الإصدارات العينية
للمخطوطات القرآنية القديمة (*)
أحمد وسام شاكر
للقرآن الكريم مخطوطات
كثيرة سواء أكانت كاملة أو شبه كاملة أو دون ذلك، كالقطع والقصاصات التي يبدأ
تاريخها من القرن الأول الهجري فصاعداً. قدر أحد العلماء، وهو الدكتور محمد
مصطفى الأعظمي، عدد هذه النسخ بحوالي 250 آلف نسخة[1]. وهي ترُى اليوم في المساجد والمتاحف
ودور الكتب والمؤسسات في مشارق الأرض ومغاربها، ولا سيما: العراق ومصر وفلسطين
وتونس والمغرب واليمن والسعودية، وتركيا وإيران وأفغانستان وباكستان، وروسيا
وبريطانيا وإيرلندا والولايات المتحدة[2].
إن الاطلاع على هذه
المصاحف ودراستها ليس بالأمر الهين اليسير بالنسبة للباحث المتخصص، فما بالك إذن
بمن هو دون ذلك. يعود ذلك لأمور كثيرة؛ من أهمها حرص المسؤولين على دور الكتب والمتاحف على
المحافظة عليها، مما يتسبب في حرمان الباحث من الاستفادة منها في إعداد دراسته،
وفي هذا السياق أذكر قصة أستاذنا الدكتور غانم قدوري الحمد، وهو من أبرز المتخصصين
في علوم القرآن الكريم اليوم، إذ يقول:
«إن محاولة الاطلاع
على المصاحف الكريمة المخطوطة، والقديمة منها خاصة، أمر في غاية الصعوبة، وليس من اليسير
التوفيق بين طموحات الباحث في الحصول على المادة من تلك المصاحف وبين حرص القائمين
بالمحافظة عليها بألا تمسها يد أحد حتى لو كانت يد باحث مسلم ليس بأقل حرصاً منهم
عليها، وقد حرم هذا البحث، وذلك مما يمكن أن يستفيده لو تيسرت له
القراءة في المصحف الجليل المنسوب إلى سيدنا عثمان بن عفان، والمحفوظ في جامع
الحسين بالقاهرة، ولم تغن مخاطبة كلية دار العلوم للجهة المسؤولة عن حفظ المصحف
شيئاً[3]».
ولهذه الأسباب وغيرها فإن
كثيراً من العلماء الذين أتيحت لهم فرصة الاطلاع على المصاحف القديمة، توجهوا في مرحلة
مبكرة من القرن الماضي إلى نشرها كنسخ طبق الأصل في مجلد أو مجلدين كبيرين بحيث
تكون أقرب ما يمكن للأصل المكتوب في أكثره على الرق. وهذه الطريقة تسمح
للعلماء والباحثين والمهتمين بحقل الدراسات القرآنية والباليوجرافيا العربية
بسهولة الوصول إلى هذه النسخ، إما بشراءها من المركز المتخصصة أو استعارتها من
مكتبات الجامعات. ولقد أتيحت لي بحمد الله فرصة القراءة من مصحفين منشورين
بهذه الطريقة؛ الأول هو أقدم مصحف تحتفظ به المكتبة البريطانية يحمل رقم Or.2165، والثاني هو مصحف المكتبة الوطنية الفرنسية Arabe 328a، وهما مكتوبان بالخط الحجازي أو المائل
من القرن الأول الهجري، وسيرد ذكرهما بعد قليل.
في هذا المقال أردت أن
أتعرض لإصدارات النسخ العينية
(Facsimile) للمخطوطات القرآنية القديمة ذاكراً سنة
الإصدار، اسم المُصَدِّر، مكان الإصدار، العنوان الأصلي مع ترجمته إلى
العربية بقدر الإمكان، ونسبة ما تمثله هذه المخطوطات من النص
القرآني الكامل في حالة وجود إحصاء بذلك.
(1) في
عام 1905 قام المستشرق الروسي بيساريف S. Pissaref بنشر
نسخة طبق الأصل لمصحف سمرقند (طشقند)[4]، وهو من المصاحف الشهيرة التي تُنسب
إلى عثمان بن عفان، بل ويوجد اعتقاد سائد عند كثير من المسلمين أنه
مصحف عثمان الشخصي الذي كان يقرأ فيه لحظة استشهاده.تم طباعة 50 نسخة من المصحف،
بيعت منها 25 فقط. وتوجد نسخة مصورة من مصحف سمرقند في دار الكتب المصرية تحت
عنوان (204مصاحف)[5]. قدر “طيار آلتي قولاج” عدد أوراق هذا المصحف الأصلي بـ
950 ورقة، إلا أنه اليوم تنقصه أوراق كثيرة، فالمتبقي منه هو 353 ورقة فقط.
(2) في عام 1983
قام دى.إس. رايس D.
S. Rice بنشر نسخة طبق الأصل من مصحف ابن
البواب المكتوب سنة 391 هجرية بخط النسخ، والمحفوظ أصله في مكتبة تشيستر بيتي
(دبلن – إيرلندا) تحت رقمK.16[6].
(3) في عام 1998 قام
فرانسوا ديروش[7] François
Déroche وسرجيو نوسيدا[8]Sergio Nosedaبنشر نسخة طبق
الأصل لمصحف المكتبة الوطنية الفرنسية
(Arabe 328a) بعنوان: (المصاحف بالخط
الحجازي: المجلد الأول، المخطوطة Arabe
328 (a) من المكتبة الوطنية الفرنسية)[9]، وهو
المجلد الأول ضمن سلسلة “مصادر انتقال النص القرآني من المخطوطات”، ويبلغ عدد أوراق
المصحف 56 ورقة. وفي عام 2001 قاما أيضًا بنشر نسخة طبق الأصل
لمصحف المكتبة البريطانية (Or.
2165) بعنوان: (المصاحف بالخط الحجازي: المجلد
الثاني، المخطوطة Or.
2165 (فوليو 1 إلى 61)، من المكتبة
البريطانية)[10]، وهو المجلد الثاني من نفس السلسلة. وتبلغ مجموع أوراق هذا
المصحف 121 ورقة تمثل 53% من النص القرآني[11]، إلا أن النسخة العينية تضمنت أول 61 ورقة
منه فقط، وأما باقي أوراق المصحف فقد تقرر نشرها مستقبلاً.
(4) في عام 2004 قام
المستعرب الروسي يفيم رضوان[12] Efim
Rezvan بنشر نسخة طبق الأصل من “مصحف
عثمان” بعنوان: (مصحف عثمان: كاتا-لانجار، سانت بطرسبرج، بُخارى،
طشقند)[13]، وتحتوي هذه النسخة على 40% من النص القرآني[14].
(5) في
عام 2007 قام الدكتور طيار آلتي قولاج[15]Tayyar Altıkulaç بنشر
نسخة طبق الأصل للمصحف المنسوب إلى عثمان بن عفان في متحف طوب قابي سراي بعنوان: (المصحف
الشريف المنسوب إلى عثمان بن عفان: نسخة متحف طوب قابي سراي)، وهو مصحف شبه كامل
تنقصه ورقتين فقط، يحتوي على أكثر من 99% من النص القرآني[16]. وفي نفس العام
قام آلتي قولاج بنشر نسخة طبق الأصل للمصحف المنسوب إلى عثمان بن عفان في متحف
الآثار التركية والإسلامية بعنوان: (المصحف الشريف المنسوب إلى عثمان بن
عفان: نسخة متحف الآثار التركية والإسلامية باستنبول)، وهو أيضاً مصحف شبه
كامل تنقصه عدة أوراق.
(6) في عام 2009 قام
طيار آلتي قولاج بنشر نسخة طبق الأصل للمصحف المنسوب إلى عثمان بن عفان في القاهرة
بعنوان: (المصحف الشريف المنسوب إلى عثمان بن عفان : نسخة المشهد الحسيني
بالقاهرة).يحتوي المصحف على أكثر من 99% من النص القرآني[17]، وتنقصه أربعة ورقات
فقط، وتم إعادة كتابة 9 من أوراقه بيد لاحقة.
(7) في عام 2011 قام
آلتي قولاج بنشر نسخة طبق الأصل للمصحف المنسوب إلى علي بن أبي طالب في صنعاء
بعنوان : (المصحف الشريف المنسوب إلى علي بن أبي طالب: نسخة صنعاء). يحتوي هذا المصحف على 86% من النص
القرآني[18].
هذا ما وقفت عليه من
تواريخ إصدارات النسخ المطابقة للأصل للمصاحف القديمة.
ويلاحظ القارئ أن أغلب
المؤسسات التي تقوم بهذا العمل هي مؤسسات غربية بامتياز، عدا أعمال الباحث التركي
طيار آلتي قولاج، مما يدفعنا للتساؤل عن موقف دور الكتب والمخطوطات العربية من
إخراج تراثها من المصاحف المخطوطة على شكل نسخ عينية مطابقة للأصل المحفوظ؟ إنه بحسب
علمي لم يتم نشر مصحف بهذه الطريقة حتى الآن، على الرغم من كون أن أقل ما يمكن
تقديمه في خدمة هذا التراث هو توفير هذه المصاحف بشكل إلكتروني على شبكة الإنترنت،
فهل يتحقق لنا ذلك؟
ولا يفوتني في هذا السياق
أن أنوه إلى حقيقة أن نشر المصاحف القديمة المخطوطة بصيغة إلكترونية ليس غائباً
تمامًا عن الساحة العلمية؛ ففي عام 2006 قامت المكتبة المركزية للمخطوطات الإسلامية
بمسجد السيدة زينب بالقاهرة بنشر قرص مدمج يحتوي على صور كاملة لمصحف المشهد
الحسيني المنسوب لعثمان والذي يبلغ عدد أوراقه 1087ورقة. وكذلك ما يقوم به ملتقى أهل التفسير من خدمة جليلة للباحثين
بنشره لبعض المصاحف القديمة المخطوطة بصيغة إلكترونية.
(*) مقال منشور على موقع مركز
نماء للبحوث والدراسات بتاريخ 10 ديسمبر 2014
[1] M. M. al-Azami, The
History of the Qur’anic Text, p.151
[2] كوركيس عواد: أقدم
المخوطات العربية في مكتبات العالم، ص: 29 (بتصرف)
[3] رسم المصحف دراسة
لغوية تاريخية، ص: 192 (هامش رقم 138)
[4] Coran Coufique de Samarcand: écrit d’après la
Tradition de la Propre Main du Troisième Calife Osman (644-656) qui se trouve
dans la Bibliothèque ImpérialePublique de St. Petersbourg, 1905, St.
Petersberg.
[5] رسم المصحف دراسة
لغوية تاريخية، ص: 193 (هامش رقم 141)
[6] The Unique Ibn
Al-Bawwab Manuscript: Complete Facsimile Edition of the Earliest Surviving
NaskhiQu’ran, Chester Beatty Library, Dublin, Manuscript K. 16. Graz: Akademische, 1983.
[7]ولد
عام 1952 – هو أستاذ التاريخ والكوديكولوجيا العربيةفي
المدرسة التطبيقية للدراسات العليا
(EPHE) في باريس.يعتبر ديروش من أشهر العلماء المعاصرين
المتخصصين بدارسة المخطوطات القرآنية المبكرة وله العديد من الإصدارات في هذا
السايق كان آخرها كتابه الصادر عن بريل: (مصاحف الآمويين: نظرة أولية).
[8] سرجيو نوسيدا
(1931-2008) كان أستاذاً للغة العربية والآدب في جامعة القلب المقدس
الكاثوليكية في ميلانوا، وكان قبلها أستاذاً للشريعة الإسلامية في جامعة
تورينو. انشأ في عام 1999 مؤسسة فيرني نوسيدا وكان من أبرز إصداراتها
المصاحف بالخط الحجازي من باريس ولندن التي نشرتها عامي 1998 و 2001.
[9] Sources de la transmission manuscrite du
texte coranique. I. Les manuscrits de style hijazi. Volume I. Le manuscrit
arabe 328a (a) de la Bibliothèque Nationale de France, 1998, FondazioneFerni
Noja Noseda, Leda, and Bibliothèque Nationale de Paris.
[10] Sources de la transmission manuscrite du
texte coranique. I. Les manuscrits de style hijazi. Volume 2.
Tome I. Le manuscrit Or. 2165 (f. 1 à 61) de la British Library, 2001,
FondazioneFerni Noja Noseda, Leda, and British Library: London.
[11] Islamic-awareness.org,.
(2014). MS. Or. 2165 – A Qur’anic Manuscript From The 1st Century Hijra
In The British Library. Retrieved 25 November 2014, from http://www.islamic-awareness.org/Quran/Text/Mss/ms2165.html
[12] ولد في 1957م – نائب
مدير متحف بطرس الأكبر للأنثربولوجيا والإثنوغرافيا (كونستكاميرا)، الأكاديمية
الروسية للعلوم، مدير تحرير المجلة الدولية للبحوث المخطوطية الاستشراقية “Manuscripta Orientalia” وأستاذ في الكلية الشرقية وكلية الفلسفة في جامعة ولاية سانت
بطرسبرج.
(ترجمة بتصرف من صفحته على
موقع متحف بطرس الأكبر للأنثربولوجيا والإثنوغرافيا:http://www.kunstkamera.ru)
[13] “The Qur’ān Of ʿUthmān” (St.
Petersburg, Katta-Langar, Bukhara, Tashkent), 2004, Volume I, St. Petersburg
Centre For Oriental Studies: St. Petersburg (Russia)
[14] Islamic-awareness.org,.
(2014). The “Qur’an Of Uthman” At St. Petersburg (Russia), KattaLangar,
Bukhara And Tashkent (Uzbekistan), From 2nd Century Hijra. Retrieved 25
November 2014, from http://www.islamic-awareness.org/Quran/Text/Mss/peters.html
[15]ولد عام 1938م – هو
من أبرز العلماء الرائدين في حقل الدراسات القرآنية ودراسة وتحقيق المصاحف القديمة
خاصة.عمل نائباً لرئيس الشؤون الدينية في الفترة من 1971 – 1976،ثم مديراً عاماً
للتعليم الديني بوزارة المعارف (1976-1977)، ثم رئيساً للشؤون الدينية
(1978-1986). وهوحالياً عضو في البرلمان التركي، حيث يرأس اللجنة البرلمانية
للتعليم والثقافة. (انظر: مقدمة مصحف طوبقابي سراي، ص: 6 – هامش رقم 4).
[16] Islamic-awareness.org,. (2014). The
“Qur’an Of Uthman” At The Topkapi Museum, Istanbul, Turkey, From 1st / 2nd
Century Hijra. Retrieved 25 November 2014, from http://www.islamic-awareness.org/Quran/Text/Mss/topkapi.html
[17] Islamic-awareness.org,.
(2014). The “Qur’an Of Uthman” At The Al-Hussein Mosque, Cairo, Egypt,
From 1st / 2nd Century Hijra. Retrieved 25 November 2014, from http://www.islamic-awareness.org/Quran/Text/Mss/hussein.html
[18] Islamic-awareness.org,.
(2014). The “Qur’an Of Ali b. AbiTalib” (The Sanaa Mushaf) From 1st /
2nd Century Hijra. Retrieved 25 November 2014, from http://www.islamic-awareness.org/Quran/Text/Mss/alisanaa.html
By Ahmed Shakerin مخطوطات القرآن13 يناير,2015343 Wordsأضف تعليقاً
المصاحف
المنسوبة إلى عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب
محاضرة ألقاها الدكتور طيار آلتي قولاج باللغة التركية في أكاديمية برلين
براندنبرغ للعلوم الإنسانية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire