dimanche 4 septembre 2016

نظرة تحليلية و نقدية لنظرية الثورة العربية - عصمت سيف الدولة



 و بقيت نظريات العرب و المسلمين حبر على ورق لان القلة التي بيدها السلطة فاسدة و متحالفة مع قوى الاستكبار العالمي لكل منهم مصلحته في بقاء الامة العربية مشتتة و خيراتها منهوبة



اكتب 
ان العرب
 لا يطالعون الكتب
فلا تضحك و لا تعجب
و لا تسأل عن السبب
لان الاكثرية ابناء الكلب
و القلة قرود لا يحسنون غير اللعب
كتب عليهم الشقاء و العذاب
 
غفاري سلاطني




نظرية الثورة العربية - عصمت سيف الدولة


من هو عصمت سيف الدولة ؟
هو مفكر عربي  من مصر ولد في 20 اوت 1923 بالصعيد المصري و توفي في ذكرى يوم الارض يوم 30 مارس 1996 ..

حصل على ليسانس الحقوق عام 1946 م  من  جامعة  القاهرة  ثم على دبلوم الدراسات العليا  في الاقتصاد السياسي عام 1951 م  ، ودبلوم الدراسات العليا  في القانون العام عام 1952 م من جامعة القاهرة ، ودبلوم الدراسات العليا في القانون عام 1955 م من جامعة باريس ، ثم الدكتوراة  في القانون 1957م  من جامعة باريس .  
وقع القبض عليه في أول أيام حكم السادات بتهمة التخطيط لإنشاء تنظيم قومي هدفه قلب أنظمة الحكم في الوطن العربي ،  فاعتقل لأول مرة في 1972 ، ثم  في عام 1981 م .

من أهم مؤلفاته  :  نظرية الثورة العربية  المتكوّنة من سبعة اجزاء 
- مشكلة الأسلوب - عصمت سيف الدولة


نظرية الثورة العربية 13 - مشكلة الأسلوب - عصمت سيف الدولة



-3-
الاسلوب

66- مشكلة الاسلوب :

قد لايختلف اثنان من التقدميين في الوطن العربي على الغاية التي انتهينا اليها : دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية . ولكنهما يختلفان ، ويختلف كثير غيرهم ، في الاجابة على السؤال : كيف تتحقق ؟ وهذه هي " الثغرة القاتلة " تفتك بأمل الشعب العربي في إقامة دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية وتبقيها شعاراً من كلمات مرصوصة تتعثر خطوات الذين يريدون أن يحققوه في الواقع العربي لأنهم لا يتفقون على " كيف " يتحقق . وهي ثغرة قاتلة على المستوى الفكري وعلى مستوى الممارسة كليهما .
فعلى المستوى الفكري نجد في الوطن العربي " أساتذة " في فلسفة الحرية ، وأساتذة في النظريات القومية ، وأساتذة فيالمذاهب الاشتراكية ، يستطيع كل منهم – وقد استطاعوا فعلاً – أن يكسبوا " لدولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية " –كغاية – قبول أعرض الجماهير العربية الواعية . واستطاعوا – فعلاً – أن يملأوا المكتبة العربية الى حد التخمة بدراسات عن التحرر وعن القومية وعن الاشتراكية برروا بها دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية بكل حجة ، وأكدوا ضرورتها بكل منطق . واستطاعوا – فعلاً – أن فرضوا في مواجهة أي شعار آخر سيادة الشعار المثلث الذي يرمز الى دولة دولة المستقبل . فهو يتردد في كل مكان من الوطن العربي ، وترفعه قوى كثيرة من الشعب العربي . ومع هذا أو بالرغم من هذا ، فليس في الفكر القومي دراسات كافية أو وافية تجيب على السؤال : كيف تقوم دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية في الوطن العربي .
وقد عرفنا مصدر هذه الثغرة القاتلة عند حديثنا عن الخطر الحقيقي لأزمة " المنهج " في الفكر القومي وقلنا أنه " يتمثل فيما يسببه القصور في الفكر القومي من اضطراب داخل الحركة القومية ذاتها . حيث تؤدي غيبة المنهج في الفكر القومي التقدمي الى عجزه عن توحيد القوى العريضة التي تتبناه وترفع شعاراته وتتحرك على هديه . فنرى الناس ، أغلب الناس ان لم نقل كلهم تقريباً متفقين على ان غايتهم الحرية والوحدة والاشتراكية او أياً ما كان ترتيب الكلمات ما دامت تعني معاً اقامة دولة الوحدة الاشتراكية الديموقراطية في الوطن العربي . فإذا ما تحاوروا مع غيرهم ، أو فيما بينهم ، نرى الكلمات الواحدة وقد أصبحت ذات دلالات مختلفة . فلا يتفقون على مفهوم الحرية ولا على الطريق اليها . ولا يتفقون على الطريق الى الوحدة ولا على بنائها الدستوري . ولا يتفقون على مضمون موحد للاشتراكية ولا على كيفية بنائها في الوطن العربي . ولا يعنون – حتى مجرد عناية – بالاتفاق على فهم واحد لتلك المشكلة بالغة الخطر والخطورة ونعني بها مشكلة الديموقراطية . ثم ، وهذا أخطر ما في الأمر ، لا يتفقون على العلاقة بين الحرية والوحدة والاشتراكية ، لا على المستوى الفكري ولا على المستوى التطبيقي . كل هذا وهم يتحركون في اتجاه الحرية والوحدة والاشتراكية كما يفهمها كل فريق منهم فإذا بهم عاجزون عن ان يلتقوا في قوة مناضلة واحدة أو حتى على أن يجنبوا قواهم الصدام والصراع فيما بينهم لأن غيبة المنهج في الفكر القومي التقدمي الذي يرفعون – جميعاً – شعاراته تحول دون أن يلتقوا على نظرية قومية تقدمية واحدة يحتكمون اليها فعلاً يختلفون فلا يبقى إلا ان يحتكم كل فريق الى " نظريته "الخاصة ويحاكم بها رفاقه . فنرى القوميين التقدميين في الوطن العربي فرقاً موحدة الغايات موحدة الشعارات ممزقة الصفوف " ( فقرة 16 ) .
ان غيبة المنهج اذن هي التي حالت دون أن يستكمل الفكر القومي التقدمي بناءه بنظرية في الاسلوب . لأننا عندما لانعرف كيف وصلنا الى الغايات فكرياً لا نعرف كيف نحققها في الواقع . إذ المنهج هو منطق فهم الواقع والتعامل معه .
أما على مستوى الممارسة فإن مشكلة الاسلوب تكاد تشوه الغايات العظيمة التي يناضل من اجلها الشعب العربي . فتحت شعار الحرية والوحدة والاشتراكية ، أو الحرية والاشتراكية والوحدة ، او الحرية والوحدة والاشتراكية … أو اياً ما كان ترتيب الكلمات – وهو ترتيب يفضح الاختلاف في الاسلوب كما سنرى – يقدم الشعب العربي منذ عشرين عاماً تضحيات هائلة من وقته وجهده وماله وحياة أبنائه فيثبت بهذا استعداده للبذل في سبيل غاياته ومقدرته الفذة على احتمال متاعب الطريق اليها . ومع هذا ، او بالرغم من هذا ، لا يتقدم الى تلك الغايات بالقدر المتكافيء مع تضحياته . ان المثل الصارخ لهذا هو ما قدمه الشعب العربي من تضحيات حية في معاركه ضد الصهيونية . من قبل سنة 1948 ومنذ سنة 1948 استشهد عشرات الالوف من الشباب العربي وتشرد الملايين بدون ان تتحقق غايتهم العادلة النبيلة . الغاية واضحة والتضحيات بطولية ، مرجع الفشل اذن الى الاسلوب . وفي غير ساحة فلسطين يرى الشعب العربي مأساته اليومية المتكررة في مشكلة الاسلوب . النضال من أجل التحرر باسلوب الاستبداد في المناضلين حتى يكاد الناس يكرهون تلك الحرية التي يتذرع بها المستبدون . النضال من أجل الوحدة باسلوب الاقليمية المستغلة حتى يكاد الناس يكرهون تلك الوحدة التي يفرضها الاقليميون . النضال من اجل الاشتراكية باسلوب القهر الديكتاتوري حتى يكاد الناس يكرهون تلك الاشتراكية التي تفرض عليهم قهر الحاكمين . النضال من اجل دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية باساليب شلل واحزاب لا هي واحدة ولا هي ديموقراطية ولا هي اشتراكية حتى يكاد الناس يكفرون بدولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية .
ويكاد كل هذا ان يؤدي بالشعب العربي الى ردة يائسة عن تلك الغايات العظيمة التي جنى عليها الاسلوب واختلط بها فشوهها . والاسلوب كالقبضة الملوثة تترك بصماتها الشائهة على ما هو نقي فتشوه نقاءه . والشعب العربي معذور . في أن يكره التحرر المختلط بقبضة الاستبداد . وان يكره الوحدة المختلطة بقبضة الاستغلال . وان يكره الاشتراكية المختلطة بقبضة الديكتاتورية . لأن غاية الشعب العربي – كأي شعب آخر – ان يتحرر من قيود الماضي ليصبح حراً في بناء المستقبل . فما الذي يجنيه من ثمار تضحياته في كسر قيود الاستعمار الخارجي اذا كبل بقيود الاستعمار الداخلي ؟ …
وماالذي يجنيه من فك حصار الاقليمية اذا حاصر ، الاستغلال في دولة الوحدة ؟ .. وما الذي يجنيه من ثمار تضحياته في تصفية الاقطاع والرأسمالية اذا عادت تقهره وتستغله الديكتاتورية ؟ … لا يجني شيئاً . وعندما نرى الشعب العربي " لايبالي "بوعود الحرية من أفواه المستبدين ، ووعود الوحدة من أفواه الاقليميين ووعود الاشتراكية من أفواه دعاة الديكتاتورية ، فلا ينبغي ان نتهم ذكاؤه . انه في لا مبالاته اذكى من الواعدين واذكى من الذين يصدقونهم . انه معذور ولكن الردة خطأ خطر .
خطأ لأن الرد الصحيح على الخطأ هو التصحيح . وإذا كان اسلوب الاستبداد يشوه هدف التحرر فليسقط الاستبداد من أجل التحرر . وإذا كان اسلوب الاقليمية يشوه هدف الوحدة فلتسقط الاقليمية من اجل الوحدة . واذا كان اسلوب الديكتاتورية يشوه هدف الاشتراكية فلتسقط الديكتاتورية من اجل الاشتراكية . ومن يدري . ربما كانت الغاية الخفية لمن يشوهون التحرر بالاستبداد أن يرتد الناس عن الوحدة . ربما كانت الغاية الخفية للديكتاتورية أن يرتد الناس عن الاشتراكية . ربما كانت غاياتهم جميعاً أن ترتد الجماهير عن غاياتها فهم يخلطونها بأساليبهم الرديئة ليرتد الناس عنها لا أكثر . ولعل أعدى أعداء " الحرية والوحدة والاشتراكية " هم الذين يرفعون الشعار ليختلطوا بأصحاب المصلحة فيه ثم يدسون عليه أساليبهم ليحولوه الى شعار للفشل . إن العدوان الشرس الذي تشده قوى عاتية ضد الأمة العربية وأساليبها بالغة الخفاء والالتواء في هزيمة هدف الوحدة الديموقراطية الاشتراكية ليثير في أذهاننا هذا الظن وبعض الظن اثم ولكنه ليس اثماً كله . على أي حال فإن الردة ليست خطأ فقط بل هي خطر ذو آثار مدمرة . إذ أن الساحة العربية ليست خالية من القوى التي تريد وتعمل ولا تيأس او ترتد عن فرض سيطرتها على الشعب العربي ومصادرة مستقبله لحسابها . وعندما تتراجع قدم عربية تقدمية عن موقع كسبته لن يبقى الموقع خالياً بل ستحتله قوى معادية متربصة . إن تتراجع عن موقع كسبته على الطريق الى التحرر تحتله القوى الصهيونية والاستعمارية . وان تتراجع عن موقع كسبته على الطريق الى الوحدة تحتله القوى الاقليمية . وان تتراجع عن موقع كسبته على الطريق الى الاشتراكية تحتله القوى الرجعية . والتراجع اشد خطراً من التوقف . التوقف عجز عن التقدم أما التراجع عن الغاية فهو انهزام نسلم به المستقبل العربي الى اعداء الأمة العربية .
ثم لماذا اليأس أو التراجع أو حتى التوقف ؟ . إننا لسنا اول شعب في التاريخ يناضل من أجل تقدمه . وإذا كنا قد فشلنا فمن قبلنا فشلت شعوب كثيرة قبل ان تتعلم كيف تتقدم . وإذا كنا نريد ان ننجح فمن قبلنا نجحت شعوب كثيرة فتقدمت . ثم انه لا حيلة لنا – مثل كل الشعوب – في حتمية التقدم . إن اليأس او التراجع لن ينهي مشكلاتنا الاجتماعية . نحن نهرب وتظل هي قائمة إلى أن تضيق بنا ، أو بأبنائنا ، الحياة في المهرب ، فنضطر أو يضطرون الى العودة لمواجهة ذات المشكلات بعد أن تكون قد أصبحت أكثر تعقيداً . فإذا كنا نفتقد معرفة الاسلوب الذي نتقدم به الى غايتنا العظيمة ، دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية ، فلنضاعف جهودنا لمعرفته . وعندما نعرفه نلتزمه . عندئذ لا نيأس فنرتد ، ولا نعجز فنتوقف ، بل نتقدم أبداً . ولو فعلنا لتبين لنا أن نظرية الاسلوب تكاد تبلغ من فرط بساطتها حد البدهية ، وان كل ما نحن مطالبون به هو ان نقبل التعامل مع القوانين الموضوعية التي تضبط – حتماً – حركة الاشياء والظواهر . وهو ما يقتضي – قبل كل شيء – أن نكف عن المحاولات المثالية لفرض أهوائنا على الواقع الموضوعي . وان يكون لنا منهج فنلتزمه .
ولقد عرفنا من قبل أثر غيبة المنهج في الممارسة . وقلنا : " ان الحساب الختامي لأية مسيرة غير عقائدية خسارة فادحة . وانه ما دامت حركة المجتمعات منضبطة بقوانين حتمية معروفة او تمكن معرفتها ، وان معرفة تلك القوانين وشروط فعاليتها لازمة لامكان تغيير الواقع الاجتماعي ، فإذا كنا قد فشلنا مرة ، ومرة ، ومرات فإن هذا لا يعني أن نصر على التجريب في حياة الناس ، بل يعني أن علينا ان نبذل جهداً اكبر في معرفة كيف نغيّر واقعنا ، وان المصدر الأساسي للفشل لم يكن خطأ في الممارسة وخطأ في القومية أو خطأ في الاشتراكية ولكن مرجعه أن الفهم الليبرالي للقومية لا يعلمنا العلاقة بين الوحدة والاشتراكية فيبقى الموقف القومي من الاشتراكية مفتقداً أساسه الفكري . وان المنهج التجريبي في الاشتراكية لا يعلمنا العلاقة بين الاشتراكية والقومية فيبقى الموقف الاشتراكي من الوحدة مفتقداً أساسه الفكري . وان هذا القصور في النظرية قد سمح بان تختلط بالقوى القومية التقدمية ، داخل الحركة القومية ، قوى رأسمالية متراجعة أو لا قومية متراجعة أو انتهازية ترفع جميعاً شعارات واحدة وتحتفظ كل منها بفهم خاص وتفسير خاص للشعارات الموحدة . فإذا بالحركة القومية المنتفخة بقواها غير قادرة على تحقيق شعاراتها أو حتى على أن تجمع في قوة واحدة جماهيرها العريضة . وان الفشل المتكرر يعني أن ثمة خطأ ما في المسيرة كلها لا يكفي لتصحيحه مجرد الجمع في شعار واحد بين الحرية والوحدة والاشتراكية . فلا بد لنا من نظرية لتغيير الواقع أكثر وضوحاً وأكثر بلورة وأكثر مقدرة على فرز القوى المختلطة في داخل الحركة القومية . نظرية نلتقي بها في قوة واحدة ولوكانت أقل عدداً . ونلتزم فيها بخطة واحدة ولوكانت أطول مدى . وتقود خطانا ولو كانت أبطأ حركة . فإننا حينئذ سنتقدم تقدماً مطرداً بدلاً من ان نقفز الى الأمام لتعود فنقفز الى الخلف و لا نتقدم إلا قليلاً . وان علينا ان نهتدي الى هذه النظرية ولو اقتضى هذا أن نراجع كل ما نعرف عن القومية وكل ما نعرف عن الاشتراكية . وما دمنا نريد أن نغير واقعنا العربي المجزأ سياسياً المتخلف اقتصادياً فلا ينبغي لنا أن نسلم بنظرية في القومية لا تعلمنا كيف نحقق الاشتراكية أو نظرية في الاشتراكية لا تعلمنا كيف نحقق الوحدة . وغذا اقتضى الأمر نبحث في مستوى أعمق من هذا لعلنا نعرف لماذا تفشل تلك النظريات في تعليمنا كيف نغير واقعنا العربي فتفشل مسيرتنا بالرغم مما نبذل من جهد وما نقدم من تضحيات . واول ما يجب ان نعرفه هو كيف عرف أصحاب تلك النظريات في القومية أو في الاشتراكية أن القومية أو الاشتراكية هي – حقيقة – على الوجه الذي قالوه وتعلمناه منهم . فعلّنا نعرف من حقيقة القومية أو الاشتراكية غير ما يعرفون . أي علينا ان نعرف ونختبر مناهجهم قبل أن نقبل أو نرفض نظرياتهم وقبل أن نمارسها أو نجربها في تغيير الواقع العربي " ( فقرة 6 ) .
وهكذا كانت غيبة نظرية في الاسلوب على المستوى الفكري وفشل الاسلوب التجريبي على مستوى الممارسة هو الذي حملنا على تلك المراجعة لمنطلقاتنا وغاياتنا وعلى ان نعود فنبدأ من جديد بحثاً عن المنهج . فكأن كل ما قلنا كان بحثاً عن حل لمشكلة الاسلوب . ولقد بدأنا بذلك المنهج بسيط الكلمات ( جدل الانسان ) وحملناه معنا في كل سطر من فقرة وفي كل فقرة من موضوع فحددنا به منطلقاتنا وحددنا به غاياتنا وأجبنا به على كل الاسئلة التي خطرت لنا خلال الحديث . غير ان هذا كله أصبح معلقاً على صحة الاجابة على السؤال الذي يصل الفكر بالواقع وتتحول به الغايات الى حياة : كيف نحقق دولة الوحدة الديموقراطية الاشتراكية في الوطن العربي . ولقد أعدنا كل هذا لنعرف أمراً على جانب كبير من الأهمية : ان الاسلوب ليس متروكاً للاجتهاد الفردي في ساحة الممارسة ولكنه جزء من النظرية التي نلتقي عليها ونلتزم بها ونحتكم اليها . وعلى اساس الالتزام بالمنطلقات والغايات والاسلوب معاً تفرز " القوى " كل يلتقي على نظريته ويلتزم بها ويعمل على تحقيقها في الواقع باسلوبها . وعندما تفرز " القوى " تكون كل واحدة منها أقدر بذاتها على تحقيق غاياتها منها وهي مختلطة بغيرها تحت ستار وحدة الحلول الصحيحة للمشكلات الاجتماعية . وهذا الفرز هو اول خطوة في سبيل حل مشكلة الاسلوب .
كيف ؟

67 – لتفرز القوى :

عرفنا منذ بداية الحديث انه " مهما يكن مضمون التغيير الذي نريد أن نحدثه في الواقع فهو اضافة غير قابلة للتحقق بدون عمل الانسان " ( فقرة 2 ) . ولن نعرف كيف تحل مشكلة الاسلوب حلاً صحيحاً إذا نسينا لحظة واحدة هذه القاعدة التي ترمز إليها دائماً بشعارها : " الانسان أولاً " . أي لن نعرف كيف تحل مشكلة الاسلوب حلاً صحيحاً إلا إذا تحررنا نهائياً من تأثير الفكر المادي الذي يرجع حركة التطور الاجتماعي الى عوامل مادية فيوحي الينا بأن التغييرات المادية تخلق – عن طريق الانعكاس – البشر على صورتها ، فيخلط بين التغييرات التلقائية في حركة المجتمعات وبين حركة تطويرها من منطلق معين الى غاية محددة بفعل وعي الانسان ومقدرته على العمل ، ثم لما أن طبقنا تلك القاعدة على المجتمعات عرفنا أن " الناس هم أداة التطور الاجتماعي ولا يتم التطور الاجتماعي إلا إذا ، وبقدر ما ، شارك الناس في طرح المشكلات الاجتماعية ومناقشتها ومحاولة معرفة حلولها الصحيحة والمساهمة في العمل اللازم والمناسب لحلها " ( فقرة 18 ) . لقد عرفنا في هذا قانون التطور الاجتماعي " المعرفة المشتركة بالمشكلات الاجتماعية والرأي المشترك في حلها والعمل المشترك تنفيذاً للحل في الواقع الاجتماعي فتتحقق به اضافة تحل بها المشكلات الاجتماعية وتثور بها مشكلات جديدة فتحل وهكذا " ( فقرة 18 ) . ولن نعرف كيف تحل مشكلة الاسلوب حلاً صحيحاً اذا نسينا لحظة واحدة هذا القانون الذي نسميه " الجدل الاجتماعي " . أي لن نعرف كيف نحل مشكلة الاسلوب حلاً صحيحاً إلا إذا تطهرنا نهائياً من رواسب الفكر الليبرالي الذي علمنا دهراً أن " المبادرات الفردية " هي أسلوب التطور الاجتماعي اتكالاً على ان مصلحة المجتمع ككل ستتحقق تلقائياً عن طريق تحقيق كل واحد مصلحته ( فقرة 5 ) . ولعل هذه الرواسب الليبرالية هي التي حرمت الفكر القومي التقدمي من دراسات في الاسلوب مساوية أو مقاربة لزحمة الدراسات في القومية وفي الاشتراكية . ذلك لأن لكل " ليبرالي " اسلوبه الخاص فهو لايرى ضرورة لدراسة مشكلة اسلوب تحقيق الغايات الاجتماعية ونستطيع أن نقطع بأن تلك الرواسب الليبرالية هي التي تستغني عن التزام اسلوب محدد من قبل بالثقة في " شطارة " القادة في حل مشكلات الممارسة . على أي حال فإنه طبقاً لنظريتنا يتم التطور الاجتماعي عن طريق " النشاط الجماعي المشترك " ولا يتم إلا عن طريق " النشاط الجماعي المشترك " .
مشترك بين من ؟
مشترك بين كل الناس في أي مجتمع . " إذ لا وجود في المجتمع لما يسمى المشكلات الخاصة ، ان كل المشكلات التي يواجهها أي انسان في حياته هي مشكلات اجتماعية في حقيقتها الموضوعية " ( فقرة 18 ) . فكل انسان في المجتمع شريك في صنع مستقبل مجتمعه وليست هذه دعوة الى الناس ليشتركوا في حل مشكلاتهم الاجتماعية لأنهم مشاركون فعلاً ولا يستطيعون إلا أن يشاركوا . لأن " الناس في أي مجتمع بحكم أنهم بشر ( بحكم قانونهم النوعي ) لا يكفون ولا يستطيعون ان يكفوا عن معاناة مشكلاتهم حتى لو لم يعرفوا حقيقتها الاجتماعية . ولا يكفون ولا يستطيعون أن يكفوا عن محاولات اكتشاف حلولها الصحيحة حتى لو كانوا عاجزين عن اكتشافها . ولا يكفون ولا يستطيعون ان يكفوا عن العمل الذهني أو المادي ، الايجابي أو السلبي ، الذي يعتقدون انه يحل مشكلاتهم حتى لو لم يكن هو العمل المناسب لحل تلك المشكلات . اشتراك الناس اذن في محاولات تغيير الواقع الاجتماعي حتمية لا يستطيعون ان يكفوا انفسهم عنها ولا يستطيع أحد ان يكفهم عنها . وإنما المسألة هي ما اذا كان هذا النشاط الذي يقوم به الناس يؤدي الى حل مشكلاتهم فعلاً أم انه يبدد طاقاتهم في محاولات فاشلة لحلها " ( فقرة 18 ) .
هذه هي المسألة ، وفيها عقدة مشكلة الاسلوب ونظرية حلها معاً . مشاركة الشعب في حل مشكلاته الاجتماعية قائمة ولا يمكن الغائها فكيف يمكن أن تؤدي هذه المشاركة القائمة الى حل المشكلات الاجتماعية فعلاً فلا تهدر طاقات الناس بدون ثمرة يجنونها ؟ .
نحن نعرف انه " مادام الواقع الاجتماعي محدداً موضوعياً فإن الحل الصحيح لأية مشكلة اجتماعية محدد موضوعياً .. مؤدى هذا ان كل مشكلة اجتماعية لها حقيقة واحدة مهما اختلف فهم الناس فيها وبصرف النظر عن مدى ادراك صاحبها لحقيقتها . وان اية مشكلة اجتماعية ليس لها إلا حل صحيح واحد في واقع اجتماعي معين في وقت معين " ( فقرة 18 ) . وعندما يتفق " كل " الناس على حقيقة المشكلات الاجتماعية وحلولها الصحيحة يكون " الجدل الاجتماعي " في أوج فعاليته .ولكنهم – في أي مجتمع – لايتفقون ، ولا يمكن ان يتفقوا على " كل " المشكلات وحلولها الصحيحة . أما انهم لا يتفقون فلأنهم لا يستوون مقدرة على الجدل بالرغم من أنهم جميعاً جدليون . يختلفون في المقدرة على ادراك المشكلات الاجتماعية . ويختلفون في المقدرة على معرفة حلولها الصحيحة . ويختلفون في المقدرة على العمل المناسب لحلها . والذين يدركون المشكلات الاجتماعية قد لا يعرفون حلولها الصحيحة . والذين يعرفون حلولها الصحيحة قد لا يستطيعون تنفيذها في الواقع . ولما كان التناقض الجدلي بين الواقع وارادة الانسان يثور في الانسان نفسه " فلا " يستطيع أي انسان ان يستهدف من نشاطه غير التحرر من حاجته كما يعرفها في ذاته " ( جدل الانسان ) ، فإن كل فرد من الشعب يعي حلول المشكلات الاجتماعية على ضوء وعيه حاجاته ( وعيه مصلحته ) . ولا يستطيع أي انسان أن يفعل غير هذا . وفي الحاجات لا يستوي الناس كما لا يستوون في العلم أو الثقافة أو المقدرة على العمل ، فهم لا يتفقون . اما انهم لا يمكن ان يتفقوا على " كل " المشكلات الاجتماعية وحلولها الصحيحة فلآن المشكلات الاجتماعية ليست محدودة ولا ثابتة بل هي متعددة ومتغيرة ومتجددة ابداً ، وما أن تحل مشكلة حتى تثور مشكلة أخرى تحتاج الى وعي جديد وعلم جديد وجهد جديد . ومهما كثرت المشكلات التي يتفق الناس على حلولها في مجتمع معين في وقت معين فإن التطور الذي لا يتوقف يطرح عليهم في كل يوم مشكلات جديدة تكون بينهم محل خلاف الى ان يتفقوا ليختلفوا في مشكلات جديدة … وهكذا . ثم ان حاجات كل انسان هي الاخرى متعددة ومتغيرة ومتجددة فقد يتفق ولو مع واحد على واحدة منها ويتفق مع آخر على واحدة أخرى ويظل مختلفاً معهما على مشكلات من نوع آخر وهكذا .
واضح ان هذا الاختلاف بين الناس يعوق فعالية الجدل الاجتماعي في حل المشكلات التي يختلفون فيها . ولكن الجدل الاجتماعي قانون حتمي يعوق الاختلاف بين الناس فعاليته ولكن لا يلغيه وفي قلب هذه الاختلافات بين الافراد يفرض الجدل الاجتماعي حتميته على الجدل الفردي ليحوله الى جدل جماعي الى أن يصبح جدلياً اجتماعياً . وتظل حركة التطور في تقدمها منوطة بهذا الانتقال . تزداد سرعة واطراداً كلما انتقل الجدل من مستواه الفردي الى مستواه الاجتماعي . فيلتقي افراد عن طريق المعرفة المشتركة والرأي المشترك والعمل المشترك ، ( أي عن طريق الجدل الاجتماعي فيما بينهم ) ليتحولوا الى " جماعة " تتميز وتتعدد تبعاً للمضمون الذي التقت عليه ، ولو كان لقاؤها من أجل تحقيق غاية اجتماعية تبرعاً (جمعية خيرية ) أو غاية ثقافية ( جمعية علمية ) أو غاية مهنية ( نقابة ) . الخ . أو كان لقاؤها على رأي واحد في مشكلات التطور الاجتماعي وحلولها الصحيحة . انها كلها " جماعات " مفرزة ومتميزة بمعرفة موحدة للمشكلات الاجتماعية أو لبعضها ورأي موحد في حلولها الصحيحة ، وعمل موحد في سبيل تنفيذ هذه الحلول في الواقع الاجتماعي . فهي كلها " قوى جماهيرية " . جماهير تحولت الى " قوة " من خلال العمل الجماعي لتنفيذ غاية مشتركة . هذا بينما يبقى أكثر الأفراد تخلفاً في العلم أو في الثقافة أو في المقدرة على العمل الجماعي عاجزين عن ان يتحولوا الى " قوة جماهيرية " . يبقون أفراداً ، يتأملون أو يفكرون أو يكتبون أو يؤدون اعمالهم الفردية . يشاركون في حل المشكلات الاجتماعية باسلوب فردي ما ، فهم يشاركون في حركة التطور الاجتماعي ولكنهم لا يقودونها وان حاولوا قيادتها يفشلون .
كأننا نريد ان نقول ان قيادة حركة التطور الاجتماعي منوطة " بالقوى الجماهيرية المنظمة " . لا . نريد أن نقول أكثر من هذا . نريد ان نقول : أولاً – ان التطور الاجتماعي يتم عن طريق الجدل الاجتماعي ( الجدل المشترك ) ولا يتم إلا عن هذا الطريق . لا حيلة لأحد في هذا . ثانياً : ان كل الناس في أي مجتمع يشاركون في محاولة التطور الاجتماعي ويختلفون في مواقفهم تبعاً لوعيهم أو علمهم او مقدرتهم على العمل المناسب بالرغم من وحدة الحلول الصحيحة لمشكلات التطور الاجتماعي . لا حيلة لأحد في هذا . ثالثاً : انه عن طريق العلم او عن طريق معاناة الفشل في الممارسة تتاح للناس فرصة الوعي على قوانين التطور الاجتماعي والتزامها . لا حيلة لأحد في هذا . رابعاً : انه بينما يقف أكثر الناس تخلفاً في العلم او الثقافة أو في المقدرة على العمل . سلبيين من الجدل المشترك تتكون " قوة جماهيرية " واعية . ان الاختلاف في الرأي لا يعني تعدد الحلول الصحيحة وان النشاط الجماعي المنظم هو اسلوب حل المشكلات الاجتماعية فتلتقي وتعمل معاً من أجل غاية اجتماعية واحدة . لا حيلة لأحد في هذا . خامساً : ان أكثر هذه القوى الجماهيرية وعياً بالحقيقة الاجتماعية للمشكلات الاجتماعية وتاثيرها المتبادل ووحدة حلولها في مجتمع معين تلتقي على رأي واحد في تطوير " المجتمع " ككل . سادساً : أن كل هذه القوى الجماهيرية ، اياً كانت غاية نشاطها ، تحاول ان تنفذ في الواقع الاجتماعي ما التقت عليه والتزمت بتنفيذه فهي تؤثر في حركة التطور الاجتماعي . لا حيلة لأحد في هذا أيضاً .
كل هذا قبل ان نقول :
سابعاً : ان تلك القوى الجماهيرية الملتقية على رأي واحد تلتزمه في تطوير المجتمع " ككل " هي أقرب القوى الى معرفة الحقيقة الموضوعية لمشكلات التطور ، وأكثرها اتفاقاً مع قانون الجدل الاجتماعي ، وبالتالي اقدرها على قيادة حركة التطور الاجتماعي . لا حيلة لأحد في هذا .
وهي التي يسمونها أحزاباً .
نرجو ان يكون واضحاً من قولنا المتكرر " لا حيلة لأحد في هذا " ما نعنيه من تأكيد موضوعية ما تدل عليه تلك المقولات من حقائق اجتماعية . موضوعيتها بمعنى انها لا تصطنع وإذا وجدت لايجدي انكارها ، لأنها ليست أكثر من تجسيد لفاعلية قوانين موضوعية في الواقع الموضوعي . كما نرجو أن يكون واضحاً كذلك اننا لا نفاضل بين اشكال القوى الجماهيرية . انما تقاس قيمة كل منها بالغاية التي تقوم عليها . فلا تغني الجمعيات الخيرية عن النقابات المهنية ، ولا تغني النقابات المهنية عن الأحزاب السياسية ، ولا يغني كل هذا عن المؤسسات الدستورية والمنظمات الشعبية التي هي اجزاء من الدولة .
وعلى كل اصحاب غاية اجتماعية ان يختاروا شكل القوة الجماهيرية القادرة على تحقيق غايتهم . ولا سبيل امام الذين يريدون تغيير الواقع العربي لإقامة دولة الوحدة الاشتراكية الديموقراطية إلا أن يلتقوا في " حزب " . وهكذا نواجه – عند اول خطوة على طريق حل مشكلة الاسلوب – مشكلة الاحزاب .

68- مشكلة الاحزاب :

الحزب ، مؤسسة جماهيرية ملتقية على رأي واحد في مشكلات التطور الاجتماعي وحلولها نظرية ) تعمل معاً ( منظمة ) من أجل تنفيذ رأيها ( نظريتها ) في الواقع الاجتماعي . ولما كان التنفيذ في مجتمع منظم ( دولة ) يتم عن طريق صياغة العلاقات الاجتماعية في قوانين عامة وملزمة تصدرها السلطة التشريعية وتنفذها ولو بالاكراه فإن غاية كل حزب ان يتولى السلطة ليترجم نظريته الى قانون . اما ممن يتكون الحزب فمن كل الذين يلتقون على نظريته ويلتزمون بها في الممارسة ويحتكمون اليها عند الاختلاف . وهو ما يعني ان الحزب مؤسسة جماهيرية ذات وجود مستقل عن أي عضو فيها . تلزمه عند الاختلاف رأيها أو تفصله . وما دامت ذات وجود مستقل عن أي عضو فيها فلا بد لها – لتبقى حزباً – من ان تكون ديموقراطية في نظامها الداخلي ، ينفذ رأي أغلبية اعضائها على رأي الاقلية عند الاحتكام الى النظرية . وإلا فإنها تتحول الى مؤسسة " فرد " او " شلة " فتفقد اول ما تفقد سمتها " كقوة جماهيرية " وتصبح جماهير في خدمة فرد او شلة . ولا يهم في الانتماء الى الحزب مصدر الوعي على صحة نظريته والالتزام بها . صحيح ان كل حزب يزعم ان نظريته تمثل الحل الصحيح المحدد موضوعياً للمشكلات الاجتماعية . ولكن الانتماء اليه لا يكفي فيه اتفاق مصلحة أي فرد مع نظريته ، إذ يتعين أولاً ان يعي هذا الفرد ذلك الاتفاق فيقبل النظرية والالتزام بها وينتمي الى حزبه . وعندما ينتمي تصبح مصلحته في تحقيق نظرية حزبه في الواقع الاجتماعي وعندئذ يلتقي على هذه " المصلحة الواحدة " مع كل الذين اكتشفوا في نظرية الحزب الحل الصحيح لمشكلات التطور الاجتماعي . وقد يضحون عندئذ بكل مصالحهم الشخصية او حتى بحياتهم من اجل ان تحل مشكلات مجتمعهم على الوجه الذي يعتقدون انه الحل الصحيح . والحزب المنظم على هذا الوجه قادر دائماً على ان يحجب عضويته عن الذين يطلبونها مخاتلة على اساس تقديره لمدى وعيهم الفكري أو صدقهم في الالتزام والمقدرة على الوفاء به ويدخل في تقديره ظروفهم الشخصية وما يؤثر فيهم ويتاثرون به من مصالح وعلاقات .
ويقال ويتردد ان كل حزب هو حزب " طبقة " . ويكاد هذا القول أن يكون مقبولاً حتى من الذين لايأخذون بالصراع الطبقي . وهو قول موروث من التراث الماركسي له في تاريخ الماركسية جذور تاريخية ، يوم أن كانت دعوة " الطبقة " العاملة الى الالتقاء في حزب سياسي دعوة مقابلة ومضادة لدعوة أخرى ترى اقتصار كفاح العمال ضد الرأسماليين على النشاط النقابي . وكأية مقولة تقطع من جذورها تفقد دلالتها الأصيلة وتصبح مباحة الاستعمال للدلالة على مفاهيم مختلفة أو لا تكون لها دلالة على الاطلاق . والقول بأن كل حزب هو حزب طبقة لا دلالة له . ذلك لأن الحزب كقوة جماهيرية منظمة ملتقية على نظرية في التطور الاجتماعي تعمل على تنفيذها في الواقع لا يمكن ولم يحدث قط ان كان الانتماء اليها مقصوراً على الذين يجمعهم موقع واحد من علاقات الانتاج . لم يحدث قط في التاريخ ، ولا يمكن أن يحدث ، ان وجد حزب يقصر عضويته على من يكون عاملاً أو على من يكون رأسمالياً ، وعندما توجد مثل تلك المؤسسة تصبح " نقابة " تلتقي على مشكلات العمل المهني الذي ينتمي اليه اعضاؤها وهي مشكلات اجتماعية ولكنها ليست مشكلة تطور المجتمع كله . ولا يؤثر في هذا ان تعمل النقابات بالسياسة إذ انها ستكتشف من خلال محاولة حل مشكلات العمل التأثير المتبادل بينها وبين المشكلات الاجتماعية الأخرى . إنما الذي يميز هويتها النقابية هو تركيبها البشري . اقتصاره على اصحاب مهنة واحدة وهذا ما لا وجود له في الأحزاب السياسية ، حتى لو كانت أحزاباً بدأت تاريخها كنقابات ( حزب العمال في انكلترا ) . وإن كان قد يحدث العكس فتقوم الاحزاب السياسية بإنشاء النقابات الحزب الوطني في مصر ) . كما لا يؤثر فيه ان تكون القاعدة العريضة من المنتمين الى الحزب يقومون بعمل واحد ( عمال أو فلاحين أو رأسماليين مثلاً ) وهو النموذج السائد في الأحزاب السياسية ، ولكنه لن يكون حزب طبقتهم ما دام الانتماء اليه مباحاً لكل من يلتزم نظريته بصرف النظر عن موقعه من علاقات الانتاج . ويبدو هذا واضحاً إذا لاحظنا أن قادة الاحزاب وكوادرها هي دائماً من المثقفين . والمثقفون ليسوا طبقة بل هم أفراد متميزون بثقافتهم بصرف النظر عن نوع العمل الذي يمارسونه . لهذا يقال أن كل حزب هو حزب " طبقة " لا من حيث تركيبه البشري ولكن من حيث نظريته ( ايدلوجية ) فلكل طبقة ايديولوجية والحزب الذي يلتقي على تلك الايديولوجية ويناضل من اجلها هو حزب طبقتها بصرف النظر عن تركيبه البشري . ويقدمون هذا تبريراً لكون التركيب البشري لأحزاب الطبقة العاملة ، أي للأحزاب التي تلتزم ايديولوجية الطبقة العاملة ، تنتمي اليه وتقوده عناصر من غير العاملين .
ويتوقف الرأي في كل هذا على الموقف من نظرية الطبقات والصراع الطبقي . وقد سبق ان عرضنا رأياً فيها ( فقرة 28 ) ففرقنا فيه بين المواقف على أساس موقف كل واحد من الحل الصحيح المحدد موضوعياً بالواقع الاجتماعي ذاته . وهو حل واحد وقلنا أن مواقف القوى من هذا الحل لا تستوي فالرجعيون يدافعون عن مصالحهم الخاصة ضد الحل التقدمي الصحيح ولكن التقدميين الملتقين على الحل التقدمي الصحيح لمشكلات التطور لا يناضلون من أجل مصالحهم الخاصة فقط بل يناضلون من أجل تقدم مجتمعهم كله بما فيه هم ، ولكن بما فيه كثيرون آخرون لا يشاركونهم مواقعهم المهنية وقد لا يشاركونهم الرأي أوالنضال . انهم طليعة الشعب كله في حركة تطويره ضد القوى الرجعية التي تقف عقبة في سبيل تطويره . وعندما ينتصرون لا ينتصرون لأنفسهم بل للشعب كله . والذي يحدث في مجتمع معين في مرحلة تاريخية معينة في ظروف اجتماعية معينة أن يدور الصراع بين التقدميين من ناحية وبين القوى الرجعية حول أكثر المشكلات حدة فيبدو كما لو كان الذين تمسهم المشكلات مباشرة هم وحدهم أصحاب المصلحة في حلها التقدمي ، وان هذا الحل هو " ايديولوجيتهم " الخاصة ( الطبقة ) . ولكن الصراع لا يلبث أن يكشف العلاقة الموضوعية والتأثير المتبادل بين تلك المشكلات الحادة وباقي المشكلات الاجتماعية فيستقطب الصراع قوى اخرى فإذا بالفرز قائم على أساس الصراع بين الرجعيين والتقدميين . أي يكتشف الناس في المجتمع ان ما كان يبدو " ايديولوجية " قطاع مهني محدود قد كانت منذ البداية الايديولجية الصحيحة لتقدم المجتمع كله . وعندما يكون هذا متجسداً في قوى جماهيرية منظمة ( احزاب ) ينفضح زيف المقولة الاولى " ان كل حزب هو حزب طبقة " لأن التقدميين جميعاً ، أياً كانت مواقعهم المهنية ، سيلتقون في الحزب التقدمي ويلتزمون نظريته معبرين بذلك عن كونه حزبهم وكونها نظريتهم بالرغم من اختلاف مهنهم . والاحزاب الاشتراكية في كل العالم نماذج نقية لهذا الذي نقول . حينئذ يصبح التمسك بالكلمة الكبيرة المركبة " ان كل حزب هو حزب طبقة " ليس الا تخريباً معوقاً للنضال التقدمي ، لأن تجسده " العيني في الواقع هو تقسيم القوى الملتقية على نظرية واحدة في التطور الاجتماعي ، والملتزمة بتحقيقها في الواقع ، الى اقسام داخلية ، تمهيداً للزعم بان تلك النظرية هي نظرية قسم بعينه دون الآخرين ، وان النضال من اجل تحقيقها في الواقع الاجتماعي هو " بالدرجة الاولى " لمصلحة ذلك القسم ، وبالتالي يجب ان تكون له القيادة ، فلا يؤدي إلا إلى اضعاف وحدة النضال واختلاف تناقضات لا يمكن ان توجد بين الذين يلتقون على نظرية واحدة في مشكلات التطور الاجتماعي ويلتزمون بها . وقد تنشأ تناقضات في مرحلة تاريخية لاحقة ، ويؤدي هذا الى الاختلاف بعد الاتفاق ، فيبقى في الحزب من يبقى ويخرج من يخرج ، وقد ينشق الحزب ذاته الى حزبين او اكثر ، ولكن ما دام الحزب قائماً فهو حزب المنتمين اليه ( من حيث تركيبه البشري ) وهو إما حزب تقدمي فهو حزب الشعب كله ( من حيث ايديولوجيته ) وإما حزب رجعي فهو حزب أصحابه . وفي جميع الحالات لا يكون حزباً إذا كان مقصوراً على من يجمعهم موقف واحد من علاقات العمل ( طبقة ) ، وعندما يكون كذلك يكون " نقابة " ولو أسمى ذاته حزباً . وستكون النقابة دائماً أقل مقدرة من الحزب على حل المشكلات الاجتماعية ، بما فيها مشكلات المنتمين اليها ، فهي لا تغني عنه .
هذا هو الحزب .
وعندما تختلف " القوى الجماهيرية " المنظمة على هذا الوجه في نظرياتها التي تلتقي عليها وتلتزم بها وتحتكم اليها تتعدد الاحزاب في المجتمع الواحد . وبالتالي تتعدد قيادات حركة التطور الاجتماعي ، ويعوق هذا التعدد مقدرة كل منها على قيادة حركة التطور . هل معنى هذا ان الحزب الواحد " أفضل " من تعدد الأحزاب ؟ .
هذا سؤال متردد ولكنه سؤال سخيف . لأن الأحزاب لا تصطنع بل يفرزها الواقع الاجتماعي كما هو . ان كان الشعب مختلفاً في مشكلات التطور الاجتماعي وحلولها الى فريقين ، أو ثلاثة ، أو حتى مائة ، ولكل فريق نظرية متميزة يلتقي عليها ويلتزم بها ويحتكم اليها فهو حزبان او ثلاثة أو حتى مائة . ان هذا لن يدل إلا على ان الواقع الاجتماعي بالغ التخلف ، وقد تكون تلك مأساة ، ولكن الخروج من المأساة لا يكون بإنكارها بل يكون بتغيرها طبقاً للقوانين التي تحكم حركة المجتمعات . هذا مع معرفتنا انه " ما دام الواقع الاجتماعي محدداً موضوعياً … فإن الحل الصحيح لأية مشكلة محدد موضوعياً … مؤدى هذا ان كل مشكلة اجتماعية لها حقيقة واحدة مهما اختلف فهم الناس لها وبصرف النظر عن مدى ادراك صاحبها لحقيقتها . وان أية مشكلة اجتماعية ليس لها إلا حل صحيح واحد في واقع اجتماعي معين في وقت معين " ( فقرة 18 ) . معنى هذا انه مهما تعددت الاحزاب ونظرياتها فإنها اما ان تكون كلها خاطئة ، واما أن يكون من بينها حزب واحد تتفق نظريته مع الحل الصحيح للمشكلات الاجتماعية . ولا يمكن ان تكون جميعاً احزاباً صحيحة النظريات . لا تصح في أي مجتمع الا نظرية واحدة لتطويره وبالتالي لا ينجح في تطويره إلا حزب واحد . ولكن المسألة هي : أي الاحزاب ملتق على النظرية الصحيحة . لو وجهنا هذا السؤال الى حزب لقال أنا . وإذا لم لم يقل ذلك فإنه حزب المنافقين . إذ يستحيل على غير المنافقين أن يقولوا ان رأيهم صحيح وان الرأي المخالف صحيح أيضاً . كل حزب اذن لابد من أن يكون مقتنعاً ، بل مؤمناً ، بأن نظريته صحيحة ، وانها النظرية الصحيحة الوحيدة ، وان الاحزاب الأخرى لا تفعل شيئاً إلا حرمان المجتمع من الحلول الصحيحة التي تتضمنها نظريته وان يكون أحد أهدافه الاساسية تصفية الاحزاب الأخرى ليصبح هو الحزب الوحيد . كل حزب إذن هو من انصار الحزب الواحد . وكل حزب لا يكف عن محاولة الغاء وجود الاحزاب الأخرى ، وإنما تختلف الاساليب تبعاً لقوة كل حزب وللظروف الاجتماعية التي ينشط فيها ، فإما ان يقبل المباراة الديموقراطية بقصد الغاء وجود الاحزاب الأخرى عن طريق امتصاص الناس فيها ، واما بالعنف . وسنتحدث عن هذا فيما بعد ( فقرة 72 ) .
إنما الذي نريد ان نستطرد اليه هنا هو الدفاع عن الاحزاب والحزبية ضد مواقف " مثالية " قائمة في الوطن العربي على أساس التمجيد المطلق أو الادانة المطلقة . وهي مثالية لأنها تمجد أو تدين بدون اجابة عن ، أية أحزاب ؟ ومتى ؟ وأين ؟ ولماذا ؟ … تلك الاسئلة التي تعلمنا من جدل الانسان ألا نفهم شيئاً أو نقيّمه أو نأخذ منه موقفاً الا بعد أن نجيب عليها .
فالغريب في الوطن العربي ، وكم في الوطن العربي من غرائب ، إن " المنظمات الجماهيرية " تملأ الأرض وتنشط نشاطاً جماعياً من أجل غايات تافهة أو حتى مشبوهة فلا يكاد أي حزب في الوطن العربي أن يبلغ في انضباطه التنظيمي وسعة انتشاره " المنظمة الماسونية " . ولا احد يتهم أو يدين العمل الجماعي المنظم وفي الوطن العربي آلاف من " المنظمات الجماهيرية " تنشط نشاطاً جماعياً في المجالات الرياضية ، والثقافية ، والشبابية ، والطلابية ، والنسائية . ولا أحد يتهم أو يدين العمل الجماعي المنظم . هذا مع ان كل هذا النشاط الجماعي المنظم يؤثر بقوة في حركة التطور الاجتماعي سلبياً أو ايجابياً . فهو نشاط تتعدى آثاره مصالح النشطين فيه . وهو مقبول لأنه " الاسلوب العلمي " للقضاء على مرض الفردية وممارسة النشاط الاجتماعي . فإذا ما تجاوز العمل الجماعي المنظم تلك الغايات المحدودة ليقوم على غايات شاملة المجتمع كله ( سياسية ) تتصل بتطوره ونظام تطويره نفزع ونجزع ونتهمه بكل تهمة لأنه عندئذ " حزب " .
وتحت تأثير هذا الفزع يكاد الفكر العربي يقف مشلولاً من خوف الحديث عن مشكلة الاحزاب والحزبية . وقد بلغ الخوف حد خداع النفس . ففي الوطن العربي تمجيد انشائي دعائي " للنضال الجماهيري " لا يتضمن كلمة دفاع عن الحزبية . وفي الوطن العربي زحام من " المنظمات الجماهيرية " السياسية تخاف أن تقول انها احزاب فتسمي نفسها حركات أو جبهات أو منظمات .. الخ . ولا شك أن لهذا الخوف أسباباً تاريخية . اذ أن الحزبية في الوطن العربي قد اقترنت غالباً بالفشل ان الاحزاب " سيئة السمعة " فلا يريد أحد أن يسيء الى " منظمته " فيسميها حزباً . ان تكن جبهة أفضل مع انه من بين كل الذين يسمون أنفسهم جبهة الآن ( يونيو . حزيران . 1970 ) لا توجد جبهة واحدة . ومع أن كلمة " حزب " هي الكلمة العربية الاصيلة التي تدل دلالة صحيحة على ما تدعيه لنفسها تلك المنظمات إن صدقت فيما تدعي . ومع أن " الاحزاب " تملأ العالم بدون أن تجد في اسمها سبباً للخوف أو للتشاؤم . ومع أن الذين أسموا أنفسهم حركات أو جبهات أو منظمات في الوطن العربي لم يكونوا أكثر توفيقاً من الاحزاب الفاشلة . إن دل كل هذا على شيء فعلى أن الفكر العربي لم يتجاوز بعد مرحلة طفولته فهو يخاف من الحقائق أو يتشاءم . والواقع أن كل جماعة منظمة تزعم انها ملتقية على غاية سياسية ملتزمة بتحقيقها وتعمل من اجل تحقيقها هي " حزب " أياً ما كان الاسم الذي تطلقه على نفسها ، ومهما كان عددها . ولما كان تطوير المجتمع المنظم في دولة يتم عن طريق صياغة العلاقات الاجتماعية فيه بقوانين عامة وملزمة تصدرها وتنفذها السلطة ، فإن غاية كل حزب أن يصل الى الحكم في الدولة ليستطيع ان يترجم غايته الاجتماعية عن طريق التشريع الى واقع اجتماعي ، مهما يكن نصيبه من الأمل في أن يصل الى الحكم . وليس في هذا ما يسيء الى أحد . نريد ان نقول ان محاولة الاحزاب تحقيق غاياتها الاجتماعية عن طريق تولي السلطة ليست تهمة فكرية أو سياسية أو اخلاقية . إنما التهمة الحقيقية هي " النفاق " الذي يزعم به أي " حزب " ( ولو أنكر اسمه ) انه منظم من اجل تحقيق غاية سياسية ولكنه " يعف " عن طلب الحكم لتحقيقها . انها الثعالب التي لم تدرك العنب فزعمت انه فاسد . وابعد ما يكون عن الامانة الفكرية أو السياسية أو الاخلاقية أن يتصدى الذين لا يملكون إلا أفكارهم الخاصة التي لا يشاركهم فيها احد ، العاجزون – بالتالي – عن أن ينتظموا في حزب ، لإدانة الاحزاب والحزبية بحجة انها تسعى الى " الحكم " . أولئك هم " المستقلون " . المستقلون بذواتهم عن الشعب . الذين يعرضون انفسهم عرضاً دائماً ، تحت لافتات شهاداتهم " العالية " ، وفي سوق عدم الالتزام بغاية اجتماعية ، ليكونوا خدماً لأي حاكم يشتري كفاءاتهم " ، منفذين أية غاية تستهدفها اية حكومة . وينتقلون من سيد الى سيد ، ومن مبدأ إلى مبدأ ، طليقين من أي التزام فكري أو سياسي ، بعيداً عن " الاحزاب " التي كانت كفيلة بأن تلزمهم – أمام الشعب – موقفاً محدداً فكرياً وسياسياً فتعلمهم كيف تكون مسؤولية الحكم . وعندما يصلون الى مقاعد الحكم يدينون الاحزاب لأنها تسعى الى الحكم . وهي نكتة .
ان " السمعة السيئة " التي اقترنت بالأحزاب في التاريخ العربي الحديث لم يكن مرجعها الى انها كانت " احزاباً " بل كان مرجعها – قبل كل شيء – الى انها لم تكن " أحزاباً " . كانت تجمعات جماهيرية غير منظمة داخلياً حول قيادات غير ملتزمة فكرياً التقت في ملعب السياسة من اجل الاستيلاء على الحكم " لتوزيع " الغنائم أو لتؤجر نفسها رديفاً لمن يستزلي عليه في مقابل بعض ما يغنم . تردد الشعارات البراقة وتلوك الكلمات الكبيرة وتلفق الافكار وتتحدث عن الجماهير كثيراً بدون أن تعرف الجماهير من كل ما تقول ما الذي ستفعله على وجه التحديد فيما لو وصلت الى الحكم . كيف – على وجه التحديد – تترجم افكارها العامة الى قوانين محددة . وما هي ضمانات تنفيذ ما تقول . ان العمل والضمان منوطان بأشخاص القيادة الواعية ، الصلبة ، المخلصة ، المؤمنة … الى آخر هذا الكلام الرخيص المباح لكل قادر على الكلام . وهي قيادات لم تخترها قواعدها بل هي التي اختارتهم . وهي قواعد لا تملك من أمرها إلا حق الطاعة . وهم جميعاً لا يملكون ما يحتمون اليه فيما بينهم إلا " الزعيم " الذي يحكم على كل منهم بقدر إخلاصه لشخصه العظيم . تلك هي التي أسماها أصحابها أحزاباً ، كما ينشئونها يحلونها ثم يعيدون انشاءها مرة أخرى . وتنتقل شعاراتها من النقيض الى النقيض اذا انقض واحد على واحد فتغيرت القيادة ، أو إذا وقعت قيادتها " العبقرية " على كتاب حديث ، أو اهتدت الى ممول مليء ، أو رضي عنها حاكم قوي ، أو واجهت " الفضيحة " التي تستحقها . فعّن لها – بعيداً بعيداً عن القواعد – أن تغير أفكارها أو اصدقاءها أو حلفاءها أو موقفها من النقيض الى النقيض ، وتخفي سوءتها بشعار أكبر . وتنشق القواعد وتتمزق كلما انشقت وتمزقت " الشلة " التي أسمت نفسها قيادة لأنهم جميعاً ليسوا إلا شلة كبيرة أو صغيرة . لا يهم المهم أنهم ليسوا حزباً . فهل من اجل تلك " البثورالمرضية التي انتشرت على جسم الأمة العربية الحي تدان الأحزاب والحزبية ؟ .
ثم أن الوطن العربي عرف في تاريخه الحديث أسوأ انواع الأحزاب لأنه عرف الأحزاب الليبرالية . وكل التهم التي تدان بها الحزبية : التضليل والمناورة والخداع وطلب الحكم بأي ثمن .. الخ . هي قواعد لعبة الأحزاب الليبرالية . إذ كيف يمكن أن يصل الحزب الليبرالي الحكم إلا عن طريق " المنافسة الحرة " التي هي قانون التطور " الطبيعي " الذي يقدسه الليبراليون ؟ .. وكيف يقوم حزب ليبرالي على مبدأ في حين أن مبدأه أن يربح سباق المنافسة الحرة الى " الحكم " الذي يمثل في سوق السياسة " الربح " الذي من اجله يتنافسون في سوق التجارة ؟ يكفي ان نتأمل الحزب الليبرالي لنعرف كيف أنه مؤسسة جماهيرية منظمة لتكذب حتى تربح . تكذب على نفسها وتكذب على الشعب لتربح الحكم . فالحزب الليبرالي يدخل لعبة السياسة " بقائمة " من الوعود يقدمها الى الشعب حلاً لمشكلاته الاجتماعية . ويطلب من الشعب أن يختاره لتولي السلطة حتى يستطيع ان يحقق ما وعد . ولكنه – من حيث هو ليبرالي – يكون مبدأه ( نظريته ) عدم تدخل السلطة في النشاط الفردي وترك كل واحد من الشعب يحل مشكلاته الخاصة كيفما يريد وبقدر ما يستطيع . و " البقاء للأصلح " . أي أن الحزب الليبرالي – بحكم نظريته – لا يملك إلا ان يعد الشعب بعدم التدخل في شؤونه الاجتماعية فيما لو وصل الى مقاعد الحكم . وهو إذ يعد بأكثر من عدم التدخل لا يفعل إلا أن يكذب . يكذب على نفسه لأنه يعد بما لا يتفق مع مبادئه . ويكذب على الشعب لأنه يعد بما ينوي الوفاء به . وعندما تتم اللعبة ويصل الى الحكم تكون الوعود الكاذبة قد أدت غايتها فانقضت فينساها الى ان يعد بشيء جديد في جولة جديدة . أما الحزب الليبرالي من الداخل فمؤسسة من أفراد غير ملتزمين إلا بالاحترام المتبادل لآرائهم الفردية . ان التزامهم بتحقيق غاية اجتماعية موضوعية يلتقون عليها ويحتكمون اليها مستحيل . لأن الحزب من حيث هو ليبرالي لا بد له من ان يحتكم ، أو يترك الحكم ، في أي خلاف بين أعضائه للقواعد الخالدة المستقرة في ضمائر هؤلاء الاعضاء بحكم القانون الطبيعي الذي يقود خطا الأفراد بدون أن يدروا . فإن تدخل الحزب لإلزام بعض أعضائه غاية اجتماعية يكون قد " مس " الحرية الفردية المقدسة واهدر حق المعارضة " المقدس " . ومن هنا لا يقوم الحزب الليبرالي ولا يبقى إلا بذلك القدر الذي يصل اليه " التلفيق " بين الآراء الفردية المختلفة داخله . وإلا ، أنشق ثم أنشق ثم انفرط ليعود افراداً ليبراليين حقاً . وهو لا ينشق عادة . بل ان الحزب الليبرالي من أكثر الأحزاب تماسكاً . ذلك لأن الخلاف العقائدي داخله غير محتمل بحكم المذهب الفردي الذي يقوم عليه . ولأن الانضمام الى الحزب والبقاء فيه لا يتضمن التزاماً بشيء – بعد دفع الاشتراك المالي – سوى الوصول بالحزب الى مقاعد الحكم . ولأن الخروج عليه ضياع لفرصة المشاركة في غنائمه . ولما كان الوصول الى الحكم هو الهدف الأول والأخير المطلوب لذاته ، وفي هذا يتفق كل الليبراليون ، فإن الخروج على الأحزاب الليبرالية يبدأ بعد خروجه من الحكم ، ولكنه لا يلبث ان يعوض الخارجين أضعافاً من الذين يتزاحمون على عضويته أملاً في أن يصيبوا شيئاً من وراء عضويته وهو في الحكم وظائف حكومية عادة ) . ويسمح كل هذا الفراغ العقائدي بأن يعيش الحزب الليبرالي طويلاً كما يسمح بأن تتحول قيادته إلى " زعامة " فردية ، يعوضون استحالة الالتقاء الفكري بالالتقاء حول الزعيم ويقدمون " الزعيم " بديلاً عن النظرية . فيصبح الحزب الليبرالي – في الواقع – حزب القيادة فرداً كان أو جماعة من الأفراد . تلك هي الاحزاب الليبرالية . انها مؤسسات شكلية . ان تكن غير ذات مباديء اجتماعية فلأن مبادئها الليبرالية تلزمها بألا تكون ذات مباديء . ليس العيب اذن في الأحزاب والحزبية بل العيب في الليبرالية . فهل من أجل الأحزاب الليبرالية تدان الأحزاب والحزبية ؟ .
من الذي يستطيع أن يحول بين الناس وبين ان يتجمعوا في " أحزاب " ذات غايات اجتماعية تريد ان تحققها في المجتمع ؟ … من الذي يدينها بانها أسلوب فاشل في الممارسة السياسية ؟ … انه حزب آخر . انهم جماعة كبيرة او صغيرة منظمة ملتقية على غاية اجتماعية وملتزمة تحقيقها وتحتكم اليها فيما بينها عندما تختلف ، حتى لو كانت هذه الغاية هي الغاء الاحزاب . جماعة من الناس يرون الغاء الاحزاب لأن الحزبية اسلوب " فاشل " في الممارسة السياسية يجدون ان " أنجح " اسلوب يحقق غايتهم هو ان يلتقوا في حزب ، التناقض واضح . لأن نجاحهم ذاته يقدم دليلاً منهم أنفسهم على أن " الحزب " هو أفضل أداة لتحقيق الغايات الاجتماعية .
اذن ،
ففي أي مجتمع يختلف الناس حول مشكلات التطور الاجتماعي ، وهو واقع يكتشف ولكن لا يصطنع ، وعندما يكتشف لا يجدي تجاهله شيئاً ، ستتكون من الشعب جماعات ملتقية على رأي موحد في حل مشكلات محدودة او على رأي موحد في حل مشكلات التطور الاجتماعي عامة . وعندما نلتقي تصبح قوى جماهيرية " مفرزة عن غيرها بما التقت عليه . وستنشط في تحقيق ما تريد لا يستطيع احد ان يمنعها ، وإنما تختلف وسائل نشاطها تبعاً للظروف التي تنشط فيها . والقوى الجماهيرية المنظمة من اجل حل مشكلات التطور الاجتماعي عامة ، طبقاً لنظرية تلتقي عليها وتلتزم بها وتحتكم اليها ، هي " الاحزاب " . وفي مواجهة السلبية الفردية بالنسبة الى العمل الجماعي تقوم الاحزاب بقيادة حركة الجدل الاجتماعي وتتوقف على مدى نشاطها تحقيق الحلول التي تراها لمشكلات التطور .
ومن هنا فإن قيمتها الاجتماعية تتوقف على مدى ما يتوافر في كل حزب من مقدرة على تحقيق الحلول الصحيحة لمشكلات التطور الاجتماعي كما هي محددة موضوعياً بواقع اجتماعي معين في مرحلة تاريخية معينة . وهي مقدرة تتوقف على أمرين : أولهما مدى صحة نظريته والثاني مدى ملاءمة تكوينه لاداء ما تلزمه به النظرية . الأول بمعنى ان يكون حزباً تقدمياً والثاني يعني أن يكون تكوينه متفقاً مع الوجود الموضوعي لمجتمعه .
32  
صفحة من كتاب الاسلوب و الذي يحتوي على142 صفحة 
http://www.alfikralarabi.org/modules.php?name=News&file=article&sid=6670



March 19th 2010 | كتبها admin
سلسلة التثقيف القومي

الجزء التاسع: مفاهيم أساسية في القومية والقومية العربية، والعلاقة العربية-التركية في ظل العثمانيين/ عصمت سيف الدولة

لائحة القومي العربي arab_nationalist@yahoogroups.com



مفاهيم أساسية في القومية والقومية العربية، والعلاقة العربية-التركية في ظل العثمانيين، من المفكر الكبير عصمت سيف الدولة:
مقدمة: في هذه الحلقة من سلسلة التثقيف القومي، نقدم مجموعة من المفاهيم الأساسية في القومية والقومية العربية من “نظرية الثورة العربية” للمفكر القومي العربي الكبير عصمت سيف الدولة، كما نقدم منه نبذة عن العلاقة العربية-التركية في ظل العثمانيين، أما البطاقة التعريفية الخاصة بالمفكر سيف الدولة، فتجدونها في نهاية المادة – إ. ع

عصمت سيف الدولة * (بطاقة التعريف في نهاية المادة)

مقتطفات من الكتاب الثالث ل”نظرية الثورة العربية”، ص 135- 155.

وحدة الوجود القومي:

يقولون في تعريف الأمة: “إنها جماعة من البشر تكونت تاريخياً لها لغة مشتركة وأرض مشتركة… الخ…”.  فلماذا – إذن – نسرد كل هذا لنصل إلى ما يقولون؟  لأن هناك أقوالاً أخرى في “الأمة” غير صحيحة وإن كانت متداولة في الفكر العربي.  ونعني بها تلك الآراء التي لا تُدخِل “الأرض المشتركة” عنصراً في التكوين القومي (ساطع الحصري – إ. ع).  وهو خطأٌ كبير. إذ أن أية نظرية في “الأمة” لا تسلم بأن “الأرض المشتركة” عنصر لازمٌ لأية جماعة لتكون أمة هي نظرية فاشلة في التعريف بالأمة.  ذلك لأن كافة العناصر الأخرى مثل وحدة اللغة التي ترتكز عليها النظرية الألمانية، أو وحدة الحياة الاقتصادية التي يرتكز عليها الفكر الماركسي، أو وحدة الثقافة التي تشيد بها الكتابات العربية، أو حتى وحدة الإرادة التي تركز عليها النظرية الفرنسية… الخ… كل هذه عناصر ممكن أن تتوافر، وأن تجتمع، لجماعات بشرية لا ترقى إلى مستوى “الأمة” كالمجتمعات القبلية مثلاً.  إن هذه نقطة هامة لا نعتقد أن الأدب القومي قد منحها كل العناية التي تستحقها، مع أنها – كما سنرى – من العناصر الجوهرية في نظرية القومية.

على أي حال لقد عرفنا من حديثنا عن كيف يتكون الوجود القومي، وكيف تكتمل الأمة تكويناً، أن المميز الأساسي للأمة عن الجماعات الإنسانية السابقة عليها هو عنصر الأرض الخاصة المشتركة، الخاصة بالجماعة البشرية المعينة دون غيرها من الجماعات الإنسانية الأخرى، المشتركة يما بين الناس فيها.  ومن تكون الأمة تكويناً واحداً من الناس (الشعب) والأرض (الوطن) معاً.  فنحن عندما نقول – مثلاً – أننا أمة عربية ثم نتحدث عن الوطن العربي لا يكون حديثنا عن شيئين منفصلين بل عن الكل (الأمة) الذي يتضمن الجزء (الوطن).  فالشعب العربي (الناس) والوطن العربي (الأرض) يكوِّنان معاً الأمة العربية التي ما تحولت من شعوب لا تختص بالأرض التي عليها إلى أمة، أو من أرض لا تخص شعباً بعينه إلى أمة، إلا عندما التحم الشعب العربي بالوطن العربي واختص به ليكوِّنا وجوداً واحداً هو الأمة العربية.

وإذا كان لا بد من تعريف فإن الأمة مجتمع ذو حضارة متميزة، من شعب معين مستقر على أرض خاصة ومشتركة، تكون نتيجة تطور تاريخي مشترك.  أما كل ما تعلمناه من مميزات الأمة كاللغة أو الثقافة أو الدين… فتلك عناصر التكوين الحضاري وهي تختلف من أمة إلى أمة تبعاً لظروف التطور التاريخي الذي كونها.  أما عن المصالح الاقتصادية المشتركة فهي متوافرة في كل مجتمع حتى لو لم يكن أمة.  وأما الحالة النفسية المشتركة، والولاء المشترك… الخ فتلك معبرات في الأفراد عن انتمائهم إلى أمة قائمة.  وتختلف من فرد إلى فرد في الأمة الواحدة تبعاً لوعيه بعلاقته بمجتمعه القومي.  ولكن الوجود القومي لا يتوقف عليها.  وقد قلنا أن الأمة مجتمع تكون نتيجة “تطور” تاريخي مشترك لأن القول بأنها تكوين تاريخي لا يكفي للدلالة على أنها طور من المجتمعات أكثر تقدماً من الأطوار السابقة عليه.

ولا بأس من أن ننبه – هنا – إلى أن معرفة أو تعريف “الأمة” ليست مباراة في المقدرة على الصياغة، بل هي ضرورة لازمة لمعرفة الظاهرة الاجتماعية التي سيكون كل الحديث – بعد هذا – دائراً حول تطورها.  ولقد نعرف من كثير مما كتب عن الأمة في الأدب العربي “تساهلاً” في معرفة الأمة والتعريف بها.  فإذا بالانطلاق منها إلى قضايا المستقبل يصل بهم إلى مآزق غير سهلة.  ونضرب لهذا ثلاثة أمثلة حية: المثل الأول “التساهل” في عنصر الأرض الخاصة والمشتركة والتركيز على الوحدة الثقافية أو الروحية وهي النظرية في الأمة التي قامت عليها الحركة الصهيونية.  والمثل الثاني “التساهل” في عنصر التطور التاريخي والتركيز على وحدة الإرادة وهي النظرية التي أدت وتؤدي بكثير من المثقفين العرب إلى الخطأ في فهم مشكلة الأقليات القومية.  والمثل الثالث هو الاختلاف في الرأي حول تقييم الحركة القومية الراجع إلى الاستعمالات المتباينة لكلمة “أمة”.  ويغذي هذا الاختلاف أن اللغات ذات الأصل اللاتيني تتضمن، وتستعمل، مفردات لغوية لا تتفق مع المفردات العربية المستعملة في الأدب القومي.  أهمها ما يترجم عادةً إلى كلمة “قوميات”.  المهم – هناك – يقصدون بها ما يمكن أن تدل عليه كلمة: “أمم” أو “أقليات قومية”.  ونحن نعرف اللبس الذي أدت إليه الترجمة – الخاطئة أو المتعمدة – لما كتب في الأدب الماركسي عن “المسألة القومية” فإذا بها تصبح “المسألة الوطنية”.  وقد عرفنا من قبل ما يؤدي إليه هذا اللبس من خلط بين “حركات التحرر الوطني” و”الحركات القومية”.

أياً ما كان الأمر فإن فيما سبق بياناً للأمة كما نفهمها.  وبذلك المفهوم سنستعملها فيما يلي من حديث.

وحدة المصير القومي:

والآن نعيد السؤال:  ما هو مجتمعنا الذي ننتمي إليه؟  ما هي حقيقته الموضوعية كتكوين تاريخي؟  هل نحن ما زلنا مجموعات من القبائل، أم أننا مجموعة من الأمم، أم أننا ننتمي إلى أمة عربية واحدة؟

والإجابة هنا تكاد تكون جاهزة: نحن أمة عربية واحدة.  والأمة العربية هي مجتمعنا الذي ننتمي إليه.  وهي إجابة غير منكورة من كل الذين يعنينا أن نقيم معهم حواراً بناءً حول المستقبل العربي ونظريته.  وقد اكتشف كثيرون حقيقة الوجود القومي العربي من شعورهم بالانتماء إلى هذه الأمة العربية التي تتجاوز مجتمعاتهم السياسية بشراً وأرضاً، أي من خلال ما يسمونه “الحالة النفسية المشتركة” التي تعبر بذاتها عن اكتمال التكوين الاجتماعي الذي تعكسه.  واكتشفه آخرون عن طريق البحث العلمي في تاريخ الأمة العربية.  واكتشفه غيرهم عن طريق الممارسة حيث تعاملهم شعوب الأمم الأخرى على أساس أنهم “عرب” ينتمون إلى أمة عربية، بل أن كثيرين اكتشفوا انتماءهم القومي إلى الأمة العربية من خلال صدمة النكبة سنة 1948، وصدمة النكسة سنة 1967.  المهم أنه قد أصبح مسلماً بأننا ننتمي إلى أمة عربية مكتملة التكوين، وهذا يعفينا من جهد لا مبرر له لإثباته.  فنحن مقبولون “كأمة” وهذا يكفي.  يكفي لنقول أننا أمة عربية.  وبعد؟

هذا هو السؤال الدقيق.  إن مجرد القول بأننا أمة عربية واحدة قد لا يعني شيئاً عند الكثيرين.  ونحن نعرف أن كثرة من الناس يسلمون معنا بأننا أمة عربية ثم لا يرون أن لهذا أثراً في مخططات النضال من أجل المستقبل.  ومعنى هذا أن ثمة فجوة في الحوار لا بد من أن تملأ لنلتقي.  خاصة ونحن نتحدث عن الوجود القومي في إطار نظرية النضال من أجل المستقبل.

لا يمكن فهم العلاقة بين الوجود القومي ووحدة مصيره إلا إذا عرفنا “لماذا” تكونت الأمم؟ لماذا كنا أمة عربية مثلاً؟ هل كان ذلك مصادفة تاريخية، أو تم اعتباطاً لا أحد يدري لماذا؟  إنه سؤالٌ لم يكن لنا حظ التعرف على أية إجابة عليه في أية دراسة أخرى، مع أنه سؤال حاسم.

“في الإنسان نفسه يتناقض الماضي والمستقبل. ويتولى الإنسان نفسه حل التناقض بالعمل.  إضافة فيها من الماضي ومن المستقبل ولكن تتجاوزهما إلى خلق جديد”.  هذا هو قانون التطور الجدلي كما عرفناه من “جدل الإنسان” وترجمته الاجتماعية هي: أن المجتمعات تتطور من خلال العمل المشترك (الجماعي) لحل التناقض بين الواقع (حصيلة الماضي) والمستقبل (كما تعبر عن حاجاتها) أو بتعبير أسهل: إن المجتمعات تتطور خلال حل المشكلات التي يطرحها واقعها مستهدفة دائماً إشباع حاجاتها المادية والثقافية المتزايدة أبداً.

إذا نظرنا على ضوء هذا إلى تطور المجتمعات نجد أن التكوين القبلي كان حصيلة نمو وإضافة تحققت خلال حل مشكلات الطور الذي سبقه.  فهو أكثر منه تقدماً، وأكثر منه شمولاً، فيتضمنه ولا يلغيه ولكن يضيف إليه ما يحدده كما يحدد الكلُ الجزءَ.  فالمجتمع القبلي لم يلغِ الأسرة فيه، بل ظلت أسراً وبطوناً وأفخاذاً يقوم الدم فيها رابطة بين ذوي الدم الواحد في حدود مشكلاتهم العائلية، تضاف إليها الرابطة القبلية الواحدة فيما يتجاوز حدود الأسرة إلى القبيلة إضافةً كانت حلاً لمشكلة تحققت بها للأفراد، حتى من الأسرة الواحدة، حريات لم تكن لتتحقق لهم بما تهيئه رابطة الدم وحدها من مقدرة على التحرر.  اللغة الواحدة بقيت كما كانت وسيلة للمعرفة ولتبادل الرأي ولكنها أصبحت أكثر غنى بما أضاف الناس إليها في المجتمع القبلي من معارف وآراء جديدة طورتها فتجاوزت لغة الأسر والبطون والعشائر التي بقيت لهجاتها تشملها اللغة الواحدة وتتخطاها ولكن لا تلغيها.  ومثل هذا تحقق في العلم والمعرفة والعقائد والمقدرة على العمل فكسب به كل فرد من أية أسرة حريات أكثر مما كانت له وهو محصور في إمكانيات بني دمه… (كذلك) التكوين القومي للمجتمعات (كان) حصيلة نمو وإضافة تحققت خلال الحل الجدلي لمشكلات الطور الاجتماعي الذي سبق القوميات.  فهو أكثر منه تقدماً، أي فيه من الحريات للإنسان أكثر مما كان.  وهو أكثر منه شمولاً فيتضمنه ولا يلغيه ولكن يضيف إليه ويحدده كما يحدد الكلُ الجزءَ.  فكما أن المجتمع القبلي لم يلغِ الأسرة بل ظلت أسراً وبطوناً وأفخاذاً.  يقوم الدم فيها رابطة مميزة بين ذوي الدم الواحد، بقيت الأسر في الأمة الواحدة وأضيفت إليها الروابط المحلية والإقليمية فيما يتجاوز التمييز العائلي، تمييزاً للخلف المستقر للجماعات القبلية، قرىً ومدناً ومناطق وأقاليم، ثم أضيفت إليها الرابطة القومية إضافةً كانت حلاً لمشكلات الأسر والأقاليم ذاتها، وتحققت بها للأفراد من الأسر ومن الأقاليم حريات لم تكن لتتحقق لمهم بما تهيئه رابطة الدم وحدها أو الروابط المحلية وحدها.  اللغة الواحدة بقيت كما كانت من قبل وسيلة مشتركة لتبادل المعرفة وتبادل الرأي، وأصبحت أكثر غنى بما أضاف إليها الناس في المجتمع القومي من معارف وآراء جديدةٍ طورتها فتجاوزت لغة الأسر والأقاليم التي بقيت لهجات تشملها اللغة الواحدة وتتخطاها ولكن لا تلغيها.  ومثل هذا تحقق إضافة في العلم والمعرفة والعقائد والمقدرة على العمل، فكسب به كل فرد من أية أسرة، ومن أي إقليم، علماً وثقافةً وحريات أكثر مما كان له وهو محصور في إمكانيات بني دمه أو عشيرته أو إقليمه.  والإضافة لا تلغي المضاف إليه ولكن تكمله فتغنيه… الخ…

هكذا جاء كخلاصة لدراسة طويلة في “الأسس” باللغة المنتقاة عل ما تفرضه الدراسة هناك.  ونقوله هنا باللغة البسيطة التي تناسب الحوار المفتوح: إننا لم نكن أمة عربية اعتباطاً، بل تكونَّا أمةً عربيةً من خلال بحث الناس عن حياة أفضل.

فإذا كنا قد بلغنا من خلال تلك المعاناة التاريخية إلى الطور القومي، أي ما دمنا أمة عربية واحدة، فإن هذا يعني أن تاريخنا، الذي قد نعرف كل أحداثه وقد لا نعرفها، قد استنفذ خلال بحث أجدادنا عن حياةٍ أفضلَ كل إمكانيات العشائر القبائل والشعوب قبل أن تلتحم معاً لتكوِّن أمةً عربيةً واحدة، وأنها عندما اكتملت تكويناً كانت بذلك دليلاً موضوعياً غير قابل للنقض، على أن ثمة “وحدة موضوعية”، قد نعرفها وقد لا نعرفها، بين كل المشكلات التي يطرحها واقعنا القومي، أياً كان مضمونها، وأنها، بهذا المعنى، مشكلات قومية لا يمكن أن تجد حلها الصحيح إلا بإمكانات قومية، وقوى قومية، في نطاق المصير القومي.  قد يحاول من يشاء أن يحل مشكلاته الخاصة بإمكانياته القاصرة، ثم يقنع بما يصيب، ولكنه لن يلبث أن يتبين، في المدى القصير أو الطويل، أن الحل الصحيح المتكافئ مع الإمكانيات القومية، المتسق مع التقدم القومي، قد أخطأه عندما اختار أن يفلت بمصيره الخاص من الوحدة الموضوعية للمشكلات التي تشكل حلولُها المصير القومي الواحد.

ذلك هو ما تعنيه “وحدة المصير القومي”.

إنه ذات التعبير في مجتمع قومي عن البديهية التي عرفناها من قوانين التطور الاجتماعي: “ما دام الواقع الاجتماعي محدداً موضوعياً فإن الحل الصحيح لأية مشكلة اجتماعية محدد موضوعياً… فلو استطعنا أن نحصر كل ما يحتاجه الناس في مجتمع معين ونعرف في ذات الوقت كل ما يستطيع الواقع أن يقدمه لعرفنا ما هي المشكلات الحقيقية التي يطرحها الواقع الاجتماعي وكيف تحل.  أي لعرفنا الحل الصحيح للمشكلات الاجتماعية كما هي محددة موضوعياً.  مؤدى هذا أن كل مشكلة اجتماعية لها حقيقة واحدة مهما اختلف فهم الناس لها وبصرف النظر عم مدى إدراك صاحبها لحقيقتها.  وإن أية مشكلة اجتماعية ليس لها إلا حل صحيح واحد في واقع اجتماعي معين في وقت معين.  قد يكون لها أكثر من حل خاطئ، قاصر أو متجاوز أو مناقض، يحاوله صاحبه فيفشل في حلها، ولكن حلها الصحيح لا يمكن إلا أن يكون واحداً بحكم أن الواقع الاجتماعي واحد”.

وحدة الدولة القومية:

لا يتفق فقهاء علم القانون على تعريف واحد للدولة، ولكنهم يتفقون على العناصر التي يجب أن تتوافر لأي مجتمع ليكون دولة، فيقولون أنها ثلاثة: (1) شعب، (2) أرض، و(3) سلطة شاملة الشعب والأرض جميعاً مستقلة عن أية سلطة أخرى.  ويضيف بعضهم “الاعتراف” كعنصر رابع وإن كان هذا محل خلاف كبير يدور حول ما إذا كان الاعتراف لازماً لتوجد الدولة أم للإقرار بوجودها أم للأمرين معاً.  وفقهاء علم القانون، في كل هذا، “يصفون” الدولة “النموذج”، ولكنهم لا يهتمون بكيفية قيام الدولة “الواقعية”.  فيكفيهم أن تقوم في الواقع بعناصرها النموذجية لتكون عندهم دولة، ثم يبدأون، بعد هذا، في شرح دلالات عناصرها والآثار القانونية (الحقوقية) المترتبة عليها.  غير أن أكثر جهد فقهاء علم القانون كان وما يزال منصباً على شرح دلالة وآثار ذلك العنصر الثالث: “السلطة” أو “السيادة” كما يقال في كثير من كتب القانون حيث تتداول الكلمتان كما لو كانتا ذواتي مدلول واحد.  وفي هذا يدور الحوار الخصيب حول ما يسمى “المشكلة الدستورية”.  ما هي السيادة؟  أو ما هي السلطة؟  وما مصدرها؟  ومن صاحب الحق في ممارستها؟  .. وما هي حدودها.. الخ.  وما يزال ما يقولونه في هذا غير منتهٍ إلى اتفاق.  ذلك لأنهم يعالجون موضوعاً ذا جذور تاريخية موغلة في القدم كانت السلطة فيها أسبق إلى المعرفة من السيادة.  وكان مصدرها ما يسمى “بالتفويض الإلهي”.  حيث يمثل الملك إرادة الله في الأرض ولا يكون مسئولاً إلا أمامه في السماء.  وقد انتهى هذا المفهوم بنهاية القرن الثامن عشر حيث أصبح الشعب مصدر السلطة.  وفيه دخل تعبير “السيادة” لغة القانون.  فالشعب مصدر السلطات لأن الشعب، وليس الملك، هو السيد.  ولكن الشعب السيد لا يمارس سيادته فما هي العلاقة بينه وبين من يمارسها؟  أو ما هي العلاقة بين السيادة والسلطة؟  وفي هذا كلامٌ كثير، ووراءه كل تلك النظريات التي شاعت في أوروبا قبل القرن الثامن عشر وأبدعها فلاسفة الليبرالية من أمثال روسو ومنتسكيو الذين كانوا يبذرون أفكارهم للتمهيد للثورة ضد الإقطاع.  ولسنا ندخل ساحة الحوار مع هؤلاء أو مع فقهاء علم القانون.  إنما نحاول هنا أن نترجم نظريتنا القومية إلى لغة القانون.

ويمكننا منذ البداية أن نفرق بين السيادة والسلطة.  فالسيادة أشمل من السلطة إذ السلطة هي “ممارسة” السيادة.  أو أن حق السيادة هو مصدر حق السلطة.  وهما في علاقة قريبة من علاقة حق الملكية بحق الانتفاع، إذ الأول يتضمن الأخير وهو مصدره.  ويترتب على هذا – أولاً – أن من يملك حق السيادة يملك حق السلطة، ولكن ليس من اللازم أن يكون مالك حق السلطة مالكاً لحق السيادة.  ويقوم هذا عندما يمارس صاحب حق السيادة حقه في السلطة لا بنفسه ولكن بمن يختاره ليمثله وينوب عنه في ممارسته.  ويترتب عليه – ثانياً – أن من يمارس السلطة نيابة عن صاحب حق السيادة يظل تابعاً لمن أنابه فكما يختاره، له أن يحاسبه وأن يعزله وأن يعين غيره.  وعندما يسلب منه هذا الحق يكون قد فقد سيادته.  فإذا طبقنا هذا على المجتمعات نجد أن الشعب هو صاحب حق السيادة بما يتضمنه من سلطة.  أما محل الحق فهو الأرض.  ومن هنا يكون للسيادة مفهوم ذو حدين: سيادة الشعب على أرضه دون الشعوب والجماعات الأخرى (الاختصاص بالأرض).  وسيادة كل الشعب على أرضه (المشاركة فيها).  ولما كان الشعب مكوناً من أفراد عديدين، فإنه يمارس سيادته في حديها من خلال أفراد يمثلونه وينوبون عنه ويكونون مسئولين أمامه.  أولئك الذين يطلق عليهم لفظ الحكومة.  هنا تبقى السيادة للشعب وتمارس الحكومة السلطة نيابة عنه ثم تتوزع وظائف السلطة على أجهزة متخصصة في التشريع أو التنفيذ أو القضاء… ويصاغ كل هذا في عديد من القواعد الملزمة لكل واحد من الشعب أياً كان موقعه.  وبمجموع تلك القواعد يتحول المجتمع إلى مؤسسة منظمة.  منظمة بمعنى أن علاقة الناس فيها بالأرض وعلاقاتهم فيما بينهم وعلاقاتهم بمن ينوبون عنهم في ممارسة السلطة تكون محددة بقواعد ملزمة لهم جميعاً ولكل واحدا منهم.  ونلتقي هنا بكلمة الشرعية، أي اتفاق السلوك الفردي أو الجماعي مع قواعد ذلك النظام القانوني.  ويصبح غير مشروع كل سلوك لا يتفق معها.  تلك القواعد التي تضبط سلوك الناس في مجتمع منظم هي ما يسمى “بالقوانين” التي تطلق عليها بدورها أسماء شتى من أول الدستور (القانون الأساسي) إلى آخر الأوامر الإدارية.  المهم أنه أياً كان اسم القاعدة الملزمة فهي جزء من نظام قانوني (حقوقي) غايته أن يضبط سلوك الناس في المجتمع على قاعدتين تمثل كل منهما حداً من حدي السيادة، الأولى اختصاص الشعب بالأرض دون غيره، والثانية مشاركة الشعب على أرضه.  وعندما يقوم هذا النظام في أي مجتمع يتحول المجتمع إلى منظمة قانونية (حقوقية) من البشر والأرض، أو كما يقال من الشعب والوطن، أي يتحول إلى “دولة” بعناصرها التي يعرفها فقهاء علم القانون، الشعب والأرض والسلطة (السيادة).

ثم يأتي الاعتراف صادراً من دولة أخرى ويكون من آثاره التزام الدولة المعترفة بالآثار الملزمة للقواعد التي تشكل بمجموعها المنظمة القانونية (الدولة) المعترف بها.

ولقد عرفنا من قبل كيف يتحدد عنصرا البشر والأرض في المجتمع القومي خلال التطور التاريخي، وكيف أن الأمة هي تكوين اجتماعي من شعب معين وأرض معينة خاصة به ومشتركة فيما بينه.  ويضيف هذا إلى مفهوم السيادة مضموناً جديداً هو المشاركة التاريخية فيما بين الأجيال المتعاقبة من الشعب.  وننتهي إلى عدم شرعية تنازل الشعب، أي جيل من الشعب، عن السيادة على الأرض.  وأن شرعية الدولة ذاتها منوطة باتفاق نطاقها البشري والإقليمي مع التكوين التاريخي للمجتمع.

بناء على هذا كله نستطيع أن نقول أننا عندما نكون في مواجهة أمة فإن وحدة الوجود القومي تحتم وحدة الدولة فيها، بمعنى أن الدولة القومية التي تشمل الشعب والوطن كما هما محددان تاريخياً هي وحدها التي تجسد سيادة الشعب على وطنه القومي ومشاركته التاريخية فيه.  وهي لا بد أن تكون شاملة البشر والأرض جميعاً لتكون دولة قومية مكتملة السيادة.  إذ عندما يخرج عن نطاقها أي جزء من الشعب يكون هذا الجزء قد حرم من ممارسة سيادته على وطنه.  وعندما يخرج عن نطاقها أي جزء من الوطن يكون الشعب قد حرم من ممارسة سيادته على ذلك الجزء من الوطن.

غير أن هذا ليس كل شيء.

فقد عرفنا أن وحدة المصير القومي تعني أن “ثمة وحدة موضوعية”، قد نعرفها وقد لا نعرفها، بين كل المشكلات التي يطرحها واقعنا القومي، أياً كان مضمونها.  وأنها، بهذا المعنى، مشكلات قومية لا يمكن أن تجد حلها الصحيح إلا بإمكانيات قومية، وقوى قومية، في نطاق المصير القومي.  ومؤدى هذا أن وحدة الدولة القومية شرط لازم لإمكان معرفة حقيقة المشكلات الاجتماعية في المجتمع القومي، وحلولها الصحيحة المحددة موضوعياً بالواقع الاجتماعي ذاته وتنفيذ تلك الحلول في الواقع.  إن هذا لا يعني أن الناس في الدولة القومية سيعرفون حتماً حقيقة المشكلات الاجتماعية وحلولها الصحيحة أو أنهم سيحلونها فعلاً إنما يعني أن كل هذا يكون متاحاً لهم في الدولة القومية أما الباقي فيكون متوقفاً على مقدرتهم على الانتفاع به.

ونلاحظ هنا ملحوظة دقيقة.

إذا كانت ممارسة حل المشكلات الاجتماعية في مجتمع قومي تتم في غير نطاق الدولة القومية، فإننا لا نستطيع أن نعرف – من مجرد الممارسة – حقيقة مشكلة غياب الدولة القومية.  لأن الدولة القومية هي الشرط الأول لمعرفة المشكلات التي يطرحها الواقع الاجتماعي القومي بما فيها مشكلة الدولة ومناسبتها لأداء وظيفتها.  نريد أن نقول أنه مهما عرفنا من المشكلات الاجتماعية في مجتمعنا القومي وحلولها والإمكانيات المتاحة لحلها، فإن غياب الدولة القومية يعني بذاته أننا نواجه مشكلة “نقص” المعرفة بالمشكلات وحلولها، و”نقص” الإمكانيات المتاحة لحلها.  إن هذا النقص في المعرفة لا يمكن أن يعوض إلا علمياً وعقائدياً.  أما النقص في الإمكانيات فلا يعوض إلا بالدولة القومية ذاتها.  لهذا فإننا نلاحظ أن الذين يتصدون لحل المشكلات الاجتماعية في غيبة الدولة القومية، بدون وعي قومي، لا يعرفون من الممارسة ضرورة الدولة القومية في المجتمع القومي إلا بقدر ما يفشلون وفي المجالات التي يفشلون فيها وفي وقت الفشل.  ومن هنا لا يتذكرون الوحدة إلا عندما يفشلون ولا يطلبونها إلا في مجالات فشلهم ولا يقبلونها إلا بقدر ما تكون “نافعة” كتعويض لهذا الفشل… نافعة في اكتمال معرفتهم بالمشكلات أو إكمال معرفتهم بحلولها أو إكمال إمكانيات حلها.  فهي مرتبطة عندهم بالمنفعة كما يلمسونها، وأينما يلمسونها، وعندما يلمسونها بالممارسة.  وهو طريق تجريبي للمعرفة طويل وباهظ الثمن، ولكنه يؤدي، في النهاية، إلى ذات المنطلق العقائدي الصحيح.  إذ لما كانت الحلول الصحيحة للمشكلات الاجتماعية في الواقع الاجتماعي القومي محددة موضوعياً بالواقع الاجتماعي (المجتمع القومي) ذاته فإن الممارسة في غيبة الدولة القومية ستعلم أصحابها كيف يقبلون الحل الصحيح لمشكلاتهم: الوحدة.  هذا لا شك فيه طال الزمان أم قصر.  كل ما في الأمر أنهم لن يتعلموا إلا بعد أن يبذلوا جهوداً مهدرة في محاولات التطور الفاشلة.  وهذا هو الفارق بين المعرفة العلمية لقوانين التطور الاجتماعي والتزامها وبين الجهل بها أو تجاهلها وممارسة التطور الاجتماعي بالتجربة والخطأ.  الفارق بين حركة التطوير الاجتماعي العقائدية وبين حركة التطور الاجتماعي التجريبية.

وعندما نكون عقائديين، عندما نكون علميين، ونعرف أن واقعنا الاجتماعي هو “أمة” نطلب الوحدة السياسية (الدولة القومية) حتى نوفر لأنفسنا أول شروط المقدرة على التطور ولا نطلبها لحل إحدى مشكلات التطور.  نطلب دولة الوحدة لمجتمعنا القومي لنستطيع أن نتطور “فيها” ولا نطلبها لنطور “بها” واقعنا الإقليمي مثلاً.  الأول موقف قومي سيتنصر حتماً والآخر موقف انتهازي سينكشف حتماً فينهزم.

فما القومية؟

القومية:

قلنا أن الإضافة إلى الاثنين – خلال الزمان – تمد أبعاد المجتمع الصغير، أو الجماعة، على مستويات ثلاثة: امتداد أفقي حيث يتعدد الناس ويحمل كل فرد حاجته معه وتتعدد المشكلات الفردية بتعدد الأفراد.  وامتداد رأسي يبدأ بالحاجة الفردية إلى الحاجة الجماعية أو المشتركة.  واتجاه إلى المستقبل حيث تنشأ كل يوم مشكلات فردية وجماعية جديدة تضاف إلى ما كان موجوداً وهكذا عندما يكتمل التكوين القومي ونكون في مواجهة “أمة”، تكون لكل أمة أبعاد ثلاثة.  البعد الأول يحددها من حيث علاقتها بالجماعات الإنسانية الخارجة عنها.  والبعد الثاني يحددها من حيث علاقتها بالجماعات الإنسانية الداخلة فيها.  والبعد الثالث يحددها من حيث مصيرها كأمة.  هذا بالإضافة إلى حدها الرابع (الحد الزماني) الذي هو الواقع الاجتماعي للأمة في وقت معين.

من مجموع هذه الأبعاد التي تصل الأمة بغيرها، كما يحددها ويتحدد بها الوجود القومي نعرف أن “القومية” وصف للعلاقة التي تجمع الناس في مجتمعهم القومي.  والموقف القومي هو الذي يتحدد متفقاً مع علاقات المجتمع القومي بغيره.  والحركة القومية هي التي تستهدف تطوير المجتمع القومي في حدود التزامها تلك العلاقات.  أما المجتمع القومي فهو الأمة نفسها.

إننا – هنا – نلتقي بأولى مميزات “نظرية تغيير الواقع القومي”. 

إنها أولاً وقبل كل شيء نظرية قومية.  بمعنى أنها بيان لمنطلقات وغايات وأساليب تطوير مجتمع حقيقته التاريخية – كما هي – أنه “أمة”.  فهي تبدأ من الوجود القومي إلى مصيره القومي وتتعامل معه في حركته “كما هو”.  إذن، نحن لم القومية نظرية لتغيير واقعنا الاجتماعي تعصباً مرضياً بل قبولاً علمياً للتعامل مع واقعنا الاجتماعي “كما هو”.  وقد عرفنا من نظرية تطور المجتمعات، التي هي وحدة واحدة بالنسبة إلى كل المجتمعات، أن التعامل مع الواقع الاجتماعي “كما هو” هو أول مفاتيح النجاح في حل مشكلات التطور الاجتماعي في أي مجتمع.  فإذا كنا نرفض أية نظرية “لا قومية” مهما كانت وعودها مغرية فلأننا نعرف أنها نظرية فاشلة في تحقيق ما تعد به في واقعنا العربي المحدد موضوعياً بأنه واقع قومي.  وأنها إن تكن نظرية محدودة ومقصورة على تطوير الواقع الجزئي في مجاله (مجال اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي… الخ) أو في مكانه (تطوير الواقع في مكانٍ ما من الوطن العربي)، فإنها ستكون فاشلة أيضاً ما لم تكن متسقة كجزء مع النظرية القومية لتطور الأمة العربية، حتى لو لم يكن فشلها إلا في عجزها عن أن تحقق في واقعها الجزئي ما يمكن موضوعياً تحقيقه طبقاً للنظرية القومية.

ولنبدأ بالبعد الأول للوجود القومي.

القومية والإنسانية:

“في الكل الشامل للطبيعة والإنسان: كل شيء مؤثر في غيره متأثر به”.  هذا هو القانون.  وتطبيقه على الوجود القومي وحركته يؤدي إلى معرفة أن كون “الأمة” مجتمعاً من بني البشر ذا خصائص متميزة لا يعني أنه ليس جزءاً من وجود وحركة المجتمع الإنساني كله.  ومن هنا لا تعني “القومية” الانعزال عن القضايا التي تمس المجموعة الإنسانية ككل أو أية مجموعة إنسانية منها.  بل تعني، من ناحية، المشاركة فيها بقدر ما تؤثر في الوجود القومي وحركته.  وتعني، من ناحية أخرى، أن الحركة القومية منضبطة بحدود القضايا التي تمس المجموعة الإنسانية ككل أو أية مجموعة إنسانية أخرى، على أساس أنها مؤثرة فيها حتما.  إن مشكلة السلام العالمي، في عصر الأسلحة النووية، تقدم لنا مثلاً حياً لهذا التأثير المتبادل بين الوجود القومي والوجود الإنساني.  ولكنه ليس المثل الوحيد.  في حدود هذا يظل الوجود القومي مجرد وجود خاص.  فهو إضافة إلى، وليس انتقاصاً من، وجود الجماعات الإنسانية الأخرى.  وهكذا تكون “القومية” علاقة قبول واحترام للوجود الخاص لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية. 

غير أنه يبدو أن “الممارسة” التاريخية لا تؤيد هذا.  فإن “القومية” متهمة بأنها كانت وما تزال علاقة عدوانية.  ويضربون لهذا مثلاً، أمثلة عديدة في الواقع، من تاريخ العدوان الاستعماري المستمر على الشعوب، ومن الحرب “الأوروبية” الثانية التي شنتها النازية والفاشية.  ويقولون أن كل هذا كان، وما يزال، أثراً من آثار القومية.  والواقع أنه ليس من الغريب – كما سنرى – أن يكون كثير من المعتدين الاستعماريين، والنازيين، والفاشيين قد شنوا حروبهم العدوانية باسم القومية.  ولكن الغريب حقاً أن يصدق بعض الذين يدعون المعرفة العلمية ما يقوله المعتدون.  إن أقل مقدرة من المعرفة العلمية بالاستعمار وبالنازية وبالفاشية، وغيرها من الحركات العدوانية، يكشف عن حقيقة القوى الكامنة وراء الحروب العدوانية، وبواعثها، وأغراضها.  إنهم الرأسماليون الذين يستغلون، أول ما يستغلون، الشعوب من أممهم ذاتها، ثم يستعملونها وقوداً للحروب التوسعية بقصد اغتصاب ما لدى الشعوب الأخرى من ثروات وقوى لاستهلاكها أو لتصنيعها ثم إعادتها إلى ذات الشعوب المقهورة لاستهلاكها في مقابل الأثمان التي يفرضها الغاصبون.  كل هذا بقصد تحقيق مزيد من “الربح” للرأسماليين.  لا جشعاً منهم، كما يقال عادة، ولكن لأن تلك هي طبيعة النظم الاستغلالية حيث لا يستطيع أحد إلا أن يكون سارقاً أو مسروقاً بحكم قانون المنافسة المخرب.  والمستغلون الذين كانوا قد أخضعوا شعوبهم قبل أن يتطلعوا إلى الشعوب الأخرى، وأبقوها على الجهالة قسراً، وسمموا عقولها بما يملكون من مقدرة اقتصادية في الإعلام والتوجيه، ما كانوا، ولا يمكن أن يكونوا، صادقين معها فيطلبوا منها أن تبعث أبنائها إلى مجازر الحروب “فيما وراء البحار” أو “فيما وراء الحدود” للبحث عن مصادر جديدة للثروة والربح، ثروتهم الخاصة وأرباحهم الخاصة، فلا يجدون ما يسترون به جرائمهم، ويدفعون به الشبهة عن مطامعهم، إلا أكثر الروابط الإنسانية بعداً عن العدوان: القومية.  وهم لا يتورعون عن استغلالها متى كانت أكثر ملاءمة لإخفاء الأسباب الحقيقية للعدوان.  بل أنهم قد يجدون حدثاً ما، وإذا لم يجدوه اختلقوه، لإيهام الناس بأن ثمة اعتداء على أمتهم، ليدفعوا الناس إلى مجازر الحروب العدوانية التي لا علاقة لها بالقومية.

آية هذا أننا بقدر ما نجد في التاريخ من حروب عدوانية باسم القومية، نجد حروباً تحررية باسم القومية أيضاً.  وفي الحرب “الأوروبية” الثانية كانت النازية تغزو بولندا باسم القومية الألمانية، وكانت بولندا تدافع عن وجودها باسم القومية البولندية.  وانهزمت فرنسا في حربها القومية ضد العدوان النازي.  وانتصر الاتحاد السوفييتي في حربه “القومية الكبرى” ضد النازية.  فأيهم كان أصدق قولاً في “القومية”؟ … فهل تصدق إدانة القومية بما تجني أيدي المستغلين، مصاصي دماء الشعوب، شعوبهم والشعوب الأخرى؟  إننا قبل أن ندين أية حرب ينبغي أن نعرف لماذا، ولمصلحة من يخوض كل طرف حربه، بصرف النظر عن التضليل الدعائي الذي هو واحد من مصلحة الحروب.

إنما المسألة هي أن الوحدة القومية تعبئ كل إمكانيات الأمة.  فهي خطوة قومية، ثم يتوقف ما بعد هذا على القوى التي تستعمل تلك الإمكانيات المتاحة.  عندما تكون القوى “قومية” لا يمكن أن تستعملها إلا في خدمة تطور الأمة ذاتها معرفة منها بأنها إمكانيات خاصة مشتركة.  ومن هنا يصر القوميون، أول ما يصرون، على ضرورة الوحدة السياسية لكل أمة، ليحولوا بذلك دون استئثار أي قوى، ولو كانت قطاعاً عريضاً من الشعب نفسه، بمصادر الثروة في ذلك الجزء من الوطن الذي يعيش فيه.  إنهم يرفضون هذا الاستئثار ويفرضون الوحدة السياسية لتشمل كل الشعب وكل الوطن تأكيداً لوحدة الأمة ووحدة مصيرها.  ولا خلاف هنا في نوع هذه الحركة وأهدافها.  فكل حركة “وحدوية” على أساس وحدة الوجود القومي، بشراً وأرضاً ومصيراً، هي حركة قومية.  وهي حركة قومية بهذا المعنى وفي هذه الحدود فقط.  ومرجع التحفظ ما عرفناه من قبل من أن المجتمعات لم تدخل كلها مرحلة التكوين القومي دفعةً واحدة في وقت واحد.  كما أن مسيرة التكوين القومي لم تكن واحدة بالنسبة إلى كل الأمم.  وقد أدى هذا إلى أن بعض الحركات القومية قد صاحبت حركة التحرر البورجوازي من القهر الإقطاعي في أوروبا.  وتولى البرجوازيون قيادتها إلى أن تحققت الوحدة القومية.  وألقى هذا شبهة كثيفة على الحركات القومية ظناً بأن كل حركة قومية هي حركة بورجوازية.  ونحن لا نريد أن نناقش هنا ما إذا كانت الحركة البورجوازية قبل القرن التاسع عشر – في أوروبا – تقدمية أم رجعية.  إنما الذي نريد أن نطرحه هو السؤال الآتي: في أية مرحلة وإلى أي مدى كانت تلك الحركات التي أقامت الدول القومية الموحدة ثم تجاوزتها إلى الاستغلال الرأسمالي، إلى أي مدى وفي أية مرحلة كانت قومية؟  لا شك في أنها كانت حركات قومية في مرحلة ما قبل الوحدة وإلى أن تمت الوحدة.  فقد كانت تلتزم الرابطة القومية التي تنفي التجزئة، ولكنها بمجرد أن حققت الوحدة انقسمت قوى متصارعة: الرأسماليون من ناحية يريدون مصالحهم الخاصة، وهو موقف مناقض لوحدة المصير القومي، والشعب من ناحية يريد أن يحقق من التقدم ما تتيحه له الرابطة القومية، وذلك موقف قومي.  ثم لما أن تجاوز الرأسماليون استغلال شعوبهم ذاتها واتخذوا من الحروب العدوانية سبيلاً إلى قهر الشعوب الأخرى واستغلالها، كانوا أبعد ما كانوا عن القومية.  القومية كما نعرفها ونفهمها.  وحتى كما فهمها الليبراليون (الرأسماليون) لم يكن تجاوز الوحدة القومية إلى الاستغلال والاستعمار حركة قومية.  إذ أن المفهوم الليبرالي للقومية يوقف حركتها عند الوحدة القومية ولا يرى أنها – بعد هذا – ذات مضامين تتصل بمستقبل التطور بعد تحقيق الوحدة، ولكن الخلط جاء من التقييم الماركسي للقومية بمفهومها الليبرالي إذ اعتبر أن ذلك المفهوم السلبي للقومية هو المفهوم الصحيح، فاعتبر أن كل حركة قومية هي حركة ليبرالية أو بورجوازية.

–         القومية والإسلام:

الإسلام دين مشترك بين كثير من الأمم والشعوب والجماعات الإنسانية.  وهكذا يقع تحديد العلاقة بين القومية والإسلام في نطاق علاقة الأمة بالمجتمعات الإنسانية خارجها.  وكثيراً ما طُرحت الرابطة الإسلامية كبديل عن القومية.  وهو خطأ جسيم راجع إلى قصور مضاعف في المعرفة الصحيحة بالإسلام وبالقومية كليهما.  فالإسلام دين ولكنه متفرد بمميزات خاصة مثله في هذا كمثل أي دين أخر.  وقد أن كل أمة معينة تنفرد بمميزات خاصة مثلها كمثل أية أمة أخرى.  فالبحث في “الرابطة الإسلامية” وعلاقتها بالقومية على ضوء نظرية مجردة في الدين إطلاقاً أو في الأمم إطلاقاً أول خطأ يقع فيه الباحثون لأنه يتجاهل خصائص كل دين وخصائص كل أمة.   وقد أدى هذا إلى خطأ أكثر جسامةً ذلك هو تجاهل العلاقة التاريخية “الخاصة” بين الإسلام وبين الأمة العربية.  وهي علاقة لا مثيل لها – فيما نعرف من تاريخ الأديان والأمم – بين أي دين وأية أمة.

في الأصل كان “الدين” عنصراً من عناصر التكوينات الاجتماعية المختلفة التي كانت وحدة “الأصل” محور تكوينها “الأسر والعشائر والقبائل”.  وانقلب الأجداد الذين ماتوا إلى آلهة يعبدهم نسلهم من الأحياء.  ويتميزون بهم عن ذوي “الأجداد-الآلهة” الأخرى.  ثم استقر “الإله” رمزاً مميزاً لكل قبيل.  فكان لكل قبيلة إلهها الخاص، تختاره طبقاً لظروفها الخاصة وتعبده طبقاً لتقاليدها الخاصة، وتلتمس منه العون في تحقيق مصيرها الخاص.  وإن تعددت مشكلاتها لم يكن ثمة ما يمنع أن تكون قبيلة أو مجتمع صغير مجموعة كبيرة من الآلهة يختص كل منها بإسداء العون لعباده في واحدة من تلك المشكلات: الحب، الحرب، الزرع، الملاحة… الخ.  ولكنها حتى وهي مجموعة “خاصة” كانت تقوم بالوظيفة المشتركة للآلهة في المجتمعات القبلية وما دونها: رمز يجسد الوجود الاجتماعي المستقل لكل جماعة ويميزها عن غيرها.  وكل هذا لا يزال قائماً في المجتمعات البدائية القبلية المعاصرة… ثم جاء الإسلام متميزاً قبل كل شيء، بالتوحيد.  لا إله إلا الله لا شريك له.  لم يلد ولم يولد.  وكان هذا رفضاً إسلامياً قاطعاً لقيام الدين مميزاً للمجتمعات الإنسانية بعضها عن بعض لأنه رفض قاطع لاختصاص كل جماعة من الناس بدين خاص يميزهم عن غيرهم.  ولم يكن “التوحيد” ليكتمل إلا إذا قدم الإنسان ذاته إلى كل الجماعات الإنسانية كبديل مشترك، ووحيد، عن أديانها المتعددة.  إن الدين عند الله الإسلام.  وهكذا جاء الإسلام – كما هو – خطاباً للناس كافةً، لكل البشر في كل زمان وفي كل مكان.  نقول الإسلام “كما هو” احتكاماً للإسلام ذاته.  وحكمه في هذا ملزمٌ للمسلمين الذين يقفون من القومية موقفاً مضاداً باسم الإسلام.  ومضمون الحكم أن الإسلام في جوهره دين “وحدة إنسانية”.  ومما يتنافى مع جوهره هذا أن يكون ديناً خاصاً بجماعة أو جماعات إنسانية دون البشر أجمعين.  وليس للمسلم أن يكون له إله كإله بني إسرائيل.  ومن هنا ندرك كم هو جسيم ذلك الخطأ الذي يقع فيه بعض المسلمين عندما يدعون إلى “مجتمع إسلامي” مقصور على المسلمين ومحدد لعلاقتهم بغيرهم من المجتمعات.  وينسون أن مثل هذه الرابطة إن كانت قد تجمع بين المجتمعات المسلمة فإنها – في الوقت ذاته – تعزل الإسلام عن باقي البشر وتحيله إلى دين “خاص” ببعض الناس وهو للناس كافةً.  إن هذا “الاستئثار” بالإسلام مميزاً لبعض المجتمعات الإنسانية ليس من الإسلام في شيء بل هو يتنافى – قطعاً – مع طبيعة الإسلام كدين لكل بني الإنسان بدون تمييز.  والذين يقدمون الإسلام بديلاً عن “القومية” ينزلون بالإسلام من مكانه فوق الأمم جميعاً ليحصروه في أمة أو في بعض الأمم.  الإسلام إذن ليس خاصاً بأية أمة فهو ليس عنصراً لازماً في تكوين الأمم، وهو رابطة إنسانية ولا يمكن أن يكون أقل من رابطة إنسانية، وبالتالي لا يقع على مستوى واحد من القومية فيكون بديلاً عنها أو تكون بديلة عنه، بل هو يتجاوزها إلى المجتمع الإنساني كله الذي يشمل كل الأمم والشعوب والجماعات.

غير أن الإسلام لم يكن ديناً فحسب، بل كان ثورة اجتماعية ذات مضامين حضارية.  وتلك إحدى خصائصه المميزة.  وهي هي التي أنشأت بينه وبين الأمة العربية علاقة تاريخية متميزة….

(وهي العلاقة التي نعود إليها في جزء أخر من سلسلة التثقيف القومي، خاصة من حيث دور الإسلام في تشكيل دولة الوحدة القومية، وفي استكمال التكوين التاريخي للأمة العربية، أرضاً وثقافةً، الذي بدأ لغوياً وحضارياً وجغرافياً قبل الإسلام بكثير، على الأقل بالحد الأدنى الذي أهَّل العرب، كقومٍ منفصلين عن غيرهم من الأقوام، من أن يحملوا رسالة الإسلام وينشروها.  وإذا كان أستاذنا الكبير عصمت سيف الدولة يعتبر أن الأمة العربية لم تكن مكتملة التكوين قبل الإسلام، ويعتبر أن جغرافيا المنطقة كانت تسكنها أمم منفصلة غير مكتملة التكوين وخاضعة للأجنبي، فجاء الإسلام ووحدها في أمة عربية واحدة، فإننا نعتبر أن الأمة العربية كانت قائمة وأن ما حققه الإسلام هو دولة الوحدة القومية، بالإضافة لتحرير الأمة من الأجنبي وإذابة التأثيرات الدخيلة عليها ومد حدودها الجغرافية للحد الأقصى الممكن.  وإذا كانت حقيقة دولة الوحدة قد تم تمييعها من خلال اختراق الأعاجم للسلطة الإسلامية لاحقاً، فإن دولة الوحدة العربية التامة الأولى في ظل الإسلام ما كان لها أن تنشأ من لدن أمة (أو أمم) ناقصة.  فلا يمكن أن تنشأ دولة وحدة لأمة غير مكتملة التكوين، من أمم منفصلة غير مكتملة التكوين، أو أن تنشأ أمة عربية عن دولة وحدة بينما المفروض أن الأمة هي التي تنتج دولة الوحدة، وليست الدولة هي التي تنتج أمة.  فدولة الوحدة ليست إلا التعبير الحقوقي والسياسي عن أمة موجودة.  والأمة العربية هي وحدها القادرة أن تكوِّن دولة وحدة تجسد إمكانياتها الكامنة، ولا تستطيع أية دولة أن تنتج أمة عربية من مجموعة أمم متباينة منفصلة وغير مكتملة التكوين.  ما حققه الإسلام إذن هو دولة الوحدة، وهو أنجازٌ ما كان له أن يتحقق لولا وجود أمة عربية أساساًَ كما تظهر أجزاء أخرى من سلسلة التثقيف القومي – إ. ع).

–         عصمت سيف الدولة، مقتطفات من الكتاب الثاني من “نظرية الثورة العربية”، ص. 71 – 77:

العلاقة العربية-التركية في ظل العثمانيين:

في ظل الفكر والثقافة والقيم الإسلامية الكامنة في تكويننا ذاته، ملأنا الزمان تاريخاً عربياً خالصاً وإن كانت لبناته من الإسلام، حتى عندما عبرنا – معاً – مرحلة الصراع الداخلي الذي يصاحب بداية التكوين القومي، كان الصراع عربياً خالصاً، دار بين الرواسب القبلية العربية والنزوع القومي العربي، واتخذ موضوعه الاستئثار بالسلطة في الدولة القومية الواحدة.  ولقد انتقلت به الدولة من المدينة إلى دمشق إلى بغداد إلى القاهرة، وقامت أكثر من عاصمة واحدة في وقت واحد، ألا أن كل عاصمة من تلك كانت تعصم العرب جميعاً، أو تحاول هذا، أو تدعيه، ولكنها لا ترتضي – في أي حال – أن تكون دولة إقليمية.  كان ذلك صراع الماضي والمستقبل في طور تكوين الأمة العربية، ولم يكن صراعاً بين أمم يغزو بعضها بعضاً.  لقد كان الأمويون والعباسيون والحمدانيون والأيوبيون والفاطميون… الخ، أحزاباً من العرب، ولم يكونوا أمماً في الأمة الواحدة.  لهذا كان الصراع مقصوراً على العرب، تعبيراً عن مشكلة تطورهم القومي، ولم يتجاوزهم إلى الأمم الأخرى في دولة المسلمين.  لم يكن فيه طرف من المسلمين في إيران أو أفغانستان أو تركيا أو الهند… الخ.

ولما أن اكتمل للعرب وجودهم القومي كانوا قد أصبحوا أمة صنعت تاريخها الخاص حتى خلال الصراع الداخلي الذي كان مقصوراً عليها.  فلما أن أرادت الأمة التركية أن تصل إلى الخلافة كان عليها أن تغزو الأمة العربية، بمن فيها من مسلمين وغير مسلمين، غزواً دامياً.  وبينما كانت الجيوش التركية متميزة بانتمائها القومي، لا تخفيه راية الإسلام، كان ضحاياها في كل مكان من الخليج إلى المحيط عرباً متميزين بعروبتهم وإن كان بعضهم من غير المسلمين.

كذلك كنا أمةً واحدة.

سيان بعد هذا أن نكون ساميين أو من أجناس أخرى، وسيان أن نكون من أجداد نزحوا من الجزيرة العربية أو أن نكون من أصول شتى، وسيان أخيراً أن نكون مسلمين أو غير مسلمين، فقد تم التكوين، وأصبحت لنا وحدة الوجود القومي، لا نستطيع أن نلغيه ولا يجدي أن ننكره، فنحن كما نحن أمة عربية واحدة.  قد لا يشعر الذين يكونون هذا الوجود به، ولكن الوجود القومي – كما قلنا – تمييز عن القوميات الأخرى.  وإن كل الأمم لتنظر إلينا وتعاملنا كأمة واحدة، لأنها تعرف بالقياس على وجودها القومي ذاته أن لنا وجوداً قومياً متميزاً عنها.

كذلك عاملتنا حتى الأمة التركية في ظل الدولة الواحدة.

فقد درج العثمانيون في أول عهدهم بالخلافة على سنن الإسلام الأولى، فكانت الخلافة دولة مشتركة تتحقق بها وحدة جهاز الإدارة الردع.  كانت دولة كل أمة داخل الدولة الواحدة، فقد كانت تلك المساواة حكم الشريعة السمحاء ا المطهرة تماماً من الاستعلاء والتسلط والاستعمار.  وإذا كانت الدولة الواحدة قد قسمت الأرض، أو أبقت قسمتها السابقة إدارات، منها المقصور على مدينة واحدة ومنها ما يضم إقليماً كاملاً، فلم يكن ذلك خلقاً لدول عربية داخل الدولة الواحدة.  حتى المتمردون من حكام الأقاليم وولاتها، والطامعون منهم والطامحون، كان تمردهم وطمعهم وطموحهم يدور داخل الدولة الواحدة ولو أدى القتال طريقاً إلى إقناع السلطة المركزية بما يريدون.  وإذا كان لكل ولاية مجندون من أرضها، فتلك جيوش وكتائب من جيش المسلمين، تذود عن الدولة الواحدة، ولو ذهب الجند من وادي النيل إلى جبال القرم.  كانت مصر ولاية وكانت عكا ولاية، ولم تكن مصر كما لم تكن عكا دولة، ولا كانت أيهما أمة، وفي ذلك تساوتا قسمين إداريين، ولو كان سكان مصر أضعاف سكان عكا.  كان تقسيماً إدارياً في دولة واحدة تضم قوميات عدة.  ولم يحدث قط – منذ الفتح الإسلامي حتى الاحتلال الأوروبي – أن احتاج عربي إلى إذن من أحد لينتقل، ويعيش، ويمتلك، ويتاجر، ويتعلم، ويثور، أيان شاء من الخليج إلى المحيط.  كان يسعى أيان يسعى على أرضه في أمته.

غير أن الأمر لم يلبث كثيراً حتى انقلبت الخلافة من دولة للمسلمين إلى دولة للترك، يسخرونها في بناء مستقبل الأمة التركية من إمكانيات الأمة العربية، ويفتدون بقاءهم كأمة بأجزاء من الوطن العربي.  فقد تآمر الاستعمار الأوروبي على دولة المسلمين.  وكان خطر الغزو الأوروبي الاستعماري يتجاوز دولة الخلافة إلى الأمم التي تعيش في ظلها.  لهذا تحصن كثير من العرب بالوحدة الإسلامية ضد التهديد الأوروبي.  وكان ذلك الموقف يمثل قمة الوعي وقمة الثورية في ذلك الزمان حاربته أوروبا المستعمرة بالموقف المضاد دعوة إلى الإقليمية.  وأغرت الأقاليم الإدارية، داخل الأمة العربية، بالاستقلال عن تركيا، لتفرض العبودية بعد الاستقلال، وتلتهمها لقمةً معزولةً فسائغة.  وقدم المتعالمون من خريجي مدارس أوروبا، والإقليميون من المشايخ والأمراء والسلاطين، أكبر عون للاستعمار باسم الاستقلال.  ولم يفطن أحد منهم إلى ما فطن إليه المستعمرون، وخططوا الطريق إليه ونفذوه، أن تكون الدول التي تستقل عن الدولة العثمانية، ليحتلها الاستعمار الأوروبي بعد هذا، قائمةً على أسس إقليمية وليس على أسس قومية.  وستثبت الأحداث فيما بعد أن الاستعمار الأوروبي كان يخشى أن يستقل العرب دولةً قوميةً واحدةً أكثر مما كان يخشى بقاء الدولة العثمانية ذاتها.  ولعل ذلك أن يكون وراء كل تلك المحاولات التي بذلتها الدول الأوروبية، وصاغتها اتفاقاً على المحافظة على الدولة العثمانية، في الوقت الذي كانت تلتهم فيه أجزاءها العربية واحداً بعد أخر.  كان تحالفاً استعمارياً “أوروبا – تركيا” ضد العرب.  لهذا وقفت الدول الأوروبية تساند الخليفة وتحرضه ضد أحمد عرابي قائد ثورة “أولاد العرب” في مصر، واجتمع المستعمرون، أوروبيين وأتراكاً، في مواجهة ما نسب إلى عرابي من أنه كان يهدف إلى قيام دولة عربية تضم أطراف الأمة العربية جميعاً.  فلما أن خان الخليفة أحمد عرابي وخذله، دخل الإنكليز مصر باسم الخلافة، وسار موكب المستعمرين يتقدمه الخديوي التركي.  على أي حال، لم يفطن المتعالمون والإقليميون في ذلك الوقت إلى أن الصراع كان بين الأمم الاستعمارية الأوروبية والأمة التركية من جانب، والأمة العربية في جانبٍ أخر، وأنه كان دائراً على أسس قومية، وأن الإقليمية – حينئذٍ – كانت تتعدى الاستقلال عن تركيا إلى تمزق الأمة العربية دولاً، لن تلبث أن تذهب جميعها ضحية الاستعمار، بينما تبقى تركيا دولة مستقلة.  هكذا خطط الاستعمار ونفذ. 

وقد أثبت موقف الخلافة، خلال الصراع العربي ضد الاستعمار الأوروبي، أنها دولة تركية متآمرة مع الأمم الأخرى في أوروبا المستعمرة، ضد الأمة العربية، وأن العرب قد فقدوا بذلك دولتهم القومية.  فبينما كان الأسطول العربي من الجزائر محتشداً في نافارين، حيث دُمر وهو يدافع عن الدولة الواحدة، انتهزت فرنسا الفرصة واحتلت الجزائر سنة 1830 ولم تفعل دولة الخلافة شيئاً، مضحيةً بإقليم عربي للمحافظة على الوجود التركي.  كذلك لم تفعل الخلافة شيئاً عندما حاصرت فرنسا قصر الباي في تونس سنة 1881، لتفرض عليه معاهدة تمهد بها لاحتلال تونس العربية.  وفي ذلك العام أيضاً تآمرت الخلافة التركية مع الاستعمار الإنكليزي ضد ثورة “أولاد العرب” في مصر، وتم الاحتلال الإنكليزي في سنة 1882.  ولم يلبث الإنجليز أن قمعوا ثورة “العرب” في السودان.  فلما أن قضي الأمر قبل الأتراك مشاركة الإنجليز في إدارة السودان العربي اتفاقاً سنة 1899.  ومن قبل هذا كله احتل الإنكليز الشواطئ العربية على الخليج، وفي الجنوب، بسلسلة من المعاهدات فرضت أولاً على أمير لحج وعدن سنة 1802، ثم أمير البحرين سنة 1814 ثم أمير… إلى أخر الأمراء والمشايخ والسلاطين الذين نثرت بهم إنجلترا احتلالها على طول شاطئ الجزيرة العربية.  وبينما كانت الخلافة في تركيا تدير سياساتها على أسس قومية تركية خالصة، فتعقد مع المستعمرين الأوروبيين الاتفاقات والمعاهدات، محاولةً الإبقاء على وحدتها كأمة (كادت الأمة العربية أن تهضمها)، كان المستعمرون الأوروبيون يعقدون الاتفاقات معاً قسمةً للوطن العربي فيما بينهم.  في اتفاق سنة 1902 تحتل فرنسا مراكش مقابل أن تحتل إيطاليا ليبيا وفي اتفاق 1904 تحتل إنجلترا مصر مقابل أن تحتل فرنسا المغرب.  ويوم أن أصبح احتلال إقليم عربي شرطاً، ومقابلاً، لاحتلال إقليم عربي أخر، قدم التاريخ أكثر الأدلة مرارةً على وحدة المصير.  وقد تحقق المصير الواحد في مراكش سنة 1911 وفي ليبيا 1913 وأعلن رسمياً في مصر سنة 1914.

كان كل ذلك كافياً، وأكثر من كافٍ، ليدور الصراع في قلب الإمبراطورية العثمانية المتداعية على أساس قومي خالص.  في معركة الوجود القومي، أمة العرب ضد أمة الترك.  وعندما طرحت تركيا دستور الإسلام وأصدرت دستور 1908، بدأت حركة تتريك العرب، وأصبح الصراع على الوجود القومي بين الأمتين سافراً.  وكان طبيعياً أن تكون طليعة النضال العربي، وضحاياه، من أولئك الذين لم يحبسهم الاستعمار الأوروبي في الدول التي اصطنعها.  فحمل أبطال العروبة في المشرق العربي كل العبء إلا قليلاً وإن كان الستار الحديدي الذي عزل به المستعمرون الأوروبيون الأجزاء المحتلة عن معركة المصير الواحد، لم يمنع كثيراً من العرب في كل مكان من أن يسهموا في النضال القومي، ولو كان الطريق إليه هروباً إلى أوروبا أو إلى الآستانة ذاتها.  كان النضال من منطلق قومي إلى غاية قومية.  وبرغم دولة الترك تأسست جمعية الإخاء العربي، وجمعية المنتدى الأدبي، وقامت منظمات سرية، عسكرية ومدنية، مثل الجمعية القحطانية، وجمعية العهد، وجمعية العربية الفتاة.  وفي قلب البرلمان العثماني تكونت كتلة من النواب العرب، تميزت بعروبتها في ظل الدستور الواحد.  كانت كلها جهوداً ثورية تهدف إلى استقلال العرب ووحدتهم ويسهم فيها أبناء العروبة من جميع الأقطار.

وكان طبيعياً، عندما دخلت تركيا المستعمِرة، حرب المستعمرين الأولى (1914 – 1918)، أن يحدد العرب موقفهم على ضوء غايتهم القومية في الاستقلال والوحدة، فقامت الثورة العربية 1916 ضد الأتراك، على اتفاق مع أعدائهم أن يكون للعرب الاستقلال بعد النصر.  وانهزمت تركيا وانتصرت الثورة العربية.  أما العدو التركي الذي انهزم فقد بقيت له وحدته.  وأما الحليف العربي الذي انتصر فقد مزقوه إرباً.  كذلك خططوا منذ البداية، وكذلك حققوا في النهاية، وكذلك كنا دولاً، حتى متصرفية “البلقاء” التي كانت قسماً إدارياً تابعاً لولاية الشام أصبحت دولة “شرق الأردن”.  وأكمل مصطفى كمال الشوط فألغى الحروف العربية واستعار الحروف اللاتينية، وأكمل المستعمرون الشوط فجمعوا نفاية الرجعيين من أممهم ودقوهم إسفيناً في قلب الوطن العربي باسم “إسرائيل”.

كذلك كنا دولاً في أمة واحدة، تحدياً من التاريخ لكل الإقليميين.  إن أحداً منهم لا يستطيع – مهما بلغ من التبجح – أن يضع أصبعه على خريطة “دولته” ويقول: أنا خططت حدودها.  فقد رسمت حدود الدول المتعددة على أرض الوطن العربي الواحد، بالخيانة أو الخديعة أو العدوان، وفي أي حال من تلك كانت تنفيذاً لإرادة المستعمرين وقهراً لإرادة العرب.


*المفكر القومي الدكتور / عصمت سيف الدولة
بطاقة تعريف


المؤهلات :
1-       ليسانس الحقوق                                       1946 جامعة القاهرة
2ـ       دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي                   1951 جامعة القاهرة
3ـ       دبلوم الدراسات العليا في القانون العام              1952 جامعة القاهرة
4ـ       دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص            1955 جامعة باريس
5ـ       دكتوراه في القانون                                   1957 جامعة باريس
المؤلفات :
1ـ       نظرية الدفاع الشرعي في القانون المصري
        المقارن                                                  1957 رسالة بالفرنسية
2ـ       أسس الاشتراكية العربية                                       1965
3ـ       أسس الوحدة العربية                                  1965
4ـ       الطريق إلى الوحدة العربية                           1966
5ـ       الطريق إلى الاشتراكية العربية                      1967
6ـ       وحدة القوى العربية التقدمية                         1968
7ـ       ما العمل ؟ حول هزيمة 1967                       1969
8ـ       الطريق إلى الديموقراطية                                      1971
9ـ       الوحدة ومعركة تحرير فلسطين                      1971
10ـ     نظرية الثورة العربية ( سبعة أجزاء)               1972
11ـ     النظام النيابي ومشكلة الديموقراطية                1975
12ـ     الحركة الطلابية                                        1975
13ـ     الأحزاب ومشكلة الديموقراطية في مصر           1976
14ـ     هل كان عبد الناصر ديكتاتورا ؟                      1977
15ـ     التقدم على الطريق المسدود                          1977
16ـ     إعدام السجان                                          1978
17ـ     حوار مع الشباب العربي                              1978
18ـ     رأسماليون وطنيون ورأسمالية خائنة               1979
19ـ     هذه المعاهدة                                           1980
20ـ     دفاع عن الشعب                                       1980
21ـ     الاستبداد الديموقراطي                                1980
22ـ     دفاع عن الوطن                                       1980
23ـ     هذه الدعوة للاعتراف المستحيل                     1983
24ـ     المحددات الموضوعية لدور مصر في الوطن العربي
25ـ     عن الناصرين وإليهم
26ـ     عن العروبة والإسلام                                 1986
27ـ     دفاع عن ثورة مصر العربية                         1990
28ـ     الديموقراطية في فكر عبد الناصر                             1990
29ـ     الشباب العربي ومشكلة الإنتماء                     1991
30ـ     مذكرات قرية ـ الجزء الأول                          1994
31ـ     مذكرات قرية الجزء الثاني                                     1995
32ـ     حكم بالخيانة كتب في أعقاب مفاوضات فض
         الاشتباك مع العدو الصهيوني في أعقاب حرب1973
33ـ     عشرات المقالات والبحوث  المنشورة في الدوريات

تواريخ هامة :

ـ         الميلاد 20/8/1923 ـ مركز البداري ـ محافظة أسيوط
ـ         الرحيل 31/3/1996 القاهرة
ـ         اعتقل لأول مرة في 15/2/1972 بتهمة محاولة قلب كافة أنظمة الحكم العربية
ـ         اعتقل ثاني مرة في 5/9/1981 مع الصفوة من المناضلين المصريين

وقد عرف الدكتور أيضا كفنان وأديب وله العديد من الأعمال التي أنتجها أثناء فترة الاعتقال وما بعدها.

Aucun commentaire: