الطبرى والقرامطة وآل سعود
1 ـ نحن الآن في بغداد في خلافة المكتفى بالله العباسي
سنة 290 هجريا, وفى صحبة المؤرخ ابن جرير الطبري حيث كان يعيش وينقل الأحداث من
واقع المشاهدة والمعايشة, وذلك قبل أن يموت بعشرين عاما وننقل عنه هذه القصة
الواقعية :
في إحدى المناطق في بغداد وتسمى "باب المحول" كان يعيش طبيب اسمه أبو الحسن, عاصر مع صديقه الطبري هجوم القرامطة على بغداد, وبعد انتهاء الغارة كان يجلس أمام دكانه أو عيادته إذ جاءته امرأة غريبة تقول له:إني أريد أن تعالج شيئا في كتفي . قال : وما هو؟ فقالت : جرح, قال لها: أنا كحال, وهاهنا امرأة تعالج النساء وتعالج الجراحات فانتظري مجيئها. وجلست المرأة ، ورآها الطبيب مكروبة كئيبة باكية ، فسألها عن حالها وسبب جرحها ، فقالت :قصتي تطول, فقال: حدثيني بها وصادقيني . وكان الدكان فد خلا من الرواد. فانطلقت المرأة تحكى قصتها. قالت المرأة :كان لي ابن غاب عنى وطالت عنى غيبته وترك معي أخوات له. فأصابني الفقر والحاجة. واشتقت إليه وعرفت أنه ذهب إلى ناحية الرقة, فخرجت إلى الموصل والى الرقة أبحث عنه وأسأل هنا وهناك، وحين وصلت إلى الرقة دخلت معسكر القرامطة ، وجعلت أطوف وأسأل الناس عنه ، وبينما أنا كذلك إذ رأيته فتعلقت به فقلت :ابني ..! فقال :أمي؟ فقلت: نعم, قال : ما فعل أخواتي؟ قلت بخير، وشكوت ما أصابنا بعده من الفقر والضيق ، فأخذني إلى منزله وجلس بين يدي ، وجعل يسألني عن أخبارنا ،فأخبرته.. ثم قال:دعينى من هذا وأخبريني ما دينك؟ فقلت:يا بنى أما تعرفني؟!!, فقال: وكيف لا أعرفك يا أمي ؟. فقلت : ولماذا تسألني عن ديني وأنت تعرفني وتعرف ديني ؟!! فقال : كل ما كنا فيه باطل , والدين ما نحن فيه الآن . ففزعت وعجبت منه، فلما رآني كذلك خرج وتركني ، ثم أرسل إلي بخبز ولحم وغيره ، وقال اطبخيه, فتركته ولم ألمسه. ثم عاد فطبخه بنفسه وأصلح أمر منزله. وما لبث أن دق على الباب طارق فخرج إليه ، فإذا رجل يسأله ويقول له:هذه المرأة التي قدمت عليك هل تحسن شيئا من أمر النساء عند الولادة؟ فسألني ابني, فقلت: نعم، قال: امضي معي، فأدخلوني دارا ، وإذا فيها امرأة تعانى طلق الولادة..وقعدت بين يديها وأخذت أكلمها لأخفف عنها فلا تكلمني، فقال لي الرجل الذي جاء بي إليها: ما عليك من كلامها, أصلحي شأنها ولا تكلميها. فأقمت معها حتى ولدت غلاما، وأصلحت من شأنه.وأخذت أكلمها وأتلطف معها وأقول لها: يا هذه لا تحتشمي منى , فقد وجب حقي عليك, أخبريني خبرك وقصتك ومن والد هذا الصبي؟ فقالت: أتسألينني عن أبيه لتطالبيه بشيء يهبه لك؟ فقلت :لا, ولكن أحب أن أعلم خبرك. فقالت: إني امرأة من أشراف بنى هاشم- وكانت أجمل النساء وجها- وقد أتى إلينا هؤلاء القوم – القرامطة - فذبحوا أبى وأمي وإخوتي وأهلي جميعا، ثم أخذني رئيسهم فأقمت عنده خمسة أيام ، ثم أخرجني فأعطاني لأصحابه, فقال: طهروها أي اقتلوها, فشهروا سيوفهم فبكيت وصرخت، وكان بين يديه رجل من قواده فقال:هبها لي . فقال:خذها, فأخذني، وكان بحضرته ثلاثة من القواد فشهروا سيوفهم وقالوا:نأخذها نحن وإلا قتلناها، وكادت تثور فتنة واقتربت سيوفهم من عنقي ، فأمر رئيسهم القرمطى بأن أكون لهم الأربعة جميعا ،فأخذوني فأقمت معهم.والله ما أدرى من منهم والد هذا الصبي . ولكن تبقى الدروس ,وأهم الدروس يكمن في نجاح أولئك السفاحين في غسيل مخ الشباب وإقناعهم بأن طريق الجنة مفروش بجماجم الضحايا الأبرياء. 2 ـ إن الطبري يذكر قبل هذه القصة الواقعية عمليات الإبادة الجماعية التي ارتكبها كبير القرامطه في الشام, يقول:إن أهل دمشق صالحوه على دفع الأموال, وكذلك فعل أهل حمص, ثم سار إلى حماة ومعرة النعمان وغيرهما, فقتل أهلها وقتل النساء والأطفال, ثم سار إلى بعلبك فقتل عامة أهلها حتى لم يبق منهم إلا اليسير, ثم سار إلى سلمية فحاربه أهلها ومنعوه الدخول, ثم انخدعوا بالأمان الذي أعطاه لهم وفتحوا له أبواب المدينة," فبدأ بمن فيها من بنى هاشم وكان بها منهم جماعة, فقتلهم, ثم ثنى بأهل "سلمية" فقتلهم جميعا. ثم قتل البهائم, ثم قتل صبيان الكتاتيب, ثم خرج منها وليس بها عين تطرف, وسار فيما حوالي ذلك من القرى يقتل ويسبى ويحرق ويخيف السبيل". وتلك المرأة الهاشمية التي أغتصبها القرامطة يبدو أنها من "سلمية". وهى مجرد حالة من ألاف الحالات . ويلاحظ أن الطبري مات سنة 310 هجريا, وقد شهد أول ظهور للقرامطة سنة 286 هجريا, واشتدت غاراتهم مما جعله ينهى تسجيله للتاريخ سريعا سنة 302 هجريا, وفى السنوات العشر الأخيرة في تأريخه لتلك الفترة كان متعجلا شأن من يعيش في أخطار تحدق به من كل جانب. أي أن فظائع القرامطة كانت المسكوت عنها في تاريخ الطبري ، وكانت من المؤثرات التى جعلت الطبرى يحجم عن تسجيل الأحداث بالتفصيل لكل عام كما كان يفعل قبل ظهورهم , خصوصا وقد أحدث ظهور القرامطة موجة من التعصب الفكري والمذهبي ما لبث أن أكملت محنة الطبري إلى أن مات مسجونا محاصرا داخل داره بفعل الحنابلة ، أى الفقهاء السنيين المتعصبين ، أى وقع الطبرى فى شيخوخته بين متعصبى الحنابلة السنيين ومتعصبى الشيعة من القرامطة . ومتطرفو الحنابلة فى عصر الطبرى هم اساتذة الوهابيين فى عصرنا. 3 ـ ومهما يكن من أمر, فان الفكر المتصلب هو الفاعل الحقيقي في تلك الحركات الدينية. فالفكر المستنير المعتدل ينتج حركة دينية معتدلة مستنيرة مسالمة, أما الفكر المتصلب الذى يستحل الدماء والأعراض والأموال فلن تنتظر من يعتنق هذا الفكر إلا أن يكون شيطانا. وقد ذكر النويرى في كتابه نهاية الأدب( جزء 25 ص : 236) أن أبا سعيد الجنابى القرمطى كان يجمع الصبيان في بيوت أعدها لهم وجعل عليهم دعاة يقومون على تنشئتهم وغسيل عقولهم وأجرى عليهم المرتبات, ورسم وجوههم بعلامات تميزهم عن غيرهم ,وجعل عليهم عرفاء ونقباء, وكان يقرن دعوته التعليمية الفكرية بتعليمهم فنون القتال وركوب الخيل, فينشئون لا يعرفون إلا دعوته دينا وإلا شخصه زعيما... 4 ـ وهو نفس ما فعله عبد العزيز آل سعود فى نفس المكان فى أوائل القرن العشرين حين أنشأ من شباب الأعراب جيشا أسماه (الإخوان )، وكان يقوم بتجميعهم فى معسكرات وقرى مسلحة أسماها ( الهجر ) وكانوا يتعلمون فيها فنون القتال وكتب ابن عبد الوهاب وابن تيمية وأشهر كتب الحنابلة والفقه السّنى المتشدد. وبهؤلاء (الاخوان) أسس عبد العزيز آل سعود دعائم دولته بضم كل نجد ثم الأحساء وعسير والحجاز ، وأسفر هذا عن ذبح (إخوان عبد العزيز) حوالى مليون مسلم فى الجزيرة العربية و الشام والعراق، وإغتصاب آلاف المسلمات بزعم السبى . لافارق هنا بين القرامطة والوهابية ؛ نفس الضحايا فى نفس المكان ،ونفس الهدف فى إغتصاب البلاد والعباد فى المناطق النهرية الزراعية التى تحف بصحراء نجد فى الشمال فى الشام والعراق،إذ فعل (إخوان ) عبد العزيز نفس التدمير فى العراق والشام الذى أحدثه من قبل سفاحو القرامطة . و بعد ضم الحجاز 1924 : 1925 إثر عدة مذابح أثارت العالم ضد الاخوان اضطر عبد العزيز الى إبعاد الاخوان عن الحجاز فثاروا عليه سياسيا، لهذا السبب ولسبب آخر ، هو أن بريطانيا أمرت عبد العزيز بأن يكف فيصل الدويش كبير الاخوان عن الهجوم على العراق وارتكاب مذابح فيه ، وإنصاع عبد العزيز ، وتزامن ذلك إقامة العراقيين حصونا على حافة حدودهم الجنوبية لتحميهم من غارات فيصل الدويش فاعتبرها الاخوان تهديدا لهم يمنعهم من الاغارات على العراقيين بسهولة ، واتهموا عبد العزيز بممالأة البريطانيين الكفار والعراقيين المشركين وطالبوا عبد العزيز أن يسمح لهم بهدم تلك الحصون ، فعقد عبد العزيز عدة مؤتمرات للصلح معهم ، وفشلت فثاروا عليه عسكريا فتخلص منهم نهائيا عام 1930 ، ولكن بعد أن أقام بديلا لهم عام 1928خارج دولته ليؤازروه وينشروا دعوته فى الافاق بدون قلاقل .كان البديل فى مصر هم (الاخوان المسلمون) . وبتخلصه من معارضة الاخوان سمى الدولة باسم عائلته ( السعودية ) عام 1932 . ونرجع الى حركة القرامطة ، وهم أصحاب السّنة الحقيقية التى اتبعها عبد العزيز آل سعود حين أقام دولته السعودية. من خلال قصة المرأة الهاشمية المنكوبة نعرف حرص القرامطة على إغتصاب النساء ثم ( تطهيرهن ) بالقتل ، وهنا نرجع إلى فقيه معاصر للقرامطة ،وهو أبو الحسن محمد بن أحمد الملطى المتوفى سنة377هجرية، وهو صاحب كتاب "التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع". يقول الملطى عن القرامطة في كتابه إن المؤمن عندهم هو من يعتقد بفكرهم وتصوراتهم عن الله والأنبياء والأئمة واليوم الآخر. ومن لا يؤمن مثلهم يعتبرونه كافرا حلال المال والدم والعرض. ويقول الملطى عنهم:"زعموا أن نساء بعضهم حلال لبعض وكذلك أولادهم, وأبدانهم متاحة من بعضهم لبعض لا تحظير بينهم ولا منع, فهذا عندهم محض الأيمان حتى لو طلب رجل منهم امرأة نفسها أومن رجل أو من غلام فامتنع عليه فهو كافر عندهم خارج عن شريعتهم,وإذا أمكن من نفسه فهو مؤمن فاضل, والمفعول به أفضل من الفاعل عندهم, حتى يقوم الواحد منهم من فوق المرأة التي لها زوج فيقول لها:طوباك يا مؤمنة".!! ختاما : 1 ـ لقد ظلت حركات القرامطة مشتعلة إلى أن انتهت سنة 378 هجريا. ولكن فكر القرامطة ظل يعيش,لأن الفكر لا يمكن مواجهته بالسلاح وإنما بفكر آخر .وقد أتاحت الوهابية فى عصرنا لمعظم فكر القرامطة أن ينتشر باسم الاسلام، خصوصا استحلال الدماء والأموال والأعراض ، فالوهابية و القرامطة فكر صحراوى عنيف لا يعرف سوى القتل و النهب والاغتصاب وعدم التقيد بالعهود والمواثيق ، فاصحابه هم أشد الناس كفرا ونفاقا حسب وصف رب العزة . وفى عصرنا أصبح الارهاب هو الوصف المناسب لهذا ( الجهاد ) الوهابى حاليا ، القرمطى سابقا . 2 ـ العجيب أن الإسلام دين السلام والعدل والتسامح والصبر,والفكر الاسلامى الأصيل لابد أن يلتزم بقيم الإسلام ومقاصد شريعته الغراء من التقوى وحفظ الحقوق وصون الأعراض وحقن الدماء والتيسير ورفع الحرج والعدل والإحسان. والأعجب أن يكون الإسلام بهذا الرقى الأخلاقي ويظهر من بين المنتسبين إليه قديما وحديثا من يسفك دماء الأبرياء معتقدا أنه يحسن صنعا. |
في الجمعة 20 يناير 2012
محنة الطبري خير دليل
على التعصب المذهبي
|
تعرض الطبري لمحنة شديدة في أواخر حياته بسبب التعصب المذهبي، فلقد وقعت
ضغائن ومشاحنات بين ابن جرير الطبري ورأس الحنابلة في بغداد أبي بكر بن داود
أفضت إلى اضطهاد الحنابلة لابن جرير، وكان المذهب الحنبلي في هذه الفترة هو
المسيطر على العراق عامة وبغداد خاصة، وتعصب العوام على ابن جرير ورموه بالتشيع
وغالوا في ذلك. حتى منعوا الناس من الاجتماع به، وخلطوا بينه وبين أحد علماء
الشيعة واسمه متشابه مع ابن جرير، وهو «محمد بن جرير بن رستم» وكنيته أيضًا أبو
جعفر، ولقد نبه الذهبي على هذا الخلط في تاريخه وفي كتابه سير أعلام
النبلاء ظل ابن جرير محاصرًا في بيته حتى توفي.
|
قال احدهم معلقا عن مقال احمد صبحي منصور
القرامطة لهم تفسيرهم
الخاص جدا
|
فالقرامطة كفروا كل المسلمين المخالفين لهم ، كذا كفروا المسلمين لطوافهم
حول الكعبة ، وما أخذهم الحجر الأسود لمدة 20 عام إلا دليلا على فكرهم ، بودي لو
يكون هناك تبحر أكثر بالفكر والعقيدة لدى القرامطة ، وما هي أدلتهم التي دعتهم
لإعتقاداتهم تلك ، وهل أن كتب التأريخ تظلمهم ، أم كانت منصفة معهم ، لكون
ما وصلنا ليس هو ما كتبه القرامطة أنفسهم ، بل ما كتب عنهم من أعدائهم أو
مخالفيهم ، ثم كيف كانت علاقتهم بالفاطميين ، ولم تم إنفصام تلك العلاقة .
الموضوع برمته بحاجة لدراسة تأريخية نقدية تحاول تفسير كثير من حوادث التأريخ الإسلامي، وكيفية نشوء الأفكار والمعتقدات ، وإندثارها . |
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire