lundi 14 juillet 2014

كتب الدكتور رحمه الله هذا المقال ردًا على من اتهموه بإنكار السنة والكفر بعد اجتهاده في مسألة الشفاعة

كتب الدكتور رحمه الله هذا المقال ردًا على من اتهموه بإنكار السنة والكفر بعد اجتهاده في مسألة الشفاعة .
نص المقال :
لقد أجمع رواة الأحاديث على أن النبي عليه الصلاة والسلام قد نهى عن تدوين الأحاديث وجاء هذا النهي في أكثر من حديث لأبي هريرة وعبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وعبدالله بن مسعود وغيرهم .. وفي كلمات أبي هريرة .. يقول في قطعيه لا تقبل اللبس .. خرج علينا الرسول ونحن نكتب أحاديثه فقال ما هذا الذي تكتبون .. قلنا أحاديث نسمعها منك يارسول الله .. قال : أكتاب غير كتاب الله ؟ .. يقول أبو هريره فجمعنا ماكتبناه وأحرقناه بالنار .
وأبو هريرة نفسه هو الذي قال في حديث آخر بلغ رسول الله أن أناسا قد كتبوا أحاديثه فصعد المنبر وقال .. ما هذه الكتب التي بلغني أنكم قد كتبتم .. إنما أنا بشر فمن كان عنده شيء منها فليأت بها .. يقول أبو هريرة .. فجمعنا ما كتبناه واحرقناه بالنار.
وهو نفسه صاحب الحديث المتفق علي تواتره لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه وفي روايه لأبي سعيد الخدري قال .. استأذنت رسول الله عليه الصلاه والسلام أن اكتب حديثه فأبى أن يأذن لي ..
أما عبد الله بن عمر فقال .. خرج علينا رسول الله عليه الصلاه والسلام يومًا كالمودع وقال .. إذا ذهب بي فعليكم بعدي بكتاب الله أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه ( انظر مسند بن حنبل) .
وأبو بكر أول الراشدين روت عنه ابنته عائشه : جمع أبي الحديث عن رسول الله وكان خمسمائه حديث فبات ليله يتقلب كثيرا فلما أصبح قال. أي بنية هلمي بالأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنار وأحرقها . ( انظر الذهبي تذكره الحفاظ ج1 ص5).
أما ثاني الراشدين عمر بن الخطاب .. فقد صعد المنبر وقال .. أيها الناس بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فاحبها إلي أحسنها وأقومها فلا يبقي أحد عنده كتاب إلا أتاني به فأرى رأيي فيه فظن الناس الذين كتبوا عن رسول الله عليه الصلاه والسلام أنه يريد أن ينظر فيها فاتوه بكتبهم فجمعها وأحرقها .. وقال .. أهي أمنية كأمنية أهل الكتاب .. ثم كتب إلى الأمصار من كان عنده من السنه شيء فليتلفه . ( انظر ابن حزم ـ الاحكام ج2 ص139).
وكان خوف عمر أن يحدث ما حدث لأهل الكتاب من تأليه الأنبياء وتقديس كلامهم فيتحول مع الوقت إلى وحي له شأن الوحي الإلهي وكهنوت كما حدث في الأديان الأخريى .. ثم كان الخوف الأكبر من الأحاديث الموضوعة والمدسوسة والاسرائيليات .. وليس أدل علي هذا الخوف من أن البخاري لم يدون من ربعمائه ألف حديث جمعها إلا أربعة آلاف حديث فقط وهو نفس الخوف الذي كان في قلب أبي حنيفة الذي لم يصح عنده سوى سبعة عشر حديثًا من مئات الألوف.
وإذا كان هذا الشك والخوف عند الأكابر ... فإن من الطبيعي أن يكون عندنا أضعاف هذا الخوف وألا نقبل من الأحاديث ما ناقض القرآن الكريم .. ليس إنكارًا للسنه ولكن غَيرَة على السنة وخوفًا عليها من الوَضّاعين والمُتقوّلين الذين قوّلوا الرسول عليه الصلاة والسلام ما لم يقل .. إنما نحرص علي تنقية السنة من كل دخيل عليها.
وفي سوره الأعراف الآيه 185 يقول رب العزة والجلال عن قرآنه : "فبأي حديث بعده يؤمنون. "
وحرص النبي عليه الصلاه والسلام علي احراق كل ما كان يُكتب من أحاديثه باعتراف أبي هريرة نفسه واعتراف الأكابر من رواة الأحاديث .. وما فعل أبو بكر وعمر بإحراق ما وصل إلى إيديهم من أحاديث الرسول هو أكبر دليل على استنكار النبي وخشيته وخوفه من أن تتحول هذه الكتابات إلى متاهه من التقوّلات والاختلافات وما نكتبه الآن هو السنه بعينها وليس إنكار السنه .. إنما نخاف ما كان يخافه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونخشى ما كان يخشاه.
وفي سورة الأعراف أيضًا .. الآيات 2 ، 3
" اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكرون "
ولا شك أن الحُجّية العليا تكون للقرآن دائمًا خاصة في الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا هو ولا يرتفع إلى مستوى هذه الحجية حديث ولا يُدانيها مقال فالغيب من شأن الله وحده .
فإذا كانت آيات القرآن قد نفت الشفاعة في أكثر من مكان فنحن نقف مع القرآن ونرى أن هذا هو الإسلام . . وهذه هي السنه التي يُحبّها ويرضاها مولانا رسول الله .
يقول القرآن في مُحكم آياته :
" يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خله ولا شفاعة "

وفي سوره السجدة :
" الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في سته أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع "
( وهو نفي قطعي لأي نوع من ولي أو شفيع ) .

والله يربط هذا الأمر باسمه الجلالي .. الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما .
ثم من بعد ذلك يربط آيات الشفاعة بالإذن فلا حق لشافع أن يشفع بدون إذن منه سبحانه.
"ما من شفيع إلا من بعد إذنه "
فهي شفاعه " مشروطة " وليست مطلقة .
مثل هذه الآيات المُحكمة كانت لابد أن تؤدي بنا إلى وقفة حذر وتأمل .. وقد وقفها معي الشيخ المراغي شيخ الأزهر السابق والشيخ محمد عبده وشيخ الاسلام ابن تيميه .. والأكابر من السلف الذين أحبّوا القرآن وأحبوا السنة .. ووقفها معي كل ذي عقل وكل حريص علي دينه وقالوا .. لابد أن تفهم الشفاعة التي وردت في القرآن على غير ما نفهم من شفاعات الدنيا .. فقال بعضهم هي دعاء يدعوه الرسول عليه الصلاة والسلام ليُخفّف الله على الناس من أهوال المحشر .. وقال البعض الآخر هي مقيدة بالإذن الإلهي..
والإذن سيكون للشافع وللمشفوع فيه ولموضوع الشفاعة ..

وقال البعض أن الأمر بالعقاب أو بالعفو قد صدر علي العباد منذ الأزل وانتهى الأمر .. وما الشفاعه إلا تكريم للشافع وإعلان لوجاهته عند الله .. ولا أحد يملك أن يُغيّر من أمر الله شيئًا فأهل النار هم أهلها منذ أن وُلِدوا .
وما يحدث في يوم القيامه غيب .. فكيف يجوز الاختلاف والتراشق بالتهم في غيب .
ولكن هواة الشجار مازالوا يتشاجرون ويقذفون بالتهم بلا مناسبه ..
فنحن خوارج ونحن مُنكرون للسنة ونحن مُثيرون للفتنة .. واتهمنا المسرفون بالكفر ! ونحن ما كفرنا ولا خطر لنا الكفر علي بال .. بل كنا أهل شغف بالقرآن وأهل تعلق بآياته أكثر منهم .

وكيف يُصبح البحث والتدبُّر والتأمل في آيات الله كفرًا !
ونحن ما أنكرنا سنة وما أثرنا فتنة وما خرجنا علي إجماع .. وإنما كانت لنا وقفه أمام إشكاليه.. والإشكاليه حقيقية وليست مفتعلة .. وهي مثار خلاف من قديم ونفكر معًا في الموضوع ..
ونتحاور في هدوء ..
كيف تصور المسلمون أن للمجرمين استثنائات في الآخرة وأن القاتل المسلم لن يدخل النار ولن يخلد فيها .. والقرآن يقول في محكم آياته
" ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخل نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين "( 14 ـ النساء )

ويقول القرآن :
" ومن يقتل مؤمنًا مُتعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا " ( 93 ـ النساء )

والظالمون فيهم المسلمون وغير المسلمين
" ما للظالمين من حميم ولا شفيع يُطاع " ( 18 ـ غافر ) .

لا شفاعه لظالم .. والجبارون والطغاة الذين عذّبوا الناس واضطهدوهم وقتلوهم بطول التاريخ هم وأطقم النفاق التي كانت تعاونهم في الدرك الأسفل من النار .
" إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرًا "
لا نصرة لهولاء الناس ولا شفاعة
" وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم " ( 68 ـ التوبه )

المنافقون مع الكفار في الدرجة والمنافقون هم المسلمون الذين يقولون لا إله إلا الله في الظاهر
" إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا " ( 140 ـ النساء )

لا استثناء للمنافقين المسلمين فهم مع الكفار في الدرجة لأن إسلامهم إسلام لسان لا إسلام قلب.
لا مجاملات ولا شفاعات ولا وساطات .. العدالة قاطعة كالسيف وهذا هو اليوم الذي يشيب لهوله الولدان.
هل أخطأنا أم عند أصحابنا الرافضين قرآن غير القرآن الذي بين أيدينا ..
أفيدونا أفادكم الله فنحن مثلكم في حاجه إلى قشه نتعلق بها في ذلك اليوم.
وكيف الحال بأحاديث كُتبت وجُمعت بعد موت صاحبها بمائة سنة ومائتي سنة في عصر القصور والسلاطين حينما كان كل شيء يكتب ويدون لإرضاء الحكام .. وأين حُجية هذه الأحاديث من حُجية قرآن كتب فور نزوله بإملاء من جبريل كبير الملائكه و "بحفظ " من الله القدير.
وما الحال إذا خالف الحديث صحيح القرآن وناقضت المرويات مُحكم الآيات في قضايا الغيب التي لا يعلمها إلا عالم الغيب وحده.
كيف لا نتوقف ويأخذنا الخوف والرهبة والحذر ونتردد ألف مرة في المصادقه علي ما نقرأ ولو فعلنا غير ذلك لاتهمنا أنفسنا بعدم الإخلاص.
إني لأتمنى من القلب أن تكونوا صادقين في دعواكم .
ولكن الأماني لا تنفع في ذلك اليوم .

والمعاناه بحثًا عن الحقيقه أفضل .. وهذا هو الدين الذي أفهمه .. وهذه هي السنه الواجبه علي كل مسلم .
..
-- د. مصطفى محمود رحمه الله --

Aucun commentaire: