كتاب :
(الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 ) ( المقدمة والخاتمة )
مقدمة الكتاب
1 ـ صدر لنا كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) وفيه
عرض لدور قريش فى تدمير الاسلام بالفتوحات وبالفتنة الكبرى . ثم أعقبه كتاب عن
مذبحة كربلاء ، وهى التى نتج عنها الفتنة الكبرى الثانية من مقتل الحسين الى مقتل
ابن الزبير ، وتخللها مقتل مروان بن الحكم .
2 ـ مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير كانا معا من أعمدة الفتنة
الكبرى الأولى التى بدأت بمقتل عثمان عام 35 وانتهت بمقتل (على ) عام 40 . وليس
غريبا أن تنتهى حياة أعمدة الفتوحات والفتنة الكبرى بالقتل ، مات ابوبكر بالسُّم ،
واُغتيل (عمر ) ثم (عثمان )، ثم (على ) وقُتل الزبير و طلحة . هؤلاء الأفراد مسئولون
عن قتل مئات الألوف من البشر الأبرياء من أبناء الأمم المفتوحة بالاضافة الى
العرب.
3 ـ الفتنة الكبرى الثانية كان من الممكن تفاديها لولا عبد الله بن
الزبير ـ الذى زجّ نفسه فى الصراع ، وهو بأسرته القرشية من بنى أسد ليس بشىء
مقارنة بفرعى بنى عبد مناف من الهاشميين والأمويين ، علاوة على صفاته الشخصية التى
لا تؤهله للزعامة ، فقد كان بخيلا حسودا جبانا ، بينما تمتع الأمويون بتراث فى
القيادة والسياسة وبموهبة الكرم وشراء الضمائر بالأموال ، وبه فازوا فى صراعاتهم
ضد بنى عمهم الهاشميين ، والذين كانوا أحق منهم بالخلافة طبقا لمفهوم العصر .
إستغل ابن الزبير الظروف السياسية ، من الفراغ الذى حدث بمصرع الحسين، وساعده فى
الظهور إعتزال معاوية بن يزيد بن معاوية ، والشقاق بين الامويين والنزاع بين
قبائل قيس وكلب ، وانضمام قبائل قيس لابن الزبير، وتوسع نفوذه سريعا ، ولكن
سرعان ما عادت الأمور الى نصابها فخسر أمام الأمويين ولقى حتفه ، بعد أن كلّف
طموحه قتل عشرات الألوف من أنصاره وأعدائه ، ، مع انتهاك حُرمة الكعبة ، وبعد أن
ارتكب أخوه مصعب مجازر بقتل مئات الأسرى بلا مبرر.
4 ــ نتذكر هنا الشاعر (عبدالله بن مسلم الهذلي القرشى : ( أبو صخر
) الذى كان موالياً لبني امية ، وكان يعيش فى مكة وقت سيطرة ابن الزبير
عليها . ولو كان ابن الزبير يعرف أصول السياسة لاجتذب هذا الشاعر الى جانبه ببعض
الأموال ، والشعراء وقتها كانوا أجهزة إعلام تسعى على قدمين . ولكن ابن الزبير لم
يبذل جهدا فى إجتذاب هذا الشاعر ، بل عاقبه ابن الزبير بمنع عطائه ( والعطاء هو
المرتب المقرر لكل فرد عربى من خيرات الفتوحات ) . ذهب الشاعر يسأل ابن الزبير عن
السبب : ( فقال له : علام تمنعني حقاً لي ؟ وأنا أمرؤ مسلم ما احدثت
في الاسلام حدثاً ولا اخرجت من طاعة يداً ؟ فقال : عليك ببني أمية فاطلب عطاءك
عندهم ! ) ورد الشاعر بكلمات بليغة فى مدح بنى أمية وتفضيلهم على آل الزبير : (
فقال : إذ أجدهم سبطاً أكفهم ، سمحة أنفسهم ، بذلاً لأموالهم ، وهابين
لمجتديهم ، كريمة اعراقهم ، شريفة اصولهم ، زاكية فروعهم ، قريباً من
رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبهم وسببهم ) ثم دخل فى التعريض بآل الزبير فقال :
( ليسوا بأذناب ولا شائط ولا اتباع ، ولا هم في قريش كفقعة القاع ،
لهم السؤدد في الجاهلية ، والملك في الاسلام ، لا كمن لا يعد في عيرها
ولا نفيرها ، ولا حكم اباؤه في نقيرها ولا قطميرها . ليس من احلافها
المطيبين ولا من سادتها المُطعمين . ولا جوادها الوهابين , من هاشمها المنتخبين ,
ولا عبد شمسها المسودين , كيف نقابل الرؤس بالأذناب ؟ أين النصل من الجفن .
والسنان من الزج . والذنابي من القدامي ؟ ) ثم هاجم عبد الله بن الزبير وبُخله
فقال : ( كيف يُفضل الشحيح على الجواد ؟ والسوقة على الملك ؟ والمُجيع بخلاً
على المطعم فضلاً ؟ ) . تقول الرواية : ( فغضب ابن الزبير حتى ارتعدت فرائضه .
وعرق جبينه واهتز من قرته الى إلى قدمه وامتقع لونه ثم قال : يا ابن البوالة على
عقبيها , يا جاف يا جاهل . أما والله لولا الحرمات الثلاث : حرمة الاسلام
وحرمة الحرم , وحرمة الشهر الحرام لأخذت ما فيه عيناك . ثم أمر به الى سجن
عارم فحبس فيه مدة . ثم استوهبته قريش وهذيل و(من ) له في قريش خوولة في هذيل .
فأطلقة بعد سنة . وأقسم ألا يعطيه عطاءً مع المسلمين أبدا فلما كان عام الجماعة
وولي عبدالملك وحج فلقيه ابوصخر . فلما رآه عبدالملك قربه وأدناه وقال : " لم
يخف علي خبرك مع الملحد ولا ضاع لك عندي هواك ولا موالاتك " فقال :
" اذا شفى الله نفسي ورأيته قتيل سيفك . وصريع أوليائك . مصلوباً مهتوك
الستر مفرق الجمع فما ابالي ما فاتني من الدنيا." ) .
كان لقب عبد
الله بن الزبير هو ( الملحد ) بسبب إنتهاكه حُرمة البيت ، وتحويله الى ساحة صراع
ما لبث أن تحول الصراع السياسى الى صراع حربى أسفر عن تدمير الكعبة .
5 ـ هذه الفتنة الكبرى الثانية من المسكوت عنه ، مع أن آثارها لا
تزال سائدة سارية . ولهذا عُنى الباب الأول من هذا الكتاب بتجلية هذه الفتنة
بأحداثها ووقائعها وأبطالها ، ثم توقف الباب الثانى مع آثارها السيئة أخلاقيا
ودينيا .
6 ــ ونزعم أن هذا الكتاب يسدُّ نقصا فى المكتبة العربية ــ
أُسوةّ بكل ما نكتبه فى تاريخ المسلمين ـ وهذا الكتاب بالذات يبرز المسكوت عنه من
أحداث مجهولة وآثار دينية مجهولة ــ مع خطورتها ـ ثم إنه يسير مع شخصيات
تاريخية مجهولة كانت فاعلة وقتها .
7 ـ وأهلا بكم مع هذه الصفحة السوداء المجهولة من تاريخ السلف
الصالح ، الذى لا يزال حيا فى عصرنا بما تفعله منظمات الوهابية ، وأبرزها داعش .
خاتمة الكتاب
1 ـ القارىء لهذا الكتاب تفاجئه فظائع لم يكن يتوقعها وشخصيات لم
يكن يعرفها ، ويتعرف على تاريخ مسكوت عنه للسلف الصالح مكتظ بالأوحال . والسؤال
الذى يتبادر للذهن هو الى متى يظل هذا التاريخ مسكوتا عنه ؟ الى متى يظل التهليل
للخلافة وإعتبارها إسلامية وهى ( عمل سياسى ) إستغل كل الوسائل مشروعة وغير مشروعة
فى الوصول الى الحكم أو الاحتفاظ به ؟ وقد وصلت هذه الوسائل الى أسفل سافلين فى
هذه الفتنة الكبرى الثانية ( المجهولة ) ؟
2 ــ ما تفعله ( داعش ) اليوم هو تكرار ( مهذّب ) للفتنة الكبرى
الثانية .
وللقارىء لهذا
الكتاب ـ بعد زوال داعش ـ نقول إنها منظمة وهابية إستغلت ظروفا سياسية محلية
واقليمية ودولية لأن تنشىء لها دولة ( متحركة ) بين الرقة والموصل فى سوريا العراق
، وأطلقت عليها ( الدولة الاسلامية فى العراق والشام : داعش ). وأفزعت العالم
بتكرار ما كان يفعله الخلفاء فى العصور الوسطى .
3 ــ ستنتهى داعش، ولكن ستظهر منظمات أخرى تحاول إستعادة عصر
الخلافة (الاسلامية ) ، طالما يظل الحمقى متمسكين بإطلاق إسم الاسلام على الحركات
التى تستغل إسمه فى السياسة ، وطالما يظل تاريخ الخلفاء الحقيقى مسكوتا عنه ممنوعا
من العرض ومن النقد . وطالما لا يتم إصلاح دينى حقيقى وإصلاح حقيقى فى مناهج
التعليم خصوصا فى التاريخ والمواد الدينية .
4 ــ الى متى يظل المسلمون يدفعون الثمن فى حمامات دم متواصلة ؟
والى متى يظل شبابهم مشدودين الى ماض مكتظ بالدم بدلا من إستشراف المستقبل ؟
نعرف أننا ــ
كالعادة ـ نصرخ فى الفراغ ، ونعرف أننا نخاطب من لا يسمع ولا يعقل ومن لا يهتم ،
ولكن لا يزال لنا أمل فى المستقبل . ومن هذا الأمل أن يأتى جيل يعرف أننا قضينا
حوالى أربعين عاما نناضل فى سبيل إصلاح سلمى للمسلمين ، والآن ــ وقد مضى قطار
العمر ـ فقد تواضعت أحلامنا لتصبح مجرد إعلام الأجيال القادمة بنضالنا الذى يتعرض
للتعتيم والتحقير .
5 ـ وإذا ضاع عملنا فى هذه الدنيا هباءا فإننا نرجو من الله جل
وعلا ألّا يحرمنا أجرنا يوم الحساب ، وسبحانه جل وعلا الذى لا يضيع أجر من أحسن
عملا .
والله جل
وعلا هو المستعان
أحمد صبحى منصور:
فرجينيا ـ
الولايات المتحدة :
الاربعاء 13
ابريل 2016
2016
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=14635
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire