lundi 28 juillet 2014

ابن تيمية: كان مجرّد فزاعة سلفية مضحكة حمادي بلخشين

ابن تيمية: كان مجرّد فزاعة سلفية مضحكة 1/4

المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث



من أعجب العجب، و من أقبح التزوير و الكذب، إدّعا السلفية الوهابية ذات الخلفية الحنبلية و التيميّة (و هي المكشوفة المؤخرة، المبطوحة أما الحكام) بانها كانت عبر تاريخها الطويل تناوىء الحكام و تعارضهم، مستشهدة برمزين تاريخيين هما ابن حنبل و ابن تيمية، متخذة من ذينك الصنمين البائدين مثالين للعالم السلفي الذي يعرّض نفسه للمحن في سبيل"الصدع بكلمة حق عند سلطان جائر!".
وقد رأيت مما تقدم من أخبار ابن حنبل( انظر سلسلة المقالات)، انه كان مجرد فقاعة هواء، كما رأيت ان" محنته" و جهاده في "سبيل نصرة السنة"(1) كانت مجرد مسرحية تهريجية استغلها العباسيون باقتدار شديد و ضحك اشد على الذقون، لتدوين كل ما فعله معاوية ميدانيا في قوالب أحاديث نبوية وقع عليها ابن حنبل و ما سبقه من اهل الحديث (و في مقدمتهم الزهري)

أما الآن لنر ما كان من أمر بن تيمية و" معاركه التاريخية" لنخلص الي نتيجة مفادها ان همّ و شغل السلفية (التي كانت ولا تزال مخلب قط للحكام) لم يكن قط نصرة الحق بل اسالة دماء الأبرياء تحت شعارات فضفاضة و معارك هامشية تضليلية لا يستفيد منها في نهاية المطاف غير حكام السوء وقوى الشر و الظلام.
( من تلك المعارك الوهمية إزهاق نفوس علماء كبار شجعان كغيلان الدمشقي ـ بامضاء من الأوزاعي وهو سلفي كريه ـ تحت شعار الدفاع عن عقيدة القضاء و القدر و صيانتها من تحريف "القدرية مجوس الأمة" !)
و لعل من صورإسالة دماء الأبرياء تلك المذابح المروعة التي شنها السلفيون في بداية القرن الماضي تحت راية آل سعود بحجة علنية هي القضاء على المشركين عبدة القبور و اخرى مستترة هي تمكين آل سعود من الحكم و محمد بن عبد الوهاب و نسله المقزز من احتلال منصب كهنوتية دائمة .

ولعل من الصور الحديثة لإسالة دماء الأبرياء تحت شعارات فضافضة لا يستفيد منها غير اعداء الإنسانية ما يقوم به أسامة بن لادن، قائد التصويبات العشوائية(2) من دون كيشوتيات عبثية (3) يدفع المدنيون الأبرياء( نصارى و مسلمين) ثمنها و لا تزيد وضعنا الا سوءا.

أما الآن فالي ابن تيمية
يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اذا انتصرت السلفية و اندحر الإسلام( وهذا ما حصل بالفعل منذ مهزلة بن حنبل التي انتهت بتدوين الأحاديث بالشكل الذي يشتهيه الحكام) ثم اعتبر ذلك الإندحار" نصرا للسنة النبوية و لأحمد بن حنبل بطل المحنة و رمز السلفية الأول" فترجمة ذلك : الحمد لله كثيرا، لقد نجحت العملية، رغم ان المريض ذهب في ستين داهية(مات!).

(2)" في إحدى العروض العسكرية اصطف كبار الضباط للسلام على رئيس الجمهورية و بينما هو يتصفحهم, كان بمعيته قائد كبير يقدم له كبار الضباط المستقبلين له. بينما كان الرئيس مركز نظراته على رتب الضباط ليصافح كل واحد وفق رتبته، فكان القائد الذي بمعيته يقول له: قائد مشاة، قائد مظلات، قائد كتيبة، قائد طيران... فجأة لمح الرئيس قائدا(أحول) معلقا عددا كبيرا من النياشين، و كانت نياشينه تفوق جميع نياشين زملائه، فأستفسرالرئيس بتعجب عن صاحب هذه النياشين قائلا: " قائد أحول و كل هذه النياشين على إيه؟! فأجابه القائد المصاحب له على الفور: إنه قائد التصويبات العشوائية سيدي!"( عبده خال من رواية نباح).

(3) إذا كانت تفجيرات بن لادن لن تدفع صولة عدو، و لن ترجع وطنا سليبا، و لن تقـيم للإسلام دولة ولن ترفع للحق راية، و لن ترجع للمظلومين حقوقا، و لن تهب للخائفين أمنا ولا للجائعين رغيفا و لا للسجناء حرية .

وإذا كانت تفجيرات بن لادن لن تردع أمريكا عن غيّها، و لن تحول بينها و بين نهب ثرواتنا ودعم جلاّدينا
واذا كانت تفجيرا ت بن لادن لن تزيد طيننا الا بلّة، و لن تزيد الحريات في بلادنا الا انحسارا ولا إسلامنا إلاّ وهنا وتمزيقا و لا الجحا الأمريكي إلاّ إمتلاكا لــــكل مسامير الدنيا الـــتي تبرّر له اقـتحام بلادنا ودس انفه في اخص خصوصياتنا .

إذا كان كل ذلك كذلك فـيمكن اعتبار أسامة بـن لادن ودون منافس القائد الأوحد للتصويبات العشوائية، لأن الإدارة الأمريكية لن تبالي ابدا بعدد من قتل من أمريكان و لو تحولت أيامها كلها الي 11/9 لأن مصلحة الأرستقراطية الحاكمة فوق اعتباردماء الشعب الأمريكي و امنه ( انظر كتاب مايكل مور" رجال بيض أغبياء " لتدرك أن ديمقراطية أمريكا شكلية و انها لا تكاد تختلف عن نظيرتها في اشد بلدان العالم الثالث تخلفا و لتدرك بالتالي أن أمل تحرك الراي العام الأمريكي للضغط عن ادارته للكف من دمويتها لإستبقاءا حياة مواطنيها، هو من قبيل الطمع في غير المطمع و الرغبة في المستحيل .



******************************
يعدّ بن تيمية (661ــ728 هــ / 1263 ــ 1328م) شخصية مثيرة و فاتنة الي حدّ الإبهار لدى طائفة أهل السنة و الجماعة بشقيها الحنبلي (الوهابي) و الأشعري باعتباره محلّ إجماع لدى الطرفين المشكلين لما يسمى بأهل السنة و الجماعة, لكون الرجل قد جمع (حسب الدعاية السلفية الوهابية والأشعرية 

ــ بما فيها الإخوانية ــ )

 بين العلم والعمل، و بالتحديد بين الجهاد بالسيف والجهاد باللسان والقلم، الي حدّ أذهله حتى عن مراعاة حظوظ نفسه،(لأجل ذلك لم يتزوج قط ). 

وقد لاقى بن تيمية( حسب الدعاية السلفية) السجن و التضييق من أجل نهيه عن المنكر و اصطدامه بحكام عصره، دون أن تلين له قناة، أو لا يكلّ له عزم، الى ان توفي في محبسه. كما أنّ سحر تحدّيه الشهير" ماذا يفعل بي أعدائي؟ 

سجني خلوة، و نفيي سياحة، و قتلي شهادة " لا يقاوم لدى من لم يكتمل لديه المشهد الإسلامي بكل حاضره المروّع، و غده المفجع و خلفيته التاريخية المروّعة، بفعل شحّة المعلومات الخاصة بالرجل، أو بفعل الإكتفاء بالنظرالي سيرته، من خلال أعين شيوخ السلفية،
 و عدم تكليف النفس عناء البحث و التنقيب في أمهات الكتب، للنظر في تاريخ[ بن تيمية] النجم السلفي الذي كان ومازال" يملأ الدنيا و يشغل الناس" .

فهل كان بن تيمية (أو شيخ الإسلام كما يحلو لأهل السنة و الجماعة ــ وهابيين و أشعريين ـ تسميته)،

 يستحق كل هذه العناية وذلك التقدير وتلك المكانة التي يحتلها في قلوب المسلمين كرمز للقائد المنتظر الذي قد يقودنا بجهاده، نحو غد إسلامي يسرّ المؤمنين؟ الجواب و باختصار شديد: لا ... 

فالرجل، وعلى الرغم من أن مجرد ذكر اسمه في مكان عام يحرك شهية المخبرين و يحفزهم على فتح مسجلاتهم و أجهزة تصنتهم، و على الرغم من كون بعض مؤلفات" شيخ الإسلام" تعدّ الأخطر لدى أجهزة الأمن، حتى انها تكفي لتكون وحدها حجة إثبات لمن تلبس بمسكها( نظرا لتحريضها المباشر على المستبدلين لشرع الله)

 على الرغم من ذلك، فالرجل ليس جديرا بالمرة بان يتخذ قدوة ورمزا، لمن كانت غايته نصرة دين الله، و تغيير ما نحن عليه من ذل و هوان و تبعية دستورية، و عبودية سياسية و ثقافية للغرب.

أما كون ابن تيمية كان محرضا على الخارجين عن شرع الله فهذا صحيح... 

و لكن هؤلاء الحكام المحرّض عليهم، لم يكونوا حين فتح ـ بن تيمية ـ النارعليهم، سوى أرواح موغلة في عالم الغيب السحيق،

 حتى أن الواحد من تلك الأرواح كان سينتظر ست قرون حتى يتحول الى حقيقة ملموسة،

 وديناصور يسعى تحت مسمى

 مصطفى كمال اتاتورك،

 أو جمال عبد الناصر،

 أو انور خوجه 

أو الحبيب بورقيبة .

فالأوضاع السياسية التي عايشها بن تيمية، لم تكن متلبسة بتلك الأدواء( الأمراض) الإفتراضية التي تصدّى لعلاجها...

 صحيح أن ملوك التتار( الذين اعتنقوا الإسلام) قد خلطوا شرع الله بقانون آبائهم (الياسا أو الياسق) و لكن تلك الحالة لم تكن تخص المكان الذي تحرك فيه بن تيمية، فضلا عن كونه لم يعايش تلك الحالة، و لم يصطدم بمن تبنى تلك الأطروحات، و لو فرضنا ان بن تيمية قد عايش بقايا آثار تلك الحقبة المتمثلة في فئة تترية خارج السلطة ما زالت تؤمن بتلك الإزدواجية التشريعـــية، فلا " نستطيع [كما قرر الباحث محمد أبو زهرة]

 ان نفرض انها
[ أي تلك الفئة]كانت ذات قوة و سلطان، و إلاّ لوجـدنا على قلم ابن تيمية ما يذكرها بالخير او الشر" (1 )

إذن، لما لم تكن كتابات بن تيمية (التي تثير في ايامنا هذه حفيظة العلمانية الحاكمة، و توترأجهزة مخابراتها)، تعني شيئا لحكام عصره، لأنها لم تشر إليهم لا من قريب او من بعيد( وان كانوا قد استبدلوا حرية اختيار الحاكم على أساس الكفاءة و الورع بالملك الوراثي، 

و الشورى بالإستبداد،

 و العدل بالظلم،

 و الرفق بسفك الدماء و القتل بالشبهة)

 لما كان الأمر كذلك، كانت علاقة بن تيمية بحكامه ودّية جدّا، الى حدّ أهّـله كي يكون مستشارهم الخاص، خصوصا وأن" "شيخ الإسلام" كان يتميز( كعادة الجنرالات الحنابلة)،

 بحسّ امنيّ مرهف و متشنّج، وبغيرة شديدة على أمن المنظومة الوراثية الفاسدة، غيرة لا تعادلها سوى غيرة سعد بن معاذ على حريمه.

 و قد بلغت تلك الغيرة السلفية الكريهة بابن تيميّة، ووصل به الولاء الأعمى الي النظام الملكي حدّ إساءة الأدب إزاء الصحابي الجليل علي بن ابي طالب رضي الله عـنه

 واتهامه دون تورية بأنه كان قد

 ــ حاشاه ــ

( و كما ينقل عنه الحافظ بن حجر في كتابه الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 1/155 " " مخذولا أينما توجّه،

 وأنه حاول الخلافة مرارا فلم ينلها[!]،

 و أنما قاتل للرياسة لا للديانة[!]

 وان الرأي الذي قاده لقتال معاوية جدير بالذمّ،

 حسب قوله في كتابه منهاج السنة و النبوية 3/156 حيث أضاف ايضا : " فلا أعظم ذمّا من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين، 

و لم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم و لا في دنياهم، بل نقص الخير كما كان وزاد الشر على ما كان " إهـ " مما عرّضه[ بن تيمية] الى سخط علماء عصره و تكفيرهم له: " ذكر الحافظ بن حجر في [ كتابه]"الدرر الكامنة"

 أن ابن تيمية خطّأ أمير المؤمنين عليّ في سبعة عشر موضعا خالف[ فيها] نص الكتاب،

 و أن العلماء نسبوه الى النفاق لقوله هذا في عليّ".

لقد كان ابن تيمية منظرا تجريديّا يصف مدينة فاضلة(2)

 (لا توجد إلا في مخيلته السلفية و قد تصبح واقعا حين خروج المهدي من سردابه

 أو عودة المسيح بن مريم بعد غيابه!)

 حين" كتب عن واجبات الدولة المسلمة ووظائف الحاكم" (3) لأجل ذلك لم يثر حفيظة الملكيين الوراثيين ولم يسبب سخط الإنقلابيين المغامرين،

 لأنه لم يدع ولو بمجرد بالتلميح الي ضرورة إصلاح حقيقي لا يبارك الإنقلابات والتسلسل الوراثي ليعتمد الشورى أساسا في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، 

رغم ان مولد بن تيمية و كهولته قد تزامن مع كارثة سقوط الخلافة العباسية تحت سنابك الخيول التـترية،

 كنتيجة حتمية لأخطاء تراكمية سببتها تبرير كهنة السلفية لضلالات الحكام
 و تمسكهم الأخرق بالخيار الملكي الخاسر و بالمسلك الإستبدادي المدمّر للإنسان و العمران.

أما ما تعرض له " شيخ الإسلام " من محن و سجن، فقد كان ذلك بسبب تصوره الكهنوتي للإسلام

 ( الذي حملته على ترك الحبل على غاربه للحكام ثم الاهتمام بتوافه الأمور) 

هذا بالأضافة الي حنبليته المتـزمتة التي فرضت عليه قراءة حرفية للنص.. 

قراءة أوقعته في خطيئة تقدير الخالق عز و جل دون قدره، و تشبيهه تعالى بخلقه،

 حتى عهد عنه انه كتب في كتاب بيان تلبيس الجهمية (1/567) ما يأتي 

( و لو قد شاء ــ الله تعالى ــ لأستقرّ[ أي الله، ليس على العرش فحسب بل] على ظهر بعوضة، فاستقلت به بقدرته و لطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم اكبر من السموات و الأرض، فكيف تنكر ايها النفاج ان عرشه يقلّه؟" 

(4) وقال الحافظ ابو حيان في تفسيره" النهر المارد" ما نصه: و قرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرنا وهو بخطه سماه كتاب
العرش، ان الله تعالى يجلس على الكرسي،

 و قد أخلى[ حجز] منه مكانا يقعد فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم "[!!](5). 

و قد جاء اعتقاد بن تيمية بناءا على "حديث نبوي"

 ذي أصول يهودية

 يقول" خلق الله آدم على صورة الرحمن" أورده بن تيمية في كتابه "التأسيس في رد أساس التقديس"،

 وهو الرأي الذي يتبناه أتباعه أو مقلدوه الآن

[ و الكلام لحسن السقاف 

ـ معاصر ـ

 و هو أشعري قد تصدى للوهابية!..

ضعف الطالب و المطلوب!..

 يواصل السقاف:]

 حتى ألـّف أحدهم، وهو حمود التويجري كتابا في اثبات ذلك سماه عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن، و قرظه له عبد العزيز بن باز"(6).

سنتاول في الحلقة القادمة جهاد بن تيمية و الأسباب التي أدت الي سجنه، و القضايا التافهة و الزوابع الفنجانية التي اثارها و التي ستذكرنا دون ريب بالدون كيشوت ابن حنبل و مهزلة خلق القرآن!
يتبع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهامش
(1) محمد ابو زهرة الفرق و المذاهب الإسلامية ص 641.
(2) " ان دعوة بن تيمية رحمه الله قد غلب عليها الطابع العلمي التنظيري ... " فريد الأنصاري التوحيد و الوساطة في التربية الدعوية ج2 كتاب الأمة العدد 48 رجب 1416.
(3 ) محمد الإبراهيم المحنة ابن تيمية في سجون أعدائه " مجلة السنة العدد 65 ابريل 1997 .
(4) حسن بن علي السقاف "مجموع رسائل السقاف " ج1 ص22
(5) السقاف ص 1/23
  (6)  السقاف ص
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ابن تيمية كان مجرد فزاعة سلفية مضحكة
حمادي بلخشين

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بن تيمية كان مجرّد فزاعة سلفية مضحكة 2/4


 
يعدّ بن تيمية (661ــ728 هــ / 1263 ــ 1328م) شخصية أثيرة و فاتنة الي حدّ الإبهار لدى طائفة أهل السنة و الجماعة بشقيها الحنبلي (الوهابي) و الأشعري باعتباره محلّ إجماع لدى الطرفين المشكلين لما يسمى بأهل السنة و الجماعة, لكون الرجل قد جمع (حسب الدعاية السلفية الوهابية والأشعرية ــ بما فيها الإخوانية ــ ) بين العلم والعمل، و بالتحديد بين الجهاد بالسيف والجهاد باللسان والقلم، الي حدّ أذهله حتى عن مراعاة حظوظ نفسه،(لأجل ذلك لم يتزوج قط ). وقد لاقى بن تيمية( حسب الدعاية السلفية) السجن و التضييق من أجل نهيه عن المنكر و اصطدامه بحكام عصره، دون أن تلين له قناة، أو لا يكلّ له عزم، الى ان توفي في محبسه. كما أنّ سحر تحدّيه الشهير" ماذا يفعل بي أعدائي؟ سجني خلوة، و نفيي سياحة، و قتلي شهادة " لا يقاوم لدى من لم يكتمل لديه المشهد الإسلامي بكل حاضره المروّع، و غده المفجع و خلفيته التاريخية المروّعة، بفعل شحّة المعلومات الخاصة بالرجل، أو بفعل الإكتفاء بالنظرالي سيرته، من خلال أعين شيوخ السلفية، و عدم تكليف النفس عناء البحث و التنقيب في أمهات الكتب، للنظر في تاريخ[ بن تيمية] النجم السلفي الذي كان ومازال" يملأ الدنيا و يشغل الناس" .

فهل كان بن تيمية (أو شيخ الإسلام كما يحلو لأهل السنة و الجماعة ــ وهابيين و أشعريين ـ تسميته)، يستحق كل هذه العناية وذلك التقدير وتلك المكانة التي يحتلها في قلوب المسلمين كرمز للقائد المنتظر الذي قد يقودنا بجهاده، نحو غد إسلامي يسرّ المؤمنين؟ الجواب و باختصار شديد: لا ... فالرجل، وعلى الرغم من أن مجرد ذكر اسمه في مكان عام يحرك شهية المخبرين و يحفزهم على فتح مسجلاتهم و أجهزة تصنتهم، و على الرغم من كون بعض مؤلفات" شيخ الإسلام" تعدّ الأخطر لدى أجهزة الأمن، حتى انها تكفي لتكون وحدها حجة إثبات لمن تلبس بمسكها( نظرا لتحريضها المباشر على المستبدلين لشرع الله) على الرغم من ذلك، فالرجل ليس جديرا بالمرة بان يتخذ قدوة ورمزا، لمن كانت غايته نصرة دين الله، و تغيير ما نحن عليه من ذل و هوان و تبعية دستورية، و عبودية سياسية و ثقافية للغرب.

أما كون ابن تيمية كان محرضا على الخارجين عن شرع الله فهذا صحيح... و لكن هؤلاء الحكام المحرّض عليهم، لم يكونوا حين فتح ـ بن تيمية ـ النارعليهم، سوى أرواح موغلة في عالم الغيب السحيق، حتى أن الواحد من تلك الأرواح كان سينتظر ست قرون حتى يتحول الى حقيقة ملموسة، وديناصور يسعى تحت مسمى مصطفى كمال اتاتورك، أو جمال عبد الناصر، أو انور خوجه أو الحبيب بورقيبة .

فالأوضاع السياسية التي عايشها بن تيمية، لم تكن متلبسة بتلك الأدواء( الأمراض) الإفتراضية التي تصدّى لعلاجها... صحيح أن ملوك التتار( الذين اعتنقوا الإسلام) قد خلطوا شرع الله بقانون آبائهم (الياسا أو الياسق) و لكن تلك الحالة لم تكن تخص المكان الذي تحرك فيه بن تيمية، فضلا عن كونه لم يعايش تلك الحالة، و لم يصطدم بمن تبنى تلك الأطروحات، و لو فرضنا ان بن تيمية قد عايش بقايا آثار تلك الحقبة المتمثلة في فئة تترية خارج السلطة ما زالت تؤمن بتلك الإزدواجية التشريعـــية، فلا " نستطيع [كما قرر الباحث محمد أبو زهرة] ان نفرض انها
[ أي تلك الفئة]كانت ذات قوة و سلطان، و إلاّ لوجـدنا على قلم ابن تيمية ما يذكرها بالخير او الشر" (1 )

إذن، لما لم تكن كتابات بن تيمية (التي تثير في ايامنا هذه حفيظة العلمانية الحاكمة، و توترأجهزة مخابراتها)، تعني شيئا لحكام عصره، لأنها لم تشر إليهم لا من قريب او من بعيد( وان كانوا قد استبدلوا حرية اختيار الحاكم على أساس الكفاءة و الورع بالملك الوراثي، و الشورى بالإستبداد، و العدل بالظلم، و الرفق بسفك الدماء و القتل بالشبهة) لما كان الأمر كذلك، كانت علاقة بن تيمية بحكامه ودّية جدّا، الى حدّ أهّـله كي يكون مستشارهم الخاص، خصوصا وأن" "شيخ الإسلام" كان يتميز( كعادة الجنرالات الحنابلة)، بحسّ امنيّ مرهف و متشنّج، وبغيرة شديدة على أمن المنظومة الوراثية الفاسدة، غيرة لا تعادلها سوى غيرة سعد بن معاذ على حريمه. و قد بلغت تلك الغيرة السلفية الكريهة بابن تيميّة، ووصل به الولاء الأعمى الي النظام الملكي حدّ إساءة الأدب إزاء الصحابي الجليل علي بن ابي طالب رضي الله عـنه واتهامه دون تورية بأنه كان قد ــ حاشاه ــ( و كما ينقل عنه الحافظ بن حجر في كتابه الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 1/155 " " مخذولا أينما توجّه، وأنه حاول الخلافة مرارا فلم ينلها[!]، و أنما قاتل للرياسة لا للديانة[!] وان الرأي الذي قاده لقتال معاوية جدير بالذمّّ، حسب قوله في كتابه منهاج السنة و النبوية 3/156 حيث أضاف ايضا : " فلا أعظم ذمّا من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين، و لم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم و لا في دنياهم، بل نقص الخير كما كان وزاد الشر على ما كان " إهـ " مما عرّضه[ بن تيمية] الى سخط علماء عصره و تكفيرهم له: " ذكر الحافظ بن حجر في [ كتابه]"الدرر الكامنة" أن ابن تيمية خطّأ أمير المؤمنين عليّ في سبعة عشر موضعا خالف[ فيها] نص الكتاب، و أن العلماء نسبوه الى النفاق لقوله هذا في عليّ".

لقد كان ابن تيمية منظرا تجريديّا يصف مدينة فاضلة(2) (لا توجد إلا في مخيلته السلفية و قد تصبح واقعا حين خروج المهدي من سردابه أو عودة المسيح بن مريم بعد غيابه!) حين" كتب عن واجبات الدولة المسلمة ووظائف الحاكم" (3) لأجل ذلك لم يثر حفيظة الملكيين الوراثيين ولم يسبب سخط الإنقلابيين المغامرين، لأنه لم يدع ولو بمجرد بالتلميح الي ضرورة إصلاح حقيقي لا يبارك الإنقلابات والتسلسل الوراثي ليعتمد الشورى أساسا في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، رغم ان مولد بن تيمية و كهولته قد تزامن مع كارثة سقوط الخلافة العباسية تحت سنابك الخيول التـترية، كنتيجة حتمية لأخطاء تراكمية سببتها تبرير كهنة السلفية لضلالات الحكام و تمسكهم الأخرق بالخيار الملكي الخاسر و بالمسلك الإستبدادي المدمّر للإنسان و العمران.

أما ما تعرض له " شيخ الإسلام " من محن و سجن، فقد كان ذلك بسبب تصوره الكهنوتي للإسلام ( الذي حملته على ترك الحبل على غاربه للحكام ثم الاهتمام بتوافه الأمور) هذا بالأضافة الي حنبليته المتـزمتة التي فرضت عليه قراءة حرفية للنص.. قراءة أوقعته في خطيئة تقدير الخالق عز و جل دون قدره، و تشبيهه تعالى بخلقه، حتى عهد عنه انه كتب في كتاب بيان تلبيس الجهمية (1/567) ما يأتي ( و لو قد شاء ــ الله تعالى ــ لأستقرّ[ أي الله، ليس على العرش فحسب بل] على ظهر بعوضة، فاستقلت به بقدرته و لطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم اكبر من السموات و الأرض، فكيف تنكر ايها النفاج ان عرشه يقلّه؟" (4) وقال الحافظ ابو حيان في تفسيره" النهر المارد" ما نصه: و قرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرنا وهو بخطه سماه كتاب
العرش، ان الله تعالى يجلس على الكرسي، و قد أخلى[ حجز] منه مكانا يقعد فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم "[!!](5). و قد جاء اعتقاد بن تيمية بناءا على "حديث نبوي" ذي أصول يهودية يقول" خلق الله آدم على صورة الرحمن" أورده بن تيمية في كتابه "التأسيس في رد أساس التقديس"، وهو الرأي الذي يتبناه أتباعه أو مقلدوه الآن[ و الكلام لحسن السقاف ـ معاصر ـ و هو أشعري قد تصدى للوهابية!..ضعف الطالب و المطلوب!.. يواصل السقاف:] حتى ألـّف أحدهم، وهو حمود التويجري كتابا في اثبات ذلك سماه عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن، و قرظه له عبد العزيز بن باز"(6).

سنتاول في الحلقة القادمة جهاد بن تيمية و الأسباب التي أدت الي سجنه، و القضايا التافهة و الزوابع الفنجانية التي اثارها و التي ستذكرنا دون ريب بالدون كيشوت ابن حنبل و مهزلة خلق القرآن!
يتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد ابو زهرة الفرق و المذاهب الإسلامية ص 641.
(2) " ان دعوة بن تيمية رحمه الله قد غلب عليها الطابع العلمي التنظيري ... " فريد الأنصاري التوحيد و الوساطة في التربية الدعوية ج2 كتاب الأمة العدد 48 رجب 1416.
(3 ) محمد الإبراهيم المحنة ابن تيمية في سجون أعدائه " مجلة السنة العدد 65 ابريل 1997 .
(4) حسن بن علي السقاف "مجموع رسائل السقاف " ج1 ص22
(5) السقاف ص 23
(6) السقاف ص 28/1

Aucun commentaire: