dimanche 24 juillet 2016

(اطلب العلم لو في الصين )المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ستالين








المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ستالين

المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية الكتاب-كما ختم ستالين- يتضمن الخطوط الأساسية للمادية الديالكتيكية والتاريخية فيبدأ بتفسير المادية ومنظورها للواقع التي ترى أن الوجود هو المادة وأن كل ما يحدث في الواقع من تطور وتقدم يعود إلى تطور المادة ذاتها ويعقد مقارنة بين المادية والمثالية التي ترى أن الواقع والمادة وكل هذه الموجودات ما هي إلا نتاج فكرنا الخاص ولا وجود لها سوى في أذهاننا ومقارنة أخرى بين المادية والميتافيزيقية التي تختلف مع المادية جملة وتفصيلاً ولا سيما في وجود ما هو وراء المادة ثم بعد ذلك شرح للمذهب الفلسفي للمادية

 

نقد المادية الجدلية










لا شئ ثابت و لا شئ مطلق في هذا العالم, بل كل الموجودات متحركة و نسبية. كل شيء يتحرك في هذا العالم ليس إبتداءا بالجسيمان دون الذرية و ليس إنتهاءا بالمجرات و الأكوان, كل الأشياء مادية و كل ما هو مادة يتحرك و كل ما يتحرك نسبي. كل الكائنات الحية تتحرك حتى النباتات و أدق الميكروبات, تتحرك بحثا عن الغذاء و الأمن و الجنس .. و تتحرك لان لديها فائض طاقة تريد التخلص منه. و في عالم الكائنات الحية يحدث تبادل مستمر للمواد, لأن الكائنات الحية تتفاعل مع بعضها و تتفاعل مع الوسط المحيط. الأرض التي نعيش عليها تدور حول محورها و هي تدور حول الشمس, و الشمس نفسها ليست ثابتة بل هي تدور مع النظام الشمسي في المجرة و المجرة أيضا تدور في الكون .. و هكذا. كل جسم يتكون من ذرات تتحرك بإستمرار و كل ذرة تتكون من الكترونات تتحرك في غشاءها الخارجي و حتى البروتونات و النيترونات تتحرك في نواة الذرة. لذلك و بناء على أي حصر لكل الظواهر العالمية و الكونية و ليس فقط غالبيتها أو معظمها .. يمكن القول ان الحركة هي القدر الحتمي للمادة.

المادية الجدلية

بناء على بعض هذة الملاحظات في عصر كان العلم فيه أقل قوة و نجاحا و إنتشارا من عصرنا هذا, نجح الفيلسوف الألماني / كارل ماركس في صياغة أساس فلسفته و هي : المادية الجدلية أو المادية الدياليكتيكية Dialectical Materialism. و يمكن إعتبار المادية الجدلية هي الأساس النظري للماركسية أو لاهوت الماركسية لو صح التعبير, و على أساسها تقوم “المادية التاريخية Historical Materialism” التي تحاول تفسير التاريخ الإنساني على أساس مادي أيضا. و قد إعتمدت المادية الجدلية على مبدأين أساسيين :
المبدأ الأول : المادة أزلية أبدية
و هذا الإستنتاج لا يمكن أن ينسب فضله إلي الماركسية لأن العلم نفسه يقر ذلك من خلال قانون حفظ المادة/الطاقة : المادة و الطاقة لا تفنيان و لا تخلقان من عدم بل تتحولان من صورة إلي أخرى .. المادة إلي مادة, و الطاقة إلي طاقة, و المادة إلي طاقة, و الطاقة إلي مادة.
المبدأ الثاني : المادة في حركة
و هذا الإستنتاج يحسب للماركسية لأنه لا يوجد قانون علمي صريح يقول أن المادة يجب أن تكون في حالة حركة, برغم أن كل الظواهر الطبيعية التي يصفها العلم هي فعلا في حالة حركة. و ربما يكون السبب الذي يمنع العلماء من صياغة قانون كهذا هو أنه ليس قانونا بالمعنى الرياضي أو الفيزيائي فلا يمكن صياغته بمعادلات مثلا, و لا يمكن إستنتاجه بشكل موضوعي من مجموع الظواهر الطبيعية في العالم برغم أن كل الظواهر الطبيعية لوحدها هي ظواهر متحركة .. فهذة مقاربة فلسفية لا تتعرض مع العلم ولا مشاكل فيها.
لذلك و بناءا على فهم محترم للعالم من منظور علمي و قراءة جيدة لــ “منطق العلم” للفيلسوف الألماني هيجل, صاغ فريدريك أنجلز (صديق كارل ماركس و مؤسس الشيوعية معه) القوانين الثلاثة للمادية الجدلية :
1-     قانون وحدة و صراع المتناقضات
The law of the unity and conflict of opposites
يفيد هذا القانون انه لا توجد في الوجود ظاهرة إلا وتحمل في داخلها بذرة فنائها. إن أضداد الظاهرة تتواجد معها في داخلها وتنبع من من ذاتها ، فالتناقضات دوما تعيش معا والأصل في الطبائع التضاد الداخلي ، لذلك فإن النقائض تعيش معا . المعنى من هذا القانون هو أقرب ما يكون إلي رسمة “الين و اليانج” الخاصة بالديانة الطاوية.
2-     قانون تحول الكم إلى كيف
The law of the passage of quantitative changes into qualitative changes
يفيد هذا القانون ان التغيرات الكمية التي تؤدي لتغيير نوعي في الطبيعة عند بلوغها للمعيار اللازم لحدوث التغيير. تراكم الامور مع بقاء الحالة على ما هي عليه هو تغير كمي ؛ مثلا في حالة الغيمة المتشكلة من البخار تظل التغيرات الكمية تتراكم أي تستمر الأبخرة بالتصاعد والتجمع في الغيم ولا يحدث التغير النوعي إلا عندما تتراكم هذه المتغيرات الكمية للحد اللازم (نقطة حرجة
Critical Point) لحدوث تغير نوعي أي الحد اللازم من تشبع الغيمة بالابخرة لهطول المطر. و هذا القانون يمكنه أيضا أن يصف نظرية التطور البيولوجي و نظرية الإنفجار الكبير.
3-     قانون نفي النفي
The law of the negation of the negation
يفيد هذا القانون ان التطور ناتج عن وحدة و صراع المتناقضات. فحركة التطور هي عبارة عن سلسلة تناقضات تنفي بعضها نفيا, فعن طريق نفي المراحل القديمة يتم الوصول إلي المراحل الجديدة .. و التي يتم نفيها هي الأخرى لصالح مراحل أحدث. مثلا عملية خروج الشرنقة من البويضة هي عملية نفي لمرحلة البويضة ، ثم تبدأ مرحلة تراكم كمي جديدة إلى ان تنضج الفراشة جنسيا وتصبح مؤهلة للتزاوج فيتم التزاوج لتضع البيض وتموت نافية النفي .. هكذا فعملية التطور هي سلسلة لامتناهية من نفي النفي ، الذي ليس رجوعا للوراء وإنما نفي إيجابي لأن إتجاه المحصلة له دوما للأمام وأعلى أي إتجاه تطوري.
و على أساس المادية الجدلية تعتبر المادة هي أساس و جوهر كل الظواهر الطبيعية. فالحياة مثلا ليست إلا تفاعلات بيوكيميائية, برغم تعقيدها و صعوبة كشف كل غموضها حتى الآن إلا انها ليست شيء خارق للطبيعة بأي من الأشكال و لا يعتمد على وجود ما يسمى بــ “الروح” (هذا الشيء مجهول الهوية و الوظيفة و الذي لا يمكنه أن يحرك الجسد لو تم تعطيله بمرض أو بسم أو برصاصة مثلا) و ذلك لأنه شيء بلا وجود و بلا معنى و الأجسام الحية ككل شيء آخر يعمل لو كانت اجزاءه الرئيسية تعمل و يعطل و ينهار لو تم ضرب أو إفساد أيا من هذة الأعضاء الحيوية.
و الوعي أيضا هو حركة عصبية في الدماغ يبحث فيها و يسعى لسبر أغوارها علماء العلوم العصبية Neuroscience مثل : البيولوجيا العصبية و الفيزيولوجيا الكهربية و العلوم العصبية الحاسوبية و علم التطور العصبي وعلم الجينات والكيمياء الحيوية و علم الأحياء الجزيئى .. علوم كثيرة تسعى لمعرفة آليات عمل الجهاز العصبى المركزى و الجهاز العصبى الطرفى ذات التكوينات شديدة التعقيد, و المسئولة عن كل عمليات التفكير أو ما يعرف بالوعي. هذا التعقيد الذي يبلغ ذروته في الدماغ حيث يحتوى الدماغ وحده على مائة مليار من الخلايا العصبية و مائة تريليون من الوصلات العصبية.
من اليمين إلي اليسار : ماركس و أنجلز و لينين
من اليمين إلي اليسار : ماركس و أنجلز و لينين

نقد علموي للمادية الجدلية
Scientistic Critique of Dialectical Materialism

لا يمكن لأي إنسان منصف أن ينكر الطفرة التي حققها ماركس و أنجلز في الفلسفة و في إسهاماتهما في علم الإجتماع و في نقد الرأسمالية و في زرع أمل في النفوس لتحقيق عالم أفضل للجميع, عالم أكثر عدلا و تقدما و روعة. و مهما حدث من جرائم و خطايا و أخطاء من التجارب الماركسية فلا يمكن لنفس هذا المنصف إلا أن يتذكر أن كل إختراع و كل تقنية جديدة و كل حل لمشاكل مزمنة قد حاول العباقرة الذين صنعوها كثيرا و فشلوا كثيرا قبل ان ينجحوا في النهاية. و أشهر مقولة لتوماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي و البطارية و آلة التصوير السنيمائي و  إختراعات أخرى كثيرة هي : أنا لم أفشل في إختراع المصباح الكهربائي 99 مرة بل لقد نجحت في إكتشاف 99 طريقة لا يعمل بها المصباح الكهربائي .. فما حققته هو ثمرة عمل يشكل الذكاء 1% منه و المثابرة 99%.
لذلك فالأخطاء الفلسفية للمادية الجدلية و الماركسية عموما و حتى فشل التجارب الشيوعية لأي أسباب لا يعني أن السعي نفسه خاطئ أو أن المحاولات الخاطئة لا تشرف صاحبها .. فالشماتة في المخترع المجتهد حين يفشل لا تعبر إلا عن دونية و صغر نفس الشامتين الفاشلين. فكل إنسان عاقل و يعقل لا يتعلم فقط من نجاحات الآخرين بل يتعلم من أخطاءهم أيضا, و من لا يعرف فضل معارف و تجارب و حتى أخطاء الآخرين عليه هو الأحمق الذي لا فائدة منه. و من ثم فبرغم الأصالة و عمق الرؤية اللذان تمتع بهما ماركس و أنجلز, و برغم تطابق مفاهيم المادية الجدلية على الظواهر الطبيعية في أحيان كثيرة .. إلا أن المادية الجدلية بها بعض العيوب الجوهرية, يمكن الإشارة إلي أهم عيبين منهم.
1-    تعريف المادة
في حالة الموضوع الديني يبدو الدين متهافتا لأنه يعتمد على مفهوم واسع و مطاط و لا يمكن حصره يسميه المخرفين الدينيين “الله” أو “الإله” .. فلا أحد يستطيع أن يعرف بالتحديد ما هو هذا الله بالتحديد. ماركس وقع في نفس الخطأ الديني بتأسيسه للفلسفة على موضوع يصعب تعريفه بالتحديد هو “المادة”. فالمادة Matter علميا هي كل الأشكال الفيزيائية التي تم معرفتها و تجربتها و التي لم تكتشف معظم خصائصها بعد : ابتداءا من المادة التقليدية و المادة المظلمة و المادة المضادة. و في المقابل هناك الطاقة (الحركية و الحرارية و الكهربية .. الخ) و هناك الطاقة المظلمة, و طبعا ينطبق عليهم جميعا قانون حفظ المادة/الطاقة. يعني المادة محدودة في المكان لأن معظم العالم مكون من فراغ يحيط و يسكن في كل مادة, لكن المادة/الطاقة يمتدان عبر الزمان بلا بداية أو نهاية .. يتغيران فقط من صورة إلي أخرى لكن لا يفنيان أو يخلقا من عدم أبدا.
لكن لا يمكن إعتبار أي مادة لها وجود حقيقي ما لم يتم الإستدلال عليها و قياسها بأي آداة تقنية أو أسلوب علمي, و ماركس حين يطرح تصور للوجود كمادة في حركة فهو سيخطئ حتما لا محالة لو قام بتعريف المادة أي تعريف : لأن المادة كما يعرفها علم القرن التاسع عشر ليست هي المادة كما يعرفها علم القرن العشرين و لن تكون حتما هي نفس المادة التي يعرفها علوم القرون المستقبلية الآتية.
و يحاول الماركسيين و الماديين الإفلات من هذة المعضلة بتعريف المادة تعريف مطاط واسع جدا و هي أنها الواقع الموضوعي, و هو تعريف الغرض منه الرد على توهمات و خرافات المثاليين الدينيين الذين يتصورون وجود عقل خارق (الله) يسبق المادة و هو سبب وجودها و لا سبب لوجوده (أهو غلاسة كده !) .. على أساس أن موضوعية الفلسفة المادية هي ضد ذاتية الأديان المثالية. و هي محاولة الرد التي أوقعتهم في معاكسة الخرافة الدينية و بالتالي الإعتماد على هذا المفهوم الواسع الذي يشمل كل شيء كما يشمل الإله كل شيء أيضا. لكن الإبتداء و التأسيس على فهم مطلق أو نهائي للواقع هو الفهم المادي سيقود حتما و مباشرة إلي الأدلجة العقائدية, و بسبب تنوع المادة/الطاقة و الإكتشافات المتوالية كل يوم سيضطر الماركسيين و الماديين ان يضعوا تعريف بهذا الإتساع و المطاطية .. و في النهاية ستكون المحصلة المعرفية هي صفر .
لأن بتعريف المادة تعريف واسع مطاط سيجعل المادة تشمل كل شيء و كل ما هو موجود, و لذلك يمكن الوصول بالإستنتاجات المادية إلي هذا الطريق : المادة = كل ما هو موجود (الواقع الموضوعي), و بالتالي كل ما هو موجود موجود و كل ما هو غير موجود غير موجود (كسبنا صلاة النبي) .. ما الإستفادة المعرفية هنا زيادة على رفض التخاريف الدينية ؟! لاشيء. نفس الخطأ تقع فيه الطبيعية الوجودية Metaphysical Naturalism و هي الفلسفة التي إستبدلت مصطلح المادة بمصطلح الطبيعة و في النهاية يستحيل عليهم تعريف ماهية “الطبيعة” كما إستحال على الماديين من قبلهم تعريف ماهية “المادة” .. لأن ببساطة لا يمكنك أن تبدأ من الواقع أو الموضوع فانت لا تعلم عنه كل شيء و يستحيل ان تعلم عنه كل شيء مهما راكمت من علوم و تقنيات لأنه عالم لامحدود الإتساع لامحدود العمق لامحدود التعقيد.
طبعا ليس الحل هو أن نبدأ من الذات و من الرغبات و التوهمات الذاتية النرجسية التي تجسدها الأديان, الحل هو أن نبدأ بالمنهج العلمي الموضوعي, أن نبدأ بالبحث عن الحقيقة بواسطة المنطق العقلي و التجريب العملي و القياس الموضوعي .. فلا يحكمنا توهمات و خرافات الذات و في النفس لا نتورط في عقائد و ايديولوجيات قاصرة لأنها بنت زمنها و لا يمكنها ان تجاري كل العصور. المنهج و ليس الذات, المنهج و ليس الموضوع. المنهج المنطقي العلمي العملي المعياري الموضوعي هو أفضل آداة يمكن إستخدامها لمعرفة و فهم هذا العالم بحيث لا يكون المرء ملزما بعقيدة أو مفاهيم ضيقة متعصبة أو مفاهيم واسعة مطاطة لا تعني أي شيء .. بل بمنهج نسبي ديناميكي يلاحق الواقع النسبي الديناميكي أينما ذهب و أينما حل و كيفما يتغير هو معه يتغير بتغيره : لأن الحقيقة هي رحلة بحث و ليست منطقة وصول.
2-    التعارض مع العلم
أهم خطأ وقع فيه ماركس و أنجلز كما وقعت فيه الماركسية من بعدهم, هو أن الماركسية ليست علما تجريبيا ديناميكيا. فماركس يختلف عن نيوتن و أينشتاين و داروين و لافوازييه في أن القوانين التي صاغها ماركس ليست قوانين موضوعية يمكن قياسها و إختبارها و التحقق منها و تطويرها و تطويعها لخدمة الإنسانية بأي شكل. فالماركسية ليست علما مهما إدعى محبي الماركسية و أنصارها, بل يمكن إعتبارها علم زائف أيضا. و الماركسية حين تطرح قوانينها فهي تفعل واحدة من ثلاثة أشياء : إما أن تعتمد على قوانين و مبادئ علمية أصلا و من ثم لا تأتي بجديد, و إما تأتي بتصورات عقائدية من عندها لا يمكن إثباتها أو إختبارها في المعمل, و إما تطرح مفاهيم مطاطة واسعة ليس لها معاني محددة فعلا. و لأن الماركسية ليست علم فمعظم روادها تعاملوا مع الماركسية كدين أو دوجما لا يمكن مساءلتها او إختبارها .. بل وصل الأمر إلي حد معارضة النظريات العلمية إعتمادا على التصورات الماركسية العقائدية التي نشأت أصلا لنصرة العلم على الخرافات.
في الإتحاد السوفيتي السابق و في كل دولة شيوعية و في العالم كله ظل الشيوعيين يعايرون الإكتشافات العلمية بمعيار المادية الجدلية. رفضوا و تشككوا في النظرية النسبية لا شكا علميا بل شكا عقائديا ماركسيا, رفضوا و تشككوا في نظرية الإنفجار الكبير لا شكا علميا بل شكا عقائديا ماركسيا. صحيح أن ماركس رحب جدا بنظرية التطور و إعتبرها تأكيدا لأفكاره و فلسفته, لكن أن يتم معايرة العلم عقائديا و تقييمه من حيث توافقه مع أي عقيدة أو فكر أو فلسفة هو أمر خاطئ و مرفوض تماما. العلم يتم معايرته بالأدلة و البراهين و التجارب العلمية و ليس بتوافقه أو تضاربه مع أي عقيدة. يعني لا يمكن ان تعتبر نظرية التطور إعجازا علميا للماركسية على طريقة الإعجاز العلمي في القرآن, و يتم رفض النظريات العلمية التي يعتبرها الماركسيين لا تتفق مع المادية الجدلية كما يفعل المؤمنين بالأديان حين يتعارض العلم مع أديانهم.
لا, العلم يجب كل شيء و يعلو فوق كل المعتقدات و الأديان .. الحقيقة العلمية أهم و أبقى, و الأدلة العلمية أقوى و أصلب. العلم لا يتم تقييمه إلا علميا بينما العلم يقيم كل شيء. و هذا يقودنا إلي دور الفلسفة أساسا, فالفلسفة ليست منافسا للعلم ولا ندا للعلم ولا قيما على العلم بأي حال من الأحوال.
الفلسفة تقوم بخدمة العلم لا أكثر : يعني تبسيط العلم, و التنظير و الترويج له, و محاولة قراءته و فهمه بشكل شامل و عمومي, لكن الفلسفة لا تفرض على العلم شيئا و لا تمنع عن العلم شيئا .. لأن العلم يعلو و لا يعلى عليه. و حتى بالنسبة للفلسفة العلموية أيضا لا مجال لأن تفرض على العلم شيئا أو تمنع عن العلم شيئا, و لو حدث فعلا تكون فلسفة مخطئة و خاطئة. فالفلسفة العلموية هي خادم و داعم للعلم لا أكثر, و مهمتها لا تتجاوز التبسيط و التنظير و الترويج و الدعم للعلم عند عموم الناس .. بدون أي تزيد او تنقيص او خلط أو مغالطة.
و بسبب هذا الخطأ تورط ماركس في التنبوء بالمستقبل تنبوء لاعلمي, فهو تنبأ بأن يتطور المجتمع الإنساني نحو الشيوعية تنبوءا لا رياضي و لا إحصائي. يعني العلموية ربما تسعى فعلا إلي تنظيم إجتماعي يشبه بالفعل المسعى الشيوعي للتنظيم الإجتماعي مع تعديلات جوهرية, لكنها لا تتنبأ بحتمية حدوث ذلك لان المهمة تعتمد على إجتهاد أصحابها لكي تتحقق. و العلموية حين تقدم تنبوءات عما سيحدث في المستقبل فالتنبوء هنا هو تنبوء رياضي إحصائي إحتمالي و ليس تنبوءا خرافيا على طريقة أنبياء الأديان. يعني العلماء حين يتنبأون بالكسوف و الخسوف بمنتهى الدقة هم يعتمدون على معادلات رياضية دقيقة و بالتالي فتنبؤاتهم تحدث دائما. و التنبؤات العلمية بأحوال الطقس تخطئ كثيرا لأن نظام الطقس أكثر عشوائية و فوضوية من النظام الشمسي و بالتالي التنبوء العلمي به أكثر صعوبة بكثير.
و التنبوء العلمي بنشوء الذكاء الصناعي الأليكتروني الذي سيجب و يعلو فوق الذكاء الإنساني البيولوجي هو تنبوء إحصائي أيضا يعتمد على قانون مور و غيره في حساب معدل تطور قدرات الحواسيب منذ نشوء الكمبيوتر و حتى الآن. و حساب معدل النمو لقدرات المعالجات Processors و القدرة على التخزين و غيره .. و في النهاية لو حدث إنهيار ما شامل للإقتصاد العالمي فالتنبوءات العلمية ستخطئ بالتأكيد. لكن بحساب معدل نمو القدرات الحاسوبية يمكن التنبوء بالنقطة الزمنية التي سيتجاوز فيها الكمبيوتر القدرات العقلية و المعرفية للإنسان (Singularity) بالعدة Hardware و بالبرمجة Software معا. أما أي تنبوء آخر لا يعتمد على الملاحظة العلمية لنمط رياضي أو إحصائي للظواهر الطبيعية و البشرية العالمية فلا معنى و لا مجال للتنبوء بها.
يعني بإختصار يمكن القول ان كل إنجاز فكري أو فلسفي يمكن الإشارة إليه في المادية الجدلية يرجع إلي المقاربة الموضوعية للعلم, و كل فشل أو خطأ للمادية الجدلية و المادية التاريخية و الماركسية عموما يرجع إلي الإبتعاد عن العلم و العلمية و محاولة فرض توجهات فكرية و نظريات عقائدية جامدة تخص صاحبها و لا تخص الحقيقة العلمية أو الواقع الموضوعي. هي قاعدة بسيطة و سهلة : أن تلتزم بالعلم تكون محقا و أن تنحرف عن العلم تكون مخطئا. و أظرف ما في الموضوع أن المادية الجدلية تعرضت لضرب و نقد غير موضوعي كثيرا لا لأنها إنحرفت عن العلم أحيانا لصالح توجهها العقائدي, بل تعرضت للنقد حين إنحازت للعلم ضد الخرافات الدينية المثالية تحديدا .. أو تم إنتقادها بمنطق الليبرالية الرأسمالية العدمية العبثية : و كلاهما مخطئ بالتأكيد.
نظريات الصراع الكلاسيكية:
تقدم نظرية الصراح نموذجاً نسقياً للمجتمع وتشبه النظرية العضوية في بناء شروحها وتفسيراتها إلا أنها تختلف في نظرتها إلى المجتمع على أنه مؤسس على المنافسة والسيادة والصراع بدلاً من الاتفاق والتكامل عند النظريات العضوية والبنائية الوظيفية، كما أن نظريات الصراع تختلف فيما بينها فيما تركز عليه من عوامل اجتماعية ذات وحدات كبرى أو عوامل طبيعية ذات وحدات صغرى ، وتفترض أنها الأسس الهامة لعمليات التغير والصراع، وأخيراً يمكن القول أن نظريات الصراع تختلف بشدة عن النظريات العضوية في تركيزها بصفة عامة على الحاجات الإنسانية أكثر منها على الأولويات الاجتماعية أو النسقية، أي أن نظريات الصراع تركز على الحاجات الإنسانية بينما النظريات العضوية والوظيفية تركز على حاجات النسق، وهكذا بينما قد يتشابه بناء هذه النظريات فإن المضمون الإديولوجي لكل منهما يختلف تماماً.
كارل ماركس:
ولد في ألمانيا سنة 1818م شارك في الاتحاد الدولي للعمال ومجلس المنظمة الشيوعية، وسلوكه ردة فعل للضغط السياسي والاقتصادي الحادث في ألمانيا.
أهدافه:
كان هدف ماركس تحليل العلاقة بين ظروف الحياة ويقصد بها الأبنية الفرعية الاقتصادية للمجتمع، وبين الأفكار ويقصد بها الأبنية العليا المعيارية في المجتمع، وذلك على أسس من الاستمرارية والتغير خلال التطور التاريخي للمجتمع، مثل هذه العلاقة المتبادلة كانت الأساس لأفكار ماركس، وهو يفترض أن الإنسان تحت تأثير التصنيع والاستغلال الرأسمالي تحول من رجل طبيعي إلى رجل مغترب.
ومن ثم فالهدف الإيديولوجي لماركس هو إعادة تحويل المجتمع إلى حالة يوجد فيها الرجل الطبيعي بدلاً من الرجل المغترب، وذلك بإعادة تركيب البيئة الطبيعية والاجتماعية، وكرد فعل للضغط السياسي والاقتصادي في عصره نمى نظرية جدلية لتوجيه التغير في المجتمع مع التركيز بصفة خاصة على البناءات الفرعية الاقتصادية، ولذلك سميت بالمادية الجدلية التاريخية.
النظرية المادية التاريخية:
لقد كان ماركس متأثراً بشدة بفلسفة هيجل، وافترض ماركس أن دياليكتيك هيجل هو أوسع مذهب من مذاهب التطور وأقرها مضموناً وأشدها عمقاً.
وفي الحقيقة لا يمكن فهم نظرية ماركس إلا إذا عرضنا بإيجاز لنظرية هيجل في هذا الصدد، أراد هيجل أن يفسر التطور أو الصيرورة من الناحية الصورية المجردة، وأراد أن يستخدم في هذا التفسير المنهج الجدلي أو التحليل الديالكتيكي، وفي هذا الصدد يقول إن كل فكرة تحمل في طياتها عناصر نقيضها، ويطبق هذه الفكرة على الوجود، فإذا جردنا الوجود من كل صفة موضوعية بحيث يصبح وجوداً مطلقاً من الناحية الصورية، فإنه يصبح وجوداً خالياً من الصفات والخواص وذلك يستحيل الوجود إلى لا وجود أي أن الوجود المطلق واللاوجود شيء واحد، فكان كل فكرة تحمل في طياتها عناصر نقيضها، واجتماع النقيضين على هذا النحو هو الذي يفسر ظاهرة التغير، فلو لم تكن عناصر النقيضين موجودة في الشيء على حالته الأصلية لما تصورنا تغيره من حالة لأخرى.
هذا المنهج استخدمه هيجل ليكشف خلال أي عقل أو روح تتمم العملية التاريخية نفسها في المجتمع، عند هيجل الروح هي المحدد للتغير، فأحل ماركس محلها الظروف المادية بمعنى العامل الاقتصادي، نزعة المادية هي الجزء المقابل لنزعة المثالية عند هيجل، لقد كانت فلسفة هيجل تعالج تطور العقل والأفكار، كانت مثالية تجعل تطور الطبيعة والإنسان وعلاقات الناس الاجتماعية ناتجة عن تطور العقل، وقد احتفظ ماركس بفكرة هيجل عن حركة التطور الدائم، أعني منهجه الديالكتيكي، أي نظرية التطور.
ولكن ماركس طرح وجهة النظر المثالية جانباً واعتبر أنه ليس تطور العقل هو الذي يفسر الطبيعة بل إن الأمر على العكس.. لقد كان هيجل يعتبر أن حركة الفكر، هذه الحركة التي يطلق عليها اسم الفكرة هي الصانع للواقع، بينما ماركس يرى حركة الفكر ليست إلا انعكاساً لحركة المادة منقولة إلى فكر الإنسان ومتحولة فيه، فالحركة عند ماركس شكل وجود المادة، فمثلاً ذوبان الثلج وتحوله إلى ماء، هذه الحركة من الجامد إلى السائل أعطت العقل فكرة أن الثلج يذوب بالحرارة، فكأن كل المعاني والأفكار التي يحتويها العقل الإنساني هي من حركة المادة الطبيعية، واعتبر ماركس أنه لم يوجد ولا يمكن أن يوجد في أي مكان مادة بدون حركة ولا حركة بدون مادة.
ومن ثم اعتبر ماركس أنه بما أن إنتاج العقل الإنساني هو في آخر التحليل نتاج الطبيعة، وهكذا لا يوجد في رأي ماركس إلا المادة أما الأفكار والوعي فهي مظاهر لاحقة وناتجة عن تحول حركة المادة في العقل إلى أفكار ووعي.
وهكذا اقتنع ماركس بأنه يجب جعل علم الاجتماع منسجماً مع الأساس المادي وإعادة بناءه استناداً إلى هذا الأساس، فالمادية هي لب النظرية الماركسية، ولكن ماركس لم يتوقف – على حد تعبيره – عند مادية القرن التاسع عشر، إذ اعتبر أن المادية القديمة كانت تتوقف عن معرفة الطبيعة وهو انتقل بها إلى معرفة المجتمع البشري، وبذلك اعتبر ماركس أنه بتوسيع المادية لتشمل الظواهر الاجتماعية قضى على عيوب النظريات التاريخية السابقة له، إذ لم تكن تلك النظريات في رأيه تأخذ في اعتبارها غير الدوافع الفكرية لنشاط الناس التاريخي، دون أن تبحث عما يولد هذه الدوافع، ودون أن تدرك القوانين الموضوعية التي تحكم وتطور نظام العلاقات الاجتماعية، ودون أن نرى جذور هذه العلاقات في درجة تطور الإنتاج المادي.
فالمادية هي لب النظرية الماركسية، فهي تنتمي إلى نزعة الحتمية الاقتصادية التي تذهب إلى أن العامل الاقتصادي هو المحدد الأساسي لبناء المجتمع وتطوره، وأنها أوضحت عملية ظهور جماعات المجتمع الاقتصادية وتطورها وانهيارها، وذلك عن طريق تحليلها لمجموعة الاتجاهات المتناقضة وردها إلى ظروف المعيشة والإنتاج لمختلف طبقات المجتمع.
ويعبر ماركس عن ذلك في عبارته المشهورة في مقدمة كتابه مساهمة في نقص الاقتصاد السياسي (إن الناس أثناء الإنتاج لحياتهم، يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية مستقلة عن إرادتهم، وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية، وتؤلف مجموع علاقات الإنتاج البناء الاقتصادي للمجتمع، أي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء أعلى تشريعي وسياسي وتطابقه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي، إن أسلوب إنتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية بصورة عامة، فليس إدراك الناس هو الذي يعين معيشتهم بل على العكس من ذلك معيشتهم الاجتماعية هي التي تعين إدراكهم، وعندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها، تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج الموجودة أو مع علاقات الملكية – وليست هذه سوى التعبير القانوني لتلك – التي كانت إلى ذلك الحين تتطور ضمنها، فبعد أن كانت هذه العلاقات أشكالاً لتطور القوى المنتجة، تصبح قيوداً لهذه القوى، وعندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية، ومع تغير الأساس الاقتصادي يحدث انقلاب في كل البناء الأعلى الهائل بهذا الحد أو ذلك من السرعة).
هذه الفكرة هي محور النظرية الماركسية في التغير، فهي تعتبر أن الأسلوب الاقتصادي السائد في الإنتاج والتبادل يشكل في كل حقبة تاريخية معينة مع التنظيم الاجتماعي المنبثق بالضرورة عنه، الأساس الذي يقوم عليه تاريخ هذه الحقبة السياسي والفكري، والذي يمكن بالاعتماد عليه فقط تفسير التاريخ، فالماركسية تعتبر أن مرحلة النمو التكنولوجي تحدد أسلوب الإنتاج والعلاقات والنظم التي تكون النسق الاقتصادي، هذه المجموعة من العلاقات بدورها هي المحدد الرئيسي لكل النظام الاجتماعي.
ولكن في رأي ماركس أن النظامين الاجتماعي والاقتصادي لا يتطابقا لأن النظام الاقتصادي يتغير نتيجة النمو التكنولوجي، والنظام الاجتماعي باق على ما هو عليه فقد أنشأ أيديولوجيته وأصبحت له مصالح مختلفة، ومن ثم يقاوم التغير، وهكذا يقع التناقض بين النظام القديم، وبين التصورات الفكرية التي انبعثت من تغير قوى المجتمع المنتجة وعدلت مفاهيم الناس عن أدوارهم فتقع الثورة.
وهكذا طبقاً لهذه النظرية التي يسميها أيضاً الماركسيون نظرية الصراع الطبقي افترض ماركس أن كل تاريخ البشرية هو تاريخ للصراع بين الطبقات بين الطبقة المستغِلة والطبقة المستغَلة، ذلك أن ماركس يفترض أنه في مرحلة الإنتاج الرأسمالي حيث صاحب رأس المال يملك وسائل الإنتاج ويحقق أرباحاً طائلة من فائض قيمة عمل العمال، فصاحب رأس المال هذا يأخذ النصيب الأكبر من الربح ولا يعطي العامل إلا ما يقيم حياته.
إذن المشكلة كلها عند ماركس تتلخص في عدم عدالة توزيع عائد الإنتاج بين صاحب رأس المال والعمال.
ويلاحظ أن عدم عدالة التوزيع مفهوم يتضمن عنصراً أخلاقياً، إذ أن التوزيع هو مفهوم اقتصادي، ولكن عدالته أو عدمها فعل أخلاقي، ومفهوم التوزيع بذاته مجرد من كل صفة، أمر غير موجود في الواقع الاجتماعي، ولكن ما يعطيه الوجود الاجتماعي هو إضافة صفة العدالة أو عدمها، ومن ثم فعدالة التوزيع أو عدمها فعل اقتصادي قائم على قاعدة أخلاقية توجهه.
إذ أن الإنتاج بذاته لا يقوم بعملية التوزيع، ولكن القائم بعملية التوزيع هو صاحب رأس المال، ومن ثم فعدالة التوزيع أو عدمها فكرة أخلاقية في تصورات الرجل الرأسمالي الذي يملك ويؤدي دور الموزع في النظام الرأسمالي الذي أعطاه هذا الحق، ومن ثم يتضح بجلاء أن مفهوم عدالة التوزيع أو عدمها، هي علاقة اجتماعية ذات طابع اقتصادي أساسها لا مادي، وذلك عكس ما ذهب إليه ماركس، ومن ثم فإن التغير في العلاقات الإنتاجية لم يؤد إلى تغير في البناء الأعلى، ولكن البناء الأعلى بما يحتويه من تصورات فكرية وعناصر أخلاقية هو الذي يشكل العلاقات الاجتماعية ذات الطابع الاقتصادي، أي هو الذي وجه عملية توزيع الربح، أي أن هناك عنصراً أخلاقيات سلبياً عند أصحاب رؤوس الأموال هو الذي أدى إلى سوء عدالة التوزيع، فلو أنه وجد العكس أي عنصراً أخلاقياً إيجابياً في تصورات البرجوازيين يؤدي إلى توجيه عملية التوزيع نحو العدالة، لما وجد ماركس مادة يستخرج منها نظريته.
والدليل على ذلك أن هذه العملية تغيرت في اتجاه عكس ما ذهب إليه ماركس، فقد افترض أن (نتيجة لاتساع استعمال الآلات ولتقسيم العمل، ضاع من عمل البروليتاريا كل صبغة شخصية، وضاع بذلك عنصر الإبداع فتلاشى من العمل جاذبيته وأصبح العامل عبارة عن ملحق بسيط للآلة لا يطلب منه إلا القيام بعملية بسيطة رتيبة سهلة التلقين، وبذلك أصبح اليوم تكلفة العامل هي تقريباً تكلفة وسائل المعيشة اللازمة للاحتفاظ بحياته والإبقاء على نوعه، إلا أن ثمن العمل كثمن أي بضاعة يساوي تكاليف إنتاجه، إذن كلما أصبح العمل باعثاً على الاشمئزاز هبطت الأجور)، فالمشاهد أن أجور العمال لم تنخفض بل ارتفعت، أي أن أسلوب التوزيع في القرن العشرين اتجه في اتجاه مخالف لما تنبأ به ماركس، ومن ناحية أخرى لم يكن ذلك نتيجة لعوامل مادية، بل كان نتيجة لعوامل لا مادية أهمها انتشار التعليم والتضامن بين العمال، ونحو الاتحادات العمالية، وتدخل الحكومات في العلاقة بين أصحاب رؤوس الأموال والعمال من أجل مصلحة المجتمع، ذلك كله أدى إلى مزيد من الديمقراطية وأدى إلى تغير في التصورات الفكرية عند كل من أصحاب رؤوس الأموال والعمال عن العلاقات الاجتماعية ذات الطابع الاقتصادي، وخاصة وضوح فكرة أن كل منهما يؤدي دوراً في مجتمع واحد يهم كل منهما نموه ورخاءه، وكل هذه عوامل لا مادية.
ومن الغريب أن ماركس نفسه أشار إلى أن المغير الحقيقي للبناء الأعلى ليس هو العلاقات الاقتصادية ذاتها ولكن هي عملية التثقيف والتدريب على ممارسة الحياة السياسية بين صفوف العمال فيعمل ذلك على تعديل تصوراتهم الفكرية ولكن استغراقه في إعجابه بماديته ستر عنه الحقيقة التي جرى بها قلمه، فهو عندما يتحدث عن صراع البرجوازية ضد الإقطاع، واستغلال البرجوازية للعمال يقول (وترى البرجوازية نفسها مضطرة في كل ميادين النضال هذه إلى الالتجاء للبروليتاريا وطلب معونتها فتجرها بذلك إلى مضمار الحركة السياسية وهكذا تقدم البرجوازية بيديها إلى البروليتاريا عناصر ثقافتها، أي أنها تسلمهم السلاح الذي سيحاربونها به) وفي موضوع آخر يتحدث فيه ماركس عن الصراع الطبقي فيقول (يتخذ انحلال الطبقة الحاكمة والمجتمع القديم بأسره طابعاً يبلغ من حدته وعنفه أن جزءاً صغيراً من الطبقة الحاكمة نفسها ينفصل عنها وينضم إلى الطبقة الثورية، فكما انتقل فيما مضى قسم من النبلاء إلى جانب البرجوازية، كذلك في أيامنا هذه ينتقل قسم من البرجوازية إلى جانب البورليتاريا، وخصوصاً القسم المؤلف من البرجوازيين المفكرين الذين تمكنوا من الإحاطة بمجموع الحركة التاريخية وفهمها بصورة نظرية).
ومن ثم فالتحول في البناء الأعلى أي التصورات الفكرية طبقاً لأقوال ماركس هذه لا يقبع في العلاقات المادية ولا تحدثه عوامل مادية ولكن يعتمد أساساً على عملية التدريب والممارسة السياسية التي يباشرها العمال فيتكون لديها عناصر ثقافتها، ذلك بالإضافة إلى عمليات التثقيف والتوعية التي يعمل بها مفكروا الحركة على تغيير مفاهيم العمال وتصوراتهم، فتدرك الطبقة العاملة التناقض في علاقات الإنتاج أي تدرك عدم عدالة التوزيع.
وهكذا يلاحظ أن عدم عدالة التوزيع هي الفكرة المحورية في النظرية الماركسية، وهذه الفكرة كما بينا نابعة من سلبية أخلاق البرجوازيين في عصره، ولكن تعنت ماركس المادي أو إيديولوجيته أعمته عن هذه الحقيقة، وافترض أن عدم عدالة التوزيع راجعة لأن صاحب رأس المال يملك وسائل الإنتاج، واعتبر الملكية الخاصة هذه هي سبب استغلال أصحاب رؤوس الأموال لطبقة العمال، وبذلك أراد أن يمحو هذه الملكية الخاصة ويحولها إلى ملكية جمعية، ومن أجل هذا افترض أن هناك علاقة وثيقة بين النظامين الاقتصادي والسياسي حتى جعلهما كوجهي العملة، فهو يقول (إن كل الطبقات التي كانت تستولي على السلطة فيما مضى كانت تحاول تثبيت أوضاعها المكتسبة بإخضاع المجتمع بأسره لأسلوب التملك الخاص بها) ومن ثم جعل الطريق إلى تحويل الملكية الخاصة إلى ملكية عامة هو استيلاء البروليتاريا على السلطة، (ثم تستخدم البروليتاريا سيادتها السياسية لأجل انتزاع الرأسمال من البرجوازية شيئاً فشيئاً ومركزة جميع أدوات الإنتاج في أيدي الدولة أي في أيدي البروليتاريا المنظمة في طبقة حاكمة).
ومعنى هذا أن البروليتاريا طبقاً لرأي ماركس ستخضع المجتمع بأسره لأسلوب التملك الخاص بها، ولكن ماركس لم يفته هذا التناقض الواضح، ولكنه لم يستطع أن يجد له الحل العلمي الموضوعي، ولكنه حل هذا التناقض بعبارة خلت من الواقعية وامتلأت بالشطحات الخيالية اليوتوبية إذ يقول (ما إن يصبح كل الإنتاج متمركزاً في أيدي جمعية واسعة تشمل الأمة بأسرها، حتى تفقد السلطة العامة صبغتها السياسية، إذ أن السلطة السياسية بالمعنى الصحيح هي السلطة المنظمة لطبقة من أجل اضطهاد طبقة أخرى، فإذا كانت البروليتاريا في نضالها ضد البرجوازية تبني نفسها حتماً في طبقة، وإذا كانت تجعل نفسها بواسطة الثورة طبقة حاكمة، ثم بصفتها طبقة حاكمة، تهدم بالعنف والشدة علاقات الإنتاج القديمة، فإنها بهدمها علاقات الإنتاج القديمة تهدم في الوقت نفسه ظروف وجود التناقض والتناحر بين الطبقات بصورة عامة، وبذلك تهدم أيضاً سيادتها ذاتها من حيث هي طبقة).
إن قول ماركس (يصبح كل الإنتاج متمركزاً في أيدي جمعية واسعة تشمل الأمة بأسرها) قول يجافي الواقع، إذ كيف يتم ذلك في مجتمعات يتراوح تعدادها بين عشرات ومئات الملايين؟؟ ومن ثم فهو قول يتصف بالخيال، إذ من الناحية الواقعية يصبح المجتمع سياسياً واقتصادياً خاضعاً لجماعة معينة من البروليتاريا وليس للأمة بأسرها أو حتى البروليتاريا بأسرها، ومن ثم ينشأ السؤال الآتي وذلك طبقاً لرأي ماركس نفسه، ما هي الضمانات حتى لا تتحول هذه الجماعة التي وصلت إلى السلطة إلى طبقة جديدة تحل محل البرجوازية، أعني لا توفر عدالة التوزيع، لأن التوزيع واقعياً سوف يكون بيدها حيث أصبحت تملك واقعياً وسائل الإنتاج وخاصة أنها أيضاً تملك السلطة؟؟
وإذا كان ماركس يظن أن الضمان، كما صوره له خياله الملتوي الذي لا يريد مواجهة الحقيقة، إن هدم علاقات الإنتاج القديمة هو هدم في الوقت نفسه لظروف وجود التناقض والتناحر بين الطبقات بصورة عامة فإن هذا ليس إلا ضمان وهمي ليس له أساس علمي، فهو أحل طبقة مكان طبقة أخرى، كما يمكن أن تكون مستغلة كما كانت سابقتها، كما أن هدم العلاقات القديمة إذا كان يضمن هدم التناقض القديم على حد قوله، فإنه لا يضمن البناء الاجتماعي الجديد أو يحدد شكله أو اتجاه التغير فيه، فكأن النظرية الماركسية قد استطاعت أن تهدم القديم، ولم تستطع أن تخطط لبناء المجتمع الجديد، أعني أن تضع ضمانات عدالة التوزيع في المجتمع الجديد.
ذلك كله يرجع إلى تعنت ماركس المادي، وعدم رغبته في الاعتراف بأثر العوامل اللامادية، والأخلاقية بالذات في توجيه الحياة الاجتماعية، ومن ثم تصبح الشيوعية أو الاشتراكية التي دعى إليها ماركس ما هي إلا أسلوباً سياسياً واقتصادياً مثله مثل أي أسلوب اقتصادي أو سياسي وضعه البشر لا يستقيم أمره إلا إذا توفر لدى القائمين عليه أخلاقيات ايجابيه تتضمن عدالة التوزيع.
http://hamdisocio.blogspot.fr/2010/06/blog-post_2940.html

Aucun commentaire: