mardi 24 novembre 2015

رواية الأم ل مكسيم غوركي

 الام
ملخص رواية الأم ل مكسيم غوركي
من الابداعات الادبية العالمية رائعة الاديب الروسي مكسيم غوركي رواية الام ..
الام العجوز تعيش حالة خضوع لزوج سكير يهيج كالثور..
 حين يريد السكر  يبيع كل مقتنيات البيت لتلبية رغبته ..
 لانه عامل متواضع في مصنع تمتلكة البرجوازية ولا تعطي العمال سوى الفتات
الابن وصديقة هافل وفلاسوف شابان بدأ بالتخطيط لانقاذ العمال بعد ان تعرف على الشقراء ساشا التي تأتي من المدينة لتحمل للشاب اخبار الثورة في المدن وتدير الثورة في القرية
الام تخشى ان يموت ولدها فتحاول احتواء عمله ، تخفي المنشورات السياسية ، تخفي السلاح ...
تنشب معركة المصنع .. يكون الاب ضحية لكنه من طرف المستغلين في المصنع .. يموت الاب يسجن الابن
الام تتبنى فكر ابنها ليس لانها تعرف شيء عن الثورة او مطالبها انما فقط لانها رغبة ابنها المسجون
العمال وبقيادة ساشا ينظمون عملية اقتحام للسجن
ينجو السجناء ..يهاجمهم الجيش .... يقتل الكثير .. تحضن الام ابنها المحرر ... يسقط الابن شهيد في حضن امه ..
ترد الام بان ترفع الراية التي مات ابنها لاجلها
يريد ان يقول ان الام كانت بطلة الثوار دون ان تعي اصلاً معنى الثورة

رواية الأم – مكسيم غوركي


القارئ لسيرة مكسيم غوركي سيعرف أن هذا الفتى منذ صباه المبكر وحتى أغلب حياة مراهقته عاش عاملاً منخرطاً في سلك العمال.
شاهداً على تسلط أرباب العمل وحالة الفقر والجوع والعمل المرهق التي تصيب العمال.
 والأهم من ذلك أنه عاش حياة مشردة لا تعرف الاستقرار في عمل واحد.
تنقل بين عدة مهام كما هو واضح في ثلاثيته التي تحكي سيرة حياته.
 لقد أخذ غوركي من البيان الشهير لعصبة الشيوعية كلمتين فقط .. وحولها إلى فكرة رواية أدبية .


“يا عمال العالم .. اتحدوا “


هذه الجملة الشهيرة بالبيان تحمل الروح والفكرة الأساسية لرواية الأم لمكسيم غوركي.
 في هذه الرواية لم يكتب مكسيم عن العمال بوجه خاص.
كان يكتب نفسه و هو منخرط في سلك العمال.
 ويكتب جدته عبر تجسيدها في شخصية الأم، وما تمثله الأم من روح ثورية قادرة على صنع الحياة.
 و يكتب عن جده في تجسيده لشخصية ميخائيل فلاسوف.
 رغم صرخات و لعنات مكسيم في ثلاثيته إلا أنها لم تكن تحمل رؤية تجاه أرباب العمال و تحسين مستوى العمال و معالجة الأوضاع الاجتماعية القائمة أساساً على الأوضاع الاقتصادية و السياسية. تشكلت رؤيته أخيراً في روايته الأم.


تبدأ الرواية ببداية العمل في أحد المصانع صباحاً.
 وكيف يقوم العمال بتلبية النداء صاغرين لما هو مفروض عليهم القيام به من أعمال.
 أوصاف العمال وكيف يلبون النداء استطاع مكسيم تصويرها بحرفيه اعتماداً على رؤيته ومشاهداته للعمال وهو عامل في شبابه.
 وأجاد تصوير على وجه الدقة لحظة انتهاء العمل في هذا المصنع.
 فالعمال بعد انتهائهم من أعمالهم يُطردون إلى بيوتهم أو للشوارع وقد أسودت وجوههم، تفوح من أجسامهم رائحة الزيت و القذارة.


في أحد بيت عمال المصنع تدور الرواية.
 ميخائيل فلاسوف رجل طاعن في السن و ميكانيكي من عمال المصنع، تتطابق تصرفاته مع أفراد عائلته تصرف رب العمل مع العمال.
 سكير و عربيد لا يعرف من الحياة سوى التفنن والإبداع في ضرب زوجته بيلاجيا نيلوفنا. وهي بطلة الرواية والمسماة بالأم.


في هذا البيت يسير الابن بافل أحد أبطال الرواية الأساسيين على سيرة أبيه في العربدة والسكر، إلا أنه يتغير بعد وفاة الأب.
 يتجه للقراءة ، حتى شكت الأم بأن ابنها سلك طريق الرهبنة.
 ولم تدري بأنه يقرأ كتب ممنوعة تدعو للثورة على أرباب العمل و الدعوة للاشتراكية.
 كانت الفكرة المطروحة في عقل بافل بأنه إذا أردنا معرفة البؤس في الحياة وما يعانيه الفقراء من ظلم يجب أن ندرس أولاً ثم نعلم الآخرين، خصوصاً العمال.
ويجب أن نبحث عن مصادر هذا الشقاء و البؤس لإزالته.
 وكيف يجب أن يعيش الناس اليوم، لا كيف كانوا يعيشون في الماضي.


يبدأ بافل بتشكيل جماعة ثورية تتألف من الفقراء و العمال المعدمين في منزله.
 يأخذهم الحديث باتجاه الاتفاق على أهم المبادئ التي يجب الالتزام بها.
 في هذا الجو القائم على الحوار الساخن و الحاد أحياناً بين أطراف الجماعة، تتعرف الأم على شخصيات فقيرة تدعو للحياة، ملتزمة بخط لا يمكن الحياد على تنفيذه.
 هي أمية و لا تعرف بالتحديد عن ماذا يتحدثون، و لكن عاطفة الأمومة أخبرتها بأن ابنها كرس نفسه لقضية جوهرية تصب في مصلحة الإنسان الروسي و العامل الروسي, و سبل تدعيم العلاقات الاجتماعية.
 رغم قلقها على مصير ابنها إلا أنها تفخر بابنها وهي تشاهده يرأس الاجتماعات ويتحدث بأشياء لا تفهمها.
 ولكنها لم تكن أمه وحده.. كانت أماً لجميع أصدقائه الذين يجتمعون في بيتها: كان حنانها كأم يفيض عليهم جميعا ويحيط بهم، تمنحهم الدفء والحنان ويمنحونها معنى جديد للحياة. فيأخذها النقاش معهم و تقرر الدخول في هذه الجماعة في الأخير، مرغمة بعاطفة الأمومة.


كان بافل وأعضاء الجماعة الثورية يطبعون المنشورات ويوزعونها بين العمال. رغم خطورة هذا الفعل وتربص الجواسيس بهم إلا أنهم قرروا مواصلة عملهم حتى آخر الطريق، لا يحيدون عن الفكرة، والإيمان بقضية العمال المهدورة. كان بافل يهيئ أمه لتلك الساعة التي سيعتقلونه فيها. كان يرفض حتى أن تعبر أمه عن مشاعرها وخوفها ويعتبر ذلك حجر عثرة في سبيل تحقيق هدفه السامي، دون أن يفهم أن مشاعر الأم هي أسمى وأهم من أي قضية أخرى

عليك ألا تحزني، ولكن يجب أن تفرحي. أي متى يا رب يكون عندنا أمهات يفرحن في حين يرسلن أبناءهن إلى الموت من أجل الإنسانية؟
عندما سجن ابنها تابعت هي مسيرته وأصبحت توزع المناشير مع أصدقائه. بدأت الرواية والأم خائفة ومتوجسة من أصدقاء ابنها ثم تعاطفت معهم ومع قضيتهم وفي النهاية تبنت هي القضية وأصبحت كغيرها من الرفاق المناضلين من أجل القضية.

كيف ستكون حياة الأم؟ وما مصير الجماعة الثورية بزعامة بافل؟ هذا ما ستجدونه عند قراءة الرواية. لكن الحقيقة الوحيدة في الرواية، أن الأم كانت ترمز لطريقة أو بأخرى للوطن. رمزاً للمستقبل والنضال والإشراق والتمرد والقوة الإنسانية. أعد من سيقرأ الرواية بعدم نسيان بطل الرواية بافل وهو يخطب في المحكمة بروح حيه ترفض الاستسلام. كان يجسد شخصية الثوري الحقيقية الرافض للعنف، والمؤيد لقيام نهضة اجتماعية وثقافية بين صفوف العمال.
  
( الأمّ ) لمكسيم غوركي .



تبدأ الرواية بوصف لشخصية ميشال فلاسوف العامل السكير والجبار المخيف الذي يهابه الجميع بسبب مشاكله وبذاءة لسانه :

"ميشال فلاسوف. رجل شرير ذو شعر كثيف، وعينين شريرتين، ونظرة قاتمة، كان يعيش في وسط عمالي فقير، وكان همّ هذا الوسط من العمال بعد الخروج من المعمل أن يجتمعوا ويلجأوا إلى الخمرة ؛هرباً من تعبهم اليومي في ذلك المعمل الذي يستغلهم ويستهلك نضارة شبابهم، وأن يتنزهوا عند الغروب في الشوارع، ويتحدثوا عن العمل وعن الآلات، ويكيلوا لرؤسائهم السباب والشتائم، وكانوا غالبا ما يضربون نساءهن بعد مجادلة ما."
ثم يصف لنا حياة العمال وما أنتجه بؤسهم وفقرهم واستغلال أصحاب المعامل لهم من سوء في طباعهم وأخلاقهم وعنف يمارسونه ضد أزواجهم وضد بعضهم البعض:

"وكان يخيم على علاقاتهم شعور بالحقد به هذا الشعور الذي ورثوه، كداء، عن آبائهم وأجدادهم، والذي لن يفارقهم حتى اللحد."
يموت ميشال فلاسوف مخلفاً وراءه زوجة لم تحزن كثيراً على فراق ذلك الزوج القاسي الذي لم يكن لديه أسلوب حوار معها سوى الضرب والشتم.. وابنه بول ذو الأربعة عشر عاماً ، والذي وجد غياب والده فرصة؛ ليحتل مكانه ويقلد سلوكه وتصرفاته من شرب الخمرة وإساءة معاملة أمه التي تستجديه قائلة:

" أنت بشكل خاص يجب ألا تقرب الخمرة، فقد شرب والدك عنك وأذاقني كؤوس العذاب، فترفق أنت بي."
وبعد أن جرّب عدة طرق لتفريغ طاقته وممارسته مراهقته وتكوين شخصيته وجد له أخيراً طريقاً مختلفاً تماماً.. ألا وهو محاولة فهم الحياة ومعرفة سبب المعاناة التي يعيشها هو والتي كان يعيشها والده قبله وجميع العمال.. فبدل أن يلجأ للخمر لينسى همومه وعذابه قرر أن يبحث عن أسباب هذا العذاب ، الذي لم تعرف أمه في أعوامها الأربعين سواه..

عاش خلال سنتين حياة الراهب؛ يعود من المعمل وينعزل في غرفته ؛ ليقرأ الكتب الممنوعة كما وصفها لأمه، التي كانت تراقب تصرفاته بقلق وخوف أكثر مما كانت تخاف عليه عندما كان يتناول الخمر، ويخرج مع أصدقائه كما يفعل بقية الشبان..

" هذه الكتب التي أقرأها محرمة، لأنها تكشف لنا عن حقيقة واقعنا كعمال. إنها تطبع سراً. واذا ما وجدت معي فسيمضون بي إلى السجن."


صحيح أنها كانت أمية ولم تفهم بالضبط ما يفعله ابنها، وماذا كان يدور في الاجتماعات التي يعقدها في بيتها مع مجموعة من الشبان.. لكن إحساسها وقلبها كأم أخبرها بأن ابنها يكرس نفسه لقضية كبيرة قد يضحي بحياته لأجلها. أحزنها ذلك كثيراً وأشعرها بالخوف الدائم عليه ، لكن حياتها السابقة مع زوجها ومعاناتها علِّمتها أن تصمت وتستسلم لحتمية الواقع.. فهي تعلم أن "الدموع لا تنضب في عيون الأمهات".

رغم خوفها وقلقها على مصير ابنها ،إلا أنها ككل أم تشعر بالفخر بابنها، وهي تشاهده يرأس الاجتماعات ويتحدث بأشياء لا تفهمها. ولكنها لم تكن أمه وحده.. كانت أماً لجميع أصدقائه الذين يجتمعون في بيتها.. كان حنانها كأم يفيض عليهم جميعا ويحيط بهم.. تمنحهم الدفء والحنان ويمنحونها معنى جديد للحياة.. كانت من خلال الاستماع لهم تحاول أن تتعلم وتفهم ما يدور حولها.. حتى أن أندريه صديق ابنها عرض عليها أن يعلمها القراءة..

" نادراً ما كانت بيلاجي تدرك كنه هذه المعاني التي كان نيقولا يطلعها عليها، لكنه كان يختصر محاضرته لها بعبارة بسيطة استطاعت أن تحفظها عن ظهر قلب:
( إن السر في شقاء العالم هو أن الرجال المفكرين والأحرار قليلون.)


" ليس من انسان في العالم لم يؤذ أو يعذب. لقد أذقت الهوان لدرجة أنه لم يعد يثير غضبي. كل شخص يخاف من جاره، ولذلك يحاول هو أن يخيفه أولا. هذه هي الحياة أيتها الأم الصغيرة."
"دائماً نحن أول من يعمل وآخر من يعيش، في كل مكان. من من الناس يهتم بنا؟ أو يريد خيرنا؟ أو يعاملنا كبشر مثلهم؟ لا أحد".


" كم هي أليمة حياة الطيبين، وكم سهل موتهم!"


" نحن اليوم نفكر أكثر مما نشعر، لذلك أعتقد أننا فاسدون إلى حد ما".


"فتشوا دائماً عن الحقيقة، ودافعوا عنها ولو كلفكم ذلك حياتكم. إذ أن أولادكم سيعيشون بعدكم سعداء".
" اعملوا من أجل الحرية وهي تطعمكم الخبز، وتهبكم الحياة، ان حياتكم لتافهة."

كان ابنها وأصدقائه يطبعون المنشورات ويوزعونها بين العمال وهم يعلمون أنهم سيسجنون ويعذبون لكن لم يكن هناك ما يمنعهم عن مواصلة النضال في سبيل القضية التي يؤمنون بها.. ولهذا كان بول دائماً يعدّ أمه لتلك الساعة التي سيعتقلونه فيها، فكان يرفض حتى أن تعبر أمه عن مشاعرها وخوفها ويعتبر ذلك حجر عثرة في سبيل تحقيق هدفه السامي.. دون أن يفهم أن مشاعر الأم هي أسمى وأهم من أي قضية أخرى:

" عليك ألا تحزني، ولكن يجب أن تفرحي. أي متى يا رب يكون عندنا أمهات يفرحن في حين يرسلن أبناءهن إلى الموت من أجل الإنسانية؟".


" ثمة عواطف تحرم الإنسان من أن يعيش..."وعندما عاتبه صديقه أندريه على قسوته مع أمه أجابه:

" علينا أن نصرخ بحزم بكل ما نريد، سواء كان هذا ايجابا أم سلباً".
"وحتى لو كان هذا التصريح لأمك؟"
" أجل، للجميع على حد سواء. فلا أريد أن تكبلني صداقة أو محبة"
"حسناً، إنك بطل. ولكن امسح مخاط أنفك، وامض قل كل هذا الكلام لساندرين وليس لأمك."
"لكني قلته لها أيضاً."
"أبهذه الطريقة؟ انك تكذب علي. وإنما قلته لها بلطف، بحنان. لكن أمام أمك المسكينة تعرض بطولتك. ثق أيها البهيم أن بطولتك هذه لا تساوي فلساً".
ومسحت بيلاجي دموعها وخشيت أن يوجه أندريه اهانة لابنها ففتحت الباب ودخلت.."وعندما سجن ابنها تابعت هي مسيرته وأصبحت توزع المناشير مع أصدقائه ...
بدأت الرواية والأم خائفة ومتوجسة من أصدقاء ابنها ثم تعاطفت معهم ومع قضيتهم وفي النهاية تبنت هي القضية وأصبحت كغيرها من الرفاق المناضلين من أجل القضية:

" أتعرفون لم صدر الحكم بالنفي على ابني وعلى الآخرين؟ سأخبركم وستصدقون قلب أم مثلي: لقد أصدروا عليهم ذلك الحكم يوم أمس، لأنهم كانوا يحاولون أن يظهروا الحقيقة لكم، لكم جميعاً، معشر العمال. وعرفت أمس فقط أن هذه الحقيقة لا يمكن لأحد أن يخنقها وينكرها."

"العمل المضني هذا لا يحمل إليكم سوى المرض والجوع والفقر. كل شيء هو ضدنا، والجميع يستغلوننا. وفيما نحن نغرق بالوحول حتى آذاننا، نرى الآخرين يعيشون حياة ترف وفجوز، ويحيون في تخمة مستمرة، ويبقوننا نحن في قبضة الرعب والخوف لأننا جهلة لا نعرف شيئاً. إن حياتنا هي ليل حالك مستمر."
" لا تخافوا شيئاً مطلقاً. إذا لا يوجد شيء أشقى وأتعس من حياتكم التي تعيشونها طوال العمر."


" من يفني قلوبكم ويجفف صدوركم؟"


" لن تستطيعوا مهما فعلتم أن تقتلوا روحاً بعثت من جديد".


"لا يمكن أن يخنق العقل بالدم".


" لن تتمكنوا من إغراق الحقيقة في بحار من الرماد. أنتم مجانين، وبذلك لن تجلبوا سوى النقمة عليكم، وسيتفاقم الحقد، حقد الشعب القوي، وأخيراً سينصب عليكم جميعاً وعلى أسيادكم".


وأمسك الدركي بعنقها وراح يضغط عليه وخرجت من بلعمها حشرجات تردد:
 


"يا لكم من أشقياء، يا لكم من أشقياء!" 












رواية -الأم- مكسيم غوركي



    



"رواية الأم" مكسيم غوركي

بداية لا بد من التذكير بصديقي الفنان خليل عياد الذي قدم لي هذه الرواية قبل أكثر من ثلاثين عاما، وعلى ما اذكر كانت أيام امتحانات الثانوية العامة، ومع هذا تركت الدراسة للامتحان، وبدأت اقرأ في الرواية من الساعة الخامسة مساءً حتى أنهيتها في السادسة صباحا، ومنذ يومها تعرفت على الرواية التي تعد احد أهم الأعمال الأدب الاشتراكي، ليس عند العرب وحسب بل عند العديد من شعوب العالم.
تمثل رواية "الأم" لغوركي ورواية "كيف سقينا الفولاذ" لنيقولاي اوستروفسكي أهم الأعمال الروائية التي تناولت فكرة الاشتراكية، وهما يمثلان الأنموذج الذي اقتدى به كتاب المدرسة الواقعية الاشتراكية، رغم ضخامة العمل الروائي ـ ما يقارب الستمائة صفحة، حجم صغيرـ إلا انه وضع بطريقة يستطيع المتلقي أن ينهل منه دون ملل، وهذا يحسب للكاتب الذي وضع وقفات فكرية في الرواية، بالإضافة إلى مجموعة من الحكم والأقوال المأثورة التي لا بد أن يتوقف عندها القارئ للتفكير والتأمل بها.
الرواية تتحدث عن ثورة 1905 التي حدثت في روسيا القيصرية، ورغم فشل هذه الثورة، إلا أنها كانت الدرس الأهم الذي تعلمه الثوار الروس لتحقيق حلمهم في الثورة الاشتراكية، وليس مجرد الثورة وحسب، وتأتي الرواية ضمن هذا السياق، الذي يبشر ويدعوا للثورة والاستمرار بالعمل، لكي يزول كل مظاهر الظلم والفساد المتفشية في المجتمع.
مكسيم غوركي لم ينتظر انتصار الثورة لكي يكتب عنها، لكنه كتب عن الثورة قبل نجاحها، وكان في رواية "الأم" المنظر والداعي للثورة، وليست ثورة وطنية التي دعا إليها وإنما ثورة اشتراكية، مما جعله معرضا لملاحقة رجال النظام القيصري، منذ إن كتاب الرواية إلى أن انتصر البلاشفة في ثورتهم عام 1917، وهذا الانسجام بين القول والفعل عند غوركي كان بمثابة دعوة لأهمية وجود كتاب ينسجمون مع أطروحاتهم، التي تمثل هم وطموح الجماهير.
الرواية تتناول واقع المجتمع الروسي في فترة الحكم القيصري، وكيف أن الناس كانوا يعانوا من التخلف ويتعرضون لعديد من أشكال الظلم على يد بعضهم البعض، وأيضا على يد رجال النظام، بطلا الرواية هما الطفل "بافل" وأمه "بيلاجيا نيلوفنا" اللذان تدور حولهما الأحداث، وهما يمثلان التحول الفكري الذي واكب والواقع الروسي في ظل الظروف القاسية التي مروا بها.
الواقع الاجتماعي الاقتصادي
من إحدى ميزات الرواية أنها تقدم لنا تاريخ عن الحياة الاجتماعية الاقتصادية التي عاشها الروس إبان الحكم القيصري، فحياة العمال كانت ضمن هذا الواقع "لقد استهلك المصنع النهار بأسره، وامتصت آلاته من عضلاتهم ما تحتاجه من قوة، ويمر اليوم على هذا المنوال، دون أن يخلف آثرا، ويتقدم المرء خطوة جديدة في اتجاه لحده.
أن التعب المتكدس خلال الأيام يفقد الشهية، فلينبهوها إذن بالشراب الغزير، وليخرشوا المعدة الكسول بلذغ الفودكا الحارق الملتهب" ص4، حياة بؤس وشقاء، تعب سرمدي دون وجود أمل بنهاية سعيدة، فيندفعوا إلى الهرب منه بواسطة الفودكا، فهم أشبه بآلات، من هنا نجدهم يعاملون بعضهم البعض بقساوة وخشونة، وكأنهم يفرغون كبت الواقع بهذا الشكل "أما زوجته فلا يناديها إلا "الكلبة"، فيقول لها مثلا ـ انظري هنا أفلا ترين أن سروالي ممزق أيتها الكلبة؟" ص9، إذن كانت الزوجة هي إحدى أوعية التفريغ الذي يوضع فيه القرف والبؤس، فهي الكائن الأضعف في المجتمع المتخلف، من هنا نجدها تتحمل واقع المجتمع المتخلف، والزوج والعائلة معا، مما يجعلها أكثر جلدا وقدرة على التحمل، وإعطاء القدوة للآخرين لكي يتعايشوا مع واقعهم.
الأب المغمور بالعمل والتعب والشقاء لا يعرف معنى الأبوة، فهو يتصرف مع ابنه بعين الطريقة التي يعامل بها زوجته، فنجده يستخدم نفس اللغة وذات المصطلحات القبيحة، "ـ أنت ابن كلبة على أية حال.." ص10، الواقع يدفع بهؤلاء القوم ليكونوا على هذه الشاكلة، قساة حتى مع اقرب الناس إليهم، يعاملونهم بقسوة وخشونة، فكيف كانوا يتناولون الهم الشخصي، حالة المرض مثلا؟ "ظل أياما خمسة يتململ في فراشه وقد اسود وجهه، وانغلقت عيناه، وصر على أسنانه، بين الفنية والفينة، يصيح بامرأته:
ـ أعطني بعض الزرنيخ، سمني..
وصف له الطبيب لزقه خردل، وأضاف لا بد من إجراء عملية لميخائيل ونقله إلى المستشفى في ذلك اليوم بالذات، فلهث ميخائيل:
ـ أذهب إلى الشيطان! سأموت دون عونك، يا ابن الكلبة." ص11، بمثل هذا الحال كان المجتمع الروسي، الجوع والشقاء جعله يفضل الموت على حياة البؤس، وكأنه وجد فيه الخلاص، من هنا كانت هذه المقدمة عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي تدفع بالروس نحو المغامرة، نحو الثورة، مهما كانت نتيجتها، ستكون أفضل من السكون وانتظار الموت على شاكلة "وري ميخائيل".
مشكلة التقليد والانغماس مع الواقع، دون محاولة تغيره تعد إحدى أهم المشاكل التي تعاني منها المجتمعات المتخلفة، من هنا نجد عملية التقليد تعد سمة عامة في هذه المجتمعات، فالابن "بافل" يقلد الأب السكير، وكأنه بهذا العمل يكون رجلا، أو انه يهرب من مواجهة الواقع كما فعل والده، "رجع بافل إلى البيت وقد تعتعه السكر، ..وراح يضرب عوارضها الخشنة بقبضة يده على ما اعتاد أبوه أن يفعل صائحا بأمه
ـ العشاء" ص12، عملية التواصل والاستمرار بهذا النهج المتخلف، كان يمد في عمر الحياة للنظام القيصري، فهو يبقى بعيدا عن المس أو النيل منه ـ في حالة استمرار تصرف المجتمع الروسي بهذا الشكل ـ سيستمر بقاء القيصر ونظامه إلى الأبد، طرف يموت، وطرف يعيش، المجتمع يغرق في مستنقع الجوع والموت، والنظام ينعم بالرفاهية والسيادة.
الواقع كان يدفع ببعض الأفراد إلى التفكير بالبديل، ورغم عدم وجود يقين بالانتصار أو التغير القريب، كان لا بد من المحاولة، فالواقع هو المحرك للعمل وفعل التغير، مهما كانت الأمل ضعيف الواقع جعل من البدء بالتغير ضروري.
"سينهار قلبك إذا أخذت تحسين الإشفاق من اجلنا جميعا، نحن المتمردون، فالحقيقة أن أحدا منا لا يتمتع بحياة سهلة، لقد عاد احد رفاقي منذ مدة قريبة من المنفى، وعندما بلغ نيجني نوفجورود كانت زوجته وابنه ينتظران في سمولسنك، وعندما ذهب إلى سمولنسك، كانا قد أصبحا في سجن موسكو، لقد جاء دور زوجته الآن في الذهاب إلى سيبيريا، ولقد كانت لي، أنا أيضا، زوجة جميلة رائعة كما يهواها القلب.. لكن أعواما خمسة من مثل هذه أودت بها إلى القبر" ص136، الموت هو العامل الموجود والفاعل في حياة الروسي، يطارد الأفراد أينما كانوا، إن في البيت أم في المنفى أو الاعتقال، كما انه يطال الجميع، نساء ورجال، ونجد النظام والموت متحدان ومنسجمان معا، يقومان بعين الفعل، التشريد والاعتقال والنفي ثم الموت، تحالف وطيد يجمعهما.
الصراع بين السكون ـ القبول بالواقع ـ والتغير حالة طبيعية لدى الإنسان، لكن عند الثوري تأخذ منحى آخر، فعل لا بد منه، مهما كانت النتيجة، نجاح أم فشل، الإقدام عليه يعد فضيلة وواجب، والسكون يعني الموت، ليس الموت الجسدي وحسب بل موت الإنسان، كل إنسان، "إن آلاف الناس قادرون على العيش أفضل مما يعيشون لو أرادوا ذلك، ولكنهم يستمرون يعيشون كالحيوانات، لا بل يرضون بذلك أيضا، أية حسنة في أن الإنسان يعمل ويأكل اليوم، ويعمل ويأكل غدا، وهكذا أيام حياته .. يقضيها في العمل والأكل، وهو يتدبر أمره أثناء ذلك كي ينجب أولادا يتسلى بهم حتى يبدأوا يطلبون الكثير من الطعام، وعندئذ يغضب، ويروح يلعنهم: هيا، عجلوا وأكبروا أيها الخنازير، فقد آن الوقت كي تجدوا لكم عملا، وانه ليود أن يجعل من أولاده حيوانات أليفة، ولكنهم يبدأون العمل في سبيل بطونهم الخاصة، وهم يقضون حياتهم دون سرور في النفس أو بهجة في القلب، الناس الذين يستحقون لقب الإنسان هم أولئك الذين ينذرون أنفسهم وحياتهم من اجل تحطيم القيود التي تغل عقل الإنسان" ص157، الدعوة صريحة للقيام بمحاولة التغير، هي السمة الرئيسة للكائن البشري، التغير والتطوير هما الفعل الخلاق، والسكون يعني استمرار حالة العيش بطريقة الحيوانات، والتي تتمثل في الأكل والنوم والإنجاب، وهذا الأفعال تقوم بها الحيوانات فقط، أمام الإنسان فأمامه أعمال أخرى، التغير والسعي نحو ما هو جديد وأفضل.
الفكرة التي يطرحها الكاتب كانت مقنعة ومتناقضة مع حالة الواقع البائس، فهو يبسط الأفكار ليفهما العامل البسيط، وعملية المقارنة بين الحاليتين ـ السكون والتغير ـ كانت تصب لصالح الفعل الإنساني الخلاق، فعل الثورة والتمرد، هما من سيجعل الحياة أجمل أمتع، وهما من سيخلق الأمل، وهذا يعني التفكير بشيء جديد، مما يجعل الرتابة والروتين من متخلفات الماضي.
غوركي يتحدث عن حتمية الثورة ولا يتحدث عن حتمية الانتصار، يتحدث عن حتمية الصراع، لكن النتيجة غير معروفة، تحتمل النجاح والفشل، لكن المحاولة هي الأهم، من هنا ينشأ مفهوم جديد للعمل الثوري، يتمثل في محاولة التغير، فهي السمة الاسمي للفعل الإنساني، يكفي أن يقدم الإنسان عليها، لكي يكون فاعلا، "قليلون هم أولئك الذين يرضون عبور تلك الطريق الطويلة العسيرة، وقليلة هي الأعين التي تستطيع إدراك هذه الرؤيا الأسطورية عن مملكة الإخوة الإنسانية التي لا مفر من بلوغها في نهاية الطريق" ص188، الفعل الثوري في بدايته يكون من قبل الخاصة فقط، هم الشرارة التي يضرم بها النار، لكن بدون وجود الحطب لن تستمر النار مشتعلة، من هنا يكون فعل الثورة في بدايته مقتصرا على النخبة الثورية.

دوافع الثورة والسعي للتغير
لابد لأي حركة تغير من وجود محفزات،دوافع، تعمل على إثارة بعض الأفراد الذين سيقوموا بدورهم بالتحريض وتجنيد آخرين لصالح الفكرة النبيلة، لكن هذا التحريض ليس نظري وحسب، بل لا بد أن يكون مدعوما بحقائق ودلائل من الواقع، لكن هناك مشكلة تواكب عملية التحريض تتمثل في "الناس بلهاء أكثر بكثير منهم أشرارا، فهم لا يستطيعون رؤية سوى ما هو تحت أنوفهم" ص581، العادة، مسار الحياة العادي، تقليد المجتمع والأفراد ، والنظام السائد، كلهم يشكلون عوامل تثبيط لأي فكرة تدعوا للتغير أو لتجاوز هذا الواقع، لكن هذا الواقع البليد يكون بداخله المحفز لعملية التغير، فهو من يمد الثوري بأهمية العمل على التغير والانقلاب على الواقع.
وشرح الواقع بطريقة مغايرة عما يفهمه المجتمع، بإعادة التفكير بالواقع، "عندما تقتل الآلة عاملا أو تنتزع إحدى ذراعيه يقولون إنها خطيئته هو، أما عندما يمتصون كل الدم من فتى في مقتبل العمر، ثم يلقون به كالجيفة النتنة، فذلك أمر لا تفسير له" ص351، تحليل لحدث من الواقع بطريقة تخدم الهدف ـ الجماهير ـ وأيضا جعلهم ينسجمون مع فعل التغير ويتقبلونه، كفكرة أولا، وهنا تكون أهم خطوة قد أنجزت، تقبل الجماهير لفكرة التغير، تقديم طريقة تفكير جديدة.

من وسائل جعل الجمهور يتفاعل أكثر بما يطرح من أفكار وأحداث، إعطاء معنى ـ نحن وأنا ـ صفة واحدة، أي جعل المجموع والذات كيانا واحدا وصهرهما في بوتقة واحدة، فيكون المستمع وكأنه هو من يتحدث عن نفسه، يكون عندها الكلام له تأثير خاص واستثنائي في النفس.
"يجب أن لا أضع إيماني في الناس : هذا مؤلم ويؤذي، وأنا اعلم ذلك ولكن يجب أن أخاف منهم، بل أن ... ابغضهم أيضا، أن لكل إنسان جانبين في ذاته وأنا أود فقط أن أحبه. ولكن كيف استطيع ذلك؟ كيف يمكن أن اصفح عن شخص هاجمني كالوحش المفترس، وضرب صفحا عن نفسي الحية، وسحق مظهر الإنسان المتجلي في؟ إني لا استطيع غفران هذا، لا لأنه تصل بي ـ فأنا استطيع أن أتحمل كل شيء ـ ولكن لأني لا استطيع أن اترك الطغاة في يعتقدون بموافقتي واستسلامي، إني لا استطيع أن اسمح لهم باستعمال ظهري كي يتعلموا كيف يجلدون الآخرين،
ـ أنا لا املك الحق في غفران أي شر، كان، وإن لم يؤذني، فأنا لست الوحيد على هذه الأرض، فقد اصفح اليوم عن إهانة يوجهها احدهم لي، وربما ضحكت منها لأنها من التفاهة بمكان ـ لكنه غدا قد يجلد شخصا سواي بعد أن جرب قوته في، إني لا استطيع أن انظر إلى الناس سواء" ص166، من أهم وسائل الإقناع جعل الذات والمجموع كيانا واحدا متوحدا، فهنا كانت الذات المتحدثة تدعي تقبلها بالواقع ـ نسبيا ـ لكن نحن المجموع، كان يرفض ويثور على الواقع، ف(نحن) كانت هي المحرك والعامل الأهم في السعي نحو التغير، فكان الأوكراني الذي يتحدث بصيغة أنا والتي تعني نحن، قد جعل الأم المستمعة تتماهى مع فكرته وان تصطف إلى جانبه وان تعمل معه.
الفكرة التي يحملها الأوكراني الثوري تجعل المتلقي مهما كان بسيطا في تفكيره، يتوقف عندها، فهذا أسلوب جديد في الطرح، يجمع ويوحد أنا ونحن معا، بطريقة لم يعهد المستمع من قبل، فالفكرة كانت جملية وجديدة، وتدخل إلى النفس بسهولة ويسر، وتجعل المستمع يشعر بغبطة لهذا الداخل الجديد، فالفكرة بحد ذاتها تمثل خروج وتمرد على المألوف.

رجال النظام وأدواته
الواقع يدفع الثوري بالاستشهاد بجوانب منه، فحجم القمع والقهر، وشدة البؤس لا بد من تناولها، ونسبها إلى العدو ـ النظام ـ فهو السبب الرئيس لما يحصل، من هنا لا بد من شحن الطاقة الثورية عند الناس بهذا الجانب المضاد لهم، والذي يعمل لتدميرهم، "في تلك الليلة بعد أن توجهت الأم إلى فراشها واضطجع بافل في سريره يقرأ كعادته، جاء رجال الدرك وأخذوا ينقبون البيت وهم يهددون في غضب، يصعدون إلى السطح ويخرجون إلى الفناء في حركة دائبة، وتصرف الضابط الأصفر الوجه في سخرية مهينة كما فعل في أول مرة، ... وتراكمت في صدرها سحب سوداء من المرارة والكراهية لأولئك الناس الذين يحرمون الأمهات من أبنائهن" ص112و113، مشاهد القمع تواكب الطغاة أينما كانوا وحيثما حلوا، فهذه الصورة كانت ترسم بعين التفاصيل في كافة المشاهد التي تناولت الظلام، إن كانوا شرقيين أم غربيين، عرب أم روس، الألمان أم فرنسيين، إسرائيليين أم أمريكان، وقد رسمهم الكتاب بصرف النظر عن جنسيتهم على هذه الشاكلة.
الجريمة السياسية كانت دائما أهم واخطر على النظام القمعي من الجريمة الأمنية، من هنا نجده يندفع بشراسة نحو الخطر القادم من السياسي وبهمل الجريمة الأمنية أو يؤجلها إلى حين، فهي تبقى ضمن السيطرة مهما بلغ حجمها ومهما كانت نوعيتها، "يبدو أن إلقاء القبض على اللصوص لم يعد اليوم امرأ ذا بال، هكذا شرعوا يعتقلون الناس الشرفاء" ص125، هذه الحالة كانت قبل أكثر من مائة عام، ولكنها تستمر في العديد من الأنظمة القمعية في دولنا نحن العرب.لا مشكلة من السرقة ونهب أموال الشعب والدولة معا، لكن وجود أفكار تدعوا إلى الحد من هذه الجرائم يعد امرأ خطيرا ويهدد النظام برمته، مما يوحي بان النظام هو من يقوم بعملية تذكية تلك السرقة والنهب.
وها هو روبن يتحدث عن طريقة تعامل رجال النظام معه فيقول "إني اكسب خبزي بعرق جبيني، ولا أنال أحدا من الناس بأذى فلماذا تقول باني وغد؟" فاخذ يزعق في وجهي ولطمني على استناني، ثم ألقى بي في مخفر الشرطة طوال ثلاثة أيام، ولقد فكرت: إذن فهكذا انتم تخاطبون عامة الناس، أليس كذلك؟ إذن فلا تنتظر منا أن ننسى ذلك، يا أيها الشيطان! فإذا لم أثأر منك أنا، فان سواي سيفعل، ويثأر لاهانتي منكم ومن أولادك ـ لا تنسى هذا! لقد حرثتم صدور الناس بمخالبكم الفولاذية هنا، وزرعتم الحقد هناك، فلا تنتظروا إذن أية رحمة" ص337، كلما كان هناك سوء لا بد من مقابلته بعين السوء، فتعاليم الدين التي تقول العين بالعين والسن بالسن، هي المحرك للتمرد على الواقع المتمثل برجال الشرطة.
هذا الفعل القبيح كان من الأداة التنفيذية في النظام القيصري، فكيف كان رجال القضاء؟ وهل كانوا يمثلون العدالة أم لا؟ وهل هم في الحياد أم منحازين إلى طرف بعينه؟ يجيب غوركي على هذه الأسئلة على لسان احد الشيوخ الذين تعرضوا لظلم النظام فيقول "فلنقل إذن إنكم قوم حياديون، غير منحازين، دون "هذا لكم" و"هذا لنا" إن أمامكم فريقين، يقول احدهما شاكيا: لقد سرقني وصفعني، والآخر يقول: إني املك الحق في سرقة الناس وصفعهم لأني املك بندقية.. " ص560و561، من المفترض أن يكون رجال القضاء على الحياد، لكن الواقع غير هذا، هم منحازون إلى الطرف الأقوى، الطرف المهيمن، إلى النظام.

مفهوم العطاء
يقدم أنا غوركي مفهوما جديد للعطاء، يعتمد على الذات التي تؤمن بقضية ما، فتكون مبدعة ومتألقة في العطاء، فيقول الأوكراني الثوري: "أنت مضطر في بعض الاحيان أن تحارب نفسك كي تستمر على السير قدما، ينبغي أن تكون قادرا على إعطاء كل شيء .. قلبك بأسره، وانه لأمر سهل أن تهب حياتك فتموت من اجل القضية، ولكن عليك أن تعطي أكثر من ذلك أيضا... ما هو اعز من حياتك نفسها، وعندما تعطي ذلك تعرف كيف تنمو الحقيقة التي تناضل من اجلها قوة وبأسا.. تلك الحقيقة التي هي اعز شيء في العالم على قلبك" ص221، لم يقتصر العطاء على التضحية بالنفس، التي هي ـ غالبا ـ ما تكون عزيز، لكن هناك ما هو أهم منها، الجهد والصبر والتجلد وتحمل التعب، كلها أهم وذات قيمة وانفع للقضية من مجرد التضحية بالنفس، فالحرص عليها في هكذا أجواء يكون اشق وأصعب من تقديمها، وعندها فقط يكون العطاء ذات ثمرة يستفيد منها كل الناس.

مفهوم الحب
الحب أيضا طرحه غوركي ضمن مفهوم جديد مغاير عما تعارف عليه الناس، فالأم منبع الحب تتحدث عنه بطريقة جديدة: "...هؤلاء الناس الذين يتعذبون هكذا من اجل الشعب كله، يذهبون إلى السجن والى سيبيريا... ويموتون ... وفتيات يمشين، وحدهن، في الليل مسافات شاسعة، يغصن في الوحل، ولا يأبهن بالأمطار والثلوج، ... من يرغمهن على ذلك؟ ولماذا يفعلونه؟ لأن في قلوبهم حبا كبيرا طاهرا! ولأنهم يملكون الإيمان، الإيمان العميق الراسخ" ص148، كل شيء عند الثوري يتحول ويعمل لخدمة القضية الثورية، فيكون العطاء كاملا ومتماهيا، حتى مفهوم الحب يتم تحويله إلى ما يخدم قضية الثورة، فلا مجال إلا للعمل لها لكي يزول الظلم والظلام معا.

مفهوم السعادة
وأيضا السعادة يختلف مفهومها عند العمل للثورة " ـ أن قليل من السعادة لا يؤذي أحدا، ولكن احد لا يقنع بالقليل من السعادة، فإذا كثرت جدا ... أصبحت رخيصة" ص405، وكأن هناك موقف سلبي من السعادة عند من يعملون للثورة، أو أن هناك فكرة قد تشكلت في ـ إلا وعي عند الكاتب ـ بان الشعور بالسعادة مقتصر على الطبقة الأخرى، من هنا كانت الدعوة للاقتصاد بفعل السعادة.




الحكم والأقوال البليغة
الرواية تطرح مجموعة من المقولات التي تصل في معناها إلى الحكم، فالكاتب وضع خلاصة تجربته في هذه الرواية، فيقول بخصوص التعليم "التعليم أشبه بالمطر، كل قطرة تسقي البذور" ص 157، كناية عن أهمية التعليم وشموله للخير في كل ما يتعلق بالحياة.
"متى يصبح لدينا أمهات يرسلن أبناءهن الى الموت وهن يبتسمن؟" ص206، اعتقد أن هذه المقولة عمل بها غسان كنفاني في رواية "أم سعد" فكانت دعوة غوركي تتحقق في "أم سعد" التي قدمت ابنها ليسترد ما فقدته ويرد إليها حقها المسلوب.
"ـ لا بد لي أن أسير مع العدالة، ولو مرة واحدة، قبل أن أموت" ص260، صحوة الضمير، تدفع بالإنسان أن يتخذ ولو موقف واحد صحيح في حياته.
"سيتغلب المرء على كل شيء وينتصر إذا كان لا يبخل بجهوده في هذا السبيل" ص356، النتيجة تكون مقرونة بالإيمان وبصفوة الجهد المبذول.
"عندما يعرف المرء أن ملايين الكائنات تريد نفس الشيء الذي يسعى من اجله، فان قلبه يزاد لطفا، وطيبة القلب قوة عظيمة" ص357، مشاركة الآخرين بالعمل، يمنح الطمأنينة للنفس
"إن الناس مجبورون على أن يكونوا قساة" ص375، الواقع يفرض نفسه على تصرفات الأفراد.
"ازرعوني ببذور الحقيقة والعقل، وسأرد لكم أتعابكم مائة ضعف" ص487، كناية على أهمية التفكير السليم.
في النهاية نذكر بأننا اعتمدنا على المجلد الخامس من مختارات مكسيم غوركي الصادرة عن دار "رادوغا"موسكو عام 1988، وقد ترجمها كلا من الدكتور فؤاد أيوب والمحامي سهل أيوب.
رائد الحواري
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 4474 - 2014 / 6 / 6 - 17:33
المحور: الادب والفن
 

Aucun commentaire: