تراث وفقـه
|
|
|||||
|
فضل الاعتزال
الجزء الاول
مقدمة
كان
لاكتشاف فرقة في التاريخ
الاسلامي العربي اسمها المعتزلة
أثرا استثنائيا في حياة العبد
الفقير الذي هو أنا حدث كان من
شأنه أن ينقذ ايماني بالله عز
وجل ويعمق فهمي لدينه ، ولا ضير
فقد كان شأني شأن جل الناشئين في
الطبقة المتوسطة من مجتمعنا
العربي إبان النكسة الكبرى حيث
كان الاعتصام بحبل الايمان
العميق رد فعل عام و أساسي في
تربيتنا وانكببت بجهد واجتهاد
كبيرين احفظ كتاب الله عز وجل
وألتهم كتب الحديث الشريف
الصحيحين والترمذي ثم تفسير ابن
كثير وقبله الجلالين وقصص
الانبياء والصالحين والصديقين
وسيرة ابن هشام وفقه السنة .....الخ
حتى صرت اصنف نفسي حافظا لكن ما
لم يكن ليخطر في بالي هو أن
أناقشا كافرا بديني يومها بدأت
أسرد عليه مما أحفظ قال تعالى
وقال عليه الصلاة والسلام لكن
صاحبنا قال يا حبيبي أنا لست
مؤمنا لا بكتابك ولا بنبيك ،
فسقط في يدي وغلب عقلي على أمره
كيف لي أن اجابه حجته إذا كان لا
يؤمن أصلا بأن القرآن من عند
الله وبأن سيدنا المصطفى نبيه
وخليله؟!
أخذ يجادلني بالمنطق ولا علم لي بالجدل والحجة العقلية وأنا الذي ارتاح ضميره واستقرت نفسه للمعرفة النصية ولما جاء به السلف فاستغنيت بها عن تعب البحث ورهق العقل . ومن شدة حنقي وكنت يومها أذود عن ما نذرت له نفسي كيف لا وأنا من أنجب طلبة الكلية الاسلامية وشاعر المدرسة وخطيبها يسقط في يدي فلا املك حيال كافر بديني جوابا! وكان أوسع الناس علما في ذهني ذلك الوقت شيوخي واساتذتي في مدرستي لكن بلا جدوى فكلهم أعاد علي من كتاب الله وسنة نبيه فلما قلت لكن مناقشي كافر بهما كيف اقنعه ؟
قال
قائلهم : دعك منه إنه يفتنك عن
دينك وإنك لا تهدي من احببت .
والحمد لله لم اعمل بنصيحته وذهبت وأنا طالب في الأول الاعدادي إلى الجامعة ودخلت على رئيس قسم اللغة العربية آن ذاك الأستاذ الدكتور عبد المجيد المحتسب تغمده الله برحمته فضحك مني لما اطلعته على ما يؤرقني وقال : هل سمعت بالجاحظ يا بني؟
قلت
بلى أليس هو صاحب البخلاء ؟
قال : هو عينه له كتاب اسمه رسائل الجاحظ قد تجد فيها ما يعينك وإن أشكل عليك فهم شيء فعد إلي.
وكانت
البداية التي عرفت فيها لأول مرة
أن تاريخ الثقافة الاسلامية ليس
فقط تاريخ النقلة والحفظة بل أنه
وذلك هو الأهم تاريخ العقل لا
النقل ، وعرفت كيف تقوم الأدلة
بالوجوب وبالعقل كما يوافقها
النقل، نسيت محاوري الكافر لأنه
لم يعد لي موضوعا بعد أن اكتشفت
أن كل ما عرفته وكنت أظنه العلم
الكامل ليس إلا ذرة في بحر الفكر
الانساني ، وأن في تاريخنا علماء
ومفكرين لا يقلون عن أبو حنيفة و
مالك والشافعي وابن حنبل وابن
تيمية ورواة الحديث إن لم
يفضلوهم في الكثير من الأمور
كواصل بن عطاء والجاحظ وابن رشد
وابن سينا والكندي والفارابي ،
وعرفت أن الكافر جان جاك روسو
مثلا لم يكن كافرا وانما نبي
بغير وحي واكتشفت وذلك الأهم أن
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
ختم النبأ من السماء لكن عظماء
من بني الانسان بعده حملوا رايات
النور من اجل مستقبل افضل
للبشرية فكانوا انبياء العلم
والعقل ومرسيوا قواعد العدل
والخير التي من اجلها كانت كل
الرسالات وأن التاريخ لم ينتهي
عند ابن تيمية وابن القيم
الجوزية بل تجاوزهما بمراحل
ربما أعظمها تجريبية فرانسوا
بيكون وقوانين نيوتن نبي
الفيزياء العظيم .
لكن ظلت للمعتزلة مكانة خاصة في النفس فنذرت لدراستها زمنا غير يسير من عمري خرجت منه بمخطوطة لم تنشر بعد لأني لا أكل النظر فيها والتنقيح والإضافة والتعديل وكلما رأيت فيها ما أجيزه كتابا اقدمه للناس اعادني عن نشره عدم استقرار رضاي عن شكله ، وها أنا ذا أضع بين يديك بعضا مما جاء فيه تعريفا بهذه الفرقة الاسلامية وأصولها الخمس العدل والتوحيد والمنزلة بين المنزلتين والوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
*النشأة والتسمية :
هناك
فارق أساسي بين نشأة الاعتزال
كفرقة كلامية مستقلة وبين ظهور
مسائلها وأصولها كمسائل كلامية
، فأصول الاعتزال هي مثار بحث
منذ بواكير الفكر الاسلامي جلها
مما خاضت فيه كل المذاهب التي
تقدمت نشأة المعتزلة فالقول
بالقدر قالت به القدرية والقول
بنفي الصفات وخلق القرآن وانكار
رؤية الخالق بالعين قال بها
الجهم (1) كما قال مقالهم في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر
الخوارج ، ووافقوا الشيعة بوجوب
الإمامة وإن انكروا الوصية
والعصمة كما جوزوا التأويل (2)
وقالوا مقالة الحسن البصري في
العدل والاختيار(3)
وكلها
مقالات لها جذورها في النص
القرآني نفسه وتكلم بها أيضا
سواء بما وافق الاعتزال أو خالفه
العديد من المتقدمين من الصحابة
.
أما نشأة المعتزلة كفرقة كلامية فتعود إلى أواخر القرن الهجري الأول أوائل القرن الثاني ، ويعتبر المؤرخون كل من واصل بن عطاء الغزال (80-131هج 699-748م) و عمرو بن عبيد (80-144هج 699-761م) (4) شيخيها المؤسسان ، و قبل النشأة كانت الجماعة المؤتلفة حول الحسن البصري تكنى بأهل العدل والتوحيد حتى حصل الخلاف بين الحسن وواصل في القول في مرتكب الكبيرة أهو مؤمن مناق كما ذهب الحسن أم في منزلة بين المنزلتين كما قال واصل معترضا فقام واصل عن الحسن وترك مجلسه مؤسسا له حلقته الخاصة وفي ذلك يقول الشهرستاني أن تسمية المعتزلة بهذا الاسم إنما ترجع لعبارة اطلقها الحسن إبان خلافهما "اعتزلنا واصل" فسمي وجماعته بالمعتزلة (5) .
أما البغدادي فيرى أن هذه التسمية جاءتهم لأنهم اعتزلوا اجماع الأمة (6) ، والمسعودي من جانبه رأى أن تسميتهم بالمعتزلة لأن قولهم بالمنزلة بين المنزلتين إنما يعني عزل مرتكب الكبيرة عن المؤمنين والكافرين فسمي أصحاب هذا القول أي المنزلة بين المنزلتين بالمعتزلة (7) بينما يرى المرتضى المعتزلي انهم من اطلق التسمية على انفسهم لاعتزالهم الاقوال المحدثة والمبتدعة (المنية والأمل-ص4 ) بينما يذهب المستشرق نيللينو أنهم استعاروا التسمية من من وقفوا موقفهم السياسي الشهير في اعتزال الفتنة الكبرى وهو رأي ساقه ايضا النوبختي "لما قتل عثمان افترق الناس ثلاث فرق ..... وفرقة اعتزلت مع سعد بن ابي وقاص وعبدالله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد ....... فسموا المعتزلة وصاروا أسلاف المعتزلة إلى آخر الأبد"(8) ويرجحه ما ذكره السبكي من أنه وقع على كتب للمعتزلة يصنف عبدالله بن مسعود المعلوم اعتزاله القتال بين علي ومعاوية كأحد روادهم (9).
إلا أننا نميل مع ما ذهب إليه جل المؤرخين من أن تسمية المعتزلة إنما جاءت من اعتزال واصل لمجلس الحسن لأن رأي البغدادي فقير للمنطق ويعكس تعصبه ضدهم فكيف يقبل المعتزلة أن يكنوا بذلك لأنهم اعتزلوا اجماع الأمة على رغم أنهم كانوا يحبون أن يكنوا أهل العدل والتوحيد لكن لم يكن يضيرهم تسميتهم بالمعتزلة بل كان واحدهم يعرف بنفسه أنه فلان المعتزلي لذا لا نطمئن لرأي البغدادي ، وأما رأي المسعودي ففيه شيء من الصناعة الاشتقاقية أنهم عزلوا مرتكب الكبيرة عن مرتبتي الكفر والايمان فسموا معتزلة فهذا أيضا لا نطمئن إليه لميله لإفتعال التسمية وهو من طبائع المسعودي وعنايته باللفظ والصنعة اللفظية ، وفول المرتضى وإن كان صحيحا فعله لكنه مما شارك فيه المعتزلة غيرهم كالحسن نفسه فلا يدل عندي على خصوصهم ولذا لا اطمئن إليه أيضا ، أما رأي نيللينو والنوبختي والدمشقي أن مرد التسمية لمن اعتزلوا القتال بين معاوية و على فعلى وجاهته فهو انتحال دالة لدالة أخرى لإن نشأة المعتزلة كفرقة لحقت ذلك بزمن زالت فيه الفرقة التي اعتزلت القتال أصلا ناهيك عن أنه لم يكن ينتظمها غير ذلك الموقف من القتال لذا فنحن لا نطمئن أيضا لهذا الرأي ، بينما يأتي الرأي الأول من أن التسمية اشتقت من قولة الحسن اعتزلنا واصل أصوب وأقرب للمنطق فهي تعكس فعلا لحظة الانبعاث للفرقة الكلامية "المعتزلة" وهي لحظة القول بالمنزلة بين المنزلتين.
(1) الدمشقي-تاريخ الجهمية والمعتزلة-ص5
(2)
المرتضى-المنية والأمل_ص 4و5
(3)
احمد امين-فجر الاسلام –ص 296 و297
(4)
عبد الوهاب الكيالي-ط1 1990الموسوعة
السياسية الجزء السادس-ص 241.
(5)
الملل والنحل – ج1 – ص55.
(6)
الفرق بين الفرق – ص94.
(7)
مروج الذهب-ج6-ص22.
(8)
فرق الشيعة – ص 4 و5.
(9)
الدمشقي – تاريخ الجهمية
والمعتزلة – ص16.
تراث وفقـه
|
|
|||||
|
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire