1- (كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّةٍ اُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرَهُمُ الْفَاسِقُونَ ( (آل عمران/110)
2-( يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ( (آل عمران/114)
3-( وَلْتَكُن مِنكُمْ اُمَّـةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( (آل عمران/104)
4-( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِاَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِـلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْءانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّآئِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الأَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ( (التوبة/111-112)
5-( الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الاَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ ( (الحج/41)
6-( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَولِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ اُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( (التوبة/71)
7- (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ( (لقمان/17)
الاصول الخمسة عند المعتزلة
الاصول الخمسة عند المعتزلة-
التوحيد: ويعنون به إثبات وحدانيته
الله ونفي المثل عنه، وقالوا أن صفاته هي عين ذاته فهو عالم بذاته قادر بذاته...
لا بصفات زائدة عن الذات، وقد درج مخالفوهم من المغرضين على تفسير ذلك بأنهم ينفون
الصفات عن الله
2- العدل: ويعنون به قياس
أحكام الله على ما يقتضيه العقل والحكمة، وبناء على ذلك نفوا أمورا وأوجبوا أخرى، فنفوا أن يكون الله
خالقا لأفعال عباده، وقالوا: إن العباد هم الخالقون لأفعال أنفسهم إن خيرا وإن
شرا، قال أبو محمد بن حزم:" قالت
المعتزلة: بأسرها حاشا ضرار بن عبد الله الغطفاني الكوفي ومن وافقه كحفص الفرد وكلثوم وأصحابه إن
جميع أفعال العباد من حركاتهم وسكونهم في أقوالهم وأفعالهم وعقودهم لم يخلقها الله
عز وجل ". وأوجبوا على الخالق الله فعل الأصلح لعباده، قال الشهرستاني:" اتفقوا -
أي المعتزلة - على أن الله لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية
مصالح العباد وأما الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف وسموا هذا النمط عدلا
"، وقالوا أيضا بأن العقل مستقل بالتحسين والتقبيح، فما حسنه العقل كان حسنا،
وما قبحه كان قبيحا، وأوجبوا الثواب على فعل ما استحسنه العقل، والعقاب على فعل ما
استقبحه.
3- المنزلة بين
المنزلتين: وهذا الأصل يوضح حكم الفاسق في الدنيا عند
المعتزلة، وهي المسألة التي اختلف فيها واصل بن
عطاء مع الحسن
البصري، إذ يعتقد المعتزلة أن الفاسق في
الدنيا لا يسمى مؤمنا بوجه من الوجوه، ولا يسمى كافرا بل هو في منزلة بين هاتين
المنزلتين، فإن تاب رجع إلى إيمانه، وإن مات مصرا على فسقه كان من المخلدين في
عذابجهنم.
4- الوعد والوعيد: والمقصود به
إنفاذ الوعيد في الآخرة على أصحاب الكبائر وأن الله لا
يقبل فيهم شفاعة، ولا يخرج أحدا منهم من النار، فهم كفار خارجون عن الملة مخلدون في
نارجهنم، قال
الشهرستاني:" واتفقوا - أي المعتزلة - على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على
طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار
لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار وسموا هذا النمط وعدا ووعيدا".
5- الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر: وهذا الأصل يوضح موقف المعتزلة من أصحاب الكبائر سواء أكانوا حكاما أم
محكومين، قال الإمام الأشعري في المقالات :" وأجمعت المعتزلة إلا الأصم
على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع الإمكان والقدرة باللسان واليد
والسيف كيف قدروا على ذلك" فهم يرون قتال أئمة الجور لمجرد فسقهم، ووجوب
الخروج عليهم عند القدرة على ذلك وغلبة الظن بحصول الغلبة وإزالة المنكر.
هذه هي أصول المعتزلة الخمسة التي اتفقوا
عليها، وهناك عقائد أخرى للمعتزلة منها ما هو محل اتفاق بينهم، ومنها ما اختلفوا
فيه، فمن تلك العقائد:
6- نفيهم رؤية الله عز وجل:
حيث أجمعت المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة،
قالوا لأن في إثبات الرؤية إثبات الجهة لله وهو منزه عن الجهة والمكان، وتأولوا
قول القرآن:{وجوه يومئذ ناضرة
إلى ربها ناظرة} أي منتظرة.
7- قولهم بأن القرآن
مخلوق: وقالوا إن الله كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة.
8- نفيهم علو الله، وتأولوا
الاستواء في قول القرآن: "الرحمن
على العرش استوى" بالاستيلاء. وقد وافقوا بذلك الأشاعرة وخالفوا أهل السنة
والجماعة الذين يثبثون العُلو لله جل في علاه.
9- نفيهم شفاعة النبي لأهل
الكبائر من أمته. قال الإمام الأشعري في المقالات: "واختلفوا في شفاعة رسول
الله هل هي لأهل الكبائر فأنكرت المعتزلة ذلك وقالت بإبطاله".
10- نفيهم كرامات الأولياء،
قالوا لو ثبتت كرامات الأولياء لاشتبه الولي بالنبي.
أولا: التوحيد
أولا: التوحيد
لمبدأ التوحيد مفهوم خاص عند المعتزلة،
وهو يعني لهم:
1.
التنزيه المطلق: "ليس كمثله شيء" لا تشبيه
ولا تجسيم وتنزيه الله عن أن يكون مثل الأجسام أو الموجودات الحسية ونفي أي تشبيه
بين المخلوقات والله، والآيات التي تفيد التشبيه لا يقبلها المعتزلة على ظاهرها بل
يقومون بتأويلها مثل "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" نخرج المعنى الظاهر لكلمة (وجه)
ونقول أن المقصود بها الذات.
2.
التوحيد بين الذات
والصفات: الله ذات ووجود وهذا الوجود يتصف بصفات ذكرها الله في كتابه وصف الله بها
نفسه بأنه عالم، كبير، قدير، سميع، خالق، بصير.
ويعتبر المعتزلة هذه الصفات مضافة للذات،
مثلا: الإنسان لا يولد عليم ثم يصبح عليما. المعتزلة يقولون أن هذه الصفات ليست زائدة
عن الذات إنما هي عين ذات الإلهية (العلم – القدرة – الإرادة – الحياة – السمع –
البصر – الكلام) سبع صفات للذات.
·
صفة الذات: هي الصفة
التي لا يجوز أن أصف الله بها وبضدها فلا يجوز أن أصف الله بالجاهل×عالم، ولا
بالعاجز×قادر الخ..
·
صفات الفعل: يجوز أن
يوصف الله بضدها مثل الرزاق فأحيانا يرزق وأحيانا يمنع الرزق، والمعتزلة يقولون أن
*الكلام صفة الفعل وليست صفات الذات.
يقول المعتزلة أن صفات الله الستة لا
تنفصل عن الذات وإنما هي عين الذات الإلهية. سميع بذاته، بصير بذاته وهكذا... قال
أبو هذيل العلاف "سميع بسمع هو ذاته وبصير ببصر هو ذاته"، والفرق ان
الأول نفى الصفة والثاني اثبت الصفة وهي عين الذات.(الملل والنحل, الشهرستاني)
لأنه إذا قلنا أن الصفات ليست عين الذات فمعنى ذلك أن هناك تعدد وتجزؤ في الذات
الإلهية وهذا لا يجوز في رأي المعتزلة لأنه في رأيهم شرك لأنه عندي ذات قديمة
وصفات هي عين الذات ومعنى ذلك أننا نقع في الشرك. والخروج من هذا المأزق يكون
بالتوحيد بين الذات والصفات فصفة العلم هي الذات نفسها. وخصوم المعتزلة يسمونهم
المعطلة أو أهل التعطيل أي عطلوا أن يكون للصفات وجود متمايز. وللشيعة والخوارج
والإباضية رأي شبيه بهذا المبدأ.
ويترتب على هذا المذهب بعض المواقف
العقيدية مثل نفي رؤية الله لا في الدنيا ولا في الآخرة."لاَّ تُدْرِكُهُ
الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"،
"وجوه يومَئِذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة". إلى ليست حرف جر بل تعني النعمة/
ناظرة أي تنتظر تمشيا مع مبدأ التنزيه فإذا رؤي الله بالأبصار فهو جسم.
يترتب على مبدأ التوحيد القول بخلق
القرآن، فالقرآن كلام الله والكلام صفة من صفات الله فالله متكلم وكلم موسى تكليما
وصفة الكلام هي إحدى الصفات التي يعتبرها بعض المسلمين صفات ذات (صفة الذات هي صفة
يوصف الله بها ولا يجوز أن يوصف بضدها مثل الحياة والإرادة). ويعتقدون أن كلام
الله مخلوق أو حادث أي أنه وجد بعد لم يكن موجودا وتكلم الله به بعد لم يكن متكلما.
الخليفة المأمون فرض القول
بخلق القرآن وطلب من الجميع أن يقروا بذلك واعتبر القول بقدم الذات الإلهية ضرب من
الشرك المضاد للتوحيد؛ إلا أن الامام أحمد بن
حنبل تصدى لهذا القول فاستضعف وتعرض للسجن والتعذيب، وقد لقب بإمام
أهل السنة.
ثانيا: العدل
و العدل مبدأ هام في فكر المعتزلة لأنهم
يربطون بين صفة العدل والأفعال الإنسانية ويرون أن الإنسان حر في أفعاله وهم
يقولون ذلك لكي ينقذوا التكليف الشرعي لأن الإنسان المسلم مكلف شرعيا والإنسان
مسئول عن هذه الأفعال حتى يستقيم التكليف ويكون الثواب عدلا والعقاب عدلا. خلافا
للجبرية الذين يعتقدون أن الأفعال من خلق الله والإنسان مجبور عليها. إلا أن
المعتزلة ترى أن عدل الله يقتضي أن يكون الإنسان هو صاحب أفعاله. يترتب على القول
بالعدل الإلهي بأن الله لا يفعل الشر فأفعال الله كلها حسنة وخيرّة، الشر إما أن
يوجد من الإنسان، أو لا يكون شرا إنما لا نعرف أسبابها، أو لا نستطيع أن نجد لها
مبرر لكنها ليست شرا.
يقول المعتزلة أن الله يفعل ما هو الأصلح
لعباده ولا يمكن أن يفعل الشر لعباده. ويتمثل المعتزلة الذات الإلهية خيرا مطلقا،
ويقولون باللطف الإلهي أن الله يهدي الناس إلى ما فيه الخير لطفا بهم.القول بالحسن
والقبح الذاتيين أو العقليين، والمقصود بها أفعال الإنسان الحسنة وأفعال الإنسان
القبيحة. مثلا الصلاة فعل حسن، التصدق فعل حسن، إطعام المسكين فعل حسن.../ الزنا
فعل قبيح، الاعتداء.. أفعال سيئة قبيحة.
و بالنسبة لتحديد ما إذا كان الفعل حسنا
أو قبيحا فهناك إتجاهان: الأول يقول (أن الشرع قد أخبرني ذلك) يجعل الأفعال حسنة
(الشرع أخبرني عن ذلك) يجعل الأفعال قبيحة إذن الإخبار الشرعي هو المعيار وهذا
مبدأ التيار السلفي النقلي الذي يأخذ بظاهر النصوص. والإتجاه آخر التيار العقلي
يقول أن العقل هو المسئول.
ثالثا: المنزلة بين
منزلتين
حكم الفاسق في الدنيا ليس بمؤمن ولا
بكافر. فيظل على هذا الحال فإن تاب أصبح مؤمن وإن لم يتب حتى موته يخلد في النار.
ينسب إلى الرواقيين التمييز بين
قيمة الخير وقيمة الشر ويقولون هناك أشياء خيره وأشياء شريرة وأشياء بين البينين.
وهذه هي فكرة المعتزلة بالقول بمنزلة بين منزلتين إذ تأثروا بالرواقيين وقد تشكل
الاعتزال كمذهب في القرن الثاني.
والسبب فيه انه دخل رجل على الحسن
البصري فقال يا امام الدين لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب
الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة وهم وعيدية الخوارج وجماعة يرجئون
اصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الايمان بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من
الايمان ولا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة الامة فكيف
تحكم لنا في ذلك اعتقادا. فتفكر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء انا
لا اقول ان صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ولا كافر مطلقا بل هو في منزلة بين المنزلتين
لا مؤمن ولا كافر ثم قام واعتزل إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما اجاب على
جماعة من اصحاب الحسن فقال الحسن اعتزل عنا واصل فسمى هو واصحابه معتزله.
ووجه تقريره انه قال ان الايمان عبارة عن
خصال خير إذا اجتمعت سمى المرء مؤمنا وهو اسم مدح والفاسق لم يستجمع خصال الخير
ولا استحق اسم المدح فلا يسمى مؤمنا وليس هو بكافر مطلقا أيضا لان الشهادة وسائر
اعمال الخير موجودة فيه لا وجه لانكارها لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير
توبة فهو من اهل النار خالد فيها إذ ليس في الاخرة الا فريقان فريق في الجنة وفريق
في السعير لكنه يخفف عنه العذاب وتكون دركته فوق دركة الكفار.
الاصول الخمسة عند المعتزلة
مدخل لثاني الأصول
التوحيد
هو أصل الأصول جميعاً و اكرمها منزلة من الاعتزال و الدين بعامة ، فرسالة الإسلام لو اردنا وصفها لقلنا هي رسالة التوحيد ، على ان جل اشياخ الاعتزال إنما ابتدروا الأصول بالعدل نرى ان تقديم التوحيد اصوب و اوجب ؛ ذلك أن العدل اعظم صفاته عز وجل انما يلحق بوحدانيته و يشتق منها ، فالاعتقاد بالوحدانية يشتمل على معرفة الباري عز وجل ، و من كمال معرفته معرفة صفته ، لذا اعتقد بوجوب تقديم التوحيد كأصل أول و منه يسار إلى القول بعدله و صدق وعده و وعيده و منزلة مرتكب الكبيرة بين منزلتي الكفر و الإيمان إلى ان ينتهي الاعتزال اعتقاداً بأصله الخامس الذي يعكس موقفه الاعتقادي في التطبيق السياسي و الاجتماعي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
يبدأ طريق الاعتقاد عند المعتزلة بمعرفة الله و معرفة وحدانيته ، هذا ما عرف بالفكر الاعتزالي بمبدأ الضرورة في معرفة الله . لعل أبي الهذيل العلاف هو أول قال به من المعتزلة ، و المعرفة عند أبي الهذيل العلاف قسمين: أولاً: معرفة اضطرارية : هي معرفة الله و معرفة الدليل الداعي إلى معرفته.
ثاياً: معرفة اختيارية : هي العلوم التي تكون غير معرفة الله و معرفة الدليل الداعي إلى معرفته و يكون منشؤها الحواس أو القياس.
نسب له القول :" المعرفة ضربان : احدهما بإضطرار و هو معرفة الله عز و جل و معرفة الدليل الداعي إلى معرفته ، و ما بعدهما من العلوم الواقعة عن الحواس أو القياس فهو علم اختيار او اكتساب " (1)
أخذ عنه و اضاف البلخي البغدادي الذي اكد ضرورة المعرفة لجميع المكلفين لأن وجوبها الاضطراري يعين الانسان المكلف على اجتناب القبيح و فعل الحسن ؛ يقول :" انه تعالى كما يعرف دلالة في الدنيا فكذلك في الآخرة لأن ما يعرف دلالة لا يعرف إلا بها كما أن ما يعرف ضرورة لا يعرف إلا بها ايضاً "(2).
يذهب القاضي في مبدأ الضرورة في معرفة الباري مذهباً أكثر تمنطقاً ، فهو عنده انما يجب ابتداءً بالتفكر و التدبر و النظر و الاستدلال و "قد افاد القاضي من رأي ثمامة في تأكيد مبدأ الوجوب العقلي"(3) كما نلاحظ فإن تأخر القاضي عبد الجبار ادخل في رأيه شيء منالجبائية الاعتزالية فخالف فيها جمهور المعتزلة من بصريين و بغداديين في ان طريق المعرفة هو النظر العقلي المجرد ، و هنا ينبغي التنبيه على ما سيتبع بيانه لاحقاً من ان الكثير من الباحثين قد وقعوا في خطأ منهجي عندما درسوا آثار الاعتزال كوحدة واحدة متطابقة بم يطرأ عليها تطور و تبدل ، و بالتالي اختلط عليهم و وقعوا في تناقض كبير ، لكن لو احكم البحث و استبصرت الآثار بعقلانية فاحصة معتبرة لمسار التاريخ لأدركوا من اين يأتي الاختلاف ، فكما هو واضح في كل أثر اعتزالي متقدم طريق المعرفة يبدأ بالحاسة ، فكأن العلاف يقول يقوم الدليل المادي شاهداً بالضرورة على المصدر و هو الله ، اما عند القاضي عبد الجبار فالدليل الحسي و المعرفة الحسية بالجملة موضع شك و لا يصح الدليل عنده إلا بالنظر العقلي المحض!
من اين أتى هذا الاختلاف؟ القاضي عبد الجبار عاش في بلاط بني عباد من هذا نعرف تأخره و تأثره كما هو واضح في صياغة افكاره بالجبائية الاعتزالية ، حيث دخل اثر ارسطو الفلسفي ، و نعلم ان الدليل الحسي عند ارسطو ليس بحجة و لا يستقيم الدليل إلى بالتفكير المنطقي المحض ، من المهم هنا ان نلحظ ان تقدم المعتزلة في فهم و تمثل اطروحات ارسطو في المنطق جعلت لها قدم السبق و الفضل على ابن رشد و من كان بعده .
نجد معاً في المراجع التي بين ايدينا و نقلت إلينا عن القاضي عبد الجبار ما يثبت عمق تأثره بموقف ارسطو من الدليل ، فعنده " الحس لا يصلح لأن يكون اداة للمعرفة اليقينية و معرفة الله على وجه الخصوص " (4) ، و كذلك " إن الحواس لا يمكن أن تكون طريقاً للعلم " (5) ، و كذلك " إن العلم بالله و بمعرفته يستند إلى العقل نظراً و تأملاً و ليس اضطراراً أو حسياً " (6).
يقود هذا الخلاف بين المعتزلة الأوائل و البصريون منهم خاصة و بين القاضي عبد الجبار في مسألة الدليل الحسي إلى خلاف آخر حول طبيعة الانسان ، فنظرة المعتزلة المتقدمة إلى الانسان نظرة مادية فيزيائية مرتبطة بالبدن ، اما القاضي فقد اقترب في هذا من الفهمالاشعري و قال بثنائية التكوين الانساني البدن و الروح ، اذن التأثر بالفلسفة الاغريقية كما سبق و اشرنا جاء متأخراً في الفكر الاعتزالي و اطلاق القول بان الفكر الاعتزالي نتاج بهذا القدر او ذاك للتأثر بالفكر الفلسفي الاغريقي هو الخطأ الذي استغرقنا الكثير من الوقت و الجهد حتى نستظهره عندما تعارضت بين ايدينا الاثار التي وصلت عن متقدمي المعتزلة و هي القليلة و متأخريهم وهي الكثيرة لانها ما حفظ جله هذا الخطأ الذي وقع فيه نفر من كبار البحاثة و على رأسهم الشهيد حسين مروة عندما كتب عن الاعتزال (7).
ليس فقط نهتدي إلى ان القاضي نموذج لتأثر المعتزلة من متأخري بغداد و الاندلس بالفكر الاغريقي الفلسفي عامة و الارسطي منه خاصة و لكن و هو الاهم نهتدي لكون القاضي عبد الجبار حلقة وصل او جسر عبور بين المعتزلة و الاشاعرة و حلقة وصل كان قطباها القاضيعبد الجبار المعتزلي و الباقلاني الاشعري و الملفت ان المعتزلة الجبائية ممثلة بأبي علي و أبي هاشم هي النبع الذي نهل منه كلاهما و صدرا عنه خاصة في مسألة المعرفة و العلم و هذا ما يفسر شبه التطابق في هذه المسألة بين ما اورده القاضي عبد الجبار فيها و ما اورده الباقلاني في نفس المسألة في مقدمة كتابه التمهيد فهو الآخر قد اقترب من رؤية المعتزلة في القدرة معدلاً على ما قدمه الاشعري ، اما العلم فكلاهما اي القاضي و الباقلاني تأثرا بوضوح بالجبائية ، و لا شك انك تلاحظ في قراءة القاضي عبد الجبار انه خالف ما سار عليه جمهور المعتزلة من تقديم أدلة العقل على النقل فنهج في كتاباته على تقديم ادلة النقل على ادلة العقل .
قبل ان نستأنف في مبحث اطول و ادق في مسألة المعرفة هذه و ما تثيره من اشكاليات سنعرض لها في حينه لا بد ان نعرض لنقض القول بمصدر معرفة الله بالنقل او التقليد او القلة او الكثرة و كلها مصادر تجمع المعتزلة على فسادها إذ لا يصح عند المعتزلة معرفة الباري إلا بالدليل العقلي كضرورة لا محيص عنها و إن اختلفوا أيقوم الدليل العقلي على قاعدة الحس ام على قاعدة النظر العقلي المحض؟
ذكرنا أن منهاج الاستدلال العقلي هو الطريق المقبول عند اشياخ الاعتزال إلى معرفة الله ، و قلنا أنهم لا يقبلون بغير العقل طريقاً لتلك المعرفة و بينا كيف أن متقدميهم قالوا بأن معرفته بالعقل ضرورة يستخلصها الانسان من المشاهدة المادية و بالدليل المادي بينما مال متأخريهم والجبائية ابتداء و القاضي عبد الجبار على وجه الخصوص إلى القول بالاستدلال العقلي البرهاني المحض.
هنا نعرض إلى ما ذهبت إليه المعتزلة من فساد معرفة الله بغير طريق العقل :
أولاً : طريق التقليد :
التقليد هو قبول قول الغير بدون طلب الحجة أو البينة حتى يجعل كالقلادة في العنق.
لا يمكن بحال أن يحل التقليد بديلا للعقل في معرفة الله أو العلم به ، لأن ذلك لو وقع فبالضرورة هو إلغاء للعقل من جذره ، و هذا ما يجعلنا نرى كيف يهوي الإيمان النقلي عند التعرض لضربات أي منطق يستند إلى عقلانية غيرية ، و هذا تماماً هو السبب الذي جعل المعتزلة يرفضون دعوة التقليديين للإكتفاء بالاتباع و تعطيل العقل ذلك أنه
1) يبني إيمان وهمي بالوكالة لا يستقيم إلا باستقالة العقل من دوره وهو ما ينتفي عند العاقل الإنسان و الذي جعل عقله له مناط تكليفه.
2) لا يصلح حجة على من عارض الإيمان بالله و كفر به ، و تلك كانت المهمة الكبرى التي نذر المعتزلة لها انفسهم ، فانفقوا جل وقتهم في الدفاع العقلي عن الاسلام و بينوا لغير المسلمين و بالأدلة العقلية صحة الايمان بالله الواحد المنزه بالعقل و الدليل العقلي إذ لا تصلح الحجج النصية في مثل ذلك الجدل و لا بد بالضرورة أن يقوم الدليل العقلي عليه و هذا ما اخرجه المعتزلة بجهدهم و فكرهم من أن الإيمان بالله الواحد الذي ليس كمثله شيء ضرورة عقلية يستدل عليها بالدليل العقلي سواء كان المادي أو المنطقي .
أما التقليد فلا يصح أبداً طريقاً لمعرفة الله حتى إذا استبعدنا من حوارنا من كفر بالدين ، فهو إذ ذاك لا يستطيع استبانة صحة اتباعه و عليه فهو مضطر إما إلى اتباع كل الطرق في معرفة الله أي كل المذاهب لإنتفاء الاختصاص بشرط النص و الاعتماد على التقليد و إما أنه لا يقلد أحداً و يعتمد على عقله في النظر و الاستدلال و هو ما صح عند المعتزلة ، بهذا ينسف المعتزلة الاتباع من جذوره و ينفون الكهنوت في الدين و يقولون أن الانسان ليس بحاجة شيخ و لا طريقة و لا مذهب ليعرف الله ، لا يصلح عندهم أيضا الاحتجاج بزهد الزاهدين ، لماذا؟ لأنه ما من طائفة إلا و فيها زهادها و عبادها " فهو إما أن يقلد زهاد الطوائف جميعاً أو أن لا يقلد أيا منهم إذ لا معنى لتقليد بعضهم دون بعض لفقد المزية و الاختصاص"(8) .
كما رأينا فإن المتبع لا دليل بعقل لديه لذا فهو لا يدري مكمن الاتباع الحق و لا يملك قدرة التميز التي لا تقوم إلا بالعقل و لذا فإنه أمام أحد اختيارين إما أن يتبع الجميع بدون استثناء و هو ما لا يمكنه و إما أن لا يتبع و يعتمد على عقله و ذلك هو طريق المعتزلة في المعرفة .
ثانياً : طريق الأخذ بالكثرة على القلة (اتباع الاكثرية): أي طريق اتباع ما لقينا عليه الكثرة و رفض ما وجدنا عليه القلة ، طبعاً هو فاسد ليس فقط لفساد الاتباع كطريق كما سبق بيانه و إنما أيضاً لفساد الاستدلال بالكثرة على الصحة ابتداء "فلا يأمن المقلد من أخطاء المقلدين" (9) و الله عز وجل يقول { و أكثرهم للحق كارهون }(10) و يقول :{ و قليل من عبادي الشكور }(11) ، و الأشد من كل الادلة ثقة في نكران الصحة فيما مالت له الأكثرية بالضرورة هو أن الأكثرية كانت تعارض الرسول صلى الله عليه و سلم حين كان فرداً في دعوته فهل كانت الأكثرية على الحق ؟! بل أن المشركين كانوا يحتجون عليه بالكثرة التي خالفها ، وكثيراً ما تجد اليوم من يقول لك هذا رأي أغلب المسلمين فمخالفتك له خطأ و خرق للإجماع ، تجد المعتزلة ايضاً بهذا لا تعترف بالاجماع شرط صحة و هو الاصوب بالضرورة -هناك خلط في وضع الاجماع عند القاضي كمصدر و هو يتناقض جذرياً مع رفض الاخذ بطريق الكثرة على القلة و لو كانت واحداً سنعود لهذا في حينه- لأن الابداع بذاته كسر اجماع في ذاته و لذا وصف المبدع باللامنتمي – كولن ويلسون - و لذا ايضاً تمسك الاتباعيون و اللا عقليون بشعار كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار فيما يرى أهل الاعتزال برأيي ما غاير ذلك تماماً كأني بقول المعري:
إني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تأت به الأوائل
إن جازت الكثرة في الأمر - الأمر هو المفردة الصحيحة كما أرى في الشأن العام لأنها وردت في القرآن دالة على سياسة للأمر العام و ليست مفردة حكم الخاصة بالقضاء و من شائع الاخطاء و قصور فهم القرآن أن تستخدم الآيات التي جاء فيها الكلام على الحكم للدلالة على سياسة الأمر العام و لنا في ذلك مقالات تطول- فهي لا تجوز في الرأي و الفكر و الاعتقاد لأن هذه إنما ترجح بالدليل و لا ترجح بالكثرة .
ثالثاً : طريق النقل:
في هذه الطريق أحد منازع خلاف المتكلمة الحاد خاصة المعتزلة و الاشاعرة فالمعتزلة ترى أن النقل لا يغني عن العقل و لا يقوم عنه بديلاً في معرفة الله تعالى ، أكثر من ذلك المعتزلة تستغني عن النقل في معرفة الله و تستوجبه في معرفة عبادته كما يرى القاضي بالتحديد ، فالدليل يقوم على العبد بعقله في معرفة الخالق و لا يقوم عليه دليل في عبادته إلا بالنص ، لذا قرر أن "المعارف بالله و رسوله و شرائعه اكتسابية"(12) و هذا ما رفضه الأشاعرة رفضاً قاطعاًً " ذلك أن البراهين العقلية المنطقية إنما تثير الشبهات عند العامة "(13)فالغزالي يرى قطعاً أن "كل اعتقاد ما جاء به رسول الله (ص) و استعمل عليه القرآن اعتقاداً جازماً فهو مؤمن و إن لم يعرف أدلته"(14) ، و هكذا فالاعتقاد يصح عند الغزالي من المؤمن و إن جهل الأدلة بينما لا يصح الاعتقاد إلا بالدليل عند المعتزلة ، للأسف وافق إبن رشد ذلك ضمنياً في رأيه في إيمان العوام و فرق بين وعي العامة و الخاصة أما المعتزلة فلا تفرق و تستوجب الايمان بالعقل و الدليل ، لأن الايمان بالاتباع باطل عندها ، و أرى ما تراه فلو كان الله ليقبله لقبله من الاتباعية في غير أمة الاسلام ، فبما يفضل الاتباعي المسلم غيره من الاتباعية إلا بصدفة وجوده متبعاً للحق؟! و لو حق ذلك لما عدل الله فيه ، و هذا انتقاص من عدل الذات الإلهية فكيف يكون الله غير عادل إذن؟! ذلك دليلي على فساد القول بصحة الاتباع و النقل ، فالعقل هو مناط التكليف لا يقبل إلا به و منه و لو قبل الاتباع من طريق لقبل من غيره و لانتفت حجة الله على الناس لأن دليله عليهم لا يقوم إلا بالعقل لا بالنقل و لا بالاتباع.
و القاضي عبد الجبار المعتزلي معنا يرى " أن معرفة الله لا تنال إلا بحجة العقل"(15) و أما ما عدا العقل "فليس إلا فرع على معرفة الله في توحيده و عدله و هو شأن المصادر الثلاثة الكتاب و السنة و الاجماع"(16).
العقل أعلى حجج الله على الانسان في معرفته و ما أقام عليه بقرآنه من دليل إلى قال ألا تنظرون و ألا تتفكرون ...الخ و لم يقل أبداً ألا تتبعون ألا تنقلون بل هو في جوهر رسالته ثائر على الاتباع و التقليد و على الغاء العقل و الكهنوت لو كنتم تعلمون،" أما حجة الكتاب ففي معرفة التعبد إليه و حجة النبي في معرفة العبادة" (17) "العقل المقياس الشرطي للحقيقة و هو الطريق الوحيد للمعرفة اليقينية "(18)
عند أبي الهذيل العلاف البرهان :"النظر في الحوادث من الاجسام و نحوه و ملاحظة التغيرات الناتجة عنها مما يؤكد حدوثها ، فالبنظر إلى المُحدَث لا يمكن أن يكون الانسان المُحدِث نفسه و لا مماثل له فهو بالضرورة مخالف لكل المواصفات الانسانية و المقياس المادي و هو الله". و لذا فإن الله قادر قدرة مطلقة لأنها لا تحدها اشراط المادة و لا تجوز عليها قوانين الطبيعة و ما يجب بقانون المادة لا يجب على الله و لا يحد قدرته فهي مطلقة ، و عملاً بقانون التداعي الذي أعمله المعتزلة هنا تتوالى الدلالات فبكون الله قادر فهو عالم بالضرورة ، و بما أنه قادر عالم فإنه لا آفة فيه و لا يعتريه نقص فهو سميع بصير بسمع و بصر لا يقبل تخيلاً مادياً إنما سمع و بصر مطلقان لا يحدان ولا يوصفان إلا بالإطلاق ، فهو مدرك للمدركات ما وقعت ، و لما كان قادراً عالماً بصيراً فهو قديم قدم لا يحده زمن لأنه صنع الزمن فلا يقبل هنا منك أن تبتدرني بسؤالك و متى يقع قدمه من الزمن فينتج أنه يحدث إذا لأنه هو الذي أوجد الزمن فلا يجوز إذن أن نخضعه للقياس بما خلق و هذا من ما يكثر أن يسأل فيه المتشككين و جوابه كما قلت أن الزمن من مادة الادراك حادث فهو مخلوق لله و كل مخلوق لله بعده لا يقع على الله حكمه و قياسه و العياذ بالله ، و بتقرير قدمه على الزمن فلا يكون جسماً أو عرضاً و لا يجوز عليه ما يجوز على المادة من صفات كالمجاورة و الحلول و سائر التغيرات كالصعود و النزول و الارتفاع و الهبوط و الحلول في المادة و الانحدار و الانتقال و لا تجوز عليه ايضاً الزيادة و النقصان و هو إذن الغني فلا تجوز عليه الحاجة ، و لا يبصر بأداة بصر لأنه لا تجوز عليه خصائص المادة القابلة للإدراك ببصر كما ذهب جمهرة من اتباع المذاهب ، و لا تجوز عليه التثنية لأنها لو وقعت لتمانع الاثنين و إن انتفى التمانع فلا تثنية له كما أن التثنية تضعف و الضعف لا يجوز على القديم القادر فلا يتفق إذاً إلا توحيده .
في حلقتنا القادمة نناقش مسألة في منتهى الاهمية هي مسألة المعرفة و ما قد ينتج من تعارض بين التوحيد و العدل.
- يتبع -
(1) البغدادي – الفرق بين
الفرق – ص129
(2) القاضي عبد الجبار
المعتزلي : شرح الأصول الخمسة ، ص52-60، ط مصر -1965 وكذلك ايضا القاضي: المحيط
بالتكليف ، ص 24 ، ط مصر 1965.
(3)الخياط المعتزلي : الانتصار
، ص86-87 ، ط مصر الأولى 1925.
(4) القاضي : المغني – النظر
والمعارف ، 12/325.
(5) نفس المصدر ، 12/16.
(6) القاضي : فضل الاعتزال ، ص
138 وكذلك : متشابه القرآن ،2/629 وكذلك : تنزيه القرآن
عن المطاعن
ص 131 ، طبيروت بدون تاريخ.
(7) أنظر النزعات المادية
بجزئيه طبعة بيروت الثالثة القسم الخاص بالمعتزلة و كلامه على نشأتها و مصادر
فكرها.
(8) القاضي : شرح الاصول
الخمسة ، ص 60-61.
(9) القاضي شرح الأصول الخمسة
،ص63.
(10) المائدة 103.
(11) سورة ص 24 وسورة هود 40
وسورة سبأ 13.
(12)القاضي : متشابه القرآن
2/629.
(13) أبو ريان : تاريخ الفكر
الفلسفي في الاسلام ، ص396.
(14) الغزالي : فيصل التفرقة
بين الاسلام والزندقة ، ص 204 ، ط. مصر 1961.
(15) شرح الأصول ، ص 88.
(16) فضل الاعتزال ، ص 138 ،
ط. تونس 1974 راجع أيضا : الإمام يحيى ابن الحسين : رسائل
العدل والتوحيد – المقدمة 2/355، ط. مصر
1971 وكذلك : محمد عمارة : المعتزلة 1/30 ، ط. مصر
1971.
(17) وهذا رد من القاضي على من
تساءل عن مكمن معرفة طريقة أداء العبادة حسب رأي القاضي عبد الجبار.
(18) شرح الأصول ،ص 88.
(منهج التوحيد والعدل الإسلامي المعاصر)
يفرق
القاضي عبد الجبار بين العلة والسبب، حيث يقول: “السبب في الأفعال الإنسانية (
بصفة خاصة) يعود إلى ذات الفاعل، حيث تتعلق به ( أي الفاعل) الأسباب والمسببات على
السواء، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى العلة،إذ لا تعلق للمعلول بالفاعل لوجوبة عند
وجود العلة، بينما لا يجب المسبب عند حصول السبب، إلا إذا انتفت الموانع.” المرجع:
السببية عند القاضي عبد الجبار. صفحة 43. أرجو شرح هذا الكلام، وضرب أمثلة؟
لا يوجد ترادف بين مفهوم (السبب) ومفهوم (العلة) عند نفاة الترادف من مشايخنا
كأبي علي الفارسي والمُبَرِّد وغيرهما. لذلك كان كلام القاضي دقيقاً جداً في وجوب
التفرقة بين اللفظين. أما قوله: “السبب في الأفعال الإنسانية ( بصفة خاصة) يعود
إلى ذات الفاعل، حيث تتعلق به ( أي الفاعل) الأسباب والمسببات على السواء وليس
الأمر كذلك بالنسبة إلى العلة، إذ لا تعلق للمعلول بالفاعل لوجوبة عند وجود العلة،
بينما لا يجب المسبب عند حصول السبب، إلا إذا انتفت الموانع” فمفهوم السبب يدلُ
على كل شيئٍ يُتَوصَّلُ به إلى غيره، فعندما أقول مثلاً: جلستُ لأستريحَ، فإن
اللام هنا تكون للسبب، أي أنني أتوصَّلُ إلى الراحة بالجلوس، والباء هنا
للإستعانة، فأنا أستعين بالجلوس لكي أصل إلى الراحة، وبهذا يكون الجلوسُ هو سبب
الراحة، والراحة هي مسبب الجلوس، وواضح تأثير السببُ في مسببه، وتأثر المسبب
بسببه. وكما ترى فإن السبب (الجلوس) والمسبب (الراحة) يتعلقان على السواء بنفس
الفاعل الذي جلس لكي يستريح، وهذا هو ما يقصده القاضي بقوله “حيث تتعلق به ( أي
الفاعل) الأسباب والمسببات على السواء”. أما العلة فهي كل ما يكون طريقاً للوصول
إلي شيئٍ غير مؤثرٍ فيه، كرؤية الهلال والصوم في قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة : 185) أو قوله صلى الله عليه (صوموا لرؤيته)
فاللام هنا ليست لام السبب ولكنها لام التعليل، لماذا؟ لأن طلوع الهلال ليس له
تأثير ذاتي في الصوم، بعكس الجلوس الذي له تأثير ذاتي في الراحة، محلّه ذات
الفاعل، لذلك يقول القاضي: “وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى العلة، إذ لا تعلق
للمعلول بالفاعل”. وهكذا نجد فارقاً دقيقاً بين مفهوم السبب والمسبب من ناحية،
ومفهوم العلة والمعلول من ناحية أخرى. أما قوله “لوجوبة عند وجود العلة” فلا يحتاج
لفضل بيان، فالصوم يجب شرعاً عند وجودِ علته، بينما لا يجب المسبب عند حصول
السبب، فربما يجلس الإنسان لكنه لا يرتاح برغم ذلك، لمانع ما كأن يكون جلوسه على
كرسيٍ غير مريح، فإن انتفى المانع وجب.
ما
الفرق بين العلة “الغائية” والباعث؟
يمكن تعريف (السبب) بأنه كل ما يكون طريقاً للوصول إلي شيئٍ مؤثرٍ فيه، بينما
(العلة) هي كل ما يكون طريقاً للوصول إلي شيئٍ غير مؤثرٍ فيه، فيكون الفارق بينهما
هو “التأثير” في حالة السبب وعدمه في حالة العلة. أما مصطلح العلة “الغائية” فأرى
أنه اطنابٌ لساني، لأن كلمة “غاية” تدل في لسان العرب على “الطريق”، و”الطريق”
مُتَضَمن فعلاً في تعريف العلة فلا توجد حاجة لتكراره. أما “الباعث” فهو الدافع –
النفسي أو الإيماني – لفعل شيئ معين، فرؤية الهلال الوليد هي علة وجوب الصوم بينما
الرغبة في الإمتثال لأمر الله التكليفي هي الباعث لكي نصوم.
نسمع
عن التحسين والتقبيح العقليين كاصل عند المعتزلة ونعلم انه يستقل بإنشاء الاحكام
كالقران او السنة ولكن كيف يمكن الاستفادة من هذا الاصل في عصرنا ؟ بمعنى هل
بالامكان ان يحرم شئ بالتقبيح العقلي مما طرا على الساحة من سلبيات ، أو أن يصبح
واجبا بالتحسين ان كان ايجابيا كمحاولة حيازة القنبلة الذرية او الاستفادة من
التكنلوجيا الحديثة فمثلا عند غير المعتزلة تعد هذه الامور من فروض الكفاية ولكن
ليس لذاتها وإنما لمنافعها فهل هي كذلك عند المعتزلة ام أنها واجبة بذاتها
بالتحسين العقلي
العقل – في منهجنا – هو أول الأدلة، وهو مقدَّمٌ على غيره من الأدلة في جميع
أبواب الدين كالإيمانيات والشرعيات وغير ذلك. فيما يتعلق بأحكام الشريعة يناط
بالعقل إصدار الأحكام الكلية الضابطة للفروع المختلفة، فالعدل مثلاً يحسُن عقلاً،
والظلم بالتالي يقبُح عقلاً. إنطلاقاً من تلك القاعدة العقلية نقول: إن لم يتحقق
الأمر بالعدل والنهي عن الظلم إلا بتملك وسائل الدفاع الحديثة، يصبح امتلاكها –
لذلك الغرض – من الفروع المتولدة عن ذلك الأصل الذي قرره العقل، وحكمه في هذه
الحالة “الوجوب”. بعد أن يقرر العقل ذلك الحكم ننظر في أدلة النقل فنجد الكتاب
العزيز يقرر نفس الحكم، وذلك بقول الله سبحانه: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا
اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ
اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال : 60) فنجد انسجاماً تطابقياً كاملاً بين ما قرره
العقل من “وجوب” امتلاك أسباب القوة وما قرره الكتاب. إنطلاقاً من ذلك المبدأ
يحسِّن العقل استخدام الطاقة الذرية مثلاً فيما ينفع الناس كإقامة الحق ودحض
الباطل وتخفيف المعاناة وغير ذلك، أي أنه يكشف عن وجوه من المحاسن العقلية تتمخض
عن استخدام تلك التكنولوجيا ترجح كفة استخدامها على كفة العزوف عنها لبعض الأضرار
التي ربما تنتج في سبيل ذلك.
أليست
قاعدة المصالح المرسلة تندرج تحت التحسين والتقبيح العقليين؟
بلى تندرج وغيرها تحت ذلك، فالعقل يمثل إطار عمل عريض للمنهج تندرج تحته
فروعٌ كثيرة.
دليل
النقل الذي استشهدت به “وأعدوا” هو فعل أمر وربطت ذلك بحالة الوجوب وهذا أمر مختلف
عليه: أن الأمر في اللغة يفيد الوجوب أم يفيد الطلب؟
أقول: وضع علماء أصول الفقه قاعدة أصولية – أرجو الإنتباه للفارق الكبير بين
القواعد الأصولية والقواعد الفقهية – تقول إن “الأمرَ يقتضي الوجوب”. أما دليلهم
وعمدتهم في ذلك التقعيد فهو اللسان العربي، وبيان ذلك كما يلي: الأمر في لسان
العرب – وفي علم أصول النحو خصوصاً – جزءٌ من الطلب، فكل أمر هو طلب، لكن ليس كلُ
طلبٍ أمراً، لأن الطلب يشمل ثمانية أشياء هي: الأمر والدعاء والنهي والاستفهام
والعرض والحض والتمني والرجاء. فالأمر – كما ترى – يمثل جزءاً من ثمانية أجزاء من
الطلب. أما “الواجب” فهو ببساطة شديدة ما يُمدحُ المرءُ على فعله ويُذمُّ
على تركه. أما “الأمر” فهو طلبٌ يقتضي الوجوب على الفور وليس على التراخي، فلو أن
سيداً قال لخادمه مثلاً “احضرْ لي كوباً من الماء” فلم يُحضرْهُ الخادمُ للحقه الذم
واللوم والعقاب. من هنا نرى أن لسان العرب يدلُّ على أن الأمرَ طلبٌ واجب فعله على
الفور، ومن هنا استنبط الأصوليون قاعدتهم الأصولية الشهيرة “الأمر يقتضي الوجوب”
مبرهنين عليها من لسان العرب على النحوِ الذي بينتُه.
تحياتي الأخوية
الحسيني
في الأسماء والصفات
[1] السميع
قال القاضي عماد الدين أبو الحسن عبد الجبار بن
أحمد الهمداني الأسد أبادي المعتزلي البصري الشهير (415 هجرية) في كتابه “المختصر”
ما يلي بتصرف يسير وإضافة التشكيل والخطوط:
(وهو سميعٌ بصيرٌ مدركٌ للمدرَكات إذا
وُجِدت، لأنه حيٌ لا آفةَ به، فيجبٌ أن يكون
مختصاً بهذه الصفات إذا وُجِدت المسموعَات والمُبصَرات والمدرَكات).
أقول: إختصاراً للأمر أركز تعليقي على صفة
(السميع)، وما يجري عليها من كلام يلحق كذلك بصفتي (بصير) و(مُدرِك). لفظ (سميع)
هو صيغة مبالغة من اسم الفاعل (سامع) للدلالة على الإحاطة التامة بالمسموع، والمسموع
مفعول أي: اسم المفعول. أما الأصل لتلك الإشتقاقات فهو الفعل الماضي المجرد
الثلاثي (سَمِعَ)، ومضارعه هو (يسْمَعُ)، ومصدره هو (سمْعَاً). عبارة (الله سميع)
عبارة عن جملة اسمية خبرية تتكون من مبتدأ وخبر مرفوعان، والسميع هو – كما ذكرت
للتو – اسم فاعل بصيغة المبالغة. وكلمة (المسموعات) جمع للفظ (المسموع) وهو اسم
مفعول. تعبير (إذا وُجِدت المسموعات) هو تعبير شرطي يحترز به عن انعدام المسموعات.
مقتضى ذلك الشرط هو أن الباري سبحانه يسمع كلَ مسموع على وجه الإحاطة إذا وُجِدَ
ذلك المسموع، فإن لم يوجد المسموع فلا يوجد محل للقول بالسمع أو عدمه في هذا
المقام. جدير بالذكر أن تلك الحالة الأخيرة لا تعتبر منقصة ولا مسلبة (من السلب)
لصفة (السميع)، وإلا للزمنا أن نذم الواحدَ منا على عدم سماع غير المسموع، ولا
يفعل ذلك إلا فاقد العقل. إن معيار المدح والذم إنما هو سماع المسموعات حال وجودها
وليس حال إنعدامها، فإن وجد المسموع ولم يسمعه السامع كان ذلك في هذه الحالة نقصاً
ومسلبة وهو ما يتنزه الله سبحانه عنه. يدل كلام القاضي رحمه الله على أن الباري
سبحانه سميعٌ بكل مسموع أو بكل ما يصح أن يُسمَع حال وجود ذلك المسموع. أما
المجبرة ومن يدور في فلكهم فيلزمهم أن يكون الله سميعاً بالمسموعات منذ الأزل وهذا
ضلال عن الصراط المستقيم، وهنا ينبغي أن نلزمهم بقول الله تعالى:
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة : 1)
بسؤالهم: هل سمع الله تعالى قول تلك المرأة منذ
الأزل أم بعدما تحاورت؟ فإن قالوا: (منذ الأزل) خالفوا القرآن وسقطوا في الشرك
بإثبات أزلي آخر مع الله، وإن قالوا: (بعدما تحاورت) فارقوا مذهبهم الجبري وقالوا
بما نقول به كأهل تنزيه واختيار.
قال القاضي عماد الدين أبو الحسن عبد الجبار بن
أحمد الهمداني الأسد أبادي المعتزلي البصري الشهير (415 هجرية) في كتابه “المختصر”
ما يلي بتصرف يسير وإضافة التشكيل والخطوط:
(فإن قال: إنما يسمعُ أحدُنا ويدركُ
بالآلات، فإذا استحالت على الله تعالى فكيف يوصف بذلك؟ قيل له: إننا نحتاج إلى
الآلات لأنَّا لأجلِ الحياةِ نسمع ونرى، لا كما يفعل لا بآلة، من حيث كان قادراً لذاته).
أقول: الله سبحانه حيٌ لذاته، وليس لمعنى زائد
عن الذات، بينما نحنُ لسنا أحياءً بذواتنا، وإنما بمعنى خلقه الله فينا، لذلك
تحتاج حياتنا إلى محالٍّ لتلك الحياة، فنحتاج مثلاً إلى آلة (الأذن)
وما يلحق بها من جهاز سمعي داخلي لكي تكون محلاً للسمع، وإلى آلة (العين)
وما يلحق بها من جهاز بصري داخلي لكي تكون محلاً للبصر وهكذا. الإنسان عاجز
ومفتقر لتلك الآلات التي تصح أن تكون محلاً لحياتنا، أما الباري سبحانه، فهو قادر
لذاته فلا يعجز، وغنيٌ لذاته فلا يفتقر لشيئ، وحيٌ لذاته فلا يحتاج لآلات تكون
محلاً لحياته لذلك يفارق الواحد منا ويبين عنه بينونه تامه، وصدق سبحانه إذ يقول:
(…. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : 11)
خلاصة ما قاله القاضي رحمه الله هو أن الله
تعالى سميع بكل مسموع إذا وُجِد ذلك المسموع، بصيرٌ بكل مبصَر إذا وُجِد ذلك
المبصَر، مدركٌ لكل مدرَك إذا وُجِد ذلك المدرَك، وهو يستحق كل ذلك لذاته وليس لأي
معنى زائد عن الذات، وهو كلام نفيس حقاً نتفق مع القاضي رحمه الله فيه. في النهاية
يطيب لي تقديم الإحصائية القرآنية التالية:
إحصائية قرآنية
(1) ورد تركيب (السميع العليم) في الكتاب
في 15 موضعاً، وورد تركيب (سميع عليم) كذلك في 15 موضعاً، فيصير مجموع المرات التي
ارتبط فيها صفتا السمع والعلم 30 موضعاً.
(2) ورد تركيب (السميع البصير) في الكتاب
في 4 مواضع، وورد تركيب (سميع بصير) في 3 مواضع، فيصير مجموع المرات التي
ارتبط فيها صفتا السمع والبصر 7 مواضع.
(3) ورد تركيب (سميع الدعاء) في
موضع واحد فقط.
(4) ورد تركيب (سميع
قريب) في موضع واحد فقط.
[2] القدير
يقول قاضي القضاة رحمه الله في “المختصر”:
(هو قادرٌ لصحة الفعلِ منه، والفعلُ لا
يصحُّ إلا من قادر على ما نعقله في الشاهد)
أما قوله (هو قادرٌ) فجملة اسمية خبرية تتكون من
مبتدإ وخبر مرفوعين، ولفظ (قادر) اسم فاعل مشتق من الفعل الماضي الثلاثي المجرد
“قَدِرَ” ومضارعه هو “يقدِر” ومصدرة هو “قدرة”. أما (القدير) فهو اسم الفعل الدال
على المبالغة واللامحدودية والإتساع والشمول في القدرة، فهو القدير، سبحانه
وتعالى. أما اللام في قوله (لصحة) فهي لام السبب / التعليل، أي أن العقل حكم بأن
الباري سبحانه قادرٌ بسبب ما نراه من الأفعال التي صحَّت منه، ونعلم أن الفعل لا
يصح إلا من قادر.
(فإن قيل: هو لم يزل قادرا أم لا؟ قيل له:
نعم، لأنه لو لم يكن كذلك، لكان يقدرُ بأن يجعل نفسه قادراً، ومن ليس بقادر لا يصح
منه الفعل، وهذا يتناقض، فهو إذاً قادرٌ فيما لم يزل ولا يزال، لأنه لذاته قادرٌ)
أما التساؤل (هو لم يزل قادرا أم لا؟) فمعناه:
أقادرٌ هو منذ الأزل أم لا؟ والجواب: نعم، هو قادر منذ الأزل، لأنه قادرٌ لذاته،
لا لمعنى ولا لعلة اقتضت اقتضى من أجلها أن يكون قادراً، ومن كان هذا حاله فإنه
يظلُ قادراً فيما لم يزل، أي: منذ الأزل، ولا يزال، أي: إلى الأبد، بمعنى أن صفة
القدرة لما كانت صفة ذات، لزم من ذلك أن يكون قادراً وقديراً منذ الأزل وإلى الأبد.
(فإن قيل: يُجَوَّزُ على الله تعالى
العجزُ؟ قيل له: لا، لأنه قد ثبتَ أنه قادرٌ على كل مقدور يصح أن يقدر عليه، حتى لا جنس ولا قُدَرَ لا وهو قادر عليه، فمحال أن يعجز)
أما (العجز) فهو عكس (القدرة)، ولما كان الله
تعالى قادرا لذاته، امتنع عليه أن يكون عاجزا، فهو القادر الذي لا يعجز، وهو
القدير على كل مقدور يصح أن يقدر عليه. أما قوله (كل مقدور يصح أن يقدر عليه) ففيه
احتراز عما لا يدخل في جنس المقدورات، أي احتراز عما لا يصح أن يتعلق به قدرة، مثل
الاستحالات العقلية كتزاحم الضدين في محل واحد، فإنه لا يصح أن يقال: أيقدر عليها
أم لا، لكونها مما لا يصح أن تتعلق به قدرة القادر.
يقول العلامة السلفي المستنير السيد محمد رشيد
رضا الحسيني رحمه الله في رسالة (أحكام العقل):
(يشترك الواجبُ والمستحيل العقليان في أنهما
لا تتعلق بهما قدرة الله تعالى، لأن وظيفة القدرة الإيجاد والإعدام، والواجب وجوده
لذاته فهو قديم ويستحيل عدمه، والمستحيل منتفٍ لذاته، ولو أمكن أن يوجد لما كان
مستحيلاً، فلا يقال: إن الله تعالى قادرٌ على إعدام الواجب، كذاته تعالى وتقدس، أو
إيجاد المحال كجعل الشيئ موجوداً ومعدوماً، أو ساكناً ومتحركاً في آنٍ واحد، ولا
يقال: إنه ليس بقادر، إذ ليس هذا من وظيفة القدرة فيثبت لها أو ينفى عنها) (انتهى)
أقول: هذا تقريرٌ جليل ونفيس، فإن الواجب لذاته،
والممتنع لذاته لا تتعلق بهما قدرة، أي بتعبير قاضي القضاة رحمه الله: ليست من
المقدورات التي يصحُّ أن يُقدَرَ عليها. لذلك فعندما يقول الله تعالى:
(…. إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ) (البقرة : 20)
فإننا نعلم أن المقصود هنا هو الشيئ الذي يصح أن
تتعلق به قدرة الله تعالى. يمكننا تعميم النتيجة السابقة من وحي كلام قاضي القضاة
رحمه الله فنقول: الله يقدر على كل مقدور يَصِّحُّ أن يُقدَرَ عليه، ويسمع كل مسموع
يَصِّحُّ أن يُسمَع، ويبصر كل مُبصَر يَصِّحُّ أن يُبصَر، ويدرك كل
مُدرَك يَصِّحُّ أن يُدرَك، ويعلم كل معلوم يَصِّحُّ أن يُعلَم، فكل
تلك الصفات المتقدمة من (القدرة) إلى (العلم) مرورا بالسمع والبصر والإدراك هي
صفات ذات يستحقها الله لذاته، لا لعلة، ولا لمعنى، بل هو لذاته قادر، وهو لذاته
سميع، وهو لذاته بصير وهكذا. أما ما لا يَصِّحُّ أن يُقدَرَ عليه فلا تتعلق به
قدرة، وما لا يَصِّحُّ أن يُسمَع فلا يتعلق به سمع، وما لا يَصِّحُّ أن يُبصَر فلا
يتعلق به بصر، وما لا يَصِّحُّ أن يُدرَك فلا يتعلق به إدراك، وما لا يَصِّحُّ أن
يُعلَم فلا يتعلق به علم.
[3] العليم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي
بعده، ثم أما بعد. إستكمالاً لما بدأتُه من شرحٍ وجيز لكلام القاضي أبي الحسن عبد
الجبار رحمه الله حول الأسماء والصفات، أسطر فيما يلي شرحاً وجيزاً لكلامه رحمه الله
حول جليل
الكلام فيما يتعلق باسمه تعالى “العليم” سائلاً المولى تعالى التوفيق،
وأبدأ بمقدمة وجيزة في بضعة أسطر، فأقول: يختلف (العلم) عن (التعلم) من حيث أن
(التعلم) يعني اكتساب العلم وتحصيله، أما (العلم) فهو إدراك المعلوم سواء بتعلم أم
بغير تعلم كالرؤى والإلهام والشهود وغير ذلك. بديهي ألا يوصف الله سبحانه بأنه
(متعلم) بل يوصف بأنه (عليم) أو (عالم). أما لفظ (عالم) فهو اسم فاعل من (عَلِم)،
وفعل (عَلِم) معناه إدراك العلم، أما فعل (تعلَّم) معناه اكتساب العلم. أما لفظ
(عليم) فهو صيغة مبالغة من (عالم). هناك إذا مستويان. مستوى أدنى: تعلَّم /
يتعلَّم / تعلُّماً / متعلِّم، ومستوى أعلى: عَلِم / يعلم / علماً / عالِم / عليم.
أما المستوى الأدنى فلا يصح أن يوصف به الله لكنه يوصف بالمستوى الأعلى: (عَلِم)
الله المعلوم أي أدركه وأحاط به وأحصاه، و(يعلم) الله المعلوم أي يدركه ويحيط به
ويحصيه، لذلك فإن الله تعالى هو (عالم) لا يجهل وهو بكل شيئ (عليم) وهو (علاَّم)
الغيوب. والآن إلى متن كلام القاضي رحمه الله – باللون الأحمر – من خلال
كتابيه “المختصر” و”الشرح” وتعليقي الوجيز عليه.
(1) كتب قاضي القضاة عماد الدين أبو
الحسن رحمه الله في ” المختصر في أصول الدين” ما يلي (الكلمات بين القوسين
المعكوفين [...] من وضعي):
وهو [الباري عز وجل] عالمٌ، لأن في الشاهد [الفعل]
المحكم لا يصحُ إلا من عالم، كالكتابة والبناء والصياغة، وما خلقه اللهُ تعالى
أبلغُ في الإحكام من قِبَل ذلك، نحوُ خلقه الإنسان على عجائب ما فيه من الصنعة
والأعضاء والآلات ومجاري الطعام والشراب وغير ذلك، فيجب أن يُحكَم بأنه عالمٌ.
تعرِّف المعتزلة (العالِمَ) بأنه: من صح منه
الفعل المحكم. فدليل أن شخصاً ما عالمٌ بهندسة البناء هو قيامه بتصميم وإنشاء مبنى
على وجه صحيح محكم، وهكذا. إذا نظرنا إلى الكون المُشاهَد من أصغر ذرة إلى أكبر
مجرة وجدناه فعلاً صحيحاً محكماً يدل على أن فاعله، الله تعالى، عالمٌ لا يجهل.
نلاحظ من خلال التعريف السابق ربط وصف (عالِمَ) بما صدر عنه هو من فعل صحيح محكم
وليس بما صدر عن غيره، فلو أن الفعل المحكم صدر عن x لم نحكم بأن y هو عالِمَ ولكنا نحكم بأن x هو العالِمَ.
فيما يتعلق بالبشر نجد أن صحة صدور الفعل المحكم كالبناء مثلاً تستلزم وجود
معلومات يتم توظيفها لإحداث ذلك الفعل المحكم، أما فيما يتعلق بالله، فلا يُجوَّز
ذلك، لأن الله عالم لذاته وليس لمعلومات ولا بمعلومات. أي أن وصف الله تعالى بكونه
(عالماً) لا يستلزم أنه يعلم بمعلومات، ولا بعلم، بل يعلم بذاته، ولذاته.
فإن قيل: أليس العالم منا يعلم شيئاً دون شيئ، وفي
وقتٍ دون وقت، فما أنكرتم من هذا في الله تعالى؟ قيل له: هو عالم لذاته لا بتعلم
ولا بأن جعله غيرُه عالماً.
تركيب “عالم لذاته” يتكون من ثلاثة أجزاء
رئيسية: “عالم” وهو اسم فاعل من الفعل الماضي الثلاثي المجرد “عَلِمَ”. “اللام”
وهي للإستحقاق. “ذاته” أو “ذات الله” أي: الله نفسه بما له من وجود حقيقي. تدل
عبارة “عالم لذاته” أن الله تعالى مستحقٌ لصفة “عالم” بسبب ذاته وليس بسبب
زائد عن الذات علماً كان أم معنىً أم صفةً أم أي مسمى آخر. أما قوله “لا بتعلم”
فنفي، والباء للإستعانة، فيكون المقصود نفي أن يكون الله عالماً بواسطة أو بسبب
التعلم ولا مستعيناً بأي معلومات أو علومً مكتسبة، فعلمه حضوري لا حصولي.
فإن قال: فما الدليل على ما قلتم [أي: أن الله عالم
لذاته لا بعلم]؟ قيل له: لأنه لو كان يعلم بعلم لكان علمه … إما أن يكون محدثاً أو
قديماً، ولو كان علمه محدثاً لأدى إلى أن يكون أحدثه من قبل أن يعلمه ومن ليس
بعالم لا يجوز أن يفعل العلم، وهذا فاسد. ولو كان علمه قديماً لوجب أن يكون وجوده
واجباً يستغني عن موجد وفاعل، وهذا موجب إنه مساوٍ لله في الإلهية، وأن لا يكون
الله عز وجل بأن يكون إلهاً أولى من علمه وقدرته القديمين، وفساد ذلك يبين إنه
تعالى عالم لذاته وقادر لذاته على ما قلناه.
هناك قولان في المسألة، أولهما: الله عالم لذاته
وليس لمعنى ولا لصفة ولا لأي شيئ زائد عن الذات، وهي المقولة الصائبة. ثانيهما:
الله عالم بعلم أو عالم بمعلومات وهي مقولة فاسدة تستلزم أحد إحتمالين: إما أنه
علم حادث وهو احتمال فاسد، وإما أنه علم قديم وهو كذلك احتمال فاسد للأسباب التي
بينها القاضي رحمه الله في كلامه.
(2) كتب قاضي القضاة عماد الدين أبو
الحسن رحمه الله في “شرح الأصول الخمسة” ما يلي (الكلمات بين القوسين المعكوفين
[...] من وضعي):
يلزم [المكلف] أن يعلم أنه تعالى كان عالماً فيما
[لم يزل]، ولا يجوز خروجه عن هذه الصفة بجهل أو سهو، وأنه عالم بجميع المعلومات
على الوجه الذي يصحّ أن تُعلم عليه.
أما قوله أن الله تعالى (كان عالماً فيما لم
يزل) فمعناه أن اللهَ سبحانه عالمٌ أزلاً، أي أنه كان على هذه الصفة منذ الأزل،
فتعبير “لم يزل” يدل على الماضي لأن فعل “يزل” وإن كان مضارعاً، إلا أنه قد سُبِق
بحرف نفي وجزم وقلب، ومعنى كونه حرفَ قلبٍ أي يقلب زمن الفعل المضارع فيصير زمناً
ماضياً. ومعنى كونه حرفَ نفي أي ينفي زوال صفة العلم عن الله سبحانه فيما لم يزل
إذ هي صفةُ ذات. وأما قوله أن الله تعالى “لا يجوز خروجه عن هذه الصفة بجهل أو
سهو” فمعناه أنه سبحانه يكون عالماً فيما لايزال، بمعنى أن اللهَ سبحانه عالمٌ
أبداً، أي أنه يكون على هذه الصفة إلى الأبد، فتعبير “لا يزال” يدل على
الحاضر والآتي لأن فعلَ “يزال” فعلٌ مضارعٌ لم يسبقه حرف قلب بل سبقه حرف
نفي. ومعنى كونه حرفَ نفي أي ينفي زوال صفة العلم عن الله سبحانه فيما لا
يزال إذ هي صفةُ ذات، فلا يلحقه جهلٌ ولا سهوٌ ولا أيُ سالبٍ لتلك الصفة. وأما
قوله: “وأنه عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصحّ أن تُعلم عليه” فمعناه أن
الله قد أحاط بكل شيئ علماً، ليس على أي وجه، ولكن على الوجه الذي يصحّ أن تُعلم
عليه. حرف الباء في لسانِ العرب على أربعة عشر وجهاً من الوجوه هي: الإحاطة
والإلصاق والاستعانة والسببية والتعدية والمقابلة والبدل والقسم والظرفية
والمصاحبة والتبعيض والتجاوز والتأكيد والإستعلاء. فحينما يقولُ: إنه عالم بجميع
المعلومات، تكون دلالة الباء هنا هي الإحاطة، أي شمول العلم بالمعلوم من جميع
الوجوه التي يصحُّ أن يُعلم المعلومُ عليها، فلا يفلت وجههٌ من الوجوه، ولا تغيبُ
ناحيةٌ من النواحي.
أما الذي يدل على أنه تعالى كان عالماً فيما لم يزل،
فهو أنه لو لم يكن عالماً فيما لم يزل وحصل عالماً بَعْدَ إذ لم يَكن، لوجب أن
يكون عالماً بعلمٍ متجدد محدث، وذلك فاسد لما نبينه من بعد، إن شاء الله تعالى.
في الفقرة الأولى أشار قاضي القضاة رحمه الله
إلى ثلاثة حقائق هامة، أولها: أنه تعالى كان عالماً فيما لم يزل، ثانيها: أنه
تعالى يكون عالماً فيما لا يزال، ثالثها: أنه تعالى عالم بجميع المعلومات على
الوجه الذي يصحّ أن تُعلم عليه. بعد أن ذكر تلك الحقائق الثلاث أخذ في التدليل –
إي إقامة الدليل – على صحتها، وبدأ بالحقيقة الأولى وهي أنه تعالى كان عالماً فيما
لم يزل: قوله “وحصل عالماً بَعْدَ إذ لم يَكن …” فمعناه: وصار عالماً بعد أن لم
يكن، لوجب أن يكون عالماً بعلمٍ متجدد محدث، لأنه – تعالى عن ذلك – لم يكن عالماً
ثم صار عالماً، وهذا قولٌ فاسد، واضح الفساد، ولا يحتاج لفضل بيان، لأن الله تعالى
ليس عالماً بمعلومات، والباء هنا للاستعانة، ولكنه عالم بذاته أي لا يستعين بأي
علةٍ أو معنىً زائدٍ عن ذاته.
وأما الذي يدل على أنه جل وعز يكون عالماً
فيما لا يزال، هو أنه يستحق هذه الصفة لذاته، والموصوف بصفة من صفات الذات لا يصح
خروجه عنها بحال من الأحوال.
ثنَّى القاضي رحمه الله بإقامة الدليل على
الحقيقة الثانية، وهي أنه تعالى يكون عالماً فيما لا يزال، فقال: إنه “يستحق هذه
الصفة لذاته”. أما اللام في لسان العرب فعلى سبعة عشر وجهاً من الوجوه هي الملك
والإختصاص وشبه الملك والتبيين والتعليل والتوكيد والتقوية وانتهاء الغاية
والاستغاثة والتعجب والعاقبة والاستعلاء والوقت والمعية والظرفية والجنس والعهد.
فحينما يقولُ: إنه يستحق هذه الصفة لذاته، تكون دلالة اللام هنا هي الاستحقاق. ثم
يبين بعد ذلك أن “الموصوف بصفة من صفات الذات لا يصح خروجه عنها بحال من الأحوال”.
وأما الذي يدل على أنه تعالى عالم بجميع المعلومات
على الوجه الذي يصحّ أن تُعلم عليه، فهو أن المعلومات غير مقصورة على بعض
العالمِين دون بعض، فما من معلوم يصح أن يعلمه عالم، إلا يصحّ أن يعلمه سائر
العالمين، فيجب في القديم تعالى صحة أن يعلم جميع المعلومات على الوجوه التي يصح
أن تُعلم عليها.
ختم القاضي رحمه الله كلامه في هذا الباب بإقامة
الدليل على الحقيقة الثالثة، وهي أنه تعالى عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي
يصحّ أن تُعلم عليه. إذا أبصر إنسانٌ عاقلٌ سليمُ الحواس الشمس مثلاً وهي
تشرق، لعلم أنَ الشمسَ بدأت في الشروق، ولا يختص ذلك الإنسان بمفرده بذلك العلم،
بل يصحُّ أن يعلم مثلَ ذلك كلُّ إنسان مثله متمتعٌ بنفس الصفات. إذاً يصحُّ أن
يعلمَ كلُّ عالم ما يعلمه غيره من معلومات، وفي هذا يقول القاضي: “المعلومات غير
مقصورة على بعض العالمِين دون بعض، فما من معلوم يصح أن يعلمه عالم، إلا يصحّ أن
يعلمه سائر العالمين”، فإن كان ذلك كذلك فإن الله تعالى – وله المثل الأعلى – يجب
أن يعلم جميع المعلومات على الوجوه التي يصح أن تُعلم عليها، ويكون علمُه بما يصح
أن يُعلم إحاطياً ونافذاً لحقيقة المعلوم، فالعلم هو إدراك الشيئ على ما هو عليه
من وجه صحيح، والجهل هو عكس ذلك، كأن يدرك جزء من الشيئ وليس كله، أو يدركه كله
ولكن على وجهٍ غيرِ صحيح، وكل هذا لا يُجوَّز على الله تعالى، لأنه العالم الذي لا
يجعل، العليم الذي يعلم جميع المعلومات على الوجوه التي يصح أن تُعلم عليها.
[4] الحي
كتب قاضي القضاة عماد الدين أبو الحسن رحمه الله
في ” المختصر في أصول الدين” ما يلي:
وهو [الله تعالى] حيُّ، لأن أحدَنا متى خرج من أن
يكون حياً استحال أن يعلمَ ويقدرَ، ومتى صار حياً صحَّ ذلك فيه، وأحواله كلها على
السلامة، فإذا كان الله تعالى عالماً قادراً فيجب أن يكون حياً لم يزل ولا يزال.
الله سبحانه قادرٌ لأن الفعل قد صحَّ منه،
وعالمٌ لأن الفعلَ الذي قد صحَّ منه فعلٌ محكمٌ، ومن كان قادراً عالماً يلزم أن
يكون حياً. ولما كانت الحياة صفة ذات لزم أن يستحقها الله لذاته، لا لمعاني زائدة
عن الذات، أي أنه ليس حياً بحياة، لكنه حيٌّ بذاته ولذاته، فيما لم يزل، أي أزلاً،
وفيما لا يزال، أي أبداً.
[5]،
[6] البصير
/ المدرك
وهو بصير [يُبصرُ المُبصَرَات] مُدرِكٌ للمُدركات
إذا وجدت، لأنه حي لا آفة به، فيجب أن يكون مختصاً بهذه الصفات إذا وجدت المبصرات
والمدركات
الله تعالى هو البصير الذي يبصرُ كلَ ما يصحُّ
أن يبصَرَ، والمُدرِكُ الذي يُدركُ كلَ ما يصحُّ أن يُدرَك. أما قوله “إذا وجدت”
فمعناه أنه إذا انعدم كلُّ ما يصحُّ أن يبصَرَ، أو انعدم كلُّ ما يصحُّ أن يُدركُ،
فلا يتعلق به بصرٌ ولا إدراك. لتقريب الصورة أقول – ولله المثل الأعلى – إن حجر
المغناطيس جاذبٌ بطبعه لبرادة الحديد، فإن وجدت البرادة جذبها، وإن انعدمت فلا
يصحُّ أن يتعلق بطبعه جذبٌ لانعدام المجذوب من غير أن يكون في ذلك نقص، لأن النقص
معناه وجود المجذوب مع عدم انجذابه، أما انعدام المجذوب مع وجود الجاذب فلا يقدح
فيه. لا يصح والحال هكذا أن يلوم المرء حجر المغناطيس إن لم يجذب المعدوم، لأن
المعدومَ لا يصحُّ أن يُجذَب، ولذلك احترز قاضي القضاة فقال: “إذا وجدت” وكررها
مرتين. على هذا لا يصح عقلاً أن يقال: إنَ الله يبصرُ في حين انعدام المُبصَر، ولا
يصح عقلاً أن يقال: إنَ الله يُدركُ في حين انعدام المُدرَك، إنما يبصر الله كل ما
يصح أن يُبصَرَ إذا وُجدَ المُبصرُ، ويدرك الله كل ما يصح أن يُدرَكَ إذا وُجدَ
المُدركُ، لكونه بصير لذاته، مدركٌ لذاته، لا لعلة ولا لمعنى.
[7] الموجود
وهو جلَّ وعزَّ موجودٌ لأن المعدومَ يتعذرُ فيه
أن يكونَ له مقدورٌ يصحُّ أن يفعله
لم يخلُص لفظ “موجود” للقاضي رحمه الله، لأن
الموجودَ مفعولٌ، فمن فعله؟ الله ليس مفعولاً حتى يوصف بأنه موجود، بل هو الفاعل
فيلزم أن يوصف بأنه الواجِدُ. الأصوب إذاً هو أن يقال: إن اللهَ تعالى “كائنٌ”
بدلاً من أن يقال إنه “موجود” حتى تطابق الصياغة اللفظية الدلالةَ اللسانية للفظ
متسقةً في ذلك مع الحكم العقلي الدالّ على أن الله تعالى واجدٌ وليس موجوداً.
الخلاصة
تعرضتُ ببعض التعليقات اليسيرة على متن جليل وضعه القاضي رحمه الله للمبتدئين في تحصيل علم الكلام من خلال استعراض بعض النصوص المتعلقة بقضية الأسماء والصفات مع شرحها باقتضاب. شملت تلك النصوص أن الله تعالى كائنٌ، وأنه قادرٌ، عالمٌ، حيٌّ، سميعٌ، بصيرٌ، مدرك. إضافة لما تقدم أقول: وهو أزلٌ أي الأول بلا بداية، وهو الأبدي أي الآخر بلا نهاية، إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال والجمال، أقدمه كتوطئة بين يدي كل مبتدئ ليألف عن طريقه النظر في كتب القاضي عبد الجبار رحمه الله ويعتادَ أسلوبه، وأهديه إلى أخي الحبيب عدلي“باحث في الفكر الإسلامي” صاحب مدونة أهل العدل والتوحيد المجيدة، والذي كان قد اقترح علي هذا الأمر، فأشكره على حسن ظنه بالعبد الضعيف، سائلاً الله تعالى ستر التقصير، راجياً من الإخوة الكرام حسن الظن باالتفسير، وإلى كل من يجد فيه فائدة تذكر.
والسلامتعرضتُ ببعض التعليقات اليسيرة على متن جليل وضعه القاضي رحمه الله للمبتدئين في تحصيل علم الكلام من خلال استعراض بعض النصوص المتعلقة بقضية الأسماء والصفات مع شرحها باقتضاب. شملت تلك النصوص أن الله تعالى كائنٌ، وأنه قادرٌ، عالمٌ، حيٌّ، سميعٌ، بصيرٌ، مدرك. إضافة لما تقدم أقول: وهو أزلٌ أي الأول بلا بداية، وهو الأبدي أي الآخر بلا نهاية، إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال والجمال، أقدمه كتوطئة بين يدي كل مبتدئ ليألف عن طريقه النظر في كتب القاضي عبد الجبار رحمه الله ويعتادَ أسلوبه، وأهديه إلى أخي الحبيب عدلي“باحث في الفكر الإسلامي” صاحب مدونة أهل العدل والتوحيد المجيدة، والذي كان قد اقترح علي هذا الأمر، فأشكره على حسن ظنه بالعبد الضعيف، سائلاً الله تعالى ستر التقصير، راجياً من الإخوة الكرام حسن الظن باالتفسير، وإلى كل من يجد فيه فائدة تذكر.
الحسيني
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire