الإسلام كما عرفه المعتزلة
شئنا أم أبينا فقد اختلفت العقول عبر
العصور في فهم الإسلام، ونتج عن ذلك مدارس وفرق، ومعلوماتنا عن الإسلام التي
تربينا عليها ما هي إلا فهم مدرسة منهم؛ (المدرسة السلفية)، لذا فلنُعطِ أنفسنا
فرصة الاطلاع على مدارس أخرى، لعلنا نجد فهمًا آخر أقرب للصواب.
الآن ندرس فرقة المعتزلة، وهي أكثر
المدارس إعمالًا للعقل، وتفهمًا لروح الدين، وتعمقًا في فلسفته. وقد اعتقدوا خمسة
أصول لفهم الإسلام، وهي:
الأصل الأول:
التوحيد
تقر التوراة أن لله جسدًا، وهو يمشي
في الجنة ويتعب ويندم! كما يؤمن المسيحيون أن الله واحد بصفات ثلاثة: الوجود
والعلم والحياة، وقد تجسد (العلم)
في جسد المسيح، ومن هنا ظهرت مشكلة التجسيد! ويؤمن جماعة من المسلمين بأن لله
جسمًا ويدًا وعينًا، لكن ليس كالبشر، وله اتجاه ومكان!
فكان رد المعتزلة هو تنزيه الله
تمامًا وكليًا عن كل مثل، فليس لله جسد، ولا أعضاء، ولا رائحة، ولا لون، ولا
اتجاه، ولا مكان، ولا يتحرك ولا يسكن، ولا تحجبه الأستار، ولا تدركه الحواس، ولا
يقاس بالناس، وأن كل ما خطر ببالك فالله غير ذلك. واعتمدوا على قوله تعالى (لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
ماذا عن
الآيات الموهمة للتجسيد؟
تشير آيات إلى وجود أعضاء لله، مثل
(وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، لكن نجد أن فهم كل النصوص على حقيقتها يسيء الفهم،
مثل: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا)، حقيقة
لم يسود وجه من بُشِّرَ بالأنثى، وإنما هو كناية عن حزنه.([i])
وبذلك يجب الاستعانة بالمجاز والتأويل
لإدراك مقصد النص، فقوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ
أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ
كَيْفَ يَشَاءُ) لا يمكن فهمه بأن لله يدًا، وأنها مبسوطة! ولكن قول اليهود هو
ادعاء بأن الله بخيل، و(يداه مبسوطتان) كناية عن الكرم والجود. كقول الشاعر: «جاد
الحمى بسط اليدين بوابل».([ii])
كذلك (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ
عِبَادِهِ) لا تعني أن لله اتجاهًا، وإنما تعني الهيمنة والعلو والقدرة.
رؤية الله في
الآخرة
الرؤية بالعين تقتضي أن المرئي جسم،
ولأن الله ليس له جسم أو مكان، فلا يمكن رؤيته. كما نص القرآن على ذلك: (لَا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ)، أما عن قوله تعالى
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، فالنظر لا يعني الرؤية، فتقول
العرب: نظرت إلى الهلال ولم أره، ويقول تعالى: (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ
وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ).
أما ناظرة في الآية فتعني منتظرة،
مثل: (فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) أي منتظرة. وتقول العرب: أنا
ناظر ما يصنع بي، أي منتظر.
لكن لا مانع من الرؤية القلبية في
الآخرة، أي العلم بذات الله التي تخفى علينا في الدنيا.
خلق القرآن
يقول المعتزلة: كل موجود إما أن يكون
قديمًا: أي بلا بداية، أو محدثًا: أي مخلوق وله بداية. والله وحده هو القديم، أما كل شيء عدا
الله فمخلوق، محدث، له بداية، كذلك كلام الله، هو فعل محدث مخلوق، لذا قال
المعتزلة إن القرآن مخلوق.
– كذلك وصف الله القرآن بأنه
محدث، (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ
وَهُمْ يَلْعَبُونَ).
– والقرآن سبقه كتب منزلة،
والقديم لا يسبقه شيء (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى).
– يحكي القرآن عن أحداث مضت،
كما يعلِّق على أحداث بعد وقوعها، ولا يمكن الحديث عن حدث فات وهو لم يحدث بعد!
– لا يمكن أن يؤمر أحد وهو لم
يُخلق بعد! فلا يُعقل أن يقول: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) قبل أن يُخلق من يقيمون
الصلاة!
لهذا الحد لا تعدو القضية سوى رأي
فرقة قد يتفق معها الآخرون أو لا، إلا أن المأمون، وقد كان على مذهب المعتزلة،
ارتكب خطأ فاحشًا؛ فقد أجبر الناس على هذا الرأي، وعزل المعارضين وسجنهم وجلدهم،
وعلى رأس المعارضين كان أحمد بن حنبل، وقد تمثل رأيه في ثلاث نقاط:
– يرفض أن يُفرض مذهبٌ على
الناس.
– يرفض أن نَصِفَ القرآنَ
بوصفٍ لم يذكره القرآن أو النبي أو الصحابة، فلا يقول إن القرآن قديم (عكس مخلوق)،
وإنما يرفض الوصف المبتدع (مخلوق).
– يرفض علم الكلام كله، فما
بالك بإجبار العامة على الخوض فيه وإلزامهم برأي واحد؟!
ونتيجة رفضه تعرض للسجن والجلد، ولم
يزحزحه ذلك عن رأيه، وإنما تمسك به حتى تولى المتوكل، ومنع الناس عن الخوض في هذه
المسائل وأحرق كتب المعتزلة، وبذلك تلقى المعتزلة درسًا قاسيًا: كل فكرة فُرضت
بالسيف يعارضها الناس وتزول بزوال السيف.
وقد تعامل الناس فكريًا مع لفظ مخلوق
باعتباره يفيد الاختلاق والكذب، كما فهموا أن وصف القرآن بالمخلوق يعني أنه سيموت،
وبذلك رفضوا القول بخلق القرآن، أما سياسيًا فلم يغفروا للمعتزلة استدعاءهم للسلطة
ليجلدوا ظهورهم ويسجنوا أئمتهم ليقولوا برأيهم، فنبذوهم وأحرقوا كتبهم، وبذلك
انتهت فرقة المعتزلة إلى الأبد!
الأصل
الثاني: العدل
كما نزه المعتزلة الذات الإلهية عن كل
تشبيه، كذلك نزهوا الفعل الإلهي عن أي ظلم، فقالوا: الله لا يفعل القبيح، بل يفعل
الأصلح، وكل أفعال الله على وجه الحسن والمصلحة، ولا يوجد أفضل مما صنعه الله
تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)، (مَا تَرَى فِي خَلْقِ
الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ).
بل قالوا إن فعل الأصلح واجب على
الله، لكن يعترض الأشعرية على وجوب شيء على الله، واحتجوا بقوله تعالى: (لَا
يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ)، لكن رد المعتزلة بأن الآية تفيد أنه لا أحد يجبر الله،
لكن الله فرض بنفسه على نفسه الأصلح، وتمسكوا بقوله: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا
نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، و(كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ). ويرى الزيدية أن
الخلاف لفظي، ويقترحون حلًا وسطًا: نقول: (واجب من الله) بدلًا من (واجب على
الله)، أي أن الوجوب بمقتضى حكمته وعدله سبحانه، فهو الذي فرض بنفسه على نفسه
الأصلح. المهم أن كل ما يقع من الله هو الأصلح على الإطلاق.([iii])
اللطف الإلهي
لكمال العدل الإلهي قد شاء اللطيف
الخبير ألا يترك طريقة تهدي الإنسان إلا ويسَّرها لعباده، فجعل الحُسْن والقُبْح
ذاتيين في الأشياء، وجعل العقل قادرًا على إدراك حسن الأشياء وسوئها، وأرسل
الأنبياء، وأنزل الكتب، وسن التشريعات، وفطر القلوب على حب الخير… إلخ.
وجود شهوات بشرية وإغواءات شيطانية لا
يتعارض مع اللطف الإلهي، وإنما هي موجودة ليتغلب عليها العبد ويختار الخير، وهذا
هو سبب استحقاقه الثواب، أما إلغاء الشهوات وإنزال خوارق تجبر الناس على الإيمان
يفقد الإيمان معنى الاختبار ويلغي استحقاق الثواب، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ
النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).
لماذا يوجد
شر في الكون؟
لا ينكر أحد وجود شر في الكون، لكن
يجب التفريق بين ما يقع من الإنسان وما يقع من الله مباشرة، فأفعال العباد منها
القبيح فعلًا، وهي نتيجة حرية الإرادة، ويُعاقب عليها العبد. أما أفعال الله، فيرى
المعتزلة فرقًا بين الشر والقبح، فالموت والمرض ونقص الرزق يبدو ظاهريًا شرًّا لكن
ليس قبيحًا؛ فالله يعلم أن طبيعة النفس البشرية إذا أُغرقت في النعم ستبغي وتنسى، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ
لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ).
وما يلقاه المرء من آلام هي ابتلاءات قدَّرها سبحانه لتذكرته وتذكرة من حوله
بإحساس الألم الذي يناله إن عصى، وإن كانت الحياة بلا ألم إطلاقًا فلن يستطيع
البشر تصور عذاب جهنم. والله يعوِّض أصحاب الآلام يوم القيامة. أما عن الطفل، فواضح
أنه لا يعتبر بالابتلاءات، فلماذا يبتليه الله؟ هنا العبرة للغير، أما عن الطفل
فيعوضه سبحانه في الآخرة عن آلامه.([iv])
حرية إرادة
الإنسان
يرى الجبرية أن كل ما يقع في الكون من
عند الله، بما فيها أفعال البشر. لكن يرى المعتزلة أن أفعال البشر ينتج عنها قبح، مثل قتل طفل،
فلو قلنا إن الله هو الذي قتل الطفل، لنسبنا القبح لله! وهذا لا يجوز. لذا يرون أن
البشر لهم مطلق الحرية في إرادتهم، وأن ما ينتج عن البشر لا يمكن إنسابه إلى الله،
فالله لا يقتل طفلًا على يد بشر، بل البشر بإرادتهم الحرة يقتلون أطفالًا، ومن ثم
يُحاسبون على أعمالهم.([v])
وقد نسب القرآن أفعال البشر إليهم
وأقر بحريتهم في الاختيار، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ
وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). أما الآيات التي يشير ظاهرها إلى الجبر مثل
(وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ)، فتعني: لأنهم ظالمون أضلهم الله، أي تركهم في
ضلالهم، فظلمهم هو سبب ضلالهم، لذلك لا نجد آية تقول: يضل الله الناس أو المؤمنين.
الأصل
الثالث: الوعد والوعيد
يقتضي العدل أن الإنسان يستحق الثواب
على طاعته والعقاب على معصيته، والله لا يخلف وعده بالثواب ولا وعيده بالعقاب.
هل يغفر الله
الكبائر بلا توبة؟
قال المرجئة: مخالفة الوعد معيبة، لكن
مخالفة الوعيد من مكارم الأخلاق، وقد يعفو الله عن المذنبين بلا توبة، واحتجوا
بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ). أما
المعتزلة فردوا بأن الآية علقت المغفرة بمشيئة الله، وهذه المشيئة جارية على مقتضى
الحكمة وسنن الله في الحساب، وهي استحالة العفو عن الكبائر بلا توبة، لأن في ذلك
تسوية بين المطيع والعاصي، وتشجيعًا للناس على ارتكاب الكبائر، فكيف يستبد الحكام
وينهبون الأموال ويسجنون ويعذبون ويقتلون، ثم يغفر الله لهم دون توبة؟! واحتجوا
بقوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ)، فالمغفرة للصغائر وليس الكبائر.
الشفاعة
ونتج عن هذا الأصل: أنه لا يحاسب
الإنسان إلا على فعله هو، فلا شفاعة ولا خطيئة متوارثة ولا إنابة في الطاعات،
وإنما القاعدة الأصلية (لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى).
وعن الشفاعة قالوا: الذي عندنا أن هذه
الشفاعة تثبت للمؤمنين دون الفاسقين. ومن ثم فإنها لا تفيد الإخراج من النار إلى
الجنة، وإنما يقتصر أثرها على رفع درجات المؤمنين في النعيم.([vi])
واحتجوا بعدم نفع الشفاعة لأهل النار
بقوله: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ
فِي النَّارِ)، كما احتجوا بأن الشفاعة للمؤمنين فقط بقوله (وَلَا يَشْفَعُونَ
إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى).
وعمومًا للمعتزلة تصور أن الدنيا صحيح
ألَمَّ بها مصائب وشرور ومظالم، إلا أن الآخرة هي محل الاستحقاق والإعواض، استحقاق
للمكلفين على أعمالهم، وعوض لغير المكلفين عن آلامهم. (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ
الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا).
الأصل
الرابع: المنزلة بين المنزلتين
بعد أن تولى الأمويون الحكم وظهر
فسقهم وفجورهم، اختلف الناس حول الحكم عليهم؛ هل هم مؤمنون لإيمانهم بأركان
الإيمان أم كفار لأفعالهم الفاحشة؟ ومن ثم ثار خلاف حول مرتكب الكبيرة عمومًا،
فحكم عليهم الخوارج بالكفر، وقد غالوا في تكفير المسلمين واستباحة دمائهم، فقد
كفَّروا عليًا، ومعاوية، والزبير، وطلحة، وعمرو بن العاص، وأبا موسى الأشعري لمجرد
مخالفتهم في الاجتهاد! وقال المرجئة: مرتكب الكبيرة مؤمن، ولا يضر مع الإيمان عمل،
فيكفي المرء الإقرار بالعقيدة فقط!
أما المعتزلة فرفضوا هذه الآراء، يقول
الخياط: أجمع الخوارج والمرجئة والحسن البصري على أن صاحب الكبيرة فاسق فاجر،
فنتفق معهم على هذه التسمية لإجماعهم عليها، وقد نطق القرآن بذلك، (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
لكن سماه الخوارج: كافرًا. لكن أحكام
الكفار، من حيث إنهم لا يُورثون ولا يُدفنون في مقابر أهل القبلة؛ لا تسري على
مرتكب الكبيرة، فهو ليس كافرًا.
وسماه الحسن البصري: منافقًا. لكن
المنافق هو اسم لمن أخفى كفره ونشر كذبًا أنه مسلم، ومرتكب الكبيرة ليس كذلك.
وسماه المرجئة: مؤمنًا. لكن حكم الله
في المؤمن: الولاية والمحبة والوعد بالجنة، وحكم الله في صاحب الكبيرة في كتابه أن
لعنه وبرئ منه وأعد لهم عذابًا عظيمًا، فهو ليس مؤمنًا.
وبذلك تبين أن مرتكب الكبيرة دون أن
يتوب هو فاسق، لكن ليس مؤمنًا ولا كافرًا ولا منافقًا، وإنما هو في في منزلة بين
منزلتي الإيمان والكفر، وفي الدنيا تسري عليه أحكام المسلمين، أما في الآخرة فهو
خالد في جهنم.([vii])
ولأن الإسلام عقيدة وعمل، فقد علَّق
النجاة بالإيمان الصحيح والعمل الصالح، (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، ولا يمكن
الاكتفاء بالعقيدة مع إتيان الفواحش والكبائر، كما تشير آيات إلى الخلود في النار
لمن تتمكن منه الفواحش والكبائر دون أن تضطرب نفسه ويتوب، (بَلَى مَنْ كَسَبَ
سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ).([viii])
الأصل
الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يرى المعتزلة أن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر واجب، لكن هذا الوجوب مرهون بشروط، إن لم يتحقق واحد منها زال،
وهي:
– التأكد من أن ما نأمر به من
المعروف، وما ننهى عنه من المنكر، ولا يكفي الظن.
– أن يكون المنكر قائمًا
مشاهدًا وليس مستقبليًّا لم يحدث بعد.
– ألا يؤدي إنكار المنكر إلى
ما هو أنكر منه.
– أن يكون للنهي عن المنكر أثر.
– ألا يؤدي إنكار المنكر إلى
ضرر على الناهي عنه، ودرجة الضرر هذه تختلف باختلاف قدرات الناس.([ix])
كما يرون أن الغرض من الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر أن لا يضيع المعروف ولا يقع المنكر، ومتى حصل هذا الغرض بالوسيلة
السهلة لا يجوز العدول عنها إلى الوسيلة الصعبة، فقال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ
إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى
أَمْرِ اللَّهِ)، فنبدأ بالصلح، فإن لم ينفع ننتقل إلى القتال.([x])
كانت هذه هي الأصول الخمسة للمعتزلة
لفهم الإسلام، نتفق أو نختلف معها، لكن لا ينكر عاقل أنهم أثروا رحلة البحث عن
الله.
———————–
[i]. (الجامع لأحكام القرآن)
ج10 ص105.
https://slatni07.blogspot.com/2018/11/blog-post.html?spref=fb&fbclid=IwAR22jsA73JXd5RyoDek_XBSCO5q0LLSKrfVHnsJX9S59iAeTuB0kKXQbEA4
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire