ابن تيمية مجدد تجسيم الحنابلة
الكتاب : کتاب الوهابية والتوحيد
الفصل الرابع
ابن تيمية مجدد تجسيم الحنابلة
قال ابن بطوطة في رحلته ص 90 : ( وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة قي الدين بن تيمية كبير الشام ، يتكلم في الفنون ، إلا أن في عقله شيئاً ، وكنت إذ ذاك دمشق ، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم ، فكان من ملة كلامه أن قال : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ! ونزل ربعة من ربع المنبر ، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به ، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته ! ) .
وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 170 : ( قال ابن تيمية في كتابه الموافقة 1118 بهامش منهاج سنته ( فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ) .
وقال ابن تيمية في تفسيره :6/386 :
( ولهذا صار للناس فيما ذكر الله في القرآن من الاستواء والمجيء ونحو ذلك ستة أقوال : طائفة يقولون : تجري على ظاهرها ، ويجعلون إتيانه من جنس إتيان المخلوق ونزوله من جنس نزولهم ، وهؤلاء المشبهة الممثلة ، ومن هؤلاء من يقول : إذا نزل خلا منه العرش فلم يبق فوق العرش .
وطائفة يقولون : بل النصوص على ظاهرها اللائق به كما في سائر ما وصف به في نفسه ، وهو ليس كمثله شئ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، ويقولون : نزل نزولا يليق بجلاله ، وكذلك يأتي إتيانا يليق بجلاله ، وهو عندهم ينزل ويأتي ولم يزل عالياً وهو فوق العرش ، كما قال حماد بن زيد: هو فوق العرش يقرب من خلقه كيف شاء ، وقال إسحاق بن راهويه : ينزل ولا يخلو منه العرش، ونقل ذلك عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدد. وتفسير النزول بفعل يقوم بذاته هو قول علماء أهل الحديث ، وهو الذي حكاه أبو عمر بن عبد البر عنهم ، وهو قول عامة القدماء من أصحاب أحمد، وقد صرح به ابن حامد وغيره . والأول نفي قيام الأمور الإختيارية ، هو قول التميمي موافقة منه لابن كلاب، وهو قول القاضي أبي يعلى وأتباعه، وطائفتان يقولان: بل ينزل ولا يأتي كما تقدم ، ثم منهم من يتأول ذلك ومنهم من يفوض معناه.
وطائفتان واقفتان ، منهم من يقول ما ندري ما أراد الله بهذا ، ومنهم من لا يزيد على تلاوة القرآن .
وعامة المنتسبين إلى السنة وأتباع السلف يبطلون تأويل من تأول ذلك بما ينفي أن يكون هو المستوي الآتي. لكن كثيراً منهم يرد التأويل الباطل ويقول: هو مما يكتم تفسيره ! ) انتهى .
وقال ابن تيمية في تفسيره: 6/118: ( والمقصود هنا أن علوه من صفات المدح اللازمة له فلا يجوز اتصافه بضد العلو البتة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( أنت الأول فليس قبلك شئ ، أنت الآخر فليس بعدك شئ ، وأنت الظاهر فليس فوقك شئ ، وأنت الباطن فليس دونك شئ ) ، ولم يقل تحتك !
وقد تكلمنا على هذا الحديث في غير هذا الموضع ، وما في الكتاب والسنة من قوله : أأمنتم من في السماء ، ونحو ذلك ، قد يفهم منه بعضهم أن السماء هي نفس المخلوق العالي ، العرش فما دونه ، فيقولون : قوله في السماء بمعنى على السماء كما قال : ولأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل وكما قال : فسيروا في الأرض ، أي على الأرض ، ولا حاجة إلى هذا ، بل السماء اسم جنس للعالي لا يخص شيئاً ، فقوله : في السماء أي في العلو دون السفل ، وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو وهو ما فوق العرش ، وليس هناك غير العلي الأعلى سبحانه وتعالى ) . انتهى .
وقال في الرسالة التدمرية ص 39 : ( إن الله سبحانه موصوف بالإثبات والنفي ، فالإثبات كإخباره بأنه بكل شئ عليم وعلى كل شئ قدير وأنه سميع بصير ونحو ذلك ، والنفي كقوله لا تأخذه سنة ولا نوم ، وينبغي العلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتاً ، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال ، لأن النفي المحض عدم محض ، و العدم المحض ليس بشيء ، وما ليس بشيء فهو كما قيل : ليس بشيء فضلاً عن أن يكون مدحا أو كمالا ، ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع ، والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال ، فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمناً لإثبات مدح . . .
وكذلك قوله : لا تدركه الأبصار ، إنما نفي الإدراك الذي هو الإحاطة ، كما قاله أكثر العلماء ، ولم ينف مجرد الرؤية لأن المعدوم لا يرى ، وليس في كونه لا يرى مدح ، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحاً ، وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن رؤي ، كما أنه لا يحاط به وإن علم ، فكما أنه إذا علم لا يحاط به علماً فكذلك إذا رؤي لا يحاط به رؤية ) .
وقال في الرسالة التدمرية ص 47 : ( إذا قال القائل : ظاهر النصوص مراد أو ظاهرها ليس بمراد ؟ فإنه يقال : لفظ الظاهر فيه إجمال واشتراك ، فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين أو ما هو من خصائصهم فلا ريب أن هذا غير مراد ، ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهره ، ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفراً وباطلاً !
والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ضلال .
والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون من وجهين : تارة يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ ، حتى يجعلوه محتاجا إلى تأويل يخالف الظاهر ، ولا يكون كذلك ، وتارة يردون المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ ، لاعتقادهم أنه باطل ) . انتهى .
وقال في الرسالة التدمرية ص 72 : ( فلا يجوز أن يقال : إن هذا اللفظ متأول ، بمعنى أنه مصروف عن الإحتمال الراجح إلى الإحتمال المرجوح ، فضلاً عن أن يقال إن هذا التأويل لا يعلمه إلا الله ، اللهم إلا أن يراد بالتأويل ما يخالف ظاهره المختص بالخلق . فلا ريب أن من أراد بالظاهر هذا لا بد وأن يكون له تأويل يخالف ظاهره لكن إذا قال هؤلاء : إنه ليس لها تأويل يخالف الظاهر ، أو أنها تجري على المعاني الظاهرة منها كانوا متناقضين، وإن أرادوا بالظاهرهنا معنى وهناك معنى في سياق واحد من غير بيان كان تلبيساً ، وإن أرادوا بالظاهر مجرد اللفظ أن تجرى على مجرد اللفظ الذي يظهر من غير فهم لمعناه ، كان إبطالهم للتأويل أو إثباته تناقضاً ، لأن من أثبت تأويلاً أو نفاه فقد فهم معنى من المعاني .
وبهذا التقسيم : يتبين تناقض كثير من الناس من نفاة الصفات ومثبتيها في هذا الباب ) .
وقال في الرسالة التدمرية ص 55 : ( ثم قد علم أن الله تعالى خلق العالم بعضه فوق بعض ولم يجعل عاليه مفتقراً إلى سافله ، فالهواء فوق الأرض وليس مفتقراً إلى أن تحمله الأرض ، والسحاب أيضاً فوق الأرض وليس مفتقراً إلى أن تحمله ، والسموات فوق الأرض وليست مفتقرة إلى حمل الأرض لها ، فالعلي الأعلى رب كل شئ ومليكه إذا كان فوق جميع خلقه كيف يجب أن يكون محتاجاً إلى خلقه أو عرشه ، أو كيف يستلزم علوه على خلقه هذا الإفتقار ، وهو ليس بمستلزم في المخلوقات ، وقد علم أن ما ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره فالخالق سبحانه أحق به وأولى ، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة ، وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن ، فهذه الجملة سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك ) . انتهى .
قال في الرسالة التدمرية ص 75 : ( فهؤلاء إذا أطلقوا على الصفاتية اسم التشبيه والتمثيل : كان هذا بحسب اعتقادهم الذي ينازعهم فيه أولئك ، ثم يقول لهم أولئك : هب أن هذا المعنى قديسمى في اصطلاح بعض الناس تشبيهاً ، فهذا المعنى لا ينفيه عقل ولا سمع ، وإنما الواجب نفي ما نفته الأدلة الشرعية والعقلية ، والقرآن قد نفى مسمى المثل والكفء والند ، ونحو ذلك ولكن يقولون الصفة في لغة العرب ليست مثل الموصوف ولا كفؤه ولا نده ، فلا يدخل في النص . وأما العقل : فلم ينف مسمى التشبيه في اصطلاح المعتزلة ) . انتهى .
وقال في الرسالة التدمرية ص 90 : ( والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب ، فالغني المنزه عن ذلك منزه عن آلات ذلك، بخلاف اليد فإنها للعمل والفعل ، وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل ، إذ ذاك من صفات الكمال ، فمن يقدر أن يفعل أكمل ممن لا يقدر على الفعل وهو سبحانه منزه عن الصاحبة والولد ، وعن آلات ذلك وأسبابه ، وكذلك البكاء و الحزن هو مستلزم الضعف والعجز ، الذي ينزه عنه سبحانه ، بخلاف الفرح والغضب : فإنه من صفات الكمال ! )
وقال في الرسالة التدمرية ص 95 : ( والمقصود هنا أن منها ( صفات الله تعالى ) ما قد يعلم بالعقل ، كما يعلم أنه عالم وأنه قادر وأنه حي ، كما أرشد إلى ذلك قوله : ألا يعلم من خلق ، وقد اتفق النظار من مثبتة الصفات على أنه يعلم بالعقل (عند المحققين ) أنه حي عليم قدير مريد ، وكذلك السمع والبصر والكلام يثبت بالعقل ، عند المحققين منهم ، بل وكذلك الحب والرضا والغضب يمكن إثباته بالعقل ، وكذلك علوه على المخلوقات ومباينته لها مما يعلم بالعقل ، كما أثبته بذلك الأئمة مثل أحمد بن حنبل وغيره ومثل عبد العالي المكي ، وعبد الله بن سعيد بن كلاب ، بل وكذلك إمكان الرؤية يثبت بالعقل ، لكن منهم من أثبتها بأن كل موجود تصح رؤيته ومنهم من أثبتها بأن كل قائم بنفسه يمكن رؤيته ، وهذه الطريق أصح من تلك ، وقد يمكن إثبات الرؤية بغير هذين الطريقين ، بتقسيم دائر بين النفي والإثبات كما يقال : إن الرؤية لا تتوقف إلا على أمور وجودية ، فإن ما لا يتوقف إلا على أمور وجودية
يكون الموجود الواجب القديم أحق به من الممكن المحدث ) . انتهى .
مقومات مذهب ابن تيمية
هذه جملة نصوص لابن تيمية من تنظيراته لمذهبه ، وسيأتي عدد آخر منها ، ويكفي لكشف التجسيم فيها أن نسجل هنا النقاط التالية :
أولاً : يرفض ابن تيمية تفويض تفسير الصفات إلى الله تعالى لأنه ( من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ) وكأن الإمتناع عن تفسير ( وجه الله ويد الله ) يعني في ذهنه إنكار وجود الله عز وجل ! !
ثانياً : يوجب ابن تيمية حمل صفات الله تعالى الواردة في القرآن والسنة على ظاهرها الحقيقي في اللغة أي المعنى المادي الحسي ، ويرفض حملها على المجاز ، لأنه لا مجاز في القرآن والحديث !
ثالثاً : الله تعالى في مذهبه ، موجود فوق العالم ليس فوقه شئ إلا الهواء كما سيأتي منه ، ولكن تحته شئ هو هذا العالم ( ولم يقل تحتك ) وهو موجود على عرشه وربما ينزل إلى العالم ، وهو يرى بالعين لأن الرؤية لا تتوقف ( إلا على أمور وجودية فيكون الموجود الواجب القديم أحق بها من الممكن المحدث). وقد ذكر دليلاً على استغناء الله تعالى عن العالم يضحك حتى عوام الناس ، وهو أن وجود كل عالٍ مستغنٍ عن وجود ما هو أسفل منه ! !
فأغصان الشجرة عنده مستغنية عن جذعها ، والطابق الأعلى مستغن عن الأسفل ! !
رابعاً : نزول الله تعالى إلى العالم وإلى سمائنا الدنيا عند ابن تيمية نزول بذاته فقد قال ( وتفسير النزول بفعل يقوم بذاته هو قول علماء أهل الحديث ... ) ويضاف إلى ذلك شهادة ابن بطوطة في رحلته ، فيكون النزول عنده نزولاً حسياًلموجود مادي! ولا يبقى قيمة لعباراته التي حاول فيها التخلص من ذلك.
خامساًً : دافع ابن تيمية عن مذهبه بأنه ليس تشبيهاً لله تعالى بخلقه ، لأنه قال له وجه حسي ولم يقل كوجه الإنسان أو غيره ، وقال له يد حسية ولم يقل كيد الإنسان أو غيره وذلك كاف عنده للخروج عن تهمة التشبيه !
ثم خرج عن التشبيه احتياطاً بأمر آخر فقال نحمل النصوص على ظاهرها الحسي ونقول ( الظاهر اللائق بالله تعالى ) وليس على ظاهرها غير اللائق !
سادساً : ثم تقدم ابن تيمية خطوة جريئة في إثبات التشبيه فقال ( هب أن هذا المعنى قد يسمى في اصطلاح بعض الناس تشبيهاً ، فهذا المعنى لا ينفيه عقل ولا سمع ، وإنما الواجب نفي ما نفته الأدلة الشرعية والعقلية ) لا أكثر !
ويقصد بذلك أن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة إنما نفت عن الله تعالى الند والشريك والمثل والكفء ، ولم تنف عنه الشبيه الذي نفاه من فسر قوله تعالى ( ليس كمثله شئ ) وهم أكثر المسلمين من الشيعة والسنة والفلاسفة والمعتزلة ، فلا مانع أن ننفي عنه تعالى المثل الذي نفته النصوص ، ولا ننفي عنه تشبيهه بخلقه ! ! فما المانع أن يكون شبيها بخلقه ما دام هو لم ينف ذلك ؟ ! !
وهكذا يجاهر ابن تيمية بأن قوله تعالى ( ليس كمثله شئ ) يعني نفي المثلية فقط ! ولا يعني نفي الشبيه ، فإن لله شبيها عنده هو آدم . . . وشبيهاً آخر هو . . ابن تيمية ! !
سابعاًً : وإذاناقشته بأنك عندما تنفي التأويل والتفويض وتصر على التفسير بالظاهر ، فلا معنى لذلك إلا أنك تقول بالتجسيم ، فيقول لك ( وعامة المنتسبين إلى السنة وأتباع السلف يبطلون تأويل من تأول ذاك بما ينفي أن يكون هو المستوي على العرش الآتي ، لكن كثيراً منهم يرد التأويل الباطل ويقول : أو مما يكتم تفسيره ) .
وهكذا يقرر ابن تيمية أن تشبيه الله تعالى بخلقه لا مانع منه ، والتفسير بالتجسيم يجب أن يكتم ! !
وأن معبوده موجود في منطقة فوق السماء التي نراها ، وأنه وجود مادي جالس على العرش ، وأنه متناه من جهة تحت ، أما من جهة فوق فليس فوقه شئ إلا الهواء ! وأنه يتحرك وينزل بذاته إلى الأرض !
ولا يقول إنه يصعد كما قال أستاذه ابن خزيمة . . إلى آخر مقولاته الغريبة تعالى الله وتقدس عنها ! وستأتي بقية جوانب مذهبه في الرد على أتباعه الوهابيين ، إن شاء الله
منقول
الكتاب : کتاب الوهابية والتوحيد
الفصل الرابع
ابن تيمية مجدد تجسيم الحنابلة
قال ابن بطوطة في رحلته ص 90 : ( وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة قي الدين بن تيمية كبير الشام ، يتكلم في الفنون ، إلا أن في عقله شيئاً ، وكنت إذ ذاك دمشق ، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم ، فكان من ملة كلامه أن قال : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ! ونزل ربعة من ربع المنبر ، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به ، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته ! ) .
وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 170 : ( قال ابن تيمية في كتابه الموافقة 1118 بهامش منهاج سنته ( فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ) .
وقال ابن تيمية في تفسيره :6/386 :
( ولهذا صار للناس فيما ذكر الله في القرآن من الاستواء والمجيء ونحو ذلك ستة أقوال : طائفة يقولون : تجري على ظاهرها ، ويجعلون إتيانه من جنس إتيان المخلوق ونزوله من جنس نزولهم ، وهؤلاء المشبهة الممثلة ، ومن هؤلاء من يقول : إذا نزل خلا منه العرش فلم يبق فوق العرش .
وطائفة يقولون : بل النصوص على ظاهرها اللائق به كما في سائر ما وصف به في نفسه ، وهو ليس كمثله شئ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، ويقولون : نزل نزولا يليق بجلاله ، وكذلك يأتي إتيانا يليق بجلاله ، وهو عندهم ينزل ويأتي ولم يزل عالياً وهو فوق العرش ، كما قال حماد بن زيد: هو فوق العرش يقرب من خلقه كيف شاء ، وقال إسحاق بن راهويه : ينزل ولا يخلو منه العرش، ونقل ذلك عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدد. وتفسير النزول بفعل يقوم بذاته هو قول علماء أهل الحديث ، وهو الذي حكاه أبو عمر بن عبد البر عنهم ، وهو قول عامة القدماء من أصحاب أحمد، وقد صرح به ابن حامد وغيره . والأول نفي قيام الأمور الإختيارية ، هو قول التميمي موافقة منه لابن كلاب، وهو قول القاضي أبي يعلى وأتباعه، وطائفتان يقولان: بل ينزل ولا يأتي كما تقدم ، ثم منهم من يتأول ذلك ومنهم من يفوض معناه.
وطائفتان واقفتان ، منهم من يقول ما ندري ما أراد الله بهذا ، ومنهم من لا يزيد على تلاوة القرآن .
وعامة المنتسبين إلى السنة وأتباع السلف يبطلون تأويل من تأول ذلك بما ينفي أن يكون هو المستوي الآتي. لكن كثيراً منهم يرد التأويل الباطل ويقول: هو مما يكتم تفسيره ! ) انتهى .
وقال ابن تيمية في تفسيره: 6/118: ( والمقصود هنا أن علوه من صفات المدح اللازمة له فلا يجوز اتصافه بضد العلو البتة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( أنت الأول فليس قبلك شئ ، أنت الآخر فليس بعدك شئ ، وأنت الظاهر فليس فوقك شئ ، وأنت الباطن فليس دونك شئ ) ، ولم يقل تحتك !
وقد تكلمنا على هذا الحديث في غير هذا الموضع ، وما في الكتاب والسنة من قوله : أأمنتم من في السماء ، ونحو ذلك ، قد يفهم منه بعضهم أن السماء هي نفس المخلوق العالي ، العرش فما دونه ، فيقولون : قوله في السماء بمعنى على السماء كما قال : ولأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل وكما قال : فسيروا في الأرض ، أي على الأرض ، ولا حاجة إلى هذا ، بل السماء اسم جنس للعالي لا يخص شيئاً ، فقوله : في السماء أي في العلو دون السفل ، وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو وهو ما فوق العرش ، وليس هناك غير العلي الأعلى سبحانه وتعالى ) . انتهى .
وقال في الرسالة التدمرية ص 39 : ( إن الله سبحانه موصوف بالإثبات والنفي ، فالإثبات كإخباره بأنه بكل شئ عليم وعلى كل شئ قدير وأنه سميع بصير ونحو ذلك ، والنفي كقوله لا تأخذه سنة ولا نوم ، وينبغي العلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتاً ، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال ، لأن النفي المحض عدم محض ، و العدم المحض ليس بشيء ، وما ليس بشيء فهو كما قيل : ليس بشيء فضلاً عن أن يكون مدحا أو كمالا ، ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع ، والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال ، فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمناً لإثبات مدح . . .
وكذلك قوله : لا تدركه الأبصار ، إنما نفي الإدراك الذي هو الإحاطة ، كما قاله أكثر العلماء ، ولم ينف مجرد الرؤية لأن المعدوم لا يرى ، وليس في كونه لا يرى مدح ، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحاً ، وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن رؤي ، كما أنه لا يحاط به وإن علم ، فكما أنه إذا علم لا يحاط به علماً فكذلك إذا رؤي لا يحاط به رؤية ) .
وقال في الرسالة التدمرية ص 47 : ( إذا قال القائل : ظاهر النصوص مراد أو ظاهرها ليس بمراد ؟ فإنه يقال : لفظ الظاهر فيه إجمال واشتراك ، فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين أو ما هو من خصائصهم فلا ريب أن هذا غير مراد ، ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهره ، ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفراً وباطلاً !
والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ضلال .
والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون من وجهين : تارة يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ ، حتى يجعلوه محتاجا إلى تأويل يخالف الظاهر ، ولا يكون كذلك ، وتارة يردون المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ ، لاعتقادهم أنه باطل ) . انتهى .
وقال في الرسالة التدمرية ص 72 : ( فلا يجوز أن يقال : إن هذا اللفظ متأول ، بمعنى أنه مصروف عن الإحتمال الراجح إلى الإحتمال المرجوح ، فضلاً عن أن يقال إن هذا التأويل لا يعلمه إلا الله ، اللهم إلا أن يراد بالتأويل ما يخالف ظاهره المختص بالخلق . فلا ريب أن من أراد بالظاهر هذا لا بد وأن يكون له تأويل يخالف ظاهره لكن إذا قال هؤلاء : إنه ليس لها تأويل يخالف الظاهر ، أو أنها تجري على المعاني الظاهرة منها كانوا متناقضين، وإن أرادوا بالظاهرهنا معنى وهناك معنى في سياق واحد من غير بيان كان تلبيساً ، وإن أرادوا بالظاهر مجرد اللفظ أن تجرى على مجرد اللفظ الذي يظهر من غير فهم لمعناه ، كان إبطالهم للتأويل أو إثباته تناقضاً ، لأن من أثبت تأويلاً أو نفاه فقد فهم معنى من المعاني .
وبهذا التقسيم : يتبين تناقض كثير من الناس من نفاة الصفات ومثبتيها في هذا الباب ) .
وقال في الرسالة التدمرية ص 55 : ( ثم قد علم أن الله تعالى خلق العالم بعضه فوق بعض ولم يجعل عاليه مفتقراً إلى سافله ، فالهواء فوق الأرض وليس مفتقراً إلى أن تحمله الأرض ، والسحاب أيضاً فوق الأرض وليس مفتقراً إلى أن تحمله ، والسموات فوق الأرض وليست مفتقرة إلى حمل الأرض لها ، فالعلي الأعلى رب كل شئ ومليكه إذا كان فوق جميع خلقه كيف يجب أن يكون محتاجاً إلى خلقه أو عرشه ، أو كيف يستلزم علوه على خلقه هذا الإفتقار ، وهو ليس بمستلزم في المخلوقات ، وقد علم أن ما ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره فالخالق سبحانه أحق به وأولى ، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة ، وأوسط الجنة وسقفها عرش الرحمن ، فهذه الجملة سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك ) . انتهى .
قال في الرسالة التدمرية ص 75 : ( فهؤلاء إذا أطلقوا على الصفاتية اسم التشبيه والتمثيل : كان هذا بحسب اعتقادهم الذي ينازعهم فيه أولئك ، ثم يقول لهم أولئك : هب أن هذا المعنى قديسمى في اصطلاح بعض الناس تشبيهاً ، فهذا المعنى لا ينفيه عقل ولا سمع ، وإنما الواجب نفي ما نفته الأدلة الشرعية والعقلية ، والقرآن قد نفى مسمى المثل والكفء والند ، ونحو ذلك ولكن يقولون الصفة في لغة العرب ليست مثل الموصوف ولا كفؤه ولا نده ، فلا يدخل في النص . وأما العقل : فلم ينف مسمى التشبيه في اصطلاح المعتزلة ) . انتهى .
وقال في الرسالة التدمرية ص 90 : ( والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب ، فالغني المنزه عن ذلك منزه عن آلات ذلك، بخلاف اليد فإنها للعمل والفعل ، وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل ، إذ ذاك من صفات الكمال ، فمن يقدر أن يفعل أكمل ممن لا يقدر على الفعل وهو سبحانه منزه عن الصاحبة والولد ، وعن آلات ذلك وأسبابه ، وكذلك البكاء و الحزن هو مستلزم الضعف والعجز ، الذي ينزه عنه سبحانه ، بخلاف الفرح والغضب : فإنه من صفات الكمال ! )
وقال في الرسالة التدمرية ص 95 : ( والمقصود هنا أن منها ( صفات الله تعالى ) ما قد يعلم بالعقل ، كما يعلم أنه عالم وأنه قادر وأنه حي ، كما أرشد إلى ذلك قوله : ألا يعلم من خلق ، وقد اتفق النظار من مثبتة الصفات على أنه يعلم بالعقل (عند المحققين ) أنه حي عليم قدير مريد ، وكذلك السمع والبصر والكلام يثبت بالعقل ، عند المحققين منهم ، بل وكذلك الحب والرضا والغضب يمكن إثباته بالعقل ، وكذلك علوه على المخلوقات ومباينته لها مما يعلم بالعقل ، كما أثبته بذلك الأئمة مثل أحمد بن حنبل وغيره ومثل عبد العالي المكي ، وعبد الله بن سعيد بن كلاب ، بل وكذلك إمكان الرؤية يثبت بالعقل ، لكن منهم من أثبتها بأن كل موجود تصح رؤيته ومنهم من أثبتها بأن كل قائم بنفسه يمكن رؤيته ، وهذه الطريق أصح من تلك ، وقد يمكن إثبات الرؤية بغير هذين الطريقين ، بتقسيم دائر بين النفي والإثبات كما يقال : إن الرؤية لا تتوقف إلا على أمور وجودية ، فإن ما لا يتوقف إلا على أمور وجودية
يكون الموجود الواجب القديم أحق به من الممكن المحدث ) . انتهى .
مقومات مذهب ابن تيمية
هذه جملة نصوص لابن تيمية من تنظيراته لمذهبه ، وسيأتي عدد آخر منها ، ويكفي لكشف التجسيم فيها أن نسجل هنا النقاط التالية :
أولاً : يرفض ابن تيمية تفويض تفسير الصفات إلى الله تعالى لأنه ( من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ) وكأن الإمتناع عن تفسير ( وجه الله ويد الله ) يعني في ذهنه إنكار وجود الله عز وجل ! !
ثانياً : يوجب ابن تيمية حمل صفات الله تعالى الواردة في القرآن والسنة على ظاهرها الحقيقي في اللغة أي المعنى المادي الحسي ، ويرفض حملها على المجاز ، لأنه لا مجاز في القرآن والحديث !
ثالثاً : الله تعالى في مذهبه ، موجود فوق العالم ليس فوقه شئ إلا الهواء كما سيأتي منه ، ولكن تحته شئ هو هذا العالم ( ولم يقل تحتك ) وهو موجود على عرشه وربما ينزل إلى العالم ، وهو يرى بالعين لأن الرؤية لا تتوقف ( إلا على أمور وجودية فيكون الموجود الواجب القديم أحق بها من الممكن المحدث). وقد ذكر دليلاً على استغناء الله تعالى عن العالم يضحك حتى عوام الناس ، وهو أن وجود كل عالٍ مستغنٍ عن وجود ما هو أسفل منه ! !
فأغصان الشجرة عنده مستغنية عن جذعها ، والطابق الأعلى مستغن عن الأسفل ! !
رابعاً : نزول الله تعالى إلى العالم وإلى سمائنا الدنيا عند ابن تيمية نزول بذاته فقد قال ( وتفسير النزول بفعل يقوم بذاته هو قول علماء أهل الحديث ... ) ويضاف إلى ذلك شهادة ابن بطوطة في رحلته ، فيكون النزول عنده نزولاً حسياًلموجود مادي! ولا يبقى قيمة لعباراته التي حاول فيها التخلص من ذلك.
خامساًً : دافع ابن تيمية عن مذهبه بأنه ليس تشبيهاً لله تعالى بخلقه ، لأنه قال له وجه حسي ولم يقل كوجه الإنسان أو غيره ، وقال له يد حسية ولم يقل كيد الإنسان أو غيره وذلك كاف عنده للخروج عن تهمة التشبيه !
ثم خرج عن التشبيه احتياطاً بأمر آخر فقال نحمل النصوص على ظاهرها الحسي ونقول ( الظاهر اللائق بالله تعالى ) وليس على ظاهرها غير اللائق !
سادساً : ثم تقدم ابن تيمية خطوة جريئة في إثبات التشبيه فقال ( هب أن هذا المعنى قد يسمى في اصطلاح بعض الناس تشبيهاً ، فهذا المعنى لا ينفيه عقل ولا سمع ، وإنما الواجب نفي ما نفته الأدلة الشرعية والعقلية ) لا أكثر !
ويقصد بذلك أن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة إنما نفت عن الله تعالى الند والشريك والمثل والكفء ، ولم تنف عنه الشبيه الذي نفاه من فسر قوله تعالى ( ليس كمثله شئ ) وهم أكثر المسلمين من الشيعة والسنة والفلاسفة والمعتزلة ، فلا مانع أن ننفي عنه تعالى المثل الذي نفته النصوص ، ولا ننفي عنه تشبيهه بخلقه ! ! فما المانع أن يكون شبيها بخلقه ما دام هو لم ينف ذلك ؟ ! !
وهكذا يجاهر ابن تيمية بأن قوله تعالى ( ليس كمثله شئ ) يعني نفي المثلية فقط ! ولا يعني نفي الشبيه ، فإن لله شبيها عنده هو آدم . . . وشبيهاً آخر هو . . ابن تيمية ! !
سابعاًً : وإذاناقشته بأنك عندما تنفي التأويل والتفويض وتصر على التفسير بالظاهر ، فلا معنى لذلك إلا أنك تقول بالتجسيم ، فيقول لك ( وعامة المنتسبين إلى السنة وأتباع السلف يبطلون تأويل من تأول ذاك بما ينفي أن يكون هو المستوي على العرش الآتي ، لكن كثيراً منهم يرد التأويل الباطل ويقول : أو مما يكتم تفسيره ) .
وهكذا يقرر ابن تيمية أن تشبيه الله تعالى بخلقه لا مانع منه ، والتفسير بالتجسيم يجب أن يكتم ! !
وأن معبوده موجود في منطقة فوق السماء التي نراها ، وأنه وجود مادي جالس على العرش ، وأنه متناه من جهة تحت ، أما من جهة فوق فليس فوقه شئ إلا الهواء ! وأنه يتحرك وينزل بذاته إلى الأرض !
ولا يقول إنه يصعد كما قال أستاذه ابن خزيمة . . إلى آخر مقولاته الغريبة تعالى الله وتقدس عنها ! وستأتي بقية جوانب مذهبه في الرد على أتباعه الوهابيين ، إن شاء الله
منقول
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire