المشهد الرابع
خلال الاغنية
تدخل سعديّة النورية بزي مظفر النواب في السبعين من عمره تحمل نفس الشنطة التي
كانت تحملها في المشهد الأوَّل) وتلبس ثوباً طويل الاكمام مزدكش، حذاء اسود
وبنطالاً بنياً قبعة تغطي راسها... ونظارات تغطي عينيها... تستمع لحسن وتدون بين الزبائن...
تنظر في عيونهم وتحييهم... يراها يعقوب... ويطلب منها الجلوس في مكان شاغر في
نهاية الأغنية تصفق لحسن وانضم اليه.
حسن: (يعزف ويغنّي)
لا تَلُمِ اّلْكَافِرْ
فِيْ زَمَنٍ كَافِرِ
فَاّلْجُّوعُ أَبُو
اّلْكُفَّارْ
مَوْلايْ!
أَنَا فِيْ صَفِّ اّلْجُوْعِ اّلْكَافِرْ،
مَوْلايْ!
مَا دامَ الصَّفُّ الآخَرَ
يَسْجُدُ مِنْ ثِقَلِ اّلأَوْزارْ
مَوْلايْ...
أَنْتَ
اّلْمَطْوِيُّ عَلَيْكَ جَنَاحِيَ فِي اّلأَسْحَارْ
أُعِيْذُكَ أَنْ تَغْضَبَ
مِنِّيْ،
مَوْلايْ.
مظفر: أَحْسَنْتَ يا
حَسَنْ... لَقَدْ أَضَفْتَ عَلَى قَصِيْدَتِيْ اّلْكَثِيْرْ... أَنْتَ
جَائِعٌ, أَلَيْسَ كَذَلِكْ؟!
حسن: قصيدتِك... ما قلنا بعدنا على
عشا امبارح... (يعقوب ينظر اليهما بغرابة)
مظفر: أَيُّها
اّلْنَّادِلُ! أَحْضِرْ مَا لَذَّ
وَطَابَ مِنَ اّلْطَعَامِ لِشَيْخِنَا حَسَنْ... أَسْرِعْ أَيُّها اّلْنَّادِلُ!
مَنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ فِيْ مَقَاهِي
اّلْثَوْرِيِّيْنْ فَسَيُزاوِدْ... (يضحك مع حسن)
يعقوب: أهلا... هذا ضيفنا هارون
الرشيد ومَعِيْش خبر؟!
سعديِّة: العب مزبوط
بلاش خربطات!
يعقوب: (يُحضر القهوة والطعام لحسن
المغنّي)
هاي القهوة وهاي الأكل يا حسّونة.. اتفضّل
حسن: (يتناول القهوة... يشمها
ويذوقها) شكراً...
يعقوب: مش تعرّفنا بصاحبك يا حسن!
حسن: الا كيف... سع... (مستدركا)
سعدي يوسف متذكره؟! (سعديّة ترتبك)
يعقوب: (يفاخر)الا
كيف كان عندي المرّة اللي فاتت...
حسن: هذا من نفس البلد...(يعلن)
مظفّرُ النَّوَّابْ... (لسعديّة/مظفّر مبتسما) ألْنَّادِلُ يَعْقُوْبْ...
يعقوب: (يصافح سعديِّة/مظفَّربزهو)
حسن: فنّانٌ فِي
صُنْعِ القَهْوَةِ وَلَمِّ اّلْمَصَارِيْ...
يعقوب: (يصافح مظفّر ممتعضاً
من حسن... ويشدد على الكلمات التي
يخاطب مظفّر بها)
أهلا وسهلا...
محسوبك يعقوب المصوّر راعي الثقافة والفنون، صاحب القهوة، وحسن
بشتغل عندي... تشرفنا يا أستاذ...
مظفر: (لحسن وحسن يضحك)
أُسْتَاذْ...!! لَمْ أَسْمَعْهَا مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيْلٍ... شُكْرَاً لَكَ يَا
يَعْقُوْبْ...
مَقْهَاكَ جَمِيْلٌ.
يعقوب: شكرا... جميل يا... (يذكر
اسمه)
تشرب شاي والاّ كاسة قهوة تعدل فيها دماغك زي صديقك
حسّونة؟
مظفّر: لا لا... (تربّت بيدها اليسرى
على كتف حسن ويخاطب يعقوب)
أَحْضِرْ لِيْ كَأسَ
وِيْسْكِيْ...
يعقوب: ويسكي ما بو...؟!
مظفّر: وهل تاب الخالق من خمر الخلق؟
حسن: لا ما تاب... غالي كثير...
بداله في شراب الشعب شاي بْزِبْلِه؟! انْسِيْتْ؟!
يعقوب: حسن..!! وطّي صوتك..!!
تفضحناش..!!
مظفّر: شاي بْزِبْلِه..!! وَهَلْ
تَبُوْلُوْنَ وَتَشْرَبُوْنَ فِيْ بِلادِكُمْ يا حَسَنْ؟!
حسن: أَقْصِدُ اّلْكُونْياكْ يَا صَدِيْقِي...
مظفّر: إسْقِنِي كُونْيَاكِكَ يَا
يَعْقُوْبْ.
يعقوب: أَمْرُ مَوْلاي... (يذهب
ولكّنه يتوقف ويسأل)
وَمَنْ سَيَدْفَعْ يا مَوْلاي؟!
مظفّر: أَنْتَ يَا سُلْطَانَ
اّلْزَمَانْ.
يعقوب: مِن مَالِكُمْ أَمْ مِنْ
مَالِنَا؟! أَمْ مِنْ مَالِ الله؟!
مظفّر: بَلْ مِن مَالِكُمْ. وَهَلْ
لِلَّهِ صُنْدُوْقُ أَمَانَةٍ عِنْدَنَا؟
يعقوب: (للجمهور)
عرفت! مع
الصعاليك مالنا نصيب...
(حسن يتناول
طعامه... مظفّر يراقبه، يبتسم ويخاطبه)
مظفّر: تَلَذَّذْ يَا صَاحِبِيْ بِمَا
لَذَّ وَطَابَ مِنَ اّلْطَّعَامِ وَاّلْشَّرابِ لِكَيْ نَطْرَبَ
ونُطْرِبْ... وَإِذا لَمْ تَفْعَلْ
فَالْخَمَّارَةُ
لَيْسَتْ بَعِيْدَةٌ مِنْ هُنَا... لَقَدْ تَرَكْتُ نُدَمَائِيَ هُنَاكْ
وَأَتَيْتُ إِلَيْكُمْ...
تَرَكْتُهُمْ
هُنَاكْ وَقَدْ عَبَرُوا جِسْرَ اّلْسُّكْرِ وَمَاتُوا اّلْواحِدُ بَعْدَ
الآخَرْ...
لَقَدْ
أَتَيْتُ لأُوَدِّعَكَ يَا صَدِيْقِي وَأَعُوْدْ...
وَلَكِنْ
سَأَقُوْمُ بِتَلْبِيَةِ طَلَبِكَ قَبْلَ عَوْدَتِيْ... لَيْسَ مِنْ أَجْلِكَ يَا
يَعْقُوْبْ... بَلْ مِنْ أَجْلِهِ...
مِنْ أَجْلِ
هَذا اّلْشَّحّّادِ اّلْمَقْمُوْعِ... لأَجْلِ أَلْحَانِهِ اّلْعَذْبَةِ
سَأَشْرَبُ زِبْلِكَ...
هَيَّا يَا
صَدِيْقِي... لِنَقُمْ بِتَسْلِيَةِ مُسْتَمِعِيْكَ اّلْكِرَامْ...
وَأَنْتَ يَا
يَعْقُوْبْ, أَحْضِرِ اّلْشَّرَابَ وَلا تَجْعَلْ مِنْ لَيْلِيَ عَذَابْ!!
يعقوب: يا سلام على هالكلام يا
شباب...
شعر من أوّلها...
هاي امبين ما فش معه مزح... أمر مولاي...
(يحضر له
الكونياك في ابريق شاي ويصب له)
اشرب يا
مولاي
مظفّر: (بغباء
ناظرا/ة لحسن) أَنَا لَمْ أَطْلـُبِ اّلْشَّايْ!!
يعقوب: (بهمس) هذا شاي بْزِبْلِه يا
مولاي نِشْرَبَهْ ونقول نشرب شاي لنسطّل... مشروب فقرا
شو نساوي... كان واجب نسقيك حنّا الماشي يا السُّودي...
مظفّر: (بغباء شديد) حنّا الماشي يا
السُّودي؟!
حسن: (ضاحكا) جوني ووكر وبلاك
ليبل... رد واورانج وبلو وغولد...
مظفّر: (يضحك) مَا أَجْمَلَ
اّلأَسْمَاءَ اّلْتِيْ يُطْلِقُهَا اّلْفُقَرَاءُ عَلَى مَا يَشْرَبُهُ
اّلأَغْنِيَاءْ...
(يشرب من كأسه ويضعه على الطاولة أمامه ويخاطب حسن ثم
يتوجّه للجمهور وحسن يرافقه على العود)
يَجْمَعُنِي
اّلْفُقَرَاءُ...
فُقَرَاءُ
اّلْعَالَمُ...
وَهَانَذَا
قَدْ أَتَيْتُ إِلَيْكُمُ فُقَرَاءَ اّلْعَالَمِ.
نَحْنُ
فُقَرَاءُ اّلليْل...
وَالْعَالَمُ
يَا حَسَنْ مَمْلُوءٌ بِالليْل. (للجمهور)
مُنْذُ
قُرُوْنٍ دُفِنَتْ رُوْحِيْ
مُنْذُ
قُرُوْنٍ وُئِدَت رُوْحِيْ
مُنْذُ
قُرُوْنٍ كَانَ بُكَائِيْ
أَبْحَثُ
عَنْ ثَدْيٍ يُرْضِعُنِيْ
فأَنَا
خَاوٍ...
وأُرِيْدُ
حَلِيْبَ امْرَأةٍ، بِإِنَائِيْ
فِيْ تِلْكَ
اّلْسَّاعَةِ مِنْ سَاعَاتِ الليلِ يَجُوْعُ إِنَائِيَ
وَالْكَلِمَاتُ
يَصِلْنَ لِحَدِّ اّلإِفْرَازْ.
(حسن يعزف
ويغّني ومظفّر ويقوم يعقوب بتصويره)
حسن: مُنْذُ
قُرُوْنٍ دُفِنَتْ رُوْحِيْ
مُنْذُ
قُرُوْنٍ وُئِدَت رُوْحِيْ
مُنْذُ
قُرُوْنٍ كَانَ بُكَائِيْ
أَبْحَثُ
عَنْ ثَدْيٍ يُرْضِعُنِيْ
فأَنَا
خَاوٍ...
مظفّر: فِيْ تِلْكَ اّلْسَّاعَةِ مِنْ سَاعَاتِ الليلِ يَجُوْعُ إِنَائِيْ
وَالْكَلِمَاتُ
يَصِلْنَ لِحَدِّ اّلإِفْرَازْ.
حسن: وأُرِيْدُ
حَلِيْبَ امْرَأةٍ، بِإِنَائِيْ
يعقوب: يا سلام!!! يا سلام!!! يا هيك
الشعر يا بلاش... (يصوّر مظفر ويخاطبه) وحياة إمّك
قُلّي
الحقيقة... حسن قلّي اسمك صبر ايوب وغيّر لمظفر...
اسا بلاش
مزح... انت مين؟ بتعرف...
مظفّر: يرتبك يتناول كأسه ويشرب
يعقوب: على شان الصورة...
حسن: (يعزف على العود)
مظفّر: (يتجول
بنظراته في المقهى... يرى طاراً يتناوله ويقص على يعقوب والزبائن بظرافة)
أنَا يَا
يَعْقُوْبْ مُظَفَّرْ بْنُ عَبْدِ اّلْمَجِيْدِ بْنُ أَحْمَدَ حَسَنْ بْنُ
أَحْمَدَ بْنُ إِقْبَالِ بْنُ مُعْتَمِدِ النَّوَّابْ...
يعقوب: الله يبارك
مظفّر: أَمَّا
وَالِدَتِي فَهِيَ وَجِيْهَة بِنْتُ عَلِيٍ مِنْ مَوَالِيْدِ بَغْدَادْ...
والَّتِيْ وُلِدْتُ فِيْهَا بِجَانِبِ اّلْكَرَخِ عَامَ ألفٍ وتِسْعُ مِئَةٍ
وَأَرْبَعَةٍ وَثَلاَثِيْنْ وَكَانَتْ وِلاَدَتِيْ عَسِيْرَةً حَتَّى أَنَّ
أَهْلِيَ خَافُوا عَلَىَّ حَيَاةِ أُمِّي بِسَبَبِيْ، وَقَدْ صَعَدُوا يَوْمَ
وِلاَدَتِيْ فَوْقَ سَطْحِ اّلْبَيْتِ وَكَانَ يَوْمَاً مُشْمِسَاً فِيْ فَصْلِ
الشِّتَاءِ وَصَارُوا يَقْرَأُوْنَ اّلأَدْعِيَةَ وَالصَّلَوَاتِ لإِنْقَاذِ
أُمِّي وَخَلاَصِهَا مِنَ اّلْمَوْتِ...
يعقوب: يَسِّرْ
وَلاَ تُعَسِّرْ يَا أَلله... وْشُوْ صَار؟! (يتناول طاراً الآخر ويعزف مع حسن)
حسن: (يعزف
ويغّني ومظفّر ينضم اليه ليشاركه الغناء وبالعزف على الطار مع يعقوب)
مَا تْشِدِّيْ حِيْلِكْ يَا بَهِيِّهْ
صَيْحَاتِك بْتْهِزِّ اّلْمُوْتْ
فْ وَقْتِ رْحِيلِكْ يَا بْنَيَّه
يِفْقَعْ عَبْدُه
يْطُقْ يْمُوتْ
رَافِعْ لَلْعَالِيْ دَيَّاتَهْ
يِنْذِرْ رُوْحَهْ للدِّنْيَه
إِن نَامَتْ عِيْنِك عَيْنَاتَه
نَوُرَهْ يطِفِيْ
لَهِيْبَهَ يْمُوْتْ
(يتوقف العزف)
مظفّر: وَنَتِيْجَةُ عُسْرِ اّلْوِلادَةِ
فَقَدْ جِئْتُ إِلَى
اّلْحَيَاةِ مَيْتَاً مِمَّا اضْطَرَّ اّلْقَابِلَةَ أَنْ تَرْمِيَنِي
بِقُوَّةٍ عَلَى
اّلْفِرَاشِ
لِكَيْ أَبْدَأَ بِاّلْتَّنَفُّسِ وَاّلْصُّرَاخِ...
"لَمْ
أَرْغَبْ فِي اّلْحَيَاةْ"، هَكَذَا اعْتَقَدَ بَعْضُ أَفْرَادِ عَائِلَتِي.
وَلَكِنَّ جَدِّيَ رَحِمَهُ الله خَالَفَهَمْ الرَأْيَ وَقَامَ بِتَسْمِيَتِي
"مُظَفَّر"... (حسن يعزف)
لَقَدْ
أَحْبَبْتُ اّلْنُّوْرَ مُنْذُ اّللحْظَةِ اّلّتِي صَرَخْتُ فِيْهَا خَارِجَاً
مِنْ عَتْمِ الليْل...
أُمِّي
عِنْدَمَا ضَمَّتْنِيْ إلَى صَدْرِهَا غَنَّتْ:
مظفّر: أَبْيَضْ عُيُونَكْ لَبَنْ
صَدْرِي
وْسَوادِ
عْيوْنَكْ الليْلِ اّللِي عِدْ مَهْدَكْ بَكِيْتَهْ
بِيْكْ
انَاغِيْ كُلْ فَرَحْ عُمْرِيْ اّلْنََسِيْتَهْ
يَللِيْ
يِبْعَثِ اّلْمَايِ اّلزُّلالِ
بْعُوْدِيْ،
وَاحْيَا وَاْنَا مِيْتَهْ
يعقوب: (يقترب من مظفّر) أصيلة...
أصيلة يا فاطمة...
حسن: وجيهة بنت علي... وهذا ابنها
مظفّر يا فهمان...
يعقوب: (متجاهلا حسن، لمظفّر)
قلتللي اسمك مظفّر..!!
مظفّر؟! أنا سامع في
هالإسم...
بلا صغره
حضرتك من العراق... مش هيك؟؟ قبل اسبوع كان عندي ابن بلدك... سعدي... سعدي يوسف...
صورتي معاه بعثتها أبروزها... وقبله كان هذا تبع الرامي سميح... سميح القاسم...
هاي صورتي معاه وهذا الله يرحمه توفيق زياد قبل ما دهور بليلة كان عندي... وقبل شهر كان هذا السوري...
(يشير الى صورة معلّقة يظهر فيها
أدونيس)
هذا اللي قال إنّه بعشقْ الخطيئة...
أمّا شو، فظَّع... (يهمس)
نصيحة من أخ لأخوه: كثِّر لي من القصايد يللي فيها صور وآرمات... (يشير
للجمهور) في العجز الثقافي بتزيد المحّبة للصور لملوّنه يابا... (مظفّر يشرب ولا
يعيره أي اهتمام)
يعقوب: (لحسن) ولك
يا حسن... صاحبك ولا كاين يعّبرني!!
لتكون هالمناسبة ما بتلايم قصايده؟
مظفّر: يَا
يَعْقُوْبْ! قَصَائِدُ مظفّر لَمْ تُكْتُبْ
لِمُنَاسَبَةٍ، بَلْ كُتِبَتْ لِزَمَانٍ يَمْلَؤُهُ اّلْحُزْنُ وَالأَسَى...
يعقوب: لا فيها
سمة بدن الليلة... احنا ناقصنا مآسي... مآسي عالطالع ومآسي عالنازل... الناس
جاي تفرفش... بدها تضحك وتنسى الغم... ما ريته يغم على قلبك
يا حسن... أنا فتحت هالقهوة لأنسى شو بصير برّا... والناس بتيجي عندي لتنسى...
الله لا يوفقك يا حسن... اما هو الحق
مش عليك... الحق على اللي لمَّك من الشوارع... من وين ضابُّه هذا؟! قال انّه جاي
من خمّارة... ليكون سكران يابا؟
حسن: (يثور) انت
شو قصتك؟ بدُّشْ لسانك يُعْبُر لحلقك؟!
اطلع على ظهرنا بسلّم..!! ضبيّتني
من الشوارع... شكراً... العب غيرها...
خلص اهدا... هدّي بال الزلمة يحكي..!
(يعقوب يهدأ وبحركات من يده اليمين
يعد الجمهور ومظفّر بأنّه سيهدأ... يقوم بتلبية طلبات الزبائن منصتا لمظفّر)
مظفّر: قَالُوا
لِيَ هُنَاكْ:
أَنْتَ كَمَا اّلإِسْفِنْجَةُ،
تَمْتَصُّ اّلْحَانَاتِ
وَلا تَسْكَرْ
لَقَدْ تَرَكُوْنِيْ بَاكِراً...
تَرَكُوا اّلْمَشْرَبَ وَطَوَاهُمُ
عَتْمُ الليْلْ.
يعقوب: وليش تركوا
الخمارة؟!
حسن: (يصرخ
بيعقوب) يعقوب!!
(بحركات من يده اليمين يشير آسفا
واعداً أن يلزم الصمت...
يستمر بتلبية طلبات الزبائن بهدوء
منصتا لمظفّر)
مظفّر: (متجاهلا
يعقوب)
يَزْنِيْ اّلْقَهْرُ بِنَا
وَاّلْدِّيْنُ اّلْكَاذِبُ
وَاّلْفِكْرُ اّلكَاذِبُ
وَاّلْخُبْزُ اّلَكَاذِبُ...
أُذْكُرُوا لِيَ حُزْنِيَ وَكَأْسِيَ
وَغَضَبِيَ وَكَلِمَاتِيَ اّلْبَذِيْئَة...
(يشرب كاسه ويصبّ من الأبريق)
يعقوب: (جانبا
للزبائن ولكن مظفّر يسمعه)
الاَّ كيف... بيشربوا ليسطلوا وبصيروا
يندبوا حظهم...
حسن : (يرتبك) شوف
الزباين يا يعقوب...
(ينشغل بتلبية طلبات الزبائن ولكّنه
يبقى منصتا لما يجري بين حسن ومظفّر)
مظفّر: حَسَناً
يَا يَعْقُوْبْ، فَلْتُخْبِرْنِي... (للجمهور بمبالغة)
بَلْ فَلْيُخْبِرْنِي أَحَدُكُمْ عِنْ
حَالٍ أَتْعَسَ مِنْ حَالِنَا
وَعَنْ وَضْعٍ أَحَطَّ مِنْ
وَضْعِنَا... (يشرب)
يعقوب: اتخلصنا من
سعدية تلقانا مظفّر...
(يتوقف بشكل مفاجىء وينظر إلى مظفّر
ويضع سبابته على خده محاولا أن يتذكر... ينظر الى حسن... حسن يرتبك ويبدأ بالعزف
على العود... يلاحظ مظفّر/سعديّة ما يجري... يخاطب حسن بأسلوب تمثيلي مبالغ به)
مظفّر: مِنْ
أَيْنَ أَتَيْتَ يَا حَسَنْ؟
حسن: (يتوقف عن
العزف) مِنَ اّلْبَحْرِ يَا شَاعِرَ اّلْفَحْشَاءِ ....
مظفّر: (مقاطعاً)
وَكَيْفَ حَالُ اّلْبَحْرِ؟!
حسن: أَمْوَاجٌ
تُلاطِمُ... وَأَسْمَاكٌ تَتَخَبَّطُ فِيْ أَيِّ اّتِّجَاهٍ تَهْرُبُ...
مظفّر:
(مقاطعاً) وَلِمَاذَا تَهْرُبْ؟
حسن: خَوْفَاً
مِنْ أَسْمَاِك اّلْقِرْشِ
اّلْمُتَزَايِدُ عَدَدُهَا... لَقَدْ اخْتَلَّ اّلْتَوَازُنُ اّلْبَحْرِيُّ
وَقَوَاعِدُ اّلْيَوْمِ غَيْرُ
قَوَاعِدِ اّلأَمْسِ يا صديقي.
مظفّر: آهٍ كَمْ
كَرِهْتُ دُرُوْسَ اّلْقَوَاعِدْ...
وَكَمْ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصِيْ عِنْدَمَا كُنْتُ أَعُوْدُ إِلَى
اّلْبَيْتِ بَعْدَ
اّلْدَوَامِ مَعْ اّلْطُّلاّبِ
الآخَرِيْنِ "أَبْنَاءَ صَفِّيِ"...
يعقوب: عاد بحكوا
عنك إنَّك كنت فالح في المدرسة...
مظفّر: أَذْكُرُ
أُسْتَاذِيَ فِيْ اّلابْتِدَاِئيَّةِ،
حَمْدِي اّلْتَكْرِيْتِي... طَلَبَ مِنِّي
اّلْوُقُوْفَ فِيْ
أَحَدِ اّلأَيَّامِ... ظَنَنْتُ
أَنَّهُ يُرِيْدُ أَنْ أُعْرِبَ أَحَدَ أَبْيَاتِ اّلْشِعْرِ... وَلَكِنَّهُ
فَاجَأَنِيْ عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ عِنْدَمَا طَلَبَ مِنِّي أَنْ أُكْمِلَ شَطْرَ
بَيْتٍ كَتَبَهُ عَلَى اّللوْحِ وَقَالَ:
(مقلِّدا الأستاذ): "اِبْقَ فِيْ
مَكَانِكَ يَا نَوَّابْ، أَنَا لا أُرِيْدُ أَنْ تُعْرِبَ اّلْبَيْتَ... إِذا
اسْتَطَعْتَ أَنْ تُكْمِلَ لِيَ هَذا اّلشَّطْرَ فَسَوْفَ أَتْرُكُكَ تَذْهَبُ
إِلى بَيْتِكُمْ".
(يعود لذاته) آهٍ كَمْ كَانَ ذَلِكَ
جَمِيْلاً! عَلَى اّلأَقَلْ سَأَتَخَلَّصُ مِنْ مُضَايَقاتِ اّلْطُّلاّبِ
اّلآخَرِيْنْ عِنْدَ اّلْعَوْدَةِ إِلَى اّلْبَيْتِ... وَسَأَكُوْنُ مَعَ
أُمِّي... لَمْ أَعْلَمْ كَيْفَ أَكْمَلْتُ شَطْرَ اّلْبَيْتْ... (يتذكّر)
"قَضَيْنَا لَيْلَةً فِيْ حَفْلِ عُرْسٍ..."
يعقوب: وكيف
كمَّلتة حضرتك؟!
مظفّر:
"كَأَنَّا جَالِسُوْنَ بِقُرْصِ شَمْسٍ"...
يعقوب: ولك فحل...
مظفّر: وَمِنْ
يَوْمِهَا وَأَنَا أُفَكِّرُ بِالشِّعْرِ وَأَعْمَلُ فِيْ كِتَابَتِهِ...
رَافِقْنِيْ يَا حَسَنْ...
(حسن يعزف التقاسيم على عوده... مظفّر
الزبائن ويعقوب يصوّره معهم)
مظفّر: سَيِّدَتِي
كَيْفَ يَكُوْنُ اّلإِنْسَانُ
شَرِيْفَاً
وَجِهَازُ اّلأَمْنِ يَمُدُّ يَدِيْهِ
بِكُلِّ مَكَانٍ
وَالْقَادِمُ أَخْطَرُ...
نُوْضَعُ فِي اّلْعَصَّارَةِ كَيْ
يَخْرُجَ مِنَّا النَّفْطُ...
نَخْبُكِ... نَخْبُكِ سَيِّدَتِي
لَمْ يَتَلَوَّثْ مِنْكِ سِوَى
اّللحْمُ اّلْفَانِي...
فَالْبَعْضُ يَبِيْعُ اّلأَخْضَرَ
وَاّلْيَابِسَ
وَيُدَافِعُ عَنْ كُلِّ قَضَايَا
اّلْكَوْنِ
وَيَهْرُبُ مِنْ وَجْهِ قَضِيَّتِهِ
سَأَبُوْلُ عَليْهِ وأَسْكَرُ
ثُمَّ أَبُوْلُ عَليْهِ وأًسْكَرُ
ثُمَّ تَبُوْلِيْنَ عَلِيْهِ
وَنَسْكَرُ.
(صمت قليل يجول بنظره في المقهى
متفرِّسا في وجوه روّاده ... يخاطب حسن)
الْمَشْرَبُ غَصَّ بِجِيْلٍ لا
تَعْرِفُه ُ...
بَلَدٌ لاَ تَعْرِفُهُ
لُغَةٌ... كَرْكَرَةٌ...
وَأُمُورٌ لاَ تَعْرِفُهَا
إِلاَّ الخَمْرَةُ بَعْدَ اّلْكَأْسِ
اّلأُوْلَى تَهْتَمُّ بِأَمْرِكَ
تُدْفِئُ سَاقَيْكَ اّلْبَارِدَتَيْنِ
وَلاَ تَعْرِفُ أَيْنَ تَعَرَّفْتَ
عَلَيْهَا مُنْذُ زَمَانٍ
يَهْذِيَ رَأسُكَ بَيْنَ يَديْكَ
بِشَيْءٍ يُوجعُ مِثْلَ طَنِيْنِ
الصَّمْتِ
يُشَارِكُ الصَّمْتَ كَذلِكَ
بالهَذَيَانْ
وَتُحَدِّقُ فِيْ كُلِّ قَنَانِي
اّلْعُمْرِ...
لَقَدْ فَرَغَتْ...
(يرفع بكاس فارغ ليعقوب ويضعه على طاولة بقرب الطارات...
يعقوب يأتي بالإبرق ليملأ الكأس ...
يناول طارا ليعقوب ويأخذ منه الإبريق)
وَالنَّادِلُ أَطْفَأَ ضُوْءَ
اّلْحَانَةِ مَرَّاتٍ لِتُغَادِرْ...
كَمْ أَنْتَ تُحِبُّ الخَمْرَةَ...
وَاللغَةَ العربيَّة...
وَالدُّنْيَا
لِتُوَازِنَ بَيْنَ اّلْعِشْقِ
وَبَيْنَ الرُّمَّانْ ... (يشرب الكأس ويعيده للطاولة فارغاً)
هَذِيْ اّلْكَأْسُ وَأَتْرُكُ
حَانَتَكَ اّلْمَسْحُوْرَةُ يَا نَادِلْ
لاَ تَغْضَبْ! فَالْعَاشِقُ
نَشْوَانٌ... (يسكب المشروب في الكأس حتى يتفايض)
امْلأَهَا حَتَّى تَتَفَايَضَ فَوْقَ
اّلْخَشَبِ البُنِيِّ
فَمَا أَدْرَاكَ؟!
لِمَاذَا هَذِي اللَّوْحَةُ
لِلْخَمْرِ؟!
وَتِلْكَ لِصُنْعِ النَّعْشِ...
وَأُخْرَى لِلإِعْلاَنْ...
عَفْوَاً يَا مَوْلاَيْ! فَمَا
أَخْرُجُ مِنْ حَانَتِكَ اّلْكُبْرَى
إِلاَّ مُنْطَفِئَاً سَكْرَانْ...
(يشرب ... بفرح شديد)
أَصْغَرُ شَيْءٍ يُسْكِرُنِيْ فَكَيْفَ
الإِنْسَاْنْ.
حسن: (يعزف
ويغّني وينضم اليه يعقوب ومظفّر بالعزف على الطارات... مظفر يرقص بين
الجمهور
بنشوة)
سُبْحَانَكَ, كُلُّ اّلأَشْيَاءِ
رَضِيْتُ سِوَى الذُّلِّ
وَأَنْ يُوْضَعَ قَلْبِيَ فِيْ قَفَصٍ
فِيْ بَيْتِ السُّلْطَانْ
وَقَنِعْتُ يَكُوْنُ نَصِيْبِيَ فِيْ
الدُّنْيَا
كَنَصِيْبِ الطَّيْرْ
لَكِنْ سُبْحَانَكَ
حَتَّى الطَّيْرْ لَهَا أَوْطَانْ
وَتَعُوْدُ إِلَيْهَا وَأَنَا مَا
زِلْتُ أَطِيْرُ
فَهَذَا اّلْوَطَنُ اّلْمُمْتَدُّ
مِنَ اّلْبَحْرِ إِلَى اّلْبَحْرِ
سُجُوْنٌ مُتَلاَصِقَةٌ
سَجَّانٌ يُمْسِكُ سَجَّانْ
يعقوب: أي هاي
قصيدة. لا عدّلتها يا "كثير الأسماء"... جود تاقلّك جود
وخلّي السهرة تحلو...
وسيبنا من الاحزان والهموم...
مظفّر: دِلُّوْنِي
عَلَى وَضْعٍ فَظٍ وَمُحْزِنٍ أَكْثَرَ مِنْ اّلْوَضْعِ الَّذِيْ
نَحْنُ فِيْهِ...
عَلِقْنَا فِيْ هَذَا اّلْعَالَمِ وَلاَ مَكَانَ
نَلْجَأُ إِلَيْهِ...
وَطَنٌ هُنَا وَوَطَنٌ هُنَاكْ...
وَنَحْنُ تَسْكُنُنَا اّلْغُرْبَةُ يَا حَسَنْ... (بمرح
وبصوت عال مفتعل يخاطب يعقوب من بعيد)
وَأَنَا فِيْ ظُرُوْفٍ كَهَذِهِ مَعَ بَعْضِ كُؤُوْسٍ
مِنَ اّلْوِسْكِيْ مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَفْعَلَ أَيَّ شَيْءٍ...
يعقوب: (يقترب
منه) قلنالك شاي بْزِبْلِه...
مظفّر: (بمرح)
كَيْفَ يُمْكِنُنِيْ أَنْ
أَرْفُضَ طَلَبَاً لِحَسَنْ؟!!
(يشير ليعقوب بكأسه الفارغ لكي يملأه ويعقوب يفعل)
لَقَدْ طَلَبَ مِنِّيْ أَنْ أُنْقِذَ
حَيَاتَهُ هَذِهِ اللَّيْلَة...
(ينظر الى حسن ويبتسم... حسن يرتبك
قليلاً... مظفّر/سعدية يربت على كتفيه مطمئناً)
كَيْفَ أَرْفُضُ طَلَبَاٍ لِحَسَنْ وَقَدْ أَنْقَذَ حَيَاتِيْ... نخبك...
نخبك يا حسن.
(يشرب يضع كأسه على الطاولة)
لَقَدْ كُنْتُ أَجُوْبُ شَوَارِعَ بَلَدِكُمْ
وَالرِّيَاحُ دَلِيْلِي حِيْنَ اّصْطَدَمْتُ بِهِ لَيْلَةَ أَوَّلِ أَمْسٍ
فَصَرَخَ بِيَ:
حسن: (يخرج من
ارتباكه) "حَاذِرْ يَا سِكِّيْرْ؟ هَلْ تُرِيْدُ اّلْمَوْتَ"؟!!
مظفّر: وَسَمِعْتُ
صَوْتَ فَرَامِلَ سَيَّارَةٍ
تَكْبَحُ جَمَاحَ عَجَلاَتِهَا...
وَتَلَى
الصَّوْتَ شَتَائِمٌ وَلُعَابٌ كَثِيْرٌ رَائِحَتُهُ كَرِيْهَةٌ
غَسَلَ وَجْهِيْ فَصَحَوْتُ مِنْ سُكْرِي
وَوَجَدْتُ جَسَدِي يَحْضُنُهُ رَجُلٌ أَعْمَى...
فَشَكَرْتُهُ عَلى إِنْقَاذِ حَيَاتِي وَطَلَبْتُ مِنْهُ أَنْ يَسْمَحَ لِيْ
بأَن أَرُدَّ
لَهُ الجَمِيْلَ... وَهَا قَدْ أَتَيْتُ لأَِفِيَ بِوَعْدِيْ قَبْلَ أَنْ
أُتَابِعَ سَفَرِيْ...
آهٍ كَمْ أَخَافُ اّلْمَوتَ فِيْ الغُربَةِ يَا
حَسَنْ...
لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيْ اّلْعِرَاقِ
لَقَبِلْتُ... أَعْشَقُ تُرَابَ اّلْعِرَاقِ... عِشْقُهُ قَدْ أَتْعَبَ جَسَدِيْ...
وَقَلْبِيْ عَلَى عَجَل ٍ لِلرَّحِيْلِ بَعِيداً عَنْ الزَّمَنِ المُبْتَلَى.
سَأُبْقِي اّلْمَصَابِيْحَ مُوْقَدَةً
فِيْ بُواءِ الصَّبَاحِ... وَسَأُبْقِي الرِّيَاحَ دَلِيْلِي حَتَّى أَعُوْدَ
لِلأَهْوَازِ... أَتْعَبَنِيْ التِّرْحَالُ يَا حَسَنْ... أَلْغُرْبَةُ
تَقْتُلُنِي... (صمت قليل)
قَبْلَ أَنْ أَلْتَقِيْكَ يَا حَسَنْ
كَانَ قَلْبِي يَضْطَرِبُ... كُنْتُ أَبْكِي... كَانَتْ
أُمِّيْ تُنَادِيْنِي... كَانَتْ تَسْتَحِمُّ فِيْ اّلْفُرَاتِ وَتُنَادِيْنِي...
رَكَضْتُ نَحْوَهَا وَقَفَزْتُ إِلَى اّلْفُرَاتِ وَأَفَقْتُ لأَِجَدَ جَسَدِي
يَحْضُنُهُ أَعْمَى... هَلْ كَانَتْ تَبْتَسِمْ ؟! هَلْ مَا زَالَتْ حَزِيْنَة ؟!
هَلْ وَافَقَتْ أَنْ تَغْفِرَ لِي أمِّي؟! وَالشُّجَيْرَاتُ الَّتِي لَمْ
أَسْقِهَا مُنْذُ سِنِيْنْ هَلْ مَاتَتْ؟ هَلْ مَازَالَتْ مَصَابِيْحِيْ تُضِيْئُ
عَرَائِشَ اّلْبَطِّيْخِ فِيْ دِجْلَة؟! (صمت قليل)
فَرَحُ اّلأَجْراسِ يَأْتِي مِنْ
بَعِيْدٍ يَا حَسَنْ... وَصَهِيْلُ اّلْفَتَيَاتِ الشُّقرِ يَسْتَنْهِضُ عَزْمَ
الزَّمَنِ المُتْعَبْ. ( يعود لمرحه)
هَا قَدْ أَتَيْتُ يَا حَسَنْ
لأَِرْوِيَ الطَّرَاِئفَ وَالأَشْعَارَ كَمَا وَعَدْتُكَ قَبْلَ
قَلِيْل...أَقْصِدُ أَوَّلَ أَمْس...
سَأُرَوِّحُ عَنْ زَبَائِنِكَ يَا
يَعْقُوْبْ، وَسَأُخَفِّفُ عَنْهُم حَتَّى يَزُوْلَ عَتْمُ اللَّيْلِ
والزَّمَنِ...
سَأَفْعَلُ هَذَا يَا حَسَنْ شَرْطَ
أَنْ تَسْتَمِرَّ فِيْ اّلْعَزْفِ وَالْغِنَاءِ...
(للجمهور... بمرح) هَيَّا نُضَيِّعُ
اّلْوَقْتَ مَعَاً.. أَنا سَأُسَلَّيَكُمْ وَأَنْتُمْ سَتَقُوْمُوْنَ
بَتَسْلِيَتِيْ...
هَذَا هُوَ اّلإِتِّفَاقْ... (يشرب
ويشير ليعقوب بالكأس الفارغ).
يعقوب: (يصب له
الشراب ويغنّي) رافقني يا حسن
حسن: (يعزف)
املا طاسك يا نواّس والمولى ارفعله كاس
واشرب من دنّ الخمّار تنّو
يخمر عقل الراس
اشرب واطرَب واطر ِب شاين في القهوة...
(يقوم بوضع اربع كاسات لمظفّر بين الجمهور ليشرب)
مظفر: أَنَا
مُظَفَّر... لأَِنَّ لِسَانِيَ لاَ يَتَنَزَّهُ لَدَى أَيٍّ مِنْكُمْ فِيْ ّاْلَمَنَاطِقِ
الدَّافِئََةِ خَاصَّتَهُ...
لِكُلِّ أَلَمٍ جُرْحٌ... وَلِكُلِّ
جُرْحٍ فَمٌ.
مَا أَصْغَرَ وَطَنُكُمْ يَا
يَعْقُوْبْ... وَكَمْ هُوَ مُقَدَّسٌ... مُقَدَّسٌ كَبَلَدِيْ.
وَلَكِنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مَعَاً
إلَى الْمَجَارِيْ...
كَمْ يُحِبُّهُمَا اّلْجَمِيْعُ–
عِنْدَمَا يَبُوْلُوْنَ عَلِيْهِمَا...
أَلْكَرَاهِيَةُ تَحْتَفِلُ بِذِكْرِ
اسْمِهِمَا.
ألْعَالَمُ وَضَعَنَا فِيْ بُوَتقَةٍ
وَحِصَارٍ، هَلْ تَعْرِفُ لِمَاذَا يَا يَعْقُوْبْ؟!
يعقوب: هات لنشوف
نوِّرْنَا... ليش؟
مظفر: لأَِنَّنَا
مَرْضَى... نَحْنُ جَمِيْعاً مَوْبُؤُونَ يَا يَعْقُوْبْ، مُومِسٌ أَنَا
وَكُلُّنَا مُوْمِسٌ...
وَأَنَا سَأُعَرِّيْ نَفْسِي
وَسَأُعَرِّيْكُمْ هَذَا اّلْمَسَاءْ... رَافِقْنِي يَا حَسَنْ...
(حسن يقف في مكانه مرتبكاً... مظفّر
يضحك ويشرب)
يعقوب: نصحناك من
أوّلها ما ردّيتش علينا... قلنالك العالم ترك الأسود والأبيض من زمان..
عرّي لأشوفك... حوّل ع لملوَّن وخليها
ستربتيز من المرَّة... رافقه يا حسن...
(حسن يجلس ويعزف ويهمهم فيهمهم معه
مظفّر ويعقوب فيهدأ ويبدأ بالغناء
وينضم اليه مظفّر ويعقوب في العزف على
الطارات والغناء)
حسن:
حَبِيْبَتِي أَشُمُّ زِنْدَيْكِ
اّلْعَرُوْسَيْنِ
وَعُقْمُ اللَّيْلِ فِيْ فِرَاشِنَا
وَاّلْهَمْسْ
أَنَا أَرَى بِاللَّمْسْ
مَا عَادَ غَيْرُ اللَّمْسْ
مَدِيْنَةٌ يَكْذِبُ فِيْهَا النَّاسُ
عَلَى أنْفُسِهِمْ
تَقُولُ فِيْ أَسْوإِ أَوْضَاعٍ لَهَا
لاَ بَأسْ
تَمُوُتُ فِيْهَا الشَّمْسْ
أَنَا أَرَى بِاللَّمْسْ
مَا عَادَ غَيْرُ اللَّمْسْ
يعقوب: يا سلام...
يا سلام حميت الأمور... (يغني):
حَبِيْبَتِي أَشُمُّ زِنْدَيْكِ
اّلْعَرُوْسَيْنِ
وَعُقْمُ اللَّيْلِ فِيْ فِرَاشِنَا
وَاّلْهَمْسْ
أَنَا أَرَى بِاللَّمْسْ
مَا عَادَ غَيْرُ اللَّمْسْ
مظفر:
حَبِيْبَتِيْ
كَتَبْتُ أَحْزَانِيْ عَلَى
الجُّسُوْرِ وَالنِّسَاءْ
كَتَبْتُ عُمْرَكِ الصَّغِيْرَ فِيْ
بَنَفْسَجِ الضَّبَابِ
نَامَ فِيْهِ اّلْمَاءْ...
خَبَّأْتُهُ مِنْ غَزَواتِ اللَّيْلِ,
مِنْ لُصُوْصِ الجِنْسِ
والأَعْداءْ...
كَتَبْتُهُ بِالتَّبْغِ وَالنَّبِيْذِ
وَالذُّهُوْلِ وَالضِّيَاءْ...
وَحِيْنَمَا اشْتَدَّ وَازِرُ
اّلْقَصْفِ فِيْ مَدِيْنَتِيْ
تَكَاثَرَ الصُّلاَّةُ وَالبُغَاةْ
مَدِيْنَةٌ يَكْذِبُ مَنْ فِيْهَا
عَلَى شِفَاهِهِمْ
لَيْسَ لَهَا شِفَاءْ
(يحمل كأسه ويشرب منه ويتجوّل بين
الجمهور... يجالسهم ويحكي لهم بينما يقوم يعقوب بتصويره مع الزبائن في كل مرّة
يتوقف عند أحدهم)
مظفر:
حَبِيْبَتِيْ،
بِالأَمْسِ قَدْ عَبَرْتُ جِسْرَ
اّلْيَـأْسِ وَالرَّيَاحْ
لَمْ يَكُ فِيْ الطَّرِيْقِ غَيْرَ
اّلْمُخْبِرِيْنَ وَالنُّبَاحْ
سَأَلْتُهُمْ إِنْ وَجَدُوا
هَوِيَّتِي
وَدَفْتَرَ الدُّيُوْنِ
وَاّلْمِفْتَاحْ...
فَقَلَبُوا شِفَاهَهُمْ وَأَلْقُوا
اّلْقَََبْضَ عَلَيَّ...
أَوْدَعُوْنِيْ غُرْفَةَ
التَّوْقَيْفِ
وَانْتَظَرْتُ أَنْ يَجِيءَ اللهُ
فِيْ الصَّبَاحِ... (ينظر حوله ويعود لمن يخاطبها)
لَمْ يَأْتِ يَا حَبِيْبَتِي... (ينهض
ويمشي باتّجاه حسن ويجول بنظراته في أرجاء المقهى)
وَهَا أَنَا ضَيْفٌ عَلَى
التَّعْذيْبِ
فِيْ زِنْزَانَةٍ أُخْرَى بِلا
مِصْبَاحْ...
وَهَا أَنَا ضَيْفٌ عَلَى
التَّعْذيْبِ
فِيْ زِنْزَانَةٍ أُخْرَى بِلا
مِصْبَاحْ...
(يعقوب يسمع كلام مظفّر... لا يستوعب
معناه من الوهلة الأولى... نراه مشغول البال ويبدأ الغضب يتملّكه... يتوجّه لحسن)
يعقوب: ولك يا
حسن! شو قصته لصاحبك يابا... شاي بْزِبْلِة واسقيناه وما قصرنا معاه... ولشو
بشّبهلي قهوتي بسجن؟ ليكون عميل صاحبك هذا؟! لشو بتمعني على
قهوتي؟! (لمظفّر)
شوف تأقلك يابا... أنا من سيعة ما فتت
على قهوتي وانت مش داخلِّي بزور...
بتشبِّهلي قهوتي بسجن ليش؟!... اذا
درت قهاوي البلد كلها على شكل قهوتي ما بتلاقيفش يابا... قهوتي للفرفشة والكيف
يابا مش مثل باقي القهاوي للهم والغم... واذا كان مش عاجبك حالنا ورجينا عرض
كتافك... الباب يللي فوّتك بطلعك وبطلّع جمل...
(مظفر/سعديّة يضحك بسخريه... يذهب الى
شنطته... يحملها ويبدأ بمغادرة المقهى)
يعقوب: (يستوقف مظفّر ويسخر منه)
وبعدين، هذا شعر هذا اللي عم بتقوله؟
في راس مين بِعْلَقْ دَخْلَك؟!
أخونا..!! قال شاعر محترم... شو اسمه
يا حسن؟ من جماعتنا...
من الوطن على ما أظن... (يفتش في
ثيابه)
أنا كتبت شو قال على ورقة...
وين حطيتها يا يعقوب؟! (يفتش)
شو قال... شو قال...
حسن: قَالَ
الشَّاعِرُ يَا مظَفَّرْ:"أَجْمَلُ الأَشْعَارِ مَا يَحْفَظُهَا عَنْ ظَهْرِ
قَلْبٍ كُلُّ قَارِئٍ فَإِذَا لَمْ يَشْرَبِ
النَّاسُ أَنَاشِيْدَكَ شُرْبْ, قَلْ أَنَا وَحْدِي
خَاطِئْ"...
يعقوب:
(لحسن) ولك انت الفحل... (لمظفّر)
سمعت... وانت شعرك في
راسي مين بعلق... (لحسن) والله انك شاطر يا حسن...
وصاحبك قصايده كلها مثل السّم... وين القصايد يللي
وعدتني فيها يا حسن...
(حسن يعزف ويغّني قصيدة
"وَمَاهُمْ... ولكّنه العشق"... يكون مظفّر قد كاد يغادر المقهى...
يتوقف عند سماع الغناء, ظهره لحسن ووجهه باتجاه باب الخروج... يعقوب يرقص على
ايقاع الاغنية... يصل امام مظفّر... مظفّر يدير براسه عنه بحزن شديدْ)
حسن: هَامَ
لَمْ يَدْرِ
مَتَى أَطْفَأَهُ الشَّوْقُ
وَأَيْنَ احْتَرَقَا!
سِنَةٌ
مَا بَيْنَ كَأْسَيْنِ
غَفَا
ثُمَّ صَحَا
وَاغْتَبَقَا...
سَقَطَتْ زَهْرَةُ لَوْزٍ
عِفَّةً
فِيْ كَأْسِهِ
أَجْمَرَتْ عَيْنَاهُ شَوْقَاً
وَتَلَظَّى شَبَقَا
تَرَكَتْ مِنْ تَاجِهَا
فِيْ خَمْرِهِ
غَيْمَةً تَغْرَقُ
فَاسْتَلَّ إِلَيْهِ اّلْغَرَقَا
(حسن يتوقف عن العزف...)
يعقوب: (بتودد
لمظفّر الذي ينتابه حزنٌ وغضبٌ شديدين)
ليش مش كاين تقول من هاي القصايد؟! لويش مخبيها؟!
مظفّر: (بأسىً
شديد... يتجول بين الناس وكانَّهُ مسافر)
أَعْبُرُ أَسْوَاقَ اللَّحْمِ
فَأَبْكِيْ...
يَا بَلَدِيْ! يَا سُوْقَ اللَّحْمِ
لِكُلِّ الدُّوَلِ اّلْكُبْرَى...
بَلَدِي!
يَا بَلَداً يَتَنَاهَشُ فِيْهِ
اّلْفُرْسُ، وَيَجْلِسُ فَوْقَ تَنَفُّسِهَا اّلْوَالِي
اّلْعُثْمَانِي وَغِلْمَانُ الرُّوْمِ
وَتَحْتَلِمُ
"الجِّيْتَاتُ" الصُّهْيُوْنِيَّةُ بِاّلْعُقَدِ التَّوْرَاتِيَّةِ
فِيْهَا...
بَلْ يُخْرِجُ حَتَّى مَلِكُ
اّلأَحْبَاشِ الجَّائِفِ عَوْرَتَهُ
فِيْ وَجهِكَ
يَا بَلَدِيْ!
يَا بَلَدِيْ! وَرِمَاحُ بَنِيْ
مَازِنْ قَادِرَةٌ أَنْ تَفْتِكَ فِيْكَ
وَاّلْكُلُّ إِذَا رَكِبَ
الكُرْسِيَّ،
يُكَشِّرُ فَيْ النَّاسِ كَعَنْزَة
فَتَعَالَيْ
تَعَالَيْ، نَبْكِيْ الأَمْواتَ
وَنَبْكِيْ الأَحْيَاءَ،
فأنْتِ حَزينَةٌ
والحُزْنُ ثَقِيْلٌ فِي اللَّيْلِ...
فِيْ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ
شَهَوَاتِ اللَّيْلِ
وَقُرَى الأَهْوَازِ اّلْمَسْرُوْقَةُ
مِنْ وَطَنِي
يَتَسلَّلُ نَحْوَ مَخَادِعِهَا
مَلِكُ الرِّيحِ اّلْمَكْتُوْبُ
بِأَقْصَى الصَّحْرَاءِ
وَالزَّغَبُ النَّسَوِيُّ هُنَاك،
يَتِيْهُ كَرَأْسِ اّلْهُدْهُدِ فِيْ
اّلْبَرِّيَّةِ
يَكْتَظُّ عَلِيْهِ الدِّفءُ
كَجَمْرَةِ لَيْلٍ
وَأَنَا فَوْقََ الجَّمْرَةِ
مَقْلُوْبٌ كَإِناءْ. (يشرب ويمشي على غير هدىً بين الجمهور)
مَنْ هَذَا الَّذِيْ أَقْفَلَ عَلَيَّ
دَاخِلَ حُزْنِي؟
مَنْ هَذَا الَّذِيْ ضَاعَ فِيْ
بِلاَدِ الشَّام ِوَلاَ يَفْهَمُنِي؟
مَنْ كَانَ مُخَيِّمَ يَقْرأ ُ فِيْهِ
اّلْقُرْآنَ
بِهَذَا اّلْمَبْغَى العَرَبِيُّ،
سَيَفْهَمُنِي
مَنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ حَتَّى اّلآنَ،
وَلَيْسَ يُزَاوِد ُ فِيْ كُلِّ
مَقَاهِيْ الثَّوْرِيِّيْنَ،
سَيَفْهَمُنِي
مَنْ لَمْ يَتَقاعَدْ،
كَيْ يَتَفَرَّغَ لِلَّغْوِ،
سَيَفْهَمُ أَيِّ ِ طُقُوْسٍ
للِسِّرِّيَّةِ فِيْ لُغَتِي
وَسَيَعْرِفُ كُلَّ اّلأ َرقَامِ
وكُلَّ الشُّهَدَاءِ وَكُلَّ اّلأَسْمَاءْ...
وَطَنِيْ عَلَّمَنِيْ
أَنْ أَقْرَأَ كُلَّ اّلأَشْيَاءْ...
وَطَنِيْ عَلَّمَنِيْ، عَلَّمَنِيْ
أَنَّ حُرُوْفَ التَّارِيْخِ
مُزَوَّرَةٌ،
حِيْنَ تكونُ بدونِ دِمَاءْ...
وَطَنِيْ عَلَّمَنِيْ أَنَّ
التَّارِيْخَ اّلْبَشَرِيَ
بِدُوْنِ حُبًّ،
عَوِيْلٌ وَنُكَاحٌ فِيْ
الصَّحْرَاءْ...
وَطَنِيْ!
أَنْقِذْنِيْ مِنْ أَعْدَائِيْ!
وَطَنِيْ!
أَنْقِذْنِيْ مِنْ مُدُنٍ سَرَقَتْ
فَرْحَتِيْ!
أَنْقِذْنِيْ مِنْ مُدُنٍ يُصْبِحُ
فِيْهَا النَّاسُ
مَدَاخِنَ لِلْخَوْفِ وَلِلْزِبْلِ
مُخِيْفَة... (يعقوب لا يعجبه حديث مظفّر فيبدأ بالثوران)
مِنْ مُدُنٍ تَرْ قُد ُ فِيْ
اّلْمَاءِ الآسِنِ،
كَالجَّامُوْسِ اّلْوَطَنِيِّ
وَتَجْتَرُّ الجِّيْـفَة...
(صمت... يعود مظفّر الى جانب حسن
ويجلس... يتناول كأسه ويشرب بحزن...)
يعقوب: بتعرف يا حسن... مظفرك يابا
مش راح يمضيها على خير... أنا اسّا استوعبت ليش
طفّشوه من بلاده... ولك يا أخي في حدا
بو كل من صحن وببزق فيه؟! العمى!! شويّة كرامة يابا. وبعدين بحياة هالنعمة...
(مشيراً للكنياك) بتقدر تفسر لي شو بقصد في كلامه:
وَطَنِيْ!
أَنْقِذْنِيْ مِنْ مُدُنٍ سَرَقَتْ
فَرْحَتِيْ!
أَنْقِذْنِيْ مِنْ مُدُنٍ يُصْبِحُ
فِيْهَا النَّاسُ
مَدَاخِنَ لِلْخَوْفِ وَلِلْزِبْلِ
مُخِيْفَة...
حسن: قهوة،
شاي واراغيل وكل شي
بخمسة شاقل ما عدا الأرغيلة بعشرة...
شوف الزبائن يا يعقوب...
(لمظفر/ سعدية): احنا مش قدُّه يا
سع...
مظفّر: إهْدَأ يَا
حَسَنْ... لاَ عَلَيْكْ ... (ينهض ويخطو خطوة واحدة باتّجاه يعقوب)
مَا
رَأْيُكَ يَا يَعْقُوْبْ بِطُرْفَة؟
يعقوب: إبْنِ
اّلْعَبِِدْ؟
مظفّر:(ضاحكاً) أَقْصِد ُحِكَايَةً مُسَلِّيَةً
وَظَرِيْفَة...
يعقوب: (ضاحكاً
باستغراب) والله يا ريت!! انت بتاع نكت! سّميت بدنا بهالسوداوية...
هات لنشوف
سمّعنا... (للزبائن) على الله تكون بتضحّك...
مظفّر:
بَيْنَمَا كَانَ يَسِيْرُ
أَعْرَابِيٌّ وَحْدَهُ فِيْ الصَّحْرَاءِ اّلْتَقَتْه ُقَافِلَةٌ
كَانَتْ فِيْ طَرِيْقِهَا إِلَى بَيْتِ اللهِ
اّلْحَرَامِ لِتَأْدِيَةِ فَرِيْضَةِ
اّلْحَجِّ... وَقَدْ كَانَ اّلأَعْرَابِيُّ عَارِياً لاَ يَسْتُرُ عَوْرَتَه
ُشَيْئٌ, نَاهِيْكَ عَنْ رَبْطَةِ عُنُقٍ كَانَتْ مَا زَالَتْ عَالِقَةٌ فِيْ
عُنُقِهِ...
يعقوب: عريان
ولابس ربطة؟! وفي طريق الحج؟! استنّى
شوي تكمّلش... سُلافتك فيها إنّا
يابا ...
(يدور بين الزبائن بسرعة فاحصا اذا
كان بينهم متديّنون... يعود لمظفّر)
يعقوب: لا كمل
يابا ... دارك أمان... المشايخ اللي معنا بشربوا السُّوْدِيْ...
مظفّر:
السُّوْدِيْ؟!
يعقوب: مش من
عندي..!! جايبينها معهم من البيت... المهم، شو صار مع زلمتك؟
مظفّر:
(يتغابى) زَلْمَتِي؟!
يعقوب: إيْ؟!!
لمزلبط أبو ربطة؟
مظفّر: سألَه
ُشَيْخُ اّلْقَافِلَة: كَيْفَ أَصْبَحْتَ عَارِياً هَكَذَا؟
وَكَيْفَ لاَ تَخْجَلْ مِنَ السَّيْرِ بِدُوْنِ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَكْ؟"
فَقَالَ لَهُ اّلأَعْرَابِي:
"لاَ أَحَدَ هُنَا- فَمِمَّنْ
أَخْجَلُ؟!"
يعقوب:
(باستغراب) والله شغله... ولشو الربطة ما
دامه فش حدا يخجل منّه؟
مظفّر: نَفْسُ
السُّؤآلِ وَجَّهَه ُلَه ُشَيْخُ اّلْقَافِلَة.
يعقوب: وشو كان
جوابه الأخ الهاوي؟
مظفّر:
"لِلْحِيْطَة... كَمَا تَرَوْنْ: أَسْتُرُ بِهَا عَوْرَتِي".
يعقوب: (باستخفاف)
وشو بدها تستر تَتُسْتُرْ؟ خلّيه مصلّع أشرفله...
(صمت... يعقوب يستدرك)
يعقوب: بتعرف..!!
معه حق هالأعرابي... هيك أسترله... (يقترب من مظفّر... برجولية وفخر)
مش زي الأجانب بتاعين الكلاسين
لفرنجيّة أبو مغّيطة... مغطي شوي عالوجه والقفا زي ما خلقه ربنا... هيك أسترله: إن
طب عليه حدا على غفلة من ورا بالربطة بغطّي قفاة... وان طب عليه حدا من قدّام,
بالربطة بغطّي عورته وبحافظ على كرامته...
مظفّر: أَتَرَى
يَا يَعْقُوْبْ... هَكَذَا نُحَافِظُ عَلَى كَرَامَتِنَا...
(مظفّر يشرب ويعقوب يشرد فكره ولكنه
يستفيق من شروده ويسأل مظفر)
يعقوب: والا قلّي
يا مظفر... بالربطة غطى من ورا والاّ من قدّام؟
مظفّر: وَمَا
الْفَرْقُ يَا يَعْقُوْبْ؟ (يضحك بسخرية)
يعقوب: ايه لا...
فرق كبير... الوجه اشي والقفا اشي ثاني... إسأل
مجرّب ولا تسأل حكيم...
انت مفكر كل شي في الدنيا شِعِر
وقصايد؟؟!! أنا وجهي زي قفاي؟
الكرامة الها اصول ودرجات ؟
مظفّر: (يثور...
يمسك بيعقوب)
يَكْفِيْكُمْ عُنْجُهِيَّةً
وَرِيَاءْ...
مظفّر يقول: هُنَا، عِنْدِ
اّلْمُظَفَّرِ حِجَارَة... (يشير لبطنه)
مَاذَا يَحْدُثُ عِنْدَمَا يَنْسَكِبُ
اّلْوِسْكِيْ يَا يَعْقُوْبْ؟ (يعقوب لا يفهم)
تَعْلُو اّلْحِجَارَة... تَطْفُو
عَلَى وَجْهِ اّلْوِسْكِيْ... (يعقوب لا يفهم... مظفّر يتركه)
وَإِذَا انْسَكَبَ اّلْوِسْكِيْ
كَثِيْراً؟! تَرْتَفِعُ اّلْحِجَارَةُ كَثِيْراً حَتَّى تَخْرُجُ مِنَ اّلْفَمِ.
(يهدأ ويخاطب الجمهور بألم)
وَحِجَارَتِيْ ثَقِيْلَةٌ جِدّاً يَا
يَعْقُوْبْ... وَكُلُّ حَجَرٍ أَكْبَرُ مِنْ غَيْرِهِ...
(حسن يقف في مكانه قلقاً)
لاَ عَلَيْكَ يَا حَسَنْ... أَنَا
لَمْ أَسْكَرْ... إِجْلِسْ يَا صَدِيْقِيْ! كُلُّ شَيْئٍ يَسِيْرُ كَمَا
أَشْتَهِيْ ...
كُلُّ شَيْئٍ سَيَكُوْنُ عَلَى مَا
يُرَامْ... أَلْمُهِمُّ أَلاَّ نَنْسَى اّلْكَرَامَة...
(للجمهور) فِيْ صِحَّةِ يَعْقُوْبْ
وَاّلْكَرَامَة اّلَّتِيْ تَهُدُّ اّلأَبْطَال... (يشرب)
يعقوب: لاَ يابا ما حْزِرْتهاشْ...
هاي في بلادنا الكرامة بعمرها ما هدّت بطل... الخيانة يابا
هي يللي بتهدِّ الأَبطال... إسأل ملوك
أوِزرا... روح اسأل الشعب... كلهم راح يقولولك, في بلدي وبلدك: "الخيانة يا
شيخ مظفّر بتهدِّ الأَبطال وبتظلها جوعانه"... إعزف يا حسن! إعزف وفرفشلي
الزباين, إعزف وغيّرلي هالألحان ... قهوة شاي وأراغيل وكل شي بخمسة ماعدا الأرغيلة
بعشرة... أهلا وسهلا بكم يابا...
(خلال كلام يعقوب الأخير يضحك
مظفر الشيء الذي يربك يعقوب)
مظفّر: أَلْخِيَانَة ْ ؟! أَنْتَ مَنْ
يَتَحَدَّثْ عَنِ أَلْخِيَانَة ْ يَا يَعْقُوْبْ ؟!
يعقوب: (متسائلا) شو قصدك؟
مظفّر: لاَ لاَ... لاَ أَقْصِدُ
شَيْئَاً... إِنّمَا تَذَكَّرْتُ امْرأَة ً اّلْتَقَيْتُهَا قَبْلَ أَنْ آتِيَ
إِلَى مَقْهَاك...
يعقوب: إِمْرَأَة ؟! يا سلام! وَمَنْ
تَكُوْنُ حَضْرَةْ جَنَابها؟
مظفّر: قالت لِي إِنَّ اسْمَهَا...
(يتذكر) سُعَاد... (مستدركا) لاَ لاَ... سَعْدَى؟!...
حسن : هاي أكيد سعديّة...
مظفّر: أَجَلْ أَجَلْ... سَعْدِيَّةُ
النُّوْرِيَّة...
يعقوب: أهلاً... منطَلِّعها من الباب
بتدخلنا من الشبّاك...
مظفّر: عِنْدَمَا سَأَلْتُهَا عَنْ مَقْهَاكْ
لَعَنَتْكَ وَكَاَلَتْ لَكَ الشَّتَائِمَ وَنَعَتَتْكَ بِخَائِنِِ اّلْعَيْشِِ
وَاّلْمِلْحِ.
يعقوب: مرتبك قليلا) انس يابا... هاي
وحده مجنونة... انضرب مُخها بالسجن... سيبنا من
سيرتها.
(للجمهور هاربا من وجه
مظفّر الذي يلاقيه من الإتِّجاه الآخر مع نهاية كلامه)
قهوة شاي
وأراغيل وكل شي بخمسة ماعدا الأرغيلة بعشرة... يلا يا عمّي... في ناس ماطلبت طلب
من أوّل السّهرة...
مظفّر: لِمَاذا أَنْتَ خَائِف؟! إِلَى مَتَى
سَتَهْرُبْ؟! لـَقـَدْ قَـَالـَتْ لِيَ إِنَّكَ قـَتـَلْتـَهَا بِكَرَامَةِ
خِنْجَرِكَ اّلْعَرَبـِيِّ وَتَرَكْتَهـَا تـُهَاجِرُ فِيْ اّلْـفَـقـْرِ.
تَرَكْتَ خِنْجَرِكَ اّلـْفِضِّيِّ فِيْ قـَلْبِهَا... عَشِقْتَهَا بِالْخِنْجَرِ
وَأَقْـفَلْتَ عَلَيْهَا بِالْوَجْدِ وَاسْتَكْمَلْتَ أَيُّهَا الثَائِرُ
رُجُوْلَتَكَ وَبَدأْتَ تَهْتَزُّ عَلَى الطَّبْلَةِ وَالْبُوْقِِ وَبِعْتَ
الأَخْضَرَ وَالْيَابِسَ وَشَحَدْتَ عَلَى عَتَبَاتِ الحُكَّام.
يعقوب: أنا ؟! (يضحك بمرارة)
والله يا
عمِّي صدق المثل يللي قال: "أن أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ وإن أنت أكرمتَ
اللئيمَ تمَرَّدا", وشو قالتلك كمان يابا؟!
مظفّر: قـَالَتْ لِيَ إِنَّهَا
تَكْرَهُ مَقْهَاكَ... مَقْهَاكَ الجَّمِيْلُ هَذَا... حَتّى أنَّهَا تَكْرَهُ
اّلْبابَ الَّذِي حَرَسَ
هَذَا
اّلْخَنَثْ...السَّكَاكِيْنُ هِيَ المُهْمَلَةُ قـَالَتْ لِيَ... وَلَكِنَّهَا لاَ
تَرْجُ طُهُوْرَاً مِنَ الطَّمَثْ...
مِنَ الرَّحْمِ
الَّذِي لـَقَّـَّحَهُ الْمَالُ اّلْيَهُوْدِيِّ... قـَالَتْ لِيَ بِأََنَّكَ
سَتَبْنِيْ أَلْفَ مَاخُوْرٍ مِنَ التَّلْمُوْذِ فِيْ أَطْفَالِنَا... فِيْ
اّلْحُبَّ... فِيْ اّلْقُرْآنِ... فِيْ الشَّارِعِ... فِيْ الأَحْلاَمِ...
فِيْمَنْ شَهِدُوا بَدْرَاً... فِيْمَنْ شَهَدُوا وَاسْتَشْهَدُوا مِنْ أَجْلِ
أَنْ نَحْيَا... وَسَتَسْتَدْعِيْ إِلَى اّلْمَحْكَمَةِ النَّوَايَا
وَالجُّثَثْ...
(يعقوب يستشيط غضبا من كلام
مظفّر يزداد غضبه تدريجياً حتّى ينفجر)
يعقوب: ولك فشَرْ... فشَرتْ وفَشْرَت
معاك بنت النور... أنا بحياتي ما خنت الوطن ولا
تاجرت فيه زي
صحابها... أنا صرمايتي أطهرَ من أطهركُمْ... على مين بتزاود ست سعديّة ها؟! علي؟!
والله وبطلعلك يا بنت النوَر... آه وشو يعني انسجنتِ 25 سنة؟ ليش أنا ما انسجنت
بتهمة عشقي للوطن؟! شوف مين ضيوفي يللي بيجوا يسلُّولي الزباين... أبطال النضال
صورهم مزينة حيطان قهوتي... هذول خون وسعديِّة وطنيّة؟! والله وبطلعلك يا
سعديّة... نسيت مين يللي عمل يوم الأرض!! نسيت مين كان يقود المسيرات ضد الحكم
العسكري ويهتف: "بالرُّّوح بالدَّم نفديكَ يا وطن, بالرُّّوح بالدَّم نفديكَ
يا وطن"... وين كنت يا سعديّة بمذبحة دير ياسين؟ مين يللي حمى لحمك وعظمك من
عصي العسكر يوم المظاهرة يللي نظّمتها أنا يعقوب بعد مذبحة كفر قاسم؟!
أنا ببني
كراخانات من الشُّهدا؟! وصلت معك لهون يا بنت السعدان؟! يا خسارة الأيّام يللي
كنتِ تحلفي: "وحياة الثورة ويعقوب"... نسيتي مين يعقوب يا بنت النور؟!
بتتِّهميني بالخيانة؟!
بدها اياني
أعمل مثل اصحابها قادة الأحزاب في الوطن يللي بتصرُّفاتهم العوجا وتياساتهم راح
يهجِّجُونا مثل ما هجّجوا أهلها من بلدها... شو راح ينوبنا من التخبيص غير أكلِ
الهوا والتطسيس ها؟!! انعمت عيونـَّا وانهدْ حيلنا وجسمنا نخره الزمن وبدها ايّاني
أحمل سلاح واحرّر لبلاد... بعدها عايشة الكفاح المسلّح ومش قابلي تفهم إنّه الزمن
تغيّر والحياة اتبدّلت والشعار يللي رفعناه قبل 30 سنة ما عاد اله معنى غير
الإنتحار...
(صمت... خلال حديث يعقوب يقوم
مظفّر بمراقبته والإصغاء له)
مظفّر: (بحزن) لِماذَا كُلُّ هَذَا
الصَّمْتْ؟!
لِماذَا يَدْخُلُ القََمْعُ
إِلَى اّلْقََلْبْ ؟!
لِماذَا تَسْتَوْلِيْ
الرَّقابَاتُ عَلَى صَمْتِيَ وَأَوْرَاقِيْ؟!
لِماذَا لاَ يَفْهَمُ
الأَغْبِيَاءُ بِأَنَّ الرَّصَاصَ وَحْدُهُ طَرِيْقُ اّلْخَلاَصْ؟
يعقوب: رجعنا نحكي بالألغاز؟ بعدين
أنا مش قادر أفهم شو بدّك منّي؟ قهوتي شبّهتها بالسجن
وقلنا كرمال
حسن والزباين ما عليش... اتّهمتنا بالجبن ومسحناها وقلنا الزلمة مهجهج بلاش نزعله
مشيناها واسّا جاي تقول عننا خون وأغبيا!! ليش يابا؟! إحنا مش معبيين عينك؟! مين
يللي اعطاك جواز لتفرّق شهايد على البشر: هذا خاين وهذا غبي وهذا جبان؟! إنت شو
بتعرف عن الخوف ؟!
حضرتك شو بتعرف عن السجون؟!
مظفّر: أَنَا لاَ أَعْرِفْ ؟!!
(متذكّرا) رُبَّمَا أَعْرِفْ
غَامَتْ عَيْنَايَ مِنَ
التَّعْذِيْبِ... يَا يَعْقُوبْ
تَنَاوَبَنِي بِالسَّوْطِ
وَبِالأَحْذِيَةِ الضَّخْمَةِ عَشْرَةُ جَلاَّدِيْنْ
رَأَيْتُ اّلْكَوَاكِبَ
تَهْرُبُ مِنْ حَوْلِيْ بَاكِيَةً
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
غَطَّاهُمَا عَتْمُ اللَّيْلْ
غَامَتْ عَيْنَايَ مِنَ
التَّعْذِيْبِ...
وَأَطْبَقَ صَمْتْ...
وَفِيْ اللَّحْظَةِ اّلَّتِي حَاوَلْتُ
فِيْهَا أَنْ أَنَامَ
صَاحَ
الدِّيْكُ مُبَشِّرَاً بِطُلُوْعِ الصَّبَاحْ...
وَعِنْدَهَا سَيْطَرَ عَلَيَّ
سُلْطَانُ نُعَاسِ اّلْصُّبْحِ،
فَجَاءَ اللهُ إِلَى اّلْحُلْمِ
وَجَاءَ مَعَهُ الأَنْبِيَاءُ
وَالرُّسُلْ
وَفَجْأَةً شَاهَدْتُ أَبْوَابَ
صَفِيْحٍ تُفْتَحْ
وَعِنْدَمَا فُتِحَتْ وَجَدْتُ
فَلاَّحِيْنَ يَحْمِلُوْنَ فَوَانِيْسَاً وَيَسِيْرُوْنَ خَلْفَ حِصَانْ...
كَانَ اّلْحِصَانُ يَسِيْرُ
بِبُطْءٍ شَدِيْدْ...
كَانَ يَسِيْرُ وَيَحْتَضِرُ...
عَيْنَاهُ كَانَتْ تُضِيءُ كَاّلْفَوَانِيْسِ... َكَانَ يَبْكِي...
رَأَيْتُهُ يَهْوِيْ وَيَمُوتُ.
غَطَّى اّلْفَلاَّحُوْنَ فَوَانِيْسَ
اللَّيْلِ بِرَايَاتٍ وَبَيَارِقٍ وَأَعْلاَمْ...
وَسَأَلْتُ نَفْسِي أَيْنَ الله
وَمَنْ مَعَه؟!
لَقَدْ كَانُوا هُنَا؟!
وَمَرَّةً أُخْرَى أَشْعُرُ فِيْ
اّلْحُلْمِ أَنَّ النُّعَاسَ يَغْلِبُنِي فَأَنَامُ.
وَيَقُوْمُ اّلْفَلاَّحُوْنَ بِتَغْطِِيَتِيْ...
يعقوب: إنت شو قصتك؟! ليش هالقد مهم
عندك تفتحلي جروحي؟! إنت مالك ومالي؟أ
أحلامك أسود
من أحلام أبوي وأحلام سعديّة... أنا ناقصني هموم؟! إنت بتحكي عن أحلامك في سجونك
والا سجون بلادنا؟!
مظفّر: سَأَلَنِي كَبِيْرُ
الجَّلاَّدِيْنِ: " مَنْ أَنْتْ؟"
وَكَانَ كَبِيْرُ الجَّلاَدِيْنْ لَهُ
عَيْنَانٍ، كَبَيْتِيِّ نَمْلٍ أَبْيَضٍ، مُطْفَأَتِيْنِ مُطْفَأَتِيْنِ...
وَشَعْرُ خَنَازِيْرٍ يَنْبُتُ مِنْ
مِنْخَارَيْه...
وَفِيْ شَفَتَيْهِ مُخَاطٌ مِنْ
كَلِمَاتٍ كَانَ يَقْطُرُهَا فِيْ أُذُنَيَّ...
يعقوب: خلص بكفّي!! غَامَتْ عَيْنَايَ
مِنَ التَّعْذِيْبِ...
مظفّر: تَشَقَّقَ لَحْمِيْ تَحْتَ
السّوْطِ
فَحَطَّ عَلِيٌّ رَأْسِيَ فِيْ
حِجْرَيْهِ، وَقَالَ:
تَحَمَّلْ...
يعقوب: (يهجم يعقوب على مظفّر ويضع رأسه
بين رجليه ويضغط)
فَتَحَمَّلْتُ
وجاءَ الحزبُ، وقالَ تَحَمَّل
فَتَحَمَّلْتُ...
وَالزَّيْتُوْنَة قَالَتْ...
وَالْقُدْسُ قالَتْ...
فتحمّلتُ فَتَحَمَّلْتُ...
(يترك مظفّر ويأتي بكرسيٍّ)
وَجِيْءَ بِكُرْسِيٍّ حُفِرَتْ
هوَّةُ رُعْبٍ فِيْهِ
وَمُزِّقَتِ اّلأَثوَابُ
عَلَيَّ...
(يجلس يعقوب عليه)
ابْتَسَمَ كَبِيْرُ
الجَّلاَّدِيْنْ...
كَأَنَّ اّلْعَنَاكِبَ قَدْ
هَرَبَتْ
أَمْسَكَنِيْ مِنْ كَتِفَيَّ
وَقَالَ:
" عَلَى هَذَا
اّلْكُرْسِيِّ خَصِيْنَا بَعْضَ رِفَاقٍ"
مظفّر: اعْتَرِفِ الآنَ!!
اعْتَرِفِ
الآنَ!!اعْتَرِفِ!!اعْتَرِفِ الآنَ!!
يعقوب: وَأَحْسَسْتُ بِأَوْجَاعٍ فِيْ
اّلْحَائِطِ
أَوْجَاعٍ فِيْ اّلْغَابَاتِ
وَفِيْ اّلأَنْهَارِ وَفِي اّلإِنْسَانِ اّلأَوَّلْ...
مظفّر: اعْتَرِفِ الآنَ!!
يعقوب: ولكنِّي رفضتُ الكلام...
وَكَانَتْ سَعْدِيَّة وَاقِفَة
ٌ أَمَامَ الشَّعْبِ
مظفّر: اعْتَرِفِ الآنَ!!
يعقوب: وَلَكِنِّيْ رَفَضْتُ
اّلْكَلاَمَ...
مظفّر: إِعْتَرِفِ
اّلآنْ!!
يعقوب: وَلَكِنِّي
لَمْ أَفْعَلْ...
:
رَفَضْتُ...
(يركع بجانب مظفّر الأيمن ويخاطبه)
أَطْبَقْتُ فَمِيْ، فَالشَّعْبُ أَمَانَةٌ فِيْ عُنُقِ الثَّوْرِيِّ...
رَفَضْتُ... رَفَضْتُ
اّلْكَلاَمَ... أَطْبَقْتُ فَمِيْ... رَفَضْتُ اّلْكَلاَمَ...
(يضع رأسه في
حضن مظفر... مظفّر/ سعديّة تمسح بيدها اليمين على رأسه وكأنه طفل صغير وتهزّه
وكأنها تهلل له بينما يقوم حسن بعزف أغنية حبيبتي... سعديّة تبدأ بالكشف عن ذاتها)
سعديّة: الآنَ سَأُعَرِّيْكَ يَا يَعْقُوْبْ! (للجمهور)
سَوْفَ أُعَرِّيْ زَبَائِنَكَ
جَمِيْعَاً...
الآنَ أُعَرِّيْكُمْ...
هُنا و فِيْ كُلِّ عَوَاصِمِ هَذَا اّلْوَطَنِ اّلْعَرَبِيِّ قَتَلْتُمْ فَرَحِيْ
فِيْ كُلِّ زَقَاقٍ أَجِدُ
اّلأَزْلاَمَ أَمَامِيْ
أَصْبَحْتُ أُحَاذِرُ حَتَّى اّلْهَاتِفَ، حَتَّى
اّلْحِيْطَانْ.
يَا شُرَفَاءً مَهْزُوْمَيْنْ!
وَيَا حُكَّامَاً مَهْزُوْمِيْنْ!
وَيَا جُمْهُوْرَاً مَهْزُوْمَاً! مَا أَوْسَخَنَا!!
مَا أَوْسَخَنَا! مَا أَوْسَخَنَا!
وَنُكَابِرُ!!! مَا أَوْسَخَنَا!
لاَ أَسْتَثْنِيَ أَحْدَاً...
يَا جُمْهُوْرَاً فِيْ
اللَّيْلِ يُدَاوِمُ فِيْ قَبْوِ مُؤَسَّسَةِ اّلْحُزْنِ!
سَنُصْبِحُ نَحْنُ يَهُوَدَ
التَّارِيخِ
وَنَعْوِيْ فِيْ الصَّحْرَاءِ
بِلاَ مَأْوَى!
هَلْ وَطَنٌ تَحْكُمُهُ
اّلأَفْخَاذُ اّلْمَلَكِيَّةُ،
هَذَا وَطَنٌ؟؟!
أَمْ مَبْغَى؟؟!
هَلْ أَرْضٌ هَذِيْ اّلْكُرَةُ
اّلأَرْضِّيَّةُ أَمْ وَجْرُ ذِئَابْ؟
مَاذَا يُدْعَى اّلْقَصْفُ
اّلأُمَمِيُ عَلَى بَغْدَادْ؟
مَاذَا تُدْعَى سِمَةُ
اّلْعَصْرِ وَتَعْرِيْصُ الطُّرُقِ السَّلمِيَّةِ؟
مَاذَا يُدْعَى اسْتِمْنَاءُ
الوَضْعِ العَرَبِيَّ
أَمَامَ مَشَارِيعِ السِّلمِ،
وَشُرْبُ اّلأَنْخَابِ مَعَ
السَّـفَلَةِ اّلأَمْرِيْكِيِّيْنْ؟!
مَاذَا يُدْعَى أَنْ
تَتَقَنَّعَ بِالدِّيْنْ؟
وجوهُ التُّجّارِّ الأموييّن؟
مَاذَا يُدْعَى الدُّوْلاَبُ
الدَّمَوِيُّ "؟؟!
"كَذَا"؟؟!
مَاذَا تُدْعَى الجَّلَسَاتُ
الصُّوفِيَّةُ فِيْ اّلأُمَمِ اّلْمُتَّحِدَة؟!!
مَاذَا يَفْعَلُ الجَّيْشُ
اّلأَمْرِيْكِيُّ فِيْ اّْلكُوِيْتْ؟؟؟
وَأَمِيْرُ اّلْكُوِيْتِ هَذَا:
أَمِيْرٌ وَطَنِيٌ جِدّاً.
لاَ تَرْبِطُهُ رَابِطَةٌ فِيْ
أمْرِيْكَا اّلْعُظْمَى
وَخِلاَفَاً لأَِبِيْه,ِ وُلِدَ
اّلْمَذْكُوْرُ مِنَ اّلْمَهْدِ، دِيْمُقْرَاطِيَّاً
وَلِذَلِكَ تَسَامَحَ فِيْ
لِبْسِ النَّعْلِ
وَوَضْعِ النَّظَّارَاتِ
فَكَانَ أَنِ اعْتَرَفَتْ
بِمَآثِرِهِ الجَّامِعَةُ اّلْعَرَبِيَّة،
يَحْفَظُهَا الله.
(يتحول اللحن
الى لحن صوفي يعلو ويعلو وتتسارع ايقاعاته لدرجة السكر... حسن يعزف عودهوسعديّة
تعزف الايقاع مع يعقوب ويلفان بشكل دائري حول الطاولات في وسط المقهى وكانهما
يدوران حول الكعبة)
أَيَا جُمْهُوْرَاً
مَهْزوْمَاً!
أَصْرُخُ أَيْنَ
شَهَامَتِكُمْ؟!!
إِنْ كُنْتُمْ عَرَبَاً...
بَشَراً... حَيْوَانَاتْ
فَالذِّئْبَةُ حَتَّى
الذِّئْبَةُ، تَحْرُسُ نُطْفَتَهَا
وَاّلْكَلْبَةُ تَحْرُسُ
نُطْفَتَهَا
وَالنَّمْلَةُ تَعْتَزُّ
بِثُقْبِ الأَرْضِ
وَأَمَّا أَنْتُمْ،
حسن: (يعزف ويغني ويعزف معه على الطار ويغني يعقوب ومظفّر اللذان يستمران
بالدوران
حول طاولة ما وكأنهما يدوران
حول الكعبة)
فَالْقُدْسُ عَرُوْسُ
عُرُوْبَتِكُمْ؟!!
أَهْلاً!
الْقُدْسُ عَرُوْسُ
عُرُوْبَتِكُمْ
فَلِمَاذَا أَدْخَلْتُمْ كُلَّ
زُنَاةَ اللَّيْلِ إِلَى حُجْرَتِهَا
وَوَقَفْتُمْ تَسْتَرِقُوْنَ
السَّمْعَ وَرَاءَ اّلأَبْوَابِ
لِصَرَخَاتِ بَكَارَتِهَا
وَسَحَبْتُمْ كلَّ
خَنَاجِرِكُمْ!
وتَنَاَفْخُتم شَرَفا!
وَصَرَخْتُمْ فِيْهَا أَنْ
تَسْكُتَ صَوْناً لِلْعِرضْ!
ألْقُدْسُ عَرُوْسُ
عُرُوْبَتِكُمْ،
ألْقُدْسُ عَرُوْسُ
عُرُوْبَتِكُمْ،
أهلاً.
(صمت
مفاجئ... يعقوب ومظفّر يقفان وظهريهما متلاصقين... لا يقويان على الحراك... ينتابهما الحزن الشديد...)
يعقوب: وَأَتْعَبَنِيْ جَسَدِيْ...
يا لطيف شو الوطن سادي يَا
سَعْدِيِّة
قتلني الوطن
المدن تغيَّرت والناس مش نفس
الناس واللغة انتست...
سعديّة: بس الأرض يا
يعقوب بقيت نفس الأرض
ما فقدت مشاعرها...
حط ذانك واسمعها شو بتقول: بخاطرك يا يعقوب... (تحمل شنطتها)
يعقوب: الأرض بتحكي؟!
سعديّة: وبتقول أنا
للي بيصونّي...
يعقوب: الأرض ما فقدت مشاعرها؟ كيف تَ
؟!
لكان ليش تركتهم يخصوني على
كرسي الاعتراف ياسعديّة؟
ليش تركتهم يسرقوا منّي
ذكورتي؟!
الأرض زيي يا سعديّة ما بتحب
غير يللي بغتصبها...
سعديّة: بخاطرك يا
يعقوب...
يعقوب: لوين رايحة؟!
دَوْرِيَّاتُ اّلإِخْصَاءْ
تَجُوْبُ الشَّوَارِعْ
أَيُّ فَمٍ يُفْتَحْ...
فَوْرَاً يَجْرِيْ التَّخْدِيْرْ وَالإِخْصَاءْ
لوين؟
سعديّة: مِنْ
أَقْصَى اّلْحُزْنِ أَتَيْتُ،
لأُُِغْلِقَ أَبْوَابَ بُيُوْتِ
اّلْمَهْزُوْمِيْنْ
وَأُبَشِّرُ بِالإِنْسَانِ...
وَبِالإِنْسَانْ... وَبَالشُّيَّاحْ
وَبِمَنْ لاَ يَمْلِكُ سَقْفاً،
سَيَكُوْنُ لَهُ سَقْفٌ فِيْ
هَذِيْ الدُّنْيَا
وَيَنَامْ
(تخرج من المقهى ويعقوب يخرج خلفها)
حسن: (يعزف ويغنّي أغنية حبيبتي ويخفت الضوء
تدريجيّا)
نهاية
صفحة قصائد للشاعر مظفر النواب
http://www.angelfire.com/mn/modaffar
http://www.angelfire.com/mn/modaffar/play4.html
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire