mardi 25 octobre 2016

ابن الحنفية المفترى عليه : التضارب فى الأقوال المنسوبة لابن الحنفية






ابن الحنفية المفترى عليه : التضارب فى الأقوال المنسوبة لابن الحنفية
مقدمة :
مأساة كربلاء جعلت ابن الحنفية يتأكد من سلامة موقفه ، ولقد نصح أخاه الحسين بألا يذهب الى الكوفة فرفض الحسين ، وبعد ما حدث آثر ابن الحنفية الابتعاد عن الفتن ما إستطاع. ثم ظهر المختار الثقفى يرفع إسم ابن الحنفية  فى خضم الصراع بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان فتعقد الموقف بالنسبة له ـ وقد اصبح كبير العلويين ـ وكل من ابن الزبير وابن مروان يريد منه البيعة . أصبح مرغما على التعامل مع هذه التعقيدات بما يحافظ على سلامته وسلامة أهله وما يتجنب به سفك الدماء .
ويذكر ابن الأثير والطبرى أن بعض الشيعة فى الكوفة شكُّوا فى زعم المختار التحدث باسم ابن الحنفية وارسلوا وفدا لابن الحنفية يستوثق من الأمر فقال لهم : ( وأما ما ذكرتم ممن دعاكم إلى الطلب بدمائنا فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه .). وعرض المختار على ( ابن الحنفية ) أن يرسل اليه جيشا (  كثيفا ،ً وتبعث إليهم من قبلك رجلاً يعلموا أني في طاعتك فافعل. ) يعنى يريد منه إعترافا صريحا واضحا بأن المختار يتصرف باسمه وبإذنه ، ( فكتب إليه ابن الحنفية: " أما بعد فقد قرأت كتابك وعرفت تعظيمك لحقي وما تنويه من سروري، وإن أحب الأمور كلها إلي ما أطيع الله فيه، فأطع الله ما استطعت، وإني لو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعاً والأعوان لي كثيراً، ولكن أعتزلكم وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. " وأمره بالكف عن الدماء.) . هذه هى شخصية ابن الحنفية وسط هذه الحروب المشتعلة والتى يُشعلها البعض باسمه . وحتى بعد أن صار لابن الحنفية جيش من الأتباع يسير ويقيم معه فإنه لم يلجأ للقتال ، بينما يطرده ابن الزبير ثم عبد الملك بن مروان . أكثر من هذا ، كان ابن الزبير على وشك أن يحرقهم ـ وأطفالهم ـ بالنار ، وجاء الجيش الذى أنقذهم ، وهرب ابن الزبير ، وكان الجيش متحفرا لقتل ابن الزبير لولا أن نهاهم ابن الحنفية .
2 ـ لم يكن محمد بن الحنفية يعلم أنه ستتكون بعد موته فرقة الكيسانية الشيعية بعقائد أرساها المختار بخزعبلاته . ولم يكن يعلم أنهم سيسندون له أقوالا ، وسيصنعون له شخصية إلاهية ، وأنه سيكون محل إختلاف بينهم .  كان يؤمن بأحقيتهم بالخلافة ، ولكن لا يريد أن يقاتل من أجل هذا الحق ، يريد أن يؤتى له بهذا الحق بتراض وإتفاق .
ولكن إختلف الحال بعد موته ، بوجود أولاده الكثيرين ، وأكبرهم ( ابو هاشم ) وبوجود الفرقة العسكرية التى لازمته فى حياته ، وظلت مع أولاده بعد مماته ، وحياتهم فى كنف الأمويين وقريبا منهم بعد أن أعطى لهم عبد الملك الأمان ، وأنفق عليهم الفرائض أى العطاء والمرتبات .
3 ـ بدأ الاختلاف على مستويين : ( الدعوى ) بالدعوة الكيسانية، و ( السياسى ) بتحرك الكيسانية سرا لاقامة المُلك الهاشمى لشخص مجهول من آل البيت أطلقوا عليه :( الرضى من آل محمد ) ،ولم يكن إلا من نسل محمد بن الحنفية . من هنا نشأ التضارب بين ابن الحنفية وسيرة أولاده ( ابوهاشم ) على المستوى الدعوى الذى تأثر بخزعبلات المختار الثقفى ، وعلى المستوى السياسى ، فبعد أن كان ابن الحنفية ينتظر أن تأتيه الخلافة على طبق من ذهب ، فإن أولاده سعوا الى الفوز بها بتكوين جماعة سرية عنقودية ، وجعلوا رأسها مجهول الاسم ليستقطبوا الجميع لها من ناحية وليحافظوا على حياة زعيم التنظيم من ناحية أخرى .
4 ـ  وكان لا بد لهم من الكذب على (ابن الحنفية ) بنسبة اقوال له تسوغ هذا التطور الدعوى العقيدى وهذا التحرك السياسى التآمرى . وبهذا نرى تضاربا فى الأقوال المنسوبة لابن الحنفية . فطبقا لما جاء فى سيرته فى الطبقات الكبرى لابن سعد فإن شخصية ابن الحنفية من خلال مواقفه تتناقض مع صورته التى رسمتها فرق وطوائف الكيسانية . ولكن نسب ابن سعد لابن الحنفية أقوالا متضاربة ، بعضها ينسجم مع شخصيته وعصره وبيته الهاشمى وقتها ، والبعض الآخر يتناقض معه ومع عصره ، واقرب ما يكون لخزعبلات المختار ، الذى لم يكن ابن الحنفية يستسيغه ويطمئن اليه . وهذا هو موضوعنا هنا :
أولا : ـ من الأقوال التى نرى أنها تنسجم مع شخصية ابن الحنفية ما يلى :
1 : رفض ابن الحنفية لمزاعم الأحاديث التى قيل انهم ورثوها عن النبى ، تقول الرواية : (  فبلغ محمدا انهم يقولون ان عندهم شيئا اي من العلم .. فقام فينافقال : " إنا والله ما ورثنا من رسول الله الا ما بين هذين اللوحين. " ثم قال : " اللهم حلاوهذه الصحيفة في ذؤابة سيفي." قال فسالت وما كان في الصحيفة ؟ قال : " من احدث حدثا او آوى محدثا ) يعنى انه يحفظ عن النبى ورقة مكتوبا فيها حديثين فقط .. وهما لا يخلوان من التشويش والابهام .
2   قال  منذر الثوري : (  كنت عند محمد بن الحنفيةفسمعته يقول: "ما اشهد على احد بالنجاة ولا انه من اهل الجنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على ابي الذي ولدني . " ). أى إنه لا يشهد لأبيه ( على بن أبى طالب ) بالجنة .!. يشهد للنبى محمد فقط . وهذا طبقا لما جاء فى القرآن الكريم ( التوبة 88 : 89 )
  3 : قوله عن بنى هاشم وبنى أمية ، وإنحياز الناس الى بنى هاشم أو بنى امية يتقاتلون بسببهما : (    اهل بيتين من العرب يتخذهما الناس اندادا من دون الله نحن وبنو عمنا هؤلاء .ــ يعني بني امية  ــقال نحن اهل بيتين من قريش نُتّخذ من دون الله اندادا ، نحن وبنو امية . ) يعنى أنه يجعل هذا الاقتتال فى سبيل بنى هاشم أو بنى أمية قرين الشرك بالله جل وعلا ، أى إنه بدلا من القتال فى سبيل الله جل وعلا يقاتلون فى سبيل بنى هاشم أو بنى أمية . وهذا فكر صائب ورائع .!
  4: كان ابن الحنفية مُدركا لمكانة الهاشميين فى قريش ، ومدركا أيضا للظلم الذى يحيق به وبأهله ، تقول الرواية : ( جاء رجل الى بن الحنفية  فسلم عليه،  فرد عليه السلام . فقال : " كيف انت ؟ "  فحرك يده ، فقال : " كيف انتم ؟ أما  آن لكم ان تعرفوا كيف نحن ؟  انما مثلنا في هذه الامة مثل بني اسرائيل في ال فرعون، كان يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم ، وان هؤلاء يذبحون ابناءنا وينكحون نساءنا بغير امرنا .  فزعمت العرب ان لها فضلا على العجم ، فقالت العجم وما ذاك ؟ قالواكان محمدا عربيا . قالوا صدقتم ... وزعمت قريش ان لها فضلا على العرب، فقالت العرب:  وبم ذا ؟ قالوا قد كان محمد قرشيا،  فان كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس . )
  5 : كان يؤمن أنه لهم حقا ، وان هذا الحق سيأتيهم بلا سفك دماء ، وما عليهم إلا الانتظار . نفهم هذا من هاتين الروايتين : قال محمد بن الحنفيةلأبى الطفيل : ( إلزم هذا المكان ، وكن حمامة من حمام الحرم حتى ياتي امرنا .  فان امرنا اذا جاء فليس به خفاء كما ليس بالشمس اذا طلعت خفاء . وما يدريك ان قال لك الناس تاتي من المشرق وياتي الله بها من المغرب ، وما يدريك ان قال لك الناس تاتي من المغرب وياتي الله بها من المشرق ، وما يدريك لعلنا سنؤتى بها كما يؤتى بالعروس ) ،  ( قال إبن الحنفية: "رحم الله امرا اغنى نفسه وكف يده وامسك لسانه وجلس في بيته له ما احتسب وهو مع من احب .... الا ان لاهل الحق دولة ياتي بها الله اذا شاء ، فمن ادرك ذلك منكم ومنا كان عندنا في السنام الاعلى ، ومن يمت فما عند الله خير وابقى ).
  6 :  ثم هذه القصة الرائعة التى تُصوّر الشخصية الحقيقية لابن الحنفية فى رفضه للفتن وسفك الدماء برغم معاناته وأهله ، وفى رفضه للأحاديث التى بدأت تنتشر منسوبة للنبى تصاحب الصراعات السيايسة الحربية وقتئذ . ذهب الراوى لهذه القصة الى ابن الحنفية وهو يتكلم فى الناس ، فطلب من ابن الحنفية ان يختلى به .  يقول : (   قلت : " ان لي اليك حاجة . " قال : " أسرُّ هي ام علانية ؟ .. قلت : " بل سر " قال : " اجلس " . فجلست ، وحدث القوم ساعة،  ثم قام فقمت معه ،  فلما ان دخل دخلت معه بيته . قال :"  قل بحاجتك " ...  قلت : " اما بعد فوالله ما كنتم اقرب قريش الينا قرابة فنحبكم عن قرابتكم ولكن كنتم اقرب قريش الى نبينا قرابة فلذلك احببناكم على قرابتكم من نبينا ،  فما زال بنا الشين في حبكم حتى ضربت عليه الاعناق وابطلت الشهادات وشردنا في البلاد واوذينا حتى لقد هممت ان اذهب في الارض قفرا فاعبد الله حتى القاه ، لولا ان يخفى علي امر ال محمد ، وحتى هممت انا خرج مع اقوام شهادتنا وشهادتهم واحدة على امرائنا فيخرجون فيقاتلون.. وقد كانت تبلغنا عنك احاديث من وراء وراء فاحببت ان اشافهك للكلام فلا اسال عنك احدا وكنت اوثق الناس في نفسي واحبه الي ان اقتدي به فارى برايك وكيف ترى المخرج اقول هذا واستغفر الله لي ولكم . " ... فحمد الله .. ثم قال : " أما بعد فاياكم وهذه الاحاديث، فانها عيب عليكم . وعليكم بكتاب الله تبارك وتعالى ، فانه به هدي اولكم وبه يهدى اخركم.  ولعمري لئن اوذيتم لقد اوذي من كان خيرا منكم . اما قولك لقد هممت ان اذهب في الارض قفرا  فاعبد الله حتى القاه واجتنب امور الناس لولا ان يخفى علي امور ال محمد ، فلا تفعل فانك تلك البدعة الرهبانية ولعمري لامر ال محمد ابين من طلوع الشمس . واما قولك لقد هممت ان اخرج مع اقوام شهادتنا وشهادتهم واحدة على امرائنا فيخرجون فيقاتلون ونقيم ، فلا تفعل لا تفارق الامة اتق هؤلاء القوم بتقيتهم .. ولاتقاتل معهم ".  قلت : " وما تقيتهم ؟  قال : " تحضرهم وجهك عند دعوتهم فيدفع الله بذلك عنك عن دمك ودينك وتصيب من مال الله الذي انت احق به منهم . " .. قلت : أرايت ان اطاف بي قتال ليس لي منه بد  ؟ قال : " تبايع باحدى يديك الاخرى لله وتقاتل لله ، فان الله سيدخل اقواما بسرائرهم الجنة وسيدخل اقواما بسرائرهم النار.  واني اذكرك الله ان تبلغ عني ما لمتسمع مني او تقول علي ما لم اقل اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ." ).

الواضح من أقوال ابن الحنفية هنا : رفضه الأحاديث تمسكا منه بكتاب الله جل وعلا ، ورفضه قتال الأمويين ، إلا القتال الدفاعى عند الاضطرار .
ثانيا :  من الأقوال التى تتناقض معه وتتفق مع الكيسانية وخزعبلات المختار ما يلى :  
  1 : قوله  أنه المهدى : يزعمون أنه ( كانوا يسلمون على محمد بن علي سلام عليك يا مهدي فقال اجل انا مهدي اهدي الى الرشد والخير ، اسمي اسم نبي الله وكنيتي كنية نبي الله،  فاذا سلم احكم فليقل سلام عليك يا محمد السلام عليك يا ابا القاسم . ) وهى رواية تتناقض عباراتها ،
  2 :  قوله : (   من احبنا نفعه الله وان كان في الديلم  ) . وهذا ممن الأحاديث السياسية المنسوبة اليه والتى أشاعتها الدعوة الكيسانية السرية فى المشرق .
3   : رواية مضحكة  تنسب العلم اللدنى الالهى لابن الحنفية ، تقول : ( لما بعث عبد الملك الحجاج الى مكة والمدينة قال له انه ليس لك على محمد بن الحنفية سلطان قال فلما قدم الحجاج ارسل اليه الحجاج يتوعده ثم قال اني لارجو ان يمكن الله منك يوما من الدهر ويجعل لي عليك سلطانا فافعل وافعل قال كذبت يا عدو نفسه الا شعرت ان لله في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة او نفخة فارجو ان يرزقني الله بعض لحظاته او نفحاته فلايجعل لك علي سلطانا قال فكتب بها الحجاج الى عبد الملك فكتب بها عبد الملك الى صاحب الروم فكتب اليه صاحب الروم ان هذه والله ما هي من كنزك ولا كنز اهل بيتك ولكنها من كنز اهل بيت نبوة. ).
المضحك هنا أن الراوى يجعل نفسه حاضرا لما دار بين ابن الحنفية والحجاج ، وحاضرا لما دار بين الحجاج وعبد الملك بن مروان ، وحاضرا لما دار من تراسل بين ملك الروم وعبد الملك . كل هذه الأكاذيب المضحكة لينسب علما الاهيا لابن الحنفية .
أخيرا
  ـ هذه الخزعبلات نسبها أساطين الكيسانية لمحمد بن الحنفية . ونتوقف فى لمحة عن الكيسانية وتوابعها الالحادية  .
آحمد صبحي منصور في السبت 09 ابريل 2016


المصدر:

Aucun commentaire: