انظر تهذيب التهذيب 6/67.
(3) ميزان الاعتدال 1/472.
(4) الجرح والتعديل 3/274.
(5) الكامل في الضعفاء 2/863.
(6) تهذيب التهذيب 2/202.
(7) تهذيب التهذيب 8/14.
(8) ميزان الاعتدال 3/252.
(1/39)

رواه الطبراني في الكبير (1)، والأوسط (2) من طريق محمد بن أبي يعقوب الكرماني، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجل الإفطار، وأن نؤخر السحور وأن نضرب بأيماننا على شمائلنا )).
وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد) وقال: رجاله رجال الصحيح(3).
تقييم الرواية
يعتبر هذا الحديث من أجود الأحاديث سنداً عند المحدثين، ورغم ذلك فإن فيه علتين:
الأولى ـ أن محمد بن أبي يعقوب تفرد براويته عن ابن عيينة. قال الطبراني عقب روايته: لم يروِ هذا الحديث عن ابن عيينة إلا محمد بن أبي يعقوب (4).
وقد قيل: إنه غير معروف، قال أبو حاتم: هو مجهول (5).
وذكره البخاري في مكانين من (التاريخ الكبير) أحدهما باسم محمد بن أبي يعقوب (6)، وثانيهما باسم محمد بن إسحاق وقال: هو ابن أبي يعقوب (7).
وقال الذهبي: اسم أبيه إسحاق بن منصور، وأنكر أن يكون مجهولاً (8).
الثانية ـ أن فيه: عمرو بن دينار أبو محمد المكي، وقد أشار الحاكم في علوم الحديث إلى أنه كان يدلِّس (9).
وقال عنه سفيان بن عيينة: اتفقوا على أنه كان مدلساً (10). وقد جاءت روايتهما بالعنعنة كما ترى.
وأما حديث ابن عمر
__________
(1) المعجم الكبير 11/7 رقم (10851).
(2) المعجم الأوسط للطبراني 5/137 (4261).
(3) مجمع الزوائد 3/155.
(4) المعجم الأوسط للطبراني 5/137 (4261).
(5) الجرج والتعديل 8/122، وتهذيب التهذيب 9/34.
(6) التاريخ الكبير 1/267.
(7) التاريخ الكبير 1/41.
(8) ميزان الاعتدال 4/70.
(9) تعريف أهل التقديس بمراتب المعروفين بالتدليس 42 (20).
(10) تعريف أهل التقديس بمراتب المعروفين بالتدليس 65 (52).
(1/40)

فأخرجه الطبراني في الصغير (1)، والأوسط (2)، والبيهقي (3)، من طريق يحيى بن سعيد بن سالم القداح، قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث: بتعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة )). اللفظ للطبراني.
تقييم الحديث
هذا الحديث لا يصح الاعتماد عليه؛ لما فيه من علل توجب سقوطه، وسوف ألخصها فيما يلي:
الأولى ـ الذي يظهر أن هذا الحديث لم يُرْوَ عن ابن عمر أصلاً، وإنما غلط في نقله بعض الرواة، فقد أثار الطبراني الشك حول هذا الحديث، فقال في (الأوسط): لا يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه.
وقال في (الصغير): لم يروه عن نافع إلا عبد العزيز، ولا عنه إلا ابنه، انفرد به يحيى بن سعيد القداح.
أقول: وكل واحد من هؤلاء ضعيف.
وجاء البيهقي ليؤكد أن هذا الحديث: ((تفرد به عبد المجيد وإنما يعرف بطلحة بن عمرو ـ وليس بالقوي ـ عن عطاء عن ابن عباس، ومرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ))(4).
ويؤكد ابن حبان ذلك فيقول في عبد العزيز بن أبي رواد: روى عن نافع أشياء لا يشك مَنْ الحديث صناعته ـ إذا سمعها ـ أنها موضوعة، كان يحدث بها توهماً لا تعمداً، ومن حَدَّث على الحسبان وروى على التَّوهم حتى كثر ذلك منه سقط الاحتجاج به، وإن كان فاضلاً في نفسه (5).
واتهم ابن عدي في ذلك عبد المجيد، فقال: يروي عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر، وكل هذه الأحاديث غير محفوظة (6).
الثانية ـ أن أكثر رواته ممن تُكُلِّمَ فيه.
* ففيه عبد العزيز بن أبي رواد. رُوي عن يحيى القطان أنه قال عنه: كذاب(7)
__________
(1) المعجم الصغير 1/176 رقم (279).
(2) المعجم الأوسط 4/41 (3053).
(3) السنن الكبرى 2/29.
(4) السنن الكبرى 2/29.
(5) المجروحين 2/136 ـ 137.
(6) الكامل في الضعفاء 5/1984.
(7) تهذيب الكمال 18/286.
(1/41)

وقال علي بن الجنيد: كان ضعيفاً وأحاديثه منكرات (1).
وذكره ابن عدي في الضعفاء وقال: في بعض رواياته ما لا يتباع عليه (2).
وذكره العقيلي في الضعفاء، وروي عن سفيان الثوري أنه قال: مات على بدعته، وروي أنه جاء عكرمة بن عمار إلى ابن أبي رواد فدق عليه الباب فقال: أين الضال (3).
* وفيه عبد المجيد بن عبد العزيز، قيل كان من غلاة المرجئة، اشتهر عنه أنه كان يقول: الإيمان قول.
قال الدارقطني: لا يحتج به، يعتبر به، وأبوه أيضاً لين، والابن أثبت، قيل: إنه مرجئ، ولا يعتبر بأبيه، يترك (4).
وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك(5).
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس بالقوي يكتب حديثه، كان الحُميدي يتكلم فيه(6).
وقال البخاري: كان يرى الإرجاء، كان الحميدي يتكلم فيه(7). وقال: في أحاديثه بعض اختلاف، لا يعرف، له خمسة أحاديث صحاح(8).
وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: حدثنا أحمد بن علي، قال: سألت محمد بن يحيى بن أبي عمر عن عبد المجيد فقال: ضعيف(9).
وقال الخزرجي: قال أحمد ويحيى: يغلو في الإرجاء(10).
وقال عبد الرزاق ـ حين بلغه موته ـ: الحمد لله الذي أراح أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من عبد المجيد(11).
* وفيه يحيى بن سعيد القداح، قال الهيثمي: ضعيف(12).
وقال الدار قطني: ليس بالقوي(13). وقال الذهبي: له مناكير(14).
__________
(1) تهذيب التهذيب 6/302.
(2) الكامل في الضعفاء 5/1929.
(3) الضعفاء الكبير 3/8.
(4) تهذيب الكمال 18/275.
(5) المجروحين 2/160 ـ 161.
(6) الجرح والتعديل 6/64 ـ 65.
(7) التاريخ الكبير 6/112.
(8) ميزان الاعتدال 2/648.
(9) الضعقاء الكبير 3/96.
(10) الخلاصة 243.
(11) تهذيب التهذيب 6/340.
(12) مجمع الزوائد 3/155.
(13) لسان الميزان 6/257.
(14) ميزان الاعتدال 4/378.
(1/42)

وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: في حديثه مناكير(1).
الثالثة ـ أنه قد نص بعض المحدثين على ضعف الحديث، قال الشوكاني: ضعفه العقيلي(2). فلعله ضعفه لعلة أخرى غير ما ذكرنا.
وأما حديث أبي هريرة
فأخرجه الدارقطني(3) من طريق النضر بن إسماعيل، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أمرنا معاشر الأنبياء أن نعجل إفطارنا، ونؤخر سحورنا، ونضرب بأيماننا على شمائلنا في الصلاة )).
تقييم الحديث
في حديث أبي هريرة هذا علتان تمنعان الاحتجاج به:
الأولى ـ أن في إسناده من تُكُلِّم فيه، ففيه: ابن أبي ليلى، وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
قال ابن حبان: كان رديء الحفظ، كثير الوهم فاحش الخطأ، يروي الشيء على التوهم، ويحدث على الحسبان فكثرت المناكير في روايته، فاستحق الترك. وتركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين(4).
وكان زائدة لا يروي عن ابن أبي ليلى، وكان قد تركه ويأمر بترك حديثه(5).
وكان شعبة يقول: ما رأيت أحداً أسوأ حفظاً من ابن أبي ليلى(6).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: كان سيء الحفظ مضطرب الحديث(7).
وقال الجوزجاني: سيء الحفظ(8).
وعن ابن المديني: كان سيء الحفظ واهي الحديث(9).
وقال الساجي: كان سيء الحفظ لا يتعمَّد الكذب، فكان يُمدح في قضائه، فأما في الحديث فلم يكن حجة(10).
وقال أبو حاتم: محله الصدق، كان سيء الحفظ، شُغِل بالقضاء فساء حفظه، لا يتهم بشيء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه ولا يحتج به(11).
__________
(1) الضعفاء الكبير 4/404.
(2) نيل الأوطار 2/200.
(3) سنن الدارقطني 1/284.
(4) المجروحين 2/244.
(5) الجرح والتعديل 7/322. والضعفاء الكبير 1/162.
(6) الجرح والتعديل 7/322.
(7) الجرح والتعديل 7/323.
(8) أحوال الرجال 71 (86).
(9) تهذيب التهذيب 9/303.
(10) تهذيب التهذيب 9/303.
(11) الجرح والتعديل 7/323.
(1/43)

وقال النسائي: ليس بالقوي(1). وقال الدارقطني: كان رديء الحفظ كثير الوهم.
وقال ابن جرير الطبري: لا يحتج به. وقال أبو أحمد الحاكم: عامة أحاديثه مقلوبة.
وقال ابن خزيمة: ليس بالحافظ وإن كان فقيهاً عالماً(2).
* وفيه: النظر بن إسماعيل، قال ابن حبان: كان ممن فحش خطأه وكثر وهمه فاستحق الترك من أجله(3).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه، فقال: لم يكن يحفظ الإسناد(4).
وقال عباس الدُّوري ويعقوب بن شيبة عن يحيى بن معين: ليس بشيء(5).
وقال أبو عبيد الآجرِّي عن أبي داود: تجيء عنه مناكير(6).
وقال أبو زرعة(7) والنسائي(8): ليس بالقوي.
وذكره العقيلي(9)وابن عدي في الضعفاء(10).
الثانية ـ ما أشار إليه البيهقي من أن هذا الحديث يعرف بطلحة بن عمرو المكي، وقد اضطرب في روايته، فرواه تارة عن ابن عباس، وتارة عن أبي هريرة، وتارة عن ابن عمر، لا سيما وأن طلحة شيخ النضر بن إسماعيل كما ذكر المزُِّي، فيحتمل أنه أخذه منه، ثم رواه من طريق أخرى؛ لأنه لم يكن يحفظ الإسناد كما قيل.
وأما حديث يعلى بن مُرَّة
رواه الطبراني في الكبير(11)، من طريق عبد الرحمن بن مسلمة الرازي، حدثنا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء، عن عمر بن عبد الله بن يعلى، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ثلاث يحبها الله: تعجيل الفطر، وتأخير السحور، وضرب اليدين إحداهما بالأخرى في الصلاة )).
تقييم الحديث
__________
(1) الضعفاء والمتروكين ترجمه 214 رقم (550).
(2) تهذيب التهذيب 9/303.
(3) المجروحين 3/51.
(4) العلل ومعرفة الرجال 2/256.
(5) تاريخ بغداد للخطيب 13/433.
(6) تهذيب التهذيب 10/388، ميزان الاعتدال 4/255.
(7) الجرح والتعديل 8/474.
(8) الضعفاء والمتروكين الترجمة 236 (624).
(9) الضعفاء الكبير 4/290.
(10) الكامل في الضعفاء 7/2491.
(11) المعجم الكبير 22/263 رقم (686).
(1/44)

مدار هذه الرواية على عمر بن عبد الله بن يعلى، عن أبيه، وهما ضعيفان جداً.
* فأما عمر بن عبد الله، فقال الدار قطني: متروك(1).
قال أحمد والنسائي وابن معين وأبو حاتم والساجي: منكر الحديث(2).
وقال ابن معين أيضاً: ليس بشيء(3).
وقال البخاري: يتكلمون فيه(4).
وقال أبو زرعة: ليس بالقوي. قيل له: فما حاله؟ قال: أسأل الله السلامة(5).
وقال أبو نعيم: رأيت عمر بن عبد الله فما أستحل أن أروي عنه(6).
وقال جرير بن عبد الحميد: كان يشرب الخمر(7).
وقال زائدة: رأيته يشرب الخمر(8).
وذكره العقيلي وابن عدي والدار قطني في الضعفاء(9).
وقال ابن حبان: منكر الرواية عن أبيه، وقال روى ـ نسخة أكثرها مقلوب ـ عن أبيه عن جده(10). وهذا الحديث من تلك النسخة كما ترى.
وقال الذهبي: ضعَّفوه(11).
* وأما عبد الله بن يعلى بن مرة، فقال البخاري: فيه نظر(12).
وإذا قال البخاري: فيه نظر لأي رجل فهو ممن لا يحتج بحديثه، ولا يستشهد به، ولا يصلح للاعتبار(13).
وقال ابن حبان: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، لكثرة المناكير في روايته، على أن ابنه واهٍ أيضاً، فلست أدري البلية فيها منه أو من أبيه(14).
وقال الذهبي: ضعَّفه غير واحد(15).
وقال الدار قطني: لا يعرف إلا بابنه عمر(16).
__________
(1) تهذيب الكمال 21/420.
(2) تهذيب الكمال 21/420.
(3) ميزان الاعتدال 3/211. تهذيب التهذيب 7/414.
(4) التاريخ الكبير 6/170.
(5) الجرح والتعديل 6/118.
(6) المجروحين 2/91.
(7) الكامل في الضعفاء 5/1693.
(8) ميزان الاعتدال 3/211.
(9) الضعفاء للعقيلي 3/176، الضعفاء والمتروكين للدار قطني 183، الكامل في الضعفاء 5/1693.
(10) المجروحين 2/91.
(11) الكاشف 2/274.
(12) الضعفاء الكبير للعقيلي 2/318.
(13) تحفة الأحوذي 2/87.
(14) المجروحين 2/92.
(15) ميزان الاعتدال 2/528.
(16) الضعفاء والمتروكين، ترجمة عمر بن عبد الله 128 (397).
(1/45)

وذكره ابن عدي والعقيلي في الضعفاء(1).
*وفيه أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء، قال ابن المديني: ليس بشيء تركناه لم يكن بذاك(2).
وذكره ابن عدي في الضعفاء وقال: الذي قاله علي بن المديني هو كما قال، وهو في جملة الضعفاء(3).
وقال الساجي: فيه ضعف(4).
وقال في الخلاصة: هو من جملة الضعفاء(5).
وقد أعله العقيلي(6)، والهيثمي(7)، والشوكاني(8)، بعمر بن عبدالله بن يعلى.
وأما حديث أبي الدرداء
رواه الطبراني في المعجم الكبير كما في (مجمع الزوائد)(9) بلفظ: ((ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة )).
قال الهيثمي: في رجاله من لم أجد مَن ترجمه.
ولم أظفر به في معجم الطبراني حتى أنظر في رجاله، ولعله في أحد الأجزاء المفقودة.
الراوية الثانية: في أن النبي كان يفعله
تذكر بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع إحدى يديه على الأخرى في الصلاة، وهي مروية عن شداد بن شرحبيل، وغطيف بن الحارث، وهلب الطائي، وثلاثتهم مشكوك في صحبتهم، كما تروى عن ووائل بن حجر، وابن مسعود، ومرسل عن طاووس اليماني.
فأما حديث شداد بن شرحبيل
__________
(1) الكامل في الضعفاء 4/1540، الضعفاء الكبير 2/318.
(2) ميزان الاعتدال 2/592.
(3) الكامل في الضعفاء 4/1599.
(4) تهذيب التهذيب 6/247.
(5) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 235.
(6) الضعفاء الكبير 3/177.
(7) مجمع الزوائد 2/105.
(8) نيل الأوطار 2/200.
(9) مجمع الزوائد 2/105.
(1/46)

فرواه الطبراني(1)، والبزار(2)، والبخاري في التاريخ(3)، من طريق حيوة بن شريح الحمصي، حدثنا بقية بن الوليد، حدثنا حبيب بن صالح، حدثنا عياش بن مؤنس، عن شداد بن شرحبيل الأنصاري، قال: مهما نسيت فإني لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائماً يصلي ويده اليمنى على اليسرى، قابضاً عليها.
هذا لفظ الطبراني. وليس في رواية البخاري قابضاً عليها.
تقييم الحديث
ترك الاحتجاج بهذا الحديث معظم القائلين بشرعية الضم في الصلاة؛ لأنه لا يرقى إلى أن يكون دليلاً، لما فيه من علل، نذكر منها:
الأولى ـ أن هذا الحديث مرسل؛ فليس هنالك ما يثبت صحبة شداد بن شرحبيل إلا ما في هذا الحديث من قوله: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. والحديث من رواية عياش، وهو مع جهالته لم يذكر سماعاً من شداد. فصحة الحديث متوقفة على صحبة شداد، وصحبة شداد متوقفة على صحة الحديث، وهذا الدور يقضي بعدم حجية الحديث. ويؤكد ذلك أنه قد تردد غير واحد من الحفاظ، في كونه صحابياً، فقال ابن السكن: ليس بمشهور.
وقال ابن عبد البر: ليس لشداد بن شرحبيل غير هذا الحديث(4).
وقال البزار: لم يرو شداد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا هذا الحديث، ولم يرو له الطبراني إلا هذا الحديث(5).
الثانية ـ الانقطاع فإن عياش بن مؤنس مع أنه مجهول، قال فيه الهيثمي: لم أجد من ترجمه(6). ولم يذكر سماعاً من شداد، وقد نبه على البخاري على هذه العلة في (التاريخ الكبير)(7).
الثالثة ـ أنه تفرد به بقية بن الوليد، ولا عبرة بما تفرد به، خصوصاً أنه رواه من طريق مجهول العين والعدالة، عن مجهول الصحبة.
__________
(1) المعجم الكبير 7/282 رقم (7111).
(2) كشف الأستار 1/254.
(3) التاريخ الكبير 4/225.
(4) الإصابة 2/1393، الاستيعاب 2/137.
(5) مجمع الزوائد 2/105.
(6) مجمع الزوائد 2/105، نيل الأوطار 2/200.
(7) التاريخ الكبير 4/225.
(1/47)

قال أحمد: توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير، فعلمت من أين أتى(1).
وقال الخطيب: في حديثه مناكير(2).
وقال القطان: بقية يدلس عن الضعفاء، ويستبيح ذلك، وهذا إن صح مفسد لعدالته. قال الذهبي: نعم والله صح هذا عنه إنه يفعله(3).
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال أبو مسهر: إحذر حديث بقية وكن منها على تقية، فإنها ليست نقية(4).
وقال الجوزجاني: ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذه، أما حديثه عن الثقات فلا بأس به(5).
وقال عبد الحق: بقية لا يحتج به(6).
وقال الذهبي: بقية ذو غرائب وعجائب ومناكير(7).
وذكره الدار قطني(8)، والعقيلي(9)، وابن عدي(10) في الضعفاء.
وقال البيهقي: أجمعوا على أن بقية ليس بحجة(11).
وشدد ابن حبان النكير عليه، ولم يذكره في الثقات ـ على تساهله في التوثيق ـ بل ذكره في المجروحين، وقال بعد كلام طويل: فلا يحل أن يحتج به إذا انفرد بشيء(12).
وأما حديث الحارث بن غطيف
فرواه ابن أبي شيبة(13)، ومن طريقه الطبراني(14)، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن غطيف، أو غطيب بن الحارث، أنه قال: مهما رأيت نسيت لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضع يده اليمنى على اليسرى. يعني في الصلاة.
__________
(1) تهذيب التهذيب 1/417 ـ 419.
(2) تاريخ بغداد 7/123.
(3) ميزان الاعتدال 1/133 ـ 138.
(4) تاريخ بغداد 7/124، تهذيب الكمال 4/198.
(5) أحوال الرجال 174 ـ 175 (312).
(6) تهذيب التهذيب1/417 ـ 419.
(7) ميزان الاعتدال 1/339.
(8) الضعفاء والمتروكين 187 (631).
(9) الضعفاء الكبير 1/112.
(10) الكامل في الضعفاء 2/504.
(11) تهذيب التهذيب 1/417 ـ 419.
(12) المجروحين 1/200 ـ 202.
(13) مصنف ابن أبي شيبة 1/342 (3933).
(14) المعجم الكبير 3/276 (339).
(1/48)

ورواه أحمد(1)، عن حماد بن خالد، عن معاوية، عن يوسف بن سيف عن الحارث بن غطيف.
ورواه(2) عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن غطيف، قال: ما نسيت من الأشياء لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضعاً يمينه على شماله في الصلاة.
ورواه الطبراني(3) من طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح، به. غير أنه زاد بعد يونس رشيد الحبراني.
تقييم الحديث
لايصح الاحتجاج بهذا الحديث لعدة علل، منها:
الأولى ـ الاضطراب في السند، فقد زاد الطبراني ـ في إحدى الروايات ـ بين يونس والحارث: أبا رشيد الحبراني، كما ترى.
وفي إحدى روايات أحمد معاوية عن يونس بن سيف، وفي الأخرى يوسف بن سيف.
وبأقل من هذا يكون الحديث مضطرباً، فقد نص غير واحد على أن الزيادة في السند تؤدي إلى اضطرابه، ذكر ذلك ابن الأمير، عن ابن حجر، عن العلائي(4). وهذا اضطراب موجب لضعف الحديث.
الثانية ـ اختلاف اللفظ، ففي رواية أحمد أن الوضع كان في الصلاة، بينما رواية ابن أبي شيبة خالية من ذلك، فقال بعض الرواة: يعني في الصلاة.
الثالثة ـ أن هذا الحديث مرسل، فالقائل: لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد اختلف في اسمه، فقيل: الحارث بن غطيف.
وقيل: غطيف بن الحارث بالطاء المهملة. وقيل: غظيف بالظاء المعجمة. وقيل: غضيف بالضاد المعجمة(5)، وإلى جانب ذلك اختلف في صحبته. فالرجل معروف بروايته عن الصحابة وليس له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا هذا الحديث، فلا يبعد أن يكون فيه غلط من بعض الرواة.
__________
(1) مسند أحمد 4/105، 5/290.
(2) مسند أحمد 4/105، 5/290.
(3) المعجم الكبير 3/276 (3400). وانظر هامش العواصم والقواصم 3/10.
(4) توضيح الأفكار 2/38، وانظر علوم الحديث لصبحي الصالح 188.
(5) الإصابة 1/287، تقريب التهذيب 2/105.
(1/49)

قال ابن سعد: غطيف بن الحارث في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام(1).
وقال العجلي: غطيف بن الحارث شامي تابعي ثقة(2).
وقال المزي: مختلف في صحبته(3).
وذكره العلائي في (جامع التحصيل) وقال: مختلف في صحبته(4).
الرابعة ـ أن فيه معاوية بن صالح الحمصي. قال الذهبي: قال أبو حاتم: لا يحتج به، وكذلك لم يخرج له البخاري، وليَّنه ابن معين(5).
قال فيه ابن أبي حاتم: كان يحيى بن سعيد لا يرضاه. وقال: ما كنا نأخذ عنه ولا حرفاً. وقال ابن معين: ليس برضى(6).
وقال أبو إسحاق الفزاري: ما كان بأهل أن يروى عنه(7).
وقال ابن معين: كان عبد الرحمن إذا حدث بحديث معاوية بن صالح زجره يحيى بن سعيد(8).
وذكره ابن عدي(9) والعقيلي في الضعفاء. وروى العقيلي عن موسى بن سلمة قال: أتيت معاوية بن صالح لأكتب عنه، فرأيت أدوات الملاهي فلم أكتب عنه(10).
وأما حديث هُلْب الطائي
فرواه أحمد(11)، والترمذي(12)، وابن ماجة(13)، من طريق أبي الأحوص، عن سماك بن حرب، عن قبيصة بن هلب، عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤمنا، فيأخذ شماله بيمينه.
__________
(1) سير أعلام النبلاء 3/455.
(2) تاريخ الثقات 381.
(3) تهذيب الكمال 5/112.
(4) جامع التحصيل 1/251.
(5) ميزان الاعتدال 4/135.
(6) الجرح والتعديل 8/383.
(7) الضعفا الكبير 4/183. تهذيب التهذيب 10/190.
(8) ميزان الاعتدال 4/135.
(9) الكامل في الضعفاء 6/6300.
(10) الضعفاء الكبير 4/183.
(11) مسند أحمد 5/226 و227.
(12) صحيح الترمذي 2/32 رقم (252).
(13) سنن ابن ماجة 1/266.
(1/50)

ورواه ابن أبي شيبة(1)، ومن طريقه أحمد(2)، ورواه الدار قطني(3)، والبيهقي(4)، كلهم من طريق وكيع عن سفيان عن سماك بن حرب، عن قبيصة بن هلب الطائي، عن أبيه، قال رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم واضعاً يمينه على شماله في الصلاة.
ورواه أحمد(5) من طريق يحيى بن سعيد، عن سفيان ، عن سماك به، بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع هذه على صدره، وصف يحيى اليمني على اليسرى فوق المفْصِل.
وقد غلط بعضهم فرواه من طريق سماك عن تميم بن طرفة كما في (الإصابة)(6)، قال إبن أبي حاتم في (العلل)(7) : سألت أبي عنه فقال إنما هو سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه.
تقييم الحديث
هذا الحديث معلول بعلل شتى تمنع صحة الاحتجاج به.
الأولى ـ أن في صحبة هلب نظر، لأن من زعم أنه من الصحابة لم يستند في إثبات ذلك إلا إلى هذه الرواية وروايتين أخريين كلها من طريق سماك عن قبيصة، وسماك ضعيف، وقبيصة مجهول. ثم أنهم اختلفوا في اسمه فقيل اسمه هلب، وقيل: يزيد، وهلب لقب. وهذا ما جعل الصغاني يدرجه فيمن في صحبته نظر(8). فكيف يتسنى له أن يقول رأيت النبي .. الخ.
الثانية ـ أضطرب في نقله، ففي بعضها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤمُّهم، وفي بعضها لم يذكر ذلك، واكتفى بأن قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي بعضها حدَّد مكان الوضع بأنه على الصدر. وهذا الاضطراب في اللفظ يؤدَّي إلى الاختلاف في المعنى.
وقد أنكر المباركفوري ما ورد في رواية أحمد من زيادة تحدد مكان الوضع وأطال في الاحتجاج على ردِّها(9).
__________
(1) المصنف 1/341 رقم (3934).
(2) مسند أحمد 5/226 من طريق ابن أبي شيبة.
(3) سنن الدار قطني 1/285.
(4) سنن البيهقي 2/29.
(5) مسند أحمد 5/ 226.
(6) الاصابة 2/517.
(7) علل ابن أبي حاتم 1/142.
(8) أنظر: جامع التحصيل 1/294 . التحصيل 1/333.
(9) راجع تحفة الأحوذي 2/92 ـ 95.
(1/51)

الثالثة ـ تفرد به سماك عن قبيصة، وقد قال النسائي: إذا تفرد سماك بأصل لم يكن بحجة لأنه كان يلقن فيتلقن(1). وقال أحمد: مضطرب(2).
وقال ابن أبي مريم: كان شعبة بن الحجاج يضعفه(3).
وقال ابن المبارك: ضعيف في الحديث، وروي عن سفيان الثوري أنه كان يضعفه(4)
وقال صالح جزرة: يضعف(5). وقال ابن خراش: في حديثه لين(6).
وقال الدار قطني: سيئ الحفظ(7).
وذكره ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين، وقال: كان شعبة وسفيان يضعفانه(8).
الرابعة ـ فيه قبيصة بن هلب، وهو مجهول، قال ابن المديني والنسائي: مجهول لم يرو عنه غير سماك(9). ومثله قال الذهبي(10)، والشوكاني(11).
وقد حاول أبو الطيب الأبادي وغيره تصحيح هذا الحديث، وبرَّرَ ما قيل في اضطراب سماك وضعَّفه، بأنه خاص بروايته عن عكرمة، وليس الأمر كذلك كما ترى، فإنهم إنما ذكروا أنه أشد اضطراباً في روايته عن عكرمة.
وبرر جهالة قبيصة بأن حديث مجهول العين مقبول إذا وثَّقه غير المنفرد عنه.. قال: وقد عرفت أن أحمد العجلي وابن حبان من أئمة الجرح والتعديل وثقاه فكيف يكون مجهولاً(12)؟
أقول: أما العجلي فمعروف بأن منهجه ذكر كل التابعين في كتابه (الثقات)، حتى أنه ذكر فيه عمر بن سعد قاتل الحسين عليه السلام. وأما ابن حبان فمعروف بتوثيق المجاهيل.
__________
(1) ميزان الاعتدال 2/233، تهذيب التهذيب 4/204.
(2) الجرح والتعديل 4/279.
(3) تاريخ بغداد 9/215.
(4) تهذيب الكمال 12/120. المغني في الضعفاء 1/285.
(5) تاريخ بغداد 9/216.
(6) تاريخ بغداد 9/216.
(7) هامش تهذيب الكمال عن العلل.
(8) الضعفاء والمتروكين 2/26.
(9) الخلاصة 315، تهذيب التهذيب 8/314.
(10) ميزان الاعتدال 3/384.
(11) نيل الأوطار 2/200.
(12) عون المعبود 2/461.
(1/52)

قال ابن حجر: ((هذا الذي ذهب إليه ابن حبان ـ من أن الرَّجلَ إذا انتفت جهالة عينه، كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه ـ مذهب عجيب، والجمهور على خلافه، وهذا هو مسلك ابن حبان في كتابه الثقات ))(1)، لذلك يعتبر بعض المحدثين انفراد ابن حبان بالتوثيق، جرح. وعلى هذا فتوثيق العجلي وابن حبان لا يخلص قبيصة من الجهالة.
وأما حديث وائل بن حجر
فهو أشهر أحاديث الضم وأكثرها طرقاً، وهو الذي عول عليه كثير من القائلين بالضم، ولكنه في نفس الوقت أكثر أحاديث الباب اضطراباً واختلافاً في أسانيده ومتونه، وقد حاولت أن أعرضه هنا بما أمكنني من أسانيده ومتونه ليكون المطلع أمام حقائق يمكنه التأمل فيها .
(1) ـ ما روي من طريق علقمة ومولى لهم.
ـ روي من طريق محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل: أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبَّر (وصف همام حيال أذنيه)، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. رواه مسلم(2)، وأحمد(3)، وأبو عوانة(4)، والبيهقي(5)، والطبراني(6).
ـ ومن طريق محمد بن جحادة، عن عبد الجبار، عن أبيه، بلفظ: أن النبي كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه وكبَّر ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. رواه الطبراني(7).
ـ ومن طريق موسى بن عمير العنبري وقيس بن سليم (قالا): حدثنا علقمة بن وائل، عن أبيه، بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله. رواه النسائي(8)، والدار قطني(9).
__________
(1) لسان الميزان 1/14.
(2) صحيح مسلم 1/301 (401).
(3) مسند أحمد 4/317 ـ 318.
(4) مسند أبي عوانة 2/97.
(5) السنن الكبرى 2/28.
(6) المعجم الكبير 22/27 (60).
(7) المعجم الكبير 22/27 (60).
(8) السنن الكبرى للنسائي 1/309 (961).
(9) سنن الدار قطني 1/286.
(1/53)

ـ ومن طريق موسى بن عمير (بمفرده) عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضعاً يمينه على شماله في الصلاة. رواه أحمد(1) والدار قطني(2).
وبلفظ: كان إذا قام في الصلاة قبض على شماله بيمينه، رواه الطبراني(3)، والبيهقي(4)، وابن المنذر(5).
ـ ومن طريق حجر أبي العنبس، عن علقمة، عن وائل بن حجر، بلفظ: وضع يده اليمنى على يده اليسرى. رواه أحمد(6).
(2) ـ ما روي من طريق أم عبد الجبار
ـ وروي من طريق محمد بن حجر، حدثنا سعيد بن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيه، عن أمه، عن وائل، بلفظ: حضرت صلاة رسول الله إذا (أو حين) نهض إلى المسجد فدخل المحراب ثم رفع يديه بالتكبير، ثم وضع يمينه على يساره على صدره. رواه البيهقي(7).
ـ ومن طريق المسعودي، عن عبد الجبار بن وائل، عن أهل بيته، عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ووضع اليمنى على اليسرى ويحبس كفيه. رواه أحمد(8) والطبراني(9).
(3) ما روي من طريق عبد الجبار
ـ وروي من طريق أبي إسحاق عن عبد الجبار بن وائل عن وائل:
* بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة قريباً من الرسغ. رواه الطبراني(10).
* وبلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل في الصلاة فكبر ثم وضع ساعده اليمنى على ساعده اليسرى. رواه الطبراني(11).
__________
(1) مسند أحمد 7/316.
(2) سنن الدار قطني 1/286.
(3) المعجم الكبير 22/9 (1).
(4) السنن الكبرى 2/28.
(5) الأوسط 3/90 رقم (1282)، ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل الصلاة يأخذ شماله بيمينه.
(6) مسند أحمد 4/317.
(7) السنن الكبرى 2/30.
(8) مسند أحمد 4/316.
(9) المعجم الكبير 22/32 ـ 33 (76). إلا أن فيه: عن ناس من أهله، بدل: أهل بيته.
(10) المعجم الكبير 22/25 (52).
(11) المعجم الكبير 22/25 (50).
(1/54)

* وبلفظ: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيته وضع اليمنى على الأخرى. رواه الطبراني(1).
* وبلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة قريباً من الرسغ. رواه أحمد(2) والطبراني(3).
* وبلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتمد بإحدى يديه على الأخرى في الصلاة. رواه الطبراني(4).
* وبلفظ: يضع يده اليمنى في الصلاة على اليسرى. رواه أحمد(5).
(4) ـ ما روي من طريق كليب بن شهاب
ـ ومن طريق عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، بلفظ: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف يصلي فنظرت إليه فقام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد. رواه أحمد(6)، والدارمي(7)، والنسائي(8)، وابن خزيمة(9)، وابن الجارود(10)، والبيهقي(11)، والطبراني(12).
* وبلفظ: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى. رواه أحمد(13)، والطبراني(14).
* وبلفظ: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فأخذ شماله بيمينه. رواه ابن ماجة(15).
__________
(1) المعجم الكبير 22/25 (51).
(2) مسند أحمد 4/318.
(3) المعجم الكبير 22/25 (52).
(4) المعجم الكبير 22/25 (53).
(5) مسند أحمد 4/318.
(6) مسند أحمد 4/318.
(7) سنن الدارمي 1/314. وليس فيها: والرسغ والساعد.
(8) سنن النسائي 2/126. وليس فيها لفظ: ظهر.
(9) صحيح ابن خزيمة 1/243، رقم (480).
(10) المنتقى 62 رقم (208). وفيه: ثم وضع كفه اليمنى..
(11) السنن الكبرى 2/28. وفيها: الرسغ من الساعد..
(12) المعجم الكبير 22/ 35 (82). وفيه: بين الرسغ والساعد.
(13) مسند أحمد 4/319. وفيه: ووضع يده اليمنى على اليسرى..
(14) المعجم الكبير 22/33 (78).
(15) سنن ابن ماجة 1/266 (810).
(1/55)

* وبلفظ: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. وفيه: ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره. رواه ابن خزيمة(1). وهذه هي الرواية التي وقع كلام كثير حولها.
* وبلفظ: أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع يمينه على شماله، ثم وضعها على صدره. رواه البيهقي(2).
* وبلفظ: ثم أخذ شماله بيمينه. رواه عبد الله بن أبي شيبة(3)، وابن خزيمة(4)، وأحمد ابن حنبل(5)، والطبراني(6).
* وبلفظ: ثم ضرب يمينه على شماله فأمسكها. رواه ابن خزيمة(7).
* وبلفظ: رأيته ممسكاً يبمينه على شماله في الصلاة. رواه أحمد(8).
* وبلفظ: ثم قَبَض باليمنى على اليسرى. رواه الطبراني(9).
وذكر الشيخ قاسم قطلوبغا في تخريج أحاديث (الاختيار) عن ابن أبي شيبة أنه رواه عن وكيع، عن موسى بن عمير، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه، بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضع يمينه على شماله في الصلاة تحت السرة(10).
تقييم الحديث
__________
(1) صحيح ابن خزيمة 1/242 (479). وهذه الرواية ضعفها الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة.
(2) السنن الكبرى 2/30. هذه الرواية ضعفها الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/449 (449)، وحكى أيضاً أن العلامة عبد الله الغماري ضعفها.
(3) مصنف ابن أبي شيبة 1/342 (3935).
(4) صحيح ابن خزيمة 1/242 (477).
(5) مسند أحمد 4/316.
(6) المعجم الكبير 22/ 33 (79).
(7) صحيح ابن خزيمة 1/243 (478). وروى نحوه الطبراني في الكبير 22/38 (91)، إلا أنه لم يقل: فأمسكها. وزاد في الصلاة.
(8) مسند أحمد 4/318.
(9) المعجم الكبير 22/38 (90).
(10) انظر فتح الغفور 35 ـ 37، وعون المعبود 2/456، وقد طولا في تضعيف زيادة: تحت السرة.
(1/56)

هذا الحديث صححه بعض القائلين بأن الضم فوق السرة بناء منهم على أن ابن خزيمة صححه. وليس الأمر كذلك كما عرفت. وتساهل بعض المتأخرين منهم فصححوه، رغم معرفتهم بعدم تصحيح ابن خزيمة له، وتغاضوا عما قيل في رواية علقمة وعبد الجبار عن أبيهما، وذلك شأن الانتصار للمذهب والتعصب للرأي والأسلاف.
وقد تتبعت حديث وائل، فوجدت فيه من العلل ما يسقطه عن الاعتبار ويمنع من الاحتجاج به، ومن ذلك:
العلة الأولى ـ أن فيه اضطراباً في سنده، ففي بعض الروايات: علقمة عن أبيه.
وفي بعضها: عبد الجبار بن وائل، عن أمه، عن وائل.
وفي بعضها: عبد الجبار، عن أبيه.
وفيه بعضها: عبد الجبار، عن أناس من أهل بيته، عن أبيه.
وفي بعضها: علقمة، ومولى لهم، عن وائل.
وفي بعضها: أهل بيت عبد الجبار، عن أبيه وائل.
العلة الثانية ـ أن في هذا الحديث اضطراباً في متنه، واختلاف شديد ينعكس على فهم المعنى المراد من الحديث، ومن ذلك:
* أنه اختلف بالنسبة لذكر الوضع من عدمه، فقد رواه بعضهم وليس فيه ذكر الوضع أصلاً، وذلك في رواية الحميدي(1)، والطبراني(2).
* واختلف لفظه بالنسبة إلى موضع الوضع.
ففي رواية البزار: عند الصدر(3). وفي رواية ابن خزيمة: على الصدر. وفي رواية نسبت إلى ابن أبي شيبة: تحت السرة.
* واختلف لفظه في كيفية تشبيك اليدين.
ففي رواية أنه كان: يقبض. وفي رواية: يضع. وفي رواية: يمسك. وفي رواية: يضرب. وفي رواية: يحبس. وفي رواية: يأخذ.
* واختلف في موقع الكف على الكف.
ففي رواية: يده على يده. وفي رواية: اليمنى على اليسرى. وفي رواية: قريباً من الرسغ. وفي رواية: ساعده اليمنى على ساعده اليسرى. وفي رواية: يعتمد بإحدى يديه على الأخرى. وفي رواية: يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد.
__________
(1) مسند الحميدي 2/392 (885).
(2) المعجم الكبير 22/34 (81) و36 (85).
(3) ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري 2/178.
(1/57)

وهذا الاختلاف في السَّند والمتن اضطراب واضح في الحديث، وقد حاول بعضهم دفع هذا الاضطراب فقال المباركفوري(1): قال بعض الحنفية: حديث وائل فيه اضطراب، فأخرج ابن خزيمة في هذا الحديث: على صدره، والبزار: عند صدره، وابن أبي شيبة: تحت السرة.
قلت ـ والقائل المباركفوري ـ: ((قد تقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب، بل من شرطه استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجح أحد الأقوال قُدِّم (ولا يعل الصحيح) بالمرجوح، ومع الاستواء يتعذر الجمع على قواعد المحدثين. وهاهنا وجوه الاختلاف ليست بمستوية، فإن في ثبوت لفظ (تحت السرة) في رواية ابن أبي شيبة نظراً قوياً كما تقدم بيانه. وأما رواية ابن خزيمة بلفظ: على صدره، ورواية البزار بلفظ: عند صدره، فالأولى راجحة فتقدم على الأخرى. ووجه الرجحان أن لها شاهداً حسناً من حديث هلب، وأيضاً يشهد لها مرسل طاووس بخلاف الأخرى، فليس لها شاهد )).
أقول: لو سلم عدم ثبوت لفظ (تحت السرة)، فإن ترجيح لفظ: (على الصدر) على لفظ: (عند الصدر) بمرجح خارجي، وهو ما في حديث هلب وطاووس؛ غير دقيق ولا مخلص من الاضطراب؛ لأن هذا المرجح لا يصير الرواية غير مضطربة وإن صيرها راجحة، فلا بد من أن يكون المرجح لأحد لفظي الرواية من نفس الرواية لا من خارجها.
وقوله المقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب؛ صحيح، غير أن المراد الاختلاف بين روايتين لا في رواية واحدة، فهو اضطراب بلا شك.
قال: ولو سلم أنهما متساويتان فالجمع بينهما ليس بمتعذر.. ثم نقل عن بعض الشافعية أن الشافعي قد أخذ بهذه الأحاديث، لكن قال بوضع اليد على الصدر بحيث تكون آخر اليد تحت الصدر جمعاً بين هذه الأحاديث وبين ما في بعض الروايات: عند الصدر.
__________
(1) تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 2/83.
(1/58)

أقول: وهذا غير مخلص من الاضطراب في الرواية أيضاً، لأن الجمع يكون بين روايتين مختلفتين، لا بين اضطراب للفظ في رواية واحدة ذات أصل واحد.
قال: وقد جمع بعض أهل العلم بينهما بالحمل على صلاتين مختلفتين، ونظير هذا الاختلاف اختلاف رفع اليدين حذو المنكبين وحذو الأذنين في الصلاة.
أقول: هذه مجرد دعوى، فالرواية واحدة، والرواة متحدون، وإذا جاز الحمل على صلاتين مختلفتين، جاز حمل روايات الضم على أنها في النافلة عند التعب، وأن الإرسال في الفريضة هو المشروع، ونحو ذلك، وهم لا يقبلونه.
العلة الثالثة ـ أن في سنده انقطاعاً؛ لأن جميع رواياته إما من طريق علقمة أو عبد الجبار ابني وائل، وقد اختلف في صحة سماعهما من أبيهما. وإما من طريق كليب بن شهاب، أو أناس من أهل بيت عبد الجبار وهم مجاهيل لا يعرفون، ولعل هذا ما جعل البخاري يتجنب ذكر هذه الرواية في صحيحه.
* أما علقمة بن وائل، فأحاديثه عن أبيه مرسلة.
قال ابن معين: لم يسمع من أبيه شيئاً(1).
وحكى العسكري عن ابن معين أنه قال: علقمة بن وائل، عن أبيه مرسل(2).
ونص أبو بكر البزار على أن القائل: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي. هو علقمة بن وائل، لا أخوه عبد الجبار(3).
وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل الكوفة(4).
قال ابن حجر: لم يسمع من أبيه(5).
وكذبه ورد روايته، عن أبيه إبراهيم النخعي، وذلك في الحديث الذي رواه عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا افتتح الصلاة كبر.. إلخ(6).
* وأما عبد الجبار بن وائل، فقال الآجري: قلت لأبي داود سمع من أبيه، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: مات أبوه وهو حمل.
__________
(1) جامع التحصيل في أحكام المراسيل ترجمة رقم (536). ميزان الاعتدال 5/134. المغني في الضعفاء 2/442.
(2) تهذيب التهذيب 7/248.
(3) تهذيب التهذيب 6/95.
(4) طبقات ابن سعد 6/312.
(5) تقريب التهذيب 2/31.
(6) المغني على الدار قطني 1/291، سنن الدار قطني 1/391.
(1/59)

وقال الدوري، عن ابن معين: لم يسمع من أبيه شيئاً(1).
وقال البخاري: قال محمد بن حجر: ولد بعد موت أبيه بستة أشهر(2).
وقال أبو حاتم: روى عن أبيه مرسل، ولم يسمع منه(3).
وقال ابن حبان: من زعم أنه سمع أباه فقد وهم؛ لأن أباه مات وأمه حامل به، ووضعته بعد موت وائل بستة أشهر(4).
وقال ابن المديني، وابن جرير الطبري، ويعقوب بن سفيان، ويعقوب بن شيبة، والدار قطني، والحاكم: لم يسمع من أبيه ولم يدركه(5).
وقال ابن الأثير: مات أبوه وأمه حامل به، فكل ما يرويه عن أبيه فهو منقطع(6).
وقال السمعاني: من زعم أنه سمع أباه فقد وهم؛ لأن وائل بن حجر مات وأمه حامل به، ووضعته بعد ستة أشهر(7).
وقال ابن منجويه: ولد بعد موت أبيه بستة أشهر(8).
وقال ابن حجر: ثقة لكنه أرسل عن أبيه(9).
وقال ابن سعد: يتكلمون في روايته عن أبيه ويقولون:لم يلقه(10).
وقال القرطبي: لم يسمع عبد الجبار من أبيه(11).
أما المزِّي(12) فقد أنكر ذلك، وقال: قد صح أنه قال: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي، ولو مات أبوه وهو حمل لم يقل هذا القول.
قال ابن حجر مجيباً عليه: نص أبو بكر البزار على أن القائل كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي هو علقمة بن وائل لا أخوه عبد الجبار.
وقال الترمذي: سمعت محمداً ـ يعني البخاري ـ يقول: عبد الجبار لم يسمع من أبيه ولا أدركه(13).
* وأما كليب بن شهاب المجنون، فقال النسائي: لا نعلم أحداً روى عنه إلاَّ ولده عاصم وإبراهيم بن المهاجر، وإبراهيم ليس بالقوي في الحديث.
__________
(1) تهذيب الكمال 16/394.
(2) التاريخ الكبير 6/106.
(3) الجرح والتعديل 6/30.
(4) الثقات 7/135.
(5) وحاشية سير أعلام النبلاء 2/573.
(6) الكامل في التاريخ 4/214.
(7) الأنساب 5/105.
(8) رجال صحيح مسلم 2/446 (1001).
(9) تقريب التهذيب 1/466.
(10) طبقات ابن سعد 6/312.
(11) الاستيعاب 3/606 المطبوع مع الإصابة.
(12) تهذيب الكمال 16/395.
(13) تهذيب التهذيب 6/95.
(1/60)

وقال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: عاصم بن كليب، عن أبيه، عن جده، ليس بشيء، الناس يغلطون يقولون: كليب عن أبيه، ليس هو ذاك(1).
وليس كليب من الصحابة كما زعم بعضهم، قال ابن حجر: وقد بينت في (الإصابة) سبب زعمهم في ذلك(2).
* وأما مولى آل أبي وائل، وأهل بيت وائل، وأهل بيت عبد الجبار، فمجاهيل لا تعرف أسماؤهم ولا أحوالهم، فلا عبرة بشيء من رواياتهم.
* أما وائل بن حجر، فهو الذي تورط في دم (حجر بن عدي) رضي الله عنه، وذلك حين شهد عليه شهادة أوجبت سفك دمه عند السلطة الأموية، وهو الذي أخرج حجراً وأصحابه من الكوفة إلى الشام، ليقدمهم للأعدام بدون أي حق.
إن وائلاً الذي كان لا يألو جهداً في نصرة المذهب الأموي وتمكينة، وكان جندياً أميناً للسلطة الأموية، حطم شرف صحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد ذُكر أن وائل كان مع علي يوم صفين لا لينصره، ولكن ليكتب بأسراره إلى معاوية بن أبي سفيان، ولما قدم معاوية الكوفة أتى وائل إليه، وبايعه على السمع والطاعة، ولكي تعرف من هو وائل انظر مصادر ترجمته(3).
قال الإمام القاسم بن إبراهيم في تعليقه على حديث التأمين: والحديث الذي جاء فيها إنما هو عن وائل بن حجر، ووائل الذي فعل ما فعل(4).
وبهذا يتبين أن حديث وائل هذا الذي هو أشهر أحاديث الضم هو من أهزلها.
أما حديث ابن مسعود
فرواه الدار قطني(5)، من طريق إسماعيل بن أبان الوراق، حدثنا مندل، عن ابن أبي ليلى، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذ شماله بيمينه في الصلاة.
تقييم الحديث
__________
(1) تهذيب الكمال 24/212.
(2) تهذيب التهذيب 8/400.
(3) انظر تاريخ الطبري 4/186 ـ 213، تاريخ ابن الأثير 3/239 ـ 240، سير أعلام النبلاء 2/572، الجداول ـ خ ـ.
(4) الجامع الكافي 1/ مسألة في التأمين.
(5) سنن الدار قطني 1/283.
(1/61)

إسناده ضعيف، فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد تقدم الكلام فيه.
* وفيه مندل بن علي العَنَزِيّ، قال ابن أبي حاتم: قال أحمد: ضعيف الحديث(1). وكذبه شريك في بعض أحاديثه(2).
وسئل الدار قطني عن مندل وأخيه فقال: متروكان(3).
وقال ابن حبان: كان ممن يرفع المراسيل ويسند الموقوفات ويخالف الثقات في الروايات من سوء حفظه، فاستحق الترك(4).
وقال أبو زرعة: لين(5).
وعن ابن معين: مندل وحبان فيهما ضعف(6).
وقال يعقوب: أصحابنا يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهما من نظائرهما يضعفونه(7).
وقال الجوزجاني: مندل وحبان واهيا الحديث(8). وفي (تاريخ بغداد): ذاهبا الحديث(9). وقال الساجي: ليس بثقة، روى مناكير(10).
وضعفه النسائي وابن قانع وابن حجر(11). وقال الطحاوي: ليس من أهل التثبت في الرواية بشيء، ولا يحتج به(12).
وأما مرسل طاووس
فرواه أبو داود(13)، قال: حدثنا أبو توبة، حدثنا الهيثم ـ يعني ابن حميد ـ، عن ثور، عن سليمان بن موسى، عن طاووس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة.
تقييم الحديث
حاول بعض القائلين بأن الضم فوق السرة التشبث بهذا الحديث، فذكر إنه أصح ما روي في ذلك، ولكنه إلى جانب كونه مرسلاً لا يحتج به، قد تضمن إسناده مجموعة من المجروحين.
__________
(1) العلل ومعرفة الرجال 1/135.
(2) التاريخ الصغير للبخاري 2/151.
(3) هامش تهذيب الكمال عن سؤلات البرقاني.
(4) المجروحين 3/25.
(5) الجرح والتعديل 8/434.
(6) تاريخ يحيى بن معين 2/36 رقم (3057).
(7) تاريخ بغداد 13/ 250.
(8) أحوال الرجال 70 (82)
(9) تاريخ بغداد 13/ 250.
(10) تهذيب التهذيب 10/266.
(11) تهذيب التهذيب 10/266، تقريب التهذيب 2/280.
(12) نصب الراية 11/318.
(13) سنن أبي داود 1/198 رقم (759).
(1/62)

* ففيه: سليمان بن موسى الدمشقي الأموي، ذكره البخاري في الضعفاء وقال: عنده مناكير(1). وقال في التاريخ الصغير: عنده أحاديث عجائب(2).
قال أبو أحمد الحاكم: في حديثه بعض المناكير(3).
وذكره العقيلي في الضعفاء، وروي عن ابن المديني أنه قال: سليمان بن موسى مطعون عليه(4).
وروى الترمذي في العلل الكبير عن البخاري أنه قال: منكر الحديث، أنا لا أروي عنه شيئاً، روى سليمان بن موسى أحاديث عامتها مناكير(5).
وذكره النسائي في (الضعفاء)، وقال أحد الفقهاء، وليس بالقوي في الحديث(6).
وذكره ابن عدي في الضعفاء(7).
* وفيه: الهيثم بن حميد، قال ابن خيثمة: لم يكن في الأثبات ولا من أهل الحفظ(8).
وعن أبي مسهر قال: حدثنا الهيثم بن حميد، وكان صاحب كتب، ولم يكن من الأثبات، ولا من أهل الحفظ، وقد كنت أمسكت الحديث عنه، استضعفته( ).
* وفيه: ثور بن يزيد الكلاعي الحمصي.
قال ابن سعد: ((كان قدرياً، وكان جده قتل يوم صفين مع معاوية، فكان ثور إذا ذكر علي قال: لا أحب رجلاً قتل جدي ))( )!! فأين يذهب ثور من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق )).
وقال أبو مسهر: كان الأوزاعي يتكلم فيه ويهجوه، وقدم المدينة فنهى مالك عن مجالسته( ).
وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: كان ابن أبي داود يقول: اتقوا ثوراً لا ينطحنكم بقرنه( ).
وذكره ابن عدي في الضعفاء( ).
وقال أبو مسلم الفزاري: كان الأوزاعي سيء الراي في ثور( ).
وقال الذهبي: يحكى عن ابن أبي داود أنه كان إذا أتاه من يريد الشام قال: إن بها ثوراً فاحذروه( ).
وقال دحيم: ما رأيت أحداً يشك أنه قدري، ثم قال: وكان يرمى بالنصب أيضاً.
__________
(1) الضعفاء الصغير 110.
(2) التاريخ الصغير 1/340.
(3) تهذيب تاريخ ابن عساكر 6/287.
(4) الضعفاء الكبير 2/140.
(5) تهذيب الكمال 12/97.
(6) الضعاء والمتروكين 122.
(7) الكامل في الضعفاء 3/1119.
(8) تهذيب التهذيب 11/82.
(1/63)

وقال يحيى بن معين: كان يجالس قوماً ينالون من علي( ).
الرواية الثالثة:
أن النبي صحح وضع اليدين على الصدر
تذكر بعض الروايات أن رجلاً كان يصلي واضعاً يسراه على يمناه، فأصلح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بجعل اليمنى على اليسرى. وهذه مروية عن ابن مسعود، أوجابر بن عبد الله.. إضطرب فيها الرواة.
أما حديث ابن مسعود
فرواه النسائي( )، ومن طريقه الدار قطني( )، أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا هشيم، عن الحجاج بن أبي زينب قال: سمعت أبا عثمان يحدث عن ابن مسعود قال: رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضعت شمالي على يميني في الصلاة فأخذ بيميني فوضعها على شمالي.
قال أبو عبد الرحمن النسائي: غير هشيم أرسل الحديث.
ورواه ابن ماجة( )، حدثنا أبو إسحاق الهروي إبراهيم بن عبد الله بن حاتم، أنبأنا هشيم، أنبأنا الحجاج بن أبي زينب السلمي، عن أبي عثمان النهدي، عن عبد الله بن مسعود، قال: مرَّبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا واضع يدي اليسرى على اليمنى، فأخذ بيدي اليمنى فوضعها على اليسرى.
ورواه أبو داود( ) ومن طريقه البيهقي( ) حدثنا محمد بن بكار الريان، عن هشيم بن بشير، عن الحجاج بن أبي زينب، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى.
ورواه العقيلي( ) عن جده وعلي بن عبد العزيز قالا: حدثنا حجاج بن المنهال، حدثنا هشيم، عن حجاج بن أبي زينب، حدثنا أبو عثمان، عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زار رجلاً وهو يصلي واضعاً يده اليسرى على اليمنى، قال: فنزع اليسرى عن اليمنى، ووضع اليمنى على اليسرى.
تقييم الحديث
زعم النووي أن هذا حديث صحيح، فقال: إسناده صحيح على شرط مسلم( ).
(1/64)

فقوله: صحيح. دعوى، وقوله: على شرط مسلم. غير صحيح، فإن مسلماً لم يرو لحجاج هذا إلا حديثاً واحداً في الخَلّ، ولم يروه عنه إلا بعد عدة روايات من طرق أخرى( )، وهذا مما يؤكد أن حجاجاً ليس ممن يصحح مسلم حديثه عند انفراده.. ولو قال النووي: رجاله رجال الصحيح، لكان أدق.
هذا وقد انتقد النوويَ غيرُ واحد من الحفاظ، مؤكدين على أنه حديث ضعيف لا يصح الاعتماد عليه( ).
ثم إن فيه عللاً تمنع الاعتماد عليه:
الأولى ـ أن في ألفاظه اختلافاً، ففي بعضها أن الذي كان يضع يده على يده هو ابن مسعود، وفي آخر أن الواضع غير ابن مسعود، وإنما هو رجل آخر. وهذا اضطراب بيّن في لفظ الحديث، وقد أشار إليه ابن عدي( ).
الثانية ـ أن طرق الحديث تجتمع عند حجاج، وقد تكلم في حجاج هذا غير واحد، فقال الحسن بن شجاع البلخي: سألت ابن المديني عن الحجاج بن أبي زينب، فقال: شيخ من أهل واسط ضعيف( ).
وذكره النسائي في (الضعفاء والمتروكين)، وقال: ليس بالقوي( ).
وقال الدار قطني: ليس بقوي ولا حافظ( ).
وقال أحمد بن حنبل: أخشى أن يكون ضعيف الحديث( ).
وذكره العقيلي( )، وابن عدي( )، في الضعفاء، وقال الذهبي: لين( ).
الثالثة ـ أن فيه اضطراباً، فقد رواه الدار قطني من طريق الحجاج، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود، ورواه عن الحجاج، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله، وسيأتي الكلام عليه.
ورواه ابن عدي( ) في الكامل عن أبي عثمان عن النبي مرسلاً، وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ برجل وهو قائم يصلي.. إلخ.
الرابعة ـ أن هشيماً ممن اشتهر بالتدليس، فقد ذكر ذلك عنه ابن المبارك وابن القطان والجوزجاني والنسائي وابن العجمي وابن حجر( )، وقد جاء الحديث في بعض رواياته معنعناً.
الخامسة ـ أن من الحفاظ من ضعفه، ولعله ضعفه لعلة لم نعرفها، فقد رواه العقيلي في الضعفاء من طريق حجاج وقال: لا يتابع عليه( ).
(1/65)

وقال الزيلعي وأبو الطيب الأبادي: في سنده حجاج بن أبي زينب، فيه لين( ).
وأما حديث جابر بن عبد الله الأنصاري
فرواه الدار قطني( ) من طريق محمد بن الحسن الواسطي، عن الحجاج بن أبي زينب، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل وضع شماله على يمينه ـ مثله ـ . أي مثل حديث بن مسعود.
تقييم الحديث
من أقرب الاحتمالات أنه اشتبه على حجاج ـ رواي هذا الحديث ـ لفظ: أبي سفيان بأبي عثمان، خصوصاً مع تقارب اللفظين، وسوء حفظ الرجل، ولما كان أبو سفيان معروفاً بالرواية عن جابر رواه عنه، ولما كان أبو عثمان معروفاً بالرواية عن ابن مسعود رواه عنه. وقد تحدثنا عن هذا الاضطراب في حديث ابن مسعود السابق.
* وفيه حجاج بن أبي زينب وهو ضعيف، وقد تقدم الكلام فيه.
* وفيه أيضاً: محمد بن الحسن الواسطي المزني، ذكره ابن حبان في (المجروحين)، وقال: يرفع الموقوف، ويسند المراسيل( ).
* وفيه أبو سفيان، هو طلحة بن نافع القرشي مولاهم، أبو سفيان الواسطي، قال يحيى بن معين: لا شيء( ).
وقال ابن المديني: كانوا يضعفونه في حديثه( ).
وذكره العقيلي، وابن عدي( ) في الضعفاء.
وسئل أبو زرعة عنه فقال: أتريدون أن أقول: ثقة؟ الثقة شعبة وسفيان( ).
وقال أبو حاتم: أبو الزبير أحب إليَّ منه( ).
الروايات الموقوفة و ما في حكمها
من الأشياء المتفق عليها عند المحدثين أن الأخبار الموقوفة لا تعتبر أدلة، ولا تصلح للاحتجاج، وقد ورد في هذا الباب روايات موقوفة أو في حكم الموقوفة، أحببت أن أوردها إستكمالا للبحث، وتتميما للفائدة بالوقوف على حقيقتها.
وسأبدأ بذكر الروايات الواردة المختلف في كونها موقوفة أو مرفوعة، وهي ما جاء بصيغة : من السنة كذا.. أو أمرنا بكذا.. أو كان الناس يؤمرون بكذا.. ونحوها( )، فمن ذلك:
ما روي عن سهل بن سعد
(1/66)

روى مالك( )، ومن طريقه أحمد( )، والبخاري( )، وابن حزم( )، وغيرهم من طريق أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد، أنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك. ـ أي يرفعه ـ.
تقييم الخبر
يبدو من اقتصار البخاري على إيراد هذا الحديث أنه أصح ما عرف في بابه، وبرغم ذلك فإن فيه بعض العلل المبرئة للذمة من العمل بمقتضاه.
الأولى ـ هذا الحديث موقوف على سهل بن سعد كما ترى، وقول أبي حازم: لا أراه إلا ينمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ظن منه وتخمين، ولو كان مرفوعاً لما احتاج إلى هذه العبارة.
قال الداني في أطراف (الموطّأ): هذا معلول؛ لأنه ظن من أبي حازم( ).
ويؤكد ذلك أن أحد مشايخ البخاري رواه بلفظ: يُنمى ـ مبني للمجهول ـ وذلك يؤكد كونه مرسلاً. قال ابن حجر: (( قوله: (وقال إسماعيل يُنمَى ذلك ولم يقل ينمي)، الأول بضم أوله وفتح الميم بلفظ المجهول، والثاني وهو المنفي كرواية القعنبي، فعلى الأول الهاء ضمير الشأن، فيكون مرسلاً؛ لأن أبا حازم لم يعين من نماه له، وعلى رواية القعنبي الضمير لسهل شيخه فهو متصل ))( ).
الثانية ـ أن قوله: كان الناس يؤمرون.. يحتمل أن يكون الآمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره؛ لأنه إذا حذف الفاعل احتمل أن يكون الآمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره، أشار إلى ذلك القاسمي في كتابه (قواعد التحديث)( ) وغيره من علماء الحديث.
وهو ما استشعره ابن حزم، فقال عقب ذكر الحديث: هذا راجع في أقل أحواله إلى فعل الصحابة رضي الله عنهم، إن لم يكن مسنداً( ).
(1/67)

وعلى هذا فيحتمل أن يكون الآمر هنا معاوية أو بعض حكام الأمويين؛ لأنه قد أثر عنهم كثير من التشريعات المخالفة لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أن سهل بن سعد أدرك زمن معاوية ويزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك؛ لأنه توفي سنة (91هـ)، وعمره يوم ذاك مائة سنة، وهو آخر الصحابة موتاً في المدينة، والوليد بن عبد الملك تولى سنة (86هـ)( ).
ويؤيد هذا ويزيده وضوحاً أن بعض المتأخرين من الصحابة كانوا يحثون على اتباع الأمراء، والأدلة على ذلك كثيرة( ).
الثالثة ـ أن مدار رواية هذا الحديث على الإمام مالك، وقد اشتهر عنه أنه سئل عن الضم، فقال: لا أعرفه في الفريضة، فلو كان هذا الحديث يقضي بشرعية الضم في الفريضة لما قال ما قال، ولما تركه وعمل بغيره.
وقد أعتبر كثير من العلماء أن من العلل القادحة في صحة الحديث أن يعمل الراوي بغير ما روى.
ما روي عن الإمام علي
روى ابن أبي شيبة( )، وأبو داود( )، والدار قطني( )، والبيهقي( )، وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي، عن زياد بن زيد السوائي، عن أبي جحيفة، عن علي أنه قال: من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة.
تقييم الخبر
يلاحَظ أن معظم الذين رووا هذا الحديث قد ضعفوه، إما جملة أو بأحد رواته، إلا ابن القيم فقد اعتبره رواية صحيحة( ). وسنلمح فيما يلي إلى شيء مما قيل فيه.
قال النووي: ضعيف متفق على تضعيفه، رواه الدار قطني، والبيهقي من رواية أبي شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف بالاتفاق( ).
وقال البيهقي: لا يثبت إسناده( ). وقال: تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو متروك( ).
وقال ابن حجر: وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة، وإسناده ضعيف( ).
وقال ابن عبد البر أنه لا يثبت عن علي( ).
(1/68)

وأعلَّه السندي، فقال عقيب الحديث في سنن أبي داود: قال أبو داود: سمعت أحمد يضعف عبد الرحمن بن إسحاق( ).
وقال المباركفوري بعد تضعيفه: وإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن حديث علي هذا لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: ولكنه مع كثرة المخرجين والأسانيد ضعيف.. وقال: وقد عرفت أن الحديث ضعيف لا يصلح للاستدلال( ).
هذا إضافة إلى أن مدار رواية هذا الحديث على عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ممن قد ضعف. قال أحمد بن حنبل: ليس بشيء، منكر الحديث( ).
وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ضعيف، ليس بشيء. وروي عنه أنه قال: متروك( ).
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به( ).
وذكره البخاري في الضعفاء، وقال: فيه نظر( ).
وقال أبو زرعة: ليس بقوي( ).
وقال أبو بكر بن خزيمة: لا يحتج بحديثه( ).
وقال البزار: ليس حديثه حديث حافظ( ).
وقال ابن عدي: وفي بعض ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه( ).
وقال العقيلي: ضعيف الحديث( ).
وذكره النسائي في الضعفاء وقال: ضعيف( ).
وذكره الدار قطني في الضعفاء والمتروكين( ).
وقال الساجي: كوفي، أصله واسطي، أحاديثه مناكير( ).
* وفيه أيضاً زياد بن زيد السوائي الأعسم، قال أبو حاتم، والخزرجي، والذهبي وابن حجر: مجهول( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: لا يعرف( ).
موقوف آخر عن الإمام علي
روى أبو داود( )، وابن أبي شيبة( )، من طرق أبي طالوت عبد السلام، عن ابن جرير الضبي، عن أبيه، قال: رأيت علياً رضي الله عنه يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة. هذا لفظ أبي داود.
ولفظ ابن أبي شيبة: كان علي إذا قام في الصلاة وضع يمينه على رسغ يساره ولا يزال كذلك حتى يركع، إلا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده.
وحكاه ابن حزم عن علي فقال: كان إذا طول قيامه في الصلاة يمسك بيده اليمنى ذراعه اليسرى، من أصل الكف إلا أن يسوي ثوباً أو يحك جلداً( ).
(1/69)

ويؤيد رواية ابن حزم في أن ذلك عند طول القيام، أن البخاري حكى ذلك عن علي في باب الاستعانة من صحيحه، فقال: ووضع علي رضي الله عنه كفه على رسغه الأيسر. إلا أن يحك جلداً أو يصلح ثوباً( ).
ورغم ذلك ففي هذه الرواية عدة علل تمنع من صحتها والاعتماد عليها:
الأولى ـ أن كثيراً من المحدثين قد ضعفوها.
فقال ابن حجر: لا يعرف إلا من طريق جرير( ).
وقال الشوكاني: في إسناد أبو طالوت عبد السلام( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: في إسناده جرير الضبي( ).
وأعله الأرنؤوط فقال: في سنده غزوان بن جرير، لم يوثقه إلا ابن حبان، على عادته في توثيق المجاهيل( ).
الثانية ـ أن فيه جرير الضبي، قال ابن حجر: قرأت بخط الذهبي في الميزان: لا يعرف( ). ولم يذكر المزي في ترجمته إلا أنه روى عن علي وروى عنه ولده غزوان، ولم يرو إلا هذا الحديث( ).
* وفيه ابن جرير، واسمه: غزوان، ذكر الأرنؤوط: أنه لم يوثقه غير ابن حبان، وكذا أبوه( ). وابن حبان معروف بتوثيق المجاهيل. نص على ذلك غير واحد( ).
الثالثة ـ رواه البخاري معلقاً بدون سند، ولعله لو وجد له إسناداً يعتمد عليه لذكره.
وقد أشار ابن حجر أنه نفس الأثر المروي عن علي من طريق جرير الضبي( ). وهو الظاهر فقد يكون البخاري احتاج إلى الاستشهاد بهذا الأثر، ولكنه لم يجد له طريقاً تصلح لإدخالها في الصحيح، فذكره معلقاً.
الرابعة ـ أنه قد وقع اضطراب في لفظ الرواية، ففي رواية أبي داود: يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة. وفي رواية ابن أبي شيبة: يضع يمينه.. بدل يمسك. وليس فيها فوق السرة. وفيها زيادة: ولا يزال كذلك حتى يركع، إلا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده.
(1/70)

وأما رواية ابن حزم ففيها أنه كان يفعل ذلك إذا طول قيامه.. وليس فيها تحديد موقع الوضع. وكثير ممن يحتج بهذه الرواية في باب الضم لا يذكر أن البخاري رواها في باب الاستعانة في الصلاة؛ لأن شيئاً من ذلك يدل على أن الضَّم إذا سُلِّم صحة شرعيته ليس إلا رخصة في النوافل عند التَّعب.
ما يروي عن أبي هريرة
روى أبو داود( )، والدار قطني( )، من طريق عبد الواحد بن زياد، عن عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، عن سيار أبي الحكم( )، عن أبي وائل شقيق بن سلمة الأسدي، قال: قال أبو هريرة: أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة. هذا لفظ أبي داود.
ولفظ الدار قطني: وضع الكف على الكف في الصلاة من السُّنَّة.
وهذا الخبر يشتمل على عدة علل تمنع الاحتجاج به:
الأولى ـ أنه مختلف في لفظه، ففي رواية أبي داود: أخذ الأكف.. وفيها أن الضم يكون تحت السرة. وفي رواية الدار قطني وضع الكف.. وليس فيها تحديد مكان الوضع. وهذا الاختلاف يؤدي إلى اختلاف المعنى.
الثانية ـ أنه قد ضعفه كل من رواه من المحدثين، فأعله أبو داود والبيهقي بعبد الرحمن بن إسحاق. وقال أبو داود بعد حديث علي الآتي: وروي عن أبي هريرة وليس بالقوي.
وقال المباركفوري: حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار( ).
وقال أبو الطيب الأبادي: لا يصح الاحتجاج به( ).
وقال ابن عبد البر: لا يثبت عنه( ).
الثالثة ـ أن في إسناده ضعفاء. ففيه عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، متروك الحديث متفق على ضعفه، وسيأتي الكلام عليه.
* وفيه شقيق بن سلمة، وهو أبو وائل، كان مع علي يوم النهروان، ثم مال عنه، قال عاصم بن بهدلة: قيل لأبي وائل: أيهما أحب إليك علي أو عثمان؟ قال: كان علي أحب إليَّ من عثمان، ثم صار عثمان أحب إليَّ من علي( ).
وذكر العجلي عن أبي بكر بن عياش أنه قال: كان أبو وائل علوياً، ثم صار عثمانياً( ).
ما يروي عن ابن الزبير
(1/71)

أخرجه أبو داود( )، ومن طريقه البيهقي( )، حدثنا نصر بن علي، أخبرنا أبو أحمد، عن العلاء بن صالح، عن زرعة بن عبد الرحمن، قال: سمعت ابن الزبير يقول: صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة.
* فيه علاء بن صالح، قال ابن المديني: روى أحاديث مناكير( ).
وقال البخاري: لا يتابع( ). وقال الذهبي: ثقة يغرب( ).
* وفيه زرعة بن عبد الرحمن، لم يرو له أبو داود إلا هذا الحديث، ولم يوثقه غير ابن حبان( )، على عادته في توثيق المجاهيل.
وقد تقدم عن ابن الزبير القول بالإرسال، فلعل المراد بقوله هنا، الوضع في غير الصلاة.
ما يروي عن عائشة
أخرجه الدار قطني( )، والبيهقي( )، من طريق شجاع بن مخلد الفلاس، حدثنا هشيم، قال منصور: حدثنا عن محمد بن أبان الأنصاري، عن عائشة قالت: ثلاث من النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة( ).
ورغم أن البيهقي قال: هو أصح ما ورد فيه( ). فإن فيه إلى جانب كونه موقوفاً عللاً تمنع من صحته، منها:
الأولى ـ أنه تفرد به محمد بن أبان، وهو مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث.
الثانية ـ أنه منقطع، قال البخاري ـ بعد ذكر الحديث ـ: لا يعرف لمحمد سماعاً (كذا) من عائشة( ).
وقال ابن حبان: من زعم أنه سمع من عائشة فقد وهم( ).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : إلا أن محمد بن إبان لا يعرف سماعه من عائشة، قال ذلك البخاري( ).
وأما منصور، فليس بمنصور بن المعتمر الثقة الحافظ، وإنما هو منصور بن زاذان، ذكر ذلك أبو حاتم( ).
فإذا كان هذا أصح ما روي في الباب على حد قول البيهقي، فكيف يكون حال غيره؟
ما يروي عن أبي بكر
(1/72)

روى ابن أبي شيبة( )، ومن طريقه ابن المنذر( )، عن يحيى بن سعيد، عن ثور ، عن خالد بن معدان، عن أبي زياد مولى آل دراج، قال: ما رأيت فنسيت فإني لم أنس أبا بكر كان إذا قام في الصلاة قال هكذا.. فوضع اليمنى على اليسرى. هذا لفظ ابن أبي شيبة، ولفظ ابن المنذر: قام هكذا.. وأخذ يحيى بن سعيد بكفه اليمنى على ذراعه اليسرى لازقاً بالكوع.
وهذه الرواية ساقطة، فهي إلى جانب كونها موقوفة، فيها ضعيف ومجهول.
* ففيها أبو زياد مولى آل دراج، قال ابن حجر: لا يعرف، وقال الدار قطني متروك ( ).
* وفيه ثور بن يزيد، وقد تقدم الكلام عليه في حديث طاووس.
ما يروي عن أبي الدرداء
روى ابن المنذر( ) من طريق حجاج، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا علي بن أبي العالية، عن مورق العجلي، أن أبا الدرداء قال: (( ثلاث من مناقب الخير: التَّبْكير بالإفطار، والتبليغ بالسحور، ووضع الأيدي على الأيدي في الصلاة )).
ورواه ابن أبي شيبة( ) حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الأعمش، عن مجاهد، عن مورق العجلي، عن أبي الدرداء قال: من أخلاق النبيين وضع اليمنى على الشمال في الصلاة.
وأشار إليه الهيثمي في (المجمع)، وذكر أن الطبراني رواه في الكبير.
أقول: أما رواية ابن المنذر ففيها: علي بن أبي العالية، وهو مجهول غير معروف، إضافة إلى أن البخاري قال: إن روايته عن مورق مرسلة( ).
وأما رواية ابن أبي شيبة فقد عنعن فيها إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وهما موصوفان بالتدليس( ).
هذا إضافة إلى علة أخرى وهي: الانقطاع، فإن مورق العجلي لم يصح له سماع عن أبي الدرداء، ذكر ذلك الذهبي( ).
ما يروي عن عبد الله بن جابر البياضي
(1/73)

أخرج الطبراني في الكبير( )، وابن الأثير في (أسد الغابة)( )، من طريق هشام بن عمار، حدثنا عبد الله بن أبي سفيان ـ من أهل المدينة ـ قال: سمعت جدي عقبة بن أبي عائشة يقول: رأيت عبد الله بن جابر البياضي صاحب رسول الله يضع إحدى يديه على ذراعيه في الصلاة.
* فيه عبد الله بن أبي سفيان، مجهول لا يعرف.
* وفيه هشام بن عمار، قال فيه أبو حاتم: لما كبُر هشام تغير، فكلما دفع إليه قرأه، وكلما لُقِّن تلقن( ).
وقال أبو داود: حدث بأربعمائة حديث مسندة ليس لها أصل( ).
وقال أبو بكر الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سيار: كان هشام بن عمار يلقن، وكان يلقن كل شيء( ).
وقال أحمد: إن صلوا بعده فليعيدوا الصلاة.
وقال مسلمة: تُكُلِّمَ فيه( ).
وقال الذهبي: له مناكير، وروي عن أبي عبد الله أحمد ابن حنبل أنه قال: أعرفه طياشاً، قاتله الله( ).
وذكره ابن العجمي فيمن رمي بالاختلاط( ).
وقال الآجري: كان فضلك يدور بدمشق على أحاديث أبي مسهر، وأحاديث الشيوخ يلقنها هشام بن عمار، فيحدثه بها، وكنت أخشى أن يفتق في الإسلام فتقاً( ).
* وفيه عقبة، مجهول لم يوثقه أحد. وذكره البخاري( )، وابن أبي حاتم( ) ولم يزيدا على ذكر أنه روي عن عبد الله بن جابر وعنه عبد الله بن أبي سفيان.
ما روي في تفسير النحر
تكثَّر القائلون بشرعية الضم بروايات ضعيفة وشاذة في تفسير قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر}، رووا عن أنس وابن عباس وعلي، انهم فسورا النحر بوضع اليمنى على اليسرى عند القيام في الصلاة، وهنا سوف أقوم بعرض تلك الروايات ليكون المطلع على بينة.
فأما الرواية عن أنس
فرروى ابن حزم( ) عنه أنه قال: من أخلاق النبوة وضع اليمنى على الشمال تحت السرة.
قال المباركفوري: ((لم أقف على سند هذا الحديث، والعلماء الحنفية يذكرونه في كتبهم ويحتجون به، ولكنهم لا يذكرون إسناده، فما لم يعلم إسناده لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار.
(1/74)

قال صاحب (الدرة): وأما حديث أنس: (( من أخلاق النبوة وضع اليمين على الشمال تحت السرة ))، الذي قال فيه العيني: إنه رواه ابن حزم، فسنده غير معلوم لينظر فيه هل رجاله مقبولون أم لا ))( ).
وروى البيهقي( ) من طريق عاصم الأحول عن رجل عن أنس، مثل ما روي عن علي وابن عباس في تفسير: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر } .
وهذه كما ترى في إسنادها مجهول، والمشهور عن أنس في تفسير النحر ما رواه ابن جرير قال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن جابر، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينحر قبل أن يصلي، فأُمِرَ أن يصلي ثم ينحر( ).
وأما الرواية عن علي
فقد رواها ابن أبي شيبة( )، والدار قطني( )، والحاكم( )، والبيهقي( )، والبخاري في التاريخ( )، وابن جرير في التفسير( ) من طريق عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، أو ابن ضبيان أو ابن صبان، على خلاف في اسمه، عن علي، قال: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } : هو وضع يمناك على شمالك في الصلاة. وفي رواية : وضع يده اليمنى على وسط ساعده على صدره.
هذه الرواية قد ضعفها المحدثون بعلل شتى:
الأولى ـ أنه قد ضعفها بعض المحدثين، فقال ابن كثير: هذا عن علي لا يصح( ).
وقال ابن التركماني: في سنده ومتنه اضطراب( ).
الثانية ـ أنها مضطربة المتن، فإنها قد رويت بلفظ: وضع يده على وسط ساعده على صدره. عند البخاري في التاريخ.
وبلفظ: وضع اليمين على الشمال في الصلاة. عند ابن أبي شيبة، وابن جرير في رواية. والحاكم، والدار قطني، والبيهقي في رواية.
وبلفظ: وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر، ثم وضعهما على صدره. عند البيهقي في رواية، وابن جرير في رواية.
وفي رواية أخرى في تاريخ البخاري: وضعها على الكرسوع.
الثالثة ـ أنها مضطربة السند، وذلك أن يزيد بن زياد رواها عن عاصم عن عقبة عن علي، كما عند ابن أبي شيبة، والبخاري في رواية.
(1/75)

ورواها حماد بن زيد، عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة، عن علي.. كما عند البخاري في رواية، والحاكم. فزاد بعد عاصم عن أبيه.
وقد أشار ابن أبي حاتم إلى هذا الاضطراب في (الجرح والتعديل)( ). وابن التركماني في (الجوهر النقي)( ).
الرابعة ـ أنه قد ثبت عن أهل بيت علي عليه السلام خلافه، وهم أعلم بما كان عليه أبوهم، وليس هنالك ما يدفعهم لمخالفته.
قال الطبرسي: ((وأما ما روي عن علي عليه السلام أن معناه: ضع يدك اليمنى على اليسرى، فمما لا يصح عنه، لأن جميع عترته الطاهرة قد رووا عنه خلاف ذلك ))( ).
وروي عن جعفر الصادق أنه قال: النحر عند الله: الاعتدال في القيام، أن يقيم صلبه ونحره ولا يُكَفِّر، فإنما يصنع ذلك المجوس( ).
الخامسة ـ أن تفسير النحر بنحر البدن أولى وأوضح دلالة، ومن غير المتوقع أن يعدل علي عليه السلام إلى تفسير بعيد وغامض وهو تلميذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحليف القرآن.
قال الرازي في قوله تعالى: { وَانْحَرْ } : ((إن استعمال النحر على نحر البدن أشهر من استعماله في سائر الوجوه، ويجب حمل كلام الله عليه ))( ). وذلك ما رجحه معظم المفسرين.
قال ابن جرير الطبري: ((وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً دون ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان، شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له، وخصك به، من إعطائه إياك الكوثر ))( ).
قال ابن كثير: ((وهذا الذي قاله في غاية الحسن، وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظي وعطاء ))( ).
وقال بعد ذكر الروايات في ذلك: ((وكل هذه الأقوال غريبة جداً، والصحيح القول الأول، أن المراد بالنحر ذبح المناسك ))( ).
وأما الرواية عن بن عباس
(1/76)

فررواها البيهقي ( )، من طريق روح بن المسيب، قال: حدثني عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } ، قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النَّحر.
وهذه الرواية معلولة بعلل:
الأولى ـ أن في رواته من تَكُلِّم فيه، فأما روح بن المسيب، فقال فيه ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات ويقلب الأسانيد ويرفع الموقوفات، وهو أنكر حديثاً من غطيف، لا تحل الرواية عنه ولا كتابة حديثه إلا للاختبار ( ).
وقال أبو حاتم: صالح ليس بالقوي ( ).
وقال ابن معين: صويلح ( ). وهذا من ألفاظ الجرح عند المحدثين.
وقال ابن عدي في الضعفاء: يروي عن ثابت ويزيد الرقاشي أحاديث غير محفوظة ( ).
* وفيه عمرو بن مالك النكري، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطيء ويُغرب ( ).
قال ابن عدي: منكر الحديث عن الثقات ويسرق الحديث ( ). وذكر أنه روى عن أبي الجوزاء أحاديث غير محفوظة ( ).
وقال أبو يعلى: كان ضعيفاً ( ).
وذكر ابن حجر أن البخاري كان يضعفه ( ).
الثانية ـ أن فيه انقطاعاً بين أبي الجوزاء وابن عباس، فقد قال البخاري عن أبي الجوزاء: في إسناده نظر، قال: ويختلفون فيه ( ).
قال ابن عدي: يروي عن الصحابة، ابن عباس وعائشة وابن مسعود، وأرجو ألا بأس به، ولا تصح روايته عنهم أنه سمع منهم ( ).
وقال أبو زرعة: مُرْسِل ( ). وقال ابن حجر: كان كثير الإرسال ( ).
الثالثة ـ أن المشهور عن ابن عباس أن معنى الآية هو نحر النُّسُك.
قال ابن جرير: حدثني علي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ?فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ?، يقول: اذبح يوم النحر.
(1/77)

وقال: حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ?فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ? قال: الصلاة المكتوبة، والنحر: النسك والذبح يوم الأضحى ( ). ولم يَرْوِ عنه ابن جرير غير ذلك. وأخرجه ابن المنذر كما في الدر المنثور للسيوطي ( ).
الرابعة ـ أنه قد ضعفه بعض الحفاظ، فقال ابن حجر: إسناده ضعيف جداً ( ).
وفي حاشية نصب الراية: غير صحيح ( ). وقال ابن التركماني: فيه روح بن المسيب ( ).

hg

مدخل للتأمل
عندما يتجرد الباحث وينظر بإنصاف إلى مجمل ما ذكرنا من أدلة القائلين بالإرسال والقائلين بالضم، وما شرحناه من ملابسات حولها، فإنه يلمس في قرارة نفسه أن من البعيد أن القائلين بالإرسال - وفي مقدمتهم أئمة أهل البيت وسادات التابعين وفقهائهم - جهلوا السنة أو تمردوا عليها، وهم أهل تقوى وورع، وليس هنالك ما يحملهم على ترك شيء شرعه الله تعالى وعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كما يلمس أيضاً أنه لا يمكن أن تأتي جميع تلك الأحاديث - المروية في شرعية الضم - من فراغ، أو أنه قد تواطأ على وضعها جيل بأكمله، رغم ما قيل فيها من مقالات؛ تجوز للإنسان العدول عنها، والتعبد بغيرها وتبرأ ذمته في ذلك، خصوصاً وأنه قد اشتهر الارسال عن بعض من روى تلك الأحاديث من التابعين وتابعيهم.
وقد يكون من السهل أن يحكم كل فريق بعدم اعتبار أدلة الفريق الآخر، وقد ذكرنا فيما مضى نماذج من تلك الأحكام، ولكن من الصعوبة بمكان خلق قناعة لدى الآخرين بشيء من تلك الأحكام، خصوصاً عند أولئك الذين لا يهمهم إلا معرفة الحقيقة أياً كانت، وهذا شيء لا يمكن تجاهله.
إن ذلك الشعور هو ما جعل كثيراً من العلماء يفتش عن صيغة مقبولة يحاول من خلالها إما الجمع بين الأدلة ولو بشكل تقريببي، وإما الوصول إلى مبرر مقبول للعمل بهذا الدليل دون ذاك. ومن تلك المحاولات، المحاولات التالية:
(1/78)

الجمع بأن كلاً من الضم والإرسال مشروع
يرى البعض أن من الأشياء المحتملة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضمَّ تارة وأرسل أخرى، فمن رآه يرسل يديه نقل ما رأى وعمل به، ومن رآه يضمهما نقل ما رأى وعمل به. وذلك كما روي في التشهد والقراءة في الركعتين الأخيرتين وثالثة المغرب. فإنه قد صح في ذلك أكثر من رواية.
ومع مرور الزمن غلب عند قوم أن الضم هو المشروع في الصلاة، أو أنه الأفضل، فذكروه في كتبهم واستدلوا عليه، وغلب عند آخرين العكس، كما هو الحال فيما روي في الوضع على الصدر أو تحت السرة. وعلى هذا فإن كلاً من الضم والإرسال فعل جائز في الصلاة، فمن شاء فليرسل، ومن شاء فليضم، و إلى هذا القول ذهب بعض العلماء قديماً وحديثاً.
الجمع بأن في الأدلة ما هو ناسخ وما هو منسوخ
ويمكن توضيح ذلك بأن يقال: كان وضع اليد على اليد على الصدر عند الوقوف بين يدي السيد أو الملك وأثناء العبادة، من عادات الملل السابقة قبل الإسلام لا سيما عند التذلل والخضوع. والشواهد على ذلك كثيرة، منها:
أ ـ ما جاء في حديث المرتضى، ومحمد بن منصور، من أن ذلك من فعل اليهود.
ب ـ وما روي عن القاسم بن إبراهيم أن ذلك تكفير أهل الكتاب.
ج ـ وما رواه الطوسي عن محمد بن علي الباقر: أن ذلك من فعل المجوس.
د ـ وما رواه ابن أبي شيبة، عن الحسن البصري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة ))، وقد تقدم.
وأكد العلامة المقبلي ذلك فقال: رأينا الأعاجم مطبقين على كون عبيدهم وخدمهم بتلك الهيئة عند القيام بين أيديهم( ).
(1/79)

بهذا يتبين أن الضم ـ في مواقف الاحترام والعبادة ـ من عادات الأمم السابقة، ومن المعروف عند المسلمين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوافق الأمم السابقة في بعض الأمور التي لا حرج فيها، حتى ينهاه الله عز وجل عن ذلك، ألا ترى أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتوجه في صلاته إلى بيت المقدس كمن كان قبله، ثم أمره الله أن يتوجه إلى الكعبة زادها الله شرفاً، فلما شرعت الصلاة وهي مقام عبادة بين يدي الله تعالى قام بعض المسلمين ووضع يسراه على يمناه كعادة الأمم السابقة، فغير ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوضع اليمنى على اليسرى رضاءً منه بأدنى مخالفة، ولم تطل الأيام حتى نهى عن ذلك التكتف وأمر بالإرسال، كما أفادته روايات الإرسال.
وفي احتمال النسخ يقول العلامة السماوي: ((على أنا لا ننكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعله في الصلاة، غير أنا ندعي أنه بعد أن فعله نهى عنه، فكان الآخر ناسخاً، وإنما يؤخذ من الشريعة بالآخر فالآخر ))( ).
الجمع بأن المراد الوضع تحت السرة
(1/80)

حاول الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي رحمه الله الجمع بين أحاديث الضم والإرسال، بأن المراد بالإرسال وضع اليدين تحت السرة، فقال: ((مسألة ووضع اليد على اليد على الصدر في الصلاة منهي عنه، ولكن يرسلهما ويضع اليمنى على اليسرى تحت السرة، والوجه في ذلك ما روي في (المجموع) و(الجامع الكافي) عن علي عليه السلام أنه قال: ((ثلاث من أخلاق الأنبياء: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع الأكف على الأكف تحت السرة )). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نقبض بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا )). وأخرج رزين أن عليّاً عليه السلام قال: ((السنة وضع الكف على الكف في الصلاة، ويضعهما تحت السرة )). وهو عند أبي داود وأحمد بلفظ: ((من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة )). وأخرج أبو داود والنسائي أن الهلب (كذا) كان يصلي، فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى. وفي (المنهاج [الجلي]) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل بيد ابن مسعود كذلك.
وفي كتاب (المناهي): ((نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يضع الرجل يده على يده على صدره في الصلاة، وقال ذلك فعل اليهود و[أمر] أن يرسلهما ))( ).
وقال ولده العلامة الكبير عبد الله بن الإمام: ((الإمام ـ يعني والده ـ ووضع اليد على اليد على الصدر منهي عنه لما في كتاب (المناهي): نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل الرجل يده على يده على صدره في الصلاة، وقال: ذلك فعل اليهود و[أمر] أن يرسلهما ))، أهـ. لكن يضع اليمنى على اليسرى تحت السرة، عند زيد بن علي وأحمد بن عيسى والحسن بن يحيى والإمام، ثم محمد بن المنصور ثم أبي حنيفة والثوري، وإسحاق المروزي.. )) ثم ذكر بعض أحاديث الضم( ).
(1/81)

وما ذكره الإمام القاسمي قد أشار إليه غير واحد، منهم ابن القيم حيث قال: إن أحاديث النهي عن التكفير تعني الوضع على الصدر، وأن أحاديث الضم تعني الوضع تحت السرة. اعتباراً منهم أنه ليس بتكفير.
الجمع باختلاف موضع اليد على اليد
وذكر قوم أن الضم المنهي عنه أو المكروه هو وضع اليمنى على كف اليسرى، فقد روى ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا حفص، عن ليث، عن مجاهد، أنه كان يكره أن يضع اليمنى على الشمال، يقول: على كفه أو على الرسغ، ويقول: فوق ذلك، ويقول: أهل الكتاب يفعلونه( ).
وفي (الجامع الكافي) قال الحافظ العلوي: وقد ذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أنهم كانوا يضعون أيمانهم على شمائلهم في الصلاة، وإنه لَمِمَّا أُختلف فيه، وإنما ذكر عمن كان يفعله أنه كان يضع كفه اليمنى على موضع الرسغ من اليد اليسرى من الذراع، وأما وضع اليمنى على كفه اليسرى فيكره، ويقال: إنه من فعل اليهود( ).
قال في (لطف الغفار شرح هداية الأفكار): قلت: ولعل من أجازه جعل هذا جامعاً بين روايات المانعين والمثبتين، ويقول: الذي من فعل اليهود وضع الراحة على الكف لا على الرسغ. لكن ينفي هذا التأويل قوله: يرسلهما إرسالاً( ).
الجمع بأن الضم في الصلاة خاص بالأنبياء
ذكر الإمام المهدي في (البحر الزخار)( ) أنه يمكن أن يقال: إن الضم شرع، ولكنه خاص بالأنبياء لظاهر ما ورد في الأحاديث من قوله: من سنن المرسلين، أو من أخلاق الأنبياء، أو من النبوة.
ورده الجلال( ) فقال: وأما الاعتبار بأنه يحتمل اختصاصه بذلك لظاهر: ((أمرنا معاشر الأنبياء ))، فساقط؛ لأن خصائصهم مما يندب الاقتداء بهم فيها، إلا ما قام الدليل على منع التأسي كنكاح التسع، وهبة المرأة نفسها ونحو ذلك.
الجمع بأن الضم رخصة عند التطويل في النافلة
(1/82)

ونعني بذلك: أن الإرسال شُرِعَ في حال، وشرع الضم في حال آخر، وذلك بأن يكون الأصل في الصلاة الإرسال، وما روي في شرعية الضم من الأحاديث فالمراد به عند التطويل في النوافل، ولما كانت النوافل مما يغلب فيها التطويل رخص فيها للمصلي ـ عند التعب ـ أن يضع يديه على صدره أو على سرته أو تحتها، أما الفرائض فالمشروع فيها عدم التطويل، فلذا لم يشرع فيها شيء من ذلك.
وهذا ما يمكن أن يستوحى من أكثر الروايات عند الفريقين وهو أقرب مما سبقه، لأمور عدة، منها:
أولاً: الضم في الصلاة لم يكن مشهوراً عند الصدر الأول، ولم يكن غائباً فيه نهائياً، وذلك ما نلاحظه مما يلي:
(1) ـ وقف أبو حميد الساعدي أمام مجموعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أنه أعرفهم بصلاته، ولما طلب منه أن يعرض ما يعرف من صلاة النبي، وصفها فلم يذكر فيها الضم، رغم أنه ذكر جملة من مندوبات الصلاة.
وبعد فراغه لم ينتقده أحد من الحاضرين، أو يقول: نسيت وضع الكف على الكف أثناء القيام.
وهذا من الأحاديث المشهورة، ومن أهم أدلة الفقه، وقد تقدم الكلام عليه.
(2) ـ أن الذين روي عنهم أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده على يده لا يتجاوزون ثلاثة أشخاص، أحدهم: وائل بن حجر الذي اضطربت روايته حتى أن بعض ألفاظها لم يرد فيه ذكر الضم، كما بينا، والثاني والثالث: غطيف بن الحارث، وشداد بن شرحبيل، ولم تعرف لهما صحبة، وليس لكل واحد منهما إلا حديث واحد هو ذلك الحديث الذي ذكر فيه كل منهما أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضع يده على يده.
وهذه الصيغة وإن كان البعض يرى أن صحبة الصحابي تثبت بمثلها؛ إلا أنه يحتمل أنه قال: روي بصيغة المبني للمجهول، أو نحو ذلك.
(1/83)

وعلى فرض صحة الرواية في ذلك، فيحتمل أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يفعل ذلك في صلاة نافلة بعدما تعب، أما لو كان ذلك في فريضة لما ترك الحديث به آلاف الصحابة وتحدث به من لم تعرف صحبته!!
(3) ـ أنه روي القول بالإرسال عن سادات أهل البيت كعلي بن الحسين، وجعفر الصادق، والقاسم بن إبراهيم، والهادي، والناصر، وكذلك صح عن كبار التابعين كسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين وغيرهم، وذلك يدل على أن الضم لم تكن معروفاً أصلاً، أو أنها كانت مجرد رخصة في النافلة عند التعب، وهذا هو الأقرب كما ترى؛ لأن من البعيد أن تكون أحاديث الضم التي بلغتنا بعد قرون لم تبلغهم والعهد قريب، وهم من أكثر الناس اهتماماً بمعرفة ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفقهه، كما أنه من البعيد أن يكونوا تركوا ذلك تعنتاً وإصراراً على مخالفة المشروع، فقد عرف عنهم شدة تمسكهم بالسنة واقتفاء نهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وليس ثَم ما يدفعهم لمخالفة ذلك.
فان قيل: قد روي الضم عن بعض الصحابة والتابعين ومن البيعد أن يكونوا قد اخترعوا ذلك من تلقاء أنفسهم وأدخلوه في الشرع؛ لأنهم أيضاً أهل ورع واستقامة، إضافة إلى أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك من خُلق الأنبياء.
قلنا: نحن نوافقكم على ذلك، والجمع بين القولين ممكن ومعقول، وهو أن الضم شُرع في النافلة وشُرع الإرسال في الفريضة.
فإن قيل: ولما لا يكون العكس هو الصحيح، وهو: أن الإرسال رخصة في النفل والضم سنة في الفرض؟
قلنا: لأن جميع ما ذكرنا من الشواهد تدل على عكس ذلك.
(1/84)

(4) ـ جاء عن سعيد بن جبير أنه كان في الطواف فرأى رجلاً يضع يده على يده فخرج من الطواف وذهب ففرق بينهما ثم عاد، وهذا يدل على أن في المسألة من المخالفة ما يستوجب النهي عنه بشدة، كما يدل على أن سعيداً لم ير غيره يفعل ذلك، ذلك وهو بفناء الكعبة؛ لأن ذلك لو كان معروفاً أو كان هنالك من يفعله غيره لما قصده بالذات.
(5) ـ أن الخلاف الكبير في موضع الضم، هل هو فوق السرة، أو تحت السرة، أو فوق الصدر، أو عند الصدر؟ وهل يوضع الكف على الكف أم الكف على الرسغ أم على الرسغ والساعد؟ وهل يقبض اليسرى باليمنى أو يضعها فقط؟ وهل ينشر أصابعه أم يحلق بها؟ إلى آخر ما ذكر في الروايات، كل ذلك يشير إلى أن المسألة لم تكن معروفة بجلاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يفعلها كل يوم خمس مرات وأمام المئات بل الألوف من الصحابة لما اكتنفه الغموض إلى هذا الحد.
ثانياً: أنه قد روي عن بعض الصحابة الضم تارة والإرسال تارة أخرى، وذلك كعلي عليه السلام وابن الزبير، وكذلك روي عن بعض التابعين كإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير، كما حكي عن الإمام زيد، والإمام الصادق( ) وغيرهم، وأحسن التأويل لذلك هو ما ذكرناه من شرعية الإرسال في الفريضة والترخيص في الضم في النافلة.
ثالثاً: أنه قد اشتهر القول بهذا عن بعض العلماء، فقد روى ابن أبي شيبة، عن ابن سيرين أنه سئل عن الرجل يمسك بيمينه شماله، فقال: إنما فعل ذلك من أجل الدَّم( ).
وعن الأوزاعي أنه كان يقول: إنما أمروا بالاعتماد إشفاقاً عليهم؛ لأنهم كانوا يطولون القيام، وكان ينزل الدم إلى رؤوس أصابعهم( ).
وعن الليث بن سعد أنه كان يرسلهما، فإن أطال وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة( ).

وقال ابن حجر: ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمداً لقصد الراحة( ).
(1/85)

وروى الحافظ العلوي في (الجامع الكافي) عن عبد الجبار، عن محمد بن منصور المرادي أنه أجاز وضع اليمين على الرسغ أسفل السرة في غير الفرض( ).
رابعاً: أن الإمام مالك ابن أنس أكد على أنه لا يعرف الضم في الفريضة، رغم أنه روى أصح أحاديث الضم عند القائلين به، فقوله ـ مع ذلك ـ: لا أعرفه في الفريضة، ليس له تأويل مقبول إلا ما ذكرنا، وفيه دلالة على أن الضم لم يكن معرفاً عند الصدر الأول من صحابة وتابعين؛ لأنه لا يمكن أن يكون مشهوراً ومالك لا يعرفه، وقد نشأ في المدينة المنورة، وآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ما زالت تلوح في الأفق.
وأود أن أشير هنا إلى أن الخلاف فيما نقل عن مالك نموذج مصغَّر للخلاف المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد اشتهر عن مالك أنه قال: لا أعرفه في الفريضة، وكان يرخص فيه في النافلة، فعمل المتحمسون للإرسال على القول بأنه لا يجيز الضم على أي حال، وأوردوا نصوصه في ذلك. وفي المقابل حمل المتحمسون للضم ما روي عنه في الضم في النافلة على الفرض والنفل.
خامساً: ما أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي، حدثنا محبوب بن الحسن القرشي، عن الخصيب بن جحدر، عن النعمان بن نعيم، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: (( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبالة أذنيه، فإذا كبَّر أرسلهما، ثم سكت، وربما رأيته يضع يمينه على يساره ))( ).
ورواه الهيثمي( ) وقال: رواه الطبراني في الكبير. وأخرجه الطبري في المعجم الوسيط، واحتج به الشيخ محمد بن يوسف المالكي في كتابه (نصرة الفقيه السالك في الرد على منكر السَّدل في مذهب مالك)( ).
سادساً: أن أغلب روايات الضم لم يأت في شيء منها أنه كان في صلاة الفريضة.
(1/86)

سابعاً: قد لا يكون من الصدفة اقتران ذكر الوضع بالسحور والفطور كما في معظم الروايات، وقد يكون فيه إشارة إلى ما بين الفطور والسحور من التهجد والنوافل.
وقد لا يكون من الصدفة التأكيد على أن ذلك من أخلاق الأنبياء أو من سننهم، فهم أكثر الناس تهجداً وتعبداً لله.
ثامناً: أنه قد روي ذلك عن علي عليه السلام، ذكر ذلك ابن حزم، وقد تقدم.
وعلق البخاري تلك الرواية بصيغة الجزم، وهو وإن لم يقل: إذا طول، فإنه ذكرها في باب الاستعانة في الصلاة. وقد تقدم الكلام عن هذه الرواية.
تاسعاً: أنه لما كان المقصود بوضع اليد على اليد الاستراحة، روي عن بعضهم أنه وضع يسراه على يمناه كما في حديث ابن مسعود وجابر، وذلك يدل على أنه لم يكن في ذلك شيء مشروع، ولكن للمتنفل أن يضع إحدى يديه على الأخرى للاستراحة، كما يمكنه أن يعتمد على جدار أو يتنفل من قعود. وما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث من تغير وضع اليدين بحيث جعل اليمنى على اليسرى إنما يدل على أن من أراد وضع إحدى يديه على الأخرى فإنه يستحب له التَّيَمُّن بأن يضع اليمنى على اليسرى، كما يأخذ ويأكل ويشرب بيمينه.
*****
بهذا ينتهي هذا البحث المتواضع، ولايسعني في آخره إلا أن أدعو جميع من اطلع على كتابي هذا إلى الإنصاف والبعد عن التعصب وحمل الآخرين على السلامة واحتمال أن يكون لهم دليل فيما يذهبون إليه، مؤكداً أنني ما طرقت هذا الموضوع إلا طلباً للأجر عند الله وبحثاً عن الحقيقة، ولأبين للمتعصبين أن كل إمام من أئمة الفقه لا يختار شيئاً إلا بناء على دليل فيما يذهب إليه، وأن مقلديه والعاملين بفقهه مستندين من خلاله إلى دليل من الكتاب والسنة وإن لم يطلعوا عليه.
فهل آن لنا أن يقبل بعضنا بعضا ونظهر حسن النية ونتبادل الاحترام فيما بيننا، ونتجنب الدعوة بإلحاح إلى المسائل المختلف فيها ؟ أرجو أن يكون ذلك قد آن.
(1/87)

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الطاهر الأمين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين

قائمة المراجع
أحوال الرجال/لإبراهيم الجوزجاني/ تحقيق صبحي السمرائي/ مؤسسة الرسالة / بيروت.
أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
أسماء الدلسين لسبط بن العجمي / مؤسسة الريان للطباعة ـ بيروت لبنان.
أعلام الموقعين/ لابن القيم الجوزجاني/ دار الفكر ـ بيروت.
أمالي أحمد بن عيسى المسمى بالعلوم/ للإمام محمد بن منصور المرادي/ طبعة مجهولة.
الأنساب، لأبي سعيد عبدالكريم بن محمد السمعاني/ تعليق عبد اللّه عمر البارودي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1 1408 هـ ـ 1988 م.
الأوسط في مذاهب العلماء، لابن المنذر، تحقيق الدكتور أبو حماد صغير أحمد /دار طيبة.
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي/ تحقيق شعيب الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت/ ط 1.
الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني/ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
الإعتصام بحبل الله المتين، للإمام القاسم بن محمد / الجمعية العلمية الملكية ، عَمَّان/ ط 1.
الاستنارة/ للحارث بن عبد الوارث/ مجهولة.
الاستيعاب لابن عبد البر المطبوع مع الإصابة/ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
الاغتباط فيمن رمي بالاختلاط/ إبراهيم بن محمد سبط ابن العجمي/ تحقيق فواز أحمد زمرلي/ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
البحر الزخار المعروف بمسند البزار، لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبدالخالق العتكي البزار/ تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله/ مؤسسة علوم القرآن ـ بيروت/ ط 1.
بدائع الفوائد/ لابن القيم الجوزجاني/ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
بداية المجتهد/ لابن رشد القرطبي بهامش الهداية في تخريج أحاديث البداية/ عالم الكتب/ بيروت.
البرهان في تفسير القرآن/ لهاشم البحراني/ مؤسسة الوفاء ـ بيروت.
(1/88)

البيان الشافي المنتزع من البرهان الكافي/ للعلامة يحيى بن أحمد ابن المظفر / طباعة مجلس القضاء الأعلى باليمن.
تاريخ ابن معين، ليحيى بن معين بن عون المري البغدادي/ تحقيق عبدالله أحمد حسين/ دار القلم ـ بيروت.
تاريخ الثقات، لعمر بن أحمد العجلي/ تحقيق د. عبدالمعطي قلعجي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1.
التاريخ الصغير، لمحمد بن إسماعيل البخاري/ تحقيق محمود إبراهيم زايد/ مؤسسة الكتب الثقافية/ بيروت ـ لبنان.
تاريخ الطبري المعروف بتاريخ الأمم والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت/ ط 4.
التاريخ الكبير، لمحمد بن إسماعيل البخاري/ مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت.
تاريخ بغداد، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
التبيين في الضم والتاميين للسيد العلامة بدر الدين الحوثي /ط1 دار التراث اليمني صنعاء.
التحرير (في فقه الزيدية) للإمام أبي طالب الهاروني / ط1 1418هـ ـ 1997م/ بتحقيق محمد يحيى سالم عزان/ مكتبة بدر صنعاء .
تحرير الأفكار، للسيد بدر الدين الحوثي/ مؤسسة أهل البيت للرعاية الاجتماعية/ ط 1 1415 هـ ـ 1993 م.
تحفة الأحوذي شرح صحيح الترمذي/ العلامة المباركفوري / دار الفكر ـ بيروت.
تذكرة الفقهاء/ للحسن بن يوسف الحلي/ مؤسس آل البيت لإحياء التراث.
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأربعة/ للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسكلاني/ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
تعريف أهل التقديس بمراتب المعروفين بالتدليس/ الحافظ بن حجر/ دار الكتب العلمية/ بيروت ـ لبنان.
تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، لمحمد الرازي فخر الدين بن عمر/ دار الفكر ـ بيروت/ ط 3 1405 هـ ـ 1985 م.
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير القرشي الدمشقي/ دار الندى ـ بيروت/ ط 1.
تقريب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني/ تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف/ دار المعرفة ـ بيروت/ ط 2.
(1/89)

تلخيص الحبير، لابن حجر العسقلاني/ عني به عبدالله هاشم اليماني بالمدينة المنورة ـ الحجاز.
تمام المنة في التعليق على فقه السنة/ لمحمد ناصر الدين الألباني/ المكتب الإسلامي ـ عمّان.
تهذيب الأحكام/ للعلامة الطوسي/ دار الصعب ودار التعارف ـ بيروت.
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني/ دار الفكر / ط 1.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للإمام المزي/ تحقيق د. بشار عواد معروف/ مؤسسة الرسالة/ ط 2.
تهذيب تاريخ دمشق، لعبدالقادر بدران/ دار المسيرة ـ بيروت/ ط 2.
الثقات، لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم البستي/ دائرة المعارف العثمانية/ ط 1.
الثمرات اليانعة (في آيات الأحكام) للفقيه العلامة يوسف بن أحمد بن عثمان /مخطوط.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأببي جعفر محمد بن جرير الطبري/ دار الفكر ـ بيروت/ 1984 م.
جامع الرواه، لمحمد بن علي الأردبيلي/ منشورات دار الأضواء ـ بيروت.
الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة/ تحقيق أحمد محمد شاكر/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، لجلال الدين بن أبي بكر السيوطي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1.
الجامع الكافي، للحافظ أبي عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن العلوي/ مخطوط.
جامع المقاصد/ علي بن الحسين الكركي/ مؤسة آل البيت ـ قم.
جامع بيان العلم وفضله وماينبغي في روايته وحمله، لأبي عمر يوسف بن عبدالبر/ دار الفكر ـ بيروت.
الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد الأنصاري القرطبي/ صححه أحمد عبدالعليم البردوني.
الجداول، لعبد الله بن الهادي القاسمي، مخطوط.
الجرح والتعديل، لعبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي/ دائرة المعارف العثمانية/ ط 1.
حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء ، لسيف الدين أبي بكر محمد بن احمد الشاشي/ دار البرامكة.
(1/90)

خلاصة تذهيب تهذيب الكمال، لأحمد بن عبدالله الخزرجي الأنصاري/ مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب، بيروت/ ط 3.
الدر المنثور في التفسير المأثور، لعبدالرحمن جلال الدين السيوطي/ إشراف دار الفكر ـ بيروت/ ط 1.
رأب الصدع ( أمالي الإمام أحمد بن عيسى) / تحقيق علي بن إسماعيل بن عبد الله المؤيد /دار النفائس ـ بيروت/ ط 1.
رجال صحيح مسلم/ لأحمد بن علي بن منجويه/ تحقيق عبد الله الليثي/ دار المعرفة ـ بيروت.
الرسالتان في الضم والارسال وحي على خير العمل ، لعلى بن عبد الكريم الفضيل.
الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني/ تحقيق محمد شكور محمود الحاج أمرير/ المكتب الإسلامي ـ بيروت/ ط 1 1985 م.
الروض النضير/ الحسين بن أحمد السياغي/ مكتبة المؤيد ـ الطائف/ ط 2.
الروضة الندية صديق بن حسن البخاري/ دار الندوة الجديدة ـ بيروت.
سبل السلام/ محمد بن إسماعيل الأمير/ دار الرسالة الحديثة.
سنن أبي داود = سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي/ دار الجيل ـ بيروت.
سنن ابن ماجه/ محمد بن يزيد القزويني/ تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي/ دار إحياء التراث العربي.
سنن البيهقي، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، وفي ذيله الجوهر النقي لابن التركماني/ دار الفكر.
سنن الدار قطني، لعلي بن عمر الدار قطني/ عالم الكتب ـ بيروت/ ط 4.
نن الدارمي، لأبي محمد عبد الله بن عبدالرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
سنن النسائي (المجتبى) بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي/ تحقيق عبدالفتاح أبو غدة/ دار البشائر الإسلامية ـ بيروت/ ط 2 1988 م.
سنن النسائي الكبرى، للإمام أحمد بن شعيب النسائي/ تحقيق د. عبدالغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن/ دار الكتب العلمية ـ بيروت / ط 1 1991 م.
سير أعلام النبلاء، للذهبي/ حققه مجموعة من المحققين/ مؤسسة الرسالة/ ط 4.
شرح الأزهار/ للعلامة ابن مفتاح/ مكتبة غمضان لإحياء التراث.
(1/91)

شرح التحرير للقاضي زيد بن محمد الكلاري مخطوط.
شرح صحيح مسلم، للنووي (في حاشية صحيح مسلم)/ مؤسسة الكتب الثقافية.
شرح معاني الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي/ تحقيق محمد زهري النجار/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 2 1407 هـ ـ 1987 م.
شفاء الأوام/ للأمير حسين بن بدر الدين/ جمعية علماء اليمن ـ صنعاء.
صحيح ابن خزيمة، لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري/ تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي/ المكتب الإسلامي ـ بيروت/ ط 1.
صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري/ عالم الكتب ـ بيروت/ ط 4.
صحيح صفة صلاة النبي/ لحسن بن علي السقاف/ دار النووي ـ عمّان.
صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري/ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
صحيفة علي بن موسى الرضا، طبع مع مجموع الإمام زيد في مجلد واحد/ دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
صفة صلاة النبي/ لناصر الدين الألباني/ المكتب الإسلامي ـ عمّان.
الضعفاء الصغير، لمحمد بن إسماعيل البخاري/ تحقيق بوران الضناوي/ عالم الكتب ـ بيروت/ ط 1.
الضعفاء، لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي/ تحقيق عبدالمعطي أمين قلعجي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1 1404 هـ ـ 1984 م.
الضعفاء، لأحمد بن شعيب النسائي/ ـحقيق مركز الخدمات والأبحاث الثقافية: بوران الضناوي ـ كمال يوسف الحوت/ مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت/ ط 1.
ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار/ للحسن بن أحمد الجلال/ غمضان لإحياء التراث ـ صنعاء.
ضياء ذوي الأبصار، لأحمد بن محمد الشرفي/ مخطوط.
طبقات الزيدية الكبرى، لإبراهيم بن القاسم بن محمد بن القاسم، مخطوط.
الطبقات الكبرى، لابن سعد/ دار صادر.
العتب الجميل/ للسيد محمد بن عقيل/ مؤسسة البلاغ ـ بيروت/ دار الحكمة ـ صنعاء.
(1/92)

عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة ، لجلال الدين عبد الله بن نجم بن شاس/ دار الغرب الاسلامي.
العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد بن محمد بن حنبل/ تحقيق وصي الله عباس/ المكتب الإسلامي ـ بيروت/ ط 1 1988 م.
العواصم والقواصم، للحافظ محمد بن إبراهيم الوزير/ تحقيق شعيب الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت/ ط 2 1412 هـ ـ 1992 م.
عون المعبود شرح سنن أبي داود/ محمد شمس الحق الأبادي/ دار الفكر ـ بيروت.
الغطمطم الزخار، لمحمد بن صالح السماوي/ تحقيق محمد يحيى سالم عزان/ ط 1 1415 هـ ـ 1994 م.
الفتاوى الواضحة/ للسيد محمد باقر الصدر/ دار التعارف ـ بيروت.
فتح الباري شرح صحيح البخاري/ أحمد بن علي بن حجر العسكلاني/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
الفقه على المذاهب الأربعة/ لعبد الرحمن الجزري/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
الفلك الدوار في علوم الحديث والفقه والآثار، للسيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير/ تحقيق محمد يحيى سالم عزان/ ط 1 .
قرب الإسناد عبد الله بن جعفر الحميري/ مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم.
قواعد التحديث/ جمال الدين القاسمي/ دار النفائس ـ بيروت.
الكاشف، للذهبي/ تحقيق لجنة من العلماء/ دار الكتب العلمية ـ بيروت/ ط 1.
الكامل في الضعفاء، لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني/ تحقيق لجنة من المختصين/ دار الفكر ـ بيروت/ ط 2.
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، لمحمود بن عمر الزمخشري/ رتبه وصححه مصطفى حسين أحمد/ دار الكتاب العربي.
كشف الأستار عن سوائد مسند البزار/ نور الدين الهيثمي/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ ط 3.
لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار، للعلامة صلاح بن احمد المهدي/ مخطوط .
اللمعة الدمشقية/ محمد بن جمال الدين العاملي/ دار العالم الإسلامي ـ بيروت.
(1/93)

المجروحين، لابن حبان البستي/ تحقيق محمود إبراهيم زايد/ دار المعرفة ـ بيروت.
مجمع ا لزوائد، للهيثمي/ دار الكتاب العربي ـ بيروت/ ط 3.
مجمع البيان في تفسير القرآن/ الفضل بن الحسن الطبرسي/ دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
المجموع شرح المهذب، للنووي، تحقيق محمد نجيب المطيعي/ توزيع الكتبة العالمية بالفجالة.
مجموع كتب الإمام زيد، تحت الطبع بتحقيق محمد يحيى سالم عزان.
المجموعة الفاخرة (مجموع كتب الإمام الهادي يحيى بن الحسين) ، مخطوط.
المحجة البيضاء في تهذييب الإحياء/ الفيض الكاشاني/مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
المحلى/ علي بن محمد بن حزم/ تحقيق عبد الغفار سليمان/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
مدارك الأحكام/ لمحمد بن علي الموسوي العاملي /موسسة آل البيت ـ قم.
المسائل الإسلامية/ محمد الشيرازي/ مؤسسة الوفاء ـ بيروت.
المسائل النافعة، للعلامة الحسن بن يحيى القاسمي، محطوط.
المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري/ دار المعرفة ـ بيروت.
مستدرك وسائل الشيعة/ حسين النوري/ مؤسسة آل البيت ـ قم.
مستند الشيعة/ أحمد بن محمد النراقي/ مؤسسة آل البيت ـ قم.
مسند أبي عوانة، ليعقوب بن إسحاق الإسفرائني/ دار المعرفة ـ بيروت.
مسند أبي يعلى الموصلي/ تحقيق حسين سليم أسد/ دار المأمون للتراث ـ دمشق وبيروت/ ط 1.
مسند الإمام أحمد بن حنبل، وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال/ دار الفكر.
مسند الإمام زيد (المجموع) ، للإمام زيد بن علي / دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
مسند الحميدي، لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي/ حققه حبيب الرحمن الأعظمي/ المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.
مسند الطيالسي، للحافظ سليمان بن داود بن الجارود/ دار المعرفة.
مصنف ابن أبي شيبة/ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة/ دار التاج ـ المدينة.
مصنف عبد الرزاق الصنعاني/ تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي/ المكتب الإسلامي/ عمّان.
(1/94)

المعارف، لابن قتيبة/ تحقيق د. ثروة عكاشة/ دار المعارف/ ط 4.
المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني/ حققه د. محمود الطحان/ مكتبة المعارف ـ الرياض/ ط 2.
المقنعة/ للشيخ المفيد/ دار المفيد ـ بيروت.
من لا يحضره الفقيه/ محمد بن علي الصدوق/ مؤسسة الأعلمي.
المنار، لصالح بن مهدي المقبلي/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت/ ط 1 1408 هـ ـ 1988 م.
المنتخب، للإمام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام/ دار الحكمة اليمانية ـ صنعاء/ ط 1 1414 هـ ـ 1993 م.
المنتقى/ عبد الله بن الجارود/ تحقيق عب الله عمر البارودي/ دار الجنان ـ بيروت.
المنهاج الجلي، للإمام محمد بن المطهر/ مخطوط.
المنهاج السوي شرح منظومة الهدى النبوي/ محمد بن قاسم الوجيه/ دار الحكة اليمانية ـ صنعاء.
موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف/ إعداد أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول/ عالم التراث ـ بيروت/ ط 1 1989 م.
موسوعة فقه إبراهيم النخعي/ محمد رواس قلعة جي/ دار النفائس ـ بيروت.
موسوعة فقه الحسن البصري/ محمد رواس قلعة جي/ دار النفائس ـ بيروت.
الموطأ/ للإمام مالك بن أنس/ تحقيق محمد فؤائد عبد الباقي/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
ميزان الاعتدال، للذهبي/ تحقيق علي محمد البجاوي/ دار الفكر.
نجوم الأنظار، للعلامة عبد الله بن الإمام الحسن بن يحيى القاسمي، مخطوط.
نصب الراية لأحاديث الهداية، لجمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي/ دار الحديث/ المركز الإسلامي ـ الأهرام.
نكت العبادات/ جعفر بن أحمد بن عبد السلام/ دار الندوة الجديدة ـ بيروت.
المناهي ، للإمام محمد بن منصور المرادي ـ مخطوط ـ.
المناهي ، للإمام المرتضى محمد بن يحيى بن الحسين ـ مخطوط ـ..
النهاية في الفقه للطوسي/ دار الكتاب اللبناني ـ بيروت.
النهاية في غريب الحديث والأثر، للمبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير) / تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي/ المكتبة العلمية ـ بيروت.
(1/95)

نيل الأوطار/ لمحمد بن علي الشوكاني/ دار الفكر ـ بيروت.
الهداية في تخريج أحاديث البداية/ لأحمد بن محمد بن صدي الغماري/ عالم الكتب ـ بيروت.
وسائل الشيعة/ محمد بن الحسن العاملي/مؤسة آل البيت ـ قم.

i

فهرس المواضيع

مرجحات الإرسال
وإضافة إلى ما ذكرنا من الأدلة فهنالك مرجحات شتى تؤيد القول بالإرسال، منها:
1 . المشهور عن أهل البيت عليهم السلام الإرسال، وقد أمرنا بالإقتداء بهم.
2 . كان كبار التابعين كالحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير وغيرهم يرجحون الإرسال ولا يعملون إلا به، ولا يعرفون الضم في الصلاة، حتى قال إمام أهل البيت جعفر الصادق حين سئل عنه: لا تفعله!!
وقال إمام أهل السنة مالك بن أنس، حين سئل عن الضم: لا أعرفه!!
وقال إمام أهل الحديث محمد بن سيرين، حين سئل عنه: إنما فعل ذلك من أجل الدَّم!! يعني عندما ينزل إلى الأصابع.
وقصد سعيد بن جبير رجلاً يضع إحدى يديه على الأخرى في صلاته ففرق بينهما!
ومن البعيد أن يكون سادات التابعين جهلوا روايات الضم، وقد رُوي بعضها من طريقهم.
3 . الأخبار الفعلية الواردة في شرعية الضم مهما كَثُرَت فإنها لا تدل إلا على أنه فُعل ذلك، والفعل لا ظاهر له، وما صح من الأخبار القولية لا ينص على شرعية الضم في الصلاة المفروضة، إذ يحتمل أن يكون في غير الفرض، أو أنه منسوخ، أو أنه خاص بالأنبياء، كما هو ظاهر الروايات.
4 . أحاديث الضم بين مُرْسَل وموقوف ومسند ومرفوع، فالمرسل والموقوف لا يستدل بهما عند أهل الحديث، والمسند والمرفوع بين مضطرب وضعيف. وسيأتي الكلام في ذلك.
5 . أحاديث الضم إن صحت فهي أخبار عن وقوعه، وأحاديث الإرسال نهي عنه نص في الإرسال، وعند الترجيح يرجح النهي على الأمر والإخبار، كما هو معلوم في مواضعه من أصول الفقه.
(1/96)

6 . تضاربت روايات الضم في تحديد مكانه وهيأته، مما أدى إلى تضعيفها أو سقوطها، وإذا لم يبق إلا الروايات التي ليس فيها ذكر الموضع، فيحتمل أن يكون المراد منها غير الضم المعروف، قال الأمير الحسين بن بدر الدين ـ بعد ذكر الضم ـ: (( ويجوز أن يكون المراد به التطبيق ـ وهو وضع الكف على الكف بين الفخذين ـ وقد ثبت نسخه ))( ).

(8) - أن الله قد أمرنا بالقيام في الصلاة، والأصل عد القيام هو إرسال اليدين، فعلينا أن نبقى على الأصل، حتى يأتيِ دليل صحيح يخرج عن الأصل. والروايات الواردة في ذلك ضعيفة ومتضاربة، فلا تنقل عن الأصل خصوصا مع وجود المعارض.
ولا يصح قول من يقول: إن ما روي من اختلاف في روايات الضم لا يؤثر، لأنه إنما يفيد أن المصلي مخير بين الوضع على الصدر، أو تحت السرة وأنه موسع فيه؛ لأن التخيير يحتاج إلى ثبوت دليل عليه، أو صحة الشيئين المختلفين مع الإشارة إلى عدم الحرج في ذلك.
قال شيخنا العلامة بدر الدين الحوثي: ((إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعله في موضع معين، فالمشروع الإقتداء به في محله، وأن لا يثبت التخيير إلا بدليل، إما أن يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع تارة على صدره وتارة تحت سرته، ولكن ليس هذا في شيء من روايات الضم، وإما أن يثبت التخيير بالقول، كأن يقول: ضع اليمنى على اليسرى على الصدر أو فوق السرة أو تحتها، ولا يوجد هذا في شيء من الروايات، أو تثبت رواية صحيحة تدل على أنه وضعها على صدره، ورواية أخرى صحيحة تدل على أنه وضعها فوق السرة، فتقبل الروايات كلها، وتُحمل على أنه تارة يفعل ما في رواية الصدر، وتارة يضعهما على السرة، وتارة تحتها ))( ).
وقد أشار إلى ذلك العلامة يوسف بن أحمد بن عثمان بقوله: (( قال أهل المذهب: اختلاف الرواية فيما لا يجوز فيه الاختلاف يوجب اطِّراحها، والرجوع إلى الأصل، وهو أن الأفعال غير مشروعة وأن الفعل الكثير مفسد ))( ).
(1/97)

وأكد ذلك الأمير الحسين، فقال: بعد ذكر حديث علي وأبي هريرة: (( فأحد الخبرين بلفظ الأخذ، وهو القبض، والثاني بلفظ الوضع، والفعلان المتنافيان إذا ورد بهما الخبر ولم يحصل الترجيح لأحدهما على الآخر، ولم يصح القول فيهما بالتخيير، سقط العمل بهما؛ ولأنه لم يعين في أي الأركان يفعل ذلك، أفي حال القيام؟ أم في حال القعود؟ أم في حال الركوع؟ أم في حال السجود؟ فصار تعيين الحال مجملاً يحتاج إلى بيان من حيث لم يتضمن بيان الموضع، فلا يصح الاستدلال به ))( ).
(1/98)



Aucun commentaire: