jeudi 29 septembre 2016

الطاهر حداد -- 1899- 1935 -ساهم في تحرير المرأة من بعض القيود








د سهيلة زين العابدين حماد

  
الطاهر الحدَّاد وكتابه "امرأتنا في الشريعة 

والمجتمع"

بقلم \ د. سهيلة زين العابدين حمّاد
خاص لقراء وقارئات المدونة الأعزاء
من تونس الطاهر الحدَّاد ، أصدر كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" في عام1929 م. وممّا جاء في هذا الكتاب هجوماً على الحجاب والنقاب معتبراً الحجاب بالمعنى  
 الذي كان  سائداً في عالمنا الإسلامي في عصور          العزلة والجهل ، وهو الحكم على المرأة بالجهل ، وإعطاء الحجاب معنى القهر والحبس ، وتهميش المرأة ،وإلغاء شخصيتها عنواناً لضعف المرأة وعدم الثقة بها فيقول:
ما أشبه ما تضع المرأة من النقاب على وجهها منعاً للفجور بما يوضع من الكمامة على فم الكلاب كي لا تعض المارين. وما أقبح ما نوحي به إلى قلب الفتاة وضميرها إذ نعلن اتهامهما وعدم الثقة إلاَّ في الحواجز المادية التي نقيمها عليها .ونلزمها هي الأخرى أيضاً أن تقتنع بما قررنا راضية بضعفها إلى هذا الحد ، موقنة بخلوده الآتي من اصل تكوينها. " [الطاهر الحدَّاد: امرأتنا في الشريعة والمجتمع،ص182، دار المعارف للطباعة والنشر ، سوسة- تونس1992.]
ويقول عن الحجاب أيضًا:
(إنَّ الحجاب قد كان اعظم حائل بين الرجل والمرأة في اختيار كل منهما للآخر عند إرادة الزواج وهما بذلك لا يمكن أن يتحقق تقارب الميول بينهما والصفات اللازمة للنجاح في هذا الزواج) [ المصدر السابق :ص 183]
ويستمر في هجومه على الحجاب مدعياً أنّه لم يمنع الشذوذ الجنسي، بل جعله من أهم عوامل انتشاره ، فيقول:
(إنَّ حجاب المرأة عن الرجل لم يمنع اتجاههما إلى جهات أخرى بتأثير العامل الطبيعي ،بل قد كان من أهم العوامل في انتشار اللواط والمساحقة والعادة السرية).[ المصدر السابق : ص 183.]
أمَّا السفور فيرى أنّه لا يؤدي إلى الفجور، فيقول:
(بيد أنَّ الفجور ليس أثراً يتولد عن الوجوه السافرة ، وإنَّما هو أثر من آثار العوامل النفسية)[ المصدر السابق : ص 189]
وهنا اختلف معه في معنى السفور ، فالسفور بمعناه المتعارف عليه هو رفع الغطاء عن الرأس والرقبة ،وبعض أجزاء الجسم أمام الرجال الأجانب ،أي غير المحارم ،أمَّا كشف الوجه والكفين ، فلا يعد هذا سفورًا ، وإلاَّ لاعتبرنا جميع النساء المسلمات المتحجبات في عالمنا الإسلامي، وغير الملتزمات بغطاء الوجه سافرات ، أدلة من القرآن الكريم على كشف المرأة لوجهها
1. قوله تعالى : ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ويحفظن فروجهن﴾
ولو أن ّ الله أمر المرأة بتغطية وجهها لما أمر الرجال بغض البصر ، كما أمر النساء بغض البصر لكشف الرجال وجوههم. " وهذه المساواة في الغض من البصر – كما قال الأستاذ عبد الحليم أبو شقة- تعني أنّ هناك لدى كل من الرجل والمرأة شيئًا يراه الجنس الآخر ، ويمكن أن يفتنه، وأقل قدر بينهما هو الوجه والكفّان ، وإذا كان هذا هو الحد الأقصى الذي يشرع للمرأة كشفه هو الحد الأدنى الذي يكشفه الرجل عادة.
2. ﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ﴾
تقرر هذه الآية أنّه لا يحل لرسول صلى الله عليه وسلم الزواج من ، ولو أعجبه حسن بعض النساء ، وكيف يعجبه حسنهن دون رؤية وجوههن ؟ مع العلم أنّ الرؤية هنا غير رؤية الخاطب الذي يحلّ له الزواج ، ويعزم على الخطبة ؟ ، فهذا العزم إذا أعلن يدعو المرأة التي ألفت النقاب أن تخلعه . إذن الرؤية هنا هي الرؤية العابرة التي يرى فيها الرجال وجوه النساء في عامة الأحوال، والتي قد يتبعها إعجاب بحسن إحداهن ، وليست الرؤية بقصد الخطبة. وكما تذكر الآية الكريمة إمكان إعجاب الرسول صلى الله عليه وسلم بحسن بعض النساء عند رؤيته العابرة لهن ، تشير عدة أحاديث إلى إمكان وقوع مثل هذا الإعجاب من عامة الرجال ، وذلك نتيجة كشف النساء وجوههن في عامة الأحوال عند لقائهن بالرجال ، أو مرورهن أمام الرجال .
﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾
وقد أورد الطبري في تفسيره لهذه الآية عدة روايات عن الصحابة والتابعين في كيفية التعرّض بالخطبة في زمن عدة الوفاة ، وعدة الطلاق البائن :
- فعن ابن عبّاس ، يقول الرجل : إنّي لأحب امرأة من أمرها وأمرها... يعرض لها بالقول بالمعروف.
- وعن مجاهد يقول : "إنّك لجميلة وإنّك لنافقة ، وإنّك إلى خير.
- حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مالك, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبـيه أنه كان يقول فـي قول الله تعالـى ذكره: وَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ أن يقول الرجل للـمرأة وهي فـي عدة من وفـاة زوجها: إنك علـيّ لكريـمة, وإنـي فـيك لراغب, وإن الله سائق إلـيك خيرا ورزقا, ونـحو هذا الكلام .
- عن فاطمة بنت قيس قالت : "أرسل إليّ زوجي أبو عمرو بن حفص بن المغيرة عيّاش بن أبي ربيعة بطلاقي ، وأرسل معه بخمسة آصُع تمر وخمسة آصُع شعير ، فقلتُ : أما لي نفقة إلا هذا ، ولا أعتد في منزلكم ؟ قال : لا . قلتُ : ثلاثًا، قال : "صدق ليس لك نفقة ، اعتدي في بيت ابن عمك ابن أم مكتوم ، فإنّه ضرير البصر ، تُلقي ثوبك عنده ، فإذا انقضت عدتك ، فآذينيني ، وفي رواية : "وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك" [ رواه مسلم]
قال النووي : وفي الحديث جواز التعريض بخطبة البائن ، وهو الصحيح عندنا ( أي عند الشافعية)
وبالتأمل يبدو أنّ المرأة جاءت سافرة الوجه ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما جعله يعجل بترشيحها لتكون زوجة لأسامة ، فعرّض بخطبتها وهي في عدتها . ولا عجب ،فقد كانت رضي الله عنها – كما قال الحافظ ابن حجر- من المُهاجرات الأُول ،وكان لها عقل وجمال.


إنّ الدخول على المرأة في عدتها قرينة على أنّها سافرة الوجه ، فإنّها لو كانت تألف الستر لكان الدخول عليها ممّا يتحرّج منه الرجل ، وتتحرّج منه المرأة . فإذا أُضيف إلى الدخول القوْل : "إنّك لجميلة" و " إنّي بك لمعجب". وما أشبهه ، فهو يؤكد غلبة سفور الوجه . وقد نهى الشارع المرزة عن التزيّن بالكحل وغيره في فترة العدّة مخافة أن يراها الرجال في زينتها، ومجال التعريض بالخطبة أحد مجالات رؤية الرجال المرزة المعتدة، ويؤكد غلبة سفور الوجه أيضًا أنّ الخاطب يُحسن أن يرى وجه المخطوبة ، لأنّ ذلك أحرى أن يؤدم بينهما ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكيف تتم الرؤية في حال التعريض ، إلّا رذا كان الوجه مكشوفًا عادة؟ والمرأة لن تكشفه عمدًا لأنّه لا مجال لإعلام مُسبق بنية الخطبة لدى المعُرِّض.
أدلَّة من السُّنّة على كشف وجه المرأة


عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ.." [ رواه البخاري]


وفي رواية عند النسائي : ووضع يده على جبهته وأمرّها على أنفه ، وقال هذا واحد. وقد أورد البخاري هذا الحديث في باب السجود على الأنف.
وقال الحافظ ابن حجر : "نقل ابن المنذر أجماع الصحابة على أنّه لا يجزئ السجود على الأنف وحدها ، وعن الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وابن حبيب من المالكية ، وغيرهم يجب أن يجمعهما ، وهو قول الشافعي أيضًا.
وقال الشّافعي في الأم : "وكمال فرض السجود وسنته أن يسجد على جبهته دون أنفه كرهت ذلك له، وأجزأه ... ولو سجد على جبهته ، ودونها ثوب ، أو غيره لم يُجْزِه السّجود".


وقال ابن عبد البر في التمهيد :"وتؤمر المرأة بكشف الوجه والكفيْن في الصلاة "


وقال النووي في المجموع : "ويكره للمرأة أن تنتقب في الصلاة".


وقال صاحب الشّرح الكبير : " ويكره للمرأة النقاب ، وهي تصلي ، قال ابن عبد البر : أجمعوا على أنّ على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام، ولأنّ ذلك يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف ، ويُغطّي الأنف ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عنه.
وقال ابن تيمية في فتاواه : "وأَمْرُ المرأة في الصلاة بتغطية يديها بعيد جدًا ، واليدان يسجدان ،كما يسجد الوجه.'
أمّا القول بأنّ عورة الصلاة غير عورة النظر ، فهو بعيد عن الصّواب ، وذلك استنادًا على مقولة الإمام ابن القيم : "إنّ بعض الفقهاء سمع قولهم : إنّ الحُرّة كلها عورة إلّا وجهها وكفيْها ... وهذا إنّما في الصلاة لا في النظر ، فإنّ العورة عورتان : عورة في النظر ، وعورة في الصلاة "
وفي هذا خطآن :


الخطأ الأول : هو تقرير أنّ العورة عورتان : عورة للصلاة ، وعورة للنظر، وهذا التقرير مخالف لأصل لُغوي ، ولأصل فقهي ، أمّا الأصل اللغوي ، فهو أنّه عند إطلاق لفظ" العورة" بأل التعريف التي تُستخدم للعهد الذهني ، يكون المُراد العورة المعروفة والمعهودة، سواءً للرجل، أو المرأة ، وهي ما يستقبح ظهوره للناس أي عورة النظر، وأمّا الأصل الفقهي فقد جرت عادة الفقهاء على أن يخصصوا بابًا ، أو بحثًا لشروط صحة الصلاة ، أو واجباتها ، مثل : دخول الوقت ، استقبال القبلة ، طهارة المكان ، ستر العورة ، وهكذا تُذكر " العورة" المعروفة المعهودة ما بين السرة والركبة ، وعورة الحرة المعروفة المعهودة جميع بدنها عدا الوجه والكفيْن ، ثُمّ جاء الفقهاء ليبينوا أنّه من شروط الصلاة ستر تلك العورة.
الخطأ الثاني : هو اتهام الفقهاء المتقدمين بالخلط بين عورة الصلاة وعورة النظر. والصحيح أنّ الفقهاء المتقدمين لم يُخطِئوا ، ولم يخلطوا بين عورتيْن ، بل علموا تمام العلم ، وأيقنوا غاية اليقين ، أنّ العورة واحدة ،وهي عورة النظر... عورة يسترها الإنسان وجوبًا عن نظر غيره إلّا لضرورة، ويسترها استحبابًا عن نظر الجن والملائكة... ويسترها قبل ذلك وبعده – وإن كان خاليًا- استحياء من الله ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ قال لمعاوية بن حيْدة : " احفظ عورتك إلّا من زوجك ، أو ما لكت يمينك ".قال معاوية : "يا نبي الله إذا كان أحدنا خاليًا/ قال "فالله أحق أن يستحيي منه من النّاس. "[ رواه الترمذي]
هذه العورة هي التي بدت لأبينا آدم عليــــه الســـلام ولأمــــنا حواء يــــوم عصيــــا الله وأكـــــلا من الشجرة ، قال تعالى : (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ... )
وهي العورة التي أنزل الله علينا لباسًا يواريها .قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ) ، وهي العورة التي أمر الله بسترها ، وذلك في قوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)
وجوب كشف المرأة وجهها في الإحرام
- حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر : أنه قال : قام رجل فقال : يا رسول الله ! ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الحرم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تلبسوا القمص ولا السراويل ولا البرانس ولا العمائم ولا الخفاف إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطعهما ما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا من الثياب مسه الزعفران ولا الورس ولا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين . [ رواه البخاري ]
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم
في هذا الحديث تحديد لمحظورات الإحرام بشأن الرجل ، وبشأن المرأة ، فمن المحظور لبس الرجل العمامة ، أو البرنس ( وهو ممّا كان يغطي بعض الرجال به رأسه ) ومحظور لبس المرأة النقاب ( وهو ما كانت تغطي بعض النساء به وجهها ) واستدل الفقهاء من ذلك على وجوب كشف الرجل رأسه ، ووجوب كشف المرأة وجهها. وقالوا مع ابن عمر : ( إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها ) ، وهذه أقوال المذاهب الأربعة :


المذهب الحنفي : ورد في المبسوط للسرخسي:
( المرأة المحرمة لا تغطي وجهها بالإجماع مع أنّا عورة مستورة ، وإن كان في كشف الوجه منها خوف الفتنة.
وورد في شرح فتح القدير للكمال بن الهمام :
المرأة المحرمة لا تغطي وجهها مع أنّ في الكشف فتنة ... وإحرامها في وجهها فتكشفه.
المذهب المالكي
ورد في المدوّنة : "قلت لابن القاسم: وكذلك المرأة "المحرمة" إذا غطّت وجهها "افتدت"؟ قال : نعم.
وورد في التاج والإكليل : "المرأة المحرمة تلبس ما شاءت غير القفازين والبرقع والنقاب ، ولا تغطي وجهها "
المذهب الشافعي
ورد في كتاب الأم : " وتفارق المرأة الرجل ... فيكون للرجل تغطية وجهه من غير ضرورة ، ولا يكون ذلك للمرأة .
وورد في المجموع للنوي : " أمّا المرأة فالوجه في حقها كرأس الرجل يحرم ستره بكل ساتر ، كما سبق في رأس الرجل .
المذهب الحنبلي
ورد في المغني لابن قدامة : المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها ، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه.
المذهب الحنفي : ورد في الهداية للمرغيناني ( ت سنة 593ه‍‍) : ( بدن الحرة كله عورة إلّا وجهها وكفيها لقوله عليه الصلاة والسّلام : "المرأة عورة مستورة "واستثناء العضويْن للابتلاء بإبدائهما )


قال ابن عبد البر ( ت سنة 490ه‍‍) : "(والمرأة عدا وجهها وكفيها عورة بدليل أنّها لا يجوز لها كشفه في الصلاة " ، وقال أيضًا : وتؤمر بكشف الوجه والكفيْن في الصلاة فدل على أنّهما غير عورة منها" ، وقال "الحرة كلها عورة مجتمع على ذلك منها إلا وجهها وكفيها " ، "وقد أجمعوا أنّ على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام ". ويقول القاضي عياض : " لا خلاف أنّ فرض ستر الوجه ممّا اختص به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ".
ومن أعلام المذهب الشافعي
يقول القفّال : " لمّا كان ظهور الوجه والكفيْن كالضروري ، لا جرم اتفقوا على أنّهما ليسا بعـــــورة ، أمّا القدم فليس ظهوره بضروري ، فلا جرم اتفقوا على أنّهما ليسا بعورة . أمّا القدم فليس ظهوره بضروري ، فلا جرم اختلفوا في أنّه هل هو عورة أم لا؟ "
ويقول النووي : "المشهور من مذهبنا أنّ عورة الحرة جميع بدنها إلّا الوجه والكفيْن ، وبهذا كله قال مالك وطائفة ، وهي رواية عن أحمد ... وممن قال عورة الحُرّة جميع بدنها إلّا وجهها وكفّيها الأوزاعي وأبو ثور . وقال أبو حنيفة والثوري والمزني : قدماها أيضًا ليسا بعورة . وقال أحمد جميع بدنها إلّا وجهها فقط."
وهكذا يؤكد النووي الاتفاق بذكره الأئمة الأربعة ، ومعهم أيضًا الأوزاعي وأبو ثور والثوري والمزني.
ومن أعلام المذهب الحنبلي : يقول ابن هبيرة : "قال أبو حنيفة : وكلها عورة إلا الوجه والكفيْن والقدميْن ... وقال مالك والشافعي : كلها عورة إلا وجهها وكفيها ، وقال أحمد في إحدى روايتيه : كلها عورة إلّا وجهها وكفيْها كمذهبهما . والرواية الأخرى : كلها عورة إلّا وجهها خاصة وهي المشهورة"
وهكذا يؤكد ابن هبيرة أيضًا الاتفاق يذكره آراء الأئمة الأربعة في حد عورة المرأة.
ويقول ابن قدامة : لا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها [ أي وجه المخطوبة] وذلك لأنّه ليس بعورة ، ويقول أجمع أكثر أهل العلم على أنّ لها أن تصلي مكشوفة الوجه."


، وعلى هذا سار معظم النساء المسلمات الملتزمات المؤمنات في العالم الإسلامي ، أمَّا المجتمعات السائد فيها تغطية الوجه ،فالالتزام بغطاء الوجه واجب في هذه المجتمعات ، كما قال علماؤنا منهم فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح –رحمه الله- إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف ، ولكن لا نعتبر أنَّ جميع نساء الإسلام الملتزمات بشروط ، وأحكام الحجاب ، وغير ملتزمات بتغطية الوجه ، نساء سافرات، ومنهنَّ فقيهات وعالمات.


ومن أخطاء قاسم ، والطاهر الحدَّاد أنّهما أطلقا علة كشف الوجه والكفين سفورًا ،فأعطيا لدعوتهما بعداً يخالف الأمر الإلهي في فرض الحجاب على النساء ،كما أسيء تفسير دعوتهما ،فخرج النساء سافرات متبرجات كاشفات الشعور والرقاب والصدور ….الخ.
ويؤكد هذا رفض الطاهر الحدَّاد التعري والتبرج لأنّ هذا يؤدي إلى إثارة الشهوات ، فيقول:
(نعم إننا إذا كنا نحترم السفور ،فإنَّما ذلك بقدر ما فيه من الحق واللياقة الأدبية ،أمَّا إذا تجاوز المصلحة التي تقتضيه إلى العراء البارز في كشف الأطراف إلى نهايتها والوجه والرقبة والصدر والثديين مع تجميل هذه المواقع بالأصباغ والأعطار والمصوغ في رشاقة حركات وسحر نظرات متسعة المعنى والتأويل ، وجعل ذلك عادة في الطرقات العامة بين الجماهير ، فقد انتهينا إلى إثارة الشهوة ، وحمل الأنظار على الاهتمام والتتبع) [المصدر السابق ص191.]
وهذا يبيِّن لنا أن الطاهر الحدَّاد لم يقصد من دعوته بلوغ المرأة المسلمة ما بلغته اليوم من سفور وتبرج وتعري، وإنَّما كان يطالب فقط بسفور الوجه ، وتعليم المرأة تعليماً عالياً ،ومشاركة المرأة في الحياة العامة ،وعدم حبسها في بيتها ، والحكم عليها بالجهل؛ إذ نجده يطالب بتعليم المرأة ،ويراه حقاً طبيعياً لها. [المصدر السابق ص211]


وقد استغل الاستعمار دعوة قاسم ، والطاهر الحدَّاد في تحقيق مآربه تجاه المرأة المسلمة ،والأسرة المسلمة ، ودَّعمه أعوانه من المستغربين الذين تربوا في أحضان الغرب ،وتتلمذوا على أيديهم .


1 - النور : 30-31.


2 - عبد الحليم أبو شقة : تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/ 87.


3 - الأحزاب : 52.


4 - عبد الحليم أبوشقة : تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/ 88.


5 - البقرة : 235.


6 - نافقة أي مرغوب فيها.


7 - فآذينيني : أعلميني.


8- مسلم : كتاب الطلاق ، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.


9 - انظر : شرح النووي لمسلم،10/97.


10 - ابن حجر : فتح البازي ، 11/402.


11 - عبد الحليم أبو شقة : تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/ 90.


12 - البخاري : كتاب أبواب الأذان ، باب السجود على الأنف.


13- ابن حجر : فتح البتري ، 2/ 440.


14 - الشافعي : الأم ، 1/114.


15 - ابن عبد البر : التمهيد ، 8/ 324.


16 - المجموع : النووي، 3/ 185.


17 - ابن قدامة : الشرح الكبير ، 1/ 466.


18 - ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، 22/118.


19 - ابن القيم : إعلام الموقعين ، 2/ 80.


20 - عبد الحليم أبو شقة: تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/191- 192.


21- عبد الحليم أبو شقة : تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/ 192.


22- صحيح سنن الترمذي ، أبواب الإستئذان ، باب ما جاء في حفظ العورة ، حديث رقم ( 2244) .


23 - الأعراف : 22.


24 - الأعراف : 26.


25- الأعراف : 31.


26- نبت أصفر طيب الرائحة بصبغ به.


27 -تنتقب : تشد النقاب على وجهها.


28 - البخاري : كتاب الحج .باب : ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة، حديث رقم (833)


29 - السرخسي : المبسوط ، 4/7.


30 - شرح فتح القدير: 2/441، 442.


31- الإمام مالك : المدونة ، 1/ 461.


32 - التاج والإكليل لشرح مختصر خليل : 3/141.


33 - النووي : المجموع ، 7/ 265.


34 - المجموع : 7/265.


35 - ابن قدامة : المغني ، 3/ 294.


36 - عبد الحليم أبو شقة : تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/ 165.


37 - ابن عبد البر : التمهيد ، 1/436.


38 - المرجع السابق : 8/354.


39 - المرجع السابق : 8/ 255.


40 - المرجع السابق : 6/ 364.


41 - عبد الحليم أبو شقة : تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/ 175، نقلًا عن التاج والإكليل .42 - انظر تفسير سورة النور في التفسير الكبير للفخر الرازي.


43 - المجموع : 3/ 175.


44 - الإفصاح عن معاني الإصحاح : 1/ 86.


45 - عبد الحليم أبو شقة : تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/ 175.
46 - ابن قدامة : المغني ، 1/ 522.


لطاهر الحداد: وضع كتابه عن المرآة و لاقى بسبب ذلك الكثير من المضايقات أدت إلى عزلته ثم وفاته وحيدا و هذا دليل على قوة سطوة التقاليد الراسخة في المجتمعات الإسلامية لأن الذي حرك و يحرك هذه المجتمعات هو تلك التقاليد و ليس الإسلام و إلا لماذا لم ينتبه هؤلاء الرافضون إلى ما أشار إليه الحداد إلى التناقضات بين روح الإسلام و واقع المرآة المسلمة؟ و لماذا لم يكن الكتاب فرصة لطرح القضية طرحا عادلا و إسلاميا و لتكن إدانة كتاب الحداد بعد ذلك إدانة مرتكزة إلى ما هو أعمق من انفعالات أنانية؟
إن القضية التي يطرحها كتاب الطاهر الحداد قضية تهم مباشرة إشكالية النهضة لأن وضعية المرأة ليست إلا الوضعية الأكثر وضوحا في مجتمع تحول منذ مدة طويلة إلى مجرد كيان بيولوجي متجرد من سمو الإنسانية التي فضلها الله عز وجل على الملائكة، هل يمكن لإنسان يرضى بالحكم الاستعماري أن يكون عادلا و إنسانيا مع النساء المحيطات به؟ هل يمكن لإنسان أن يمارس الظلم في مقر عمله على مرؤوسيه أن يفهم معنى العدل في بيته؟
احترام كرامة الآخرين و احترام النفس التي أودعها الله في الإنسان بجنسيه يكون شاملا أو لا يكون و أي اختلال في ذلك هو اختلال في العقيدة باعتبارها الدينامو الذي يحرك الإنسان.

ولد الطاهر الحداد عام 1899 و عاش مرحلة تميزت بالتغير المستمر و النضال المستمر ضد سلطة الحماية الاستعمارية الفرنسية. مرحلة المقاومة الأولى أو التغير، تمثلت في إعادة إحياء الحركة الإصلاحية التي قام بها خير الدين التونسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، و كانت النواة الأولى لبناء الحركة الوطنية التونسية و التي غلب عليها الطابع الثقافي في البداية من خلال تأسيس الجمعيات الثقافية كالخلدونية و جمعية قدماء الصادقية و توجت بتأسيس  حزب تونس الفتاة ([1])
يلاحظ إذن المنحى الثقافي الذي أخذته الحياة السياسية في تونس و لهذا علاقة وطيدة بنظام الحكم السائد من جهة و بتكوين نخبة تخرجت من التعليم التقليدي و شبه الحديث حاولت أن تشق لنفسها طريقا في الحياة العامة.
المسار التعليمي للطاهر الحداد يبين الأثر الذي يتركه التفتح على الحياة العصرية و إن كان تفتحا نسبيا في مجتمع لم يتحرر من قيود التخلف والتبعية.
قرن الطاهر حداد تعليمه الديني التقليدي بالعلمي العصري و لكن مستواه الدراسي الزيتوني كان متوسطا، و كان متفاعلا جدا مع الأحداث العنيفة التي كان يقوم بها المقاومون، ضد التواجد الفرنسي و انخرط في الحزب الحر الدستوري و عين مكلفا بالدعاية عام 1920، لكنه اختلف مع الحزب الذي بدا له غير وطني بما فيه الكفاية، فأسس مع مجموعة من الشباب أول نقابة تونسية مستقلة ثم ينفصل نهائيا عن الحزب بعد فترة تجميد للعضوية.
التعليم الزيتوني لم يكن ليعط لشاب متمرد كالطاهر الحداد التشبع  الكافي لإثبات ذاته و المساهمة في حركية المجتمع لذلك بحث عنه بعيدا عن الأسوار العتيقة.
فقد تخرج من الزيتونة بعد أن قضى بها تسع سنوات بدل سبعة و بعد تخرجه التحق بكلية الحقوق لكنه لم يكمل دراسته بها.
كتابه “امرأتنا في الشريعة و المجتمع” المنشور عام 1929 آثار ضجة كبيرة مما دفعه إلى اعتزال الناس ثم مات مريضا عام 1936.
 ينقسم كتاب الطاهر حداد إلى قسم تشريعي و قسم اجتماعي.
و تشخيص الطاهر حداد لوضعية المرآة يتجاوز النظرة الجزئية و الضيقة لتكون مدخله إلى وضعية المجتمع العامة:
إذا كنا نحتقر المرأة و لا نعبأ بما هي فيه من هوان و سقوط فإنما ذلك صورة من احتقارنا لأنفسنا و رضائنا بما نحن فيه من هوان و سقوط[2](1).
و مثلما يظهر مقدار تخلف المسلمين الحضاري العام من خلال المقايسة بالحضارة الغربية، يظهر مقدار هوان المرآة المسلمة و سقوطها من خلال مقايسة وضعيتها بوضعية المرآة الغربية:
في الغرب: يتفقون على تعليم المرأة و تربيتها و يساعدونها على قيامها بعملها كاملا في المنزل و تربية الأولاد مع تمكينها من الحرية المدنية لاستثمار مواهبها في الأعمال الأدبية و المادية و لتأخذ حظها أيضا في الانتفاع بمباهج الحياة و يختلفون بعد ذلك: البعض يرى أن عملها قد يؤدي إلى الإخلال بوظيفتها الطبيعية من خلال الجهود التي تبذلها كما أن عملها قد يؤدي إلى بطالة الرجل و البعض الآخر يشجع عمل المرأة دون خوف أو تردد مستشهدا بما حققته المرآة أيام الحرب مشجعا أيضا على إقامة رياض الأطفال للتخفيف من أعباء و معيقات عملها([3]).
الطاهر الحداد لا ينبهر بالنموذج الغربي فيقدمه دون تمحيص فبالعكس هو يحلل وضعية المرأة الغربية من الداخل حيث يلاحظ أن هناك حتى في الغرب من يتحفظ من دخولها معترك الحياة العامة، أما في الشرق فإن وضعية المرأة المسلمة وضعية مؤلمة و يزداد ألمها عندما تضطهد باسم الدين:
(( في الشرق:المرأة بعيدة عن الحياة و لكن هناك أيضا من يدافع عن حقها في حسن التربية و التعليم و عن حقها في التمتع بمباهج الحياة كالرجل، بينما يذهب طرف آخر إلى أن المرأة إذا تعلمت و فهمت ستنحرف عن الخط الطبيعي لها وأن انزوائها و عزلتها هو منعا للفتنة))([4]).
يلاحظ الحداد أنه رغم كل التخلف و التردد الذي يطبع مسيرة المرأة فإن تيار التغيير جارف و سيكتسح الكثير من المساحات المحظورة إذا لم يؤطر كما ينبغي:

((مهما بالغنا في إنكار ما للمرأة من حق و مالنا في نهوضها من نعمة شاملة فإنها ذاهبة في تيار التطور الحديث بقوة لا تملك هي و لا نحن لها ردا و هي تجري في ذلك على غير هدى أو كتاب منير))([5]).
الطاهر حداد لا يبحث عن استنساخ النموذج الغربي لأنه الغالب بل يستفيد مما هو موجود فيه و قدماه راسختان في عالم الشرق الذي تعطلت ساعته الحضارية ولم يعد للزمن في أفكاره أي أثر فكأن المسلمين خرجوا عن الزمن أو عاشوا غرباء عن زمانهم:
عامة فقهاء الإسلام من سائر القرون إلا ما شذ يجنحون إلى العمل بأقوال من تقدمهم في العصر و لو بمئات السنين و يحكمون بأحكامهم مهما تباينت أحوال المجتمعات الإسلامية باختلاف العصور و هم يميلون في أخذ الأحكام التي تفهم ألفاظ النصوص و ما تحتمل من معنى أكثر بكثير مما يميلون إلى معرفة أوجه انطباق تلك النصوص على حاجات العصر و ما تقتضيه مصلحة المجتمع الحاضر([6]).
فقه الواقع و حيوية الاجتهاد في الإسلام من القضايا الملحة التي تفرض نفسها على أي مفكر أو باحث يقارب إشكالية النهوض و ما شخصه الطاهر الحداد حقيقة تاريخية كانت إحدى أهم مشكلات (بفتح الشين و تشديد الكاف) صورة المجتمع الإسلامي المعاصر المتخلف و التابع.
يضيف الطاهر الحداد في استبيان أسباب هذه الظاهرة:
و ما ذلك إلا لبعد الصلة بينهم و بين دراسة الأحوال الاجتماعية التي يجتازها المسلمون([7]).
الفقه الكتبي الذي طغى على اجتهادات الكثير من العقول له أسبابه بعضها ذاتي يكمن في المجتهدين المتقوقعين الراضين باجترار التراث و بعضها خارج إرادة المجتهدين و يكمن في استبداد الحكام الذين ضيقوا على المجتهدين و عزلوهم عن الحياة بفرض اتجاه فكري يرضيهم و لا يهدد عروشهم.
و لكن طوفان الاستعمار اقتلع تلك العروش و هدم البنى الهشة و جعل المجتمع الإسلامي يقف أمام مصيره و كان النموذج الغربي هو النموذج الذي دخل مع الاستعمار و جعل تلك المجتمعات تستفيق على حقيقة الحداثة في العالم:
يقول الحداد:
إن تاريخ التطور الحديث في الشرق عموما يرجع إلى تاريخ اتصاله بالمدنية الغربية الحاضرة و بصورة

أمس و أوضح يرجع ذلك إلى تاريخ الاحتلال الأوربي للبلاد ( تقليد المغلوب للغالب)([8]).
الطاهر الحداد ليس الوحيد الذي نبه إلى هذه الحقيقة المرة و هي أن العالم الإسلامي كان غارقا في الأزمنة المتجمدة و لم يستيقظ و ينهض منها و يدخل العصر الحديث إلا بعد زلزال الاستعمار.
إدخال العالم الإسلامي إلى الأزمنة الحديثة لا يعني تفتحه الإيجابي على التطور و التقدم و لكنه يعني افتقاد السيطرة على الحاضر و المستقبل بفعل هذا الغازي القوي المتمكن الحريص على إرساء قواعد مجتمع في المستعمرات لا يخرج على الحدود المرسومة له و كان مجال المرأة أحد أولويات هذا الشروع:
((الحكومات الفرنسية في تونس أخذت تستثمر تطور امرأتنا طبق السياسة التي وضعت أصولها في برامج تعليم البنات المسلمات بالمدارس الإبتدائية لهن و مازالت تدأب على وضع الطرق التي تراها صالحة لفرضها في تطور المرأة المسلمة كلما رأت الفرصة لذلك))([9]).
المرأة المسلمة كانت الحلقة الأضعف و كانت المجال الأكثر حملا لفيروسات التخلف، مما فتح شراهة الغرب لتطويق المجتمع المسلم تطويقا سلميا و لكن قويا و مضمون النتائج خصوصا مع غياب البديل الأصيل بل بسبب غياب البديل الأصيل:
و يقول الطاهر الحداد:
كان يجب علينا أن نتعاون جميعا على إنقاذ حياتنا بوضع أصول كاملة لنهوض المرأة الذي هو نهوضنا جميعا([10]).
العودة دائما إلى النقد الذاتي دليل صحة تحليل لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم و لأن الآخر لا يستغل و لا يستعمر إلا الذوات المهزومة.
عبارات” كان من الواجب علينا ” هي تعبير: عن مرارة داخلية عميقة و لاستثمارها لما يخدم التوازن الذاتي الذي بغيره لا تكون هناك نهضة حقيقية يبين الطاهر الحداد أن العودة إلى النموذج الأصيل لا تكون مجدية إلا بتطهيره مما علق فيه من آثار سنين التخلف و الجمود:
إن الإسلام دين الواقع و تطوره و ذلك سر خلوده و ليس في نصوص القرآن ما يمنع المرآة من تولي أي عمل في الدولة أو المجتمع مهما كان هذا العمل عظيما و هذا يدل على أن هذه المسائل ليست من جوهر الإسلام و إلا ما كان ليخلو القرآن من بيانها على الوجه المطلوب([11]).
الرجوع إلى القرآن لاستنباط الأحكام منه مسألة صحية و ضرورية لأية نهضة أصيلة و لكن مصادر التشريع الإسلامي ليست القرآن فقط و مع ذلك هذه الخطوة في ضرورة العودة إلى المصدر الأول للتشريع في الإسلام هي خطوة مهمة و هي في عمقها تحديا للجامدين في المجتمع الإسلامي و تحديا أيضا للمستغربين الذين يرون أن مصادر الإسلام هي السبب في تخلف المسلمين.
يوجد في تحليلات الطاهر الحداد ذلك التحليل النفسي الاجتماعي الذي يسمح له بالولوج في ثنايا المجتمع المسلم من خلال تفكير أفراده:
و لسوء حظ المسلمين – و لا أقول الإسلام- أن غالب علمائهم وفقهائهم لم يراعوا غرض الإسلام في التدرج بذلك النقص البادي في المرأة و استعداد الرجل نحوها حتى يصير كمالا بل هم قد أفسحوا لذلك النقص أن يعظم ليتسع الفرق بينهما في الأحكام و يتضخم الخلق بينهما في الحياة و هنا يظهر جليا أن النفسية التاريخية للعرب وسائر المسلمين في اعتبار المرأة، قد تغلبت على ما يريد الإسلام لها من التقدير و العطف([12]).
إذن حوصلة ما يصل إليه الطاهر الحداد، هو سعي المسلمين إلى سيطرة جنس على آخر بدل السعي الفطري السليم إلى تكامل الجنسين و للأسف كما يوضح الطاهر الحداد أن سطوة الاعتبارات النفسية الذاتية غير السليمة في الفكر الإسلامي طالت مواضيع أخرى غير قضية المرأة و هو دليل آخر على أن تحليل واقع المرأة هو مؤشر عن الحالة الاجتماعية العامة:
(( و ليست هذه أول مسألة جرى فيها علماء الإسلام على غير ما يريده))([13]).
و لتوضيح أبعاد فكرته يقسم الطاهر الحداد رسالة الإسلام إلى ثوابت و متغيرات و هو تقسيم لم يخترعه و لكن سنين الجمود أخلطت الحدود بين القسمين:
يجـب أن نعتبر الفرق الكبير البين بين ما أتى به الإسلام و جاء من أجله و هو جوهره و معناه فيبقى خالدا بخلوده: كعقيدة التوحيد و مكارم الأخلاق و إقامة العدل بين الناس و بين ما وجده من

الأحوال العارضة للبشرية و النفسيات الراسخة في الجاهلية قبله دون أن تكون غرضا من أغراضه([14]).
و حتى لا يبقى الكلام نظريا يورد الطاهر الحداد أمثلة عن بعض القضايا التي تدخل في القسم الثاني مع ملاحظة أنها تدخل جميعا في باب الاجتماعيات و بالتدقيق في باب المرأة بمفهومه الواسع:
فما يضع لها من الأحكام إقرارا لها أو تعديلا فيها باق ما بقيت هي فإذا ما ذهبت ذهبت أحكامها معها و ليس في ذهابهما جميعا ما يضر الإسلام : كمسائل العبيد و الإماء و تعدد الزوجات و نحوهما مما لا يمكن اعتباره حتى كجزء من الإسلام([15]).
الأدبيات حول العبيد و الإماء و تعدد الزوجات لم تجف الأقلام فيها و هي قضايا تشغل بال الكثيرين على حساب القضايا الأساسية و إن كان بعض المفكرين فصلوا في قضية العبيد و الإماء بالتركيز على ما جاء في الإسلام في فضائل العتق و بأن الإسلام في قواعده يدفع إلى تجفيف المنابع المغذية للعبيد و الإماء و بأن تعدد الزوجات حل لبعض المشاكل المستعصية حتى  لا يقع الطلاق إلا أن بعض القابعين في الأزمنة المتوقفة منذ قرون يرون في هذه القضايا أساسيات بل و إن الحفاظ عليها من علامات التقوى و لعل تنبيه الطاهر الحداد إلى بعض المعاني المغيبة للعلاقات البشرية يبدو تنبيها بعيدا عن السائد و مثيرا بالتالي للغرابة يقول الطاهر الحداد:
هل جاء الإسلام بالمساواة بين عباد الله إلا بما يقدمون من عمل أو أنه جاء ليجعل المرأة بأنوثتها أدنى حقا في الحياة من الرجل بذكورته؟ هل جاء الإسلام بتمكين الزواج حتى يثمر هناء العائلة و نمو الأمة أو أنه جاء ليطلق يد الرجل فيه بالطلاق حتى يصبح اليوم كريشة في مهب الرياح([16]).
الاستقرار في الحياة الأسرية دليل على صحة المجتمع و دليل على استقرار ذوات الأفراد، و لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بقواعد العدل و المحبة بين الأفراد و متى تحولت العلاقة الزوجية إلى سيد و عبد ، غابت معاني الألفة و أضحى كل طرف بعيدا عن الآخر وجدانيا، و لا أمل في نهضة مجتمع تقوم أهم علاقة فيه على مبدأ السيادة لا على مبدأ التعاون و المحبة و الأمل و البناء. و هذه الملاحظات التي لم ينفرد بها الطاهر الحداد ليست أيضا بعيدة عن روح الإسلام.
يعترف الطاهر الحداد أن القرآن به آيات صريحة لتميز الرجل عن المرأة و لكنه يرجع ذلك التمييز إلى ظروف الزمان التي متى تغيرت تغير ما انبنى عليها و هو يعتمد في فكرته هذه على مبدأ ثابت و راسخ في الإسلام و هو مبدأ العدالة التامة و يعتمد أيضا على سنة التدرج التي عرفها التشريع القرآني.
حكم الإسلام في آيات القرآن بتمييز الرجل عن المرأة في مواضع صريحة و ليس هذا بمانع أن يقبل بمبدأ المساواة الاجتماعية بينهما عند توفر أسبابها بتطور الزمن ما دام يرمي في جوهره إلى العدالة
التامة و هو الدين الذي يدين بسنة التدريج في تشريع أحكامه حسب الطوق([17]).
الطاهر حداد يريد أن يستخلص بان قسم المتغير في الإسلام واسع جدا و بأن الأحكام التي درج المسلمون على اعتبارها ثابتة قد تخرج من قسم الثوابت إلى قسم المتغيرات إذا أمعن النظر فيها و في أسباب ورودها و اعتمد في ذلك النظر مبدأ التدرج الذي يأخذ بعين الاعتبار الظروف النفسية و الاجتماعية للأفراد و المجتمعات.
(( ليس هناك ما ينص أو يدل على أن ما وصل إليه التدريج في حياة النبي هو نهاية المأمول الذي ليس بعده نهاية ما دام التدريج مرتبطا بما للمسائل المتدرج فيها من صعوبة يمكن دفعها عن قرب أو وعورة تستدعي تطور الأخلاق و الاستعدادات بتطور الزمن))([18]).
و يعطي مثالا عن الخمر في حياة الرسول و مثال الرق في يومنا هذا.
ما يقوله الطاهر حداد يحمل بعض الوجاهة لكن الخطر قد يكمن في تحديد من يكون له الحق في الحكم على أن هذا الأمر يدخل في إطار التدرج و أن الأمر الآخر ثابت خارج دائرته؟
الطاهر حداد في تحليله ركز على القضية الاجتماعية الأولى و تتبع الأحكام الواردة فيها:
في الحقيقة أن الإسلام لم يعطنا حكما جازما عن جوهر المرأة في ذاتها، ذلك الحكم الذي لا يمكن أن يتناوله الزمن و أطواره بالتغيير و ليس في نصوصه ما هو صريح في هذا المعنى إنما الذي يوجد أنه أبان عن ضعف المرآة و تأخرها في الحياة تقريرا للحال الواقعة ففرض كفالتها على الرجال مع أحكام أخرى بنيت على هذا الاعتبار([19]).
مختصر ما يذهب إليه الطاهر الحداد هو: هل المرأة ضعيفة و عاجزة لأنها خلقت كذلك و الله عز وجل أراد لها ذلك مع ما تحمله هذه الفكرة من مشاعر الحزن على المرأة ؟أم أن الله عز وجل خلق المرأة مختلفة عن الرجل تكمله و يكملها و أنه لم يصدم المجتمع الإسلامي الأول بهذه الحقيقة لأن امتدادات وضعية المراة الكثيرة قد تجعل أي تغيير في مبادئها خلخلة عميقة للنظام القائم.
الطاهر الحداد يجعل للزمن دور هام في النظر إلى صلاحية الأحكام و الزمن هو الواقع و الواقع يبين أن المرأة حققت الكثير من الانتصارات على أسطورة ضعفها و وهنها و عجزها و سخافة عقلها و بالتالي استحقت بجدارة أن تمحي من على جبينها تلك الصفات المهينة.
و حديث الطاهر الحداد عن دور الحضانة هو تذكير لمخالفيه بأنه لم ينس دور الأمومة في حياة المرأة و إن كانت مسألة الحضانة مسألة متفرعة لا مجال لها هنا.
المرأة حققت إنجازات على أرض الواقع و وصلت إلى أن تستقل عن الرجل في التحصيل على عيشها و في تحقيق التعاون معه و وصلت إلى المساواة معه في تحمل أعباء الحياة و العقبة التي يمكن أن تحول دون ذلك هي مسؤولية الأطفال:
(( فيوكل أمر النشء من الجيل إلى عهدة لرياض الأطفال التي تنمو حتى تتسع لجميعهم و عندها يستويان في الانتفاع بمزايا الحياة و قوانينها))([20]).
و حتى لا يتهم الطاهر حداد بتقديس المرأة كرد فعل متطرف لتحقير المرأة يوضح أن المرأة إنسان و ليست ملاكا كما أن من يعينون أوصياء عليها قد يخطئون أيضا من واقع بشريتهم: فلماذا يضخم خطأ المرأة و ينسى خطأ الرجل؟
المرأة قد تحسن الاختيار و قد لا تحسنه كالرجل سواء. و الآباء و الأوصياء قد يحسنونه و قد لا يحسنون غير أننا اعتدنا آن نرى الخطأ في المرأة أكثر مما نراه في جانب الرجال لاشتهارها بيننا بضعف الإدراك([21]).
بشرية المرأة يعني وجود أحاسيس لديها، أحاسيس قوية أيضا بفعل ما تعانيه من اضطهاد و احتقار.
تعدد الزوجات سيئة من سيئات الجاهلية الأولى التي جاهدها الإسلام طبق سياسته التدريجية و كان عامة العرب يعددون نساءهم بلا حد لاستعمالهن في خدمة الأرض استغناء بهن عن الإجراء و خدمة البيت و الاستمتاع و هو ما هو موجود في البادية، فجاء الإسلام فوضع بداية حدا أقصى لهذا العدد ثم اشترط العدل بالتسوية بينهن و جعل الخوف من عدم العدل كتحققه تحذيرا لهم من عاقبة هذا التعدد ثم عبر عن تعذر الوفاء بشرط العدل بينهن مهما بذل فيه من الحرص و لولا أن العمل استمر بعد نزول هذه الآية على التعدد لكانت أصرح ما يكون في المنع البات له([22]).
و يورد الحداد الآية 3 و الآية 129 من سورة النساء.
﴿ و إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا﴾
﴿ و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة و إن تصلحوا و تتقوا فإن الله كان غفورا رحيما﴾
 القراءات المغرضة للآيات لم تطل فقط تلك الخاصة بالمرأة بل مست أيضا تلك المتعلقة بالتسيير السياسي مثلا، مما يؤكد أن الرجوع إلى المصادر الأصلية للإسلام يجب أن يكون رجوعا خالصا نقيا من أي نوايا دنيئة، و للتدليل على أن القرآن يفسر بعضه بعضا و بأن البحث عن الصورة الإسلامية يجب أن يسمو فوق الأغراض الضيقة. يوضح الطاهر الحداد أن رسالة الزواج في القرآن و صورته تتصادم مع ما يحدث في حالة وجود أكثر من زوجة:
و القرآن أيضا يفسر الزواج بأنه يقوم على المودة و الرحمة و سكون النفس للنفس كما هو منطوقها أدركنا بهذا  تعذر انقسام هذا الشعور و آثاره في الحياة سوية بين الرجل و نسائه([23]).
يدلل الطاهر الحداد على سلامة منطقه في اعتبار المرأة ذات كيان إنساني مساو لكيان الرجل و أن كونها أنثى ليس سببا للانتقاص من إنسانيتها بمسألة الميراث التي يرى البعض أن قواعده تؤكد تفوق الذكر، فهو يورد حالات تنال فيها الأنثى نصيبا في الميراث أكبر من نصيب الذكر و ذلك رغم وجود آية و للذكر مثل حظ الأنثيين و لكنها خاصة.
يورد الحداد حالات عن تساوي المرأة و الرجل في الميراث و حالات يفوق فيها نصيب المرأة نصيب الرجل و يستنتج:
(( بهذا المسلك أخرص كل نطق عن اعتبار نقص ميراث المرأة قد نشأ عن أنوثتها))([24]).
قضية السفور و الحجاب أخذت الكثير من جهود و أوقات المسلمين خصوصا في الدفاع عنه ضد دعاة السفور و في كل فريق هناك من يحيد عن الموضوعية انتصارا لأغراض غير موضوعية، فالمودودي مثلا و هو الثوري في نقاشه لمسألة الخلافة و الحكم في الإسلام تتحول المرأة بين كتبه إلى أداة لمتعة الرجل و هي مخلوق معاق بالنقص الجسدي و النفسي و المرأة عند سلامة موسى يجب أيضا أن تنطلق لتحقيق ذاتها حتى و إن كان ذلك على حساب دينها.
و لا شك أن مثل هذه الطروحات تبعد المجتمع الإسلامي عن قاعدة الانطلاق النهضوي  لأنها تضيع نصف المجتمع بل أكثر من نصفه لأن ذلك النصف الضائع هو المعول عليه في تنشئة النصف الآخر.
طرح الطاهر الحداد يحمل مشاعر إنسانية بإشارته إلى زوايا لم ينتبه إليها كتاب التيار الإسلامي و تطرف في الدفاع عنها التيار التغريبي:
انطلاقا من الآية: ﴿ …. و لا تنس نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن الله إليك﴾ يقول:
– ليس هذا خاصا بالرجل فقط بل للمرأة أيضا
– إذن مشروعية حق المرأة في أن تستمتع بطيب العيش و مباهج الحياة في لهو و مرح نزيه.
– من هذا الحق : نصيبها من الحق المشاع في نور الشمس و نسامة الجو و رياضة الجسم في الهواء الطلق و مشاهدة الطبيعة في اختلاف  فصول السنة.
– هذا التمتع يكون بعيدا عن حشو الأردية و الحجب التي تحملها.
– نتائج ذلك التمتع: ترويض النفس و البدن من عناء أشغالها في المنزل و أعود عليها بالصحة و النشاط.
و يضيف الطاهر الحداد في تبيان فلسفة نظرته لعدل الإسلام في التعامل مع جسد و روح المرأة:
((معاذ الله أن يناكد الإسلام هذه الحرية البريئة بل هو قد أوسع في تقرير الحرية إلى حدها الكامل))([25]).
جسد المرأة اعتبر عورة ليس بالمفهوم الإسلامي الباعث على العفة و الطهارة و لكن بمفهوم الخسة و النجاسة أحيانا و مفهوم العار أحيانا أخرى، و غاب التفكير في انه أمانة إلهية و أن الروح الساكنة فيه تشعر و تتنفس و تتمنى إعطاء ذلك الجسد حقه من نعم الله في حدود ما يأمر به خالق الجسد و الروح و تنبيه الطاهر حداد إلى ذلك جاء انطلاقا من الآية القرآنية و هذا لم يشفع له عند تيار قبر المرأة جسدا و روحا و عقلا.
يواصل الطاهر الحداد في قراءته للآيات الكريمة الخاصة بموضوع العفة و علاقة الرجال بالنساء:
آمر الله المؤمنين و المؤمنات بغض البصر عن التطلع و عفة الفروج عن محارم الله قل للمؤمنات و في أمر المؤمنين و المؤمنات بغض البصر إشعار ظاهر بعدم وجود حجاب بينهما([26]).
الحجاب المقصود هنا هو الحاجز الفاصل أي لم تكن الحياة منقسمة إلى جناح ذكوري و جناح أنثوي.
و عندما تقرأ هذه الأفكار في زمن الطاهر الحداد يجب استنتاج ردود الفعل المعارضة لأي تغيير في التفكير خصوصا ما يمس الحريم و هي القلعة التي يشعر فيها الرجل المنهزم أنه ما زال يأمر و ينهى و يطاع و لكن الحداد ماض في تحليلاته:زاد القرآن بيانا لمصادر الفواحش لنتحراه فأمر بعدم إبداء الزينة المعلنة للتبرج المغري بالفاحشة:
فلا تضرب المرأة برجلها في السير ليسمع صوت خلخالها و يجب أن تضرب الخمار على الجيب حتى لا ينكشف بدنها و كل هذا التحفظ واجب مع غير المحارم و الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء و الشيب الطاعنين إذ لا يخشى منهم الفاحشة و قد استثنى من منع إبداء الزينة لغير من ذكر ما ظهر منها بطبيعة الحال و كان ستره حرجا عليها: ﴿ و لا يبدين زينتهن﴾([27]).
العفة و الحياء و الحرص على عدم إبداء الزينة هي قواعد التعامل بين الرجال و النساء في الإسلام، و تغطية جسد المرأة يصل لدى البعض إلى مجرد منديل شفاف على الرأس مع لباس أفرنجي أو تحويل المرأة إلى خيمة متنقلة تتحرك خارج بيتها مرتين أو ثلاث في حياتها الطويلة الرتيبة. و إذا كان الشكل الأول مرفوض لأنه مخالف لأبسط قواعد الستر فإن الشكل الثاني تتفرع عنه أشكال أخرى مما حدا بالطاهر الحداد إلى القول:
عدم تعيين المواقع من المرأة المعنية بـ” ما ظهر منها من الزينة” هو من القرآن اعتبارا لأعراف الناس في ذلك بتطور الحياة([28]).
الذي يهم هنا هو ثبات قواعد الحجاب و تكيف بعض التفاصيل مع أعراف الناس و هو دليل على أن قضية الحجاب ذاتها مرتبطة بالمنحى العام للمجتمع.
النتيجة التي يراها الحداد هي:
(( الحجاب الذي نقرره على المراة كركن من أركان الإسلام سواء في مكثها بالمنزل أو وضع النقاب على وجهها ليس من المسائل التي يسهل إثباتها في الإسلام بل ظاهر الآية يرشد إلى نفيه لما في ذلك من الحرج المضني و مما يجعلنا نقطع بعدم وجوده في الإسلام أنه لو كان عملا واضحا أيده النبي كما يزعم أنصاره لما أمكن أئمة الإسلام أن يختلفوا فيه و من بينهم الصحابة و من شهد عصرهم من العلماء))([29]).
يناقش الطاهر الحداد مسألة حبس النساء في البيوت و مسألة فرض النقاب على وجهها عند خروجها النادر، مناقشة تعيد الأمور إلى الأصل الديني الخالص الذي ثبت أنه برئ مما نسجه المسلمون حولهما من أحكام خاصة و أغراض ذاتية ضيقة، و يبرأ الطاهر حداد نفسه من أي انحراف في تأويل ما قاله:
إذا كنا نحترم السفور فإنما ذلك بقدر ما فيه من الحق و اللياقة الأدبية أما إذا تجاوز المصلحة التي تقتضيه إلى العراء البارز في كشف الأطراف إلى نهايتها و الوجه و الرقبة و الصدر و الثديين مع تجميل هذه المواقع بالأصباغ و الأعطار و المصوغ في رشاقة حركات و جعل ذلك عادة في الطرقات فقد انتهينا إلى إثارة الشهوة ([30]).
عندما  حكم على أفكار الطاهر حداد بالانحراف و هو الذي أراد للمراة و المجتمع النهوض من كبوة الانحطاط التي طالت و الانطلاقة الأصيلة، لم يجد تيار الاغتراب من يقف في مواجهته إلا عقول متحجرة لم تستوعب زمن التغيير فجرفها التيار و هي غارقة في أوهامها، و حتى عندما أرادت الحركة الإسلامية في القرن العشرين الميلادي العودة بالمجتمع إلى أصوله لم تستفد من دروس الماضي:
الحركة الإسلامية واجهت في انطلاقتها في السبعينات مجتمعا منحلا فأدانت ذلك المجتمع إدانة جذرية مطلقة و لم تسلم تلك الإدانة – نتيجة ما يصاحب رد الفعل عادة من حماس عنيف و قلة تبصر و إمعان في النصوص للتمييز بين الأصيل و الدخيل في الإسلام- من التأثر بنمط العلاقات التي كانت سائدة في عصور الانحطاط بين الجنسين([31]).
و سقطت الحركة الإسلامية في التحليلات المتسرعة و دافعت عن صورة المرأة المسلمة التي صنعتها سنون الانحطاط و التخلف، فأربكوا المجتمع بحيث هاجموا النموذج التغريبي و لكن بديلهم كان اغترابيا أيضا بعيدا عن العدالة و العقل و الاستقامة المفروض أنها روح الإسلام:
فتصدت الحركة الإسلامية إلى جانب تصديها للاستهتار و العري و الميوعة، للاعتراض بشدة على عمل المرأة خارج البيت و اختلاطها بالرجال في المدارس- دون تحديد دقيق لمفهوم الاختلاط- كما دافعت بشدة عن تعدد الزوجات و كأن التعدد واجب ديني و ليس علاجا استثنائيا، و شجعت  المرأة على الاكتفاء بالحد الأدنى من التعليم و تشددت في رفض كل علاقة بين الرجال و النساء عدا علاقة القرابة و الزواج([32])  .
هكذا يلاحظ أن التيار الذي ساد هو التيار التغريبي لأنه أكثر إنسانية من التيار المتخلف ، و ليس هناك عاقل في هذه الدنيا يسجن نفسه بنفسه و المرأة بعد أن أعطاها التيار التغريبي بعض الحقوق ليست مطالبة عقلا أن تتنازل عنها- حتى و إن كانت تلك الحقوق معومة في استئصال عن الأصول – لتلبس أثواب التخلف و الانحطاط بغير ضمان لا في الدنيا و لا في الآخرة و اختيار المرأة العاقلة الأصالة سيجعلها  تعيش أسوأ أشكال الغربة بين هؤلاء و هؤلاء.
يقول راشد الغنوشي:
إن وضعية الأخت([33]) اليوم وضعية حرجة جدا فهي لمظهرها الخاص محط نظر المجتمع و سخريته فهي مغتربة في المجتمع ، أكثر من ذلك في وسط الجماعة فما يسمح لها بحضور الندوات و السهرات التي تطرح فيها مشكلات العمل الإسلامي([34]).
أي أن المرأة المتحجبة الملتزمة خصوصا في تونس – محل سخرية من المجتمع الذي لا يفهم سلوكها و محل اقصاء من الملتزمين دينيا لأنها امرأة  و مع ذلك فهي مطالبة بأن تحمل و تعمل لإنهاض الأمة.
و هكذا كتب للتيار العلماني أن ينتصر ليس فقط لسطوة الحكومة القائمة عليه و لكن أيضا لخلو الساحة من البديل القوي الذي يجلب إليه العقول المستنيرة و القلوب الخافقة ببقايا فطرة سليمة قابلة للاستثمار، يضيف الغنوشي:
النظام البورقيبي كان مفتونا بالغرب معتبرا أن تحرير المرأة هو طريقه الأمثل إلى اللحاق بركب الحضارة فجاءت مجلة الأحوال الشخصية لا باعتبارها مجموعة قوانين لتصحيح وضعية المرأة بل ثورة عاصفة على المجتمع القديم و أطلقت معها موجة من التهجم على الدين و رجاله و دعوة إلى الانطلاق المحموم([35]).
و إذا كانت البورقيبية قد أرست قواعد مجتمع غير تقليدي يبتعد عن الإسلام فإن الحركة الإسلامية لم تفهم – ربما لجذور روادها- أنها أمام مجتمع له خصوصيات يقتضي التعامل معها برفق و حكمة فلا يفرض على مجتمع مقلد للغرب نموذجا للتغيير مستوحى من مجتمع متخلف بدوي، كما لا تفرض القناعات الشخصية الخاصة على تيار يفترض فيه البحث عن أضمن السبل لتحقيق النهضة و خصوصا أضمن السبل للتوعية بأهمية أسلمة اتجاهات المرأة:
لم تظهر الحركة الإسلامية في تونس في مجتمع بدوي تسوده علاقات الفطرة بل ظهرت في مجتمع أرهقته الحضارة و نخر كيانه تقليد الغرب و الجري وراء مظاهر زائفة من حضارته([36]).
و هذا ما كان يفترض طرحا عميقا و مدروسا جيدا و لكن الأمور لا تسير في هذا الاتجاه.
_____________________

(1)   مقدمة كتاب: امرأتنا في الشريعة و المجتمع، للطاهر حداد، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية الجزائر 1992  .  ( تقديم خالد محمد).
(1)  حداد ( الطاهر): امرأتنا……م، م، س. ص 3.
([3])  ن، م، س. ص 4 و ص5.
(3)  ن، م، س. ص 5.

([5])   حداد ( الطاهر): امرأتنا……م، م، س. ص 5 و ص6.
([6])    و (3) ن، م، س. ص 126.

([8])    حداد ( الطاهر): امرأتنا……م، م، س . ص 191.
([9])   ن، م، س. ص6 .
([10])   ن م، س. ص 7.
([11])  حداد ( الطاهر): امرأتنا……م، م، س . ص 20.
([12]  ن، م، س. ص123.
([13])  ن،م، س. ص60.
([14])   حداد ( الطاهر): امرأتنا……م، م، س . ص 13.
([15])    ن،م، س. ص 13.
([16])   ن،م، س. ص 14.

([17])  و (2) حداد(الطاهر): امرأتنا……م،م، س. ص 36.
(3)  ن،م، س. ص 33 و ص 34.

([20])  حداد(الطاهر): امرأتنا……م،م، س. ص 35.
([21]  ن،م، س. ص53.
([22]  ن،م، س، ص 61. و يتحدث الحداد أيضا عن الآثار الاجتماعية للتعدد من صراع بين الزوجات و الأبناء.
([23]) و (2)  حداد(الطاهر): امرأتنا……م،م، س. ص 33.
      أوردت عميدة كلية أسيوط للعلوم الإسلامية قسم البنات أن هناك في تقسيم الميراث: 30 حالة  على الأقل يفوق نصيب الأنثى فيها نصيب الذكر.
 ([25])    حداد(الطاهر): امرأتنا……م، م، س. ص 24.
  ([26])    ن ،م، س. ص 25.
([27]) حداد(الطاهر): امرأتنا……م ،م، س. ص 26.
([28]) ن،م، س. ص 26.
([29])   حداد(الطاهر): امرأتنا……م،م، س. ص 26 و ص 27.
([30])   ن،م، س. ص 214.
([31])   الغنوشي ( راشد): المرأة المسلمة في تونس بين توجيهات القرآن و واقع المجتمع التونسي، دار القلم الكويت، 1988. ص 91
([32])  الغنوشي ( راشد): المرأة المسلمة…. م،م، س. ص 93.
([33])  يقصد المرأة المتحجبة الملتزمة بدينها.
([34])  ن، م، س. ص 113.
([35])     ن،م، س. ص 91.
           ([36])   الغنوشي (راشد): المرأة المسلمة…. م،م، س. ص 92.

 

https://chafiaseddik.wordpress.com/2014/02/24/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%87%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%80%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D9%85%D9%86-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81/#_ftn27

Aucun commentaire: