jeudi 23 mars 2017

ردّ علماء حزب المتسننة الاموية العباسية على قول ابن تيمية بالتجسيم





ردّ علماء حزب  المتسننة الاموية العباسية على قول ابن تيمية بالتجسيم


السؤال
هناك من الأصدقاء من يقول: إنّ ابن تيمية ومحمّد عبد الوهاب لا يقولان بالتجسيم، وما يقال من ذلك عنهم نابع من التعصّب، وردّ التهمة بتهمة مثلها، وإلاّ فأين هي الكتب والمصادر التي يدّعون فيها أنّهما يقولان بالتجسيم بصراحة دون أن يكون لها وجه آخر؟!

أرجو ذكر أقوالهما مع المصادر لكي تتم الحجّة.

الجواب
المعروف عن كثير من الحنابلة أنّهم من القائلين بالتجسيم, بمعنى أنّ لله تعالى يداً، ووجهاً، وعيناً، وساقاً, وأنّه متربّع على العرش شأنه شأن الملوك والسلاطين, واستدلّوا على ذلك بآيات من القرآن الكريم، كقوله تعالى: (( يَدُ اللَّهِ فَوقَ أَيدِيهِم )) (الفتح:10)، و (( كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجهَهُ )) (القصص:88)، و (( يَومَ يُكشَفُ عَن سَاقٍ )) (القلم:42)، و (( الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ استَوَى )) (طه:5)، وغيرها من الآيات.

وقالوا: إنّ اليد والوجه والساق والاستواء، جاءت في القرآن على وجه الحقيقة في معانيها، وليست مصروفة إلى معانيها المجازية.

وقالوا: نعم يد الله ليست كيدنا, ووجهه ليس كوجهنا, وساقه ليس كساقنا, بدليل قوله تعالى: (( لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ )) (الشورى:11).

ولا يخفى عليك أنّ ابن تيميّة ومحمّد بن عبد الوهاب يدّعيان أنّهما من الحنابلة!

وأقوال ابن تيميّة في التجسيم كثيرة جدّاً, وللوقوف على ذلك راجع مثلاً كتابه (الفتوى الحموية الكبرى)، في (مجموعة الفتاوى: 5 كتاب الأسماء والصفات).

وإنّ عقيدته في التجسيم كانت واحداً من أهمّ محاور الصراع الذي خاضه مع علماء عصره؛ فهي السبب الوحيد لما دار بينه وبين المالكية من فتن في دمشق, وهي السبب الوحيد لاستدعائه إلى مصر ثمّ سجنه هناك, كما كانت سبباً في عدّة مجالس عقدت هنا وهناك لمناقشة أقواله.

ولم تنفرد المالكية في الردّ عليه, بل كان هذا هو شأن الحنفية والشافعيّة أيضاً, وأمّا الحنبليّة فقد نصّوا على شذوذه عنهم.

قال الشيخ الكوثري الحنفي في وصف عقيدة من أثبت الحركة والانتقال والجهة ونحوها: ((تجسيمٌ صريح بغير كتاب ولا سُنّة، وكذا إثبات الحدّ والجلوس والمماسّة، تعالى الله عن ذلك))(1).

وللشافعيّة دورهم البارز في مواجهة هذه العقيدة, فقد صنّفوا في بيان أخطأ ابن تيميّة فيها كثيراً, وربّما يعدّ من أهمّ تصانيفهم تلك: ما كتبه شيخهم شهاب الدين ابن جَهبَل, المتوفّى سنة 733هـ(2)، ويكتسب هذا التصنيف أهميّته لسببين:

أوّلهما: أنّ هذا الشيخ كان معاصراً لابن تيميّة, وقد كتب ردّه هذا في حياة ابن تيميّة موجّهاً إليه.

والثاني: أنّه ختمه بتحدّ صريح, قال فيه: ((ونحن ننتظر ما يَرفد من تمويهه وفساده, لنبيّن مدارج زيغه وعناده, ونجاهد في الله حقّ جهاده))(3). ثمّ لم يذكر لابن تيميّة جواباً عليه رغم أنّه قد وضعه ردّاً على (الحمويّة الكبرى) التي ألقاها الشيخ ابن تيميّة على المنبر في سنة 698هـ.

وأمّا دفاع ابن تيمية عن التجسيم، فهو دفاع المجسّمة الصرحاء!! فيقول ردّاً على القائلين بتنزيه الله تعالى عن الأعضاء والأجزاء: ((إنّهم جعلوا عمدتهم في تنزيه الربّ عن النقائص على نفي التجسيم, ومن سلك هذا المسلك لم ينزّه الله عن شيء من النقائص البتة))(4).

ثمّ طريق إثبات شيء على المتّهم لا يتم بإقراره فقط ومن كتبه؛ فإنّه قد لا يذكر ذلك صريحاً خوفاً من المسلمين, ولكن هناك طريقة أُخرى، وهي: شهادة شهود عليه؛ فإنّ هذا من أقوى أدلّة الإثبات, خاصّة إذا كانوا كثيرين.

وقد شهد على ابن تيميّة الكثير، منهم: ابن بطوطة في كتابه (رحلة ابن بطوطة)؛ إذ يقول تحت عنوان (حكاية الفقيه ذي اللّوثة) - اللّوثة بالضمّ: مَسّ جنون ــ: ((كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقيّ الدين بن تيميّة, كبير الشام, يتكلّم في الفنون, إلاّ أنّ في عقله شيئاً! وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم، ويعظهم على المنبر, وتكلّم مرّة بأمر أنكره الفقهاء...

ثمّ قال: وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم, فكان من جملة كلامه أن قال: إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجةً من المنبر! فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء, وأنكر ما تكلّم به, فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتّى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشيّة حرير, فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم قاضي الحنابلة, فأمر بسجنه, وعزّره بعد ذلك))(5).

ومقولة ابن تيميّة هذه ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في (الدرر الكامنة)(6)، وابن شاكر في (عيون التواريخ) نقل ذلك عنه الحصني الدمشقي في (دفع شبه من تشبّه وتمرّد)(7).

تلك صورةٌ عن عقيدته في الله تعالى.. فهو يجيز عليه تعالى الانتقال والتحوّل والنزول, وفي هذا التصوّر من التجسيم ما لا يخفى, فالذي ينتقل من مكان إلى مكان, وينزل ويصعد, فلا بدّ أنّه كان أوّلاً في مكان ثمّ انتقل إلى مكان آخر, فخلا منه المكان الأوّل, واحتواه المكان الثاني, والذي يحويه المكان لا يكون إلاّ محدوداً! فتعالى الله عمّا يصفون.

ودمتم في رعاية الله

هوامش:

(1) كتاب الأسماء والصفات للبيهقي بتعليقة الكوثري: 414 الهامش، باب: ما جاء من قول الله عزّ وجلّ: (( هَل يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الغَمَامِ... ))البقرة (2): 21.

(2) طبقات الشافعية الكبرى 9: 34 (1302) أحمد بن يحيى، شهاب الدين بن جهبل.

(3) طبقات الشافعية الكبرى 9: 91 (1302) أحمد بن يحيى، شهاب الدين بن جهبل.

(4) مجموعة الفتاوى 13: 413 مقدّمة التفسير، فصل في أهل البدع مختلفون في الكتاب ومخالفون فيه، عمدة النفاة في تنزيه الربّ عن النقائص، وانظر: منهاج السُنّة 2: 563 كلام ابن المطهّر في أنّ مذهب الإمامية واجب الاتّباع، الردّ على قول: سمّوا مشبّهة؛ لأنّهم يقولون: أنّه جسم.

(5) أدب الرحلات (رحلة ابن بطوطة): 90 قضاة دمشق.

(6) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 1: 93 (409) أحمد بن عبد الحليم بن تيمية.

(7) دفع شبه من شبّه وتمرّد (دفع الشبه عن الرسول): 88، تاريخ ابن تيمية كما نقله المؤرخ ابن شاكر

Aucun commentaire: