samedi 12 juillet 2014

راشد الغنوشي: في الديموقراطيَّة والعلمانيَّة والرِّدة .. بقلم: بابكر فيصل بابكر



إستضافَ مركز دراسة الإسلام والديموقراطيَّة بتونس الزعيم الإسلامي الشيخ راشد الغنوشي في مُحاضرةٍ بعنوان ( العلمانيّة وعلاقة الدين بالدولة من منظور حركة النهضة ) قدَّم فيها رؤىً وأفكاراً حول قضايا الديموقراطيَّة والعلمانيَّة والمُواطنة والرِّدة, وهى رؤىً جديرة بالنظر والمُناقشة سيَّما وأنها تخالف رؤى أطيافٍ عديدة داخل مُعسكر الإسلام السياسي.
تختلفُ التيارات المنضوية تحت لواء الإسلام السياسي حول قضيَّة نظام الحُكم وطريقة إختيار الحاكم, فمنها من يُنادي بتطبيق "الشورى" كطريقة لإختيار الحاكم ولكنها لا تملك تصوُّراً واضحاً ومُفصلاً للكيفية التي يتمُّ بها تطبيق الشورى, وهل هى ملزمة أم غير ملزمة ؟ ومنها من يقول أنَّ الديموقراطيَّة كفر صراح, وبعضها يقبلها على مضض و لكنهُ يقول أنها تتضمَّن معنىً كفري. إلا انَّ الشيخ الغنوشي يُعلن إنحيازه الكامل للديموقراطيَّة نظاماً للحُكم, والإنتخابات وسيلة لإختيار الحاكم ويقول :
(غير أنّنا إذا إحتجنا إلى سنِّ قانون في ظِلِّ هذا التعدُّد لا بدَّ لنا من آليّة, و لعلّ أفضل آليّة توصّل إليها البشر اليوم هي الآلية الديمقراطية و الآليّة الإنتخابيّة التي تفرز مُمثِّلين للأمّة بما يجعل الإجتهاد اليوم ليس إجتهاداً فردياً و إنّما جماعياً يقوم به ممثلو الأمّة المنتخبون و ذلك في غيّاب كنيسة تمثل المقدّس فوق الأرض, و ليس هناك من ناطق بإسم القرآن و الإرادة الإلهية. الإرادة الإلهية تجلّيها الوحيد في الأمّة التي تعبِّر عن الإرادة الإلهيّة من خلال تدافعها و ليس من خلال إحتكار إمام أو حزب أو دولة ). إنتهى
يؤكدُ الغنوشي – خلافاً لتياراتٍ داخل مُعسكر الإسلام السياسي – أنَّ مُهمَّة الدين لا تشملُ تعليمنا طرائق الحُكم ووسائلهِ, بل يُعطينا قيماً اخلاقيَّة توجِّهُ تفكيرنا, ويقول :
( ليس من مهمة الدين تعليمنا أساليب الزراعة و أساليب الصناعة و حتى أساليب الحكم و كيف ندير الدولة لأنّ كل هذه تقنيّات, و العقل مؤهل فيها إلى أن يصل إلى الحقيقة من خلال تراكم التجارب. مهمّة الدين أن يجيبنا عن القضايا الكبرى التي تتعلّق بوجودنا, أصلنا, و مصيرنا و الغاية التي خُلقنا لأجلِها و أن يعطينا نظام القيم و المبادئ التي يمكن أن تمثل توجيهات لتفكيرنا و سلوكنا و لأنظمة الدولة التي نسعى إليها).إنتهى
ينفي الشيخ الغنوشي أن تكون العلمانيَّة فلسفة "إلحادية" كما تقول و تدَّعي بعض التيارات داخل مُعسكر الإسلام السياسي, ويؤكد أنها – أي العلمانيَّة - ظهرت و تبلورت في الغرب كحلولٍ إجرائيّة و ليست كفلسفة أو نظرية في "الوجود" بقدر ما هي ترتيبات إجرائية لحل إشكالات طرحت في الوسط الأوروبي.
يؤكد الشيخ الغنوشي أنهُ لا توجد صيغة واحدة ونهائية للعلمانيَّة بل إنَّ تطبيقها يتغيَّر مع السياقات التاريخية والإجتماعية والسياسية بين مُختلف الدول, كما أنه لا يوُجد تصوَّرٌ صحيحٌ واحدٌ للإسلام وما عداهُ خطأ, فالتصُّورات تختلفُ بإختلافِ الأفهام, ولذلك يُمكننا الحديث عن أكثر من إسلام. يقول الشيخ الغنوشي :
( نحن لسنا أزاء علمانية واحدة بل أزاء علمانيّات, و كذا الإسلام أيضاً بحكم ما هو مطروح في الساحة نحن إزاء أكثر من إسلامٍ واحدٍ أي أكثر من فهم ). إنتهى
وبينما يرفض الشيخ الغنوشي قبول العلمانية بمعنى "فصل الدين عن الحياة", فإنهُ يدعو "للتمييز" بين الدين والسياسة ويقول إنَّ السبيل للوصول لمعادلة تضمن فيها حُريَّات الناس وحقوقهم وهى المقاصد التي جاء من أجلها الدين هو ( الرجوع إلى موضوع التمييز بين الدين و السياسة و نحتاج إلى ضبط ماهي ثوابت الدين و ماهي متغيّراته ؟ ). إنتهى
إنَّ الزعم بأنَّ العلمانيَّة تعني الفصل بين الدين والحياة هو – كما يقول الدكتور عبد الله النعيم – قولٌ ضال ومُضلِّل وغير عملي. فحقيقة الأمر أنَّ الأخلاق المُستمَّدة من مصادر دينية هى أساس الحكم والقضاء والإقتصاد وباقي الأمور المتعلقة بالصالح العام. ولهذا فإنَّ الدين يتخلل جميع جوانب الحياة العامة للمجتمع. ففي مختلف القضايا التي تواجه المجتمع, من ضبط الإجهاض وحضانة الأطفال بعد الطلاق, إلى تنظيم التأمينات الصحية أو العقوبات والسياسات العقابية, كلها أمور تحتاج للنظر الأخلاقي العميق الذي يمارسهُ أغلب المواطنون من خلال معتقداتهم الدينية, وهكذا فلا يُمكن للعلمانيَّة إقصاء الدين عن الحياة العامة.
يقول الشيخ الغنوشي أنَّ الدولة منتوجٌ بشريٌ والدِّين تنزُّلٌ إلهي وأنَّ ( الدينُ مدارهُ الأساسي ليس أدوات الدولة و إنما القناعات الشخصية، أمّا الدولة فمُهمّتها تقديم الخدمة للناس قبل كلّ شيء كمواطن الشغل و الصحة الجيّدة و المدرسة الجيّدة أمّا قلوبهم و تديّنهم فأمرها لله ). إنتهى
يربطُ الشيخ الغنوشي نظرتهُ لعلاقة الدين بالدولة بالمقاصد الكليَّة للدين ويقول : ( إنّ المقصد الأسمى لنزول الرِّسالات هو تحقيق العدل و مصالح النّاس, هذه المصالح تتحقق من خلال إعمال العقل في ضوء موجِّهات, مقاصد, مبادئ و قيم الدّين. لذلك ظلّ هنالك مجال للمعاملات يعرف تطوّراً مستمراً و منه نظام الدول و هذه تمثل المتغيّرات, بينما ما هو عقائدي و شعائري و ما هو قيمي أخلاقي يمثل الثوابت ). إنتهى
و بينما تعترضُ العديد من التيارات داخل مُعسكر الإسلام السياسي على القبول بمبدأ "المُواطنة" كأساس للحقوق والواجبات داخل الدولة وتطالب بأن تكون "العقيدة" هى مناط ذلك, فإنَّ الشيخ الغنوشي يُعلنُ إنحيازهِ الصريح لمبدأ المواطنة ويقول :
( بما أنّ ثورتنا نجحت في الإطاحة بدكتاتور ينبغي علينا أن نقبل مبدأ المواطنة و أنَّ هذه البلاد ليست ملكاً لزيدٍ أو لعمرٍ أو لهذا الحزب أو ذاك و لكنّها ملك لكلّ مواطنيها و هم جميعاً بغضّ النظر عن معتقداتهم أو أجناسهم إن كانوا ذكوراً أو إناثاً، الإسلام يمتّعهم و أعطاهم الحقّ أن يكونوا مواطنين يتمتعوّن بنفس الحقوق, بأن يعتقدوا بما شاءوا ضمن إطار إحترامهم لبعضهم البعض و أن يتصرّفوا وفق القانون الذي هم يسنّونه عبر ممثّليهم في البرلمان ). إنتهى
يؤكُد الشيخ الغنوشي أنَّ "الحُريَّة" ( هي القيمة الأساسية التّي يلجُ بها الإنسان دار الإسلام، فالناطق بالشهادتين يُعبِّر عن قرارٍ إختياريٍ و فردي يقوم عن وعي و بيِّنة. و لذلك فالدولة مُنتسبة للإسلام بقدر ما تحرصُ على أن تتماثل بقيمهِ دون وصايةٍ من مؤسسةٍ دينيةٍ لأنّه ليس هناك مثل هذه المؤسسة في الإسلام بل هناك شعبٌ و أمّة يقرِّران لنفسهما عبر مؤسساتهما ماهو الدين، فأعظم قيمة في الإسلام هي قيمة الحُرّية ؟ ). إنتهى
وبناءً على ذلك فإنَّ الشيخ الغنوشي – خلافاً لما تقول به العديد من تيارات الإسلام السياسي - يدعو لحُرية "الإعتقاد", وأن يكون من حق الإنسان دخول الإسلام أو الخروج منهُ بحُريَّة ودون أن يتعرَّض لما يُعرف بعقوبة "الرِّدة" وفي هذا الإطار يقول الشيخ الغنوشي :
( ولذلك أنا عارضت كلّ سبيلٍ لإكراهِ الناس على أيّ أمرٍ و طرحتُ موضوعاً شائكاً في بعض المواطن و هو ما يُسمّى بالردّة بمعنى أنّ مُهمّة الدَّولة أنْ تحدّ من حُرّية الناس في الإعتقاد. إذا كان مبدأ لا إكراه في الدين متفقاً عليه فقد دافعتُ عن مبدأ الحرِّية في الإتّجاهين : حُرِّية الولوج في الدين و مغادرته لأنّه لا معنى لتديُّن يقوم على الإكراه، لا حاجة للأمَّة الإسلامية بمنافقٍ يُبطنُ الكفر و يُظهرُ الإيمان و الإسلام لأنّهُ لم يتعزَّز صفّها بإضافة من هذا القبيل ). إنتهى
في هذا الخصوص يجب أن نشير إلى أنَّ أهل حكومة الإنقاذ الذين يُصنفون داخل مُعسكر الإسلام السياسي ضمن ذات المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها الشيخ الغنوشي وجماعتهِ يُطبِّقون حد الرِّدة الذي ورد النص عليه في المادة (126) من القانون الجنائي السوداني لسنة (1991), والتي تنصُّ على الآتي : ( يُعد مُرتكباً جريمة الرِّدة كلَّ مُسلمٍ يُروِّج للخروج من ملة الإسلام أو يُجاهر بالخروج عنها بقولٍ صريحٍ أو بفعلٍ قاطع الدلالة. يُستتابُ من يرتكب جريمة الرِّدة ويُمهلُ مُدة تقررها المحكمة فاذا أصرَّ على ردته ولم يكن حديث عهد بالاسلام يُعاقبُ بالإعدام . تسقط عُقوبة الرِّدة متى عدل المُرتد قبل التنفيذ ). إنتهى
لا شكَّ أنَّ آراء الشيخ راشد الغنوشي تتسَّم بالكثير من الإنفتاح والإعتدال, و محاولة موائمة الفكر الإسلامي مع روح العصر, وهى آراءٌ ستتعرُّض للإختبار الحقيقي في التطبيق العملي من خلال تجربة حركة النهضة التونسيِّة في الحُكم, و هى التجربة التي يؤمل الكثيرون – حتى داخل تيارات الإسلام السياسي – أن تقدِّم نموذجاً مُختلفاً من الذي قدَّمتهُ التجربة السُّودانية المُستمرَّة منذ يونيو 1989.

http://sudanile.com/index.php/2008-05-19-17-39-36/939-2010-02-02-21-17-39/49454-2013-01-24-09-22-47 

Aucun commentaire: