ما هي الشيوعية؟ وما الفرق بينها وبين الاشتراكية؟
على
الرغم من أن مصطلح ”الشيوعية“ قد يشير إلى أحزاب سياسية معينة، لكن في الجوهر،
فالشيوعية هي إيديولوجية سياسية واقتصادية تهدف لتحقيق المساواة الاقتصادية
والمعيشية من خلال القضاء على الملكية الخاصة.
أشهر من عبّر عن
المعتقدات الشيوعية هو كارل ماركس، فالفيلسوف الألماني الشهير قد عبر عن الأمر
بكتاباته بأن عدم المساواة والمعاناة البشرية هي نتائج حتمية للرأسمالية. ففي ظل
الرأسمالية، يملك رجال الأعمال والشركات الخاصة كافة المصانع والأدوات وغيرها من
الموارد التي تسمى بـ”وسائل الإنتاج”، وبالتالي يمكن
لهؤلاء المالكين، طبقاً للمعتقد الشيوعي، أن يستغلوا العمال، دافعين بهم لبيع
عملهم أو ”قوة عملهم“ مقابل إعطائهم راتب معين.
الطبقة العاملة
(البروليتاريا) -طبقاً للأهداف الشيوعية، يجب أن تثور ضد الرأسماليين أو
”البرجوازيين“، وتقيم مجتمعاً جديداً خالياً من الملكية الخاصة والطبقات
الاقتصادية والمكاسب المالية والأرباح الشخصية. وفي مجتمع البروليتاريا المثالي
هذا، كل شيء مملوك من قبل الطبقة العاملة، والجميع يعمل بتعاون للوصول نحو هدف
عام. ولا يوجد طبقات غنية وفقيرة، بل الجميع متساو، حيث يتم توزيع الإنتاج على
الأفراد حسب الحاجة والجهد والعمل المبذولين.
وفقاً للفكر الشيوعي،
فالملكية الجمعية للمنشآت والمصانع كافية لتحقيق كفاية البشر من الموارد والحاجات،
وهذا ما يلغي الحاجة للعمل الإضافي أكثر من طاقة العمال، فحصولهم على كامل نواتج
عملهم يعني الحاجة إلى عمل أقل. لكن هذه الفكرة بحد ذاتها تسبب واحدة من المشاكل
الأساسية في الشيوعية، ففي ظل انعدام الملكية الخاصة والقدرة على تحقيق الأرباح
والتفوق على الآخرين، فالكثير من المبدعين المحتملين وذوي الأفكار المهمة لن يقوموا
بتقديم أفكارهم أصلاً أو العمل لتحقيقها كونها لن تقدم لهم الفائدة الموجودة، وحتى
مع وجود فئات من الناس التي تحفزها مساعدة الآخرين وتطوير المجتمع بالدرجة الأولى،
فالربح الشخصي الغائب في الشيوعية هو المحفز الأساسي للغالبية العظمى من الناس،
وهذا ما سينعكس على شكل إجباط عام وغياب للإبداع.
بالإضافة لذلك، فالمساواة
الكاملة أو حتى الجزئية لطبقات المجتمع كافة ستدعو الكثير من الكسالى لعدم العمل
أصلاً والاعتماد على المساعدات بدلاً من إجهاد النفس بالعمل، هذا الأمر سيخلق
ضعفاً بالإنتاج بالمحصلة، مع تحول الكثيرين للبطالة بدلاً من العمل، وبالنتيجة
ستنشأ أحقاد كبيرة بين العاملين والغير عاملين، فالعاملون سيجدون انفسهم مظلومين
مع كونهم يعملون ويخسرون من إنتاجهم لصالح أولئك الذين لا يقومون بأي عمل، الأمر
سيتفاقم بطبيعة الحال ويتسبب بصراعات محلية وطبقية تعيد المجتمع إلى حالته السابقة
للشيوعية.
الفرق بين الشيوعية والاشتراكية
كل من الشيوعية
والاشتراكية بناء اقتصادي وفلسفي وسياسي، يدعو إلى المساواة وإزالة الطبقات
الاجتماعية. لكن المذهبين الاقتصاديين والسياسيين يختلفان بشكل كبير على الرغم من
تشابههما، فمع أن كلاً من الفلسفتين تدعو إلى المساواة الاقتصادية والملكية العامة
لوسائل الإنتاج والسلع والخدمات المختلفة، فالاختلاف يبدوا واضحاً في إدارة وسائل
الإنتاج هذه، فبينما الشيوعية تتضمن ملكية الشعب وإدارته لهذه المنشآت،
فالاشتراكية تبقي على ملكية الشعب لكنها تنقل الإدارة إلى يد الحكومة التي تتحكم
بكل الأمور تقريباً.
فبدلاً من الحصول على
السلع والمنتجات والخدمات بشكل مباشر كمقابل للعمل أو كجزء من الضمان الاجتماعي،
فالعمال في الاشتراكية يتقاضون أجرهم على شكل مال لهم حرية صرفه أو التصرف به
كيفما يشاؤون كأن يدخروه مثلاً، لكن غياب الملكيات الخاصة يعني أنهم غير قادرين
على استثماره، فحتى مع اختلاف تصرف الشعب بالمال المتقاضى لقاء العمل، فالعمال
سيجدون أنفسهم مقيدين ضمن مكان واحد لا يمكنهم الارتفاع عنه أو التميز عن الآخرين.
نظرياً، الشيوعية
والاشتراكية تبدوان جذابتين، فالجميع يشارك ويعمل معاً لتوفير الفائدة الأكبر،
والكل يتشارك وفق خطة إنتاجية واحدة لضمان تلبية جميع احتياجات أفراد المجتمع. لكن
التطبيق يُظهر مشاكلاً أخرى، ففي التجارب العديدة التي ظهرت الشيوعية فيها لم تنته
الأمور بشكل جيد، فبينما أنظمة الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا وألمانيا الشرقية
انهارت تماماً وعادت للاقتصادات الأقرب للرأسمالية، فدول أخرى مثل الصين أجبرت على
تعديل أنظمتها الاقتصادية بشكل كبير بات يجعلها بعيدة للغاية عن الشيوعية التي بقي
وجودها الوحيد في نظام الحكم الذي يترأسه الحزب الشيوعي الصيني.
كل من الشيوعية
والاشتراكية تقعان في الجهة المعاكسة للرأسمالية عموماً، مع كونهما يركزان على عدم
وجود ملكية خاصة بالإضافة لوجود مساواة طبقية كاملة. بالمقابل، في الرأسمالية تأتي المكافأة للعامل بشكل طبيعي بدون
قيود على تجاوزهم الحد الأدنى الطبيعي لكمية أو ساعات عملهم. ومع وجود عدد أكبر للمصنعين
وخيارات متعددة للمنتجات فالبيئة الرأسمالية تسهّل المنافسة، وبالتالي ليس هناك أي
حدود للتقدم، وعلى الرغم من الجدل الناشئ حول الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات
والاحتكاريات، فالأمر لا يختلف كثيراً عن الأنظمة الشيوعية والاشتراكية التي تفرض
احتكاراً شاملاً للانتاج لكن بيد الدولة نفسها.
تاريخياً، لم تنجح
الثورات الشيوعية بتقديم أفكارها عن العدالة والمساواة والمجتمع اليوتيوبي كمفاهيم
قابلة للتطبيق. والسبب في ذلك هو كون التوقعات النظرية الشيوعية تنص أنه بعد قيام
الثورة البروليتارية، يجب على القادة المتميزين من الحزب أن يحكموا الدولة بشكل مؤقت،
مما يؤدي في نهاية المطاف إلى مجتمع شيوعي حقيقي مع زوال هذه الفئة الحاكمة.
وهكذا، كان المقصود من الحكومات كالاتحاد السوفيتي، والصين الشيوعية، وكوبا
وغيرها، أن تكون مؤقتة. لكن في الواقع، هذه الحكومات ”المؤقتة“ تولت السلطة، وغالباً ما كانت تخضع مواطنيها لحكم
استبدادي حيث أنها لم تظهر أي نية للابتعاد عن السلطة أو فتح المجال أمام فئات
أخرى.
في المجتمع الحديث،
الاشتراكية عادة ما تعمل من خلال البنية الديموقراطية القائمة في البلدان
الرأسمالية، على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، يسمح للأسواق بالتقلب نوعاً ما
بشكل حُر حسب الحاجة، والعمال يتقاضون الدخل بشكل غير محدود طبقاً لعملهم. ومع
ذلك، فالاحتياجات الأساسية كالرعاية الصحية يتم توفيرها للجميع بغض النظر عن كمية
الوقت والجهد في عملهم. كما أن برامج الرعاية المجتمعية مثل القسائم الغذائية في
الولايات المتحدة هي أيضاً شكل من أشكال السياسة الاشتراكية، وهناك أيضاً بلدان
أُخرى تمتلك درجات عالية من الاشتراكية في نظمها الاقتصادية، مثل السويد، وفنلندا ورومانيا.
وعلى عكس الدمج الذي بات
يظهر في الدول الرأسمالية وبشكله الأوضح في بلدان أوروبا الغربية
والشمالية، فالشيوعية تنادي بإسقاط النظام الاقتصادي والسياسي للرأسمالية عبر
الثورة. وكما تنص الإيديولوجية الشيوعية، هذه الثورات يجب أن تنتشر في جميع أنحاء
العالم، بدلاً من أن تقتصر في عدد محدود من البلدان. وهذا ما يفسر العداء التاريخي
بين الدول الشيوعية والرأسمالية -خاصةً الحرب الباردة الطويلة بين الولايات
المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
منقول للفائدة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire