samedi 22 avril 2017

حكاية أنس الوجود مع محبوبته الورد في الأكمام





  •  
حكاية أنس الوجود مع محبوبته الورد في الأكمام
حكاية أنس الوجود مع محبوبته الورد في الأكمام
ومما يحكى أيضاً أنه في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك عظيم الشأن ذو عز وسلطان وكان له وزير يسمى ابراهيم وكانت له ابنة بديعة الحسن والجمال فائقة في البهجة والكمال. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد بأن بنت الملك كانت فائقة البهجة والكمال ذات عقل وافر وأدب باهر، إلا أنها تهوى المنادمة والراح والوجوه الملاح ورقائق الأشعار ونوادر الأخبار تدعو العقول إلى الهوى رقة معانيها كما قال فيها بعض واصفيها:
                  كلفت بها فتانة الـتـرك والـعـرب     تجادلني في الفقه والنـحـو والأدب
                  تقول أنا المفعول بي وخفضـتـنـي    لماذا وهذا فاعل فلـم أنـتـصـب
                  فقلت لها نفسي وروحي لك الـفـدا    ألم تعلمي أن الزمان قد انـقـلـب
                 وإن كنت يوماً تنكـرين انـقـلابـه     فها انظري ما عقدة الرأس في الذنب
وكان اسمها الورد في الأكمام، وسبب تسميتها بذلك فرط رقتها وكمال بهجتها وكان الملك محباً منادماً لكمال أدبها، ومن عادة الملك أنه في كل عام يجمع أعيان مملكته ويلعب بالكرة فلما كان ذلك اليوم الذي يجمع فيه الناس للعب بالكرة جلست ابنة الوزير في الشباك لتتفرج فبينما هم في اللعب إذ لاحت منها التفاتة فرأت بين العسكر شاباً لم يكن أحسن منه منظراً ولا أبهى طلعة، نير الوجه ضاحك السن طويل الباع واسع المنكب فكررت فيه مراراً فيه النظر فلم تشبع منه النظر فقالت لدايتها: ما اسم هذا الشاب المليح الشمائل الذي بين العسكر؟ فقالت لها: يا بنتي الكل ملاح فمن هو فيهم؟ فقالت لها: اصبري حتى أشير لك عليه، ثم أخذت تفاحة ورمتها عليه فرفع رأسه فرأى ابنة الوزير في الشباك كأنها البدر في الأفلاك، فلم يرد إليه طرفه وهو بعشقها مشغول الخاطر فأنشد قول الشاعر:
                  أرماني القواس أم جفنـاك     فتكا بقلب الصب حين رآك
                 وأتاني السهم المفوق برهة    من جحفل أم جاء من شباك
فلما فرغ اللعب قالت لدايتها: ما اسم هذا الشاب الذي أريته لك؟ قالت اسمه أنس الوجود، فهزت رأسها ونامت في مرتبتها وقدحت فكرتها، ثم صعدت الزفرات وانشدت هذه الأبيات:
                     ما خاب من سماك أنس الوجود     يا جامعاً ما بين أنس الوجـود
                     يا طلعة البدر الذي وجـهـه         قد نور الكون وعم الـوجـود
                     ما أنت إلا مفرد في الـورى        سلطان ذي حسن وعنده شهود
                     حاجبك النون التـي حـررت        ومقلتاك الصاد صنع الـودود
                     وقدك الغصن الرطيب الـذي       إذا دعي في كل شيء يجـود
                     قد فقت فرسان الورى سطوة       ولم تزل بفرط حسنك تسـود
فلما فرغت من شعرها كتبته في قرطاس ولفته في خرقة الحرير مطرزة بالذهب ووضعته تحت المخدة وكانت واحدة من داياتها تنظر إليها فجاءتها وصارت تمارسها حتى فاقت وسرقت الورقة من تحت المخدة وقرأتها، فعرفت أنها حصل لها وجد بأنس الوجود وبعد أن قرأت الورقة وضعتها في مكانها فلما استفاقت سيدتها الورد في الأكمام من نومها قالت لها: يا سيدتي إني لك من الناصحات وعليك من الشفيقات اعلمي أن الهوى شديد وكتمانه يذيب الحديد ويورث الأمراض والأسقام وما على من يبوح بالهوى ملام فقالت لها الورد في الأكمام: يا دايتي وما دواء الغرام؟ قالت: دواؤه الوصال قالت: وكيف يوجد الوصال؟ قالت: يا سيدتي يوجد بالمراسلة ولين الكلام، وإكثار التحية والسلام فهذا يجمع بين الأحباب وبه تسهل الأمور والصعاب وإن كان ذلك أمر يا مولاتي فانا اولى بكتم سرك وقضاء حاجتك وحمل رسالتك.
فلما سمعت منها الورد في الأكمام ذلك طار عقلها من الفرح لكن أمسكت نفسها عن الكلام حتى تنظر عاقبة أمرها وقالت في نفسها: إن هخذا الأمر ما عرفه أحد مني فلا أبوح به لهذه المرأة إلا بعد أن أختبرها فقالت المرأة: يا سيدتي إني رأيت في منامي كأن رجلاً جاءني وقال لي: أن سيدتك وأنس الوجود متحابان فمارسي أمرهما واحملي رسائلهما واقضي حوائجهما واكتمي أمرهما وأسرارهما يحصل لك خير كثير وهاأنا قد قصصت ما رأيت عليك والأمر إليك فقالت الورد في الأكمام لدايتها لما أخبرتها بالمنام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الورد في الأكمام قالت لدايتها لما أخبرتها بالمنام الذي رأته: هل تكتمين الأسرار يا دايتي فقالت لها: كيف لا أكتم الأسرار وأنا من خلاصة الحرار فأخرجت لها الورقة التي كتبت فيها الشعر وقالت لها: اذهبي برسالتي هذه إلى أنس الوجود، فلما دخلت عليه قبلت يديه وحيته بألف سلام ثم أعطته القرطاس فقرأه وفهم معناه ثم كتب في ظهره هذه الأبيات:
أعلل قلبي في الـغـرام وأكـتـم          ولكن حالي عن هـواي يتـرجـم
وإن فاض دمعي قلت جرح بمقلتي       لئلا يرى حالي العذول فـيفـهـم
وكنت خالياً لست أعرف ما الهوى       فأصبحت صباً والـفـؤاد مـتـيم
رفعت إليكم قصتي أشتكـي بـهـا         غرامي ووجدي كي ترقواوترحموا
وسطرتها من دمع عيني لعـلـهـا         بما حل بي منكم إليكم تـتـرجـم
رعى الله وجهاً بالجمال مـبـرقـاً         له البدر عبد والكواكـب تـخـدم
على حسن ذات ما رأيت مثيلـهـا       ومن ميلها الأغصان عطفاً تتعلـم
وأسألكم من غير حمـل مـشـقة         زيارتنا إن الوصـال مـعـظـم
وهبت لكم روحي عسى تقبلونـهـا      فلي الوصل خلد والصدود جهنـم
ثم طوى الكتاب وقبله واعطاه لها وقال للها: يا داية استعطفي خاطر سيدتك فقالت له: سمعاً وطاعة ثم أخذت منه المكتوب ورجعت إلى سيدتها وأعطتها الققرطاس فقبلته ورفعته فوق رأسها ثم فتحته وقرأته وفهمت معناه وكتبت في أسفله هذه الأبيات:
                 يا من تولع قلبـه بـجـمـالـنـا            أصبر لعلك في الهوى تحظى بنـا
                 لما علمـنـا أن حـبـك صـادق            وأصاب قلبك ما أصاب فـؤادنـا
                 زدناك فوق الوصل وصلاً مثـلـه        لكن منع الوصل من حجـابـنـا
                 وإذا تجلى الليل من فرط الـهـوى        تتوقد النـيران فـي أحـشـائنـا
                 رجعت مضاجعنا الجنوب وربمـا        قد برح التبريح في أجسـامـنـا
                 الفرض في شرع الهوى كتم الهوى      لا ترفعوا المسبول من أستـارنـا
                 وقد انحشى مني الحشا بهوى الرشا      يا ليته ما غاب عـن أوطـانـنـا
فلما فرغت من شعرها طوت القرطاس وأعطته للداية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الورد في الأكمام طوت القرطاس وأعطته للداية فأخذته وخرجت من عند الورد في الأكمام بنت الوزير فصادفها الحاجب وقال لها: أين تذهبين؟ فقالت: إلى الحمام وقد انزعجت منه فوقعت الورقة حين خرجت من الباب وقت انزعاجها. هذا ما كان من امرها. وأما ما كان من أمر الورقة فإن بعض الخدام رآها مرمية في الطريق فأخذها ثم أن الوزير خرج من باب الحريم وجلس على سريره فقصد الخادم الذي التقط الورقة فبينما الوزير جالس على سريره وإذا بذلك الخادم تقدم إليه وفي يده الورقة وقال له: يا مولاي إني وجدت هذه الورقة مرمية في الدار فاخذتها فتناولها الوزير من يده وهي مطوية فرأى فيها الأشعار التي تقدم ذكرها فقرأها وفهم معناها ثم تأمل كتابتها فرآها بخط ابنته فدخل على أمها وهو يبكي بكاءً شديداً حتى ابتلت لحيته. فقالت له زوجته: ما أبكاك يا مولاي؟ فقال لها: خذي هذه الورقة وانظري ما فيها فأخذت الورقة وقرأتها فوجدتها مشتملة على مراسلة من بنتها الورد في الأكمام إلى أنس الوجود فجاءها البكاء لكنها غلبت في نفسها وكفكفت دموعها وقالت للوزير: يا مولاي إن البكاء لا فائدة فيه وإنما الرأي الصواب أن تبصر أن تتبصر في أمر يكون فيه صون عرضك وكتمان أمر ابنتك وصارت تسليه وتخفف عنه الأحزان فقال لها: إني خائف على ابنتي من العشق اما تعلمين أن السلطان يحب أنس الوجود محبة عظيمة ولخوفي من هذا الأمر سببان: الأول من جهتي وهو أنها ابنتي والثاني من جهة السلطان وهو أن أنس الوجود محظي عند السلطان وربما يحدث من هذا أمر عظيم فما رأيك في ذلك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير لما أخبر زوجته بخبر ابنته وقال لها: فما رأيك في ذلك؟ قالت له: اصبر علي حتى أصلي صلاة الإستخارة ثم إنها صلت ركعتين سنة الإستخارة فلما فرغت من صلاتها قالت لزوجها: في وسط بحر الكنوز جبلاً يسمى جبل الثكلى وسبب تسميته بذلك سيأتي وذاك الجبل لا يقدر على الوصول إليه أحد إلا بالمشقة فاجعل لها موضعاً هناك فاتفق الوزير مع زوجته على أن يبني فيه قصراً منيعاً ويجعلها فيه ويضع عندها مؤونتها عاماً بعد عام ويجعل عندها من يؤنسها ويخدمها ثم جمع النجارين والبنائين والمهندسين وأرسلهم إلى ذلك الجبل فبنوا لها قصر منيعاً لم ير الراؤون ثم هيأ الزاد والراحلة ودخل على ابنته في الليل وأمرها بالسير فأحس قلبها بالفراق فلما خرجت ورأت هيئة الأسفار بكت بكاءً شديداً وكتبت على الباب تعرف أنس الوجود بما جرى لها من الوجد الذي تقشعر منه الجلود ويذيب الجلمود ويجري العبرات والذي كتبته هذه الأبيات:
                    بالـلـه يا دار إن مـر ضـحـى         مسلـمـاً بـإشـارات يحـيينـا
                   اهديه منا سلاماً زاكـياً عـطـرا        لأنه لـيس يدري أين أمـسـينـا
                   ولست أدري إلى أين الرحيل بنـا      لما مضوا بي سريعاً مستخـفـياً
                   في جنح ليل وطير الأيل قد عكفت    على الغصن تباكينا وتـنـعـينـا
                   وقال عنها لسان الحال واحـربـاه      من التفرق ما بين المـحـبـينـا
                   لما رأيت كؤوس البعدقد مـلـئت       والدهر من صرفها بالقهر يسقينا
                   مزجتها بجميل الصبر معـتـذراً        وعنكم الآن ليس الصبر يسلـينـا
فلما فرغت من شعرها ركبت وساروا بها يقطعون البراري والقفار والأوعار حتى وصلوا إلى بحر الكنوز ونصبوا الخيام على شاطئ البحر ومدوا لها مركباً عظيمة وأنزلوها فيها هي وعائلتها وقد أمرهم أنهم إذا وصلوا إلى الجبل وأدخلوها في القصر هي وعائلتها يرجعون بالمركب وبعد أن يطلعوا من المركب يكسرونها فذهبوا وفعلوا جميع ما أمرهم به ثم رجعوا وهم يبكون على ما جرى. هذا ما كان من أمرهم. وأما ما كان من أمر أنس الوجود فإنه قام من نومه وصلى الصبح ثم ركب وتوجه إلى خدمة السلطان فمر في طريقه على باب الوزير على جري العادة لعله يرى أحداً من أتباع الوزير الذين كان يراهم ونظر إلى الباب فرأى الشعر المتقدم ذكره مكتوباً علي.فلما غاب عن وجوده واشتعلت النار في أحشائه ورجع إلى داره ولم يقر له قرار ولم يزل في قلق ووجد إلى أن دخل فكتم أمره وتنكر وخرج في جوف الليل هائماً على غير طريق وهو لا يدري أين يسير فسار الليل كله وثاني يوم إلى أن اشتد الحر وتلهبت الجبال واشتد عليه العطش فنظر إلى شجرة فوجد بجانبها جدول ماء يجري فقصد تلك الشجرة وجلس في ظلها على شاطئ ذلك الجدول وأراد أن يشرب فلم يجد للماء طعم في فمه وقد تغير لونه واصفر وجهه وتورمت قدما من المشي والمشقة فبكى بكاءً شديداً وسكب العبرات وأنشد هذه الأبيات:
                 سكر العاشق في حب الـحـبـيب        كلـمـا زاد غـرامـاً ولـهـيب
                 هائم فـي الـحـب صـب تــائه          ما لـه مـأوى ولا زاد يطــيب
                 كيف يهنأ العيش لـلـصـب الـذي       فارق الأحباب ذا شيء عـجـيب
                 ذبـت لـمـا ذكـــا وجـــدي             بهم وجرى دمعي على خدي صبيب
                 هل أراهـم أو أرى ربـعـهــم          أحداً يبرى به القـلـب الـكـئيب
فلما فرغ من شعره بكى حتى بل الثرى ثم قام من وقته وساعته وسار من ذلك المكان فبينما هو سائر في البراري والقفار إذ خرج عليه سبع رقبته مختنقة بشعره ورأسه قدر القبة وفمه أوسع من الباب وأنيابه مثل أنياب الفيل فلما رآه أنس الوجود أيقن بالموت واستقبل القبلة وتشهد واستعد للموت وكان قد قرأ في الكتب أن من خادع السبع انخدع له له لأنه ينخدع بالكلام الطيب وينتحي بالمديح فشرع يقول له: يا أسد الغابة يا ليث الفضاء يا ضرغام يا أبا الفتيان يا سلطان الوحوش إنني عاشق مشتاق وقد أتلفني العشق والفراق وحين فارقت الأحباب غبت عن الصواب فاسمع كلامي وارحم لوعتي وغربتي. فلما سمع الأسدمقالته تأخر عنه وجلس مقعياً على ذنبه ورفع رأسه إليه وصار يلعب ذنبه ويديه، فلما رأى أنس الوجود هذه الحركات أنشد هذه الأبيات:
                    أسد البيداء هل تفـلـتـنـي            قبل ما ألقى الذي تـيمـنـي
                    لست صيداً لا ولا بي سمـن        فقد من أهواه قد أسقمـنـي
                    وفراق المحب أضنى مهجتي       فمثالي صورة فـي كـفـن
                    يا أبا الحرث يا ليث الوغـى        لا تشمت عاذلي في شجنـي
                    أنا صب مدمعي غـرقـنـي          وفراق الحب قد أقلـقـنـي
                    واشتغالي في دجى الليل بهـا        عن وجودي في الهوى غيبني
فلما فرغ من شعره قام الأسد ومشى نحوه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أنس الوجود لما فرغ من شعره قام الأسد ومشى نحوه بلطف وعيناه مغرغرتان بالدموع، ولما وصل إليه لحسه بلسانه ومشى قدامه وأشار إليه أن اتبعني ولم يزل سائراً وهو معه ساعة من الزمان حتى طلع به فوق جبل، ثم نزل به من فوق ذلك الجبل فرأى أثر المشي في البراري فعرف أن ذلك الأثر أثر مشي قوم بالورد في الأكمام فتبع الأثر ومشى فيه، فلما رآه الأسد يتبع الأثر وعرف أنه أثر مشي محبوبته رجع الأسد إلى حال سبيله.
وأما أنس الوجود فإنه لم يزل ماشياً في الأثر أياماً وليالي حتى أقبل على بحر عجاج متلاطم الأمواج ووصل الأثر إلى شاطئ البحر وانقطع فعلم أنهم ركبوا البحر وساروا فيه وانقطع رجاؤه منهم، والتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً في البرية فخشي على نفسه من الوحوش فصعد على جبل عال فبينما هو في الجبل إذ سمع صوت آدمي يتكلم من مغارة فصغى إليه وإذا هو عابد قد ترك الدنيا واشتغل بالعبادة، فطرق عليه المغارة ثلاث مرات فلم يجبه العابد فصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
                     كيف السبيل إلى أن أبلـغ الـربـا        وأترك الهم والتكدير والتـعـبـا
                     وكل هول من الأهوال شـيبـنـي        قلباً ورأساً مشيباً في زمان صبـا
                     ولم أجد لي معيناً في الغـرام ولا      خلاص يخفف عني الوجد والنصبا
                     وكم أكابد في الأشواق مـن ولـه       كأن دهري علي الآن قد انقلـبـا
                     وارحمتاه لصب عـاشـق قـلـق         كأس التفرق والهجران قد شربـا
                     فالنار في القلب والأحشاء قد محيت     والعقل من لوعة التفريق قد سلبـا
                     ما كان أعظم يوم جئت منزلـهـم       وقد رأيت على الأبواب ما كتـبـا
                     بكيت حتى سقيت الأرض من حرق    لكن كتمت على الدانين والغـربـا
                     يا عابداً قد تغاضى في مغـارتـه       كأن ذلك طعم العشق وانسـلـبـا
                     وبعـد هـذا وهـذا كـلـه فـإذا            بلغت قصدي فلا هماً ولا تعـبـا
فلما فرغ من شعره وإذا بباب المغارة قد انفتح وسمع قائلاً يقول: وارحمتاه، فدخل الباب وسلم على العابد وقال له: ما اسمك؟ قال: اسمي أنس الوجود، فقال له: ما سبب مجيئك إلى هذا المكان؟ فقص عيه قصته من أولها إلى آخرها وأخبره ما جرى له فبكى العابد وقال له: يا أنس الوجود إن لي في هذا المكان عشرين عاماً ما رأيت فيه أحداً إلا بالأمس، فإني سمعت بكاءً وغواشاً فنظرت إلى جهة الصوت فرأيت ناساً كثيرين وخياماً منصوبة على شاطئ البحر وأقاموا مركباً ونزل فيه قوم منهم وساروا به في البحر ثم رجع بالمركب بعض من نزل فيه وكسروه وتوجهوا إلى حال سبيلهم، وأظن أن الذين ساروا على ظهر البحر ولم يرجعوا هم الذين أنت في طلبهم يا أنس الوجود وحينئذٍ يكون همك عظيماً وأنت معذور، ولكن لا يوجد محب إلا وقد قاسى الحسرات، ثم أنشد العابد هذه الأبيات:
                        أنس الوجود خلي البال تحـسـبـنـي        والشوق والوجد يطويني وينشـرنـي
                        إني عرفت الهوى والعشق من صغري    من حين كنت صبياً راضع الـلـبـن
                        مارسته زمناً حـتـى عـرفـت بـه           إن كنت تسأل عني فهو يعـرفـنـي
                        شربت كأس الجوى من لوعةٍ وضنـى     فصرت محواً بهـمـن رقة الـبـدن
                        قد كنت ذا قوة لكـن هـي جـلـدي          وجيش صبري بأسياف اللحاظ فـنـي
                        لا ترتجي في الهوى وصلاً بغير جفـا     فالضد بالضد مقرون مدى الـزمـن
                        قضى الغرام على العشاق أجمعـهـم        إن السلـو حـرام بـدعة الـفـنـن
فلما فرغ العابد من إنشاد شعره قام إلى أنس الوجود وعانقه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أن العابد لما فرغ من إنشاد شعره قام إلى أنس الوجود وعانقه وتباكيا حتى دوت الجبال من بكائهما. ولم يزالا يبكيان حتى وقعا مغشياً عليهما، ثم أفاقا وتعاهدا على أنهما أخوان في عهد الله تعالى، ثم قال العابد لأنس الوجود: أنا في هذه الليلة أصلي وأستخير الله على شيء تعمله فقال له أنس الوجود: سمعاً وطاعة.
هذا ما كان من أنس الوجود، واما ما كان من أمر الورد في الأكمام فإنها لما وصلوا بها إلى الجبل وأدخلوها القصر ورأته ورأت ترتيبه بكت وقالت: والله إنك مكان مليح غير أنك ناقص وجود الحبيب فيك ورأت في تلك الجزيرة أطياراً فأمرت بعض أتباعها أن ينصب لها فخاً ويصطاد به منها وكل ما اصطاده يضعه في أقفاص من داخل القصر ففعل ما أمرته به، ثم قعدت في شباكالقصر وتذكرت ما جرى لها وزاد بها الغرام والوجد والهيام فبكت العبرات وأنشدت هذه الأبيات:
                  يا لمن أشتكي الغرام الـذي بـي      وشجوني وفرقتني عن حبـيبـي
                  ولهيباً بين الـضـلـوع ولـكـن        لست أبديه خفـية مـن رقـيب
                  ثم أصبـحـت رق عـود خـلال        من بـعـاد وحـرقة ونـحـيب
                  أين عين الحبيب حتـى تـرانـي       كيف أصبحت مثل حال السلـيب
                   قد تعدو علـي إذ حـجـبـونـي         في مكان لم يستطعه حـبـيبـي
                  أسأل الشمس حمل ألـف سـلام       عند وقت الشروق ثم الـغـروب
                  أحبيب قد أخجل البدر حـسـنـاً        منذ تبدى وفاق قد الـقـضـيب
                   إن حكى الورد خده قـلـت فـيه        لست تحكي إن لم تكن من نصيبي
                   إن في ثغره لـسـلـسـال ريق          يجلب البرد عند حر الـلـهـيب
                   كيف أسلوه وهو قلبـي وروحـي       مسقمي ممرضي حبيبي طبيبـي
هذا ما كان من أمر الورد في الأكمام، وأما ما كان من أنس الوجود فإن العابد قال له: انزل إلى الوادي وائتني من الفخيل بليف فنزل وجاء له بليف فأخذه العابد وقتله وجعله شنفاً مثل أشناف التبن وقال له: يا أنس الوجود إن في جوف الوادي فرعاً يطلع وينشف على أصوله فانزل إليه واملأ هذا الشنف منه واربطه وارمه في البحر واركب عليه وتوجه به وسط البحر لعلك تبلغ قصدك، فإن من لم يخاطر بنفسه لم يبلغ المقصود، فقال: سمعاً وطاعة ثم ودعه وانصرف من عند إلى ما أمره به بعد أن دعا له العابد، ولم يزل أنس الوجود سائر إللا جوف الوادي وفعل كما قال له العابد، ولما وصل بالشنف إلى وسط البحر هبت عليه ريح فزقه الشنف حتى غاب عن عين العابد، ولم يزل سابحاً في لجة البحر ترفعه موجة وتحطه أخرى وهو يرى ما في البحر من العجائب والأهوال إلى أن رمته المقادير على جبل الثكلى بعد ثلاثة أيام من فنزل إلى البر مثل الفرخ الدايخ لهفان من الجوع والعطش فوجد في ذلك المكان أنهاراً جارية وأطياراً مغردة على الأغصان وأشجاراً مثمرة صنواناً وغير صنوان فأكل من الأثمار وشرب من الأنهار وقام يمشي فرأى بياضاً على بعد فمشى جهته حتى وصل إليه فوجده قصراً منيعاً حصيناً فأتى إلى باب القصر فوجده مقفولاً فجلس عنده ثلاثة أيام.
فبينما هو جالس وإذا بباب القصر قد فتح وخرج منه شخص من الخدم فرأى أنس الوجود قاعداً فقال له: من أين أتيت ومن أوصلك إلى هنا؟ فقال أنس الوجود: من أصبهان وكنت مسافراً في البحر بتجارة فانكسر المركب الذي كنت فيه فرمتني الأمواج على ظهر هذه الجزيرة، فبكى الخادم وعانقه وقال: حياك الله يا وجه الأحباب أن أصبهان بلادي ولي فيها بنت عم كنت أحبها وأنا صغير وكنت مولعاً بها فغزى بلادنا قوم أقوى منا وأخذوني في جملة الغنائم وكنت صغيراً فقطعوا إحليلي ثم باعوني خادماً وهاأنا في تلك الحالة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخادم الذي خرج من قصر الورد في الأكمام حدث أنس الوجود بجميع ما حصل وقال له أن القوم الذين أخذوني قطعوا إحليلي وباعوني خادماً وهاأنا في تلك الحالة، وبعدما سلم عليه وحياه أدخله ساحة القصر، فلما دخل رأى بحيرة عظيمة وحولها أشجار وأغصان وفيها أطيار في أقفاص من فضة وأبواباها من الذهب وتلك الأقفاص معلقة على الأغصان والأطيار فيها تناغي وتسبح الديان، فلما وصل إلى أولها تأمله فإذا هو قمري فلما رآه الطير مد صوته وقال: يا كريم فغشي على أنس الوجود، فلما أفاق من غشيته صعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
                أيها القمري هل بمثلي تـهـيم           فاسأل المولى وغرد يا كـريم
                يا ترى نوحـك هـذا طـرب            أو غرام منك في القلوب مقيم
                أن تنح وجداً لأحباب مـضـوا          أو خلفت بهم مضنى سـقـيم
                أو فقدت الحب مثلي في الهوى         فالتجافي يظهر الوجد القـديم
                يا رعى الله محبـاً صـادقـاً             لست أسلوه ولو عظمي رميم
فلما فرغ من شعره بكى حتى وقع مغشياً عليه، وحين أفاق من غشيته مشى حتى وصل إلى ثاني قفص فوجده فاختاً، فلما رآه الفاخت غرد وقال: يا دايم أشكرك، فصعد أنس الوجود الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
                 وفاخت قد طال فـي نـوحـه          يا دائماً شكراً على بـلـوتـي
                عسى لعل الله مـن فـضـلـه           يقضي بوصل الحب في سفرتي
                ورب معسول اللمـى زارنـي          فزادني عشقاً على صبـوتـي
                قلت والنيران قـد أضـرمـت           في القلب حتى أحرقت مهجتي
                والدمع مسفوك يحـاكـي دمـاً           قد فاض يجري على وجنـتـي
                ما تم مخـلـوق بـلا مـحـنة            لكن لي صبراً على محنـتـي
                بقدرة اللـه مـتـى لـمـنـي             وقت الصفا يوماً على سادتـي
                جعلت للعشاق مـالـي قـرى            لأنهم قوم عـلـى سـنـتـي
                وأطلق الأطيار من سجـنـهـا          واترك الأحزان من فرحـتـي
 فلما فرغ من شعره تمشى إلى ثالث قفص فوجده هزاراً، فزعق الهزار عند رؤيته، فلم سمعه أنشد هذه الأبيات:
               إن الهزار لطيف الصوت يعجبنـي      كأنه صوت صب في الغرام فنـي
               وارحمتاه على العشاق ثم قلـقـوا        من ليلة بالهوى والشوق والمحـن
               كأنهم من عظيم الشوق قد خلـفـوا       بلا صباح ولا نوم من الـشـجـن
               لما جننت بمـن أهـواه قـيدنـي           فيه الغرام ولمـا فـيه قـيدنـي
               تسلسل الدمع من عيني فقلـت لـه        سلاسل الدمع قد طالت فسلسلنـي
               زاد اشتياقي وطال البعد وانعدمـت       كنوز صبري وفرط الوجد أتلفنـي
               إن كان في الدهر أنصاف ويجمعني      بمن أحب وستر الله يشمـلـنـي
               قلعت ثوبي لحبي كي يرى جسـدي       بالصد والبعد والهجران كيف ضني
فلما فرغ من شعره تمشى إلى رابع قفص فوجده بلبلاً، فناح وغرد عند رؤية أنس الوجود، فلما سمع تغريده سكب العبرات وأنشد هذه الأبيات:
                   إن للبلبل صوتاً في الـسـحـر           شعل العاشق من حسن التوتر
                   في الهوى أنس الوجود المشتكي        من غرام قد محا منـه الأثـر
                   كم سمعنا صوت ألحان محـت          طرباً صلد الحديد والحـجـر
                   ونسيم الصبح قـد يروي لـنـا           عن رياض يانعات بالـزهـر
                   فطربـنـا بـسـمـاع وشـذا               من نسيم وطيور في السحـر
                   وتذكـرنـا حـبـيبـاً غـائبـاً               فجرى الدمع سيولاً ومـطـر
                   ولهيب النار فـي أحـشـائنـا             مضمر ذاك كجمر بالـشـرر
                   متع الله مـحـبـاً عـاشـقـاً                من حبيب بوصـال ونـظـر
                   إن للعشاق عـذراً واضـحـاً             ليس يدري العذر إلا ذو النظر
فلما فرغ من شعره مشى قليلاً فرأى قفصاً حسناً لم يكن هناك أحسن منه فلما قرب منه وجده حمام الأيك وهو اليمام المشهور من بين الطيور فوجده ذاهلاً باطلاً ينوح الغرام وفي عنقه عقد من جوهر بديع النظام ونأمله فوجده ذاهلاً باطلاً باهتاً في قفصه فلما رآه بهذا الحال أفاض العبرات وأنشد هذه الأبيات:
                    يا حمام الأيك أقرئك الـسـلام            يا أخا العشاق من أهل الغـرام
                    إنني أهـوى غـزالاً أهـيفـاً               لحظة أقطع من حد الحـسـام
                    في الهوى أحرق قلبي والحشى          وعلا جسمي تحول وسـقـام
                    ولذيذ الـزاد قـد أحـرمـتـه                مثل ما احرمت من طيب المنام
                    واصطباري وسـلـوى رحـلا             والهوى بالوجد عندي قد أقـام
                    كيف يهنأ العيش لي من بعدهـم           وهم روحي وقصدي والمـرام
فلما فرغ أنس الوجود من شعره. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أنس الوجود لما فرغ من شعره التفت إلى صاحبه الأصبهاني وقال له: ما هذا القصر ومن هو الذي بناه؟ قال له: بناه وزير الملك الفلاني لابنته خوفاً عليها من عوارض الزمان وطوارق الحدثان وأسكنها فيه هي وأتباعها ولا تفتحه إلا في كل سنة مرة لما تأتي إليهم مؤونتهم فقال في نفسه: قد حصل المقصود ولكن المدة طويلة، هذا ما كان من أمر أنس الوجود وأما ما كان من أمر الورد في الأكمام فإنها لم يهنأ لها شراب ولا طعام ولا قعود ولا منام فقامت وقد زاد بها الغرام والهيام ودارت في أركان القصر فلم تجد لها مصرفاً فسكبت العبرات وأنشدت هذه الأبيات:
                         حبسوني عن حبـيبـي قـوة             وأذاقوني بسجني لوعـتـي
                         أحرقوا قلبي بنيران الـهـوى           حيث ردوا عن حبيبي نظرتي
                         حبسوني في قصـور شـيدت            في جبال خلقت فـي لـجة
                         إن يكونوا قد رأوا ستـرتـي            لم تزد في الحب إلا محنتـي
                         كيف أسلو والذي بي كـلـه             أصله في وجه حبي نظرتي
                         فنهاري كـلـه فـي أسـف               أقطع الليل بهم في فكرتـي
                         وأنيسي ذكرهم في وحـدتـي           حين ألقى منم لقاهم وحشتي
                         يا ترى هل بعد هـذا كـلـه             يسمح الدهر بلقيا مـنـيتـي
فلا فرغت من شعرها طلعت إلى سطح القصر وأخذت أثواباً بعلبكية وربطت نفسها فيها حتى وصلت إلى الأرض وقد كانت لابسة أفخر ما عندها من اللباس وفي عنقها عقد من الجواهر وسارت في تلك البراري والقفار حتى وصلت إلى شاطئ البحر فرأت صياداً في مركب دائر في البحر يصطاد فرماه الريح على تلك الجزيرة فالتفت فرأى الورد في الأكمام في تلك الجزيرة، فلما رآها فزع منها وخرج بالمركب هارباً فنادته وأكثرت إليه الإشارات وأنشدت هذه الأبيات:
                   يا أيها الصياد لا تخشى الـكـدر        غنني إنسية مـثـل الـبـشـر
                   أريد منك أن تجـيب دعـوتـي          وتسمعن قولي بإسناد الـخـبـر
                   فارحم وقال الله حر صبـوتـي          إن أبصرت عيناك محبوباً نفـر
                   فإنني أهوى ملـيحـاً وجـهـه            فاق وجه الشمس نور القـمـر
                   والظبي لمـا رأى ألـحـاظـه            قد قال إني عبده ثـم اعـتـذر
                    قد كتب الحسن على وجـنـتـه          سطراً بديعاً في المعاني مختصر
                    فمن رأى نور الهوى قد اهتـدى       أما الذي ضل تعـدى وكـفـر
                    إن شاء تعذيبـي بـه يا حـبـذا          فكل ما ألـقـاه أجـراً وأجـر
                    ومن يواقيت ومـا أشـبـهـهـا           ولؤلؤ رطـب وأنـواع الـدرر
                    عسى حبيبي أن يوحي بالمـنـى        فإن قلبي ذاب شوقاً وانفـطـر
فلما سمع الصياد كلامها أرسى مركبه على البر وقال لها: انزلي في المركب حتى أعدي بك إلى أي موضع تريدين فنزلت في المركب وعوم بها فلما فارق البر بقليل هبت على المركب ريح من خلفها فسارت المركب بسرعة حتى غاب البر عن أعينهما، وصار الصياد لا يعرف أن يذهب ومكث اشتداد الريح مدة ثلاثة أيام ثم سكن الريح بإذن الله تعالى ولم تزل المركب تسير بهما حتى وصلت إلى مدينة على شاطئ البحر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المركب لما وصلت بالصياد والورد في الأكمام إلى مدينة على شاطئ البحر أراد الصياد أن يرسي مركبه على تلك المدينة وكان فيها ملك عظيم السطوة يقال له درباس وكان في ذلك الوقت جالساً هو وابنه في قصر مملكته وصارا ينظران من شباك القصر فالتفتا إلى جهة البحر فرأيا تلك المركب فتأملاها فوجدا فيها صبية كأنها البدر في أفق السماء وفي أذنيها حلق من البلخش الغالي وفي عنقها عقد من الجوهر النفيس فعرف الملك أنها من بنات الأكابر والملوك فنزل الملك من قصره وخرج من باب القيطون فرأى المركب قد رست على الشاطئ وكانت البنت نائمة والصياد مشغولاً بربط المركب فأيقظها الملك من منامها فاستيقظت وهي تبكي فقال لها الملك: من أين أنت وابنة من أنت وما سبب مجيئك هنا؟ فقالت له الورد في الأكمام: أنا ابنة إبراهيم وزير الملك الشامخ وسبب مجيئي هنا أمر عجيب وحكت له جميع قصتها من أولها إلى آخرها ولم تخف عنه شيئاً ثم صعدت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات:
                  قد قرح الدمع جفني فاقتضى عجبـاً         من التكدر لما فاض وانـسـكـبـا
                  من أجل خل سوى في مهجتي أبـداً         ولم أنل في الهوى من وصله أربـا
                  له محيا جـمـيل بـاهـر نـضـر              وفي الملاحة فاق الترك والعـربـا
                  والشمس والبدر قد مالا لطلـعـتـه           كالصب والتزما في حـبـه الأدبـا
                  وطرفه بعجيب السحر مكـتـحـل            يريك قوساً لرمي السهم منتصـبـا
                  يا من له حالتي أوضحت معـتـذراً          ارحم محباً به صرف الهوى لعـبـا
                 إن الهوى قد رماني في وسط ساحتكم      ضعيف عزم ومنكم ارتجى حسـبـا
                 إن الكرام إذا ما حل سـاحـتـهـم            مستحسب فحماهم يرفع الحـسـبـا
                 فاستر فضائح أهل العشق يا أمـلـي         وكن لوصلتـهـم يا سـيدي سـبـا
فلما فرغت من شعرها حكت للملك قصتها من أولها إلى آخرها فقال لها: لا خوف عليك ولا فزع قد وصلت إلى مرادك، فلا بد أن أبلغك ما تريدينه وأوصل إليك ما تطلبينه فاسمعي مني هذه الكلمات ثم أنشد هذه الأبيات:
                  بنت الكرام بلغت القصد والأربا            لك البشارات لا تخشى هنا نصبا
                  اليوم أجمع أمـوالاً وأرسـلـهـا              لشامخ صحبة الفرسان والنجـبـا
                  نوافح المسك والديباج أرسـلـهـا              وأرسل الفضة البيضاء والذهبـا
                  نعم وتخبره عني مـكـاتـبـتـي                أني مريداً له صهراً ومنتـسـبـا
                  وأبذل اليوم جهدي في معـاونـه             حتى يكون الذي تهوين مقتـربـا
                  قد ذقت طعم الهوى دهراً وأعرفه           وأعذر اليوم من كأس الهوى شربا
فلما فرغ من شعره خرج إلى عسكره ودعا بوزيره وحزم له مالاً لا يحصى وأمره أن يذهب بذلك إلى الملك الشامخ وقال له: لا بد أن تأتيني بشخص اسمه أنس الوجود وقل له: أنه يريد مصاهرتك بأن يزوج ابنته لأنس الوجود تابعك فلا بد من إرساله معي حتى نعقد عقده عليها في مملكة أبيها ثم أن الملك درباس كتب مكتوباً للملك الشامخ بمضمون ذلك وأعطاه لوزيره وأكد عليه في الإتيان بأنس الوجود وقال له: إن لم تأتني به تكون معزولاً عن مرتبتك فقال له: سمعاً وطاعة ثم توجه بالهدية إلى الملك الشامخ فلما وصل إليه بلغه السلام عن الملك درباس وأعطاه المكاتبة والهدية التي معه فلما رآه الملك الشامخ وقرأ المكاتبة ونظر اسم أنس الوجود بكى بكاءً شديداً وقال للوزير المرسل إليه: وأين أنس الوجود فإنه ذهب ولا نعلم مكانه فأتني به وأنا أعطيك أضعاف ما جئت به من الهدية، ثم بكى وأنّ واشتكى وافاض العبرات وأنشد هذه الأبيات:
                     ردوا علي حـبـيبـي           لا حاجة لي بـمـال
                      ولا أريد هــــدايا             من جواهـر ولآلـي
                      قد كان عنـدي بـدراً          سما بأفـق جـمـال
                      وفاق حسناً ومعـنـى          ولم يقـس بـغـزال
                      وقـد غـصـن بـان            أثـمـاره مـن دلال
                      وليس في الغصن طبع        يسبي عقول الرجـال
                      ربيبه وهـو طـفـل            على مهـاد الـدلال
                      وإنـنـي لـحــزين             عليه مشغول البـال
ثن التفت إلى الوزير الذي جاء بالهدية والرسالة وقال له: اذهب إلى سيدك وأخبره أن أنس الوجود مضى عام وهو غائب وسيده لم يدر أين ذهب ولا يعرف له خبر فقال له الوزير: يا مولاي إن سيدي قال لي إن لم تأتني به تكن معزولاً عن الوزارة ولا تدخل مدينتي فكيف أذهب إليه بغيره فقال الملك الشامخ لوزيره ابراهيم: اذهب معه صحبة جماعة وفتشوا على أنس الوجود في سائر الأماكن فقال له: سمعاً وطاعة ثم أخذ من أتباعه واصطحب وزير الملك درباس وساروا في طلب أنس الوجود. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ابراهيم وزير الملك الشامخ أخذ جماعة من أتباعه واصطحب وزير الملك درباس وساروا في طلب أنس الوجود فكانوا كلما مروا بعرب أو قوم يسألونهم عن أنس الوجود فيقولون لهم: هل مر بكم شخص اسمه كذا وصفته كذا وكذا؟ فيقولون: لا نعلمه وما زالوا يسألون المدائن والقرى ويفتشون في السهول والأوعار والبراري والقفار حتى وصلوا إلى شاطئ البحر وطلعوا في مركب ونزلوا فيها وساروا بها حتى أقبلوا على جبل الثكلى. فقال وزير الملك درباس لوزير الملك الشامخ: لأي شيء سمي هذا الجبل بذلك الاسم؟ فقال له: لأنه نزلت به جنية في قديم الزمان وكانت نلك الجنية من جن الصين وقد أحبت إنساناً ووقع له معها غرام وخافت على نفسها من أهلها فلما زاد بها الغرام فتشت في الأرض على مكان تخفيه فيه عن أهلها فوجدت هذا الجبل منقطعاً من الإنس والجن بحيث لا يهتدي إلى طريقه أحد من الإنس والجن فاختطفت محبوبها ووضعته فيه وصارت تذهب إلى أهلها وتأتيه في خفية ولم تزل على ذلك زمناً طويلاً حتى ولدت منه في ذلك الجبل أطفالاً متعددة وكا كل من يمر على هذا الجبل من التجار والمسافرين في البحر يسمع بكاء الأطفال كبكاء المرأة التي ثكلت أولادها أي فقدتهم فقيقول: هل هنا ثكلى فتعجب وزير الملك درباس من هذا الكلام.
ثم إنهم ساروا حتى وصلوا إلى القصر وطرقوا الباب فانفتح الباب فخرج لهم خادم فعرف ابراهيم وزير الملك الشامخ فقبل يده ثم دخل القصر فوجد في فسحته رجلاً فقيراً بين الخدامين وهو أنس الوجود فقال لهم: من أين هذا؟ فقالوا له: إنه رجل تاجر غرق ماله ونجا بنفسه وهو مجذوب فتركه، ثم مشى إلى داخل القصر فلم يجد لابنته أثراً فسأل الجواري التي هناك فقلن له: ما عرفنا كيف راحت ولا أقامت معنا سوى مدة يسيرة فسكب العبرات وأنشد هذه الأبيات:
                  أيها الدار الـتـي أطـيارهـا            قد تغنت وازدهت أعتابـهـا
                  فأتاها الصب ينعـي شـوقـه           ورآها فتـحـت أبـوابـهـا
                  ليت شعري أين ضاعت مهجتي      عند دار قد نـأى أربـابـهـا
                  كان فيها كل شـيء فـاخـر           واستطاعت واعتلى حجابـهـا
                  وكسوها حلل مـن سـنـدس            يا ترى أين غدت أصحابـهـا
فلما فرغ من شعره بكى وأنّ واشتكى وقال: لا حيلة في قضاء الله ولا مفر مما قدره وقضاه، ثم طلع إلى سطح القصر فوجد الثياب البعلبكية مربوطة في شرارف واصلة إلى الأرض فعرف أنها نزلت من ذلك المكان وراحت كالهائج الولهان والتفت فرأى هناك طيرين غراباً وبومة فتشاءم من ذلك وصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
                  أتيت إلـى دار الأحـبة راجـياً              بآثارهم اطفاء وجدي ولوعتـي
                  فلم أجد الأحباب فيها ولـم أجـد            بها غير مشؤمي غراب وبومة
                  وقال لسان الحال قد كنت ظالماً           وفرقت بين المغرمين الأحـبة
                  فذق طعم ما ذاقوه من ألم الجوى          وعش كمداً ما بين دمع وحرقة
ثم نزل من فوق القصر وهو يبكي وقد أمر الخدام أن يخرجوا إلى الجبل ويفتشوا على سيدتهم ففعلا ذلك فلم يجدوها. هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر أنس الوجود فإنه لما تحقق أن الورد في الأكمام قد ذهبت صاح صيحة عظيمة ووقع مغشياً عليه واستمر في غشيته فظنوا أنه أخذته جذبة من الرحمن واستغرق في جمال هيبة الديان ولما يئسوا من وجود أنس الوجود واشتغل قلب الوزير ابراهيم بفقد ابنته الورد في الأكمام أرارد وزير الملك درباس أن يتوجه إلى بلاده وإن لم يفز من سفره بمراده. فأخذ يودعه الوزير ابراهيم والد الورد في الأكمام فقال له وزير الملك درباس: إني أريد أن آخذ هذا الفقير معي عسى الله أن يعطف على الملك ببركته لأنه مجذوب، ثم بعد ذلك أرسله إلى بلاد أصبهان لأنها قريبة من بلادنا، فقال: افعل ما تريد، ثم انصرف كل منهما متوجه إلى بلاده وقد أخذ وزير الملك درباس أنس الوجود معه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة العاشرة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن وزير الملك درباس أخذ أنس الوجود وهو مغشي عليه وسار ثلاثة أيام وهو في غشيته محمولاً على البغال ولا يدري هل هو محمول أو لا، فلما أفاق من غشيته قال: في أي مكان أنا؟ فقالوا له: أنت صحبة وزير الملك درباس، ثم ذهبوا إلى الوزير وأخبروه أنه قد أفاق فأرسل إليه ماء الورد والسكر فيقوه وأنعشوه ولم يزالوا مسافرين حتى قربوا من مدينة الملك درباس فأرسل الملك إلى الوزير يقول له: إن لم يكن أنس الوجود معك فلا تأتي أبداً.
فلما قرأ مرسوم الملك عسر عليه ذلك وكان الوزير لا يعلم أن الورد في الأكمام عند ولا يعلم سبب إرسال الملك إياه إلى أنس الوجود ولا يعلم أن الوزير مرسل في طلبه والوزير لا يعلم أن هذا هو أنس الوجود فلما رأى الوزير أن أنس الوجود قد استفاق قال له: إن الملك أرسلني في حاجة وهي لم تقض ولما علم بقدومي أرسل إلي مكتوباً يقول لي فيه: إن لم تكن الحاجة قضيت فلا تدخل مدينتي، فقال له: وما حاجة الملك؟ فحكى له جميع الحكاية فقال له أنس الوجود: لا تخف واذهب إلى الملك وخذني معك وأنا أضمن مجيء أنس الوجود. ففرح الوزير بذلك وقال له: أحق ما تقول؟ فقال: نعم، فركب وأخذه معه وسار به إلى الملك فلما وصلا إلى الملك قال له: أين أنس الوجود؟ فقال له أنس الوجود: أيها الملك أنا أعرف مكان أنس الوجود فقربه الملك إليه وقال له: في أي مكان هو؟ قال: في مكان قريب جداً ولكن أخبرني ماذا تريد منه وأنا أحضره بين يديك فقال له: حباً وكرامة ولكن هذا الأمر يحتاج إلى خلوة. ثم أمر الناس بالإنصراف ودخل معه خلوة وأخبره الملك بالقصة من أولها إلى آخرها فقال له أنس الوجود: ائتيني بثياب فاخرة وألبسني إياها وأنا آتيك بأنس الوجود سريعاً فأتاه ببدلة فاخرة فلبسها وقال: أن أنس الوجود وكمد الحسود، ثم رمى القلوب باللحظات وأنشد هذه الأبيات:
               يؤانسني ذكر الحبيب بـخـلـوتـي           ويطرد عني في التباعد وحشـتـي
              وما لي غير الدمع عـين وإنـمـا           إذا فاض من عيني يخفف زفرتي
               وشوقي شديد ليس يوجـد مـثـلـه           وأمري عجيب في الهوى والمحبة
               فأقطع ليلي ساهر الجفن لـم أنـم            وفي العشق أسعى بين نـاروجـنة
                وقد كان لي صبر جميل عدمـتـه           وما منحني في الحب إلا بمحنتـي
                وقد رق جسمي من أليم بعـادهـم           وغيرت الأشواق وصفي وصورتي
                وأجفان عيني بالدموع تـقـرحـت            ولم أستطع أني أرجع دمـعـتـي
                وقد قل حيلي والفـؤاد عـدمـتـه             وكم ذا لاقى لوعة بـعـد لـوعة
                وقلبي ورأسي بالمشيب تشـابـهـا           على سادة بالحسن أحسـن سـادة
                على زعمهم كان التفرق بـينـنـا            وما قصدهم إلا لقائي ووصلـتـي
                فيا هل ترى بعد التقاطع والـنـوى          أيمنعني دهري بوصل أحـبـتـي
                ويطوي كتاب البعد من بعد نشـره          وتمحى براحات الوصال مشقتـي
                ويبقى حبيبي في الديار منـادمـي            وتبدل أحزاني بصفو سـريرتـي
فلما فرغ من شعره قال له الملك: والله إنكما لمحبان صادقان وفي سماء الحسن كوكبان نيران وأمركما عجيب وشأنكما غريب، ثم حكى له حكاية الورد في الأكمام إلى آخرها فقال له: وأين هي يا ملك الزمان؟ قال: هي عندي الآن، ثم أحضر الملك القاضي والشهود وعقد عقدها عليه وأكرمه وأحسن إليه، ثم أرسل الملك درباس إلى الملك الشامخ وأخبره بجميع ما اتفق له من أمر أنس الوجود والورد في الأكمام، ففرح الملك الشامخ بذلك غاية الفرح وأرسل إليه مكتوباً مضمونه حيث حصل عقد العقد عندك ينبغي أن يكون الفرح والدخول عندي.
ثم جهز الجمال والخيل والرجال وأرسل في طلبهما، فلما وصلت الرسالة إلى الملك درباس أمدهما بمال عظيم وأرسلهما مع جملة عسكره فساروا بهما جتى دخلوا مدينتهما وكان يوماً مشهوداً لم ير أعظم منه، وجمع الملك الشامخ سائر المطربات من آلات المغاني وعمل الولائم ومكثوا على ذلك سبعة أيام، وفي كل يوم يخلع الملك الشامخ على الناس الخلع السنية ويحسن إليهم، ثم إن أنس الوجود دخل على الورد في الأكمام فعانقها وأخذا يبكيان من فرط الفرح والمسرات وأنشد هذه الأبيات:
               جاء السرور أزال الهم والحزنـا         ثم اجتمعنا وأكمدنا حواسـدنـا
               ونسمة الوصل قد هبت معطرة          فأحيت القلب والأحشاء والبدنـا
               وبهجة الأنس قد لاحت مخلـقة           وفي الخوافق قد دقت بشائرنـا
               لا تحسبوا اننا باكون من حـزن           لكن من فرح فاضت مدامعنـا
               فكم رأينا من الأهوال وانصرفت          وقد صبرنا على من هيج الشجنا
               فساعة من وصال قد نسيت بها          ما كان من شدة الأهوال شيبنا
فلما فرغ من شعره تعانقا ولم يزالا متعانقين حتى وقعا مغشياً عليهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الحادية عشرة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أنس الوجود والورد في الأكمام لما اجتمعا متعانقين ولم يزالا متعانقين حتى وقعا مغشياً عليهما من لذة الإجتماع فلما أفاقا من غشيتهما أنشد أنس الوجود هذه الأبيات:
               ما أحلاهـا لـيلات الـوفـا         حيث أمسى لي حبيبي منصفا
               وتوالى الوصل فيما بـينـنـا        وانفصال الهجر عنا قد وفى
               وإلينا الدهر يسعى مـقـبـلاً        بعد ما مال وعنا انحـرفـا
               نصب السعد لنـا أعـلامـه         وشربنا منه كأساً قد صـفـا
               واجتمعنا وتشاكـينـا الآسـى        ولليلات تقضت بالـجـفـا
               ونسينا ما مضى يا سـادتـي        وعفا الرحمن عما سـلـفـا
               ما ألذ العـيش مـا أطـيبـه          لم يزدني الوصل إلا شغفـا
فلما فرغ من شعره تعانقا واضطجعا في خلوتهما، ولم يزالا في منادمة وأشعار ولطف وحكايات وأخبار حتى غرقا في بحر الغرام ومضت عليهما سبعة أيام وهما لا يدريان ليلاً من نهار لفرط ما هما فيه من لذة وسرور وصفو وحبور، فكأن السبعة أيام يوم واحد ليس له ثاني، وما عرفا يوم الأسبوع إلا بمجيء آلات المغاني، فأكثرت الورد في الأكمام المتعجبات وأنشدت هذه الأبيات:
                    ومن طيب الوصال فليس ندري      بأوقات البعيد من الـقـريب
                    ليالي سبعة مـرت عـلـينـا            ولم نشعر بها كم من عجـيب
                    فهنوني بأسـبـوع وقـولـوا            أدام الله وصلك بالـحـبـيب
فلما فرغت من شعرها قبلها أنس الوجود ما ينوف عن المئات ثم أنشد هذه الأبيات:
                  أتى يوم الشرور مع التهانـي        وجاء الحب من صدوفـانـي
                  فآنسني بطيب الوصل مـنـه         ونادمني بألطاف المعـانـي
                  وأسقاني شراب الأنس حتـى        ذهلت عن الوجود بما سقاني
                  فطربنا وانشرحنا واضطجعنـا       وصرنا في شراب مع أغاني
                  ومن فرط السرور فليس ندري      من الأيام أولـهـا وثـانـي
                  ولا يدري لمر الصد طعـمـاً        وربي قد حباه بما حـبـانـي
فلما فرغ من شعره قاما وخرجا من مكانهما وأنعما على الناس بالمال والخلع وأعطيا ووهبا إلى أن أتاهم هازم اللذات ومفرق الجماعات، فسبحان من لا يحول ولا يزول وإليه كل الأمور تؤول.
ومما يحكى أن الخليفة هارون الرشيد كان يحب السيدة زبيدة محبة عظيمة وخصص لها مكاناً للتنزه وعمل لها سياجاً من الأشجار وأرسل إليها الماء من كل جانب فالتفت عليها الأشجار حتى لو دخل أحد يغتسل في تلك البحيرة لم يره أحد من كثرة أوراق الشجر، فاتفق أن السيدة زبيدة دخلت ذلك المكان يوماً وأتت إلى البحيرة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية عشرة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة زبيدة لما دخلت ذلك المكان يوماً وأتت إلى البحيرة وتفرجت على حسنها وجمالها فأعجبها رونقها والتفاف الأشجار عليها وكان ذلك في يوم الحر فقلعت أثوابها ونزلت إلى البحيرة ووقفت وكانت البحيرة لا تستر من يقف فيها فجعلت تملأ بإبريق من عين وتصب على بدنها فعلم الخليفة بذلك فنزل من قصره يتجسس عليها من خلف أوراق الأشجار فرآها عريانة وقد بان منها ما كان مستور، فلما أحست بأمير المؤمنين خلف أوراق الأشجار وعرفت أنه رآها عريانة التفتت إليه ونظرته فاستحسنت منه ووضعت يدها على فرجها ففاض من بين يديها لفرط كبره وغلظه، فولى من ساعته وهو يتعجب من ذلك وينشد هذا البيت:
                    نظرت عيني لحيني        وزكا وجدي لبيني
ولم يدر بعد ذلك ما يقول، فأرسل خلف أبي نواس يحضره، فلما حضر بين يديه قال له الخليفة: أنشدني شعراً في أوله:
                   نظرت عيني لحيني        وزكا وجدي لبيني
فقال أبو نواس: سمعاً وطاعة، وارتجل في أقرب اللحظات وأنشد هذه الأبيات:
                  نظرت عيني لحيني        وزكا وجدي لبينـي
                  من غزال قد سباني        تحت ظل الدرتـين
                  سكب الماء عـلـيه          بأباريق اللـجـين
                  نظرتني سـتـرتـه           فاض من بين اليدين
                  ليتني كنت عـلـيه           ساعة أو ساعتـين
فتبسم أمير المؤمنين من كلامه وأحسن إليه وانصرف من عنده مسروراً.
ومما يحكى أن الملك العادل كسرى أنوشروان ركب يوماً إلى الصيد فانفرد عن عسكره ظبي فبينما هو ساع خلف الظبي إذ رأى ضيعة قريبة منه وكان قد عطش عطشاً شديداً فتوجه إلى تلك الضيعة وقصد دار باب قوم في طريقه فطلب ماء ليشرب فخرجت صبية فأبصرته ثم عادت إلى البيت وعصرت له عوداً من قصب السكر ومزجت ما عصرته منه بالماء ووضعته في قدح ووضعت عليه شيئاً من الطيب يشبه التراب ثم سلمته إلى أنوشروان فنظر في القدح فرأى فيه شيئاً يشبه التراب فجعل يشرب منه قليلاً حتى انتهى إلى آخره ثم قال للصبية: أيتها الصبية نعم الماء ما أحلاه لولا ذلك القذي الذي فيه فإنه كدره فقالت الصبية: أيها الضيف أنا عمداً ألقيت فيه ذلك القذي الذي كدره فقال الملك: ولم فعلت ذلك؟ فقالت: لأني رأيتك شديد العطش وخفت أن تشربه نهلة واحدة فيضرك فلو لم يكن فيه قذي لكنت شربته بسرعة نهلة واحدة وكان يضرك شربه على هذه الطريقة فتعجب الملك العادل أنوشروان من كلامها وذكاء عقلها وعلم أن ما قالته ناشئ عن ذكاء وفطنة وجودة عقل فقال لها: من أي عود عصرت ذلك الماء؟ فقالت: من عود واحد فتعجب أنوشروان وطلب جريدة الخراج الذي يحصل من تلك القرية فرأى خراجها قليلاً فأضمر في نفسه أنه إذا عاد إلى تخته يزيد في خراج تلك القرية وقال: قرية يكون في عود واحد منها هذا الماء كيف يكون خراجها هذا القدر القليل ثم انصرف عن تلك القرية إلى الصيد وفي آخر النهار رجع إليها، واجتاز على ذلك الباب منفرداً وطلب الماء ليشرب فخرجت تلك الصبية بعينها فرأته فعرفته ثم عادت لتخرج له الماء فأبطأت عليه فاستعجلها أنوشروان وقال: لأي شيء أبطأت؟ وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة عشرة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك أنوشروان لما استعجل الصبية قال لها: لأي شيء أبطأت؟ فقالت: لأنه لم يخرج من عود واحد قد تغيرت فقال لها: وما سبب ذلك؟ فقالت: سببه أن نية السلطان قد تغيرت فقال لها: من أين جاءك؟ قالت: سمعنا من العقلاء أنه إذا تغيرت نية السلطان على قوم زالت بركتهم وقلت خيراته فضح أنوشروان وأزال من نفسه ما كان أضمر لهم عليه، وتزوج بتلك الصبية حالاً حيث أعجبه فرط ذكائها وفطنتها وحسن كلامها.
ومما يحكى أنه كان رجل بخاري بمدينة سقا يحمل بالماء إلى دار رجل صائغ ومضى له على تلك الحالة ثلاثون سنة وكان لذلك الصائغ زوجة في غاية الحسن والجمال والبهاء والكمال موصوفة بالديانة والحفظ فجاء السقا على عادته يوماً وصب الماء في الخباب وكانت قائمة في وسط الدار فدنا منها السقا وأخذ بيدها وفركها وعصرها ثم مضى وتركها، فلما جاء زوجها من السوق قالت له: إني أريد أن تعرفني أي شيء صنعت هذا اليوم في السوق ما يغضب الله تعالى؟ فقال الرجل: ما صنعت شيئاً يغضب الله تعالى فقالت المرأة: بلى والله إنك فعلت شيئاً يغضب الله تعالى وإن لم تحدثني بما صنعت وتصدقني في حديثك لا أقعد في بيتك ولا تراني ولا أراك فقال: أخبرك بما فعلته في يومي هذا على وجه الصدق اتفق لي أنني جالس في الدكان على عادتي إذا جاءت امرأة إلى دكاني وأمرتني أن أصوغ لها إسواراً وانصرفت فصغت لها سواراً من ذهب ورفعته فلما حضرت أتيتها به فأخرجت يدها ووضعت السوار في ساعدها فتحيرت من بياض يدها وحسن زندها الذي يسبي الناظر وتذكرت قول الشاعر:
                         وسواعد تزهو بحسن أساور       كالنار تضرم فوق ماء جار
                         فكأنما والتبر محتاط بـهـا          ماء تمنطق معجباً بالنـار
فأخذت يدها وعصرتها ولويتها فقال له المرأة: الله أكبر لم فعلت هذا الجرم إن ذلك السقا الذي كان يدخل بيتنا منذ ثلاثين سنة ولم نر فيه خيانة أخذ اليوم يدي وعصرها ولواها فقال الله: نسأل الله الأمان أيتها المرأة إني تائب مما كان مني فاستغفري الله فقالت المرأة: غفر الله لي ولك ورزقنا حسن العاقبة فلم كان الغد جاء الرجل السقا وألقى نفسه بين يدي المرأة وتمرغ على التراب واعتذر إليها، وقال: يا سيدتي اجعليني في حل مما أغراني به الشيطان حيث أضلني وأغواني. فقالت له المرأة: امض إلى حال سبيلك فإن ذلك الخطأ لم يكن منك وإنما كان سببه من زوجي حيث فعل ما فعل في الدكان فاقتص الله منه في الدنيا وقيل أن الرجل الصائغ لما أخبرته زوجته بما فعل السقا معها قال: دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا فصار هذا الكلام مثلاً سائراً بين الناس فينبغي للمرأة مع زوجها ظاهراً وباطناً وتقنع منه بالقليل إن لم يقدر على الكثير وتقتدي بعائشة الصديقة وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما لتكون مع حواشي السلف.
ومما يحكى أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان امرأة صالحة في بني إسرائيل وكانت تلك المرأة دينة عابدة تخرج كل يوم إلى المصلى بستان فإذا خرجت إلى المصلى تدخل ذلك البستان وتتوضأ منه، وكان في البستان شيخان يحرسانه فتعلق الشيخان بتلك المرأة وراوداها عن نفسها فأبت، فقالا لها: إن لم تمكنينا من نفسك لنشهدن عليك بالزنا فقالت لهما الجارية: الله يكفيني شركما ففتحا باب البستان وصاحا فأقبل عليهما الناس من كل مكان وقالوا: ما خبركما؟ فقالا: إنا وجدنا هذه الجارية مع شاب يفجر بها وانفلت الشاب من أيدينا وكان الناس في ذلك الوقت ينادون بفضيحة الزاني ثلاثة أيام، ثم يرجمونه فنادوا عليها ثلاثة أيام من أجل الفضيحة وكان الشيخان في كل يوم يدانون منها ويضعان أيديهما على رأسها ويقولان لها: الحمد لله الذي أنزل بك نقمته. فلما أرادوا رجمها تبعهم دانيال وهو ابن اثنتي عشرة سنة وهذه أول معجزة على نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يزل تابعاً لهم حتى لحقهم وقال: لا تعجلوا عليها بالرجم حتى أقضي بينهم فوضعوا له كرسياً.
ثم جلس وفرق الشيخين وهو أول من فرق بين الشهود فقال لأحدهما: ما رأيت؟ فذكر له ما جرى فقال له: حصل ذلك في أي مكان في البستان؟ فقال: في الجانب الشرقي تحت شجرة كمثري ثم سأل الثاني عما رأى، فأخبره بما جرى فقال له: في أي مكان في البستان؟ فقال: في الجانب الغربي تحت شجرة تفاح هذا والجارية واقفة رافعة رأسها ويديها إلى السماء، وهي تدعو الله بالخلاص فأنزل الله تعالى صاعقة من العذاب فأحرقت الشيخين وأظهر الله تعالى براءة الجارية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة عشرة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصاعقة نزلت على الشيخين فأحرقتهما وأظهر الله براءة الجارية وهذا أول ما جرى من المعجزات لنبي الله دانيال عليه السلام. ويحكى أن أمير المؤمنين هارون الرشيد خرج يوماً من الأيام هو وأبا إسحاق النديم وجعفر البرمكي وأبو نواس وساروا في الصحراء فرأوا شيخاً متكئاً على حمار له فقال هارون الرشيد لجعفر: اسأل هذا الشيخ من أين هو؟ فقال له جعفر: من أين جئت؟ قال: من البصرة فقال له جعفر: وإلى أين سيرك؟ قال إلى بغداد قال: وما تصنع فيها؟ قال: ألتمس دواء لعيني فقال هارون الرشيد: يا جعفر مازحه فقال: إذا مازحته أسمع منه ما أكره فقال: بحقي عليك أن تمازحه فقال جعفر للشيخ: إن وصفت لك دواء ينفعك ما الذي تكافئني به؟ فقال له: إن الله تعالى يكافئك عني ما هو خير لك من مكافئتي فقال: انصت إلي حتى أصف لك هذا الدواء الذي لا أصفه لأحد غيرك فقال له: وما هو؟ فقال جعفر: خذ لك ثلاث أواق من هبوب الريح وثلاث أواق من شعاع الشمس وثلاث أواق من زهر القمر وثلاث أواق من نور السراج واجمع الجميع وضعها في الريح ثلاثة أشهر ثم بعد ذلك ضعها في هون بلا قعر ودقها ثلاثة أشهر فإذا دققتها تضعها في جفنك مشقوقة وضع الجفة في الريح ثلاثة أشهر ثم استعمل من هذا الدواء في كل يوم ثلاثة دراهم عند النوم واستمر على ذلك ثلاثة أشهر فإنك تعافى إن شاء الله تعالى، فلما سمع الشيخ كلام جعفر انسطح على حماره وضرط ضرطة منكرة وقال: خذ هذه الضرطة مكافأة لك على وصفك هذا الدواء فإذا استعملته ورزقني الله العافية أعطيتك جارية تخدمك في حياتك خدمة يقطع الله بها أجلك فإذا مت وعجل الله بروحك إلى النار وسخمت وجهك بخراها من حزنها عليك وتندب وتلطم وتنوح وتقول في نياحها: يا ساقع الذقن ما أسقع ذقنك فضحك هارون الرشيد حتى استلقى على قفاه وأمر لذلك الرجل بثلاثة آلاف دينار.
وحكى الشريف حسين بن ريان أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان جالساً في بعض الأيام للقضاء بين الناس والحكم بين الرعايا وعنده أكابر الصحابة من أهل الرأي والإصابة، فبينما هو جالس إذ أقبل عليه شاب من أحسن الشباب نظيف الثياب وقد تعلق به شابان من أحسن الشباب وقد جذبه الشابان من طوقه وأوقفاه بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فنظر أمير المؤمنين إليهما وإليه فأمرهما بالكف عنه وأدناه منه وقال للشابان: ما قصتكما معه؟ فقالا: يا أمير المؤمنين نحن أخوان شقيقان وباتباع الحق حقيقان كان لنا أب شيخ كبير حسن لتدبير معظم في القبائل منزه عن الرذائل، معروف بالفضائل ربانا صغاراً واولانا كباراً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة عشرة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشابين قالا لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب إن أبانا كان معظماً في القبائل منزه عن الرذائل معروفاً بالفضائل ربانا صغاراً وأولانا كباراً جم المناقب والمفاخر حقيقاً بقول الشاعر:
                  قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم         كلا لعمري ولكن منـه شـيبـان
                  فكم أب قد علا بابن ذوي شـرف           كما علت برسول اللـه عـدنـان
فخرج يوماً إلى حديقة له ليتنزه في أشجارها ويقتطف يانع ثمارها فقتله هذا الشاب وعدل عن طريق الرشاد ونسألك القصاً كما جاء والحكم فيه بما أمرك الله فنظر عمر إلى الشاب نظرة مرهبة وقال له: قد سمعت من هذين الغلامين الخطاب فما تقول أنت في الجواب؟ وكان ذلك الغلام ثابت الجنان جريء اللسانقد خلع ثياب الهلع ونزع لباس الجزع فتبسم وتكلم بأفصح لسان وحيا أمير المؤمنين بكلمات حسان ثم قال: والله يا أمير المؤمنين لقد وعيت ما ادعوا صدقاً فيما قالاه حيث أخبرا بما جرى وكان أمر الله قدراً مقدوراً ولكن سأذكر قصتي بين يديك والأمر فيها إليك اعلم يا أمير المؤمنين أني من صميم العرب العرباء الذين هم أشرف من تحت الجرباء نشأت في منازل البادية فأصابت قومي سود السنين العادية فأقبلت إلى ظاهر هذا البلد بالأهل والمال والولد وسلكت بعض طرائقها إلى المسير بين حدائقها بنياق كريمة عزيزات علي بينهن فحل كريم الأصل كثير النسل مليح الشكل، يكثر منهن النتاج ويمشي بينهن كأنه ملك عليه تاج فندت بعض النياق إلى حديقة أبيهم وقد ظهر من الحائط أشجارها فتناولته بمشفرها فطردتها عن تلك الحديقة وإذا بشيخ من الحائط قد ظهر وزفير غيظه يرمي الشرر وفي يده اليمنى حجر وهو يهادى كالليث إذا حضر فضرب الفحل بذلك الحجر فقتله لأنه أصاب مقتله فلما رأيت الفحل قد سقط بجانبي آنست إلى قلبي قد توقدت فيه جمرات الغضب قتناولت ذلك الحجر بعينه وضربته به فكان سبباً لحينه ولقي سوء مقبله والمرء مقتول بما قتل وعند إصابته بالحجر صاح صيحة عظيمة وصرخ صرخة أليمة فأسرعت بالسير من مكاني فأسرع هذا الشابان وأمسكاني وإليك أحضراني وبين يديك أوقفاني فقال عمر رضي الله تعالى عنه: قد اعترفت بما اقترفت وتعذر الخلاص ووجب القصاً ولات حين مناً فقال الشاب: سمعاً وطاعة لما حكم به الإمام ورضيت بما اقتضته شريعة الإسلام ولكن لي أخ صغير كان له أب كبير خصه قبل وفاته بمال جزيل وذهب جليل وقد سلم أمره لي وأشهد الله علي وقال: هذا لأخيك عندك فاحفظه جهدك فأخذت ذلك المال ودفنته ولا أحد يعلم به إلا أنا فإن حكمت الآن بقتلي ذهب الملا وكنت السبب في ذهابه وطالبك الصغير بحقه يوم يقضي الله بين خلقه وإن أنت انتظرتني ثلاثة أيام أقمت من يتولى أمر الغلام وعدت وافياً بالذمام ولي من يضمنني على هذا الكلام. فأطرق أمير المؤمنين رأسه ثم نظر إلى من حضره وقال: من يقوم بضمانه والعود إلى مكانه؟ فنظر الغلام إلى وجوه من في المجلس وأشار إلى أبي ذر دون الحاضرين وقال: هذا يكفلني ويضمنني. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة عشرة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما أشار إلى أبي ذر وقال: هذا يكفلني ويضمنني قال عمر رضي الله عنه: يا أبا ذر أسمعت هذا الكلام وتضمن لي حضور هذا الغلام؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين أضمنه إلى ثلاثة أيام فرضي بذلك وأذن للغلام في الإنصراف فلما انقضت مدة الإمهال وكاد وقتها أن يزول أو زال ولم يحضر الشاب إلى مجلس عمر والصحابة حوله كالنجوم حول القمر وأبو ذر قد حضر والخصمان ينتظران فقالا: أين الغريم يا أبا ذر كيف رجوع من فر، ولكن نحن لا نبرح من مكاننا حتى تأتينا للأخذ بثأرنا به. فقال أبو ذر: وحق الملك العلام أن انقضت الثلاثة أيام ولم يحضر الغلام وفيت بالضمان وسلمت نفسي للإمام فقال عمر رضي الله عنه: والله إن تأخر الغلام لأقضين في أبي ذر ما اقتضته شريعة الإسلام فهملت عبرات الحاضرين وارتفعت زفرات الناظرين وعظم الضجيج فعرض أكابر الصحابة على الشابين أخذ الدية واغتنام الاثنية فأبيا ولم يقبلا إلا الأخذ بالثأر، فبينما الناس يموجون ويضجون تأسفاً على أبي ذر إذ أقبل الغلام ووقف بين يدي الإمام وسلم عليه بأحسن سلام ووجهه مشرق يتهلل وبالعرق يتكلل وقال له: قد أسلمت الصبي إلى أخواله وعرفتهم بجميع أحواله وأطلعتهم على مكان ماله. ثم اقتحمت هاجرة الحر ووفيت فاه الحر فتعجب الناس من صدقه ووفائه وإقدامه على الموت واجترائه فقال له بعضهم: ماأكرمك من غلام وأوفاك بالعهد والزمام فقال الغلام: أما تحققتم أن الموت إذا حضر لا ينجو منه أحد وغنما وفيت كيلا يقال ذهب الوفاء من الناس فقال أبو ذر: والله يا أمير المؤمنين لقد ضمنت هذا الغلام، ولم أعرفه من أي قوم ولا رأيته قبل ذلك اليوم ولكن لما أعرض عمر حضر وقصدني وقال: هذا يضمنني ويكفلني لم أستحسن رده، وأبت المروة أن تخيب قصده إذ ليس في إجابة القصد من باس كيلا يقال ذهب الفضل من الناس فعند ذلك قال الشابان: يا أمير المؤمنين قد وهبنا لهذا الشاب دم أبينا حيث بدل الوحشة بالإيناس كيلا يقال ذهب المعروف من الناس فاستبشر الإمام بالعفو عن الغلام وصدقه ووفائه بالذمام واستكبر مروءة إبي ذر دون جلسائه واستحسن اعتماد الشابين في اصطناع المعروف وأثنى عليهما ثناء الشاكر وتمثل بقول الشاعر:
                     من يصنع الخير بين الـورى         لا يذهب الخير بين الله والناس
ثم عرض عليهما أن يصرف دية أبيهما من بيت المال فقالا: إنما عفونا عنه ابتغاء وجه الله الكريم المتعال ومن بيته كذا لا يتبع إحسانه مناً ولا أذى.
ومما يحكى أن أمير المؤمنين هارون الرشيد كان له ولد قد بلغ من العمر ستة عشرة عاماً، وكان معرض عن الدنيا وسالكاً طريقة الزهاد والعباد فكان يخرج لإلى المقابر ويقول: قد كنتم تملكون الدنيا فما ذلكم بمنجيكم وقد صرتم إلى قبوركم فيا ليت شعري ما قلتم وما قيل لكم ويبكي بكاء الخائف الوجل وينشد قول القائل:
                       تروعني الجنائز في كل وقت       ويحزنني بكاء النـائحـات
فاتفق أن أباه مر عليه في بعض الأيام وهو في موكبه وحوله وزرائه وكبراء دولته وأهل مملكته فرأوا ولد أمير المؤمنين وعلى جسد جبة من صوف وعلى رأسه مئزر من صوف فقال بعضهم لبعض: لقد فضح هذا الولد أمير المؤمنين بين الملوك فلو عاتبه لرجع عما هو فيه، فسمع أمير المؤمنين كلامهم فكلمه في ذلك وقال له: لقد فضحتني بما أنت عليه فنظر إليه ولم يجبه. ثم نظر إلى طائر على شرفة من شرفات القصر فقال له: أيها الطائر بحق الذي خلقك أن تسقط على يدي فانقض الطائر على يد الغلام ثم قال له: ارجع إلى موضعك فرجع إلى موضعه ثم قال له: اسقط على يد أمير المؤمنين فأبى أن يسقط على يده، فقال الغلام لأبيه: يا أمير المؤمنين أنت الذي فضحتني بين الأولياء بحبك الدنيا، وقد عزمت على مفارقتك مفارقة لا أعود إليك بعدها إلا في الآخرة. ثم انحدر في البصرة فكان يعمل مع الفعلة في الطين وكان لا يعمل في كل يوم إلا بدرهم ودانق فيتقوت بالدانق ويتصدق بالدرهم قال أبو عامر البصري وكان قد وقع في داري حائط فخرجت إلى موقف الفعلة لأنظر رجلاً يعمل لي فيه فوقعت عيني على شاب مليح ذي وجه صبيح فجئت إليه وسلمت عليه وقلت له: يا حبيبي أتريد الخدمة؟ فقال: نعم فقلت: قم معي إلى بناء الحائط فقال لي: بشروط أشترطها عليك قلت: يا حبيبي ما هي؟ قال: الأجرة درهم ودانق وإذا أذن المؤذن تتركني حتى أصلي مع الجماعة قلت: نعم.
ثم أخذته وذهبت به إلى المنزل فخدم خدمة لم أر مثلها، وذكرت له الغداء فقال: لا فعلمت أنه صائم فلما سمع الآذان قال لي: قد علمت الشرط فقلت: نعم فحل حزامه وتفرغ للوضوء وتوضأ وضوءاً لم أر أحسن منه. ثم خرج إلى الصلاة فصلى مع الجماعة ثم رجع إلى خدمته فلما أذن العصر توضأ وذهب إلى الصلاة ثم عاد إلى الخدمة فقلت له: يا حبيبي قد انتهى وقت الخدمة فإن خدمة الفعلة إلى العصر فقال: سبحان الله إنما خدمتي إلى الليل ولم يزل يخدم إلى الليل فأعطيته درهمين. فلما رآهما قال: ما هذا؟ قلت: والله إن هذا بعض أجرتك لاجتهادك في خدمتي، فرمى بهما إلي وقال: لا أريد زيادة على ما كان بيني وبينك فرغبته فلم أقدر عليه فأعطيته درهماً ودانقاً وسار، فلما أصبح الصباح بكرت إلى الموقف فلم أجده فسألت عنه فقيل لي: أنه لا يأتي ههنا إلا في يوم السبت فقط، فلما كان يوم السبت الثاني ذهبت إلى ذلك المكان فوجدته فقلت له: باسم الله تفضل إلى الخدمة. فقال لي: على الشروط التي تعلمها قلت: نعم فذهبت به إلى داري ووقفت وهو لا يراني فأخذ كفاً من الطين ووضعه على الحائط فإذا الحجارة يتركب بعضها على بعض فقلت: هكذا أولياء الله فخدم يومه ذلك وزاد فيه على ما تقدم فلما كان الليل دفعت له أجرته فأخذها وسار فلما جاء يوم السبت الثالث أتيت إلى الموقف فلم أجده فسألت عنه فقيل لي: هو مريض راقد في خيمة فلانة وكانت تلك المرأة مشهورة بالصلاح ولها خيمة من قصب الجبانة فسرت إلى الخيمة ودخلتها فإذا هو مضطجع على الأرض وليس تحته شيء وقد وضع رأسه على لبنة ووجهه يتهلل نوراً فسلمت عليه فرد علي السلام، فجلس عند رأسه أبكي على صغر سنه وغربته وتوفيقه لطاعة ربه.
ثم قلت له: ألك حاجة؟ قال: نعم قلت: وما هي؟ قال: إذا كان الغد تجيء إلي في وقت الضحى فتجدني ميتاً فتغسلني وتحفر قبري ولا تعلم بذلك أحداً وتكفنني في هذه الجبة التي علي بعد أن تفتقها وتفتش جيبها وتخرج ما فيه وتحفظه عندك فإذا صليت علي وواريتني في التراب فاذهب إلى بغداد وارتقب الخليفة هارون الرشيد حتى يخرج وادفع له ما تجده في جيبي، واقرئه من السلام، ثم تشهد وأثنى على ربه بأبلغ الكلمات وأنشد هذه الأبيات:
                 بلغ أمانة من وافت مـنـيتـه          إلى الرشيد فإن الأجر في ذاكا
                وقل غريب له شوق لرؤيتكـم        على تمادي الهوى والبعد لباكا
                ما صده عنك لا بغض ولا ملل       لأن قربته من لثم يمـنـاكـا
                وإنما أبعدته عنـك يا أبـتـي           نفس لها عفة عن نيل دنياكـا
ثم أن الغلام بعد ذلك اشتغل بالإستغفار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة عشرة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الغلام بعد ذلك اشتغل بالإستغفار والصلاة والسلام على سيد الأبرار وتلاوة بعض الآيات، ثم أنشد هذه الأبيات:
                   يا والدي لا تفتر بتـنـعـم            فالعمرينفد والنـعـيم يزول
                   وإذا علمت بحال قوم ساءهم        فاعلم بأنك عنهمو مسـؤول
                   وإذا حملت إلى القبور جنازة        فاعلم بأنك بعدها محمـول
قال أبو عامر البصري: فلما فرغ الغلام من وصيته وإنشاده ذهبت عنه وتوجهت إلى بيتي فلما أصبح الصباح ذهبت إليه من الغد وقت الضحى فوجدته قد مات رحمة الله عليه فغسلته وفتقت جبته فوجد في جيبه ياقوتة تساوي آلافاً من الدنانير فقلت في نفسي: والله إن هذا الفتى لقد زهد في الدنيا غاية الزهد ثم بعد أن دفنته توجهت إلى بغداد ووصلت إلى دار الخلافة وصرت أترقب خروج الرشيد إلى أن خرج فتعرضت له في بعض الطرق ودفعت إليه الياقوتة فلما رآها عرفها فخر مغشياً عليه فقبض علي الخدم فلما أفاق قال للخدم: أفرجوا عنه وأرسلوه برفق إلى القصر ففعلوا مأمرهم به فلما دخل قصره طلبني وأدخلني محله وقال لي: ما فعل صاحب هذه الياقونة؟ فقلت: قد مات ووصفت له حاله فجعل يبكي ويقول: انتفع الولد وخاب الوالد ثم نادى: يا فلانة فخرجت امرأة فلما رأتني أرادت أن ترجع فقال لها: تعالي وما عليك منه فدخلت وسلمت فرمى إليها الياقوتة فلما رأتها صرخت صرخة عظيمة ووقعت مغشياً عليها فلما أفاقت من غشيتها قالت: يا أمير المؤمنين ما فعل الله بولدي؟ فقال لي: أخبرها بشأنه وأخذته العبرة فأخبرتها بشأنه فجعلت تبكي وتقول بصوت ضعيف: ما أشوقني إلى لقائك يا قرة عيني ليتني كنت أسقيك إذا لم تجد من يسقيك ليتني كنت أؤانسك إذا لم تجد مؤانساً، ثم سكبت العبرات وأنشدت هذه الأبيات:
               أبكي غريباً أتاه الموت منـفـرداً            لم يلق ألفاً له يشكو الذي وجـدا
               من بعد عز وشمل كان مجتمعـاَ           أضحى فريداً وحيداً لا يرى أحدا
               يبين للناس ما الأيام تـضـمـره             لم يترك الموت منا واحداً أبـدا
               يا غائباً قد قضى ربي بغربـتـه            وصار منيبعد القرب مبتـعـدا
              إن أيأس الموت من لقياك يا ولدي         فإننا نلتقي يوم الحـسـاب غـدا
فقلت: يا أمير المؤمنين أهو ولدك؟ قال: نعم وقد كان قبل ولايتي هذا الأمر يزور العلماء ويجالس الصالحين فلما وليت هذا الأمر نفر مني وباعد نفسه عني فقلت لأمه: إن هذا الولد منقطع إلى الله تعالى وربما تصيبه الشدائد ويكابد الإمتحان فادفعي إليه هذه الياقوتة ليجدها وقت الإحتياج إليها، فدفعتها إليه وعزمت عليه أن يمسكها فامتثل لأمرها وأخذها منها ثم ترك لنا دنيانا وغاب عنا ولم يزل غائباً عنا حتى لقي الله عز وجل تقياً نقياً ثم قال: قم فأرني قبره فخرجت معه وجعلت أسير إلى أن أريته إياه فجعل يبكي وينتحب حتى وقع مغشياً عليه فلما أفاق من غشيته استغفر الله وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ودعا له بخير ثم سألني الصحبة فقلت له: يا أمير المؤمنين إن لي في ولدك أعظم العظات، ثم انشدت هذه الأبيات:
                     أنا الغريب فلا آوي إلـى أحـد         أنا الغريب وإن أمسيت في بلدي
                     أنا الغريب فلا أهـل ولا ولـد          وليس لي أحد يأوي إلـى أحـد
                     إلى المساجد آوي بل وأعمرهـا        فما يفارقها قلبي مـدى الأبـد
                     فالحمد لله رب العالمين عـلـى         أفضاله لبقاء الروح في الجسد
ومما يحكى عن بعض الفضلاء أنه قال: مررت بفقيه في كتاب وهويقريء الصبيان فوجدته في هيئة حسنة وقماش مليح فأقبلت عليه فقام لي وأجلسني معه فمارسته في القراءات والنحو والشعر واللغة فإذا هو كامل في كل ما يراد منه فقلت له: قوى الله عزمك فإنك عارف بكل مايراد منك ثم عاشرته مدة وكل يوم يظهر فيه حسن فقلت في نفسي: إن هذا شيئ عجيب من فقيه يعلم الصبيان مع أن العقلاء اتفقوا على نقص عقل معلم الصبيان ثم فارقته وكنت كل أيام قلائل أتفقده وأزوره فأتيت إليه في بعض الأيام على عادتي من زيارته فوجدت الكتاب مغلقاً فسألت جيرانه فقالوا: أنه مات عنده ميت فقلت في نفسي: وجب علينا أن نعزيه فجئت إلى بابه وطرقته فخرجت لي جارية وقالت: ما تريد؟ فقلت: أريد مولاك فقالت: إن مولاي قاعداً في العراء وحده فقلت لها: قولي له أن صديقك فلاناً يطلب أن يعزيك فراحت وأخبرته فقال لها: دعيه يدخل فأذنت لي في الدخول فدخلت إليه فرأيته جالساً وحده ومعصباً رأسه فقلت له: عظم الله أجرك وهذا سبيل لا بد لكل أحد منه فعليك بالصبر ثم قلت له: من الذي مات لك؟ فقال: أعز الناس علي وأحبهم إلي فقلت: لعله والدك فقال: لا قلت: والدتك قال: لا. قلت: أخوك قال: لا. قلت: أحد من اقاربك قال: لا. قلت فما نسبته إليك؟ قال: حبيبتي. فقلت في نفسي: هذا أول المباحث في قلة عقله ثم قلت له: قد يوجد غيرها مما هو أحسن منها فقال: أنا ما رأيتها حتى أعرف إن كان غيرها أحسن منها أو لا فقلت في نفسي: وهذا مبحث ثان فقلت له: وكيف عشقت من لا تراها؟ فقال: اعلم أني كنت جالساً في الطاقة وإذا برجل عابر طريق يغني هذا البيت:
                      يا أم عمرو جزاك الله مكرمة      ردي علي فؤادي أينما كانـا
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة عشرة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الفقيه قال: لما غنى الرجل المار في الطريق بالشعر الذي سمعته منه قلت في نفسي أولاً أن أم عمرو هذه ما في الدنيا مثلها ما كان يتغزلون فيها فتعلقت بحبها فلما كان بعد يومين عبر ذلك الرجل وهو ينشد هذا البيت:
                     إذا ذهب الحمار بأم عمـرو       فلا رجعت ولا رجع الحمار
فعلمت أنها ماتت فحزنت عليها ومضى لي ثلاثة أيام وأنا في العزاء فتركته وانصرفت بعدما تحققت قلة عقله.
ومما يحكى من قلة عقل معلم الصبيان أنه كان رجل فقيه في مكتب فدخل عليه رجل ظريف، وجلس عنده ومارسه فرآه فقيهاً نحوياً لغوياً شاعراً أديباً فهيماً لطيفاً فتعجب من ذلك وقال: إن الذين يعلمون الصبيان في المكاتب ليس لهم عقل كامل فلما هم بالإنصراف من عند الفقيه قال له: أنت ضيفي في هذه الليلة فأجابه إلى الضيافة وتوجه صحبته إلى منزله فأكرمه وأتى له بالطعام فأكلا وشربا ثم جلسا بعد ذلك يتحدثان إلى ثلث الليل وبعد ذلك جهز له الفراش وطلع إلى حريمه فاضطجع الضيف وأراد النوم، وإذا بصراخ كثير ثار في حريمه فسأل: ما الخبر؟ فقالوا له: أن الشيخ حصل له أمر عظيم وهو في آخر رمق فقال: أطلعوني له فطلعوه له ودخل عليه فرآه مغشياً عليه ودمه سائل فرش الماء على وجهه. فلما أفاق قال له: ما هذا الحال أنت طلعت من عندي في غاية ما يكون من الحظ وأنت صحيح البدن فما أصابك؟ فقال له: يا أخي بعدما طلعتمن عندك جلست أتذكر في مصنوعات الله تعالى وقلت في نفسي: كل شيء خلقه الله للإنسان فيه نفع لأن الله سبحانه وتعالى خلق اليدين للبطش والرجلين للمشي والعينين للنظر والأذنين للسماع والذكر للجماع وهلم جرا، إلا هاتين البيضتين ليس لهما نفع فأخذت موس كان عندي وقطعتهما فحصل لي هذا الأمر فنزل من عنده وقال: صدق من قال أن كل فقيه يعلم الصبيان ليس له عقل كامل ولو كان يعرف جميع العلوم.
ومما يحكى أيضاً أن بعض المجاورين كان لا يعرف الخط ولا القراءة وإنما يحتال على الناس بحيل يأكل منها الخبز فخطر بباله يوماً من الأيام أنه يفتح له مكتباً ويقريء فيه الصبيان فجمع ألواحاً وأوراقاً مكتوبة وعلقها في مكان وكبر عمامته وجلس على باب المكتب فصار الناس يمرون عليه وينظرون إلى عمامته وإلى الألواح فيظنون أنه فقيه جيد فيأتون إليه بأولادهم فصار يقول لهذا: اكتب ولهذا: اقرأ فصار الأولاد يعلم بعضهم بعضاً فبينما هو ذات يوم جالس على باب المكتب على عادته، وإذا بامرأة مقبلة من بعيد وبيدها مكتوب فقال في باله: لا بد أن هذه المرأة تقصدني لأقرأ لها المكتوب الذي معها فكيف يكون حالي معها وانا لا أعرف قراءة الخط وهم بالنزول ليهرب منها فلحقته قبل أن ينزل وقالت له: إلى أين؟ فقال لها: أريد أن أصلي الظهر وأعود فقالت له: الظهر بعيد فاقرأ لي هذا الكتاب فأخذه وجعل أعلاه أسفله وصار ينظر إليه ويهز عمامته تارة ويرقص حواجبه أخرى ويظهر غيظاً وكان زوج المرأة غائباً والكتاب مرسل إليها من عنده فلما رأت الفقيه على تلك الحالة قالت في نفسها: لا شك أن زوجي مات وهذا الفقيه يستحي أن يقول لي أنه مات فقالت له: هل أشق ثيابي؟ فقال لها: شقي فقالت له:هل ألطم على وجهي فقال لها: الطمي فأخذت الكتاب من يده وعادت إلى منزلها وصارت تبكي هي وأولادها فسمع بعض جيرانها البكاء فسألوا عن حالها فقيل لهم: أنه جاءها كتاب بموت زوجها فقال رجل: إن هذا الكلام كذب لأن زوجها أرسل لي مكتوباً بالأمس يخبرني فيه أن طيب بخير وعافية وأنه بعد عشرة أيام يكون عندها، فقام من ساعته وجاء إلى المرأة وقال لها: أين الكتاب الذي جاء؟ فجاءت به إليه وأخذه منها وقرأه وإذا فيه: أما بعد فإني طيب بخير وعافية وبعد عشرة أيام أكون عندكم وقد أرسلت إليكم ملحفة ومكمرة، فأخذت الكتاب وعادت فيه إلى الفقيه وقالت له: ما حملك على الذي فعلته معي وأخبرته بما قاله جارها منس سلامة زوجها وأنه أرسل إليها ملحفة ومكمرة فقال لها: لقد صدقت ولكن يا حرمة اعذريني فإني كنت في تلك الساعة مغتاظاً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة عشرة بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المرأة قالت للفقيه: ما حملك على الذي فعلته معي؟ فقال لها: إني كنت في تلك الساعة مغتاظاً مشغول الخاطر ورأيت المكمرة ملفوفة في الملحفة فظننت أنه مات وكفنوه، وكانت المرأة لا تعرف الحيلة فقالت له: أنت معذور وأخذت الكتاب منه وانصرفت.
وحكي أن ملكاً من الملوك خرج مستخفياً ليطلع على أحوال رعيته فوصل إلى قرية عظيمة فوقف بباب دار من دور القرية وطلب ماء، فخرجت إليه امرأة جميلة بكوز ماء فناولته إياه فشرب فلما نظر إليها افتتن بها فراودها عن نفسها وكانت المرأة عارفة به فدخلت به وأجلسته وأخرجت لع كتاباً وقالت: انظر في هذا الكتاب إلى أن أصلح أمري وأرجع إليك فجلس يطالع في الكتاب وإذا فيه الزجر عن الزنا، وما أعده الله لأهله من العذاب فاقشعر جلده وتاب إلى الله وصاح بالمرأة واعطاها الكتاب وذهب وكان زوج المرأة غائباً فلما حضر أخبرته بالخبر فتحير وقال في نفسه: أخاف أن يكون وقع غرض الملك فيها، فلم يتجاسر على وطئها بعد ذلك ومكث على ذلك مدة فأعلمت المرأة أقاربها بما حصل لها مع زوجها فعرفوه إلى الملك فلما مثل بين يديه قال أقارب المرأة: أعز الله الملك إن هذا الرجل استأجر منا أرضاً للزراعة فزرعها مدة ثم عطلها فلا هو يتركها حتى نؤجرها لمن يزرعها ولا هو يزرعها وقد حصل الضرر للأرض فنخاف فسادها بسبب التعطيل لأن الأرض إذا لم تزرع فسدت.
فقال الملك: ما الذي يمنعك من زرع أرضك؟ فقال: أعز الله الملك أنه قد بلغني أن الأسد قد دخل الأرض فهبته ولم أخاف على الدنو منها لعلمي أنه لا طاقة لي بالأسد وأخاف منه ففهم الملك القصة وقال له: يا هذا إن أرضط لم يطاها الأسد وأرضك طيبة الزرع فازرعها بارك الله لك فيها فإن الأسد لا يعدو عليها ثم أمر له ولزوجته بصلة حسنة وصرفهم. ومما يحكى أن إسحق بن ابراهيم الموصلي قال: اتفق أنني ضجرت من ملازمة دار الخليفة والخدمة بها فركبت وخرجت ببكرة النهار وعزمت على أن أطوف الصحراء وأتفرج وقلت لغلماني: غا جاء رسول الخليفة أو غيره فعرفوه أنني بكرت في بعض مهماتي وأنكم لا تعرفون أين ذهبت ثم مضيت وحدي وطفت في المدينة وقد حمي النهار فوقفت في شارع يعرف بالحرم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة العشرين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن اسحق بن ابراهيم الموصلي قال: لما حمي النهار وقفت في شارع يعرف بالحرم لأستظل من حر الشمس، وكان للدار جناح بارز على الطريق فلم ألبث حتى جاء خادم أسود يقود حماراً فرأيت جارية راكبة وتحتها منديل مكلل بالجواهر وعليها من اللباس الفاخر ملا غاية بعده ورأيت لها قواماً حسناً وطرفاً فاتراً وشمائل ظريفة فسألت عنها بعض المارين فقال لي: إنها مغنية وقد تعلق بحبها قلبي عند نظري إليها وقد قدرت أن أستقر على ظهر دابتي.
ثم أنها دخلت الدار التي كنت واقفاً على بابها فجعلت أتفكر في حيلة أتوصل بها إليها فبينما أنا واقف إذ أقبل رجلان شابان جميلان فاستأذنا فأذن لهما صاحب الدار فنزلا ونزلت معهما ودخلت صحبتهما فظنا أن صاحب الدار دعاني فجلسنا ساعة فاتى بالطعام فأكلنا، ثم وضع الشراب بين يدينا، ثم خرجت الجارية وفي يدها عود فغنت وشربنا وقمت لأقضي حاجة فسأل صاحب المنزل الرجلين عني فأخبراه أنهما لا يعرفاني فقال: هذا طفيلي ولكنه ظريف فأجملوا عشرته ثم جئت فجلست في مكاني فغنت الجارية بلحنلطيف وأنشدت هذين البيتي:
                    قل للغزالة وهي غير غـزالة         والجؤذر المكحول غير الجؤذر
                    لمذكر الخلوات غير مـؤنـث         ومؤنث الخطوات غير مذكـر
فأدته أداءً حسناً وشرب القوم وأعجبهم ذلك ثم غنت طرقاً شتى بألحان غريبة وغنت من جملتها طريقة هي لي وأنشدت تقول:
                      الطلول الـدوارس         فارقتها الـوانـي
                      أوحشت بعد أنسهـا       فهي قفراء طامس
فكان أمرها أصلح فيها من الأولى ثم غنت طرقاً شتى بألحان غريبة من القديم والحديث وغنت في أثنائها طريقة هي لي وأنشدت تقول:
                      قل لمن صد عاتبـاً       ونأى عنك جانبـا
                      قد بلغت الذي بلغت      وإن كنت لاعبـا
فاستعدته منها لأصححه فأقبل علي أحد الرجلين وقال: ما رأينا طفيلياً أصفق وجهاً منك أما ترضى بالتطفل حتى اقترحت وقد صح فيك المثل: طفيلي فأطرقت حياء فأطرقت حياء ولم أجبه فجعل صاحبه يكفه عني فلا ينكف، ثم قاموا إلى الصلاة فتأخرت قليلاً وأخذت العود وشددت طرفيه وأصلحته إصلاحاً محكماً وعدت إلى موضعي فصليت معهم ولما فرغنا من الصلاة رجع ذلك الرجل إلى اللوم علي والتعنيف ولج في عربدته وأنا صامت فأخذت الجارية العود وجسته فانكرت حاله وقالت: من جس عودي؟ فقالوا: ما جسه أحد منا.
قالت: بلى والله لقد جسه حاذق متقدم في الصناعة، لأنه أحكم أوتاره وأصلحه إصلاح حاذق في صنعته فقلت لها: أنا الذي أصلحته. فقالت: بالله عليك أن تأخذه وتضرب عليه فأخذته وضربت عليه طريقة عجيبة صعبة تكاد أن تميت الأحياء وتحيي الأموات وانشدت عليه هذه الأبيات:
                      وكان لي قلـب أعـيش بـه              فاكتوى بالنار واحـتـرقـا
                      أنا لم أرزق مـحـبـتـهـا                وإنما للـعـبـد مـا رزقـا
                      إن لم يكن ما ذقت طعم الهوى         ذاقه لا شك مـن عـشـقـا
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن إسحق بن ابراهيم الموصلي قال: لما فرغت من شعري لم يبق أحد من الجماعة إلا ووثب من موضعه وجلسوا بين يدي وقالوا: بالله عليك يا سيدنا أن تغني لنا صوتاً آخر فقلت: حباً وكرامة، ثم أحكمت الضربات وغنيت بهذه الأبيات:
                       ألا مـن لـقـب ذوائب بـنــوائب            أناخت به الأحزان من كل جـانـب
                       حرام على رامي فؤادي بسـهـمـه          دم صبه بين الـحـشـا والـتـراب
                       تبـين بـين الـبـين إن اقـتـرابـه             على البين من ضمن الظنون الكواذب
                       أراق دماً لولا الـهـوى مـا أراقـه           فهل لدمي من ثـائر ومـطـالـب
فلما فرغ من شعره لم يبق أحد منهم إلا وقام على قدميه ثم رمى بنفسه على الأرض من شدة ما اصابه من الطرب، قال: فرميت العود من يدي فقالوا: بالله عليك أن لا تفعل هذا وزدنا صوتاً آخر زادك الله من نعمته، فقلت لهم: يا قوم أزيدكم صوتاً آخر وآخر وآخر وأعرفكم من انا، أنا إسحق بن ابراهيم الموصلي والله غني لآتيه على الخليفة إذا طلبني وانتم قد أسمعتموني غليظ ما أكرهه في هذا اليوم، فوالله لا نطقت بحرف ولا جلست معكم حتى تخرجوا هذا العربيد من بينكم فقال له صاحبه: من هذا حذرتك وخفت عليك.
ثم أخذوا بيده وأخرجوه فأخذت العود وغنيت الأصوات التي غنتها الجارية من صنعتي، ثم أسررت إلى صاحب الدار أن الجارية قد وقعت محبتها في قلبي ولا صبر لي عنها فقال الرجل: هي لك بشرط فقلت: وما هو؟ قال: أن تقيم عندي شهراً فأقمت عنده شهراً ولا يعرف أحد أين أنا والخليفة يفتش علي في كل موضع ولا يعرف لي خبراً.
فلما انقضى الشهر سلم لي الجارية وما يتعلق بها من الأمتعة النفيسة وأعطاني خادماً آخر فجئت بذلك إلى منزلي كاني حزت الدنيا باسرها من شدة فرحي بالجارية، ثم ركبت إلى المأمون من وقتي فلما حضرت بين يديه قال: ويحك يا إسحق وأين كنت فأخبرته بخبري فقال علي بذلك الرجل في هذه الساعة فدللتهم على داره فأرسل إليه الخليفة، فلما حضر سأله عن القصة فأخبره بها فقال له: أنت رجل ذو مروءة والرأي أن تعان على مروءتك فأمر له بمائة ألف درهم وقال لي: يا إسحق أحضر الجارية فأحضرتها وغنت له وأطربته فحصل له منها سرور عظيم، فقال قد جعلت عليها نوبة كل يوم خميس فتحضر وتغني من وراء الستارة، ثم أمر لها بخمسين ألف درهم فوالله لقد ربحت في تلك الركبة.
ومما يحكى أن القاسم بن عدي حكى عن رجل من بني تميم قال: خرجت في طلب ضالة فوردت على مياه بني طي فرأيت فريقين أحدهما قريب من الآخر وإذا في أحد الفريقين كلام مثل كلام الفريق الآخر، فتأملت فرأيت في أحد الفريقين شاباً قد أنهكه المرض وهو في مثل الشنن البالي، فبينما أنا أتأمله وإذا هو ينشد هذه الأبيات:
                   ألا ما للمـلـيحة لا تـعـود          أبخل بالملـيحة أم صـدود
                   مرضت فعادني أهلي جميعاً       فما لك لا تري فيمن يعـود
                   لو كنت المريضة جئت أسعى     إليك ولم ينبهنـي الـوعـيد
                   عدمتك منهمو فبقيت وحـدي       وفقد الألف يا سكني شـديد
فسمعت كلامه جارية من الفريق الآخر فبادرت نحوه وتبعها أهلها وجعلت تضاربهم فأحس الشاب فوثب نحوها فبادر إليه أهل فريقه وتعلقوا به فجعل يجذب نفسه وهي تجذب نفسها من فريقها حتى تخلصا وقصد كل واحد منهما صاحبه حتى التقيا بين الفريقين وتعانقا ثم خرا إلى الأرض ميتين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والعشرين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه مما يحكى أن محمد الأنباري قال: خرجت من الأنبار في بعض الأسفار إلى عمورية من بلاد الروم فنزلت في أثناء الطريق بدير الأنوار في قرية من قرى عمورية فخرج إلي صاحب الدير والرئيس على الرهبان وكان اسمه عبد المسيح فأدخلني الدير فوجدت فيه أربعون راهباً فأكرموني في تلك الليلة بضيافة حسنة ثم رحلت عنهم في الغد وقد رأيت من كثرة اجتهادهم وعبادتهم ما لم أره من غيرهم فقضيت أربي من عمورية ثم رجعت إلى الأنبار.
فلما كان العام المقبل حججت إلى مكة، فبينما أنا أطوف حول البيت إذ رأيت عبد المسيح يطوف أيضاً ومعه خمسة أنفار من أصحابه الرهبان، فلما تحققت معرفته تقدمت إليه وقلت له: هل أنت عبد المسيح الراهب؟ قال: بل أنا عبد الله الراغب فجعلت أقبل شيبته وأبكي ثم أخذت بيده وملت إلى جانب الحرم وقلت له: أخبرني سبب إسلامك؟ فقال: إنه من أعجب العجائب وذلك أن جماعة من زهاد المسلمين مروا في القرية التي فيها ديرنا فأرسلوا شاباً يشتري لهم طعاماً فرأى في السوق جارية نصرانية تبيع الخبز وهي من أحسن النساء صورة فلما نظر إليها فتن بها وسقط على وجهه مغشياً عليه. فلما أفاق عاد إلى أصحابه وأخبرهم بما أصابه وقال: امضوا إلى شأنكم فلست بذاهب معكم فعدلوه ووعظوه فلم يلتفت إليهم فانصرفوا عنه ودخل القرية وقعد عند باب حانوت تلك المرأة فسألته عن حاجته فاخبرها أنه عاشق لها فأعرضت عنه فمكث في موضعه ثلاثة أيام لم يطعم طعاماً بل صار شاخصاً إلى وجهها، فلما رأته لا ينصرف عنها ذهبت إلى أهلها وأخبرتهم بخبره فسلطوا عليه الصبيان فرموه بالحجارة حتى رضوا أضلاعه وشجوا رأسه وهو مع ذلك لا ينصرف، فعزم أهل القرية على قتله فجاءني رجلاً منهم وأخبرني بحاله فذهبت إليه فرأيته طريحاً فمسحت الدم عن وجهه وحملته إلى الدير وداويت جراحاته وأقام عندي أربعة عشر يوماً، فلما قدر على المشي خرج من الدير. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والعشرين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الراهب عبد الله قال: فحملته إلى الدير وداويت جراحاته وأقام عندي أربعة عشر يوماً، فلما قدر على المشي خرج من الدير إلى باب حانوت الجارية وقعد ينظر إليها، فلما أبصرته قامت إليه وقالت له: والله لقد رحمتك فهل لك أن تدخل في ديني وانا أتزوجك؟ فقال: معاذ الله أن أنسلخ من دين التوحيد وأدخل في دين الشرك، فقالت: قم وادخل معي إلى داري واقض مني أربك وانصرف راشداً فقال: لا ما كنت لأذهب عبادة اثني عشرة سنة بشهوة لحظة واحدة، فقالت: انصرف عني حينئذ قال: لا يطاوعني قلبي، فأعرضت عنه بوجهها. ثم فطن به الصبيان فأقبلوا عليه يرمونه بالحجارة فسقط على وجهه وهو يقول: إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين فخرجت من الدير وطردت عنه الصبيان ورفعت رأسه عن الأرض فسمعته يقول: اللهم اجمع بيني وبينها في الجنة، فحملته إلى الدير فمات قبل أن أصل به إليه، فخرجت به عن القرية وحفرت له قبراً ودفنته. فلما دخل الليل وذهب نصفه صرخت تلك المرأة وهي في فراشها صرخة فاجتمع غليها أهل القرية وسألوها عن قصتها فقالت: بينما أنا إذ دخل علي هذا الرجل المسلم فأخذ بيدي وانطلق بي إلى الجنة فلما صار بي إلى بابها منعني خازنها من دخولها وقال: إنها محرمة على الكافرين فأسلمت على يديه ودخلت معه فرأيت فيها من القصور والأشجار ما لم يمكن أناصفه لكم، ثم غنه أخذني إلى قصر من الجوهر وقال لي: إن هذا القصر لي ولك وانا لا أدخله إلا معك وبعد خمس ليال تكونين عندي فيه إن شاء الله، ثم مد يده إلى شجرة على باب ذلك القصر فقطف منها تفاحتين وأعطانيهما وقال: كلي هذه واخفي الأخرى حتى يراها الرهبان فأكلت واحدة فما رأيت أطيب منها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والعشرين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت: لما قطف التفاحتين وأعطانيهما وقال: كلي هذه واخفي الأخرى حتى يراها الرهبان فأكلت واحدة فما رأيت أطيب منها، ثم أخذ بيدي حتى أوصلني إلى داري فلما استيقظت من منامي وجدت طعم التفاح في فمي والتفاحة الثانية عندي، ثم أخرجت التفاحة فأشرقت في ظلام الليل كانها كوكب دري فجاؤوا بالمرأة إلى الدير ومعها التفاحة فقصت علينا الرؤيا وأخرجت لنا التفاحة فلم نر شيئاً مثلها في سائر فواكه الدنيا. فأخذت سكيناً وشققتها على عدد أصحابي فلا رأينا ألذ من طعمها ولا أطيب من رائحتها فقلنا: لعل هذا شيطان تمثل إليها ليغويها عن دينها فأخذها أهلها وانصرفوا، ثم أنها امتنعت عن الأكل والشرب، فلما كانت الليلة الخامسة قامت من فراشها وخرجت من بيتها وتوجهت إلى قبر ذلك المسلم وألقت نفسها عليه وماتت ولم يعلم بها أهلها.
فلما كان وقت الصباح أقبل على القرية شيخان مسلمان عليهما ثياب من الشعر ومعهما امرأتان كذلك فقالا: يا أهل القرية إن الله تعالى عندكم ولية من أوليائه قد ماتت مسلمة ونحن نتولاها دونكم فطلب أهل القرية تلك المرأة فوجدوها على القبر ميتة فقالوا: هذه صاحبتنا قد ماتت على ديننا ونحن نتولاها، فقال الشيخان: إنها ماتت مسلمة ونحن نتولاها. واشتد الخصام والنزاع بينهما فقال أحد الشيخين: إن علامة إسلامها أن يجتمع رهبان الدير الأربعون ويجذبوها عن القبر فإن قدروا على حملها من الأرض فهي نصرانية وإن لم يقدروا على ذلك يتقدم واحد منا ويجذبها فإن جاءت معه فهي مسلمة، فرضي أهل القرية بذلك واجتمع الأربعون راهباً وقوى بعضهم بعضاً وأتوها ليحملوها فلم يقدروا على ذلك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والعشرين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الراهب عبد الله قال: وأتوها ليحملوها فلم يقدروا على ذلك فربطنا في وسطها حبلاً عظيماً وجذبناها فانقطع الحبل ولم تتحرك، فتقدم أهل القرية وفعلوا كذلك فلم تتحرك من موضعها، فلما عجزنا عن حملها بكل حيلة قلنا لأحد الشيخين: تقدم أنت واحملها فتقدم إليها أحدهما ولفها في ردائه وقال: بسم الله الرحمن الرحيم وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حملها في حضنه وانصرف بها المسلمون إلى غار هناك فوضعوها فيه وجاءت المرأتان فغسلتاها وكفنتاها ثم حملاها الشيخان وصليا عليها ودفناها إلى جانب قبره وانصرفا ونحن نشاهد هذا كله. فلما خلا بعضنا ببعض قلنا: إن الحق أحق أن يتبع وقد وضح لنا الحق بالمشاهدة والعيان ولا برهان لنا على صحة الإسلام أوضح لنا مم رأيناه باعيننا ثم أسلمت وأسلم رهبان الدير جميعهم وكذلك أهل القرية، ثم إننا بعثنا إلى أهل الجزيرة نستدعي فقيهاً يعلمنا شرائع الإسلام وأحكام الدين، فجاءنا فقيه صالح فعلمنا العبادة وأحكام الإسلام، ونحن اليوم على خير كثير ولله الحمد والمنة.
ومما يحكى أن بعض الفضلاء قال: ما رأيت في النساء أذكى خاطراً وأحسن فطنة وأعوز علماً وأجود قريحة وأظرف أخلاقاً من امرأة واعظة من أهل بغداد يقال لها سيدة المشايخ اتفق أنها جاءت إلى مدينة حماة سنة إحدى وستين وخمسمائة فكانت تعظ الناس على الكرسي وعظاً شافياً وكان يتردد على منزلها جماعة من المتفقهين وذوي المعارف والآداب يطارحونها مسائل الفقه ويناظرونها في الخلاف، فمضيت إليها ومعي رفيق من أهل الأدب. فلما جلسنا عندها وضعت بين أيدينا طبقاً من الفاكهة وجلست هي خلف ستر وكان لها أخاً حسن الصورة قائماً على رؤوسنا في الخدمة، فلما أكلنا شرعنا في مطارحة الفقه فسألتها مسألة فقهية مشتملة على خلاف بين الأئمة فشرعت تتكلم في جوابها وانا أصغي إليها، وجعل رفيقي ينظر إلى وجه أخيها ويتأمل في محاسنه ولا يصغي إليها وهي تلحظه من وراء الستر، فلما فرغت من كلامها التفتت إليه وقالت: أظنك ممن يفضل الرجال على النساء؟ قال: أجل. قالت: ولم ذلك؟ قال: لأن الله فضل الذكر على الأنثى. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والعشرين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشيخ أجابها بقوله: لأن الله فضل الذكر على الأنثى وأنا أحب الفاضل وأكره المفضول فضحكت ثم قالت: انصفني في المناظرة إن ناظرتك في هذا البحث قال: نعم قالت: فما الدليل على تفضيل الذكر على الأنثى؟ قال: المنقول والمعقول أما المنقول فالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض. وقوله تعالى: فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان. وقوله تعالى في الميراث: وإن كانوا أخوة رجالاً ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين فالله سبحانه وتعالى فضل الذكر على الأنثى في هذه المواضع وأخبر أن الأنثى على النصف من الذكر لأنه أفضل منها وأما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل دية المرأة على النصف من دية الرجل، وأما المعقول فإن الذكر فاعل والأنثى مفعول بها والفاعل أفضل من المفعول بها. فقالت له: أحسنت يا سيدي لكنك والله أظهرت حجتي عليك من لسانك ونطقت ببرهان هو عليك لا لك وذلك أن الله سبحانه وتعالى إنما فضل الذكر على الأنثى بمجرد وصف الذكورية وهذا لا نزاع فيه بيني وبينك وقد يستوي في هذا الوصف الطفل والغلام والشاب والكهل والشيخ لا فرق بينهم في ذلك وإذا كانت الفضيلة إنما حصلت له بوصف الذكورية فينبغي أن يميل طبعك وترتاح نفسك إلى الشيخ كما ترتاح إلى الغلام إذ لا فرق بينهما في الذكورية وإنما وقع الخلاف بيني وبينك في الصفات المقصودة من حسن العشرة والإستماع وانت لم تأت ببرهان على فضل الغلام على الأنثى في ذلك، فقال لها: يا سيدتي أما علمت ما اختص به الغلام من اعتدال القد وتوريد الخد وملاحة الإبتسام وعذوبة الكلام فالغلمان بهذا أفضل من النساء والدليل على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدعو النظر إلى المرد فإن فيهم لمحة من الحور العين)، وتفضيل الغلام على الجارية لا يخفى على أحد من الناس وما أحسن قول أبا نواس:
                     أقل ما فيه من فضـائلـه       أمنك من طمثه ومن حبله
وقول الشاعر:
                    قال الإمام أبو نواس وهو في       شرع الخلاعة والمجون يقلد
                    يا أمة تهوى العذارا تمتعـوا        من لذة الخلد ليست توجـد
ولأن الجارية إذا بالغ الواصف في وصفها وأراد تزويجها بذكر محاسن أوصافها شبهها بالغلام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والعشرين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشيخ قال: ولأن الجارية إذا بالغ الواصف في وصفها وأراد تزويجها بذكر محاسن أوصافها شبهها بالغلام لما له من المآثر كما قال الشاعر:
                   غلامية الأرداف تهتز في الصب         كما اهتز في ريح الشمال قضيب
فلولا أن الغلام أفضل وأحسن لما شبهت به الجارية واعلمي صانك الله تعالى أن الغلام سهل القياد موافق على المزاد حسن العشرة والأخلاق مائل عن الخلاف للوفاق ولا سيما إن تنمنم هذاره واخضر شاربه وجرت حمرة الشبيبة في وجنته حتى صار كالبدر التمام وما أحسن قول أبي تمام:
                     قال الوشاة بدا في الخد عارضه        فقلت لا تكثروا ما ذاك عـابـه
                     لما استقل بـأرداف تـجـاذبـه            واخضر فوق جمان الدر شاربه
                     وأقسم الورد أيماناً مـغـلـظة            أن لا يفارق خديه عـجـائبـه
                     كلمته بجفـون غـير نـاطـقة             فكان من ورده ما نال حاجبـه
                    الحسن منك على ما كنت تعهده        والشعر أحرزه ممن يطالـبـه
                    أحلى وأحسن ما كانت شمائلـه         إذا لاح عارضه واخضر شاربه
                     وصار من كان يلحي في محبته        أن يحك عني وعنه اقل صاحبه
فهذه فضيلة في الغلمان لم تعطها النساء وكفى بذلك للغلمان عليهن فخراً ومزية فقالت له: عافاك الله تعالى إنك قد شرطت على نفسك المناظرة وقد تكلمت وما قصرت واستدللت بهذه الأدلة على ما ذكرت ولكن الآن قد حصل الحق فلا تعدل عن سبيله وإن لم تقنع بإجمال الدليل فأنا آتيك بتفضيله بالله عليك أين الغلام من الفتاة من يقيس السخلة على المهاة إنما الفتاة رخيمة الكلام حسنة القوام فهي كقضيب الريحان بثغر كأقحوان وشعر كالأرسوان وخد كشقائق النعمان ووجه كتفاح وشفة كالراح وثدي كالرمان ومعاطف كالأغصان وهي ذات قد معتدل وجسم متجدل وخد كخد السيف اللائح وجبين واضح وحاجبين مقرونين وعينين كحلاوين إن نطقت فاللؤلؤ الرطب يتناثر من فيها وتجذب القلوب برقة معانيها وغن تبسمت ظننت البدر يتلألأ من بين شفتيها وإن رنت فالسيوف تسل من مقلتيها إليها تنتهي المحاسن وعليها مدار الظاعن والقاطن ولها شفتان حمراوان ألين من الزبد وأحلى مذاقاً من الشهد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والعشرين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المرأة الواعظة لما وصفت الفتاة قالت: ولها شفتان حمراوان ألين من الزبد وأحلى مذاقاً من الشهد ثم قالت بعد ذلك ولها صدر كجادة الفجاج فيه ثديان كأنهما حقان من عاج وبطن لطيف الكشح كالزهر الغض وعكن قد انعطفت وانطوى بعضها على بعض وفخذان ملتفان كأنهما الدر عمودان وأرداف تموج كأنها بحر من بلور أو جبال من نور ولها قدمان لطيفان وكفان كأنهما سبائك العقبان فيا مسكين أين الالأنس من الجان ومن قال: الدنيا عبارة عن النساء كان صادقاً وأما ما ذكرت من الحديث الشريف فهو حجة عليك لا لك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تدعو النظر إلى المرد فإن فيهم لمحة من الحور العين فشبه المرد بالحور العين ولا شك أن المشبه به أفضل من المشبه فلولا أن النساء أفضل وأحسن لما شبه بهن غيرهن وأما قولك: أن الجارية تشبه الغلام فليس الأمر كذلك بل الغلام يشبه بالجارية حتى قالوا: أنها تصلح للأمرين جميعاً عدولاً منهم عن سلوك طريق الحق عند الناس، كما قال كبيرهم أبو نواس:
                    ممشوقة القصر غلامية       تصلح للوطي والزاني
وأما ما ذكرته من حسن نيات العذار وخضار الشارب وأن الغلام يزداد به حسناً وجمالاً فوالله لقد عدلت عن الطريق غير التحقيق لأن العذار يبذر حسنات الجمال بالسيئآت ثم أنشدت هذه الأبيات:
                   بدا الشعر في وجههفانتقم      لعاشقه منه لما ظـلـم
                   ولم أر في وجهه كالدخا       ن إلا وسالفه كالحمـم
                   إذا اسود فاضل قرطاسه       فما ظنكم بمكان القلـم
                   فإن فضلوه على غـيره        فما ذلك إلا لجهل الحكم
فلما فرغت من شعرها قال للرجل: سبحان الله العظيم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والعشرين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المرأة الواعظة لما فرغت من شعرها قالت للرجل: سبحان الله العظيم كيف يخفى عليك كمال اللذة في النساء وان النعيم المقيم لا يكون إلا بهن وذلك أن الله سبحانه وتعالى وعد الأنبياء والأولياء في الجنة بالحور العين وجعلهن جزاء لأعمالهن الصالحة ولو علم الله تعالى أن في غيرهن لذة الإستمتاع لجزاهم به ووعدهم إياه وقال صلى الله عليه وسلم: حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة، وإنما جعل الله الولدان خدماً للأنبياء والأولياء في الجنة لأن الجنة دار نعيم وتلذذ ولا يكمل ذلك إلا بخدمة الولدان واما استعمالهم لغير الخدمة فهو من الخيال والوبال وأنا أستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين إنه هو الغفور الرحيم. ثم سكتت فلم تجبنا عن شيء بعد ذلك فخرجنا من عندها مسرورين من مناظرتها متأسفين على مفارقتها.
ومما يحكى أن أبا سويد قال: اتفق أنني أنا وجماعة من أصحابي دخلنا بستاناً يوماً من الأيام لنشتري شيئاً من الفواكه فرأينا في جانب ذلك البستان عجوزاً صبيحة الوجه غير أن شعر رأسها أبيض وهي تسرحه بمشط من العاج فوقفنا عندها، فلم تجفل منا ولم تغط رأسها فقلت لها: يا عجوز لو صبغت شعرك أسود لكنت أحسن من صبية فما منعك من ذلك؟ فرفعت رأسها إلي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والعشرين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أبا السويد قال: لما قلت للعجوز ذلك رفعت رأسها إلي وحملقت العينين وأنشدت هذين البيتين:
               وصبغت ما صبغ الزمان فلم يدم     صبغي ودامت صـبـغة الأيام
               أيام الرفل لي ثياب شيبـتـنـي         وأناك من خلفي ومن قدامـي
فقلت لها: لله درك من عجوز ما أصدقك في اللهج بالحرام وأكذبك في دعوى التوبة من الآثام.
ومما يحكى أن علي بن محمد بن عبد الله بن طاهر استعرض جارية اسمها مؤنس للشراء وكانت فاضلة أديبة شاعرة فقال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: أعز الله الأمين اسمي مؤنس وكان قد عرف اسمها قبل ذلك فأطرق ساعة ثم رفع رأسه إليها وأنشد هذا البيت:
              ماذا تقولين فيمن شقـه سـقـم       من أجل حبك حتى صار حيرانا
قالت: أعز الله الأمير وأنشدت هذا البيت:
                إذا رأينا محباً قد أضر به      داء الصبابة أوليناه إحسانا
فأعجبته فاشتراها بسبعين ألف درهم وأولدها عبد الله بن محمد صاحب المآثر وقال أبو العيتا: كان عندنا في الدرب امرأتان، إحداهما تعشق رجلاً والأخرى تعشق أمرد فاجتمعتا ليلة على سطح إحاهما وهو قريب من داري وهما لا يعلمان بي فقالت صاحبة الأمرد للأخرى: يا أختي كيف تصبرين على خشونة اللحية حين تقع على صدرك وقت لثمك، وتقع شفتيك وخديك؟ فقالت لها: يا رعناء وهل يزين الشجر إلا ورقه والخيار إلا زغبه وهل رأيت في الدنيا أقبح من قرع منتوف، أما علمت أن اللحية للرجل مثل الذوائب للمرأة وما الفرق بين الذوائب واللحية، اما علمت أن الله سبحانه وتعالى خلق في السماء ملكاً يقول سبحان من زين ارجال بالذوائب فلولا أن اللحى كالذوائب في الجمال، لما قرن بينهما يا رعناء مالي وفرش نفسي تحت الغلام الذي يعاجلني إنزاله ويسابقني انحلاله وإذا رهز أجاد وكلما خلص عاد فاتعظت صاحبة الغلام بمقالتها وقالت: سلوت صاحبي ورب الكعبة.
             على غيظ الحواسد والرقـيب        بلغنا ما نريد من الـحـبـيب
             وأسعفنا التوصل باعـتـنـاق         على الديباج والقز القـشـيب
             وفرش من أديم قد حـشـونـا         بريش الطير من شكلٍ غريب
             وعن شرب المدام قد اغتنـينـا       بريق الحب جل عن الضريب

Aucun commentaire: