mardi 4 octobre 2016

مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي " للدكتور علي شريعتي




حقيقة التشيّع الصفوي
مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "
للدكتور علي شريعتي
(1933 –1977)
    التشيّع العلوي هو التشيّع الذي صدع به علي رضي الله عنه في  وجه الظلم والتمييز والاستبداد ، وهو التشيّع الذي تجسد في حياة الأئمة الأطهار ، تشيّع التوحيد والحب والمعرفة ، تشيّع الإنصاف والثورة والكبرياء ، وكان لهذا التشيّع قبول ورضى، لما امتاز به من دعوة للتوحيد ، ونبذ للغلو والتطرف .
    إلا أن هذا التشيّع المضيء تعرض لعملية مسخ وتشويه بأيد شيعية ، فرّغته من مضمونه ومحتواه ، وأدخلت عليه ما ليس منه ، وحدث ذلك بعد أن تحول التشيّع إلى تشيّع حكومي على يد الدولة الصفوية التي حكمت إيران بدءاً من القرن العاشر الهجري ، واستمر هذا النهج بعد قيام ثورة الخميني في إيران .
هذا ما يقدمه يصدع به مفكر شيعي بارز وهو الدكتور علي شريعتي في هذا الكتاب ،الذي يهدف لإبراز محاسن التشيّع العلوي الذي كان يتجسد في سيرة الإمام علي والأئمة (ع) وهو تشيّع يقوم على التوحيد والوحدة الإسلامية والمعرفة ، كما أن د.شريعتي يحذر في كتابه هذا من الأفكار الدخيلة والمنحرفة التي أدخلها الصفويون على التشيع، وصار التشيّع الشائع هو التشيّع المنحرف عن نهج آل البيت .
    ونحن إذ نقدم اختصاراً للكتاب ، فإننا نقدمه كمحاولة لتحقيق الوحدة الإسلامية بين أبناء المسلمين جميعاً ، ونعرضه كمقدمة لتحقيق التقارب بين السنة والشيعة بنبذ الأفكار المتطرفة التي تعوق وحدتهم ، وهو دعوة للعودة إلى النبع الصافي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة الأطهار .
    وأما التشيّع الصفوي فقد أوضح د.شريعتي فساد الدولة الصفوية التي نشرته ونقض أسسه أركانه وأهمها :
1-التناقض الكبير في تصوير الأئمة ، فتارة يضعهم هذا التشيّع في مرتبة الربوبية ، فيصورهم على أنهم يخلقون ويرزقون ويدبرون الكون ، وتارة أخرى يصورهم أجراء وتابعين ومتذللين للخلفاء والحكام
2-تحويل التشيّع العلوي المضيء القائم على التوحيد إلى تشيّع مشبع بالشرك والخرافة ، كعبادة القبور ، وتأليه الأئمة ، والاعتقاد بتحريف القرآن .
3-إهمال جوانب الاتفاق مع باقي المسلمين ، وتغذية جوانب الاختلاف والفرقة .
4-وقوف الدولة الصفوية مع النصارى والدول الأوروبية الاستعمارية ضد الدولة العثمانية السنيّة التي كانت تشكّل سدّاً منيعاً أمام هجمات وأطماع هؤلاء الاستعماريين .
5- استيراد الصفويين لعقائد وعادات النصارى وهيئاتهم ، وإدخالها في التشيّع ، وخاصة في المناسبات كعاشوراء .
6-قيام الدولة الصفوية على المذهب الشيعي والقومية الفارسية ، وإذكائها للشعور القومي ، مما سبب لإيران وشعبها المسلم عزلة ، وسلخها عن محيطها الإسلامي .
7-فساد سلاطين الدولة الصفوية و علماء وروحانيين ( الاتجاه العرفانى الصوفى ) التشيّع الصفوي وما هم عليه من الجمود والغلو وتذللهم للسلاطين وتبريرهم لسياساتهم وتصرفاتهم .
8-اتخاذ علماء التشيّع الصفوي الدين مصدراً للتكسب والترزّق وأكل أموال الناس بالباطل ، وإعطاء أنفسهم هالة وقداسة باسم الدين ، تمنع الناس من مناقشة آرائهم وانتقاد أفكارهم وتصرفاتهم .
9-تحايل الصفويين على العديد من قضايا الدين وإباحتهم للمحرمات كالربا وبعض المعاملات غير المشروعة  و التلاعب بالمواقيت عند إجتماع يوم النوروز – وهو يوم عيد - مع يوم عاشوراء – وهو يوم حزن –.
10-إفراغ التشيّع العلوي من مضمونه ومحتواه ، وتضليل المسلمين بالإبقاء على نفس الهياكل والقوالب .
   ولعل حديث د.شريعتي المستفيض عن الدولة الصفوية ، وما أدخلته من بدعٍ وخرافات على التشيع الأصيل يلفت أنظارنا إلى تجربة الثورة الإيرانية التي سارت على منوال الصفويين في تشويه التشيّع والتحايل على تعاليم الدين وإحداث الفرقة بين المسلمين ، وما أشبه الليلة بالبارحة .
   فإيران اليوم ، وباسم "ولاية الفقيه " تضفي هالة وقداسة على نواب الإمام تجعلهم فوق النقد والمحاسبة ، فأدّى ذلك إلى قتل وتعذيب واضطهاد المخالفين في الرأي ، و حصل ذلك كله باسم الدين وها هي قضية آية الله منتظري ما زالت ماثلة أمامنا حيث كان ضحية سطوة وظلم  زملائه رجال الدين الذين وضعوه تحت الإقامة الجبرية واتهموه بالانحراف – ومن قبل كان آية الله شر يعتمد داريوهي التهمة التي يتم تلفيقها إلى من يخالفهم الرأي .
     وكذلك فإن قضية المثقف والأستاذ الجامعي أغاجاري هي الأخرى تفرض نفسها تجاه ما يقترفه رجال الدين تجاه الآخرين باسم الدين ، حين يتم تناول دورهم ومكانتهم وشرعيتها فيكون الرد هو الاعتقال والمحاكم  ورميه بالردة عن الثورة أو الدين حتى يتم إعدامه باسم الإسلام !
   
        والدين اليوم في إيران مصدر للكسب لهؤلاء وأخذ خمس أموال الناس كونهم نواباً عن الإمام الغائب ، كما أن إيران اليوم تصدر لنا الكتب والمجلدّات والمجلات التي تخالف منهج آل البيت ، ويطفح منها الغلو والتطرف وإحياء أمجاد الصفوية ، وصارت إيران بؤرة توتر واصطدام مع معظم دول العالم الإسلامي كما نرى هذا واضحاً في علاقة إيران مع تركيا وأذربيجان والعراق والخليج ومصر ، وما زالت إيران تحتل جزراً إماراتية ، وترفض حتى مجرد مناقشة الموضوع .
    وإذا كانت الدولة الصفوية قد وقفت في السابق مع النصارى الأوروبيين ضد المسلمين العثمانيين ، فإن إيران اليوم تعرض عن مساندة قضايا الإسلام في العالم كالشيشان والفلبين وفلسطين وكشمير وأفغانستان والعراق، وبدلاً من دعم قضايا المسلمين ، تدخل إيران في تحالفات مع الدول المعتدية ، فتجدها ترتمي في أحضان روسيا، التي تضطهد المسلمين في الشيشان وتدخل معها في علاقات اقتصادية وثيقة ، ونفس الأمر يحدث مع الهند التي تضطهد المسلمين في كشمير وتحارب باكستان المسلمة  ، وتوثق إيران علاقاتها معها ، وهذه العلاقة موجهة أساساً ضد دولة باكستان المسلمة ، وتتصاعد خياناتها للمسلمين للتحالف مع أمريكا لإسقاط إمارة طالبان وبعدها تمنع أتباعها من مقاومة أمريكا في العراق.
   والأمر هنا يطول ، لكن هذه الأمثلة السابقة دليل على استمرار نهج الصفويين ، وأن التشيّع الصفوي الدخيل ما زال مسيطراً وما زال يدعمه حكام إيران.
   ولعلّ تنبيه د.شريعتي المسلمين إلى هذا التشيّع الممسوخ ، هو الذي جلب له العداء قبل الثورة من قبل رجال الدين المتشددين ، وجلب لأنصاره من بعده العداء والاضطهاد ، وإن جرأة شريعتي في انتقاد هذا التشيع هي التي أدّت إلى تهميشه وتشويه صورته ، واتهامه بأنه منحرف عن الإسلام ، ومعادٍ للإمامة و أنه سنى و… لأن هناك من لا يريد أن يعُود التشيّع العلوي الأصيل ، ويريد أن يظل التشيّع الصفوي الممسوخ مسيطراً .
   ومن أجل مشروع حقيقي للتعاون بين السنة والشيعة على الأسس الثابتة في القرآن والسنة ، قمنا بتلخيص هذا الكتاب وتنقيحه من بعض المخالفات ، وليس هذا تزكية لكل ما في هذا الكتاب أو غيره من كتب شريعتي أو أفكاره .














مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "
للدكتور علي شريعتي
(1933 –1977)

ترجمة الدكتور علي شريعتي
(1933 – 1977 )





تمهيد :



الإسلام دين تجلي للبشرية في صورة (لا ) صدع بها وارث إبراهيم ، ومظهر دين توحيد الخالق ، ووحدة الخلق النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، (لا ) بها يبتدئ شعار التوحيد ، ومنها ينطلق الإسلام في مواجهة الشرك والإلحاد ، دين أصحاب المصالح والسلطة والجاه .

والتشيّع بمثابة (لا ) ثانية صدع بها علي . وإلى العهد الصفوي ، ظلت كلمة الرفض (لا ) هي المعلم الرئيسي الذي يميز بين الموالين لأهل البيت وأنصار علي وأتباعه وبين غيرهم.

ولكن مع مجيء الصفوية تبلور عندنا تشيّع جديد لا علاقة له بالأئمة ، وإن جعل منهم غطاءً يمرر من خلالهم كل بدعه وانحرافاته .

ومن أجل ذلك كانت هذه المحاضرات ([1])، واعتذر في البداية لعدم قدرتي حصر الكلام في مدة محدودة ، وسيكون المخاطب الرئيسي في كلامي هو طلبة الجامعة ، والأشخاص الذين في مستواهم الفكر ي وهمّي هو بيان المبادئ العامة لكلا المذهبين والمدرستين ، مدرسة التشيّع العلوي ، ومدرسة التشيّع الصفوي ضمن مواصلتي لسلسلة (تاريخ الأديان ) .



ولكن دعوني أولاً أن أتعرض لمبدأ من مبادئ علم الاجتماع ، سيكون له دور في توضيح المواضيع اللاحقة:




مبدأ الحركة والنظام :

ثمة مبدأ يتم التعاطي معه كثيراً على صعيد علم الاجتماع ، وهو مبدأ تحول الحركة إلى نظام

( Movement to Instirtution)، وحاصله أنه تظهر أحياناً في المجتمع حركة تحمل أفكاراً وعقائد وتطلعات عادة ما يكون وراءها عناصر شابه تنشط في التحرك وتميل إلى التغيير والتجديد .

و يوظف أتباع الحركة أو النهضة كل حركاتهم وأفكارهم لخدمة الهدف الذي يصبون الى تحقيقه ،ويجعلون كل شيء بمنزلة الوسيلة إلى تحقق ذلك الهدف الذي قامت النهضة من أجل الوصول إليه ،

ولكن هذه النهضة بمجرد وصولها إلى حد معين واصطدامها بعراقيل وموانع ذاتية أو خارجية تبدأ بالتوقف والجمود وتنسلخ عن طابعها الحركي التغييري ، وهاهنا تبدأ الأزمة .

لقد كان علي مرآة ( العدل المظلوم ) والمجسد الواقعي للحقيقة التي تضافرت الحكومات على خنقها وحكم عليها الدين الرسمي للدولة بالطمس والكتمان ، وأعرض الشيعي عن المساجد الفاخرة والقصور العامرة التي شيدها خلفاء الإسلام ، ووجد ضالّته في بيت فاطمة ، المشيد من الطين .

الشيعة الأوائل كانوا أقلية محكومة ومضطهدة لا تقدر على ممارسة طقوسها بحرية وعلانية ،ولم يكن يحق للشيعي أن يزور الإمام الحسين في كربلاء أو حتى أن يأتي بإسمه على لسانه، كان دائماً تحت المطاردة وملازماً للتقية خوفاً من خطر القتل والسجن والتعذيب ،أما الآن –أي بعد قيام الدولة الصفوية – فقد تحول الوجود الشيعي إلى قوة كبرى تحكم البلاد وتقع تحت إمرتها أقوى الأجهزة الرسمية ، والحاكم الذي كان يقمع الشيعة بشدة ويعتقل كل من يشك بولائه وحبه لعليّ ويعذبه ويقتله، بات الآن من أكبر المدافعين عن التشيع وأكبر المتظاهرين بالولاء لأهل البيت حتى أنه يفتخر باعتبار نفسه (كلباً) للحضرة الرضوية يا له من انتصار!

الحاكم الذي كان يطارد الشيعة ويعتبرهم أعدى أعدائه طوال ألف عام ، نراه اليوم يضع نعليه على رقبته ويذهب من أصفهان إلى مشهد – حيث ضريج الإمام الرضا- سيراً على الأقدام ، يا له من انتصار .

الحاكم الذي كان يحول دون زيارة قبور الأئمة ويحاول مراراً تخريبها ، هو الآن يشيّد مراقدهم بأبهى صورة ، القبة من الذهب والضريح من الفضة والمئذنة من السيراميك ، يا له من انتصار !

والزيارة التي كان يتلهف الشيعي إليها ويجازف بنفسه متحملاً آلاف الأخطار و الأضرار من قبل الحكومة لأجل أن يوصل نفسه إلى مشهد أو كربلاء ، أمست الآن مظهراً رسمياً تشجع عليه الدولة وتكرم فاعله كما لو أنه ذهب إلى بيت الله الحرام وربّما أفضل ، وتمنحه لقب المشهدي أو الكربلائي أسوة بمن يعود من الحج .. يا له من انتصار !

أما العلماء ورجال الدين الذين كانوا على الدوام في معرض الخطر والمواجهة مع السلطات ويتعرضون لأبشع أنواع الظلم والتنكيل هاهم اليوم معززون مكرمون مرفهون يعيشون في ظروف جيدة للغاية ويجلسون جنباً إلى جنب السلطان على فراشه الوثير ، وقد يستشيرهم في كثير من الأمور المتعلقة بمستقبل البلاد ،بل إن السلطان لا يرى لنفسه قدرة وسلطة إلاّ بمقدار ما يخوله رجل الدين بالنيابة عن الإمام صاحب الزمان ، ياله من انتصار!

ومن هذا الموقع العلوي والحافل بالانتصارات بدأت هزيمة التشيع !

ومن اللحظة التي زالت فيها جميع الموانع والعراقيل بوجه أداء طقوسه العبادية والمذهبية ،وتحول الأعداء إلى أصدقاء ومؤيدين ، توقف الشيعي عن الحركة ليتحول الى وجود اجتماعي غالب وحاكم وجامد وراكد ! وهاهنا يتجسد بوضوح تبدل الحركة إلى نظام .

للتشيع حقبتان تاريخيتان بينهما تمام الاختلاف ؛ تبدأ الأولى من القرن الأول الهجري حيث كان التشيع معبّراً عن الإسلام الحركي في مقابل الإسلام الرسمي والحكومي الذي كان يتمثل في المذهب السني ، وتمتد هذه الحقبة إلى أوائل العهد الصفوي ، حيث تبدأ الحقبة الثانية التي تحول فيها المذهب الشيعي من تشيع حركة ونهضة إلى تشيع حكومة ونظام .


[1]([1] ) هذا الكتاب كان في الأصل محاضرة ألقاها د. شريعتي في حسينية الإرشاد بطهران عام 1971 ، ولا شك أن أسلوب الخطابة يختلف جذرياً عن أسلوب الكتابة ، وكذلك بسبب الترجمة من الفارسية بقيت لغة الكتاب غير سهلة دائماً 






Aucun commentaire: