مصادر عبرية تكشف تفاصيل جديدة عن اغتيال أبو جهاد وثبوت تورط عملاء طونسيين
من أبرز عمليات الاغتيال التي نفذتها الدويلة العبرية، كانت عملية اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد)، الرجل الثاني في حركة فتح
ومنظمة التحرير، الذي وصلته كتيبة الموت العبرية إلى تونس في العام 1988، والانتفاضة الفلسطينية الكبرى في
أوجها، في عملية جريئة كان تورّط الصهاينة فيها مؤكّدًا، على الرغم من أنها لم تعلن
مسؤوليتها عنها حتى الآن، رغم كل الإشارات والاتهامات الموجهة للموساد بتنفيذ تلك
العملية التي كان لها صدى لم ينتهِ. وحطمت العملية ما تصوّره بعضهم بأنها خطوط
حمراء متفق عليها، على الأقل ضمنيًا، بين العبرانيين والفلسطينيين بعدم المساس
بقيادات الصف الأول. وكانت تفاصيل ما حدث كما روته انتصار الوزير (أم جهاد )،
أرملة الشهيد أبو جهاد، وابنته حنان، معروفًا على نطاق واسع، ويتلخص بتمكّن فرقة
الموت العبرية الصهيونية العنصرية من الوصول إلى ذلك الحي المهم في العاصمة الافريقية (التونسية)الذي يوجد
فيه المنزل الذي يقيم به أبو جهاد، والدخول إلى المنزل وقتل أبي جهاد أمام ناظري عائلته.
وفي حين كتبت كتبٌ عن أبي جهاد وحرّرت
مئات الأحاديث الصحافية والتقارير والأخبار عن عملية الاغتيال، إلا أن الصمت الصهيوني العنصري كان مطبقًا، على الرغم من أن كل الأصابع كانت تشير إلى جهة واحدة: إلى
تل أبيب تحمّلها مسؤولية تلك العملية النوعية التي استهدفت الرجل الثاني في حركة
فتح والخليفة المتوقع آنذاك لياسر عرفات. وانتظر العالم تسع سنوات حتى نطقت الدويلة العنصرية الصهيونية، ففي عام 1997 كشفت الصحف العبرية عن تفاصيل العملية الدقيقة والتي
استخدمت فيها الطائرات والزوارق وقبل ذلك عملاء المحتلين لارض فلسطين.
صحيفة معاريف العبرية في عددها الصادر
بتاريخ 4 تموز (يوليو) 1977 كانت أول جهة صهيونية تشير صراحة
وبالتفصيل لتورط إسرائيل في العملية التي أودت بحياة نائب القائد العام لقوات
الثورة الفلسطينية آنذاك، وعادت معاريف لنفس الموضوع في هذه الأيام لتكشف المزيد
والمزيد.
ونشر معاريف تفاصيل دقيقة للعملية
يدعو للاعتقاد، أن الجهات الأمنية الصهيونية سرّبت تلك المعلومات للصحيفة. قالت
معاريف، دون أن يكذبها أحد في تل أبيب، إن من نفّذ العملية وحدات كوماندوز خاصة
تابعة لهيئة الأركان الصهيونية ، وهي الأقوى في الجيش الصهيوني العبري. في منزل أبو
جهاد ليلة 15 - 16 أفريل 1988، وتم تنظيم العملية كعملية عسكرية
واسعة النطاق.
وتم نقل المشاركين في الاغتيال على
متن أربع سفن، من بينها اثنتان نقلت عليهما مروحيتين، لاستخدامهما في حالة
الاضطرار لعملية إخلاء طارئة إذا حدث أي خلل أو طارئ غير متوقع. وكشفت الصحيفة أنه
تم إعادة بناء فيلا أبو جهاد التي كان يقطن بها في طونس العاصمة بتفاصيلها الدقيقة
في العبرية اعتمادًا على عملاء لجهاز الموساد، الذي ساعد رجاله في تدريب الوحدات
العسكرية على العملية داخل الفيلا الشبيهة في فلسطين المحتلة. ونوّهت لدور عملاء الموساد
الفلسطينيين والطونسيين في العملية، مشيرة إلى أن بعض العملاء الطونسيين كانوا
يعتقدون أنهم يعملون لجهاز مخابرات أوروبي لم تذكره الصحيفة.
ونشرت الصحيفة رسمًا للطابق الأرضي
لفيلا أبو جهاد، لشرح كيف تمت العملية، حيث اقتحم أفراد وحدة الكوماندوز الباب
الرئيسي وتم قتل أبو جهاد عند طرف الدرج المؤدّي إلى الطابق الأول. وقالت الصحيفة
إن إيهود باراك (مساعد رئيس الأركان) وقت تنفيذ العملية، وزعيم حزب العمل عند نشر
هذا التقرير في معاريف، هو الذي أعد للعملية وأشرف على عملية الاغتيال من البحر
قبالة شواطئ طونس.
ولكنه لم يكن وحده، فمعاريف نشرت صور
وأسماء القيادات الصيونية العبرية التي خطّطت ونفّذت تلك العملية وأبرزهم: إسحاق شامير
رئيس حكومة الاحتلال وقت ذاك الذي صادق على عملية الاغتيال وبعد تنفيذ العملية
بنجاح أرسل برقية تهنئة لمنفّذيها، وكذلك إسحاق رابين وزير الدفاع في حكومة الوحدة
الوطنية العبرية الذي أيّد تنفيذ العملية في جلسة المجلس الوزاري المصغر،
وآمنون ليبكين شاحاك رئيس الاستخبارات العسكرية الذي وفّر معلومات لازمة لتنفيذ
العملية بنجاح، وناحوم أدموني رئيس جهاز الموساد الذي قدّم أيضًا معلومات دقيقة
لإنجاح العملية، وإيل رجونيس ضابط الاستخبارات في دورية هيئة الأركان والذي بدأ،
كما تقول الصحيفة بجمع معلومات في نهاية عام 1987 بعد تسريحه من الجيش، ودان
شومرون رئيس الأركان الذي صادق على عملية الاغتيال.
وأشارت معاريف إلى أنه بعد أن تقرّر
اغتيال أبي جهاد، بدأ جهاز الاستخبارات العسكرية وجهاز الموساد بجمع معلومات شخصية
عن أبي جهاد وعن المنزل الذي يعيش فيه، وتم توفير معلومات كثيرة في هذا المجال
بمساعدة عملاء إسرائيل في تونس. ولم يكتفِ هؤلاء العملاء، بتوفير معلومات وصور
منزل الشهيد من كافة الجهات، بل قدم هؤلاء العملاء مساعدات لوجستية لوحدة
الكوماندوز الصهيونية التي نفّذت الاغتيال.
وكشفت الصحيفة أنه بعد انتقال القيادة
الفلسطينية إلى طونس بعد عام 1982 فإن دويلة الاحتلال استطاعت إيجاد قاعدة قوية من العملاء هناك،
وأن كثيرين من عملاء الموساد زاروا طونس كسياح أو كرجال أعمال أوروبيين، وأن هؤلاء
زاروا طونس كثيرًا تحت هذا الغطاء وفي فترات متقاربة، وفتحوا فروعًا لشركات
أوروبية في العاصمة الطونسية كانت غطاء لنشاط الموساد. وأشارت الصحيفة إلى الرغبة
الشديدة لدى الصهيونية بتجنيد عملاء طونسيين وتم رصد مبالغ كبيرة لذلك لإغراء هؤلاء،
وتم النجاح في ذلك بجهود بذلت داخل وخارج طونس، وجنّد الموساد العديد منهم تحت
غطاء أنهم يجمعون معلومات لأجهزة استخبارية أوروبية، إضافة إلى ما وصفته الصحيفة
بمحاولة الموساد تجنيد عددٍ من أفراد الفصائل الفلسطينية المختلفة في طونس.
وأكّدت معاريف أنه بحلول منتصف
الثمانينات من القرن العشرين كانت هناك شبكة من العملاء منتشرة في مختلف أنحاء طونس تزود العبرية العنصرية بمعلومات دقيقة، وأن هذه الشبكة التي عملت على مدار سنوات في طونس، استأجرت العديد من المنازل لإخفاء الأسلحة والتنصت على المكالمات، وادعت
الصحيفة أن الموساد كان يتنصت على الهاتف الذي كان يستخدمه الشهيد أبو جهاد، وأنه
كان على علم بالاتصالات الهاتفية التي أجراها أبو جهاد، مع نشطاء وقيادات
الانتفاضة، وكانت هذه الاتصالات تجري عبر بدالات دولية في عواصم أوروبية لإخفاء
مصدر تلك المكالمات.
وكشفت الصحيفة، بأن العبرية استعانت
بطائرة بوينغ 707 كانت تحلّق قرب الشواطئ التونسية
لجمع معلومات وبثها والتنصت على الهواتف التي يستخدمها القادة الفلسطينيون. وأشارت
الصحيفة إلى أنه في أثناء الاستعداد لتنفيذ عملية الاغتيال، تمكّنت دوريات بحرية صهيونية بمساعدة شبكة الموساد في طونس، من التسلل إلى الشواطئ الطونسية لتحديد
المكان الأكثر أمنًا لانطلاق وحدة الكوماندوز التي أوكل إليها مهمة تنفيذ
الاغتيال. ولم يكن الرأي العام والمتابعين، بحاجة كثيرًا إلى المعلومات التي
كشفتها الصحيفة الصهيونية لمعرفة مدى قوة العملية ودقّتها والتحضير المنظم لها،
والإيحاء بأن جهاز الأمن الصهيوني كان وحده يعمل وباقي الأجهزة التي تتولى الأمن
في طونس كانت تأخذ غفوة طويلة، وهو الأمر المستغرب، فهذه الأجهزة التي تعمل في طونس وغيرها من البلدان العربية تعرف عن "دبة النمل" عندما يتعلق الأمر
بأمن الحكام، فأين كانت وعملاء الموساد يسرحون ويمرحون في طونس، وثم يدخلون إلى
العاصمة وينفّذون الاغتيال ويخرجون بسلام.
ومن أهم ما نشرته الصحيفة تفاصيل
اتخاذ القرار باغتيال أبو جهاد، وربما يساعد ذلك في فهم آلية اتخاذ قرارات من هذا
النوع في العبرية. وقالت معاريف إنه في 8/3/1988، وبعد انتهاء عملية اختطاف الباص الذي كان يقلّ موظفي
مركز الأبحاث النووية في ديمونا، التي خطط لها أبو جهاد، عقد مجلس الوزراء الصهيوني المصغر، وعلى رأس جدول الأعمال اقتراح قدّمه جهاز الموساد باغتيال أحد
أفراد منظمة التحرير الفلسطينية ولكنه هذه المرة كان رأسا كبيرة هو: أبو جهاد.
ويبدو أنه ليس من الدقة أن يوصف ذلك
الاجتماع بأنه اجتماع للمجلس الوزاري المصغر، لأن الحاضرين والمشاركين في النقاش
كما تحدّدهم الصحيفة كان معظمهم أركان المؤسسة الأمنية الصهيونيةالتي لها الدور
الأكبر، في تحديد سياسة بني صهيون. قالت الصحيفة إن الذي شارك في النقاش في ذلك
الاجتماع كانوا رئيس الوزراء: إسحاق شامير، وزير الدفاع: إسحاق رابين، وزير
الخارجية: شمعون بيرس، ورئيس الأركان: دان شومرون ونائبه الجنرال إيهود باراك،
ومستشار حكومة بني صهيون لمكافحة الإرهاب: الجنرال يغال برسلر، ورئيس الاستخبارات العسكرية:
الجنرال آمنون ليبكين شاحاك، ورئيس الموساد ناحوم أدموني ونائبه شبتاي شبيط.
ولكن أين كان السياسيون؟
ما تذكره معاريف، يؤكد الدور الذي
المؤثر والحاسم الذي تلعبه المؤسسة الأمنية في العبرية، فبعد خمسة أسابيع، من ذلك
الاجتماع الذي يتضح أنه كان عمليًا لأركان المؤسسة الأمنية، وفي يوم الجمعة 15/4/1988، عندما كان الكوماندوز الصهيوني
في السفن مع تجهيزاتهم وطائراتهم وقواربهم، في البحر في الطريق إلى طونس، عقد
المجلس الوزاري المصغر الذي تصفه الصحيفة بـ "السياسي" اجتماعًا
للمصادقة على العملية. ومن الطبيعي والحالة هذه ألا يستغرق الاجتماع الصوري، أكثر
من نصف ساعة، وعلى العموم فإن أعضاء المجلس الوزاري المصغر السياسي الذين أتوا بهم
للمصادقة على عملية كانت في طريقها للتنفيذ وافقوا على العملية باستثناء عيزر
وايزمن، الذي، وكما تقول الصحيفة عارض العملية بشدة، لأنها حسب رأيه ستضر
باحتمالات التوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين، وتذكر الصحيفة أن شمعون بيرس لم
يتحمّس للعملية، وأيّد العملية كل من إسحاق شامير رئيس الوزراء، ووزراء حكومة
الوحدة الوطنية من الحزبين الكبيرين العمل والليكود: إسحاق رابين، وموشيه آرنس،
ودافيد ليفي، وآرئيل شارون، وموسى قصاب، وحاييم بارليف، وإسحق نافون.
ولم يصادق في هذا الاجتماع على
العملية فقط، بل اتخذ قرارًا، بألا تعلن العبرية عن أي مسؤولية لها عن العملية
سواء نجحت أم فشلت، وهو ما حدث بالفعل، وبقي القرار ساريًا حتى الآن. ويمكن أن
نضيف هنا معلومات أخرى تجاهلها تقرير معاريف، وتكشفت على مدار السنوات التي تلت
الاغتيال، كشف عنها نافذون في الموساد وأجهزة الأمن الصهيونية لكثير من
الصحافيين الأجانب، وكان الهدف منها الإبقاء على صورة الموساد
"الأسطورية" في أعين الرأي العام، خصوصًا بعد تعرّض تلك الصورة للاهتزاز
فيما بعد.
ومن هذه المعلومات أن عملاء الموساد
راقبوا فيلا أبي جهاد في ط
ونس العاصمة لمدة شهرين مراقبة متواصلة وشملت هذه
المراقبة كل شيء يتعلق بالداخلين والخارجين من الفيلا وأفراد عائلته سواء كانوا
داخل الفيلا أو خارجها، وزرعوا أجهزة تنصت في غرفة نوم أبو جهاد، إضافة إلى التنصت
على هاتفه. وكما ذكرنا تدرّب فريق القتل في حيفا على فيلا شبيهة بالتي يسكنها أبو
جهاد في تونس العاصمة، وكان القرار بألا تزيد عملية الاغتيال عن 22 ثانية فقط بعد دخول الفيلا.
ويسرد الصحافي الايرلندي غوردون طوماس
في كتابه (انحطاط الموساد) ما جرى في تلك اللحظات الحرجة "في 16 نيسان 1988 صدر الأمر بالتنفيذ، في تلك الساعة
أقلع عدد من طائرات بوينغ 707 التابعة لقوة الجو الإسرائيلية من قاعدة عسكرية تقع
جنوبي تل أبيب، كانت واحدة تقلّ إسحاق رابين وعددًا من كبار الضباط الإسرائيليين،
وكانت على اتصال دائم عبر لاسلكي سري بفريق الاغتيال الذي اتخذ أفراده مواقعهم
بقيادة عميل اسمه الرمزي سورد، كانت الطائرة الأخرى مكدسة بأدوات المراقبة
والتشويش، وكانت طائرتان أخريان تنقلان خزانات الوقود، وعلى ارتفاع شاهق فوق
الفيلا حام أسطول الطائرات في الفضاء وهو يتابع كل حركة على الأرض عبر تردّد
لاسلكي، وبعيد منتصف الليل في 16 افريل سمع الضباط المحمولون جوًا أن أبا جهاد قد عاد
إلى منزله بسيارة المارسيدس".
ويكمل طوماس "من موقع قرب
الفيلا، أعلن سورد عبر ميكروفون يعمل بحركة الشفاه أنه يسمع أبا جهاد وهو يصعد
السلالم ويذهب إلى غرفة نومه ويهمس شيئًا لزوجته ويمشي على أطراف أصابعه إلى
الغرفة المجاورة لتقبيل ابنه النائم قبل أن يمضي إلى مكتبه في الطبقة الأرضية،
كانت طائرة الحرب الإلكترونية، وهي النسخة الإسرائيلية لطائرة الرادار الأميركية
إيواكس، تلتقط هذه التفاصيل وتحوّلها إلى رابين في طائرة القيادة، وعند الساعة 12:17 صباحًا صدر أمره بالتنفيذ".
وبعد قرار التنفيذ هذا كان على
(سورد)، أن يأمر رجاله بالتنفيذ، فأجهز أحد رجاله على سائق أبو جهاد الذي كان
نائماً في سيارة المارسيدس. ثم تحرّك (سورد) نفسه مع أحد رجاله وفجّرا بوابة
الفيلا بمتفجرات بلاستيكية لا تحدث صوتًا، ثم قتلا حارسين فوجئا بالموقف على ما
يبدو، ومن هناك اندفع سورد إلى مكتب أبي جهاد فوجده يشاهد شريط فيديو، وقبل أن
ينهض أطلق النار عليه مرتين في صدره، ولم يكتف سورد بذلك، فأطلق رصاصتين إضافيتين
على جبهته. وبعد كل هذه السنوات، لم يصدر أي تقرير رسمي فلسطيني أو تونسي، يحقق في
ما حدث في تلك الليلة المفزعة، التي وصل فيها الموساد إلى قلب عاصمة عربية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire