vendredi 1 janvier 2016

وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226). (سورة الشعراء)

وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ
 (224)
 أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ
 (225)
 وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ
(226).
 


(سورة الشعراء)



تفسير الزمخشري




{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)}
{كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} هم الكهنة والمتنبئة، كشقّ، وسطيح، ومسيلمة، وطليحة {يُلْقُونَ السمع} هم الشياطين، كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يسمعون إلى الملإ الأعلى فيختطفون بعض ما يتكلمون به مما أطلعوا عليه من الغيوب، ثم يوحون به إلى أوليائهم من أولئك {وَأَكْثَرُهُمْ كاذبون} فيما يوحون به إليهم؛ لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا. وقيل: يلقون إلى أوليائهم السمع أي المسموع من الملائكة. وقيل: الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون وحيهم إليهم. أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس، وأكثر الأفاكين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم، وترى أكثر ما يحكمون به باطلاً وزوراً. وفي الحديث: «الكلمةُ يخطفُها الجنيُّ فيقرّها في أذنِ وليهِ فيزيدُ فيها أكثر من مائةِ كذبةٍ» والقرّ: الصبّ.
فإن قلت: كيف دخل حرف الجرّ على (من) المتضمنة لمعنى الاستفهام والاستفهام له صدر الكلام؟ ألا ترى إلى قولك: أعلى زيد مررت؟ ولا تقول: على أزيد مررت؟ قلت: ليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معاً: معنى الاسم، ومعنى الحرف. وإنما معناه: أن الأصل أمن، فحذف حرف الاستفهام واستمرّ الاستعمال على حذفه، كما حذف من (هل) والأصل: أهل. قال:
أَهَلْ رَأَوْنَا بِسَفْحِ الْقَاعِ ذِي الأَكَمِ ***
فإذا أدخلت حرف الجرّ على (من) فقدّر الهمزة قبل حرف الجرّ في ضميرك، كأنك تقول: أعلى من تنزّل الشياطين، كقولك: أعلى زيد مررت.
فإن قلت: {يُلْقُونَ} ما محله؟ قلت: يجوز أن يكون في محل النصب على الحال، أي: تنزل ملقين السمع، وفي محل الجرّ صفة لكل أفاك؛ لأنه في معنى الجمع، وأن لا يكون له محل بأن يستأنف، كأن قائلاً قال: لم تنزل على الأفاكين؟ فقيل: يفعلون كيت وكيت.
فإن قلت: كيف قيل: {وَأَكْثَرُهُمْ كاذبون} بعد ما قضى عليهم أن كل واحد منهم أفاك؟ قلت: الأفاكون هم الذين يكثرون الإفك، ولا يدل ذلك على أنهم لا ينطقون إلا بالإفك، فأراد أن هؤلاء الأفاكين قلّ من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني؛ وأكثرهم مفتر عليه.
فإن قلت: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين} [الشعراء: 192]، {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} [الشعراء: 210]، {هَلْ أُنَبّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين} لم فرق بينهنّ وهنّ أخوات؟ قلت: أريد التفريق بينهنّ بآيات ليست في معناهنّ، ليرجع إلى المجيء بهنّ وتطرية ذكر ما فيهنّ كرّة بعد كرّة: فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت كراهة الله لخلافها. ومثاله: أن يحدّث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية، فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه
.

{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)}
{والشعراء} مبتدأ. و{يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} خبره: ومعناه: أنه لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وفضول قولهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب، والنسيب بالحرم والغزل والابتهار، ومدح من لا يستحق المدح، ولا يستحسن ذلك منهم ولا يطرب على قولهم إلا الغاوون والسفهاء والشطار. وقيل: الغاوون: الراوون. وقيل: الشياطين، وقيل: هم شعراء قريش: عبد الله بن الزبعري، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، ومسافع بن عبد مناف، وأبو عزة الجمحيّ. ومن ثقيف: أمية ابن أبي الصلت. قالوا: نحن نقول مثل قول محمد وكانوا يهجونه، ويجتمع إليهم الأعراب من قومهم يستمعون أشعارهم وأهاجيهم وقرأ عيسى بن عمر: والشعراء، بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر. قال أبو عبيد: كان الغالب عليه حبّ النصب. قرأ: {حَمَّالَةَ الحطب} [المسد: 4] {والسارق والسارقة} [المائدة: 38] و{سُورَةٌ أنزلناها} [النور: 1] وقرئ: {يتبعهم}، على التخفيف. ويتبعهم، بسكون العين تشبيهاً (لبعه بعضد).
ذكر الوادي والهيوم: فيه تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق ومجاوزة حدّ القصد فيه، حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأشحهم على حاتم، وأن يبهتوا البريّ، ويفسقوا التقي.
وعن الفرزدق: أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله:
فَبِتْنَ بِجَانِبَيَّ مُصَرَّعَاتٍ *** وَبِتُّ أُفضُّ أَغْلاَقَ الْخِتَامِ
فقال: قد وجب عليك الحدّ، فقال: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحدّ بقوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ}.

 




إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا 


مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ 227







استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله وتلاوة القرآن، وكان ذلك أغلب عليهم من الشعر، 

وإذا قالوا شعراً قالوه في توحيد الله والثناء عليه، 

 والحكمة والموعظة، 

والزهد والآداب الحسنة، 


ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وصلحاء الأمة، وما لا بأس به من المعاني التي لا يتلطخون فيها بذنب ولا يتلبسون بشائنة ولا منقصة، 


وكان هجاؤهم على سبيل الانتصار ممن يهجوهم.


 قال الله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [النساء: 148


وذلك من غير اعتداء ولا زيادة على ما هو جواب لقوله تعالى: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] 



وعن عمرو بن عبيد: أن رجلاً من العلوية قال له: إن صدري ليجيش بالشعر، فقال: فما يمنعك منه فيما لا بأس به؟ 


والقول فيه: أن الشعر باب من الكلام، فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام.


 وقيل: المراد بالمستثنين: عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، والكعبان: كعب بن مالك، وكعب بن زهير؛ والذين كانوا ينافحون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكافحون هجاة قريش.
وعن كعب بن مالك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: 


«اهجُهم؛ فوالذي نفسِي بيدِهِ لهُو أَشدُّ عليهم منَ النبل» وكان يقول لحسان: «قلْ وروحُ القدسِ معَكَ»


 ختم السورة بآية ناطقة بما لا شيء أهيب منه وأهول، ولا أنكى لقلوب المتأمّلين ولا أصدع لأكباد المتدبرين، 


 وذلك قوله: {وَسَيَعْلَمُ} وما فيه من الوعيد البليغ، وقوله {الذين ظَلَمُواْ} وإطلاقه. وقوله: {أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} وإبهامه، وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله عنهما حين عهد إليه: وكان السلف الصالح يتواعظون بها ويتناذرون شدتها. وتفسير الظلم بالكفر تعليل، ولأن تخاف فتبلغ الأمن: خير من أن تأمن فتبلغ الخوف.
وقرأ ابن عباس: {أي منفلت ينفلتون} ومعناها: إن الذين ظلموا يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله، وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات وهو النجاة: اللهم اجعلنا ممن جعل هذه الآية بين عينيه فلم يغفل عنها؛ وعلم أن من عمل سيئة فهو من الذين ظلموا، والله أعلم بالصواب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منْ قرأَ سورةَ الشعراءِ كان لَه من الأجر عشرُ حسناتٍ بعددِ منْ صَدَّق بنوحٍ وكذَّبَ بهِ وهودٍ وشعيبٍ وصالحٍ وإبراهيمَ وبعددِ منْ كَذَّبَ بعيسى وصدّق بمحمدٍ عليهمُ الصلاةُ والسَلامُ»
 

Aucun commentaire: