الملّة: هي صفة الثبات في السلوك لا في الاعتقاد، أي الثبات في ممارسة الشعائر، وبسبب هذا الثبات في السلوك فإنّ الملل تختلف بعضها عن بعض وتتعدّد، إذ نجد أنّ هناك: الملة اليهودية، الملة المسيحية، الملة المحمّدية… وقد ذكر التنزيل الحكيم اختلاف الشعائر في الملل ولم يلغ أيّاً منها، ففي الملة المحمّدية جاءت الشعائر (الصلاة، الزكاة، الصوم، الحجّ) مع البعثة المحمّدية وظلت ثابتة كما هي من يومها حتى الآن، وكذلك شعائر الملّتين اليهودية والنصرانية كانت وما زالت ثابتة إلى يومنا هذا. أمّا التشريع في الرسالة المحمّدية فهو حنيفي متطوّر لقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الروم 30)، أي يقوم على خاصّية التطوّر في التشريع “الحنيفية” وتبقى المحرمات هي الثوابت. والحنيفية ملّة إبراهيم لقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النساء 125). وقد ألغت الرسالة الخاتمة تشريع الملة اليهودية والنصرانية لأنّه تشريع ثابت لا يتّصف بالحنيفية، وجاءت بالحنيفية في التشريع، وعن هذا الأمر تحديداً جاء قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ…} (البقرة 120)، أي أنّ رضاهم عن النبي (ص) كان مرتبطا باتباعه لهم في التشريع غير الحنيفي، لكنه (ص) لم يتبعهم في تشريعاته بل اتبع الحنيفية التي جاء بها إبراهيم، في حين أن الفقهاء بعده ألغوا الحنيفية في التشريع وسلكوا طريق التشريع غير الحنيفي في الفقه.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire