mardi 5 avril 2016

من سفك الدماء الى الفسق والفحشاء : فسق بعض الخلفاء الأمويين







من سفك الدماء الى الفسق والفحشاء : فسق بعض الخلفاء الأمويين



ليتجنب الأمويون ثورات أهل مكة والمدينة أغرقوهم بالأموال والخمور والقيان ( الجوارى المغنيات ) ووصلت اصداء ذلك الى دمشق وقصور الخلافة فاشتهر بعض الخلفاء الأمويين بالمجون ، وأشهرهم يزيد بن عبدالملك ، ثم ابنه الوليد بن يزيد .
أولا : يزيد بن عبد الملك : (101 ـ 105)  
1 ـ تولى بعد عمر بن عبد العزيز ، وفى البداية تأثر به فقال : سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز ، ولم تتحمل بنو أمية ذلك ، فجاءوا له بأربعين شيخا شهدوا له بأنه ما على الخلفاء حساب ولا عذاب .
وتطلع الخليفة الشاب حوله فجاءته أخبار المجون فى المدينة . ووصلت اليه أخبار أشهر مغنيتين فى المدينة وهما سلّامة وحبابة، وعشق الناسك عبد الرحمن ( القس ) لسلامة .
2 ـ كانت ســلامــة قد نشأت جارية بالمدينة وتعلمت الغناء على أعلام الغناء فيها وأشهرهم معبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبي السمح. وحين استوى عودها واشتهرت بحسن الصوت نافستها جارية أخرى كانت دونها في حسن الصوت إلا أنها كانت أجمل منها وجهاً وهي "حبابة" ، إلا أن ســلامــة امتازت عن حبابة بميزة إضافية وهي قولها الشعر ، فكان ثمنها أعلى ومحـبـُّوها أكثر. ونالت سـلامـة إعجاب أحد المترفين في مكة فاشتراها وأحضرها إلى بلده مكة ، وهو سهيل بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبوه الصحابي المشهور . وتحولت دار سهيل إلى ملتقى للماجنين محبي الغناء والسمر والجمال ، تظل نوافذه مضاءة ورواده إلى الفجر في سرور وحبور وأصواتهم تصل إلى جنبات الشارع. وذات يوم مر عبد الرحمن القــس على دار سهيل فسمع صوت سلامة وهي تغني فأعجبه صوتها فتوقف ، وكان منظراً غريباً أن يتوقف القس العابد ليسمع الغناء ، ووصل الخبر إلى الفتى الماجن سهيل فنزل يدعو القس للدخول فأبى وانصرف في خجل ، إلا أنه في اليوم التالي عاد في الوقت نفسه ووقف يسمع الغناء ، وتلاحقت الهمسات حول القـس كلما مر يوم وهو على عادته يسمع الغناء ويرفض الدخول ، وفي النهاية غلبه الشوق فاستجاب لرجاء سهيل ودخل داره وشاهد سـلامـة وجلس معها وشغف بها حباً وهامت به غراماً ، ولم يستطع كتمان مشاعره ففاض لسانه شعراً سارت به الركبان ، فاشتهرت سلامة وأصبح لقبها سلامة القس. على أن عبد الرحمن القس في حبه لسلامة ظل محافظاً على ورعه وتقواه ، تقول الرواية : ( وإنما قيل لسلامة سلامة القس لأن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار أحد بني جشم بن معاوية بن بكير ـ  كان فقيهاً عابداً مجتهداً في العبادة، وكان يسمى القس لعبادته، مر يوماً بمنزل مولاها فسمع غناءها فوقف يسمعه، فرآه مولاها فقال له: هل لك أن تنظر وتسمع فأبى، فقال: أنا أقعدها بمكان لا تراها وتسمع غناءها؛ فدخل معه فغنته، فأعجبه غناؤها، ثم أخرجها مولاها إليه، فشغف بها وأحبها وأحبته هي أيضاً، وكان شاباً جميلاً. فقالت له يوماً على خلوة: أنا والله أحبك! قال: وأنا والله أحبك! قالت: وأحب أن أقبلك! قال: وأنا والله! قالت: وأحب أن أضع بطني على بطنك! قال: وأنا والله! قالت: فما منعك؟ قال: قول الله تعالى( الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين )، وأن أكره أن تؤول خلتنا إلى عداوة؛ ثم قام وانصرف عنها وعاد إلى عبادته،  فقيل لها سلامة القس لذلك.)
3 ـ   وانتشرت قصة سلامة وغرام العابد الناسك بها ، ووصلت إلى دمشق مصحوبة بالأشعار التي قالها الناسك والأشعار الأخرى التي قيلت فيهما ، وكان الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك  يبحث عن الجديد والمشهور من ألوان المتع ، فبعث من اشترى له سلامة ، وسافرت سلامة إلى دمشق وحظيت مع حبابة لدى الخليفة الشاب.  وبينما ماتت حبابة في عهد الخليفة فإن سلامة عاشت بعده ، ويذكر المؤرخون أن الخليفة الأموي  اشترى سلامة من مولاها بعشرين ألف دينار.
4 ــ  ويروى الطبرى أن الخليفة يزيد بن عبد الملك : (  قال يوما :  وقد طرب ، وعنده حبابة وسلامة : " دعوني أطير .! " فقالت حبابة  : " إلى من تدع الأمة ؟ " )  وروى الطبرى أنه (  حجّ  يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان بن عبد الملك فاشترى حبابة ، وكان اسمها العالية بأربعة آلاف دينار من عثمان بن سهل بن حنيف ، فقال سليمان : " هممت أن أحجر على يزيد . " فرد يزيد حبابة ، فاشتراها رجل من أهل مصر.  فقالت سعدة ليزيد : : يا أمير المؤمنين هل بقي من الدنيا شيء تتمناه بعد ؟ " قال : " نعم.  حبابة . " فأرسلت سعدة رجلا فاشتراها بأربعة آلاف دينار،  وصنعتها حتى ذهب عنها كلال السفر ، فأتت بها يزيد فأجلستها من وراء الستر، فقالت : " يا أمير المؤمنين أبقي شيء من الدنيا تتمناه ؟  قال : "  ألم تسألييني عن هذا مرة فأعلمتك ؟ فرفعت الستر وقالت : " هذه حبابة . " قامت وخلتها عنده ، فحظيت سعدة عند يزيد  وأكرمها وحباها . وسعدة امرأة يزيد وهي من آل عثمان بن عفان . ) .
وتقول الرواية عن يزيد وحبابة وسلامة :  فقال يوماً وقد طرب وعنده حبابة وسلامة القس: دعوني أطير قالت حبابة: على من تدع الأمة؟ قال: عليك؛ قيل وغنته يوماً:
وبين الترافي واللهاة حرارة ** ما تطمئن وما تسوغ فتبردا
فأهوى ليطير، فقالت: يا أمير المؤمنين إن لنا فيك حاجة. فقال: والله لأطيرن! فقالت: على من تخلف الأمة والملك؟ قال: عليك والله! وقبل يدها؛ فخرج بعض خدمه وهو يقول: سخنت عينك فما أسخفك! )
5 ـ وماتت حبابة فمات الخليفة يزيد ( الثانى ) حزنا عليها.!!
وعن موتها تقول الرواية : ( وخرجت معه إلى ناحية الأردن يتنزهان، فرماها بحبة عنب فدخلت حلقها فشرقت ومرضت وماتت، فتركها ثلاثة أيام لم يدفنها حتى أنتنت وهو يشمها ويقبلها وينظر إليها ويبكي، فكُلّم في أمرها حتى أذن في دفنها، وعاد إلى قصره كئيباً حزيناً، وسمع جاريةً له تتمثل بعدها: كفى حزناً بالهائم الصب أن يرى ** منازل من يهوى معطلة قفرا
فبكى، وبقي يزيد بعد موتها سبعة أيام لا يظهر للناس، أشار عليه مسلمة بذلك وخاف أن يظهر منه ما سفهه عندهم.) .
وفى رواية (كان سبب موته أن حبابة لما ماتت وجد عليها وداً شديداً، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، فخرج مشيعاً لجنازتها ومعه أخوه مسلمة بن عبد الملك ليسليه ويعزيه، فلم يحبه بكلمة، وقيل إن يزيد لم يطق الركوب من الجزع وعجز عن المشي فأمر مسلمة فصلى عليها، وقيل: منعه مسلمة عن ذلك لئلا يرى الناس منه ما يعيبونه به. فلما دفنت بقي بعدها خمسة عشر يوماً ، ومات ودفن إلى جانبها، وقيل: بقي بعدها أربعين يوماً لم يدخل عليه أحد إلا مرة واحدة . ) ( ومات فى شعبان عام 105 (وله أربعون سنة، وقيل خمس وثلاثون سنة، وقيل غير ذلك، وكانت ولايته أربع سنين وشهراً وأياماً ) .  
ثانيا : الوليد بن يزيد بن عبد الملك :
1 ــ بعد موت يزيد بن عبد الملك تولى أخوه هشام بن عبد الملك (105 ـ125هـ) . وكان ولى عهده الوليد بن يزيد بن عبد الملك ( أبن أخيه ) . وحاول هشام عزل ابن أخيه الوليد بن يزيد عن ولاية العهد وتولية ابنه مسلمه ابن هشام ، ولكن عارضه كبار الأمويين ، فصب هشام سخطه على الوليد بن يزيد مما ملأه حقداً على هشام وأسرته. وحين تولى الوليد بن يزيد الخلافة(125ـ 126هـ) انتقم من أولاد عمه هشام وممن مالأ هشاماً في محاولة عزله عن ولاية العهد . وأشتهر الوليد بالمجون أكثر من أبيه يزيد . وتسبب فسقه فى ثورة الناس عليه  فتجمعوا تحت قيادة  (يزيد بن الوليد بن عبد الملك ) المعروف بيزيد الناقص ، الذي نجح في ثورته وقتل الخليفة الوليد بن يزيد سنة 126هـ .  
2 ــ وقيل عن الوليد بن يزيد : ( كان فاسقا شريبا للخمر منتهكا حرمات الله ، أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة ، فمقته الناس لفسقه ، وخرجوا عليه ، وحين حوصر قال للناس : ألم أزد فى أُعطياتكم ..ألم أعط فقراءكم ؟ فقالوا : ما ننقم عليك فى أنفسنا ، ولكن ننقم عليك إنتهاك حُرُم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك ، وإستخفافك بأمر الله ) ( ولما قُتل وقُطع رأسه قال أخوه سليمان : بُعدا له . أشهد أنه كان شروبا للخمر فاسقا ، ولقد راودنى على نفسى .! ) . ويذكر المؤرخ الصفدي أنهم اتهموه بأن له علاقة بسلامة جارية أبيه .
3 ــ ويقول الطبرى إن الذى أفسد الوليد هو معلمه عبد الصمد بن عبد الأعلى ، الذى أحاط الوليد بندماء السوء . وأرد الخليفة هشام إصلاح ابن أخيه الوليد ولى عهده:( فولاه الحج سنة تسع وعشرة ومائة ، فحمل معه كلابا في صناديق فسقط منها صندوق .. وفيه كلب ..وحمل معه قبة عملها على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة وحمل معه خمرا ، وأراد أن ينصب القبة عل الكعبة ، ويجلس فيها ، فخوفه أصحابه ، وقالوا : " لا نأمن الناس عليك وعلينا معك . " فلم يحركها . وظهر للناس منه تهاون بالدين واستخفاف به . وبلغ هشاما فطمع في خلعه والبيعة لابنه مسلمة بن هشام ،  فأراده على أن يخلعها ويبايع لمسلمة فأبى ، فقال له اجعلها له من بعدك فأبى ، فتنكر له هشام ، وأضرّ  به وعمل سرا في البيعة لابنه فأجابه قوم . ) واشتدت العداوة بين الخليفة هشام وولى عهده ، ومع هذا فقد نصحه هشام ، يقول الطبرى : (  وتمادى الوليد في الشراب وطلب اللذات فأفرط ،  فقال له هشام : ويحك يا وليد والله ما أدري أعلى الإسلام أنت أم لا ؟ ما تدع شيئا من المنكر إلا أتيته غير متحاش ولا مستتر به ؟ فكتب إليه الوليد :
يا أيها السائل عن ديننا نحن على دين أبي شاكر
نشربها صرفا وممزوجة بالسخن أحيانا وبالفاتر )
وروى ابن عساكر فى تاريخه أن الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمار بخمسمائة دينار‏.
4 ـ وقتلوه بعد أن حكم حوالى ستة أشهر . وكان عمره إذ ذاك أربعاً وثلاثين سنة‏.
  ويقول الطبرى فى التأريخ للعام التالى 126 عن أسباب مقتل الخليفة الوليد بن يزيد : ( ولما ولي الخلافة وأفضت إليه لم يزدد في الذي كان فيه من اللهو واللذة والركوب للصيد وشرب النبيذ ومنادمة الفساق إلا تماديا وحدا تركت الأخبار الواردة عنه بذلك كراهة إطالة الكتاب بذكرها فثقل ذلك من أمره على رعيته وجنده فكرهوا أمره وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه إفساده على نفسه بني عميه بني هشام وولد الوليد ابني عبد الملك بن مروان مع إفساده على نفسه اليمانية وهم عظم جند أهل الشأم ) ( كان الوليد صاحب لهو وصيد ولذات فلما ولي الأمر جعل يكره المواضع التي فيها الناس حتى قتل ولم يزل ينتقل ويتصيد حتى ثقل على الناس وعلى جنده  ) ( فثقل الوليد على الناس ورماه بنو هشام وبنو الوليد بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه. ) .
5 ــ ويذكر ابن الجوزى فى المنتظم عن الوليد  ( فظهر من الوليد لعب وشرب للشراب واتخذ ندماء ، فولاه هشام الحج سنة ستة عشرة ومائة ، فحمل معه كلابًا في الصناديق  ، وعمل قبة على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة، وحمل معه خمرًا وأراد أن ينصب القبة على الكعبة ويجلس فيها فخوفه أصحابه فجمع المغنين بمكة وتشاغل باللهو ) (الوليد بن يزيد كان أمر بالقبة من حديد أن تعمل وتركب على أركان الكعبة ، ويخرج لها أجنحة لتظلله إذا حج وطاف فعملت ولم يبق إلا أن تركب . فقال الناس في ذلك – الفقهاء والعباد - وغضبوا في ذلك ، وتكلموا وقالوا‏:‏ لا يكون هذا قط . وكان أشدهم في ذلك كلامًا وقيامًا سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن . وكتب إلى الوليد بذلك فكتب‏:‏ اتركوها ‏.)‏ وقال ابن الجوزى عنه : (  قام على بركة مملوءة خمرًا ..فقذف نفسه في البركة فنهل منها ثم خرج فتلقي في الثياب والمجامر ..) ( :‏ كان الوليد بن يزيد زنديقًا وأنه فتح المصحف يومًا فرأى فيه ‏{‏واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد‏}‏ فألقاه ورماه بالسهام ، وقال‏:‏
تهددني بجبار عنيد **           فها أنا ذاك جبار عنيد
 إذا ما جئت ربك يوم حشر ** فقل يا رب حرقني الوليد ).

  آحمد صبحي منصور في الإثنين 04 ابريل 2016





Aucun commentaire: