حقيقة التشيّع الصفوي
مختصر كتاب "التشيّع العلوي
والتشيّع الصفوي "
للدكتور علي شريعتي
(1933 –1977)
التشيّع العلوي
هو التشيّع الذي صدع به علي رضي الله عنه في وجه الظلم والتمييز والاستبداد
، وهو التشيّع الذي تجسد في حياة الأئمة الأطهار ، تشيّع التوحيد والحب والمعرفة ،
تشيّع الإنصاف والثورة والكبرياء ، وكان لهذا التشيّع قبول ورضى، لما امتاز به من
دعوة للتوحيد ، ونبذ للغلو والتطرف
.
إلا أن هذا
التشيّع المضيء تعرض لعملية مسخ وتشويه بأيد شيعية ، فرّغته من مضمونه ومحتواه ،
وأدخلت عليه ما ليس منه ، وحدث ذلك بعد أن تحول التشيّع إلى تشيّع حكومي على يد
الدولة الصفوية التي حكمت إيران بدءاً من القرن العاشر الهجري ، واستمر هذا النهج
بعد قيام ثورة الخميني في إيران
.
هذا ما يقدمه يصدع به مفكر شيعي بارز
وهو الدكتور علي شريعتي في هذا الكتاب ،الذي يهدف لإبراز محاسن التشيّع العلوي
الذي كان يتجسد في سيرة الإمام علي والأئمة (ع) وهو تشيّع يقوم على التوحيد
والوحدة الإسلامية والمعرفة ، كما أن د.شريعتي يحذر في كتابه هذا من الأفكار
الدخيلة والمنحرفة التي أدخلها الصفويون على التشيع، وصار التشيّع الشائع هو
التشيّع المنحرف عن نهج آل البيت .
ونحن إذ نقدم
اختصاراً للكتاب ، فإننا نقدمه كمحاولة لتحقيق الوحدة الإسلامية بين أبناء
المسلمين جميعاً ، ونعرضه كمقدمة لتحقيق التقارب بين السنة والشيعة بنبذ الأفكار
المتطرفة التي تعوق وحدتهم ، وهو دعوة للعودة إلى النبع الصافي الذي كان عليه
النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة الأطهار .
وأما التشيّع
الصفوي فقد أوضح د.شريعتي فساد الدولة الصفوية التي نشرته ونقض أسسه أركانه وأهمها :
1-التناقض الكبير في تصوير
الأئمة ، فتارة يضعهم هذا التشيّع في مرتبة الربوبية ، فيصورهم على أنهم يخلقون
ويرزقون ويدبرون الكون ، وتارة أخرى يصورهم أجراء وتابعين ومتذللين للخلفاء
والحكام
2-تحويل التشيّع العلوي المضيء
القائم على التوحيد إلى تشيّع مشبع بالشرك والخرافة ، كعبادة القبور ، وتأليه
الأئمة ، والاعتقاد بتحريف القرآن
.
3-إهمال جوانب الاتفاق مع باقي
المسلمين ، وتغذية جوانب الاختلاف والفرقة .
4-وقوف الدولة الصفوية مع
النصارى والدول الأوروبية الاستعمارية ضد الدولة العثمانية السنيّة التي كانت
تشكّل سدّاً منيعاً أمام هجمات وأطماع هؤلاء الاستعماريين .
5- استيراد الصفويين لعقائد
وعادات النصارى وهيئاتهم ، وإدخالها في التشيّع ، وخاصة في المناسبات كعاشوراء .
6-قيام الدولة الصفوية على
المذهب الشيعي والقومية الفارسية ، وإذكائها للشعور القومي ، مما سبب لإيران
وشعبها المسلم عزلة ، وسلخها عن محيطها الإسلامي .
7-فساد سلاطين الدولة الصفوية
و علماء وروحانيين ( الاتجاه العرفانى الصوفى ) التشيّع الصفوي وما هم عليه من الجمود
والغلو وتذللهم للسلاطين وتبريرهم لسياساتهم وتصرفاتهم .
8-اتخاذ علماء التشيّع الصفوي الدين
مصدراً للتكسب والترزّق وأكل أموال الناس بالباطل ، وإعطاء أنفسهم هالة وقداسة
باسم الدين ، تمنع الناس من مناقشة آرائهم وانتقاد أفكارهم وتصرفاتهم .
9-تحايل الصفويين على العديد
من قضايا الدين وإباحتهم للمحرمات كالربا وبعض المعاملات غير المشروعة و
التلاعب بالمواقيت عند إجتماع يوم النوروز – وهو يوم عيد - مع يوم عاشوراء – وهو يوم
حزن –.
10-إفراغ التشيّع العلوي من
مضمونه ومحتواه ، وتضليل المسلمين بالإبقاء على نفس الهياكل والقوالب .
ولعل حديث
د.شريعتي المستفيض عن الدولة الصفوية ، وما أدخلته من بدعٍ وخرافات على التشيع
الأصيل يلفت أنظارنا إلى تجربة الثورة الإيرانية التي سارت على منوال الصفويين في
تشويه التشيّع والتحايل على تعاليم الدين وإحداث الفرقة بين المسلمين ، وما أشبه
الليلة بالبارحة .
فإيران اليوم ،
وباسم "ولاية الفقيه " تضفي هالة وقداسة على نواب الإمام تجعلهم فوق
النقد والمحاسبة ، فأدّى ذلك إلى قتل وتعذيب واضطهاد المخالفين في الرأي ، و حصل
ذلك كله باسم الدين وها هي قضية آية الله منتظري ما زالت ماثلة أمامنا حيث كان
ضحية سطوة وظلم زملائه رجال الدين الذين وضعوه تحت الإقامة الجبرية واتهموه
بالانحراف – ومن قبل كان آية الله شر يعتمد داري – وهي التهمة التي يتم تلفيقها إلى من
يخالفهم الرأي .
وكذلك فإن
قضية المثقف والأستاذ الجامعي أغاجاري هي الأخرى تفرض نفسها تجاه ما يقترفه رجال
الدين تجاه الآخرين باسم الدين ، حين يتم تناول دورهم ومكانتهم وشرعيتها فيكون
الرد هو الاعتقال والمحاكم ورميه بالردة عن الثورة أو الدين حتى يتم إعدامه
باسم الإسلام !
والدين
اليوم في إيران مصدر للكسب لهؤلاء وأخذ خمس أموال الناس كونهم نواباً عن الإمام
الغائب ، كما أن إيران اليوم تصدر لنا الكتب والمجلدّات والمجلات التي تخالف منهج
آل البيت ، ويطفح منها الغلو والتطرف وإحياء أمجاد الصفوية ، وصارت إيران بؤرة
توتر واصطدام مع معظم دول العالم الإسلامي كما نرى هذا واضحاً في علاقة إيران مع
تركيا وأذربيجان والعراق والخليج ومصر ، وما زالت إيران تحتل جزراً إماراتية ،
وترفض حتى مجرد مناقشة الموضوع
.
وإذا كانت
الدولة الصفوية قد وقفت في السابق مع النصارى الأوروبيين ضد المسلمين العثمانيين ،
فإن إيران اليوم تعرض عن مساندة قضايا الإسلام في العالم كالشيشان والفلبين
وفلسطين وكشمير وأفغانستان والعراق، وبدلاً من دعم قضايا المسلمين ، تدخل إيران في
تحالفات مع الدول المعتدية ، فتجدها ترتمي في أحضان روسيا، التي تضطهد المسلمين في
الشيشان وتدخل معها في علاقات اقتصادية وثيقة ، ونفس الأمر يحدث مع الهند التي
تضطهد المسلمين في كشمير وتحارب باكستان المسلمة ، وتوثق إيران علاقاتها
معها ، وهذه العلاقة موجهة أساساً ضد دولة باكستان المسلمة ، وتتصاعد خياناتها
للمسلمين للتحالف مع أمريكا لإسقاط إمارة طالبان وبعدها تمنع أتباعها من مقاومة
أمريكا في العراق.
والأمر هنا يطول
، لكن هذه الأمثلة السابقة دليل على استمرار نهج الصفويين ، وأن التشيّع الصفوي
الدخيل ما زال مسيطراً وما زال يدعمه حكام إيران.
ولعلّ تنبيه د.شريعتي
المسلمين إلى هذا التشيّع الممسوخ ، هو الذي جلب له العداء قبل الثورة من قبل رجال
الدين المتشددين ، وجلب لأنصاره من بعده العداء والاضطهاد ، وإن جرأة شريعتي في
انتقاد هذا التشيع هي التي أدّت إلى تهميشه وتشويه صورته ، واتهامه بأنه منحرف عن الإسلام
، ومعادٍ للإمامة و أنه سنى و… لأن هناك من لا يريد أن يعُود التشيّع العلوي
الأصيل ، ويريد أن يظل التشيّع الصفوي الممسوخ مسيطراً .
ومن أجل مشروع
حقيقي للتعاون بين السنة والشيعة على الأسس الثابتة في القرآن والسنة ، قمنا
بتلخيص هذا الكتاب وتنقيحه من بعض المخالفات ، وليس هذا تزكية لكل ما في هذا
الكتاب أو غيره من كتب شريعتي أو أفكاره .
التشيع الصفوي: نسبه الى الدولة الصفوية التي حكمت إيران وزعمت انحدارها من نسل الإمامة لتُضفي شرعية زائفة على سلطتها الزمنية، ويرى المعلم أن الحركة الصفوية ورجال الدين المرتبطين بها عملوا على إضفاء الطابع المذهبي وبعث القومية الإيرانية والوطنية لتبدو في صورة وشاح ديني أخضر، وركزت أجهزة الدعاية الصفوية على نقاط الإثارة والاختلاف بين السنة والشيعة وأهملت نقاط الاشتراك، وحرصت على تعطيل أو تبديل أو إهمال الشعائر والسنن والطقوس الإسلامية المشتركة بين المسلمين، ويرفض ماكانت تقوم به هذه الدولة عبر رجالها الذين كانوا يجوبون الشوارع ويُرغمون المارة والعامة على لعن الشيخين "أبي بكر وعمر"، ويصف هذه الأعمال ب"الوحشية والإرهابية" ويؤكد أن السباب والشتيمه واللعن هما من منطق التشيع الصفوي، ويرمي شريعتي هذا النوع من التشيع بأنه "تشيع الجهل والفرقة والبدعة، وتشيع المدح والثناء للسلطات، وتشيع الجمود والركود بتأدية طقوس عبادية ومذهبية دخيله على التشيع الأصيل، وهو تشيع ندب الحسين، وتشيع يُعطل مسؤليات المسلم، وهو تشيع للفكر الصفوي الدخيل
التسنن الأموي: الذي يستغل عنوان المذهب السني لتمرير المخططات الرامية لفرض الهيمنة على مقدرات الشعوب، وتبرير أعمال السلاطين، والتبرع بالأحكام والفتاوى الجاهزة، لتتناغم مع التوجه الرسمي للحكومات، ف"التشيع الصفوي" وقرينه "التسنن الأموي" كلاهما مذهب اختلاف وشقاق، والحقد والضغينة هي من خصائصهما، لأن كليهما يمثلان الإسلام الرسمي، وكلاهما دين حكومي، الأول لتبرير الحكم الصفوي والثاني لتبرير الوجود الأموي في موقع الخلافة، وبكل شجاعة وندرة يُصرح الشهيد أن "كل رموز التشيع الموجود في إيران وشعائره، رموز مسيحية ومظاهر مسيحية، أدخلها الصفويون على يد طلائع الغزو الفكري الغربي، لكي يفصلوا إيران تماما عن الإسلام السني، الذي كان مذهب الدولة العثمانية عدوتها التقليدية، كما أن الصفويين قد ارتكبوا ذلك الخطأ الفادح بالتحالف مع الأوروبيين ضد العثمانيين مما أودى بإيران وبالدولة العثمانية معاً"، وينهي بقوله: "ولو خرجت كل المظاهر الدخيلة على التشيع فلن يبقى هناك أي خلاف يذكر بين مذاهب الإسلام"
ويرد مفكرنا على التخاصم والتقاذف الحاصل بين أنصار التشيع الصفوي وبعض رجال التسنن الأموي بأن غرض هذه الأمور هي خلق الأحقاد بين المسلمين، واستغفال الأذهان لمسائل هامشية وقضايا مفتعلة، والشيع العلوي والمنهج الحسيني وتشوية صورة الحوزة العلمية الشيعية الكبري في أذهان الجيل المثقف، اما "التشيع العلوي" فهو حركة ثورية، تمارس الجهاد فكراً وسلوكاَ، لتواجه الأنظمة ذات الطابع الاستبدادي والطبقي، وهذا التشيع يتبنى إقامة العدل، ورعاية حقوق الجماهير المستضعفة، وهو تشيع الوحدة والسنة، فشعار هذه المدرسة هو ثقافة الاستشهاد ونشر الحق وإقامة العدالة، وإن الشيعي العلوي هو الذي يسير على خطى ونهج الإمام علي بن أبي طالب.
http://islamicbooks.info/H-26-V-Arabic/V-Truth%20about%20Shia-Sunni.htm
حقيقة التشيع والتسنن من
وجهة نظر الفيلسوف شريعتي للتقريب المذهبي
مقال نشر في قناة الحرة (عراق)
تعريف جيد لما هو سني
وشيعي ، رحم الله شريعتي آمين
كان من اللازم في ظل ما
تعيشه الأمة من تفتت وانقسامات وتشرذم وخلافات بل وحروب يطفو المذهبي فيها علي
السياسي أن نستعيد ونستذكر بعض الأصوات العاقلة الهادئة عسى أن تكون هذه الكلمات
حجراً في بركة راكدة يُعد فيلسوف الثورة الإسلامية في إيران الشهيد الدكتور علي شريعتي
الملقب ب"المعلم" واحداَ من القلائل الذين تجردوا عن هوى التمذهب
والتشدد أو التخاصم، وسعى بكل ما أوتي من قوة إلى لملمة الصفوف تجاه الوحدة بل إنه
قد خصص كتابا يُعد معلما من معالم الفكر الشيعي في العصر الحديث ألا وهو
"التشيع العلوي والتشيع الصفوي"
".
ولد علي بن محمد تقي شريعتي في مزيتان في منطقة خراسان عام 1933 نشأ في أسرة متدينة معروفه بالفقه والعمل، ونشط وهو في الثانوية العامة في التيار الذي قاده رئيس الوزارء السابق مصدق ثم تخرج بتفوق من كلية الآداب ليُرسل في بعثة دراسية لفرنسا، ويحصل علي الدكتوراه واحده في علم الاجتماع الديني والأخرى في تاريخ الإسلام، وهناك كان على اتصال بجبهة التحرير الجزائرية والتقى مفكرى فرنسا البارزين أمثال فرانز فانون وسارتر، ثم عاد الي إيران ليؤسس "حسينية الإرشاد" وهو المعهد الذي هاجم فيه تعصب رجال الدين من الشيعة ضد السنة، ثم مالبث أن أعتقل مرات في فرنسا وفي إيران لتبنيه أفكاراً إصلاحية ثورية كبناء الدولة الإسلامية وإعادة صياغة الذات والمجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا على نحو إسلامي حقيقي، كما اهتم بجوهر المساواة والعدل وتنقية الإسلام مما شابه عبر القرون، خلف لنا حوالي مائة وعشرون (120) عملاً ما بين الفلسفي والأدبي والاجتماعي والسياسي كلها تتخذ من الإسلام القبس، استشهد في لندن على يد جهاز المخابرات التابع للشاه- آنذالك- السافاك عام 1977
يشيد كاتبنا بالرؤية التي يتمتع بها شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت وإخوانه في تدعيم حركة التقريب بين المذاهب الإسلامية ويصف هذا الدور بأنه واع ومسئول، هذا بخلاف وجود النفوس العالية التي تأبى الهزيمة أمام دسائس المتصيدين في الماء العكر من أعداء الداخل والخارج
ولد علي بن محمد تقي شريعتي في مزيتان في منطقة خراسان عام 1933 نشأ في أسرة متدينة معروفه بالفقه والعمل، ونشط وهو في الثانوية العامة في التيار الذي قاده رئيس الوزارء السابق مصدق ثم تخرج بتفوق من كلية الآداب ليُرسل في بعثة دراسية لفرنسا، ويحصل علي الدكتوراه واحده في علم الاجتماع الديني والأخرى في تاريخ الإسلام، وهناك كان على اتصال بجبهة التحرير الجزائرية والتقى مفكرى فرنسا البارزين أمثال فرانز فانون وسارتر، ثم عاد الي إيران ليؤسس "حسينية الإرشاد" وهو المعهد الذي هاجم فيه تعصب رجال الدين من الشيعة ضد السنة، ثم مالبث أن أعتقل مرات في فرنسا وفي إيران لتبنيه أفكاراً إصلاحية ثورية كبناء الدولة الإسلامية وإعادة صياغة الذات والمجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا على نحو إسلامي حقيقي، كما اهتم بجوهر المساواة والعدل وتنقية الإسلام مما شابه عبر القرون، خلف لنا حوالي مائة وعشرون (120) عملاً ما بين الفلسفي والأدبي والاجتماعي والسياسي كلها تتخذ من الإسلام القبس، استشهد في لندن على يد جهاز المخابرات التابع للشاه- آنذالك- السافاك عام 1977
يشيد كاتبنا بالرؤية التي يتمتع بها شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت وإخوانه في تدعيم حركة التقريب بين المذاهب الإسلامية ويصف هذا الدور بأنه واع ومسئول، هذا بخلاف وجود النفوس العالية التي تأبى الهزيمة أمام دسائس المتصيدين في الماء العكر من أعداء الداخل والخارج
.
يعزو شريعتي انتشار
الخلاف والخصام المذهبي إلي ما يُسميه انتشار العدوين المتآخيين "التشيع
الصفوي والتسنن الأموي" وانحسارالأخوين " التشيع العلوي والتسنن
المحمدي"، فما هو التشيع الصفوي والتسنن الأموي؟
التشيع الصفوي: نسبه الى الدولة الصفوية التي حكمت إيران وزعمت انحدارها من نسل الإمامة لتُضفي شرعية زائفة على سلطتها الزمنية، ويرى المعلم أن الحركة الصفوية ورجال الدين المرتبطين بها عملوا على إضفاء الطابع المذهبي وبعث القومية الإيرانية والوطنية لتبدو في صورة وشاح ديني أخضر، وركزت أجهزة الدعاية الصفوية على نقاط الإثارة والاختلاف بين السنة والشيعة وأهملت نقاط الاشتراك، وحرصت على تعطيل أو تبديل أو إهمال الشعائر والسنن والطقوس الإسلامية المشتركة بين المسلمين، ويرفض ماكانت تقوم به هذه الدولة عبر رجالها الذين كانوا يجوبون الشوارع ويُرغمون المارة والعامة على لعن الشيخين "أبي بكر وعمر"، ويصف هذه الأعمال ب"الوحشية والإرهابية" ويؤكد أن السباب والشتيمه واللعن هما من منطق التشيع الصفوي، ويرمي شريعتي هذا النوع من التشيع بأنه "تشيع الجهل والفرقة والبدعة، وتشيع المدح والثناء للسلطات، وتشيع الجمود والركود بتأدية طقوس عبادية ومذهبية دخيله على التشيع الأصيل، وهو تشيع ندب الحسين، وتشيع يُعطل مسؤليات المسلم، وهو تشيع للفكر الصفوي الدخيل
التسنن الأموي: الذي يستغل عنوان المذهب السني لتمرير المخططات الرامية لفرض الهيمنة على مقدرات الشعوب، وتبرير أعمال السلاطين، والتبرع بالأحكام والفتاوى الجاهزة، لتتناغم مع التوجه الرسمي للحكومات، ف"التشيع الصفوي" وقرينه "التسنن الأموي" كلاهما مذهب اختلاف وشقاق، والحقد والضغينة هي من خصائصهما، لأن كليهما يمثلان الإسلام الرسمي، وكلاهما دين حكومي، الأول لتبرير الحكم الصفوي والثاني لتبرير الوجود الأموي في موقع الخلافة، وبكل شجاعة وندرة يُصرح الشهيد أن "كل رموز التشيع الموجود في إيران وشعائره، رموز مسيحية ومظاهر مسيحية، أدخلها الصفويون على يد طلائع الغزو الفكري الغربي، لكي يفصلوا إيران تماما عن الإسلام السني، الذي كان مذهب الدولة العثمانية عدوتها التقليدية، كما أن الصفويين قد ارتكبوا ذلك الخطأ الفادح بالتحالف مع الأوروبيين ضد العثمانيين مما أودى بإيران وبالدولة العثمانية معاً"، وينهي بقوله: "ولو خرجت كل المظاهر الدخيلة على التشيع فلن يبقى هناك أي خلاف يذكر بين مذاهب الإسلام"
ويرد مفكرنا على التخاصم والتقاذف الحاصل بين أنصار التشيع الصفوي وبعض رجال التسنن الأموي بأن غرض هذه الأمور هي خلق الأحقاد بين المسلمين، واستغفال الأذهان لمسائل هامشية وقضايا مفتعلة، والشيع العلوي والمنهج الحسيني وتشوية صورة الحوزة العلمية الشيعية الكبري في أذهان الجيل المثقف، اما "التشيع العلوي" فهو حركة ثورية، تمارس الجهاد فكراً وسلوكاَ، لتواجه الأنظمة ذات الطابع الاستبدادي والطبقي، وهذا التشيع يتبنى إقامة العدل، ورعاية حقوق الجماهير المستضعفة، وهو تشيع الوحدة والسنة، فشعار هذه المدرسة هو ثقافة الاستشهاد ونشر الحق وإقامة العدالة، وإن الشيعي العلوي هو الذي يسير على خطى ونهج الإمام علي بن أبي طالب.
ويخلص شريعتي إلي أن الحل
في أسلوب الطرح، والنهج المتبع في المناقشة والاحتجاج، فالسبيل الوحيد الكفيل
بتحقيق ذلك هو توفير قاعدة علمية مشتركة وراسخة بين الأَخوين المستعدَيَيْن
"التشيع العلوي" و"التسنن المحمدي" لمواجهة العدوين المتآخيين
"التشيع الصفوي" و"التسنن الأموي" ويصل بشريعتي الأمر
الى القول بأن "الاختلاف بين التشيع العلوي والتسنن المحمدي ليس أكثر من
الاختلاف بين عالمين وفقيهين من مذهب واحد حول مسألة علمية... وأن التشيع العلوي
والتسنن المحمدي طريقان متلاقيان من يسير في أحدهما لابد أن يأتي اليوم الذي يلتقي
فيه مع صاحبه ليصبحا معاً وحدة واحده" وفي المقابل فإن " المسافة بين
وجهي التشيع العلوي والتشيع الصفوي هي عين المسافة بين الجمال المطلق والقبح
المطلق".
يقدم شريعتي شخصية
الصحابي إمام المتقين ورابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب، كنموذج حي وراقي،
لعملية تأسيس الوحدة الإسلامية والترفع عن الخلافات، والسعي المتواصل نحو التوحيد
لا التشتيت، وهو يقدم شخصية الإمام باعتبارها باعثة على التمسك بشعار الوحدة، وشعار
التفاهم، وشعار المسيرة الواحدة، والصف الواحد ضد العدو الخارجي، بل إنه يسرد بعض
الأمثلة التاريخية المعبرة عن المنطق المعتدل المنصف للتشيع العلوي كاستعانة
الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالإمام علي في بعض المسائل الفقهية أو المشكلات
الحياتية، وهذا المنطق يضاهي في اعتداله منطق علماء التسنن المحمدي فمثلا كان
علماء التسنن المحمدي يقرون بالفضل للإمام جعفر الصادق، وهذا الإمام الشافعي يعلن
محبته لآل البيت، وذاك الإمام مالك بن أنس يرفض أن يُعمم على المسلمين فقهه بقرار
من الخليفة المنصور، ويعلن شيخ الأزهر محمود شلتوت عن فتواه بجواز التعبد بالمذهب
الجعفري، هذه مجرد أمثلة يضعها كاتبنا ليوضح الفرق بين منطقين.
يرى الأخ الشهيد في
المرحلة الثالثة من مراحل مشروعه الفكري النهضوي الكبير "العودة الى الذات
الإسلامية" ضرورة العمل على قيام إسلام عالمي أممي، لا تُكونه قومية أو عرقية
أو نعرات مذهبية، بل يكون الإسلام الرسالي هو الجنسية وهو الوطن، ويعطي مثالاً ب"اتحاد
الغرب الرأسمالي مع الغرب الشيوعي، وبالأمس كان اتحاد المسيحية والاستعمار أو
توافق المسيح والقيصر" وبالتالي " فلابد من قيام العالمية
الإسلامية" وينبغي أن "تسكت الخلافات المذهبية تماماً وأن تُدرك مصادرها
وتبعاتها وعواقبها والأيدي التي تحركها، وهي الأيدي نفسها التي تحرك مبدأ فصل
الدين عن السياسة وتقصد بالدين الإسلام فحسب".
ينادي كاتبنا بأعلى صوته
على العلماء من الطرفين فيخاطب علماء الشيعة ويقول "على علماء ومفكري الشيعة
أن يوضحوا أن أجهزة الدعاية للتسنن الأموي تستغل الأقاويل والمزاعم التي يتشدق بها
رجالات التشيع الصفوي للإساءة إلى كل الشيعة، وتشويه صورتهم عند إخوانهم السنة،
وفي المقابل فإن أجهزة دعاية التشيع الصفوي تفعل الشيء ذاته، فتقتنص أقاويل ودعاوى
ومزاعم النواصب والوهابيين وتلصقها باسم السنة جميعا" ويحث علماء السنه
على التحري والتروي فيقول "على العلماء المخلصين من السنة أن يفندوا هذه
المزاعم ويدفعوا هذه الشبهات التي تثار ضد إخوانهم من الشيعة وليقولوا لأبناء
جلدتهم أن الشيعة هم من صلب الإسلام لا غير، ليسوا أعداء للمسلمين، ولا حلفاء
للصهاينة...لكي لا يقعوا في شرك الأعداء وينشغلوا عن معاداه اعدائهم الذين تسللوا
الي عقر دار المسلمين بمعاداة إخوانهم الشيعة".
هكذا رسم لنا شريعتي
صورته عن التقريب بين أهل المذاهب بقبول الاختلاف وإحسان الظن والبعد عن التشنجات
وإعادة قراءة التاريخ وأحداثه بصورة نقدية ومغربلة، كي لا نقع في خطيئة التراشق
بالتكفير والزندقة وأن ننتبه الى ما ينسجه أعداء الأمة للوقيعة بين أصحاب الملة
الواحدة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire