dimanche 22 mars 2015

نقد أحزاب اليسار بالمغرب

نقد أحزاب اليسار بالمغرب


نقصد بقوى اليسار بالمغرب الأحزاب التالية :  »الحزب الاشتراكي الموحد »، و  »حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي »، و  »حزب النهج الديمقراطي »، و  »حزب المؤتمر الاتحادي »، بالإضافة إلى تنظيمات وتيارات ثورية أخرى، صغيرة، ومَشْهُود بوجودها.
أما  »حزب الاتحاد الاشتراكي » فقد أصبح يتأرجح بين موقع يسار الوسط، ويمين الوسط. و  »حزب التقدم والاشتراكية » تحول إلى حزب يميني. و  »حزب الاستقلال » كان ولا يزال حزبا يَمِينيا ومُحافظا.
وأما  »حزب العدالة والتنمية » الإسلامي، فَيَحْتَلّ، على العموم، موقع الوسط. تارة يدافع عن مواقف تقدمية (مثل مواجهة الفساد)، وتارة أخرى يدافع عن قضايا يمينية (مثل الدفاع عن ‘إمارة المؤمنين’، وعن أَسْلَمَة الدولة، وعن الخضوع المطلق للشريعة الإسلامية).

هل يجوز نقد أحزاب اليسار ؟
نحن ننتقد أحزاب اليسار. لكن هذا النقد هو نقد من نوع جديد. لأننا لا ننتقد أحزاب اليسار من منطلق الكراهية، أو المزايدة، أو التحدي، أو المنافسة. على عكس ذلك، نحن نعلن انتمائنا إلى قوى اليسار، ونحترمها، ونتعاطف معها، ونساندها، ونتضامن معها، ونُصِرّ على النضال إلى جانبها. ولا ننتقد قوى اليسار إلاّ لأننا نريدها أن تكون قوية وفعّالة أكثر مِمّا هي الآن. وبقدر ما ندعّم قوى اليسار، بقدر ما نحرص على مُناقشتها ونقدها، كُلّما دعت الضرورة إلى ذلك. والنقد المُتبادل هو من بين أهم السُّبل لتحسين أداء هذه القوى. ومن لا يَجْرُؤُ على تبادل النقد، بشكل بناء وعلني، لن يتقدم.

هل اليسار بالمغرب بخير ؟
يظهر كل حزب من بين أحزاب اليسار بالمغرب أنه راض عن حاله. بينما في الواقع، أوضاع أحزاب اليسار ليست مُرضية. لأن أحزاب اليسار لا تعمل بما فيه الكفاية لتطوير نفسها، أو لرفع مستوى فعاليتها.
وكل خطاب سياسي يعتبر اليوم أن حالة أحزاب اليسار بالمغرب جيّدة، أو حسنة، هو خطاب مُكَرّر، ومُحافظ، ولا فائدة منه. بل نقد اليسار هو الخطاب الوحيد الذي يمكن أن يُساعد على إبراز نقط ضعف هذه الأحزاب، أو نقائصها، أو أخطائها. ولا يوجد سبيل آخر، غير النقد، لمساعدة أحزاب اليسار على إصلاح نفسها، أو تقويمها، أو تَثْوِيرِها.
وبشكل إجمالي، وخلال ال 10 أو 20 سنة الماضية، نلاحظ أن قوى اليسار بالمغرب لم تتحسن كيفيا، أو أنها لم تنجح في إعلاء درجة تأثيرها، أو في رفع مستوى فعاليتها السياسية. وهذا يعني أن أحزاب اليسار تَخَلّفَت بالمقارنة مع أحزاب اليمين.
وسُوء حال أحزاب اليسار بالمغرب يتجلى في كون تأثيرها السياسي هو الأقل فاعلية بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى. وتظهر أحزاب اليسار كأنها مهمّشة، ليس فقط من وسائل الإعلام العمومية، ولكن أيضا من الساحة السياسية. فتظهر أحزاب اليسار، بالمقارنة مع أحزاب اليمين، كأنها غارقة في رتابة مُعْتَادَة، وفي الدُّغمائية، وفي التقليد، وفي في ضعف دائم.
وأحزاب اليسار هي تقريبا الأحزاب الوحيدة في المغرب التي لا تتوفّر على أعضاء مُحْتَرِفين، مُتَفَرّغين للعمل السياسي، وقادرين على تخصيص كل وقتهم لحزبهم. والسبب في هذا النقص لا يرجع فقط إلى ضعف الإمكانيات المالية. بل يحتمل أن يرجع السبب إلى غلبة الهِواية على الاحتراف في مجال السياسية.
و إذا كان الحس النقدي لمناضلي أحزاب اليسار تجاه القوى اليمينية حادّا، فإن حسهم النقدي هذا، تُجاه أحزابهم الخاصة، يُصبح في غالبية الحالات مَكْبُوتا، أو مُلجّما، أو مُحَرّما. والحوار، أو التنسيق، أو التعاون، فيما بين أحزاب اليسار يبقى ضعيفا، أو أقل من المستوى الممكن. وذلك رغم أن أفكار أو أهداف أحزاب اليسار مُتقاربة، أو مُتشابهة، أو متطابقة.
و خلال ال 20 سنة الماضية، فإن الأحزاب التي تقدمت أو تَقَوّت أكثر بالمغرب، هي على الخصوص الأحزاب  »الإسلامية ». ويُحْتَمل جدا أن يستمر هذا التوجّه خلال السنوات المقبلة. كما يُحتمل جدّا، خلال السنوات المقبلة، أن تستمر هذه الأحزاب  »الإسلامية » في الفوز بأكبر عدد من أصوات الناخبين في مجمل الانتخابات المقبلة.
وتقوية هذه الأحزاب  »الإسلامية » لا ترجع فقط لكونها تستغل الدين في مجال السياسة، كما يعتقد البعض. وإنما ترجع أيضا، وعلى الخُصوص، إلى كونها تستعمل مناهج في التفكير وفي العمل تَتّسِم بواقعية وبفعالية أكبر، ولو بقيت مُغَلّفة بخطاب ديني. بينما المناهج التي تستعملها أحزاب اليسار (في التفكير وفي العمل السياسيين) تبقى دون المستوى المطلوب.
وسوف تستمر الأحزاب  »الإسلامية »، خلال السنوات المقبلة، في الفوز بأغلبية الأصوات المُعبّر عنها في كل الانتخابات (سواء كانت برلمانية أم جهوية). لأن غالبية الشعب مُسْتَلَبَة من طرف الدين. وسوف تتواصل هذه الظاهرة إلى أن تُحسّ غالبية الشعب، من خلال ممارسة  »الإسلاميين » للسلطة السياسية, أن هيمنة الدين تتناقض مع الديمقراطية، ومع التنمية الاقتصادية. وتحتاج جماهير الشعب، لكي تُدْرِك أن  »الإسلاميين » غير مُؤهّلين لتحقيق الديمقراطية والتنمية، إلى قرابة 10 أو 20 سنة من التجربة. وتحقيق التنمية والديمقراطية، يبقى مشروطا بالفصل بين الدين والدولة، وبين الدين والسياسة.

هل خطاب أحزاب اليسار يتلاءم مع ممارستها ؟
تميل أحزاب اليسار عادة إلى إخفاء ضعفها عبر التركيز على إنتاج بيانات ثورية، أو نصوص يسارية. بينما ممارستها السياسية تبقى على العموم دون المستوى المطلوب.
وغالبا ما نجد انفصاما واضحا بين خطاب أحزاب اليسار وممارستهم. ومن بين الأمثلة المعبرة في هذا المجال، نذكر علاقة أحزاب اليسار ب  »حركة 20 فبراير » (التي اندلعت في المغرب في سنة 2011، في ارتباط ب  »ثورات الربيع العربي » في كل من تونس ومصر). فكل أحزاب السار (الحقيقية) تُعلن في بياناتها أنها تُقدّر  »حركة 20 فبراير », وتُساندها، وتُعَظّمها، وتُشارك فيها، وتُراهن عليها في برامجها وفي خططها. لكن في الواقع، نلاحظ أن مُشاركة أحزاب اليسار في  »حركة 20 فبراير » تبقى هزيلة، أو ضعيفة، أو أقل من المستوى الممكن.
حيث لا تُشارك معظم أُطُر أحزاب اليسار في  »حركة 20 فبراير »، ولا يتواجدون في لجانها، ولا يتحملون فيها مسؤوليات تنظيمية. بمعنى أن غالبية أطر اليسار لا تُساهم في تأطير شباب  »حركة 20 فبراير ». وأعداد أعضاء أحزاب اليسار الذين يُشاركون في المسيرات الأسبوعية ل  »حركة 20 فبراير » تبقى ضعيفة، أو دون المستوى الممكن. ومُشاركة هؤلاء المناضلين في  »حركة 20 فبراير » تكون في غالب الحالات ناتجة عن مبادرات أو عن اجتهادات شخصية، وليس عن توجيه حزبي واضح وصارم.
فالموقف الرسمي، أو النظري، لأحزاب اليسار من  »حركة 20 فبراير » هو الدعم المطلق لهذه الحركة. لكن موقفها العملي هو إهمالها. فبدلا من أن تكون أحزاب اليسار هي القائد الطبيعي ل  »حركة 20 فبراير »، نجد أنها تسير ورائها، أو تُهْمِلها، أو تَحْذَر من ديناميكيتها، أو لا ترغب في استمراريتها. ومن بين نتائج هذا الإهمال، نجد أن أنواع مختلفة من عناصر البوليس المُسْتَتِرَة تشارك بكثافة في  »حركة 20 فبراير »، وفي جمعها العام، وتقوم بمحاولات لا يستهان بها للتّحكّم فيها.
إن ضعف  »حركة 20 فبراير »، أو توقّفها، أو فشلها، هو في الجوهر نتيجة لضعف أحزاب اليسار. وفشل  »حركة 20 فبراير »، سيكون فشلا لأحزاب اليسار.
ولا تستطيع القِلّة القليلة من المناضلين، الذين يُحاولون تنمية فعالية  »حركة 20 فبراير »، أن ينجحوا في نضالاتهم، أو في مجهوداتهم، إلا إذا طَوّرت أحزاب اليسار نفسها، بهدف الرّفع من مستوى مشاركتها السياسية في هذه الحركة.

هل تجتهد أحزاب اليسار لتطوير نفسها ؟
من بين الملاحظات التي لا تَسُرّ، والتي لها دلالة سلبية، أذكر أن بعض أحزاب اليسار نظمت مؤتمراتها الحزبية خلال الشهور الأخيرة، لكن هذه المؤتمرات الحزبية لم تُحْدث تغييرات كيفية، لا في الخط السياسي لهذه الأحزاب، ولا في برامجها، ولا في ممارساتها. فإذا استثنينا إصدار بعض البيانات، وتغيير جزئي في أعضاء بعض الأجهزة القيادية، فإن الرّتابة السابقة، والعادات القديمة، تَعُود بسرعة، وتستمر في السيطرة، كأن شيئا لم يتغيّر في هذه الأحزاب. بينما تطورات الصراع الطبقي تستوجب منها تغييرات عميقة أو جذرية.

- وهل هناك أمثلة أخرى تُبَيّن ضعف أحزاب اليسار ؟
على العموم، أحزاب اليسار بالمغرب تُعاني من قِلّة مُبَادراتها، ومن ندرة أنشطتها. وتعاني أيضا من ضعف حماس غالبية أعضائها. وتُعاني أيضا أحزاب اليسار من ضعف الانضباط داخلها.
كما أن الإنتاج السياسي لأحزاب اليسار، وإبداعاتها في مجال أساليب النضال، تبقى غير كافية، أو شحيحة. وقدرتها على تعبئة جماهير العمال، أو الفلاحين، أو فئات الذين لا يستغِلون ولا يُستغَلّون، تظل محدودة جدا، بل قد تكون أحيانا منعدمة.
وإن ظاهرة نَدْرَة أو غياب تبادل النقد فيما بين أحزاب اليسار، أو فيما بين أعضائها، تَدُلّ على أنها غارقة في فكر يظهر أنه يساري في خطابه، لكنه مُحَافِظ في جوهره. وهذه المُحافظة تتجلّى في كون أحزاب اليسار لا تجرؤ بما فيه الكفاية على مُراجعة أو تطوير أطروحاتها القديمة, ولا تُبْدِع أفكارا سياسية أو أساليب نضالية جديدة. ونتيجة ذلك هي أن أحزاب اليسار تتفَاعُل بِبُطْء كبير مع التطورات العميقة الجارية في المجتمع. وبطء تفاعلها مع تطورات المجتمع يُفَوّت عليها الكثير من فرص التدخل والتأطير.
ومن بين المظاهر الأخرى المُعبّرة عن ضعف أحزاب اليسار، أن الأطر العُليا، والمُفكّرين، والعلماء، والخُبراء، يهربون من أحزاب اليسار، أو يَنْفُرُون منها. بينما الظاهرة الطبيعية هي أن اليسار الذي يكون مُتقدّما، أو حَيَوِيّا، أو طليعيّا، يستقطب غالبا حوله أحسن المُفكّرين في المجتمع.

هل الأطر القديمة في أحزاب اليسار تلعب دورا مُبْدِعا أم مُحَافظا ؟
الأطر القديمة (Apparatchik) في أحزاب اليسار تلعب على العموم دورا مُحافظا. وتظهر بعض هذه الأطر كأنها هي التي تحتكر حق تحديد من هم الأفراد المقبولين، ومن هم ألأفراد المنبوذين. فهؤلاء الأطر القديمة تظهر على شكل  »حرّاس المعبد » الذين يَصُونون  »الأصول »، و »المراجع »، و »المشروعية »، و »الاستمرارية ». ويتحوّل أحيانا دور هذه الأطر القديمة إلى تَرْوِيج الدّغمائية (Dogmatisme). وقد تُحَنّط الفكر الثوري إلى درجة تحويله إلى معتقدات مطلقة وجامدة. وقد تُصبح هي التي تَعُوق إحداث تغييرات، أو مُراجعات، أو إبداعات، سواء في الأفكار، أم في الخط السياسي، أم في الأساليب النضالية.
وأحيانا، يغرق بعض الأطر القديمة في تفاصيل صراعات خَفِيّة، معقّدة، ومُتواصلة، بين شخصيات، أو جماعات، أو تيارات. وقد تستحوذ، أو تستهلك، هذه الصراعات، جُلّ طاقاتهم، إلى درجة أن مُساهماتهم في مجالات تطوير الأفكار، أو تحيين الخط السياسي، أو إبداع أساليب نضالية جديدة، تُصبح هزيلة، أو منعدمة.
وبقدر ما تكون تلك الأطر القديمة مَشْغُولة بتلك المُنافسات فيما بين شخصيات، أو جماعات، أو تيارات، داخل حزبها الخاص، بقدر ما تكون رؤيتها الشُّمولية للصراع الطبقي (الدائر على صعيد مجمل المجتمع) محدودة أو ناقصة.
قد تكون هذه الأطر القديمة قوية، أو فعالة، في ميدان هذه الصراعات، أو المنافسات الدّاخلية للحزب المعني، فيما بين شخصيات أو تيارات، لكنها قد تكون، بالمقابل، ضعيفة، أو متخلّفة، في مجال فهم أو معالجة الإشكالات الكبرى للحزب، أو للبلاد.
وفي مثل هذه الحالات، يُصبح الحزب المعني غير قادر على التفاعل بسرعة وفعالية مع مستجدات أو متطلبات الصراع الطبقي (الدائر على مستوى عموم المجتمع). وقد يدخل الحزب المعني في صيرورة ضعف، أو تخلف متواصل، إلى درجة أنه قد يصبح مُهَمّشا، أو عاجزا، أو متخلفا.

هل أحزاب اليسار تختلف حول إختيارات استراتيجية ؟
تُعاني بعض أحزاب اليسار من ازدواجية في تَصوّرها لعملية الوصول إلى السلطة السياسية. فتارة، يعتقد بعض مناضليها أن الوصول إلى السلطة يستحيل بدون استعمال العنف الثوري (تَبَعًا لأطروحة لينين). 

 

وتارة أخرى، يعتقدون أن الفوز في الانتخابات يمكن أن يكون سبيلا سلميّا للوصول إلى السلطة.

 وهذه الازدواجية في التصور تُؤثر سلبا على التوجّهات أو البرامج السياسية. 

بينما الفعالية السياسية تقتضي الانخراط الكُلّي، إما في التوجّه الذي يُراهن على العنف الثوري، وإما في التوجّه الذي يُراهن على صناديق الاقتراع، وليس التذبذب المُتواصل بينهما.

 
وبعض المُفكرين يعتبرون أنه يتوجب على أحزاب اليسار أن تحسم اختياراتها بشكل تام، وأن تُحدث قطيعة مع أطروحة لينين حول الوصول إلى السلطة عبر العنف الثوري. والثورات الحديثة في كل من تونس، ومصر، واليمن، (وعلى خلاف حالتي ليبيا، وسوريا)، تُبيّن أن إسقاط نظام مُستبد (أو على الأقل خلخلته عبر إسقاط رئيسه)، يمكن الوصول إليه عبر نضال جماهيري، سياسي، حاشد، سلمي، ومُتواصل، دون اللجوء بالضرورة إلى العنف الثوري.
 

 

وحيثُ أن الحصُول على الشرعية السياسية، سواء داخل البلاد أم خارجها، يَقْتَضِي الوصول إلى السلطة بِرِضَا الشعب، أي عبر انتخابات نزيهة.


وبعض المناضلين يَعتبِرُون أن المُراهنة على العنف الثوري هي نوع من التّطَرّف السياسي. 

 

ويَستنتِجُون من هذا الاعتبار أن الواقعية السياسية، أو الاعتدال السياسي،  »يفترض بالضرورة » القَبُول بالنظام الملكي القائم. ويستنتجُون منه أن الموضوعية السياسية  »تقتضي بالضرورة » حَصْر كل النضالات المُقبلة  »تحت سقف الملكية البرلمانية ». ويُحوّلون  »سقف الملكية البرلمانية » إلى  »حدّ مطلق »، أو  »مقياس مطلق »، أو  »دغمة (Dogme) ». ثم يستعملون هذا  »المقياس » كلما أرادوا الفرز بين ما هو مقبُول، وما هو غير مقبول. فيُكبّلون هكذا فكرَهم وممارَستهم، ودون الوعي بهذا التكبيل أو التقييد القَبْلِي. بينما المُرونة الفكرية تقتضي القبول ب  »الملكية البرلمانية الديمقراطية » إذا كان بإمكاننا فعلا أن نحقّقها، أمّا إذا ظَلّ النظام السياسي القائم يرفض تحقيقها على مَرّ عشرات السنين من التضحيات، فإن الحل البديل المنشود يُصبح هو  »الجمهورية البرلمانية الديمقراطية ». المهم ليس هو شكل السلطة (ملكية أو جمهورية)، وإنما مضمونها، أي الديمقراطية، والتي ينبغي أن تتجلى في الكرامة، والحرية، والعدل، وفصل السّلطات، وحقوق الإنسان.
كل مناضل يضع  »سقفا »، أو يُسَطّر  »حدّا »، ثم يُحَرّم على نفسه تجاوز هذا  »الحدّ »، فإنه يفقد موضوعيته، أو حسّه النقدي، أو قدرته على الثورة. فهل هناك فرق بين شخص يَمنع نفسه من الطموح إلى أكثر من  »السقف » الذي فرضه طَوَاعِيّة على نفسه، وشخص آخر يجبره نظام سياسي استبدادي على احترام  »خطوط حمراء » محدّدة ؟ هل هناك فرق بين من يجبره عدوّه السياسي على عدم تجاوز  »خطوط حمراء » مُعَيّنة، ومن يفرض على نفسه الخضوع ل  »مُقدّسات » محددة ؟ أليس المناضل الثوري الحقيقي، هو الذي يهتدي في كل مناسبة بعقله وحده، ولا يقبل الخضوع لأي  »حدّ »، سواء في فكره أم في نضاله ؟ أليس المقاوم أو الثائر هو الذي يُصِرّ على أن يظل مُتَحَرّرا من كل  »القيود » التي يمكن أن تَحُدّ من حريّته ؟ أليس المواطن الحُرّ هو الذي يَحْرُص باستمرار على أن يتفاعل بحرية تامّة مع كل مستجدات المجتمع، دون الخضوع لأي ضغط أو إكراه ؟

هل انقسام اليسار إلى عدة أحزاب يُشكّل عائقا ؟
ظل اليسار بالمغرب ينقسم إلى 4 أو 5 أحزاب. وهذا الانقسام يدوم منذ 20 أو 30  سنة. لكن مُبَرّرات هذا الانقسام ليست واضحة بما فيه الكفاية، ولا مُقنعة. وفي الواقع، لا يلمس الملاحظ وجود خلافات جذرية فيما بين مناضلي مختلف أحزاب اليسار، سواء على مستوى الخط السياسي، أم على مستوى البرنامج النضالي، أم على مستوى منهج التفكير. والخلافات الموجودة فيما بين مناضلي أحزاب اليسار لا ترقى إلى مستوى تبرير انقسامهم إلى أحزاب متناقضة.
وإذا ما استمر انقسام اليسار إلى عدة أحزاب متنافسة، فإن هذا اليسار سيظل مُتشرذما، أو مُتَفرقا، أو ضعيفا. وفعاليته السياسية ستبقى، في هذه الحالة، هزيلة، أو رديئة. بينما مصلحة اليسار تستوجب توحيده عاجلا في إطار حزب واحد، أو داخل جبهة حقيقية ومُوحّدة. ويمكن، إن اقتضى الحال، أن يعمل هذا الحزب المُوَحّد، أو الجبهة، بأسلوب التيارات، لتمكين مختلف الحساسيات السياسية من التعبير عن نفسها.

هل أحزاب اليسار بالمغرب تحمل تصوّرا مُوحّدا حول النظام السياسي المقبل أو المطلوب ؟
منذ استقلال البلاد في سنة 1956، ظلّت قوى اليسار تُطالب بنظام  »ملكية برلمانية ديمقراطية ». لكن النظام السياسي المُستبد لم يتوقّف عن التحايل، وعن رفض أي دَمَقْرَطَة حقيقية. ورغم عِنَاد النظام، لا زالت بعض قوى اليسار تُصِرّ على أن لا يَتَجاوز نضالها، الحالي أو المُقبل،  »سقف الملكية البرلمانية ». والقوى السياسية التي تَتَشَبّث باحترام هذا  »السقف »، تَقْضِي على أية إمكانية للنضال المُشْتَرَك مع قوى اليسار الأخرى التي لا تقبل هذا  »السقف ». ولا يُعقل أن تستمر أية قوة من بين قوى اليسار في تقييد نفسها داخل حدود شعار  »سقف الملكية البرلمانية » خلال ال 60 سنة الأخرى المقبلة.
ألم يَحِن بَعْدُ الوقت لكي تراجع مجمل قوى اليسار بالمغرب شعارها حول طبيعة النظام السياسي المطلوب ؟ ألا تقتضي الفعالية السياسية أن يكون تصور أحزاب اليسار للنظام السياسي المطلوب، مُوَحّدًا، واضحا، وحازما ؟ ألا يُسْتَحْسن أن يكون شعار اليسار من قبيل الشِّعار التالي :  »إمّا ملكية برلمانية وديمقراطية الآن، وإمّا جمهورية برلمانية ديمقراطية الآن، ولا نقبل بأي حلّ ثالث لهما ».

خاتمة
هذه أمثلة من الانتقادات الموجّهة إلى أحزاب اليسار بالمغرب. ومناضلون آخرون يُوَجّهون انتقادات أخرى إلى أحزاب اليسار. ويتكلمون عن نقط ضعف أخرى فيها.
والمنطق السليم يستوجب، إن وُجِد ولو نقد واحد صحيح من بين هذه الانتقادات المذكورة أعلاه، أن لا يهدأ بال المناضلين المعنيين بهذا النقد حتى يُصَحّحُوا هذا الخطأ أو النقص، بشكل تام، أو جذري. فهل هذا هو ما يفعله مجمل مناضلي أحزاب اليسار بالمغرب ؟

(مقال عبد الرحمان النوضة، حرّر في 11 يونيو 2012).

 

https://www.mamfakinch.com/%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A3%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8/ 

Aucun commentaire: