mercredi 27 juillet 2016

عبد الكريم الخطيب



عبد الكريم الخطيب .. القرآن الكريم يفسّر بعضه بعضاً





مفكر إسلامي معاصر، وهو باحث معروف، ومفسر ضليع، واسمه الكامل “عبد الكريم محمود يونس الخطيب”.
ولد في السابع عشر من مارس (مايو) 1910م (1328هـ)، في قرية “الصوامعة غربالتابعة لمركز طهطا بمديرية جرجا، محافظة سوهاج من صعيد مصر.
تعلّم في كتّاب القرية، فحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالمدرسة الأولية بالقرية، ثم بمدرسة المعلمين بسوهاج في عام 1925م، وتخرّج منها سنة 1928م، ليعمل مدرسا بالمدارس الأولية في منطقته.
لم يقنع بما حققه من تحصيل دراسي، فقد كان طموحه يدفعه الى طلب المزيد من العلم، مما قاده الى الحصول على شهادة البكالوريا من تجهيزية دار العلوم، وبهذا أمكن له الإلتحاق بمدرسة دار العلوم، وتخرج فيها سنة 1937م. من زملائه في هذه الدفعة الشاعر العوضي الوكيل، والقصاص محمد عبد الحليم عبد الله.

بعد أن تخرج من دار العلوم اشتغل مدرسا بالمدارس الابتدائية بالتعلم الحر، ثم نجح في إمتحان المسابقة الذي أجرته وزارة المعارف، فعيّن مدرسا للغة العربية بمدرسة “الصنائع” بسوهاج، كما اشتغل بمدرسة المعلمين بغنا، ثم أسيوط.
نظرا لكفاءته التعليمية تم نقله عام 1942م الى مدرسة المنيرة الابتدائية بالقاهرة، ثم نقل الى المدرسة السعيدية، وفي القاهرة انفتح الشاب الطموح على آفاق ثقافية وفكرية رحبة، مهّدت له السبيل ان يسلك مسالك أخرى، راح يرتقي سلالم المجد بثقة واقتدار.
كانت بداية الشوط، في هذا المضمار، حينما اختاره علي عبد الرازق (وزير الأوقاف يومذاك) ليكون سكرتيرا برلمانيا له، وذلك في سنة 1946م، وأثبت لياقة مشهودة، في عمله الجديد، عززتها سمعة عريضة في الجد والإخلاص والمثابرة ونظافة اليد.. والأخلاق السامية.
ظل في وزارة الأوقاف يترقى الوظائف الإدارية، وأصبح مديرا لمكتب وزير الأوقاف للشؤون العامة، حتى أحيل على المعاش بقرار جمهوري، بعد أن ظل معتقلا بالسجن الحربي (سيء السمعة)، من يوم 9 شباط (فبراير) سنة 1959م، الى العشرين من تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه!
عن خلفيات الحدث ذاك، يقول عبد الكريم الخطيب: بأنه قبض عليه ظلما دون سبب، هو ومجموعة من كبار موظفي الوزارة، وأودعوا في السجن الحربي، وسووموا على أن يدلوا بشهادة باطلة ضد وزير الأوقاف في حينه (أحمد حسن الباقوري)، فأبى هو ورفاقه، فلم يجد المسؤولون بدا من إطلاق سراحهم.. مع فصلهم من وظائفهم!
أتاحت له فرصة الفصل من الأعمال الحكومية الاتصال الدائم بالكتاب، قراءة ودراسة، كما أفسحت له من الوقت ما أمكنه من مراجعة الكثير من الموضوعات التي كان يعالجها ثم يدعها قبل ان تنضج وتكتمل. فأقبل على عالم المعرفة ينهل من معينه الثرّ، ويزيده بحثا وإثراءً، يحدوه في ذلك عقل متفتح مستنير، متجاوزا الأطر التقليدية، والقناعات الموروثة.
في الفترة التي أعقبت إحالته على المعاش عكف عبد الكريم الخطيب على كتابة الدراسات والبحوث، فأصدر مجموعة قيمة من المؤلفات الدينية والأدبية، الى جانب المئات من المقالات في الصحف المصرية والعربية، والمئات من الأحاديث الدينية في الإذاعات المسموعة والمرئية في مصر، وفي السعودية حيث أتيح له أن يعمل بكلية الشريعة في الرياض، في عام 1974م (1314هـ) والعام الذي بعده.
كل الذين عاشروه -بمن فيهم خصومه ومناؤوه- يقرون بخصاله الحميدة، فقد “كان عذب الحديث، رقيق الحاشية، صافي الذهن والقريحة، رضي النفس، سمح الخلق، متواضعا، عازفا عن الشهرة، بعيدا عن الزهو”. ورجل حباه الله بهذه الفضائل فلابد أن يتحلى بالمرونة، ويتقبل الفكرة ويحترمها، وينشد الحقيقة، ويتصالح معها، ويتحرّى الحق ويصطف معه مهما كان مرّاً.
يقول السيد الرضوي: “تعرّفت الى هذا الأستاذ فقد كان مديرا لمكتب وزير الأوقاف العلامة الكبير الشيخ أحمد حسن الباقوري، ودعاني في شهر رمضان، مع جماعة من الأساتذة والعلماء في الوزارة، وكان ذلك في عام 1377هـ/ 1958م.. وفي كل مرة عندما أعود الى القاهرة ألتقي به في داره.. وبعد أعوام صادف مجيئي الى القاهرة في شهر رمضان المبارك، فطرقت باب دار الأستاذ صباحا فرحّب بي كثيرا على عادته، وأدخلني غرفة الاستراحة، ولما أردت الإنصراف قال: “أرغب أن تحضر هذه الليلة للإفطار عندنا”، فلبيت الطلب، وقصدت داره العامرة، وصادف دخولي داره وقت المغرب، ولما دخلت سلّمت وجلست في الغرفة المعدّة للضيوف فحيّاني سيادته وغاب عني دقائق ثم عاد وبيده صحن صغير فيه تمر محشو باللوز، فتناول واحدة وضعها في فيه وتناول ثانية بيده وقدمها لي، وقال:
- تفضل.
فأخذتها من يده وتركتها أمامي على المنضدة.
فقال: افطر، لماذا لا تفطر؟!
قلت: قال الله تعالى: “وأتموا الصيام الى الليل”، فهل يقال لهذا الوقت ليل؟
فأجاب: لا.
قلت: إذن كيف تفطر؟!
ثم قلت: أنظر يا أستاذ الى هذه الحمرة المشرقية ظاهرة ونحن الشيعة الإمامية لا نفطر في هذا الوقت، بل نتأمل دقائق وننتظر حتى تغيب هذه الحمرة، لأن وجودها يدل على عدم غياب قرص الشمس، فإذا زالت الحمرة هذه جاز لنا الإفطار، ونحن نأسف لأخواننا السنيين كيف يمسكون عن الأكل والشراب طول النهار ولا ينتظرون دقائق معدودة حتى تغيب هذه الحمرة!
فأجاب سيادته قائلا: أما أنا فمن الآن معكم، وبعد هذا لا أصيب طعام الإفطار إلا بعد ذهاب الحمرة المشرقية.
هذا الموقف ينمّ عن مدى سماحة الرجل وبعده عن التعصب الذميم، الذي أبتلي به العديدون، فلم يلجأ الى اللجاجة والجدل العقيم لإثبات صحة موقفه، وهكذا نجده يذعن الى المنطق السليم، ولا يتوانى لحظة في الرجوع اليه والإنصياع له.
بهذه الروح الرياضية نراه ينفتح على كل ألوان الطيف الإسلامي، فلا يقف خلف المتاريس الطائفية، ولا يسمح لنفسه أن يتخندق في حدودها الضيقة، بل ينطلق في آفاق المعرفة الرحبة، دونما مواقف متشنجة أو أحكام مسبقة، يحدوه الى تنكّب هذا المنهج -على وعورته- قوله تعالى: “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب”- الزمر:18، وفي هذا السياق لا يتردد في أن يطلب من صديقه الرضوي إرسال تفسير مجمع البيان للطبرسي، وهو من التفاسير القيمة عند الإمامية.
وعلى ما يبدو ان هذا الانفتاح قد أثار عليه حفيظة الأوساط المنغلقة، التي لا تجيد سوى خطاب التكفير وإثارة الفتنة بين صفوف المسلمين، وهو ما نلسمه للأسف في كل ممارساتهم، وفيما يخص الموقف من المفكر المفسّر عبد الكريم الخطيب، يكتب أحد السلفيين ويذكره بعبارات نابية، ويذهب بعيدا حينما يزعم بأنه وقف على كلام منكر للخطيب خالف به إجماع المسلمين، فيما يتعلق بالمهدي والدجّال.. ويواصل هذا السلفي القول: “ثم بلغتني عنه مخالفات أخرى أدرجها في تفسيره للقرآن الكريم.. خالف فيها صريح القرآن الكريم.. الخ”!!، ومن المعلوم إن هذه الإتهامات الجاهزة هي المعزوفة الصدئة التي يرددها التيار السلفي ضد كل من لا يجاريهم!
لم يعبأ العلامة الخطيب بكل ما أثير حوله من غبار، وراح يغذ السير ويحث الخطى في دنيا المعرفة، وقدم العديد من الدراسات والبحوث في مختلف المجالات الدينية، التي تدور حول إعجاز القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، ومفهوم الإلوهية والوحدانية، الى جانب عشرات الأبحاث الأخرى، ومئات المقالات، والعديد من الندوات والأحاديث الإذاعية، مما جعله يعدّ من أشهر الكتّاب المسلمين في وقته.
أدى خدمات كبيرة في مجال تفسير القرآن الكريم، وقد اشتهر بتفسيره الذي اتبع فيه المنهج الموضوعي، وسماه “التفسير القرآني للقرآن” وهو بستة مجلدات، وبلغ حوالي (8000) صفحة، وقد تضمن رؤى جديدة تجاوزت التفاسير التقليدية، ويعد فتحا جديدا، مما أثار اهتمام المعنيين بالدراسات القرآنية، لاسيما وان عدة دراسات صدرت لاحقا عن التفسير الموضوعي.
إضافة الى تفسيره المعروف، ترك ما يربو على الخمسين كتابا منها:
* سد باب الاجتهاد وما ترتب عليه. * القصص القرآني. * التعريف بالإسلام في مواجهة العصر. * الحدود في الإسلام. * اليهود في القرآن. * أيام الله. * المهدي المنتظر ومن ينتظرونه. * الدعوة الوهابية، 1379هـ (ط2: 1394هـ). * قضية الإلوهية بين الفلسفة والدين. في كتابين: 


الأول “الله ذاتا وموضوعا” 




والثاني “الله والإنسان”

.






* القضاء والقدر بين الفلسفة والدين. * إعجاز القرآن في كتابين: الأول بعنوان (الإعجاز في دراسات السابقين”، والثاني بعنوان (الإعجاز في مفهوم جديد”. * من قضايا القرآن. * المسيح في التوراة والإنجيل والقرآن. * النبي محمد إنسان ونبي الأنبياء. * عمر بن الخطاب الوثيقة الخالدة للدين الخالد. * علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة. * الخلافة والإمامة. * السياسة المالية في الإسلام. * الدين ضرورة حياة. * الإسلام في مواجهة الماديين الملحدين. * الإنسان والشيطان. * التصوف والمتصوفة. * مسلمون وكفى.
داهمته الأمراض، وهو في ذروة عطائه، ولكنه كان يكابر على جراحه (المادية والمعنوية)، حتى وافاه الأجل المحتوم في شهر صفر الخير سنة 1406م، الموافق لشهر تشرين الثاني عام 1985م، وشيّعه طلابه ومريدوه بالدموع والحسرات.
ومفكر كبير كالعلامة الخطيب المعروف بدماثة الخلق، وسعة الأفق من الطبيعي أن يلتف حوله العديد من أهل العلم، وقد تخرج على يديه كثيرون. وكتبت عنه رسالة جامعية في إحدى الكليات الأزهرية، كما ألّف الأستاذ السيد أبو الضيف المدني كتابا في سيرته.. .
أهم المراجع
1. اتمام الأعلام، د.نزار أباظة ومحمد رياض المالح، دار صادر، ط2، بيروت، 2003م.
2. مع رجال الفكر في القاهرة، مرتضى الرضوي، ط4، بيروت، 1998م-1318هـ.
3. تتمة الأعلام للزركلي، محمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم، م1: 317.
4. المستدرك على تتمة الأعلام للزركلي، 197:3.


حسن السعيد



Aucun commentaire: