أيها الشعب ليتني كنت حطَّابا
وُلد أبوالقاسم الشابي في عام 1909، بالشابية إحدى ضواحي توزر بتونس، التي كانت تئن تحت الاحتلال الغربي الفرنسي منذ عام 1881. وكان لتعاون الباي (لقب حاكم تونس) مع الاحتلال ضد الشعب، ومطالبة اليهود الذين سيطروا على الموارد المالية بتطبيق القانون الفرنسي عليهم، أثره البالغ في ضرورة ميلاد روح الثورة وظهور الصوت القائد.
وكان
لنشأة أبي القاسم في بيتٍ عامرٍ باللقاءات الدينية والفكرية (إذ كان أبوه
محمد أبوالقاسم قاضيا شرعيا) الأثر في تكوين رؤيته الخاصة للإنسان في تونس
وميلاد الحلم في أشعاره، وساهم في ذلك فهمه السديد للدعوة التي بدأها
الإمام محمد عبده في مصر ثم الشام ثم تونس منذ أواخر القرن التاسع عشر،
والتي تتلخص في فهم روح الشريعة الإسلامية باتباع شيئين أولهما: البعد عن
الخرافات التي تُرتكب باسم الدين، وثانيهما: أن الدين الإسلامي دينٌ معاصرٌ
ويجب فهمه واعتناقه على هذا الأساس.
كل هذا أشعل في نفس أبي القاسم العزم على التعبير عن آلام هذا الوطن، وتحقيق الحلم عن طريق تغيير الإنسان الذي هو لبنة هذا الشعب؛ فراح يُناصر ويُنادي بتحرير المرأة وفهم مكانتها الاجتماعية والنظر لها كإنسان لا كجسد، مؤيدا في ذلك الطاهر حداد صاحب هذه الدعوة في تونس على غرار قاسم أمين في مصر، وتجلى ذلك في تعبيره ونظرته إلى المرأة في أشعاره؛ فلقد وضعها موضعا راقيا، ونظر لها نظرة سامية. تأكد ذلك بنظرته المثالية للحب تجلت في قصيدته المشهورة: "صلوات في هيكل الحب" التي يقول فيها:
عذبةٌ أنتِ كالطـــفولة كالأحــــلام ** كاللحنِ، كالصباحِ الجديد
كالسماء الضحوك، كالليلة القمراء ** كالــورد، كابتسام الوليد
أنـْتِ ما أنـتِ؟ أنـتِ رسـمٌ جمـــيلٌ ** عبقريٌ من فنِّ هذا الوجود
وأكد أبوالقاسم الشابي ذلك عندما أبرز الأمومة في قصيدته "قلب الأم"، ووضَّح ما لها من جلال ومكانة:
كلٌ نسوْك ولم يعـــودوا يذكرونك في الحياةِ
والدهرُ يُدفنُ في ظلامِ الموتِ حتى الذكرياتِ
إلا فـــــؤادا ظلَّ يخفق في الوجـود إلى لقاكِ
ويودُّ لو بذل الحــــــــياةَ إلى المنية وافتداكِ
وأيضا اتجه إلى الشعب مخاطبا إياه بأمنيات على لسانه تقول ما تتمناه لنفسه وله، كما في قصيدة "النبيُّ المجهول":
أيها الشعب ليتني كنت حطَّابا
فأهوي على الجذوع بفأسي
ليتني كنت كالسيول إذا سالت
تهدُّ القبـــورَ رمســا برمسي
ثم استطاع أن يخاطب الشعب مباشرة ً مُظهرًا ما يمكن له تحقيقه إذا أراد:
إذا الشعْبُ يوما أراد الحياة ** فلابدَّ أن يستجيب القــــدر
ولا بد لليل أن ينجـــــــــلي ** ولا بدَّ للقـــــيدِ أن ينكســـر
وكان لقوله "فلا بد أن يستجيب القدر" ثورة في جامع الزيتونة، وهو بؤرة الحركة الدينية في تونس، ويقابله في مصر الجامع الأزهر، وتتلخص الثورة في أنه كيف يستجيب القدر ـ الذي هو من صُنع الله وحده ـ إلى مشيئة الشعب وإرادته.
كل هذا أشعل في نفس أبي القاسم العزم على التعبير عن آلام هذا الوطن، وتحقيق الحلم عن طريق تغيير الإنسان الذي هو لبنة هذا الشعب؛ فراح يُناصر ويُنادي بتحرير المرأة وفهم مكانتها الاجتماعية والنظر لها كإنسان لا كجسد، مؤيدا في ذلك الطاهر حداد صاحب هذه الدعوة في تونس على غرار قاسم أمين في مصر، وتجلى ذلك في تعبيره ونظرته إلى المرأة في أشعاره؛ فلقد وضعها موضعا راقيا، ونظر لها نظرة سامية. تأكد ذلك بنظرته المثالية للحب تجلت في قصيدته المشهورة: "صلوات في هيكل الحب" التي يقول فيها:
عذبةٌ أنتِ كالطـــفولة كالأحــــلام ** كاللحنِ، كالصباحِ الجديد
كالسماء الضحوك، كالليلة القمراء ** كالــورد، كابتسام الوليد
أنـْتِ ما أنـتِ؟ أنـتِ رسـمٌ جمـــيلٌ ** عبقريٌ من فنِّ هذا الوجود
وأكد أبوالقاسم الشابي ذلك عندما أبرز الأمومة في قصيدته "قلب الأم"، ووضَّح ما لها من جلال ومكانة:
كلٌ نسوْك ولم يعـــودوا يذكرونك في الحياةِ
والدهرُ يُدفنُ في ظلامِ الموتِ حتى الذكرياتِ
إلا فـــــؤادا ظلَّ يخفق في الوجـود إلى لقاكِ
ويودُّ لو بذل الحــــــــياةَ إلى المنية وافتداكِ
وأيضا اتجه إلى الشعب مخاطبا إياه بأمنيات على لسانه تقول ما تتمناه لنفسه وله، كما في قصيدة "النبيُّ المجهول":
أيها الشعب ليتني كنت حطَّابا
فأهوي على الجذوع بفأسي
ليتني كنت كالسيول إذا سالت
تهدُّ القبـــورَ رمســا برمسي
ثم استطاع أن يخاطب الشعب مباشرة ً مُظهرًا ما يمكن له تحقيقه إذا أراد:
إذا الشعْبُ يوما أراد الحياة ** فلابدَّ أن يستجيب القــــدر
ولا بد لليل أن ينجـــــــــلي ** ولا بدَّ للقـــــيدِ أن ينكســـر
وكان لقوله "فلا بد أن يستجيب القدر" ثورة في جامع الزيتونة، وهو بؤرة الحركة الدينية في تونس، ويقابله في مصر الجامع الأزهر، وتتلخص الثورة في أنه كيف يستجيب القدر ـ الذي هو من صُنع الله وحده ـ إلى مشيئة الشعب وإرادته.
وكان
الرد الواعي لأبي القاسم؛ إذ أن ظاهر القول يوحي بذلك؛ فباطنه المقصود هو
أن في وقفة الشعب وقفة قوية واحدة، القدرة على التغيير إلى الأفضل والخروج
من هذا الاحتلال الغربي لتونس.
ووسط كلِّ هذا لم ينس أبوالقاسم الشابي
أن يبدأ بنفسه في فهم ما له وما عليه؛ فقال مناديا بالعدالة الاجتماعية
والديمقراطية الحقة، كما في قصيدة "بقايا الخريف":
كرهتُ القصــــــورَ وقطَّانَها ** وما حولها من صـــراعٍ عنيف
وكيدَ الضعيفِ لسـعي القوي ** وعصف القويِّ بجهْد الضعيف.
كرهتُ القصــــــورَ وقطَّانَها ** وما حولها من صـــراعٍ عنيف
وكيدَ الضعيفِ لسـعي القوي ** وعصف القويِّ بجهْد الضعيف.
ولقد
كان لعذوبة الصور وسلاسة المعاني وسهولة الألفاظ في أشعاره التي استلهمها
من بيئته وآلامه أثره في ذيوع اسمه كشاعر مجدد وصاحب رؤية إبداعية متفردة،
وأكد ذلك ارتباطه بجماعة أبوللو في مصر كأحد مؤسسيها.
من كل هذا يتضح
لنا أن أبا القاسم كان شاعرًا إنسانًا اختار لنفسه طريق الفن والإبداع لكي
يهرب من ألمه المتجدد ـ دوما ـ فبرغم ميلاده في ظل الاحتلال لبلاده، ورغم
موت والده وهو في العشرين من عمره تاركا له أسرة هو العائل الوحيد لها،
أصيب في صغره بمرض تضخم القلب الذي كان يزيد ألمه يوما بعد يوم، لكن كل هذه
الآلام لم تنسه وطنه وبلاده، والذي تجلى في تغيير الإنسان ليكون قوة على
طريق حياة هادئة سالمة، والتي هي حُلم أبي القاسم الشابي الذي رحل في 1934،
مُورِّثا لنا شعرا عربيا متجددا متميزًا، نعود إليه كلما ظمأنا إلى كلمة
حالمة تجسد الحياة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire