الشيعة والتصحيح الصراع بين الشيعة والتشيع المؤلف: موسى الموسوي
سيرة الامام الدكتور موسى الموسوي !
(1) الإمام ابن الأئمة من سلالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، حفيد الامام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي الأصبهاني الزعيم الأعلى للطائفة الشيعية !
الدكتور موسى الموسوي !
- ولد بالنجف وتلقى دراسته الدينية هناك ومنح شهادة الاجتهاد في الفقه الإسلامي ( الاجتهاد ) من جامعة النجف .
- واصل دراسته في جامعة طهران وحصل على شهادة الدكتوراة في الحقوق 1955م .
- درس في جامعة السوربون في باريس وحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة
عام 1959 م .
- استاذ الاقتصاد في جامعة طهران 1958- 1963م .
- انتخب نائبا عن مدينة اصفهان في مجلس النواب الإيراني 1960 - 1963م .
- نجى من الموت بإرادة إلهية عندما حاولت شرطة سافاك الشاة اغتياله عام 1968 في البصرة .
- أستاذ محاضر في الفلسفة الإسلامية في جامعة بغداد 1978 - 1989م .
- شغل العديد من المهام والوظائف المهمة في العالم .
- من المرشحين لرئاسة الجمهورية الإيرانية بعد الثورة 1980م .
( بعض مؤلفات الإمام موسى الموسوي - رحمه الله )
- من الكندي إلى ابن رشد/ 1972م .
- الفلاسفة الأوروبيون / 1977م .
- قواعد فلسفية / 1977م .
- ايران في ربع قرن / 1978م .
- الجديد في فلسفة صدر الدين / 1978م .
- من السهروردي إلى صدر الدين / 1980 م .
- الثورة البائسة / 1984م .
- المضطهدان / 1985 م .
- المتأمرون على المسلمين الشيعة / 1985م .
- الجمهورية الثانية / 1986 م .
- عقائد الشيعة / 1990م .
- الشيعة والتصحيح / 1990م .
- يا شيعة العالم استيقظوا / 1992م .
( نبذة عن حياة الإمام موسى الموسوي - رحمه الله )
كان الامام الموسوي - رحمه الله - من علماء الشيعة الإمامية وكان من بيت علم وفضل وسيادة ، وكان يتصل نسبه بأهل البيت فهو من السادة ، وكان جده الامام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي الأصبهاني الزعيم الأعلى للطائفة الشيعية ، وكان والده عالما فاضلا بارعا ، اغتيل على يد أحد رجال وعلماء الدين الشيعة بسبب عداواة بغيضة وكان وراء الجريمة ثلة من علماء الدين الشيعة .
عاش الامام الموسوي مجاهدا فيلسوفا مفكرا حرا ، لا يرضى بالظلم ولا يخنع للمال ، يأتيه الخمس وملايين الدراهم ولكنه يرفض ذلك ، وهو يرى أتباعه الشيعة المضطهدين المذلولين تحت الحكومات البعثية والشيوعية والليبرالية ثم الحكومات الطوباوية الخرافية المذهبية البغيضة !
عاش - رحمه الله - أبيا مخلصا لديه ، قاوم الظلم ، بذله نفسه وماله ، من أجل الشعوب المضطهدة !
لمح فيه أقرانه الذكاء والعبقرية والتفوق فغاظهم ذلك ، ولكن الذي غاظهم أكثر تحرره من التقليد وانطلاقه في الاجتهاد والإبداع ، ثم شفافيته نحو المظلومين والشعوب المقهورة ، فكانت روحه حساسة لا تحتمل الظلم ، يسافر هنا ويغدو هناك يتلمس حاجات الفقراء والمساكين ، يبكي لليتامى ، ويتبرع للأياما ، ويسعى في مصالح العجزة !
وكان رحمه الله فقيها مجتهدا ، صادقا ورعا عابدا صائما ، لفت أنظار الكثير بنزاهته وحرقته من أجل الشعوب المضطهده .
فكان لا يقر له قرار وهو يرى الظلم ، وقد وقف ضد نظام الشاة مجاهدا في سبيل الله ، حتى سقط جريحا خرير الدم من رصاصات الغدر من السافاك ( انظر للصور ) !
وقد رحب بحكومة الخميني رافعة راية أهل البيت ، ولكن سرعان ما هوت تلك الراية لتستبدل براية الارهاب والذبح والمذهبية البغيضة التي راح ضحيتها الشعب الإيراني المسلم ، حتى الشيعة لم يسلموا من شر هذا الاستبداد، فأخذت المحارق والمحاصد والمحاكم ( الهوليكوست ) وهيئات علماء الدين ( السنهدريم ) تصادر حق كل عالم آخر يخالف رأي وفتاوى الخميني نائب المهدي وولي الفقيه !
قتل علماء الشيعة بالرصاص غدرا ، وسجنوا ، واحرقوا بالزيت ، وتجولت المخابرات الإيرانية والشرطة السرية وقوة الارهاب (الباسيج) في الليالي المظلمة تخطف رجال الدين الشيعة المخالفين من بين أحضان الزوجات والأولاد وتزج بهم في غياهب السجون ثم القتل غدرا وخيانة في الإلقاء للكلاب دون رحمة وهوادة !
تألم الامام الموسوي - رحمه الله - من هذا الموضع الخطير ، وبحكمه باحثا بارعا عرف مكمن الخلل الذي جعل من الخميني قائما ملهما جر شعبه للخسارة والحرب والإبادة الكلية !
يقول الإمام - رحمه الله - وهو يعتصر الألم :
( كنت أرى أرواح الشهداء ترفرف عليّ من كل جانب ، وكان أقربهم لي هاشم وشقيقته حشمت وابن خالتهما جعفر ، إنهم اسباط الامام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي الأصبهاني الزعيم الأعلى للطائفة الشيعية ، وجدتهم السيدة رباب بنت الإمام ( عمتي ) لقد اعدم هاشم وهو صائم في النهار والقائم في الليل والاستاذ في الجامعة والحاصل غلى شهادة الدكتوراه ، على يد النظام المذهبي الشيعي في ايران في حياة قائد النظام الامام الخميني وبمباركته ، متهما اياه الخروج على " ولاية الفقيه " واستشهدت شقيقته حشمت ومعها طفلتها البالغة من العمر تسعة أشهر ، دفاعا عن شقيقها !!!
أما جعفر ، فهو خريج كلية الاقتصاد في بغداد والوالد البكر للعائلة اعدمه النظام البعثي الالحادي في العراق في حياة صدام ورئاسته للنظام وبمباركته متهما اياه التعاطف مع " ولاية الفقيه " !!! )
كان الامام - رحمه الله - يكره الظلم أينما كان ، ويحاربه ، ولذلك ظل في خطر داهم يترقب الشهادة على يد الظلمة .
والامام الموسوي بفكره النير وعقله المتنور كان يعرف الخلل الذي خرج منه أمثال هؤلاء الظلمة الحاكمين في ايران !
يقول الإمام - رحمه الله - وهو يضع المبضع على الجرح :
( لا بد من توضيح أمر هام حول التجاويف التي ادخلت في عقيدتنا نحن الشيعة الامامية ، الذي غير قناعاتي حول كثير من الاسباب التي كنت اعتقد أنها السبب فيما وصلنا إليه ، بقبول البدع والتعاقيد والتجاعيد ، وهو أن الشيعة بمفهومها العام ، أي شيعة علي وأهل البيت فقط ، كانت ضحية لمؤامرة خبيثة يمتد تاريخها من اللحظة التي تنازل الامام الحسن عن الخلافة ، غير أن هذه المؤامرة تغير شكلها ومضمونها على يد الخلافة العباسية وبمؤامرة منها ، وهي التي ادخلت كثيرا من البدع علينا للقضاء على الفئة الداعية الى احقية أهل البيت بعد انتهى عهد الشورى ، ان الخلافة العباسية غيرت محتوى التشيع بإدخالها تجاويفا وعقدا عليها ، لقد فرقت الخلافة العباسية بما ادخلته على الشيعة من البدع ، بين الامة الواحدة للسيطرة عليها ، ثم استمر بالمؤامرة علينا البويهيون والتتر وآل عثمان والصفويون يؤيدهم ولاة الفقه ... !
فالتقية التي اصبحت من سماتنا البارزة والمتعة التي كتبت على بنات الشيعة ، وتجريح السلف الصالح الموجود لدينا ، وترك صلاة الجمعة ، والشهادة الثالثة ، والغلو في مزار الأئمة والأولياء ، وغيرها من البدع التي ادخلت في عقيدتنا ونسبت إلينا ، بمؤامرة كنا نحن ضحاياها على يد تلك الجهات ... انها حقا اضخم مؤامرة فكرية تعرضت لها فرقة اسلامية على يد الحكام ، كل ذلك للقضاء على الهوية الشيعية الخالصة التي كانت من سمات الشيعة في عهد الأئمة حتى عصر الغيبة الكبرى )
ثم يواصل الامام - رحمه الله - منهجه العلمي بعد اكتشاف مكمن الخلل لينتقل إلى اجاد العلاج الناجع لحل تلك المعضلة .
يقول الإمام - رحمه الله - وهو يبذل كل الاخلاص :
( إن التصحيح هو الطريق الوحيد لإنقاذ الشيعة من الحالة الإخناتونية - أي الخنوع للبدع والخرفات - التي تعيش فيها ، وهو على وجه الحصر العودة إلى المذهب النقي الصافي الوضاء المتلآلئ الذي يمثل فقه الإمام الصادق على ضوء كتاب الله وسنة رسوله . ولم يكن الغرض من التصحيح إلا خلاص الشيعة من المحنة التي تعيش فيها فكريا ونفسيا وسياسيا واقتصادية واجتماعيا ، ولا يمكن الحصول على كل هذه المكاسب إلا بنبذ الانحراف والبدع والتجاويف والتجاعيد التي أدخلت في عقيدتنا النقية الصافية على يد بعض زعماء المذهب وولاة الفقه عبر التاريخ .
لقد عانينا نحن الشيعة الامامية عبر القرون على يد هذه الفئة بلاء وعناء وكربا ليس له مثيل ... لقد كنت أعتقد أن مأساتنا نحن الشيعة الإمامية ليست مأساة حكم وسياسة ورجال يحكمون بل مأساة تنبع من أنفسنا بسبب خضوعنا وقبولنا للبدع التي أدخلت في عقيدتنا واستغلها رجال الفقه لتثبيت حكمهم وسيادتهم ونحن بكل ما يقولون مطيعون ومنقادون ... هذا الذي دعاني إلى أن أنادي الشيعة بهذا النداء وأقول لهم : يـــــا شيعة العالم استيقظوا )
ويمضي الإمام - رحمه الله - في مدارج المصلحين ، يبذل جهده ماله واخلاصه ، فتستيقظ عيون النظام المذهبي للنور ، فيجهرها ويعميها ، وتتساقط طيور الظلام ، وخفافيش اليل ، من سياط الأضواء ، ووهج النور ، فترس الأشاعات بين أتباعها - الذين من أجلهم ضحى الامام الموسوي - بأن هذا الموسوي عدو صاحب الزمان المهدي ، وأن المهدي يلعنه ويمقته ، ويعد من يقتله بالجنة والفوز بالدرجة العالية ، ويتعرض الامام الموسوي إلى محاولة الإذاء والاغتيال ، ولكن الله ينجيه ويحفظه كما يحفظ المصلحين من كيد المفسدين .
فيغتم نواب المهدي ، وأصحاب الولاية الفقيهة ، فيطلقوا اشاعاتهم ورصاصت الغدر ، فتثار التهم على الإمام - رحمه الله - بانه يهودي يوالي اليهود ، عميل ، منافق ، عدو صاحب الزمان ، محارب أئمة الشيعة ، مرتشي ، خصم الشيعة ، ووو إلخ .
ولكن الإمام - رحمه الله - بقي يسير بقافلته قافلة التصحيح ، وزمرة ولاة الفقية تنبح !
إلى أن سقطت آخر ورقة من أيامه ، فانتقل إلى ربه ، ونفسه حانية على الشيعة ، وعينه دامعة عليهم ، يحاول أن يبذل أي شيء من أجل خلاصهم ونجاتهم .
رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته ، وجمعه مع أهل بيته نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، إنه على ذلك قدير ... آمين .
( ماذا قال علماء الشيعة ومثقفيهم عن دعوة الدكتور الإمام موسى الموسوي - رحمه الله )
وقف علماء الشيعة ومثقفيهم من قضية الامام - رحمه الله - مواقف مختلفة !
ففريق تابع النظام المذهبي - رغبة ورهبة - في عداوته وخصومته وحقده على دعوة الإمام التصحيحية ، فشن عليه الهجوم الشرس ، متسلحا بالتعصب المقيت ومتدرعا بالتهم والشتيمة والقذف .
وفريق تأمل دعوة الإمام ، فنظر وفكر ، ثم نظر وفكر ، فقدر ، فعلم أن دعوته من صميم مذهب أهل البيت - رضوان الله عليهم - وأنها الحق الذي ليس بعده إلا الباطل ، ولكنه تذكر ارتباطه بالثورة ، وارتباطه بالدعم ( اللوغوسي ) المالي والدولي والشعبي والاعلامي ، فإيقن بالاندثار أو التشريد والقتل إن صرح بالتأييد ، فآثر التقّية ، على نفسه وماله وأهله .
وفريق ظهرت له أنوار دعوة الامام فصدح بالحق وايد الامام ووقف بجانبه في ايامه الشديدة واللينة ، مؤمنا أن عملية الاصلاح لها ثمن قد يكون النفس أو المال أو الأهل !
ونحن هنا نوجز لكم شيئا من أقوال علماء ومفكري الشيعة الذين سجلوا كلماتهم في سجل حياة الامام رحمه الله .
(1) الدكتور محمد فاضل الجمالي - ( رئيس الوزراء العراقي سابقا والاستاذ في جامعة تونس حاليا ) .
يقول :
( العلامة الدكتور موسى الموسوي ... إن الموضوع الذي تعالجونه يشغل بالي منذ أكثر من ستين سنة ولي فيه مواقف وحوادث ... فلما تزوجت زوجتي الفاضلة سنة 1933م وكانت من أهل الكتاب رفض القاضي الشيعي تسجيل الزواج مدعيا أن جدكم العظيم يسمح بزواج الكتابية بالمتعة وليس بالعقد الدائم . الأمر الذي حملني على تسجيل الزواج في المحكمة السنية على المذهب الشافعي .
واظنكم تعلمون ان المغفور له السيد محسن الامين افتى بمنع القامات والمظاهر العنيفة في عاشوراء فلقي مقاومة عنيفة من بعض الجهات العالية .
ولا شك في أنكم تعلمون ايضا أن المرحوم السيد صالح جبر قضى على التطهير في " حوض الكر " في كربلاء هذا الحوض الذي كان مصدرا للامراض والاوبئة واظنكم تعلمون ان استاذي الشيخ محمد الخالصي - رحمه الله - منع الشهادة الثالثة في الآذان ، واعاد صلاة الجمعة في الكاظمية .
أنا مسرور جدا أن اراك في زمرة المصلحين الداعين إلى الوحدة والتآخي بين المسلمين ، واقول : إن المستقبل كفيل بالاصلاح فيما إذا حظي المسلمون بقادة مخلصين منورين ، فمشكلة تكوين المجتهدين تبقى عويصة في عصرنا هذا حتى نتفق على فلسفة متفتحة ، فالمستقبل للاسلام والتوحيد إن شاء الله .
المخلص / محمد فاضل الجمالي - 1988م )
(2) الأستاذ الدكتور محسن مهدي ( رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط ،واستاذ كرسي ) .
يقول :
( الأخ الدكتور موسى الموسوي ... تحية طيبة وبعد فشكرا جزيلا على ما تكرمت به من إتحافي بنسخة من كتابك " الشيعة والتصحيح " فهو والحق يقال برهان على أن بين الشيعة من يفكر ويصلح ويجمع شمل المسلمين على آراء صحيحة مصححة تاريخيا وعقائديا ويفند مزاعم الذين يدعون أن الإسلام والشيعة طائفة الخرافات عقائدها ، والفرقة غايتها ، أعانك الله وحفظك للاسلام والمسلمين ، واتمنى أن اسمع المزيد من أعمالك الباهرة .
المخلص / محسن مهدي - 1988م )
(3) العلامة الدكتور عبد الرزاق البصير - ( كاتب وأديب معروف )
يقول :
( حضرة الأستاذ موسى الموسوي ... تحية ملؤها الاكبار والاعجاب وبعد ...
فإن كاتب هذه السطور قدر له أن يمارس الخطابة على منابر الحسينيات مدة أكثر من 14 سنة ، وقد اقتضت منه هذه الحرفة أن يذهب الى البحرين والاحساء وايران كان كان في خلال هذه المدة يمارس مهنة القضاء على المذهب الشيعي بطبيعة الحال .
وقد غرس الله فيّ طبيعة حب الاطلاع ، أكتب إليكم هذا لامن باب الفخر والمباهاة وانما من باب التعريف ، ويود كاتب هذه السطور أن يقول إنه ابتعد عن المنابر لانه يحمل أفكارا تضمنها كتابكم القيم " الشيعة والتصحيح " !
إن أفضل كتاب قرأته حتى الآن هو كتابكم المشار إليه ، فلقد رسمتم فيه صورة صادقة عن مذهب الشيعة فجزاكم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين .
ولقد بلغ من اعجاب كاتب هذه الأسطر بكتابكم أنه صوره ليعطيه بعض اصدقائه من المثقفين السنة ليطلعوا عليه ، فما من أحد وقف على هذا الكتاب إلا وملك عليه نفسه !
وفقنا الله جميعا لما فيه خدمة الإسلام والمسلمين .
عبد الرزاق البصير )
(4) الدكتور جواد محمد الصديقي - ( الأستاذ في جامعة المستنصرية - بغداد )
يقول :
( العلامة الفاضل الدكتور موسى الموسوي ... المحترم
تحية الاسلام وبعد ..
في سنوات طويلة وأنا اتلمس طريقي في الصراع العقائدي الذي يعانيه شبابنا المثقف ، وعندما جاءت الثورة الايرانية أرادت أن تفرض آراء معينة في الفكر الشيعي لتعمق هذا الصراع وتزيده حدة حتى وجدت المذهب الذي اعتنقه لا يزيد عن بكاء ونحيب وتقبيل اقفاص ذهبية وكيل الاتهامات والسباب للاخرين والتماس الرضى من الكهنة .
وصرت اتساءل هل يبعث الله لهؤلاء المسلمين من يوضح لهم دينهم ويجدد لهم عقيدتهم؟
ولم يطل انتظاري حتى وجدت الله قد اظهركم إماما هاديا وعالما مجددا من أولئك الذين يظهرهم الله كل مائة عام فيقولون كلمتهم صريحة صادقة مخلصة حتى لو اغضبت رجال الدين !
ولكن دينا قد أردت صلاحه ..... أحاذر ان تقضي عليه العمائم .
وحقا ما يحدث في ايران .. سيؤدي إلى ردة دينية فيها ، وقد تكون ردة إلحادية أو مجوسية يقضي فيها على الإسلام ( وهذا فعلا ما يحدث في ايران اليوم - تعليق الملاك الطائر) وعليه فمن الواجب النهوض بحركة تصحيح شاملة كما هو حادث على يديكم ، وذلك منعا من تسلل الأفكار الهدامة وكالشيوعية والإلحاد وبذلك نستطيع أن ننقذ الشباب من الحيرة التي يعيشونها ونضع امامهم الاسلام على حقيقته كما يجب أن يكون .
إن دعوتكم ستجد معارضة من المتزمتين والحاقدين الذين يجب الحذر منهم واليقظة من كيدهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، والله ناصرك .
د. جواد الصديقي - 1989م )
هذه مجموعة قليلة مختارة من كثير من أقوال علماء ومثقفين شيعة .
وأرى أنه من المناسب أن أختم حديثنا هذا بأبيات للشيخ أحمد بزيغ الياسين (العلامة الاديب المشهور ) ... يقول :
أنــــــــا شيعي وهذا مذهبي **** مذهب التصحيح موسى ألفــــــه
وفي الختام ...
رحم الله الإمام موسى الموسوي ...
فقد جاهد في الله حق جهاده - ولا نزكي على الله أحد - وأبلى فأحسن البلاء ، وأخلص لشيعته ، فنصح لهم وتخلى عن بهرج الدنيا والأخماس وغيرها من الألقاب الشيعية ، لأجل من ترك ذلك كله ؟
لأجل ربه الذي لاقاه بنفس راضية ، ثم لأجل يا شيعي ، لأجل كرامتك ، وعزتك ، وأعراضك التي تنهك من الآيات باسم متعة أهل البيت ، من أجل مالك الذي تمتصه خفافيش الظلام باسم خمس أهل البيت .
تقديم
كلمة لا بد منها
بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله
وبعد أن ولدت ونشأت وترعرعت في بيت الزعامة الكبرى للطائفة الشيعية ودرست وتأدبت على يد أكبر زعيم وقائد ديني عرف تاريخ التشيع منذ الغيبة الكبرى[1] وحتى هذا اليوم وهو جدنا الإمام السيد " أبو الحسن الموسوي " الذي قيل فيه أنسى من قبله واتعب من بعده )[2]
في مثل هذه البيئة بكل ما قيل ويقال في التشيع والشيعة وبكل الظروف والملابسات التي كانت تحكي عن الخلاف الطائفي بين الشيعة والسنة والذي دام قروناً وقروناً كنت أعيش آلام الخلافات المريرة بين الشيعة والفرق الإسلامية الأخرى وأشاهد عواقبها الوخيمة عن كثب في ظل خطوات جريئة وعزومة كان جدنا الإمام الأكبر يخطوها لتخطي الصعوبات في إرساء العلاقة الصحيحة بين الشيعة والسنة للوصول إلى الوحدة الكبرى بين الطائفتين التي كانت تصطدم بالسياسات الاستعمارية الحاكمة في العالم الإسلامي التي كانت تساندها عقول متحجرة وأناس متعصبون ومتاجرون بالطائفة البغيضة بدأت أدرك خطورة المهمة وقداستها في نفس الوقت.
وقد زادني إيماني بها عندما بدأت أعرف أن السبب في قتل والدي بين صلاة المغرب والعشاء في الحضرة العلوية في النجف الأشرف وعلى يد مجرم في لبوس رجل الدين الذي ذبحه كالكبش وهو يصلي في المحراب، إنما كانت خطة استعمارية لكي تثني السيد أبو الحسن عن خطواته الإصلاحية ولكن السيد أبو الحسن احتمل المصيبة صابراً محتسباً لله وضرب أروع الأمثال في تلقين المصلحين درساً لا زال التاريخ الشيعي لا ينساه ألا وهو العفو عن القاتل الذي قتل فلذة كبده وأعز الناس إلى قلبه وذلك ليثبت أن قلب المصلح لا تزلزله العواصف ولا تضعفه المصاعب ولا تتحكم فيه الأحقاد والثارات وأنه يبقى كالطود الشامخ يذود عن العقيدة التي يريد إرساءها في المجتمع ولدى الفرد.
وبعد كل هذا كان من الطبيعي أن تتكون لدي فكرة الانطلاق نحو تصحيح الشيعة في بعض عقائدها أو أعمالها ولا سيما تلك التي سببت الخلاف مع الفرق الإسلامية الأخرى والتي كانت بحد ذاتها تتناقض مع روح الإسلام والمنطق السليم وهي كما أعتقد كانت ولم تزل وبالاً على المذهب الشيعي حيث أدت إلى تشويه سمعته ومسخ معالمه في العالم الإسلامي بل وفي العالم كله.
واعتقد في الوقت نفسه أن سرد الأسباب لا يكفي لحل المعضلة فحسب بل لا بد من تقديم حلول عملية أطلب من الشيعة في كل أرجاء الأرض أن يلتزموا بها إذا أرادوا خيري الدنيا والآخرة معاً، وقد وصلت إلى نتيجة حاسمة في تتبعي للخلاف بين الشيعة الإمامية والفرق الإسلامية الأخرى هو أن الخلاف بينهما ليس بسبب بعد رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ أو أن الإمام علياً أولى بالخلافة من غيره، لأنني أرى الشيعة الزيدية وهي تؤلف طائفة كبيرة تربو على الملايين تعتقد بأحقية عليٍّ بالخلافة بعد الرسول الكريم ولكن الوئام والأخوة والمحبة يسود بينها وبين أهل السنة والجماعة.
فإذاً إن السبب الأساسي في الخلاف بين الشيعة الإمامية والفرق الإسلامية الأخرى ليس هو موضوع الخلافة بل هو موقف الشيعة من الخلفاء الراشدين وتجريحهم إياهم الأمر الذي لا نجده عند الشيعة الزيدية وبعض الفرق الأخرى ولو اكتفت الشيعة الإمامية بسلوك الزيدية لقلت الخلافات ولضاقت مساحة الشقاق ولكن الشيعة الإمامية وقعت في الخلفاء الراشدين تجريحاً وانتقاصاً فكانت الفتنة.
وقد كنت أدعو الله في آناء الليل وأطراف النهار أن يلهمني العلم والبصيرة ويمنحني القوة والتوفيق لآداء رسالة التصحيح التي كنت أصبو إليها منذ سنيِّ الشباب فكانت نتيجة تلك الدعوات الصالحات هي كتابي هذا " الشيعة والتصحيح: الصراع بين الشيعة والتشيع " الذي أقدمه اليوم إلى الشيعة في كل زمان ومكان.
إنه نداء للشيعة مبعثه الإيمان المطلق بالله وبرسالة الإسلام الخالدة وبقوة المسلمين وكرامة الإنسان، إنه نداء يدعو إلى الطرق الإصلاحية الكبرى لمحاولة إنهاء الخلاف الطائفي بين الشيعة والفرق الإسلامية الأخرى إلى الأبد وإلى أن تقوم الساعة، إناه صرخة لله ولاستيقاظ الشيعة من نوم عميق دام ألفاً ومائتي عام، إنها قصة الصراع المرير بين المسلمين حتى يومنا هذا، إنه نداء العقل والإيمان إلى الشيعة كي تنفض عن نفسها غبار السنين وتثور ثورة لا هوادة فيها ولا انتظار على تلك الزعامات المذهبية التي سببت لها هذا التخلف الكبير في الحياة الدينية والفكرية والاجتماعية وهكذا يدفعني اعتقادي وواجبي أن أوصي ملايين الشيعة وأؤكد عليهم قراءة هذا الكتاب ( فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ) النمل 92 صدق الله العظيم.
الإمامة والخلافة
بدأ الصراع بين الشيعة والتشيع عندما حرفت الشيعة معنى التشيع من حب الإمام علي وأهل البيت إلى ذم الخلفاء الراشدين وتجريحهم بصورة مباشرة وتجريح الإمام علي وأهل بيته بصورة غير مباشرة.
الإمامة والخلافة
فكرة الخلافة حتى القرن الرابع الهجري
الشيعة والتشيع
الانحراف
التصحيح
عقيدة الشيعة الإمامية في الخلافة:
كلما تعمقت في الشيعة والتشيع وعقائد الإمامية أجد أن هناك هوة عظيمة تفصل بينالشيعة والتشيع قد تصل في بعض الأحيان إلى التناقض الصارخ ، حيث أرى بوضوح أنالتشيع شيء والشيعة شيء آخر ، وكلما تعمقت في تاريخ الصراع بين الشيعة والتشيعتتجلى أمامي العصور الثلاثة التي انبثق فيها الصراع مبتدئا بالعصر الأول وهو عصرظهور الصراع الفكري بعد الغيبة الكبرى الذي مهد الطريق للعصر الثاني وهو ظهورالدولة الصفوية على يد مؤسسها الشاه إسماعيل الصفوي في عام 907 هـ وتأسيس الدولةالشيعية في إيران ، ومن ثم عصر الثالث وهو عصر الصراع الأخير الذي نشاهده في حياتناالمعاصرة بين الأفكار الشيعية الحديثة والتشيع ، نلك الأفكار التي عصفت بالمجتمعالشيعي وأدت إلى نتائج حزينة لاتتحملها الأرض ولا السماء ..
ولكي نضع النقاط علىالحروف في رسالتنا الإصلاحية هذه لابد من طرح الأفكار بصورتها الحقيقية ، ومن ثمإنارة الطريق لكي يكون القارىء على بينة من أمره ..الإمامة هي الحجر الأساسي فيالمذهب الشيعي الإمامي ، وهكذا في المذهب الزيدي والإسماعيلي ، ومنها يتفرع كل ماهومثار للجدل والنقاش مع الفرق الإسلامية الأخرى ، فالشيعة الإمامية تعتقد أن الخلافةفي علي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعد علي في أولاده حتى الإمامالثانيعشر الذي هو محمد بن الحسن العسكري الملقب بالمهدي إن رسول الله صلى الله عليه وسلمألمح إلى الخلافة لعلي من بعده في مواطن كثيرة ونص على ذلك في مواطن أخرى أشهرها فيموقع يسمى غدير خم عند رجوعه من حجة الوداع ، حيث عقد البيعة لعلي وقال:
" منكنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه "
كان ذلك في شهر ذيالحجة من العام العاشر بعد الهجرة ،.......، أما الفرق الإسلامية الأخرى فترى أنالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخلف أحدا من بعده بل جعل الأمر شورى بين المسلميننزولا عند نص الكتاب ....
هذا هو ملخص الخلاف بي الفريقين ولكل فرقة آراؤهاوأدلتها حيث ألف علماء الفريقين في هذا الموضوع مئات الكتب المطولة والمختصرة ، ولمتنفع تلك الكتب بطولها وعرضها في زحزحة الشيعة عما تعتقده في الخلافة ، أو زحزحةالسنة عما تراه أولى بالاتباع ، غير أن المشكلة القصوى هي أن الخلاف الفكري لميتوقف إلى هذا الحد ، بل اتخذ شكلا خطيرا ، كلما مرت السنوات وبعد العهد عن عصرالرسالة ، ولو أن الخلاف بقي محصورا عند هذا الحد لكان الخطب هينا ، والعالمالإسلامي لم يشاهد في تاريخه الطويل كثيرا من المحن والمصائب التي حلت به بسببالمتفرعات من فكرة الخلافة والخلاف فيها .
وكما أشرنا ...فإن الخلاف الفكريتجاوز حدود البحث العلمي والاختلاف في الرأي ، بل اتخذ طابعا حادا وعنيفا عندمابدأت الشيعة تجرح الخلفاء الراشدين وبعض أمهات المؤمنين ، وذلك بعبارات قاسيةوعنيفة لاتليق بأن تصدر من مسلم نحو مسلم ، ناهيك عن أن تصدر من فرقة إسلامية نحوصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه ، صحابة لهم مكانة كبيرة في قلوب المسلمين، وأزواج للنبي عبر الله عنهن بأمهات المؤمنين.
وهنا ظهر على ساحة الخلاف عدم التكافؤ بين الفريقين في طريقة التفكير والعقيدة، فالفرق الإسلامية كلها تحب علياً وتكرمه شأنه شأن الخلفاء الذين سبقوه وتحترم أهل بيت رسول الله ﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ وتصلي عليهم في الصلاة في كل صباح ومساء، ولكن الشيعة لها موقف آخر من خلفاء المسلمين موقف فيه العنف والقسوة والكلام الجارح.
فكانت النتيجة ظهور رد فعل عنيف من قبل علماء الفرق الإسلامية الأخرى للدفاع عن أعز وأكرم خلفائهم، فألَّف ودوّن كتاب السنّة وعلماؤها في الشيعة الكتب المطولة والمختصرة معيرة إياها بالكفر مرة وبالخروج عن الإسلام مرة أخرى وهكذا شغلت فكرة الخلافة حيزاً كبيراً من الكتب الإسلامية عند الفريقين ولا زالت الأقلام تكتب والمؤلفات تنتشر وكأن المسلمين بكل طبقاتهم لا يواجهون مشكلة في هذه الدنيا المليئة بالأحداث والمكاره إلا مشكلة الخلافة فحسب.
لكن الحيرة كل الحيرة هي الطريقة التي اتبعتها الشيعة في معالجتها لمشكلة الخلافة فهي تتناقض كل التناقض مع سيرة الإمام علي وسيرة أولاده من أئمة الشيعة، ولذلك تتملكني الحيرة والدهشة عندما أرى أن شعار الشيعة هو حب الإمام علي وأولاده ولكنهم يضربون عرض الحائط سيرة علي والأئمة من ولده.
وهنا أود أن أتحدث مع الشيعة بلغتهم وفي نطاق معتقداتهم كي تكون حجة عليهم ولذلك فلا بد من القول إنني أواجه أمرين متناقضين: أحدهما التشيع والآخر الشيعة، ومن هنا بدأْتُ أستنتج أن ذلك الصراع الذي حدث بين الشيعة والتشيع بعد الغيبة الكبرى مباشرة هو السبب الأساسي لكل الانحرافات التي حدثت في الفكر الشيعي بعد الغيبة الكبرى وإلى يومنا هذا، ونحن نعتقد أن ذلك الانحراف سبب الشقاق بين الشيعة وسائر الفرق الإسلامية والذي سنفصله في هذا الكتاب كلاً في فصل خاص به.
فكرة الخلافة في عهد الرسول ﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾:
إذا درسنا موضوع الخلافة في عصر الرسول ﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ وبعد وفاته بصورة مستفيضة لوصلنا إلى نتيجة مؤكدة لا يختلف عليها اثنان هي: أن فكرة الأولوية والأفضلية لخلافة النبي الكريم ظهرت بعد وفاته مباشرة فهذا " عباس بن عبد المطلب " يخاطب الإمام علياً عندما كان مشغولاَ بتجهيز النبي ﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ وكفنه أعطني يدك لأبايعك حتى يقول القوم عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله ) فيقول له الإمام وهل يطمع فيها طامع غيري ثم إنني لا أريد أن أبايع من وراء رتاج ) ..... واجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة لينظروا في أمر الخلافة وقالت الأنصار للمهاجرين منا أمير ومنكم أمير ) وكادت تحدث فتنة بين المجتمعين لولا أن الخليفة " عمر بن الخطاب " حسم الأمر وبايع أبا بكرٍ فبايعه المسلمون بعد ذلك وترك " سعد بن عبادة " شيخ الخزرج الاجتماع غاضباً لأنه كان يرى نفسه أولى بالخلافة من غيره، وتخلف الإمام " عليّ " عن البيعة بعض الوقت إلا أنه بايع الخليفة الجديد " أبا بكر " وهو راض عن البيعة مقبل عليها، غير أن فكرة الأولوية كانت تراود نفس الإمام ومعه السيدة " فاطمة الزهراء " وبعض صحابة الإمام وبني هاشم حتى أن الخليفة " عمر بن الخطاب " قال لابن عباس وهو يشير إلى " عليّ " ( أما والله إن كان صاحبك هذا أولى الناس بعد رسول الله ﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ إلا أنا خفناه على اثنين: حداثة السن وحبه بني عبد المطلب[3] ).
ومرة أخرى نستمع إلى الخليفة " عمر بن الخطاب " وهو على فراش الموت يشير إلى الإمام " علي " ويقول والله لو وليتموه أمركم لحملكم على المحجة البيضاء[4] ).
ومن هنا يمكن القول: إن فكرة التشيع لعليٍّ بالمعنى الذي أشرنا إليه ظهرت بعد وفاة النبي ﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ واستمرت حتى القرن الثالث الهجري حيث كان التشيع يعني أن الإمام " علياًّ " أولى بالخلافة وأحق بها من غيره ولكن المسلمين نزولاً لأوامر القرآن الكريم الذي يقول وأمرهم شورى بينهم ) الشورى 38
ارتضوا " أبا بكر " خليفة والإمام ارتضاه كما ارتضاه غيره وبايعه كما بايعه غيره وهكذا كان موقفه مع الخليفتين " عمر بن الخطاب " و " عثمان بن عفان " فبايعهما وأخلص لهما في المشورة والرأي.
..........
ــــــــــــــــــــــ
[1]- الغيبة الكبرى تعني: الإمام المهدي الثاني عشر عند الشيعة الإمامية الذي غاب عن الأنظار في عام 329هـ راجع فصل الإمام المهدي.
[2]- قائل هذا الكلام هو الإمام الراحل الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء رحمه الله.
[3] - شرح نهج البلاغة ج1 ص124
[4] - شرح نهج البلاغة ج1 ص 64
التشيع في القرن الثاني الهجري:
منذ أوائل القرن الثاني للهجرة أخذت فكرة التشيع تمثل مذهباً فقهياً هو مذهب أهل البيت وقد تجلى هذا المذهب في زمن انبثقت فيه المذاهب الفقهية الكبيرة الإسلامية الأخرى كالمذهب المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي، وتجلت مدرسة أهل البيت في مدرسة الإمام الصادق الإمام السادس للشيعة الإمامية، وقد كانت الفكرة التي تساند مذهب أهل البيت هي الفكرة القائلة بأنه إذا كان الإمام " عليّ " أولى بالخلافة من غيره فأولاده ومن ثم حفيده الإمام " جعفر بن محمد الصادق " الذي كان يعتبر من أفقه فقهاء عصره أجدر بأن يتبع في مسائل الدين وشؤونه من غيره من الفقهاء، وهكذا ظهرت المدرسة الفقهية الجعفرية إلى الوجود في عهد الإمام " الصادق " الذي كان يلقي محاضراته ودروسه في الفقه وفي علوم أخرى على تلاميذه في المدينة المنورة آنذاك.
ولا بد من الإشارة إلى أن التشيع " لعلي " وأهل بيته بدأ يأخذ شكلاً خطيراً بعد مقتل الإمام "
الحسين " الذي أحدث رد فعل عنيف في العالم الإسلامي وكانت نتيجته المباشرة حدوث ثورات متتاليات أدت إلى سقوط الدولة الأموية ومن بعدها المروانية وقيام الخلافة العباسية.
وكما نعلم فقد حدثت ثورات متتاليات باسم التشيع " لعليّ " وأهل بيته منها ثورة " المختار " وثورة " مصعب بن الزبير " وثورة " زيد بن علي بن الحسين " التي انتهت إلى استشهاده واستشهاد صحبه، كما أن الثورة التي قطف ثمارها " العباسيون " والتي أطاحت بالخلافة الأموية في المشرق الإسلامي إلى الأبد قد بدأت باسم التشيع لأولاد " عليّ " وأهل بيت رسول الله ﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ و " أبو مسلم الخراساني " كان يدعو لأهل البيت في إبان القيام بثورته ولكنه انحاز إلى العباسيين في قصة معروفة جاء ذكرها في كتب التاريخ.
وكان أئمة الشيعة في عهد الخلفاء العباسين يتمتعون باحترام عظيم لدى المسلمين، كما أن فكرة الإسلامية الأولوية والأحقية في خلافتهم كانت تراود كثيراُ من الناس، فلولا الرأي العام الإسلامي بأحقية أهل البيت بالخلافة لما اختار " المأمون العباسي " الإمام " علي الرضا " ولياً للعهد غير أن الرضا توفي في عهد " المأمون " واستمرت الخلافة في العباسيين.
فإذاً إن فكرة التشيع " لعلي " وأهل بيته والتي كانت تظهر بمظاهر مختلفة في المجتمع الإسلامي آنذاك كان لها أنصارها المتحمسين، ونستنتج من كل هذه المقدمات أن فكرة التشيع كانت موجودة في القرون الثلاثة الأولى بعد الهجرة وهذه الفكرة كانت تنحصر في النقاط التالية:
أولاً – إن " علياً " أولى بالخلافة من غيره ولكن المسلمين بايعوا الخلفاء الراشدين و " عليٌّ " بايعهم ثم بايع المسلمون " علياً " بعد " عثمان " فلا غبار على شرعية خلافة الخلفاء الراشدين من " أبي بكر " إلى " علي " .
ثانياً – إظهار العداء للأمويين وذلك لموقف " معاوية " من " علي " ومقتل الإمام " الحسين " في فاجعة " الطف " وسب الخلفاء الأمويين " علياً " على المنابر زهاء خمسين عاماً إلى أن قام بالأمر " عمر بن عبد العزيز " الخليفة الأموي فنهى عن سب الإمام.
ثالثاً – الرجوع إلى أهل البيت في الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية.
رابعاً – أهل البيت ولا سيما الأئمة من أولاد " الحسين " أولى بالخلافة من الأمويين والعباسيين.
بداية الانحراف في الفكر الشيعي:
وبعد الإعلان الرسمي عن غيبة الإمام المهدي في عام / 329 / هـ حدثت في التفكير الشيعي أمور غريبة أدعوها ( بالصراع بين الشيعة والتشيع ) أو عهد ( الانحراف ) وكانت أولى هذه الأمور في الانحراف الفكري ظهور الآراء القائلة: بأن الخلافة بعد الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ كانت في " عليٍّ " وبالنص الإلهي وأن الصحابة ما عدا نفر قليل منهم خالفوا النص الإلهي بانتخابهم " أبا بكر " كما ظهرت في الوقت نفسه آراء أخرى تقول: إن الإيمان بالإمامة مكمل للإسلام وحتى أن بعض علماء الشيعة أضافوا الإمامة والعدل إلى أصول الدين الثلاثة التي هي: التوحيد – النبوة – والمعاد ، وقال بعضهم بأنها من أصول المذهب وليس من أصول الدين وظهرت روايات تنقل عن أئمة الشيعة فيها تجريح بالنسبة للخلفاء الراشدين وبعض أزواج النبي.
ومن الجدير بالذكر أنه حتى في خلافة " معاوية بن أبي سفيان " وعندما كان يأمر بسب الإمام " علي " على المنابر وحتى بعد مقتل الإمام " الحسين " وظهور الثورات الداعية إلى الأخذ بالثأر وفي العهود التي كان التشيع يعصف بالخلافة الأموية ويقصم ظهرها ويمهد الطريق للخلافة العباسية لم نجد أثراً لدى المتشيعين " لعلي " وأهل بيته للآراء الغريبة التي ظهرت فجأة في المجتمع الإسلامي بعد الغيبة الكبرى، تلك الآراء التي ساهم بعض رواة الشيعة وبعض علماء المذهب في بثها ونشرها وغرسها في عقول الساذجين من أبناء الشيعة.
وظهرت في الوقت نفسه فكرة " التقية " التي كانت تأمر الشيعة بأن تعلن شيئاً وتضمر شيئاً آخر وذلك لحماية الآراء الحديثة التي كانت بحاجة إلى الكتمان سواء لنشرها أو لحمايتها من السلطة الحاكمة، ولكي يكون لهذه الآراء الغريبة رصيد ديني لا يجوز التشكيك فيها نسب رواة تلك الروايات الغريبة إلى أئمة الشيعة ولا سيما إلى الإمامين " الباقر " و " الصادق " ولتثبيت صحة تلك الروايات وعدم الخوض في مضامينها وقبولها كما ذكرت فقد ظهرت فكرة عصمة أئمة الشيعة في ذلك العهد لكي تكون رصيداً آخر يجعل من تلك الروايات الغريبة روايات مقدسة لا تخضع للنقاش والجدل والبحث والنقض ، وقد أفردنا لتلك الآراء الغريبة الدخيلة والتي لها علاقة مباشرة بتكوين المذهب الشيعي فصولاً خاصة سنناقشها فيما بعد في هذا الكتاب، أما الآن فلنعد إلى مبحث الإمامة والخلافة لكي نناقش المتغيرات التي أحدثها الرواة وعلماء المذهب فيها بعد الغيبة الكبرى.
إن المتتبع المنصف للروايات التي جاء بها رواة الشيعة في الكتب التي ألفوها بين القرن الرابع والخامس الهجري يصل إلى نتيجة محزنة جداً وهي أن الجهد الذي بذله بعض رواة الشيعة في الإساءة إلى الإسلام لهو جهد يعادل السموات والأرض في ثقله، ويخيل إليَّ أن أولئك لم يقصدوا من رواياتهم ترسيخ عقائد الشيعة في القلوب بل قصدوا منها الإساءة إلى الإسلام وكل ما يتصل بالإسلام، وعندما نمعن النظر في الروايات التي رووها عن أئمة الشيعة وفي الأبحاث التي نشروها في الخلافة وفي تجريحهم لكل صحابة الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ ونسفهم لعصر الرسالة والمجتمع الإسلامي الذي كان يعيش في ظل النبوة لكي يثبتوا أحقية " علي " وأهل بيته بالخلافة ويثبتوا علو شأنهم وعظيم مقامهم نرى أن هؤلاء الرواة – سامحهم الله – أساءوا للإمام " علي " وأهل بيته بصورة هي أشد وأنكى مما قالوه ورووه في الخلفاء والصحابة، وهكذا تشويه كل شيء يتصل بالرسول الكريم﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ وبعصره مبتدئاً بأهل بيته ومنتهياً بالصحابة، وهنا تأخذني القشعريرة وتمتلكني الحيرة وأتساءل: أليس هؤلاء الرواة من الشيعة ومحدثيها قد أخذوا على عاتقهم هدم الإسلام تحت غطاء حبهم لأهل البيت؟ ماذا تعني هذه الروايات التي نسبها هؤلاء إلى أئمة الشيعة وهم صناديد الإسلام وفقهاء أهل البيت؟ وماذا تعني هذه الروايات التي نسبوها إلى أئمة الشيعة وهي تتناقض مع سيرة الإمام " علي " وأولاده الأئمة وكثير منها يتناقض مع العقل المدرك والفطرة السليمة؟ وإنني لا أشك أن بعضاً من رواة الشيعة ومحدثيها ومن ورائهم بعض فقهاء الشيعة قد أمعنوا في هذا التطاول على أئمة الشيعة وفي وضع روايات عنهم عندما أعلن رسمياً بحدوث الغيبة الكبرى، ونقل عن الإمام المعدي قوله: من ادّعى رؤيتي بعد اليوم فكذبوه[1] ).
وهكذا سدت الأبواب كلها للاتصال بالإمام وللسؤال عن صحة الروايات التي نسبت إليه وإلى أجداده الأئمة الطاهرين، وهكذا خلا الجو للمتربصين بالتشيع والإسلام معاً فصفَّروا ونقَّروا وكتبت أقلامهم ما شاءت وما ارتأت.
ولكي أكون واضحاً أود أن أضع النقاط على الحروف وأبدأ بالخلافة لكي نرى أن ما رووه في حق الخلفاء وصحابة الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ يصطدم اصطداماً كبيراً بسيرة الأمام " علي " وأهل بيته، ونرى بعد ذلك كيف أن هؤلاء الرواة وبعض علماء الشيعة لتعزيز آرائهم ولتفنيد مواقف الإمام الصريحة وأهل بيته التي تفند ما نسبوه إليهم ناقضوا مواقف الإمام " علي " والأئمة من بعده بصورة ملتوية ظاهرها مليح وباطنها قبيح لكي يثبتوا آراءهم حسب أهوائهم.
موقف الإمام " علي " من الخلافة
قلنا قبل قليل أن التشيع كان يعني حب الإمام " علي " وأهل بيته وإعطاءه حق الأولوية في الخلافة وإعطاء أولاده مثل هذا الحق من بعده ولا أعتقد أن هناك أحد لا يعرف الأسباب الدافعة إلى هذا الاعتقاد، فالإمام " علي " ترعرع ونشأ في بيت الرسول الكريم﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ وهو يحدثنا عن تلك النشأة بقوله: وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني إلى فراشه ويُمسني جسده ويشُمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل )[2]
ويستمر الإمام في بيان منزلته عند رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ ويقول:
( ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال هذا الشيطان أيس من عبادته إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك لعلى خير ).
ولنستمع إليه مرة أخرى وهو يقول: ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وإن رأسه لعلى صدري ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله والملائكة أعواني فضجت الدار والأفنية .... ملأٌ يهبط وملأٌ يعرج وما فارقت سمعي هيمنة فهم يصلون عليه حتى واريناه في ضريحه فمن ذا أحق به مني حياً وميتاً فانفذوا على بصائركم[3] ).
وهذا هو الإمام " علي " يصف نفسه وموقعه من رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ مرة أخرى في كتاب بعثة واليه في البصرة " عثمان بن حنيف " جاء فيها: وأنا من رسول الله كالصنو والذراع من العضد ) وبعد كل هذا فالإمام هو زوج " الزهراء " وأبو الحسنين وبطل المسلمين ومن أعظم بناة الإسلام ودافع عن الرسول الكريم ورسالته بقلبه ولسانه ودمه وعرقه وهو بعد غلام لم يبلغ الحلم وقد شاء الله أن تكون شهادته حيث كان مولده فقد ولد " علي " في بيت الله واستشهد في بيت الله، وقد تكتمل الصورة المشرقة " لعلي " وجهاده وموقعه من قلب الإسلام عندما نعلم علم اليقين وحسب الأحاديث المتواترة الصحيحة التي رواها رواة الشيعة والسنة على السواء في حب الرسول الكريم﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ " لعلي " وتقديره إياه، فالنبي زوجَّه " فاطمة الزهراء " بأمر من السماء ورفض أولئك الذين تقدموا لخطبتها بقوله: إنما أنتظر بها القضاء ) وعندما نزل القضاء تم ذلك الزواج الميمون بين " علي " و " فاطمة ".
وفي غزوة الخندق يصف النبي الكريم " علياً " بجملتين تضاهيان كل الأحاديث التي رويت عنه في فضائل " علي " حقاً عن كل حرف من تلك الكلمات الخالدات المشرقات يعتبر وساماً نبوياً ينصبه محمد﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾على صدر " علي بن أبي طالب " إنه وسام أعطى الجهاد والإخلاص والتفاني والإيمان بالله موقعه السرمدي في حياة الدهر وتخليد العظماء، والجملتان صدرتا عن الرسول في خلال ساعة أو أكثر منها بقليل وذلك عندما ذهب " علي " ليلتقي بعدو الإسلام وبطل المشركين " عمرو بن ود " والذي كان يبارز لوحده جماعات ورجالاً قال﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: اللهم برز الإسلام كله إلى الشرك كله﴾ وعندما وقع " عمرو " صريعاً بسيف " علي " قال﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين[4] ﴾.
إن المتتبع لحياة الرسول الكريم والإمام يصل إلى نتيجة أكيدة وهي: أن الوشائج التي كانت تربط " محمداً "﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ بـِ " علي " كانت أقوى بكثير من وشائج القربى إنها صلات روحية مترابطة متماسكة أصلها في السماء وفرعها في قلبي الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ وابن عمه ولذلك لا نستغرب أبداً عندما نلمس في " علي " نفحات من نفحات النبي فهذا هو رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ يدافع عن رسالته بكلمته الخالدة التي قالها للمشركين: والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر عن يساري لأترك هذا الأمر ما فعلت ) وهذا هو " علي " يدافع عن إيمانه بالله ويقول: فوالله لو أعطيت الأقاليم السبعة وما تحت أفلاكها أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت). وبعد كل ما ذكرناه ورويناه فقد يكون من الطبيعي أن يرى " علي " نفسه أولى بخلافة محمد﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ من غيره، ومن الطبيعي أيضاً أن تعتقد فئة من الناس بذلك وتتحمس لها أشد التحمس وتجد الفكرة لها مؤيدين وأنصاراً كما أن من الطبيعي أيضاً أن نقرأ في قلب محمد﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ ولسانه ما يدل على استخلاف " علي " بعد وفاته.
الإمام " علي " يؤكد شرعية بيعة الخلفاء
ولكن هل يعني كل هذا - وهذا بيت القصيد وحجر الأساس في كل ما يتعلق بالإمامة وشؤونها المتفرعة منها – أن هناك نصاً إلهياً بتعيين " علي " لخلافة الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ أم أنها رغبة شخصية من رغبات رسول الله الخاصة؟ الإمام " علي " كان يقول: لا نص عليه من السماء وصحابة " علي " والذين عاصروه كانوا يعتقدون بذلك أيضاً وقد استمر هذا الاعتقاد حتى عصر الغيبة الكبرى وهو العصر الذي حدث فيه التغيير في عقائد الشيعة وقلبها رأساً على عقب.
ومرة أخرى نقول: هل هناك فرقاً كبيراً بين أن يعتقد الإمام " علي " والذين كانوا معه انه أولى بخلافة الرسول الكريم﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ من غيره ولكن المسلمين اختاروا غيره وبين أن يعتقد أن الخلافة حقه الإلهي ولكنها اغتصبت منه، والآن فلنستمع إلى الإمام " علي " وهو يحدثنا عن هذا الأمر بكل وضوح وصراحة ويؤكد شرعية انتخاب الخلفاء وعدم وجود نص سماوي في أمر الخلافة: إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد .... وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضىً، فإن خرج من أمرهم خارجبطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين)[5].
وقبل أن أتحدث عن موقف الإمام " علي " بالنسبة للخلفاء الذين سبقوه وقبل أن نسهب في هذا الأمر ونستشهد بأقوال أخرى للإمام حيث أن لهذا الموقف أهميته القصوى في كشف الحقيقة وإنارة الواقع لا بد من التفصيل حول رغبات النبي الشخصية وذلك الجانب السماوي الذي كان يصدع به بأمر من الله وبوحي منه.
الفصل بين الأوامر الإلهية ورغبات النبي الشخصية
إن فصل هذين الجانبين في الشخصية المحمدية﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ يساهم مساهمة كبيرة في إعطاء صورة واضحة عن الجانب الإلهي والشخصي في رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ وإذا علمنا أن النبي الكريم كان يحاول جاهداً التفريق بين الجانب الإلهي في أقواله وما يصدر عنه من أقوال وأعمال لا صلة لها بالسماء لعرفنا عظمة النبي وعظمة نفسه الكريمة، بالقرآن الكريم عندما يتحدث عن النبي﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ بهذه الآيات البينات﴿ وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى﴾ النجم الآيات 3- 5 ، لا شك أنه يقصد بذلك أنه﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ عندما يقرأ القرآن ويبلغ المسلمين بالآيات الإلهية وبالأحكام المنزلة عليهم إنما ينطق بالوحي وبكلام الله المنزل على قلبه وهذا هو شرط الإيمان بالإسلام وبرسالة محمد﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ وبالقرآن المنزل عليه، ولكن القرآن الكريم حتى يبين الفرق الأساسي بين ما هو رغبة من رغبات النبي الخاصة وما هو أمر إلهي قد حسم الموقف بصورة واضحة وصريحة في آيات العتاب وفي آيات النهي عن أمور كان النبي﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ يرغب الإتيان بها ولنقرأ معاً هذه الآيات﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس .....﴾ 67 المائدة، ﴿ واذكر ربك إذا نسيت﴾24 الكهف، ﴿ سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى....﴾6-7 الأعلى،﴿ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر .......﴾176 آل عمران، ﴿ ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ....﴾88 الحجر، ﴿ وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض .....﴾67 الأنفال، ﴿ عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ....﴾43 التوبة، ﴿ وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ....﴾113 التوبة، ﴿ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه .....﴾37 الأحزاب﴿ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم﴾1 التحريم، ﴿ عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى كلا إنها تذكرة...... ﴾1-11 عبس،﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد .....﴾110 الكهف، ﴿ إنك ميت وإنهم ميتون .....﴾30 الزمر.
إن من يتدبر فيهذه الآيات البينات سيعلم علم اليقين أن القرآن الكريم يؤكد تأكيداً قاطعاً على أن رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ لم يكن ملكاً ولا عنصراً سماوياً ولا موجوداً خارج نطاق هذا الكون وطبائعه إنما هم بشر مثل سائر البشر، كان يأكل وينام ويصح ويمرض ويحب ويكره ويتزوج وينجب الأطفال حسب الناموس الطبيعي للكون فيسري عليه من التفاعل الطبيعي كل ما هو يسري على سائر أفراد البشر، ومن الواضح جداً أن التأكيد على هذا الجانب في رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ إنما كان ليثبت للناس أن كل ما يصدر من النبي لا يعني أنه وحي أو كلام إلهي أو أمر سماوي، أما الناحية الإلهية في وجود النبي وهي الاتصال بالمبدأ الأعلى فكان يؤكدها شخص النبي﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ عندما كان ينزل عليه الوحي ويطلب من كتبة الوحي أن يدونوا قول الله تعالى، ويبدوا واضحاً للمتتبع لأخلاق الرسول الكريم﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ كما قلنا قبل قليل إنه كانيسعى جاهداً لتأكيد الفصل بين الجانب السماوي والأرضي في شخصه وهذه كانت من أكبر السمات الدالة على قوة النبي النفسية وصدقه في الرسالة وإخلاصه لربه وعظمة شخصيته وهي خصال لا تضاهيها خصال أي رسول من رسل السماء وأي عظيم من عظماء الأرض، فهذا الدور البارز العظيم الذي كان يؤديه ليظهر بالمظهر الذي خصه به ربه وبالصفات التي وصفه بها إلهه ( فهو بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ) ولكنه بشير ونذير أرسله الله للعالمين، فعندما كانت تنزل عليه آيات الثناء كان يقرؤها من موقع العبد المطيع فلم ير النبي في نفسه انتقاصاً عندما تلا على المسلمين آيات العتاب التي نزلت عليه كما لم يظهر عليه الخيلاء والتكبر عندما تلا آيات الثناء التي أنزلها الله على قلبه، وهكذا كانت آيات العتاب والتحذير تعطي للرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ قوة لا تقل عن قوة آيات المدح والثناء فلا غرو انه﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ تلقى من ربه كلمات لم تنزل قط على من سبقوه من أولي العزم من الرسل﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ﴾4 القلم، ولم يقتصر دور الرسول البارز في فصل موقعه السماوي منالبشري إلى هذا الحد فحسب بل تجاوزه إلى أبعد ما يمكن للمرء أن يتصوره فعندما هابه رجل من الأعراب التقى به قال له﴿ هون عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد ﴾ وهذه العظمة الروحية في نكران الذات تتجاوز آفاق الأرض والسماء وتتجلى في أعظم مظاهرها عندما كسفت الشمس في يوم وفاة ابنه " إبراهيم " فقال الناس انكسفت الشمس لوفاة ابن رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ وسمع الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ ما قاله القوم فصعد المنبر وخاطب المسلمين بقوله:﴿ إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحد وإنما ما ت إبراهيم بقضاء وقدر من الله﴾ وهكذا كان النبي﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ يدفع عن نفسه مظاهر القدسية وهالاتها ليثبت عبوديته لله وإنه بشر لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرراً﴿قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ....﴾49 يونس ويزيد النبي في العبودية والعبادة حتى أنزل الله عليه قوله:﴿ طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ....﴾1-2 طه.
الحرية الفكرية والاجتماعية في عهد الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾:
لكن الوجه الآخر المكمل لهذه السيرة النبوية يتجلى في شيء آخر هو الحرية الفكرية والاجتماعية التي منحها الرسول الكريم لأصحابه وللمسلمين، حقاً إن المرء ليطأطئ رأسه خضوعاً وخشوعاً لعظمة رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ عندما يتابع عصر الرسالة وما فيها من الحريات الفكرية والاجتماعية التي منحها الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ لأصحابه وللمسلمين وهذا هو الجانب المكمل للطريقة التي كان يتبعها الرسول الكريم للفصل بين شخصيته " كرسول الله " و " كمحمد بن عبد الله " ولو أن المتتبعين والمحققين للتاريخ درسوا هذه الناحية في عصر الرسالة وهذا الجانب من سياسة النبي الاجتماعية لسهل عليهم فهم كثير من الغوامض التاريخية المتعلقة بعصر الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ وبعد وفاته، ولحلت كثيراً من الخلافات الفكرية والمذهبية بين المسلمين التي انتهت إلى إراقة الدماء تارة وإلى الشتم والتنابز بالألقاب تارة أخرى.
لقد منح الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ صحابته والمسلمين من الحرية الفكرية والاجتماعية والمساواة منذ إبان دعوته وعند انتشارها وحتى آخر يوم من حياته ما لم نجده في أي عصر آخر ولدى أية أمة أخرى ولم نجده حتى في عصرنا هذا لدى أرقى الأمم ديمقراطية وحرية، ولا اعتقد أنه يوجد في تاريخ الديمقراطية والمساواة قديماً وحديثاً أن سيد قوم ومؤسس أمة وقائد فكر يجلس مع صحابته في صورة دائرية لكي لا يكون لمجلسه الصدر والذيل ويكون كل فرد في ذلك المجلس مساوياً مع رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ في جلسته حتى أن الأعرابي عندما كان يدخل إلى مجلس الرسول فلا يميزه بين الصحابة كان يسأل: من هو محمد؟ فكان الصحابة يشيرون إليه﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾.
ويكفي لذلك العصر فخراً وجلالاً أن بروتوكولات الديمقراطية في عصر الفضاء قلدت فكرة المستديرة لاجتماع الملوك والرؤساء من مجلس الرسول العربي، والنبي إذا صافح رجلاً كان يمسك بيد الرجل حتى يرسلها صاحبها احتراماً منه لذلك الرجل، وكان﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ كما وصفه " علي بن أبي طالب " يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله ويرقع بيده ثوبه ويركب الحمار العاري ويردف خلفه، ولعل هذه الديموقراطية والحرية تجلت في أكبر صورها عندما كان الكثير من الناس يستغلونها ويخرجون عن حدود الأدب وطوره بالنسبة للقائد الإلهي، وكان الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ يحتمل ذلك بصبر وأناة وابتسامة حتى أنْ نزل أمر الله على المسلمين معاتباً إياهم في ذلك، ولكن حتى الآيات الإلهية لم تنه نهياً قاطعاً من كيفية تعامل الناس مع الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ بل ألقى الملامة عليهم ووصفهم بالجهل أو وضعت ضريبة غير ملزمة لأولئك الذين يخرجون عن الاحترام اللائق بالنسبة لرسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ ولكن الله لم يحرم شيئاً من ذلك ولنقرأ معاً هذه الآيات البينات﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون * إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم * ان الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون * ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم ﴾2 – 5 الحجرات، ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ﴾12 المجادلة، وأعتقد أن من الضرورة بمكان أن أثبت في هذا الفصل حادثة أخرى وقعت في حياة النبي الكريم وكانت لها صلة مباشرة بزوجته السيدة " عائشة " أم المؤمنين ألا وهي قصة الإفك.
إن المتتبع لقصة الإفك يتضح أمامه صورة كاملة للحرية التامة التي كان المسلمون يتمتعون بها في الفكر والتعبير والكلام، فكل من يقرأ تاريخ تلك الحقبة يعلم علم اليقين أن إشاعة الإفك عندما انتشرت في المدينة وأصبحت حديث الناس في مجالسهم ونواديهم وكانت تلك الأخبار المحزنة تصل إلى سمع رسول الله لم يصدر منه﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ ما يوحي بالغضب علىصحابته أو أهل المدينة ولا شك أن الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ كان يعلم زيف التهمة الموجهة إلى أم المؤمنين وهي أعز أزواجه بعد السيدة " خديجة الكبرى " وابنة صاحبه في الغار ومن أقرب الصحابة إليه ولكنه أراد أن لا يستعمل صلاحية القائد ويحد من صلاحية الأمة في التعبير عن الكلام، فالتاريخ لا يشـير قط إلى أن الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ طلب من أصحابه أن يكفوا عن حديث الإفك أو أنه اعترض عليهم في القول أو صدر منه ما يشعر المسلمين بأنه غاضب عليهم لما يقال في همس أو علن في أم المؤمنين أو أنه أجرى تحقيقاً مع المشتبه بأمرهم في إشاعة الإفك وكان للنبي في المدينة أعداء ألدّاء تتجسد في الجالية اليهودية ومن المنافقين والمتربصين به وبكل ما يحيط به فلم يتخذ النبي وجود الأعداء بين ظهور المسلمين ذريعة ليطلب من أهل المدينة الكف عن حديث الإفك حتى يهونوا عليه ولا يثخنوا في الجراح بل بالعكس من كل هذا عالج الإفك بالصبر حتى أنه﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسـلم ﴾ شاور " علي بن أبي طالب " و "زيد بن حارثة " وبعض الصحابة في الطريقة التي ينبغي عليه أن يعالج ذلك الأمر ولكن ليس مع الأفاكين بل مع أم المؤمنين.
ومع أن الوطأة كانت شديدة على السيدة " عائشة " وعلى أبيها وأسرتها فهزلت ومرضت ولزمت الفراش، ولكن هذا اللغط الاجتماعي الغريب يعصر قلبها كلما تصورت ما يقول عنها الآفكون إلا كل ذلك لم يغير من سياسة النبي العظيم في الحد من إطلاق الحريات الاجتماعية أو حمل الناس على السكوت وعدم الخوض في ما يدور في مجالس المدينة ونواديها، وهنا ظهرت المشيئة الإلهية وإرادته البالغة فوضعت حداً سماوياً للأحاديث الجارحة والاتهامات الباطلة التي ينسـبها البعض إلى البعض بلا دليل أو شاهد أو بينة فأنزل الله على قلب رسوله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾:﴿ إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ﴾10 النور، وهكذا بَرَّأَ الرحمن ساحة السيدة " عائشة " ووضع سبحانه وتعالى حداً للحريات الكلامية الجارحة التي فيها إساءة للناس وحط من كرامتهم.
وهنا نريد أن نستنتج شيئاً أهم من هذه الحادثة وهو أن المجتمع الذي يصل فيه التعبير عن الرأي وحرية الكلام سواء أكان ذلك صحيحاً أو سقيماً إلى هذه المرحلة بحيث لا يرعى في حرمة رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ الذي أنقذهم من الضلال والهلاك وهداهم إلى خير الدنيا والآخرة وخير البركات حتى أن نزلت آيات التأديب بحق الناس في ذلك المجتمع، هل يمكن للنبي﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ أن يحمل مجتمعاً مثل هذا على أمر وهو مكره عليه إلا إذا كان ذلك الأمر من الله وبنص من كتابه فحينئذ كانت الحريات الفكريةوالاجتماعية كلها تتبخر أمام الأوامر الإلهية ويصبح الفرد والمجتمع أمام أوامر الله ونواهيه عباداً مطيعين منقادين لا يسعهم إلا الامتثال لأمره والعزوف عن نواهيه.
لقد كان باستطاعة الرسول الكريم أن يخلق مجتمعاً من المسلمين يطيع إرادته الشخصية لا يحيد عنها إذا أمرهم بها، ولكن مثل هذا الأمر كان مناقضاً للرسالة التي جاء لأجلها ألا وهي إلغاء كل العبوديات والتقاليد المتعلقة بها ما عدا عبادة الله الواحد الأحد، وكما نعلم فإن الإسلام قد جاء ومحمداً قد بعث للقضاء على كل الرواسب والأفكار الجاهلية التي كانت أهم مظاهرها عبادة الفرد للفرد وإطاعة الفرد للفرد، وهكذا أخرج الإسلام الناس من ظلمات العبودية الفكرية والجسدية إلى حيث النور والحرية، ولذلك كان المجتمع الإسلامي الفتيّ يرى في الدين الجديد كل مقومات الحياة وكرامة الفرد والإنسان، إنها الرسالة السماوية التي جعلت من ذلك المجتمع الطبقي المؤلف من السادة والعبيد مجتمعاً موحداً يتألف من أناس كلهم سواسية أمام الله ( لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى )﴿ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾ 13 الحجرات، وكان من نتائج الخروج من عبودية الأصنام والآلهة المتفرقة والتخلص من سادة قريش والدخول في عبادة الله الواحد الأحد تلك الحرية التي أنعمها الله على المسلمين والتي بفضلها بدأ المجتمع الإسلامي الجديد ينعم بحرية الرأي والتعبير والفكر ما دام لم يكن في تلك الحرية غضب الله وسخطه، وعندما أراد المجتمع الإسلامي ذلك أن يتجاوز القيود المفروضة عليه في التعبير عن الرأي لم يمنعهم الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ من ذلك حتى لا يعيد إلى أذهانهم دور الإطاعة لسادة القوم وكبرائه بل انتظر في ذلك أمر السماء ونزول الوحي وجاء الأمر الإلهي يقيد المسـلمين بالالتزام بالأخلاق الفاضلة وبعدم إشاعة الفحشاء في الذين آمنوا﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ﴾18 النور،كما أمرهم بالالتزام بحرمة المسلمين وعدم الإساءة إليهم بالكلام الجارح والسب المقذع:﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراًَ منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون* يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ﴾11-12 الحجرات، وهكذا تظهر عظمة الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ بكل قداستها وجلالها حيث لا يريد لأمته ومجتمعه إلا ما يريده الله لهم.
وهنا أعود لموضوع الخلافة وأقول: إذا كان النبي﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ لم يدافع عن زوجته في أخطر اتهام وجهته إليها عصبة جاءت بالإفك وهو يعلم أنها بريئة منه كل البراءة حتى لا يعيد الناس إلى دور الجاهلية وإطاعة السادة والكبراء بدون ضابط ومبرر فلم يكن في ذلك أمر إلهي، وإذا كان الرسول﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ يرغب رغبة شخصية أن يكون " عليّ " خليفة من بعده كما تدل على ذلك الأحاديث التي رواها الفريقان بأسانيدهما الصحيحة لكنه لم يرغم أمته على قبول ذلك الخليفة بنفس الطريقة التي لم يرغم الناس فيها على أن يكفوا عن حديث الإفك في أعز أزواجه ولم يرغمهم في الكف عن معاملته بصورة لا تليق برسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ عندما كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته أو يتناجون بين يديه حتى نزلت الآيات الكريمات التي أمرت الناس بالتأدب والاحترام للنبي الذي أطلق للناس حرية استغلها البعض استغلالاً غير حسن وكريم.
ومرة أخرى نلقي نظرة فاحصة على عهد الرسول الكريم والحرية التي كان المجتمع الإسلامي الفتي ينعم بها إلى درجة تجاوزت الحدود ووصلت إلى مرحلة خطيرة أغضبت رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ لأنها كانت خروجاً على التقاليد المرعية والمتبعة في إطاعة القائد الأعلى أثناء القتال فقد أجمع أرباب السِّيَر أن رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ لما مَرِضَ مَرَضَ الموت دعا " أسامة بن زيد بن حارثة " فقال له:﴿ سر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش وإن أظفرك الله بالعدو فأقلل اللبث وبث العيون وقدم الطلائع ......﴾ فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا كان في ذلك الجيش منهم " أبو بكر " و " عمر " فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على جلة من المهاجرين والأنصار ) فغضب رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ لما سمع ذلك وخرج عاصباً رأسه فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال:﴿ يا أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة لئن طعنتم في تأمير أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل وايم الله إنه كان خليقاً بالإمارة وابنه من بعده لخليق بها وإنهما لمن أحب الناس إليَّ فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم ﴾.
وهكذا نرى بوضوح أن قلب رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ كان أكبر من أن يأمر بمعاقبة قوم طعنوا في القيادة التي اختارها لجيشه وتجاوزوا على صلاحيات القائد الأعلى الذي هو في الوقت نفسه رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ ومؤسس أمة وباني مجد وقائد عسكري عظيم حيث يصفه الإمام " علي " بقوله:﴿ كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله فلم يكن منا أقرب للعدو منه ﴾ مثل هذا الرسول العظيم وأمام هذه البادرة الخطيرة لم يزجر ولم يهدد ولم يتهم بالفسق والخروج عن الإســلام أحداً من الذين طعنوا في إمارة " أسامة " وكل ما قاله في آخر عتابه:﴿ واستوصوا به خيراً فإنه من خياركم ﴾ كل هذا يثبت للمسلمين أن اختياره " لأسامة " لم يكن بأمر من الله ولا علاقة لهذا الاختيار بالسماء والوحي بل إنه اختيار شخصي ينبع من كفاءة " أسامة " وحبه لقيادة جيش المسلمين، وإن غضبه﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ للمقالة التي قالوها لا يحملهم مسؤولية أخروية أو عذاباً إلهياً، ولذلك ختم كلامه ﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ معدداً الأسباب التي كانت وراء اختياره للقائد الشاب وطلب من المسلمين أن يسيروا وراءه.
ونذكر هنا رواية رواها " ابن عباس " عن الخليفة " عمر " صريحة كل الصراحة في موقف الصحابة نحو الرغبات الشخصية لرسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ والأوامر الإلهية التي كان يصدع بها فقد روى " ابن عباس " قال:﴿ خرجت مع " عمر " إلى الشام في إحدى خرجاته فانفرد يوماً يسير على بعير فاتبعته فقال: يا " ابن عباس " أشكو إليك ابن عمك سألته أن يخرج معي فلم يقبل ولم أزل أراه واجداً، فيم تظن موجدته؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم، قال: أظنه لا يزال كئيباً لفوت الخلافة، قلت: هو ذاك إنه يزعم أن رسول الله أراد الأمر له، فقال: يا " ابن عباس " وأراد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الأمر له فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك، إن رسول الله أراد ذلك وأراد الله غيره فنفذ مراد الله تعالى ولم ينفذ مراد رسول الله أَوَكلُّ ما أراد رسول الله كان؟ إنه أراد إسلام عمّه ولم يرده الله فلم يسلم ﴾ وبعد كل ما أثبتناه فإن وجود نص إلهي في موضوع الخلافة يصطدم بخمس عقبات رئيسية كل واحدة منها تكفي لهدم الفكرة من أساسها وهذه العقبات الخمسة:
1- صحابة الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وموقفهم من الخلافة.
2- أقوال الإمام في الخلافة.
3- بيعة الإمام مع الخلفاء وإعطاء الشرعية لخلافة الخلفاء الراشدين.
4- أقوال الإمام في الخلفاء الراشدين.
5- أقوال أئمة الشيعة في الخلفاء الراشدين.
أولاً – صحابة الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وموقفهم من الخلافة:
لقد أعطينا صورةً واضحة المعالم عن عصر الرسالة في الصفحات السابقة وبَيَّنّا مدى الحرية الفكرية والاجتماعية التي كانت تحكم آنذاك المجتمع الإسلامي الفتيّ واستشهدنا بالآيات الكريمات التي وردت في تقييد تلك الحريات الكلامية والاجتماعية التي كانت فيها إيذاءً للنبي وتجريح للمسلمين، ويجب علينا أيضاً أن نذكر بوضوح وصراحة أن الصورة التي رسمناها لذلك المجتمع الإسلامي الفتي إنما كانت صورةً عامّةً لكل الطبقات التي اجتمعت في المدينة وحواليها وحول الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ بما فيهم المنافقين والمؤلفة قلوبهم وغيرهم من ضعفاء الإيمان الذين يخاطبهم الله بقوله:﴿ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم * إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون * قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات والأرض والله بكل شيء عليم * يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا عليّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ...... ..﴾ 14 – 17 الحجرات.
إن من يتدبر في هذه الآيات الكريمات يعلم علم اليقين أنه في ضمن الأكثرية التي أشرنا إليها كانت توجد تلك الصفوة المختارة من صحابة رسول الله التي مشت تحت راية الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ودافعت عن الإسلام بدمها ومالها واشتركت معه﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ في بناء مجد الإسلام والدفاع عن الأخطار التي أحدقت به، إنهم كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار الذي كانوا مع النبي في السراء والضراء يلازمونه ملازمة الظل لصاحبه حتى يكون لهم أسوة في حياتهم ويحمونه من الأعداء والمتربصين بالإسلام، وهناك صورة مشرقة نيّرة لهذه الصفوة المختارة من أمة محمد﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ في القرآن الكريم تعني كل كلمة منها صفاء ذلك العصر وعظمته وجلالته وروعته وإخلاص الصحابة وتفانيهم في الإسلام وفي الدفاع عن الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ولنقرأ معاً هذه الآية الكريمة:﴿ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً﴾ الآية 29 سورة الفتح.
وهناك وصف آخر لهذا العصر المشرق ولصحابة رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ يذكرها الإمام " علي " ونثبته هنا:﴿ لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحداً يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزي من طول سجودهم إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء العقاب ﴾.
ولنستمع إلى الإمام وهو يصف مرةً أخرى صحابة رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ومدى إيمانهم المطلق واللامحدود بنبيهم وبرسالته:﴿ ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا وما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليما ومضياً على اللقم وصبرا على مضض الألم وجداً في جهاد العدو ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه ومتبوئاً أوطانه ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضرَّ للإيمان عود وايم الله لتحتلبنها دماً ولتتبعنها ندماً ﴾.
وهنا لا بد من هذا السؤال: هل أن ( مثل هذه الصحابة التي أثنى عليهم الله هذا الثناء ) العظيم ومدحهم الإمام " عليّاً " بهذا الوصف الكبير خالفوا النص الإلهي في أمر ورد فيه تشريع من الله وهم حماة التشريعات الإلهية ومنفذيها وقد ضحوا بالغالي والرخيص لأجلها ولا سيما لو كان لذلك التشريع صلة مباشرة بمصالح المسلمين ومستقبل أمرهم وإرساء القواعد التي بعث رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ لإرسائها؟
وبعد كل هذا ونحن نؤدي رسالة التصحيح في هذا الكتاب بعيدة عن الأهواء والعصبيات وتقاليد الآباء والأمهات، إنها رسالة موجهة إلى الطبقة المثقفة وأصحاب الأفكار الحرة من أبناء الشيعة الذين عليهم عقدت الآمال في السير وراء التصحيح ولذلك أرى أن أُعَرِّجَ على البند الثاني وهو قول الإمام " علي " في الخلافة لنرى بوضوح كيف أن الإمام كان يقول بصراحة: أن لا نص هناك من الله في الخلافة.
ثانياً – أقوال الإمام " علي " في الخلافة:
يقول الإمام " علياً "﴿ دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلِّي أَسْمَعَكم وأَطْيَعَكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا... ﴾
ولنستمع إلى الإمام مرة أخرى وهو يخاطب أهل الشورى قبل بيعة عثمان:﴿ ولقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عَلَيَّ خاصّة التماساً لأجر ذلك وفضله .....﴾.
وهذا هو الإمام يجيب بعض أصحابه وقد سأله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟:﴿ وقد استعملت فاعلم أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً والأشدون برسول الله صلى الله عليه وآله نوطا فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس وسخت عنها نفوس قوم آخرين والحكم لله والمعود إليه القيامة ....﴾
ولنقرأ معاً نصوصاً أخرى للإمام فيها وضوح وصراحة في رغبته عن الخلافة وأنه كان يدفعها عن نفسه دفعاً ولكنه كان يعتقد بأنه أحق من غيره بها، ولم يذكر الإمام أن هناك نصاً من الله وتشريعاً إلهياً ورد في الخلافة، يقول الإمام:﴿ والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها فلما أفضت إليَّ نظرت في كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته وما استسن النبي صلى الله عليه وآله فاقتديته ﴾
ويقول في مكان آخر:﴿ فأقبلتم إلي إقبال العود المطافيل على أولادها تقولون البيعة البيعة قبضت يدي فبسطتموها ونازعتكم يدي فحاذيتموها ....﴾ ويتحدث الإمام مرةً أخرى في كتاب بعثه إلى " مالك الأشتر " جاء فيه:﴿ فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى الله عليه وآله عن أهل بيته ولا أنهم منحوه عني من بعده فما راعني إلا انثيال الناس على " ابن أبي قحافة " يبايعونه فأمسكت يدي ........﴾
وبعد أن قرأنا هذه العبارات الواضحات في اعتقاد الإمام بأولويته في الخلافة بعد رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ لا بد وأن نقرأ أيضاً ما قاله في شرعية الخلفاء الذين سبقوه حتى نعلم مدى إيمان الإمام واعتقاده بصحة وشرعية بيعتهم، يقول الإمام:﴿ إناه بيعة واحدة لا يثني فيها النظر ولا يستأذن فيها الخيار الخارج منها طاعن والمروي فيها مداهن ﴾
ويقول في مكان آخر:﴿ ألا وإنكم قد نفضتم من حبل الطاعة وثلمتم حصن الله المضروب عليكم بأضراب الجاهلية فإن الله سبحانه وتعالى قد امتن على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل الألفة التي ينتقلون في ظلها ويأوون إلى كنفها بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة لأنها أرجح من كل ثمن وأجَلُّ من كل خطر واعلموا بأنكم صرتم بعد الهجرة أعراباً وبعد الموالاة أحزاباً ما تتعلقون من الإسلام إلا باسمه ولا تعرفون من الإيمان إلا رسمه ..﴾
ولنستمع إلى الإمام مرةً أخرى وهو يؤكد شرعية الخلافة والإمامة بعد أن اجتمعت الأمة عليها إجماعاً مصغراً حيث يجب على عامة المســلمين والأكثرية الغائبة إطاعة الخليفة المنتخب:﴿ ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس فما إلى ذلك سبيل ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار .....﴾
ثالثاً – بيعة الإمام مع الخلفاء والتأكيد على شرعية الخلفاء الراشدين:
لقد أسهبنا في ذكر النصوص الواردة من الإمام " علي " حول الخلافة وعدم ذكر كلمة واحدة بوجود نص إلهي فيها، والآن لا بد أن نعرج على موضوع آخر وهو إذا كانت الخلافة بنص سماوي وكان هذا النص في " علي " هل كان بإمكان الإمام أن يغض النظر عن هذا النص ويبايع الخلفاء ويرضخ لأمر لم يكن من حقهم؟
لقد علل علماء الشيعة في الكتب العديدة التي ألفوها بيعة الإمام " علي " مع الخلفاء بأمرين: فهناك من ذهب إلى أن الإمام " علياً " بايع الخلفاء خشية منه على ضياع الإسلام وإيجاد الفرقة التي كانت تؤدي إلى هدم الإسلام فلذلك ترك حقه ورضخ لخلافة خلفاء غصبوا حقه، والتعليل الثاني إنه إن بايع الإمام الخلفاء خشية منه على نفسه وعمل بالتقية التي سنتطرق إلى ذكرها في مواطن عديدة.
أما الذين عللوا بيعة الإمام بالخوف على الإسلام من الضياع لأن الناس كانوا على حديث عهد بالإسلام ولم يكن الإسلام بَعْدُ صَلْبَ العود : فيدحضه بيعة " علي " مع " عثمان " التي كانت في عصر امتدت فيه الخلافة الإسلامية من الشرق حتى " بخارى " ومن الغرب حتى شمال أفريقية وكانت الخلافة الإسلامية تحكم اكبر رقعة من الأرض المسكونة في ذلك العصر.
وبعد فإن أغرب الأمور وأعظمها خطراً في مبحث الخلافة والتي لم يتحدث عنها كل من أسهب فيها من رواة الشيعة وعلمائها ومن الفرق الإسلامية الأخرى هي: لم يبحثوا الخلافة الإلهية بصورة مستقلة عن الإمام " علي " ولا عن الخلفاء الذين سبقوه بل ربطوها ربطاً وثيقاً بالأشخاص والأسماء، ويدهشني ويحيرني حقاً هذا التحوير في الخلافة لأنها إذا كانت تبحث بصورة مستقلة عن شخص " علي " لكانت تصطدم بعقبة كبيرة تنسف كل القواعد التي بنيت في عصر الصراع بين الشيعة والتشيع، وإذا كانت الخلافة تبحث حقاً في العقيدة الإسلامية بغض النظر عمن هو المراد بأن يتولاها لما واجه المسلمون ما واجهوه من الحيرة والضياع في شؤون الخلافة وما ترتب عليها وهذا هو بيت القصيد لما أريد أن أذهب إليه وهو أن الخلافة بعد الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وإن شئت فقل الإمامة إذا كانت بنص إلهي وفيها أمر من السماء سواء أكان " علي " هو المراد بتوليها أو غير " علي " لكانت كل المبررات والأقاويل التي ذكرتها رواة الشيعة وعلماء المذهب " الإمامي " – والتي تنصب كلها على أن الإمام " علي " بايع الخلفاء الذين سبقوه للحفاظ على الإسلام من الضياع وخوفاً من ارتداد الناس بعد الرسول أو للتقية – تذهب أدراج الرياح وتصبح هباءً منبثاً، لأن الخلافة عندما تكون بنصٍّ إلهي وبأمر من الله لا يستطيع أحدٌ مهما كان مقامه أو منزلته في الإسلام أن يقف ضدها أو يخالفها للمبررات التي يتصورها أو يعتقد بها فلم يكن باستطاعة " علي " أو غير " علي " من الصحابة أن يوقف نصاً إلهياً صدر بالوحي.
فإذا كان " محمد " وهو رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ لا يستطيع ولا يحق له أن يتلكأ في أداء الرسالة الإلهية أو يخفيها كما صرحت بذلك الآية الكريمة:﴿ يا أيها النبي بلغ ما انزل من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ......﴾ فكيف يستطيع من هو دون مرتبة الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ أن يغض النظر عن النص الإلهي أو يخفيه، وهل هناك أمر إلهي أكثر صراحة ووضوحاً لإبلاغ الرسالة والوحي من الآيات الكريمات التاليات:﴿ وإن تكذبوا فقد كذبت أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين ..... ﴾﴿ فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ ....﴾ ﴿ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ....﴾
إن ربط الخلافة بالخليفة وعدم التفريق بينهما هو الذي مهد الطريق للرواة من الشيعة كما قلنا أن يدونوا ما شاؤوا في إبان عصر الصراع بين الشيعة والتشيع، فالإمام لم يكن مشرعاً ولم يكن يدعي ذلك، ولا اجتهاد أمام النص حتى أن يجتهد أمام نص الخلافة ويسكت عنها كما انه لا يستطيع أن ينقضه لأنه هو موضوع ذلك النص، فالخلافة إذا كانت إلهية وسماوية كانت حقاً عاماً للمسلمين ودستوراً سماوياً لهم بغض النظر عن الشخص الذي يتولاها، ومع كل ما فصلناه في الخلافة وأنها لو كانت بالنص الإلهي لم يستطع أحد مهما كان شأنه أن يعمل خلافها أو يتجاهلها أو ينكرها إلا أننا أمام فئة كبيرة من علماء المذهب الشيعي وقد أغفلوا هذا الأمر إغفالاً، ولذلك ذهبوا إلى تأويل بيعة الأمام بالتقية أو الخوف أو أنه أرغم على أمر لا يعتقد به وخلاف إرادته.
وهنا يأتي دور أولئك الذين أرادوا تحطيم الإمام " علياً " وشخصيته والطعن فيه بصورة غير مباشرة وهكذا تحطيم كل ما يتعلق بعصر الرسالة وصحابة الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ لأن الطريق الوحيد في إظهار عصر الرسالة بما فيه كبار صحابة رسول الله بالمظهر القاتم هو إعطاء صورة عن خروج ذلك المجتمع الإسلامي عن أوامر الله الصريحة، وهذا الأمر يتوقف على تصوير الخلافة في " علي " بنص إلهي ومخالفة الصحابة كلهم لهذا النص مع علمهم بذلك وإبلاغ الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ إياهم ثم إعطاء صورة عن الإمام " علي " وهو صاحب الحق في صورة رجل مخادع مداهن مجامل كان مع الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه طيلة خمسة وعشرين عاماً في ظاهر الأمر كمستشار أمين وكصديق حميم مطنباً في مدحهم وقائلاً خير الكلام بحقهم ولكنه في واقع الأمر غير معتقد بما يقول وغير مؤمن بما يفعل حتى إنه زَوَّجَ ابنته " أم كلثوم " لـِ " عمر بن الخطاب " وهو مرغم عليه وسمى أولاده: " أبا بكر " و " عمر " و " عثمان " وهو غير راضٍ عن تسميتهم وهكذا دواليك.
هذه خلاصة ما كتبه بعض علماء الشيعة ورواه بعض رواة أحاديث الشيعة – سامحهم الله – عن الإمام " علي " نصّاً وتلويحاً، ولست أدري ماذا يكون موقف هؤلاء يوم القيامة إذا احتكم الإمام ربه فيهم، كما أني أعتقد جازماً أن بين هؤلاء الأكثرية توجد فئة غير قليلة ساهمت في تغيير مسار الفكر الإسلامي الموحد إلى طريق الشقاق والنفاق ولضرب الإسلام والمسلمين بما فيهم " علي " و " عمر " مع أنهم في ظاهر الأمر كانوا يظهرون بمظهر حماة المذهب الشيعي، غلا أن الغرض كان هدم المذاهب كلها وإن شئت فقل الطعن في الإسلام، فحتى في أوائل القرن الرابع الهجري وهو عصر الغيبة الكبرى لا نجد أي أثر لفكرة اغتصاب الخلافة من الإمام " علي " أو أنها حق إلهي اغتصب منه أو أن صحابة رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ اشتركوا وساهموا في ذلك الأمر وهكذا وكما قلنا تغيرت فكرة الأولوية بخلافة " علي " إلى فكرة الخلافة الإلهية ومخالفة النص الإلهي، ولا شك أن دخول الفلسفات اليونانية إلى الفكر العربي والأفكار الفلسفية الأخرى التي لعبت دوراً كبيراً في تأسيس المدرستين الاعتزالية والأشعرية كانت وراء الصراع بين الشيعة والتشيع وإظهار الشيعة بالمظهر الذي نحن عليه الآن، ولا شك أيضاً أن عرض الخلافة بالصورة التي عرضها علماء المذهب مستندين على روايات رواة الشيعة كان سبباً لانعزال المذهب الشيعي عن سواه وابتعاده عن المذاهب الأخرى محتفظاً بحالة انعزالية وهجومية بعيدة عن كل ألفةٍ وانسجام مع الفرق الإسلامية الأخرى وكان لا بد لإبقاء المذهب محصوراً على الطائفة وعدم الانسجام بينها وبين الفرق الأخرى هو إيجاد حالة من التنافر تمنع كل تقارب وتقريب مع الآخرين ولذلك أخذت الشيعة تسلك طريق تجريح الخلفاء الراشدين وذمِّهم مستندة على الروايات التي وضعها الرواة على لسان أئمة الشيعة مخلفة وراءها من الخراب والدمار ما لا يحصيه إلا الله.
ونحن هنا نتحدث مع الشيعة بالمنطق الشيعي البحت ولذلك نثبت أقوالاً للإمام " علي " في حق الخلفاء الراشدين ثم نستشهد بما يقول الإمام عن نفسه ثم نسال أنفسنا: هل أن مثل هذا الإمام بايع الخلفاء وهو مرغم عليه وغير راض عنه؟ أو أنه خادع المسلمين فيعمله والخلفاء في بيعته؟ وهل أنه قال كلاماً لا يعتقد فيه وعمل عملاً لا يؤمن به؟ أحقاً أن الشيعة تحب " علياً " وهي التي نسبت إليه مثل هذه الأمور؟ أو أنها سلكت هذا الطريق الشائك حتى تثبت حقها في استلام السلطة وتأسيس الدولة ولو أدى ذلك إلى التضحية بسمعة " علي " وجلالة قدره وعظمة نفسه وعلو مقامه؟
رابعاً – أقوال الإمام " علي " في الخلفاء الراشدين:
ولنستمع إلى الإمام " علي " وهو يتحدث عن الخليفة " عمر بن الخطاب "﴿ لله بلاء عمر فقد قوَّم الأمد وداوى العمد خلف الفتنة وأقام السنة، ذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته واتقاها بحقه، رحل وتركهم في طريق متشعبة لا يهتدي فيها الضالّ ولا يستيقن المهتدي[1]... ﴾ ومرة أخرى يخاطب الخليفة عندما استشاره في الخروج إلى غزو الروم بنفسه:﴿ إنك إن تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم بشخصك فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم وليس بعدك مرجع يرجعون إليه فابعث إليهم رجلاً مجرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة فإن أظهر الله فذاك ما تحب وإن تكن الأخرى كنت رداءً للناس ومثابة للمسلمين[2] ...... ﴾ ويستشير الخليفة " عمر بن الخطاب " علياً بن أبي طالب " مرةً أخرى لقتال الفرس بنفسه فينصح الإمام الخليفة بعدم الخروج ويقول له:﴿ والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام وعزيزون بالاجتماع، فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب ....... إن الأعاجم إن ينظروا غداً يقولوا: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك ..... وأما ما ذكرت من عددهم فإنّا لم نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة[3] ..﴾ وهذا هو الإمام " علي " يتحدث مع الخليفة " عثمان بن عفان " ويصفه بصفات الصحابي المقرب إلى رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾:﴿ إن الناس ورائي وقد استنفروني بينك وبينهم والله ما ادري ما أقول لك، ما أعرف شيئاً تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعمل وما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ولا خلونا بشيءٍ فنبلغكه، وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما صحبنا، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب أولى بعمل الحق منك، وأنت أقرب
إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا فالله الله في نفسك فإنك والله ما تبصر من عمى ولا تعمل من جهل[4] ....﴾.
ومرةً أخرى يتحدث الإمام حول الخليفة " عثمان " مع " ابن عباس " فيقول:﴿ يا ابن عباس ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملاً ناضحاً بالعرب أُقبِل وأُدْبِر، بعث إليَّ أن أخرج ثم بعث إليَّ أنْ أقدِم، ثم هو الآن يبعث إليَّ أنْ أخرج والله لقد دفعن عنه حتى خشيت أن أكون آثماً[5].....﴾
ويذكر الإمام " علي " موقفه من الخليفة " عثمان بن عفان " في كتاب بعثه إلى " معاوية بن أبي سفيان " يقول فيه:﴿ ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر " عثمان " فلك أن تجاب عن هذا لرحمك منه فأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتله أمَّن بذل له نصرته فاستقعده واستكفه أمّن استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه ..... وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثاً فإن كان الذنب إرشادي وهدايتي له فرب ملوم لا ذنب له[6] ....﴾ وهذا هو " أبو سفيان " شيخ الأمويين يزور الإمام " علياً " في داره ويقول له:﴿ غلبكم على هذا الأمر أرذل بيت في قريش أما والله لأملأنها خيلاً ورجلاً أعطني يدك لأبايعكن فيقول الإمام: ما زلت عدو الإسلام وأهله فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئاً إنا رأينا " أبا بكر " أهلاً لها إنما تريد الفتنة[7] .....﴾
فإن كان هذا هو موقف الإمام من الخلفاء الراشدين وهو يصرح بذلك فهل نستطيع أن نقول: إن الإمام كان يظهر شيئاً ويضمر شيئاً آخر؟ معاذ الله من ذلك فإن كان الإمام يريد أن يظهر شيئاً ويضمر شيئاً آخر لما كان له ذلك الموقف الذي لا ينساه تاريخ الإنسان إلى الأبد، إنه موقف صدق وإخلاص وإيمان من رجل هو مع الحق والصدق قبل كل الاعتبارات وبعدها ويضحي في سبيلهما مهما كانت التضحيات غاليات، ففي يوم الشورى عرض " عبد الرحمن بن عوف " على الإمام " علي " الخلافة بقوله:﴿ أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ، فقال الإمام: كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي﴾ فكرر "عبد الرحمن بن عوف " المقالة نفسها وكرر الإمام الإجابة نفسها إلى ثلاث مرات ثم انحاز " عبد الرحمن " إلى " عثمان " وعرض عليه الخلافة بالصورة التي عرضها على الإمام فقبلها " عثمان " وتمت البيعة له.
فهل " علي " الذي يغض النظر عن خلافة إسلامية كان لواؤها يرفرف على أكبر رقعة من الأرض المسكونة في ذلك التاريخ لأجل كلمة واحدة هي " نعم " وهو لا يريد الإيفاء بها يجامل أو يخادع أو يقول شيئاً ويضمر غيره أو يبايع الخلفاء ويقول في مدحهم الكلام الكثير ويقف معهم موقف الناصح الأمين وهو لا يعني كل هذا؟
ومع أن هذه الصورة الرائعة المشرقة لموقف الإمام " علي " في تلك اللحظة الخالدة في تاريخ الإسلام تكفي عن الإسهاب في فضائل " علي " وصدقه وإخلاصه وعزوفه عن الدنيا، ولكننا نسجل هنا بعض الأقوال الصادرة عن الإمام حول نفسه وإخلاصه وتفانيه في الله يقول الإمام: ﴿ فوالله لو أعطيت الأقاليم السبعة وما تحت أفلاكها على أن اعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت وإن دنياكم عندي لهون من ورقة في فم جرادة تقضمها[8] ....﴾ ويقول الإمام في مكان آخر:﴿ هذا ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها ومُجْتَنَى الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه فإنْ أَقُلْ يقولوا حرص على الملك وإن أسكت يقولوا جزع من الموت هيهات بعد اللتيا والتي والله لا " ابن أبي طالب " آنَسُ بالموت من الطفل بثدي أمه[9].......﴾ ويقول في ضمن رسالة بعثها إلى والي البصرة " عثمان بن حنيف " جاء فيها:﴿ فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادخرت من غنائمها وفراً ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ..... أقنع من نفسي بأن يقال " أمير المؤمنين " ولا أشاركهم في مكاره الدهر وجشوبة العيش أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرَّى فهيهات أن يقودني هواي إلى تخيّر الأطعمة ولذائذها ولعل بالنجد أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع ...... وكأني بقائلكم يقول: إن كان هذا قوت " ابن أبي طالب " لقعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان، ألا وإن الشجرة البرية أصلب عوداً والروائع الخضرة أرق جلوداً وأنا من رسول الله صلى الله عليه وآله كالصنو من الصنو والذراع من العضد فوالله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها[10] ﴾ ويقول في مكان آخر:﴿ والله لئن أبيت على حسك السعدان مسهداً وأُجَرَّ في الأغلال مصفداً أحب إليّ من أن ألقى الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام[11]....﴾ وهذا هو " عبد الله بن عباس " يدخل على " عليٍّ " بـِ " ذي قار " فيرى الإمام يخصف نعله فيسأله الإمام ما قيمة هذا النعل؟ فيقول: ﴿ لا قيمة لها يا أمير المؤمنين فيقول الإمام: والله لهي أحب إليَّ من إمارتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً ﴾.
ولا بد أن أذكر أيضاً موقف الإمام " علي " من السيدة " عائشة " بعد حرب الجمل فقد كرَّم الإمام السيدة أم المؤمنين وأكرمها إكراماً يليق بزوجة الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ حينما أعادها من ساحة الحرب مصحوبة بعدد من النساء القرشيات، أما الشيعة فلن تغفر للسيدة " عائشة " خروجها على الإمام في تلك الحرب وهذا هو سبب موقفها المعارض لأم المؤمنين، ولست أريد أن أذكر في هذا المجال المبررات التي ذكرها أنصار الســـيدة " عائشة " في تبريرهم لخروجها على الإمام ولا الآراء التي ذكرها علماء الشيعة في تبرير موقفهم المناهض لأم المؤمنين، فهذه أمور معروفة ذكرت في عشرات المجلدات من الكتب ولا فائدة من تكرارها، فنحن في غنى عنها ولكنني أريد إنهاء الصراع الفكري بالمنطق الشيعي البحت وهو أن الإمام بَرَّأَ ساحة السيدة " عائشة " من الحرب التي قادتها، والإمام هو الخليفة الذي كان يقضي بين الناس بالحق ولا يحيد عنه قيد أنملة، فإذا كان الإمام قد ألقى اللوم على فئة استغلوا سذاجة أم المؤمنين وأخرجوها من دارها لتقود حركة مناهضة للخليفة المنتخب والشرعي فيعني هذا أن السيدة " عائشة " بريئة من كل ما يتعلق بحرب الجمل وذيولها في نظر الإمام، ولذلك أمر بإكرامها وإرجاعها إلى المدينة بالصورة التي أجمعت عليها كتب التاريخ ليثبت براءتها من تلك الحرب في نظر القاضي العادل الذي هو الإمام فلا يحق لأحد أن يطعن أو يجرح السيدة " عائشة " متحدياً عمل الإمام ورأيه الذي يؤكده بصريح العبارة عندما يتحدث عن حرب الجمل وإخفاق أم المؤمنين في قيادتها فيقول:﴿ ولها – أي للسيدة عائشة – بعد حرمتها الأولى والحساب على الله تعالى[12]﴾ وفي مواطن كثيرة يلقي الإمام " علياً " المسؤولية على الذين استغلوا حرم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وجروها وراءهم حسب تعبيره[13].
إن من حسن التوفيق أن بعض علماء الشيعة وقف موقفاً لائقاً بأم المؤمنين ونهى عن تجريحها فقد قال السيد " الطباطبائي " وهو من علماء القرن الثاني عشر في أرجوزته الفقهية مخاطباً السيدة " عائشة ":﴿ أيا حميراء سبُّك محرم لأجل عين ألف عين يكرم[14] ﴾.
[1] - نهج البلاغة ج2 ص222
[2] - نهج البلاغة ج2 ص28
[3] - نهج البلاغة ج2 ص 30
[4] - نهج البلاغة ج2 ص48
[5] - نهج البلاغة ج2 ص233
[6] - نهج البلاغة ج3 ص30
[7] - علي إمام المتقين – عبد الرحمن الشرقاوي ج1ص66
[8] - نهج البلاغة ج2 ص218
[9] - نهج البلاغة ج1 ص40
[10] - نهج البلاغة ج2 ص220
[11] - نهج البلاغة ج2 ص216
[12] - نهج البلاغة ج2 ص48
[13] - نهج البلاغة ج3ص84
[14] - كان الرسول الكريم ينادي السيدة عائشة بالحميراء.
خامساً – أقوال أئمة الشيعة في الخلافة والخلفاء الراشدين:
ونختتم هذا الفصل بإعطاء صورة واضحة المعالم عن موقف أئمة الشيعة حول الخلافة وعدم وجود نص إلهي فيها ليكون البحث متكاملاً كما قلنا في مقدمة هذا الفصل، إن الإمامة إذا كانت إلهية كما تذهب الشيعة وإنها في أولاد " علي " حتى الإمام الثاني عشر لَعَيَّنَ الإمام ابنه " الحسن " خليفة وإماماً من بعده ولكن الذي اتفق عليه الرواة والمؤرخون إن الإمام عندما كان على فراش الموت وذلك بعد أن ضربه " ابن ملجم " المرادي بالسيف المسموم وسئل عن الشخص الذي يستخلفه قال:﴿ أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾، وبعد وفاة الإمام اجتمع المسلمون واختاروا ابنه " الحسن " وبايعوه خليفة للمسلمين ولكن الإمام " الحسن " صالح " معاوية " وتنازل له عن الخلافة والإمام علل الصلح بأنه لحقن دماء المسلمين، فيا ترى لو كانت الخلافة منصباً إلهياً هل كان يستطيع الإمام " الحسن " أن يتنازل عنه بذريعة حقن دماء المسلمين؟ فكما نعلم أنه لا مكان لحقن الدماء عندما يكون هناك دفاع عن أمر الله وشريعته وماذا يعني إذن الجهاد والقتال في سبيل الله لإرساء دينه وشريعته وأوامره ونواهيه، إن حقن الدماء أمام حق إلهي وسماوي يتناقض مناقضة صريحة مع هذه الآية الكريمة:﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ﴾.
والإمام " الحسين " عندما ثار وهو يريد الإطاحة بخلافة " يزيد بن معاوية " واستشهد في كربلاء ومعه أولاده وصحابته لم يذكر قط بأنه يدافع عن خلافة سماوية اغتصبها " يزيد " بل كان يقول: إنه أولى بالخلافة منه وإن مثله لا يبايع " يزيداً " وإنه ثار لإحياء دين رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الذي انحرف على يد " يزيد " كما أننا لم نجد في أقوال الإمام " علي بن الحسين " الملقب بـِ " السجاد " أية عبارة تدل على كون الخلافة إلهية، وبعد الإمام " السجاد " يأتي دور الإمام " محمد الباقر " والذي في عهده بدأ يتبلور مذهب أهل البيت الفقهي الذي أكمله ابنه الإمام " جعفر الصادق " فنحن لا نجد أثراً لفكرة الخلافة الإلهية في عهدهما ولا في عهد أئمة الشيعة الأخرى حتى الغيبة الكبرى، وهناك شيء جدير بالاهتمام لا بد من التركيز عليه لتفنيد كل الروايات التي ذكرها بعض رواة الشيعة في تجريح الخلفاء الراشدين بما فيهم الخليفة " أبو بكر " وهو أن الإمام " الصادق " الذي يعتبر رئيس ومؤسس المذهب الإمامي الإثني عشري قال مفتخراً﴿ أولدني أبو بكر مرتين﴾ فالإمام " الصادق " ينتهي نسبه إلى " أبي بكر " عن طريقين: عن طريق والدته " فاطمة بنت قاسم بن أبي بكر " وعن طريق جدته " أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر " التي هي " أم فاطمة بنت قاسم بن محمد بن أبي بكر " ولكن الغريب أن رواتنا – سامحهم الله – رووا عن هذا الإمام الذي يفتخر بجده " أبي بكر " روايات في تجريح هذا الجد لا تعد ولا تحصى، فهل يعقل أن يفتخر الإمام بجده من جهة ويطعن فيه من جهة أخرى؟ إن مثل هذا الكلام قد يصدر من السوقي الجاهل ولكن معاذ الله أن يصدر من إمام يعتبر أفقه وأتقى أهل عصره.
وهكذا نرى أن رواة الشيعة ساهموا مساهمة فعالة ولكن بصورة غير مباشرة حتى في الإساءة إلى أئمة الشيعة الذين يدعون أنهم من أنصارهم وأنهم ألفوا كتباً عديدة لإحياء تراثهم، ونحن نسمي عصر تأليف تلك الكتب وما جاء فيها من الروايات الملفقة بالعصر الأول لظهور الصراع بين الشيعة والتشيع، وأعتقد أننا أسهبنا القول في الخلافة وكل ما يتعلق بها وإن الذي علينا الآن هو التحدث عن الفكرة الصحيحة التي ننادي بها وننشدها ونرغب من أبناء الشيعة الإمامية أن يسيروا عليها وينضووا تحت لوائها وندعو أن تقف الشيعة بكل ما أوتيت من جهد قوة في وجه المرتزقين بالأقلام والألسنة والدعوات المفرقة ونطلب من الطبقة الواعية المثقفة من أبناء الشيعة التي نعقد عليها الآمال في نجاح مسيرتنا التصحيحية التي ندعو إليها أن تكون منارا الهداية للأكثرية التي آمنت بما سمعت من دعاة التفرقة وأصحاب العقول المتحجرة والنفوس المريضة والأهواء والمصالح.
التصحيح:
وهنا أبدأ بتحديد النقاط الأساسية للتصحيح وأملي معقود لضمانه على الطبقة الواعية المثقفة من أصحاب العقول النيرة التي أشرت إليها أعلاه:
1- إن موضوع الخلافة يجب وينبغي أن لا يخرج عن إطاره الحقيقي الذي نص عليه القرآن الكريم :﴿ وأمرهم شورى بينهم ﴾ وأن تنظر الشيعة إلى الخلفاء الراشدين بنفس النظرة والطريقة التي أقرها الإمام " علي " نزولاً عند نص القرآن الكريم وإجماع المسلمين، وإن الخلفاء الراشدين من بناة الإسلام الأوائل وقد اجتهدوا في مدة خلافتهم فأصابوا وأخطأوا وخدموا الإسلام ما استطاع كل واحد منهم إلى ذلك سبيلاً، فالخليفة الأول " أبو بكر " حفظ الإسلام من خطر الردة بحزمه وصبره وصرامته، تلك الردة التي كانت السبب في الحروب التي استشهد فيها عشرون ألف صحابي للدفاع عن الإسلام وأبلى المسلمون فيها بلاءً حسناً، وهذا هو الإمام " علي " يقف على باب " أبي بكر " في يوم وفاته ويخاطبه بقوله:﴿ رحمك الله يا " أبا بكر " كنت أول القوم إسلاماً وأخلصهم إيماناً وأشدهم يقيناً وأعظمهم غناءً وأحفظهم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأنسبهم برسول الله خلقاً وفضلاً وهدياً وسمتاً فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيراً، صدَّقت رسول الله حين كذبه الناس وواسيته حين بخلوا وقمت معه حين قعدوا وأسماك الله في كتابه صديقاً ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ) يريد " محمداً " ويريدك وكنت والله للإسلام حصناً وعلى الكافرين عذاباً، لم تقلل حجتك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك وكنت كالجبل الذي لا تحركه العواصف، كنت كما قال رسول الله ضعيفاً في بدنك قوياً في أمر الله متواضعاً في نفسك عظيماً عند الله جليلاً في الأرض كبيراً عند المؤمنين ولم يكن لأحد عندك مطمع ولا لأحد عندك هوادة، فالقوي عندك ضعيف حتى تأخذ الحق منه والضعيف عندك قوي حتى تأخذ الحق له، فلا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك ﴾، والخليفة الثاني " عمر بن الخطاب " أعطى للإسلام قوة عظيمة بفتوحاته ومواقفه الخالدة في توسيع الرقعة الإسلامية شرقاً وغرباً، وهو الذي أرسى قواعد الإسلام في بلاد واسعة شاسعة منها " فارس " و " فلسطين " و " الشام " و " مصر " ، والخليفة الثالث " عثمان بن عفان " صاهر الرسول مرتين ولولا أنه رجل يمتاز عن كثير من أقرانه لما زَوَّجَه الرسول بنتين، وكان له جهاد كبير في إبان الدعوة الإسلامية وكفاه فخراً أنه كان من أغنياء قريش يملك ألف إبل من حمر النعم باعها وصرف ثمنها في سبيل دعوة الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وعلى المسلمين وقدر ثمن تلك الإبل بمليون سكة ذهبية في ميزان ذلك العصر، وكان عصره عصراً امتدت فيه الفتوحات الإسلامية حتى وصبت إلى تخوم " الهند " وإذا أخفق في الخلافة في أواخر حياته إلا أنه قُتِلَ وهو شيخ بلغ الثمانين وهو مكب على قراءة القرآن الكريم.
ولا يجوز تجريح الخلفاء وذمهم بالكلام البذيء الذي نجده في أكثر كتب الشيعة، الكلام الذي يغاير كل الموازين الإسلامية والأخلاقية ويناقض حتى كلام الإمام " عليٍّ " ومدحه وتمجيده في حقهم كما أثبتناه قبل قليل، ويجب على الشيعة أن تحترم الخلفاء الراشدين وتقدر منزلتهم من الرسول فالنبي﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾صاهر " أبا بكر " و " عمراً " و"عثمان" صاهر النبي مرتين، و " عمر بن الخطاب " صاهر " علياً " وتزوج من ابنته " أم كلثوم " ولا أطلب من الشيعة في هذه الدعوة التصحيحية أن تقول وتعتقد في الخلفاء الثلاثة الذين سبقوا الإمام " علياً " أكثر مما قاله الإمام في حقهم، فلو التزمت الشيعة بعمل الإمام " علي " لانتهى الخلاف وساد الأمة الإسلامية سلام فكريّ عميق فيه ضمان الوحدة الإسلامية الكبرى.
2- غربلة الكتب الشيعية التي ذكرت روايات عن أئمة الشيعة في ذم الخلفاء الراشدين وإعادة طبع تلك الكتب منقحة مغربلةً مما ورد فيها.
3- على الشيعة أن تعتقد جازمةً أن كل الروايات التي ذكرتها كتب الشيعة في حق الخلفاء الراشدين وفي وجود نصوص إلهية في موضوع الخلافة هي روايات وضعت بعد عصر الغيبة الكبرى وذلك بعد أن سدت الأبواب كلها في الوصول إلى آخر إمام للشــــيعة وهو " المهدي " كما قلنا فلذلك لا نجد أثراً للروايات الجارحة في حق الخلفاء الراشدين وموضوع النص الإلهي في الخلافة إلى عصر الإمام " الحسن العسكري " وهو الإمام الحادي عشر للشيعة الإمامية حيث كان باستطاعة الشيعة أن تتصل بالإمام مباشرةً وتسأله عن صحة ما ينسب إلى آبائه الأئمة من الروايات، ولكن بعد الإعلان الرسمي عن غيبة الإمام الثاني عشر وتكذيب كل من ادعى رؤيته بعد الغيبة بنص صريح صدر منه وضع بعض الرواة روايات باسم أئمة الشيعة لتعذر الوصول إلى الإمام والسؤال عن صحتها وسقمها فكان ما كان من حديث وأحاديث تندى منها الجباه.
4- أن تخرج الشيعة من الانطواء على نفسها وتسلك طريق الإمام " علياً " إن كانت حقاً من أنصاره وتسمي أولادها بأسماء الخلفاء الراشدين وتسمي بناتها بأسماء أزواج النبي – وأقصد السيدة عائشة وحفصة بالذات – لأن الشيعة نعزف عن هذين الاسمين، فالإمام " علي " قد سمى أولاده " أبا بكر " و " عمر " و " عثمان " وأئمة الشيعة سلكوا الطريق نفسه وكم من بنات الأئمة سُمِّينَ بـِ " عائشة " و " حفصة " هذا بغض النظر عن أن التسمية بأسماء الخلفاء الراشدين خروج من جاذبة الفرقة والانطواء على الطائفية والدخول إلى صفوف الوحدة الكبرى مع المسلمين، ويعز على المصلحين من أبناء الإسلام أ ن لا يصادفوا في البلاد الشيعية بطولها وعرضها هذه السماء إلا نادراًن ففي " إيران " مثلاً وفي البلاد الشيعية التي يكثر فيها الخلاف مع الفرق الإسلامية الأخرى لا نجد لمثل هذه الأسماء أثراً يذكر.
5- أنْ تَعْلَم الشيعة في كل مكان تتواجد فيه على هذا الكوكب أن السبب الحقيقي والأساسي لتخلفها الفكري والاجتماعي هو السير وراء زعاماتها المذهبية وإطاعتها إطاعة عمياء جعلتهم كالأغنام تساق إلى حيثما تريد وأن تلك الزعامات هي التي سببت للشيعة شقاءً وعناءً ومحنةً سِعَتُها سِعَةُ السموات والأرض، ومع أنني أستثني بعض هذه الزعامات من هذه القاعدة إلا أن الأكثرية منهم كانت ولا زالت هي الماسكة بزمام البدع الفكرية في عقول الشيعة من عصر الغيبة الكبرى وإلى هذا اليوم، ولا شك أن التكوين الفكري المغلق لهذه الزعامات والامتيازات المالية الكبيرة التي حصلوا عليها من أموال الشيعة باسم " الخمس " في أرباح المكاسب تلك البدعة التي سنشير إليها في الفصل الخاص بها والقدرة المطلقة التي زعموها لأنفسهم في التحكم برقاب الشيعة كانت السد المنيع لرفع الغطاء عن العيون المحجبة والترفع عن الدنيا وحطامها، وكأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول:﴿ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ﴾ ورسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول:﴿ آخر ما يخرج من رأس الصديقين جب الجاه﴾ ، وحتى هذا اليوم فإن الزعامات المذهبية الشيعية لعبت بالشيعة كالكرة فرمتها بأقدامها هنا وهناك وهم بها ساخرون وجعلت منها أمةً يسخر بها العالم وتضحك منها الأمم، ومع أنني سأذكر في فصل من فصول التصحيح شواهد وأدلة لاستغلال الزعامات المذهبية الشيعية للشيعة عبر التاريخ وحتى هذا اليوم وفي كل مكان تتواجد فيه هذه الأمة المسكينة إلا أنني وفي كل فصل سأضع النقاط على الحروف كي لا يختلط الحديث بالحديث ولا الفكرة بالفكرة.
التقية
إنني أعتقد جازماً أنه لا توجد أمة في العالم أذلت نفسها وأهانتها بقدر ما أذلت الشيعة نفسها في قبولها لفكرة التقية والعمل بها، وها أنا أدعو الله مخلصاً وأتطلع إلى ذلك اليوم الذي تربأ الشيعة حتى عن التفكير بالتقية ناهيك عن العمل بها؟
التقية:
من الصعب عليّ جداً أن أتصور معنى " التقية " بالمفهوم الشيعي الخالص وكما وردت في الكتب الشيعية وتبناها بعض علماء المذهب الإمامي وساروا عليها منذ الغيبة الكبرى وحتى كتابة هذه السطور، ولست أدري كيف تدّعي الشيعة بأنها من أنصار الإمام " الحسين " سيد الشهداء وإمام الثائرين وهي تعمل بالتقية وتعتقد بها وترتضيها لنفسها، ثم لست أدري ما هذا التناقض الغريب في معتقدات الشيعة و حسب الصورة التي رسمتها لهم زعاماتهم عبر القرون، فمن ناحية يعتقدون بأن سيرة أئمة الشيعة قد تكون حجة عليهم ولكنهم يضربون بها عرض الحائط عندما يصل الأمر إلى التقية ويتحدثون عن وجوب العمل بها لا سيما أمام الفرق الإسلامية الأخرى.
لقد أراد بعض علمائنا رحمهم الله أن يدافعوا عن التقية[1] ، ولكن التقية التي يتحدث عنها علماء الشيعة وأملتها عليها بعض زعاماتها هي ليست بهذا المعنى إطلاقاً، إنها تعني أن تقول شيئاً وتضمر شيئاً آخر، أو تقومُ بعمل عبادي أمام سائر الفرق الإسلامية وأنت لا تعتقد به ثم تؤديه بالصورة التي رسموها والأسباب التي كانت وراء انتسابها إلى أئمة الشيعة، ينبغي أن نمعن النظر قليلاً في عمل أئمة الشيعة وفي حياتهم الخاصة والعامة لكي نرى أنهم كانوا أبعد الناس عن التقية وأكثر الناس مقتاً لها، ولنعلم بعد ذلك أنه لم يكن من المعقول أن لا يعمل الشيعة بالتقية وهم يأمرون أتباعهم وشيعتهم بالعمل بها، ولقد ذكرنا في الفصل السابق صورةً واضحة عن حياة الإمام " علي " وصراحته في الحق ولا نريد تكرارها هنا أما ابنه " الحسن " وهو الإمام الثاني للشيعة[2] فكان أبعد الناس من التقية ومخادعة الناس وصلحه مع " معاوية " يشهد بذلك، فصلح " الحسن " عمل ثوريّ وخروج على الرأي العام المحيط بالإمام في عصره، فقد لاقى الإمام " الحسن " معارضة صريحة من كثير من شيعة أبيه الذين كانوا لا يريدون الصلح حتى أن " سليمان بن صرد " وهو من كبار شيعة " علي " خاطب الإمام " الحسن " بقوله:﴿ السلام عليك يا مذل المؤمنين﴾ والمعارضون للصلح كانوا أقوياء وأشداء ونال الإمام " الحسن" منهم الكثير، ولكن لم يفت كل ذلك في عضده وقاوم المعارضة مقاومة الأبطال، فيا ترى لو كانت للتقية مكان في قلب " الحسن " هل كان يصالح " معاوية " أمْ كان يستجيب لنداء الذين كانوا يحثونه على قتاله حتى يبايعه " معاوية " كخليفة منتخب وشرعي للمسلمين؟
ثم يأتي دور الإمام " الحسين " الذي ثار ضد " يزيد بن معاوية " ولم يقبل بنصح أولئك الذين نصحوه بالبقاء في مدينة الرسول ومنعوه من السير إلى العراق، وكل من يتابع الثورة الحسينية يعلم بوضوح أن شهادة الإمام " الحسين " وأولاده وأصحابه وسبي أهل بيته كانت كلها تتجسد أمام " الحسين " قبل المعركة وكان يعلم بها علم اليقين، فـَ " الحسين " جمع أصحابه في ليلة العاشر من " محرم " وقال لهم بأن غداً سيكون القتال من شاء منهم في ذلك الليل المظلم وقال لهم:﴿ اتخذوا الليل جملاً وارحلوا إلى مصائركم﴾ فرحل منهم مَنْ رحل وبقي من بقي ليستشهد مع " الحسين " ويسجل اسمه في سجل الخالدين.
فهل في مثل هذه الثورة تجد الشيعة أثراً للتقية أو كل ما يمت إلى التقية بصلة؟ ثم يأتي دور الإمام " علي بن الحسين " الملقب بالسجاد وهو الذي عاصر ملحمة " كربلاء " ولم يشترك بالقتال بسبب المرض الذي ألزمه الفراش وقد أسر في ضمن من أسر بعد مقتل أبيه وحمل على جمل أقتب مقيداً بالسلاسل من " كربلاء " إلى " الشام " ولا شك أن تلك الصورة الحزينة المليئة بالدماء و الدموع والتي شاهدها " السجاد " في يوم " عاشوراء " والذل والهوان الذي احتمله وهو يسير مع الأسرى بين " كربلاء " و " دمشق " كانت عالقة في ذهنه ليل نهار وقد انصرف الإمام " السجاد " إلى العبادة وكان يكثر من البكاء في آناء الليل وأطراف النهار حتى لقب بالبكّاء، إنه كان من الطبيعي لذلك الحزن السرمدي الذي كان يعصر قلب الإمام أن تتجلى في كلامه وخطبه عبارات تدحض الخلافة الأموية الحاكمة التي كانت حتى ذلك الحين تسب جده الإمام " علياً " على المنابر بعد كل صلاة، فقد ترك الإمام " السجاد " لنا أربعة وخمسين دعاءً جمعت كلها في كتاب واحد وسميت تلك الأدعية﴿ الصحيفة السجادية ﴾ إن من يقرأ هذه الأدعية يعلم علم اليقين كيف أن التقية كانت أبعد شيء إلى قلب " السجاد " فقد نسف الإمام في أدعيته تلك الخلافة الأموية الحاكمة نصاً ومضموناً، إنها حقاً أدعية ثورية صدرت من إمام شاهد أضخم الثورات الإسلامية حجماً وأقلها زماناً فإذا لم يستطع أن يشترك فيها بدمه فهاهو اشترك فيها بلسانه كالسيف البتار، وهذا هو الإمام " السجاد " مرةً أخرى يطوف بالبيت ويفسح له الحجيج له الطريق إجلالاً وإكراماً والخليفة " هشام بن عبد الملك " يرى كل ذلك ويطوف بين الطائفين والناس في شغل عنه والإمام يرى الخليفة ولا يبالي به فيغتاظ الخليفة لما رأى من الإمام وما رأى من الناس في الإمام فيسأل متجاهلاً : من هذا؟مشيراً إلى السجاد وتشاء المقادير أن يكون " الفرزدق " الشاعر حاضراً الموقع فيرتجل قصيدته العصماء مخاطباً الخليفة:
وليس قولك مَنْ هذا بضائره ********العرب تعرف من أنكرت والعجم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ******** هذا الإمام التقي الطاهر العلم
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه********لقبل الركن منه موضع القدم
يغضي حياء ويغضي من مهابته******** فلا يكلم إلا حين يبتسم
إن من يمعن النظر في هذا اللقاء الجاف بين الإمام والخليفة الحاكم الذي أغضب هذا الأخير سيعلم علم اليقين أن التقية وكل ما يمت إليها بصلة لم تجد إلى قلب الإمام سبيلاً، ثم يأتي دور الإمام " الباقر " وابنه " الصادق " وهما اللذان أسسا المدرسة الفقهية التي سميت باسم " الفقه الجعفري " وكان الإمامان يدرسان في المدينة في جامع الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ويدليان بآرائهما الفقهية وينشران مذهب أهل البيت بلا خوف ولا وجل، فـَ " الباقر " عاصر الخلافة الأموية " والصادق " عاصر نهاية الخلافة الأموية وبداية الخلافة العباسية وكانت الخلافة الأموية والعباسية على اختلافٍ مع الإمامين ولا ترتضي بمدرسة أهل البيت الفقهية، ولكن الإمامين أديا الرسالة وقد تخرج عليهما فقهاء وعلماء كثيرون، وهكذا نرى أن الإمامين كانا يؤديان الواجب غير متهيبين من السلطة التي كانت على خلاف معهما.
ومن الغريب أن بعض رواة الشيعة روت عن الإمام " الصادق " روايات في وجوب التقية على شيعته في حين أنه وشيعته لم يكونوا بحاجة إليها، فالإمام كان يدرِّس في مسجد الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وحوله آلاف من التلاميذ والطلاب والمستمعين وليت شعري أن اعرف كيف يمكن لمدرسة فقهية بهذه السعة وكثرة الطلاب والتلاميذ أن تبنى على التقية وأية تقية استعملها الإمام في بناء مدرسته الفقهية التي كان يضع أساسها أمام المسلمين وبصورة علنية بما فيهم المحب المخلص والعدو الشامت.
و الإمام " موسى بن جعفر " لم يكن على وفاق مع الخليفة العباسي " هارون الرشيد " وقضى سنوات في سجن الخليفة ببغداد، فلو كان " موسى بن جعفر " يسلك طريق التقية ويخادع الخليفة الذي كان ابن عمه وكانت تتحكم بينهما صلات القربى لما حدث له ما حدث.
وعندما آلت الخلافة إلى " المأمون " العباسي عَيَّن الإمام " علي بن موسى " الملقب " الرضا " ولياً للعهد و" علي الرضا " هو الإمام الثامن للشيعة الإمامية غير أن الإمام قضى نحبه في عهد " المأمون " واستمرت الخلافة في العباسيين وبعد وفاة الإمام " الرضا " زَوَّج الخليفة " المأمون " العباسي ابنته " أم الفضل " لابن الرضا " محمد الجواد " لكي لا تنقطع المودة بين الخليفة العباسي والبيت العلويّ، وهذان الإمامان الأب والابن اللذان كان أحدهما ولياً للعهد والآخر صهراً للخليفة لم يكونا بحاجة إلى العمل بالتقية ولم يطلبا من الشيعة أن يتخذوا من التقية وسيلة لمآربهم.
وبعد الإمام " الجواد " يأتي دور " عليّ " وابنه " الحسن العسكري " الإمام العاشر والحادي عشر للشيعة، وقد سكنا عاصمة الخلافة العباسية وعاصرا عهد " المتوكل " وابنه " المعتصم " وكان بيت الإمامين موئلاً للزوار وكانا يقومان بشؤون المسلمين الدينية ونشر مذهب " أهل البيت " ومن يتابع حياة هذين الإمامين يعلم أنهما كانا من أبعد الناس عن التقية أيضاً ومع أن عيون الخلفاء كانت تراقبهما وتراقب حركاتهما ودعواتهما إلى مذهب " أهل البيت " التي كانت في الحقيقة معارضة للخلافة العباسية إلا أن الإمامين لم يباليا بذلك وسلكا طريق الحق في أداء رسالتهما.
لقد أوردنا هذه الخلاصة من حياة أئمة الشيعة لنثبت أن فكرة التقية التي ظهرت بالمفهوم الشيعي الخاص إنما ظهرت في أواسط القرن الرابع الهجري وهو بعد الإعلان عن غيبة الإمام الثاني عشر وأنها ظهرت في مستهل ظهور عصر الصراع بين الشيعة والتشيع وعندما أرادت الزعامات الشيعية المذهبية والسياسية والفكرية أن تتخذ العمل السريّ وسيلة للقضاء على الخلافة العباسية الحاكمة والإعلان بعدم شرعيتها، وكان من الطبيعي أن يضاف إلى فكرة التشيع " لِعَلِيّ " وأهل بيته عنصراً جديداً يدعم الفكرة دعماً كبيراً فأضيفت فكرة النص الإلهي - كما قلنا - إلى الخلافة وأصبحت منذ ذلك الحين تشغل حيِّزاً كبيراً من صميم العقيدة، ويمكن القول إن العمل السريّ المذهبيّ بدأ من عصر ظهرت " التقية " بمظهر الواجب الشرعي الذي يجب أن يتبعه كل من له فكرة دينية ويخشى أن يجهر بها أمام السلطة الحاكمة أو الأكثرية الإسلامية ولذلك كانت للتقية دور كبير في إسناد الزعامات المذهبية الشيعية التي ظهرت بعد الغيبة الكبرى، فبالتقية استمرت تلك الزعامات في نشاطها وفي مأمن من السلطة الحاكمة كما أن الأموال كانت تصل إليها تحت غطاء التقية أيضاً وهكذا أخذت التقية تسري في الفكر الشيعي والعمل الشيعي طيلة قرون عديدة وأخذت طابعاً حزيناً في تكوين الشخصية الشيعية وإنني لا أشك من أن التقية كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى التخلف الفكري والاجتماعي والسياسي للمجتمعات الشيعية أينما وجدت فقد سرت في دمائهم ومنعتهم من الظهور بالمظهر الذي كانوا عليه خوفاً أو خجلاً وحتى في " إيران " القطر الشيعي وعندما كانت السلطة الحاكمة شيعية خالصة كان الشعب الإيراني يسلك طريق التقية كواجب ديني لمواجهة بطش السلطان واستبداده فيضمر لهم بالقلب ما يناقضه في العلن، وهكذا تميز الشعب الإيراني الشيعي كسائر نظراءه من الشيعة بازدواجية الشخصية، وإنني لا أشك أبداً أن التقية قاتلها الله لعبت دوراً كبيراً في إبقاء الشيعة بعيدة عن الفرق الإسلامية الأخرى كما أنها سببت في رميها بأمور عجيبة وغريبة ما انزل الله بها من سلطان وهي بريئة منها، ولكن الدفاع عن تلك الاتهامات والأوهام لاقى صعوبة بالغة بسبب اشتهار الشيعة بالتقية ورميهم بإخفاء الحقيقة في كل شيء ومما يحزن له قلبي ويعصره عصراً هو أن التقية في الفكر الشيعي تجاوزت عامة الناس واستقرت في أعماق قلوب القادة من زعماء المذهب الأمر الذي كان السبب في دعوتنا لتخليص الشيعة من تلك الزعامات، فعندما يرتضي القائد الديني لنفسه أن يسلك طريق الخداع مع الناس في القول والعمل باسم التقية فكيف ينتظر الصلاح من عامة الناس؟
وفي الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور وفي عهد وطأت أقدام الإنسان على سطح القمر وأصبحت الحرية الفكرية والكلامية مقدسة تدافع عن مكنونات الإنسان وعقائده خيراً كانت أو شراً يعيش المجتمع الشيعي بقيادة زعاماته مغلقاً على نفسه بالتقية فيظهر شيئاً ويبطن شيئاً آخر، فلا أعتقد أنه يوجد زعيم شيعي واحد في شرق الأرض وغربها يستطيع أن يعلن رأيه حتى في كثير من البدع التي ألصقت بالمذهب الشيعي خوفاً ورهبةً من الجماهير الشيعية التي درّبتها الزعامات تلك على العمل بتلك البدع فأصبحت جزءاً من كيانها، فمثلاً – وليس على سبيل الحصر – الشهادة الثالثة﴿أشهد أن علياً ولي الله﴾ التي يتفق عليها علماء المذهب الشيعي بأنها بدعة لم تكن معروفة في عهد الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ والصحابة وحتى في عهد الإمام " علي " وأئمة الشيعة وكلهم يجمعون على أن من قالها في آذان الصلوات بقصد " الورود " أي انه وارد في الشريعة عمل عملاً محرماً وأتي ببدعة، مع كل هذا لا يوجد زعيم شيعي واحد يستطيع أن يشير إلى هذا الأمر قولاً أو كتابة، كما أنه لا يوجد زعيم شيعي واحد يستطيع أن يصارح جمهور المسلمين بحقيقة الخلاف السائد بين الشيعة والسنة والعمل على رفعه، وكما قلنا فإن من أهم عناصر الخلاف الموجودة بين الشيعة والسنة هو تجريح الشيعة للخلفاء الراشدين وصحابة الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وبعض أزواجه، وإذا لم يرفع هذا العائق من قائمة الخلاف فسيبقى الخلاف مستحكماً بين الفريقين إلى أبد الآبدين فلا المؤتمرات الإسلامية تجدي ولا الكلمات الإصلاحية الرنانة تنفع ولا خطب المصلحين توقف ثورة الحقد والغضب الكامنة في هذا التجريح المستشري في العقول والقلوب وبطون الكتب وهمس الهامسين.
وهنا أيضاً يسلك زعماء المذهب طريق التقية أيضاً في معالجتهم لهذا الأمر فينسبون التجريح والسب والشتم إلى جهال الشيعة في حين أن كتب الرواة والمحدثين والعلماء والفقهاء من الشيعة الإمامية هي التي ذكرت تلك الأقوال ومنها تسربت إلى قلب عامة الشيعة ولسانها، فيا ترى هل تقع الملامة على الخاصة أم على العامة؟ ولا أعتقد زعيماً دينياً واحداً من زعماء المذهب الشيعي قديماً وحديثاً قد قام بغربلة الكتب الشيعية من الروايات التي تنسب زوراً إلى الأئمة في تجريح الخلفاء وغيرها من الروايات التي يحكم العقل السليم ببطلانها وعدم صدورها من الإمام مع أن علماء المذهب كلهم مجمعون أيضاً بأن الكتب التي يعتمدون عليها في الشؤون المتعلقة بالمذهب فيها روايات باطلة غير صحيحة وهم يذعنون بأن هذه الكتب تجمع بين طياتها الصدف والخزف والصحيح والسقيم، ومع ذلك لم يسلك هؤلاء الزعماء طريق إصلاح مثل هذه الروايات، فإذا كانت زعاماتنا الشيعية تتصف بالشجاعة وتؤمن بالمسؤولية الملقاة على عاتقها في رفع الخلاف لتحملت مسؤولية الخلاف بكاملها ولعملت على إزالة مثل هذه الروايات من بطون الكتب وعقول الشيعة ولفتحت صفحةً جديدةً في تاريخ الإسلام ولَعَمَّ الخير على جميع المسلمين، أما الفرار من المسؤولية وإلصاقها بالعوام من الناس تهرباً من الحقيقة والواقع تحت غطاء شرعية التقية فهذا أمر يوحي بالأسف الشديد، وعندما أكتب هذه السطور هناك آلاف مؤلفة من الشيعة الإمامية يعملون بالتقية في أعمالهم الشرعية فهم يحملون معهم التربة الحسينية التي يسجدون عليها في مساجدهم ولكنهم يخفونها في مساجد السنة مقتدياً بإمام المسجد وإذا عادوا إلى بيوتهم أعادوا الصلاة عملاً بالتقية معتمدين على روايات نسبت إلى أئمة الشيعة في التقية وأفتوا علماء الشيعة مستندين عليها في وجوب التقية ولكل هذا نحن نحث الشيعة إلى اتباع التصحيح الآتي:
التصحيح:
ينبغي على الشيعة في كل الأرض أن تقف من التقية موقف الإنسان الكريم الذي يحترم عقيدته وذاته ويجب أن يكون متصفاً بالإباء والشِّيَم التي هي من الاخلاق الفاضلة، وأن يفكر ملياً في الآثار النفسية التي تحدث له هذه الازدواجية في الشخصية والاضطراب بين القول والفعل والتي تتنافى مع الصدق وتتناقض مع صفات المسلم المخلص، فأي كلام أو عمل يصدر من الإنسان وفيه رياء أو خداع لا بد وان فيه مغايرة مع المنطق أو عمل الجماعة والأكثرية، ولذلك يجب على المسلم الحقيقي أن يقلع عن كلام أو عمل لا يستسيغه المجتمع الإسلامي سراً كان أو جهراً وأن يترفع من الظهور بمظهر الإنسان المرائي المخادع، على القواعد الشيعية ولا سيما المثقفين منهم أن يحاسبوا زعاماتهم المذهبية حساباً عسيراً في سوقهم إياهم على هذا الدرب الشائك لأغراض في نفوسهم، إن على الشيعة أن تجعل نصب أعينها تلك القاعدة الأخلاقية التي فرضها الإسلام على المسلمين وهي أن المسلم لا يخادع ولا يداهن ولا يعمل إلا الحق ولا يقول إلا الحق ولو كان عليه وأن الحسن حسن في كل مكان والعمل القبيح قبيح في كل مكان وليعلموا أيضاً أن ما نسبوه إلى الإمام الصادق من أنه قال:﴿ التقية ديني ودين آبائي ﴾ إن هو إلا كذب وزور وبهتان على ذلك الإمام العظيم.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1]- يدافع العالم الكبير السيد " محسن الأمين " رحمه الله في كتابه ( الشيعة بين الحقائق والأوهام ) ص 168 بقوله: والدليل عليها العقل والنقل فقد قضى العقل بجواز دفع الضرر بها بل بلزومه واتفق عليها جميع العقلاء ونص عليها الكتاب العزيز والسنة المطهرة فمن الكتاب آيات منها قوله تعالى في سورة " آل عمران " آية 27 (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة )) أم الإمام الرازي فقد قال في تفسير هذه الآية: التقية إنما تجوز فيما يتعلق في إظهار الموالاة والمعاداة وقد تجوز فيما يتعلق بإظهار الدين فأما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل فذلك غير جائز البتة، وفي مذهب الشافعي: أن التقية بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة عن النفس، والنفس جائزة لصون النفس وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: حرمة المسلم كحرمة دمه ، ولقوله : من قتل دون ماله فهو شهيد، وقال الباقر فيما رواه الكليني في أصول الكافي: إنما حلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية.
[2]- إطلاق تسمية أئمة الشيعة على هذه الصفوة المختارة من أهل بيت رسول الله هو إطلاق مجازي في حين أن المسلمين كلهم يحترمون أهل بيت الرسول ويرون فيهم القدوة الصالحة.
[1]- يدافع العالم الكبير السيد " محسن الأمين " رحمه الله في كتابه ( الشيعة بين الحقائق والأوهام ) ص 168 بقوله: والدليل عليها العقل والنقل فقد قضى العقل بجواز دفع الضرر بها بل بلزومه واتفق عليها جميع العقلاء ونص عليها الكتاب العزيز والسنة المطهرة فمن الكتاب آيات منها قوله تعالى في سورة " آل عمران " آية 27 (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة )) أم الإمام الرازي فقد قال في تفسير هذه الآية: التقية إنما تجوز فيما يتعلق في إظهار الموالاة والمعاداة وقد تجوز فيما يتعلق بإظهار الدين فأما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل فذلك غير جائز البتة، وفي مذهب الشافعي: أن التقية بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة عن النفس، والنفس جائزة لصون النفس وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: حرمة المسلم كحرمة دمه ، ولقوله : من قتل دون ماله فهو شهيد، وقال الباقر فيما رواه الكليني في أصول الكافي: إنما حلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية.
[2]- إطلاق تسمية أئمة الشيعة على هذه الصفوة المختارة من أهل بيت رسول الله هو إطلاق مجازي في حين أن المسلمين كلهم يحترمون أهل بيت الرسول ويرون فيهم القدوة الصالحة.
الإمام المهدي:
إن فكرة ظهور رجل من آل محمد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فكرة جميلة ومليئة بالآمال الخيِّرة ولكن علماء الشيعة ألصقوا بالإمام " المهدي " جناحين أثقلا كاهل الشيعة في كل زمان ومكان وهذان الجناحان هما: بدعة الخمس في أرباح المكاسب، وبدعة ولاية الفقيه، فالأولى تعني دفع ضريبة مالية ما أنزل الله بها من سلطان والثانية تعني عبودية الإنسان للإنسان بلا قيد ولا شرط.
الإمام المهدي
الاجتهاد والتقليد
الخمس
ولاية الفقيه :
تعتقد الشيعة الإمامية أن الإمام " الحسن العسكري " وهو الإمام الحادي عشر للشيعة عندما توفي عام 260 هـ كان له ولد يسمى " محمداً " له من العمر خمس سنوات وهو " المهدي " المنتظر، وهناك روايات أخرى تقول: إن " المهدي " ولد بعد وفاة والده الإمام " العسكري " ومهما كان الأمر فإن " المهدي " تسلم منصب الإمامة بعد والده وبنص منه وبقي مختفياً عن الأنظار طيلة خمس وستين عاماً وكانت الشيعة تتصل به في هذه الفترة عن طريق نواب عينهم لهذا الغرض، والنواب هم [[[ عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان وحسين بن روح وآخرهم علي بن محمد السيمري ]]] وهؤلاء النواب الأربعة لقبوا " بالنواب الخاص " والفترة هذه تسـمى بعصر الغيبة الصغرى، وفي عام 329 هجري وقبيل وفاة / علي بن محمد السيمري / بشهور قليلة وصلت رقعة إليه بتوقيع الإمام " المهدي " جاء فيها:﴿ لقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد أن يأذن الله فمن ادَّعى رؤيتي فهو كذاب مفتر﴾ وهذا العام هو بداية الغيبة الكبرى ومنذ ذلك الحين انقطع اتصال الشيعة بالإمام بصورة مباشرة وغير مباشرة، وحتى إذا ادَّعى أحد ذلك فالشيعة تكذبه بسبب النص الوارد في آخر خطاب ورد إليهم من الإمام " المهدي " .......... هذه هي خلاصة عقيدة الشيعة الإمامية في " المهدي " المنتظر ولا تزال الشيعة في كل عام وفي يوم الخامس عشر من شهر شعبان تحتفل بولادة " المهدي " احتفالاً كبيراً وهو الإمام الوحيد الذي تحتفل الشيعة بيوم ولادته فقط أما الأئمة الآخرين فتكون الاحتفالات في أيام مولدهم ووفاتهم على السواء.
وفكرة " المهدي " وظهور قائد في آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلما وجوراً موجودة في كثير من الأديان، وهناك أحاديث روتها كتب الصحاح عن النبي الكريم عن ظهور " مهدي " من ولده في آخر الزمان ولكن ليس على نحو التعيين، أما الشيعة فتستند على روايات نسبت إلى أئمتها أن " المهدي " المنتظر الذي أخبر به الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ فانما هو ابن الإمام " الحسن العسكري " ونحن هنا لا نريد أن ندخل في ذلك الجدل البيزنطي القديم حول " المهدي " وإعطاء تفسير عقلي لبقائه آلاف السنين في هذه الدنيا فنحن معاشر الشيعة كسائر الفرق الإسلامية الأخرى ما دمنا نعتقد بالغيب وان الله قادر على كل شيءٍ فلا نجد صعوبةً في الاعتقاد بأن إنساناً ما يعيش في هذه الدنيا خارجاً عن القوانين الطبيعية آلاف السنين، فالقرآن الكريم صريح بأن " نوحاً " عاش في قومه ألفاً إلا خمسين عاماً وأصحاب الكهف﴿ لبثوا في كهفهم ثلاثمئة سنين وازدادوا تسعاً ﴾ وأن الله رفع " عيسى بن مريم " إليه وهو حي في رحابه ولنقرأ معاً هذه الآيات البينات:﴿ ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون﴾ ﴿ ولبثوا في كهفهم ثلاثمئة سنين وازدادوا تسعاً﴾ ﴿ وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً ﴾ وفكرة " المهدي " بحد ذاتها فكرة جميلة فهي توحي بالخير المحض والتطلع إلى عالم مليء بالخيرات والفضائل والحسنات، عالم مثالي طالما دعا إليه " أفلاطون " في جمهوريته و " الفارابي" الفيلسوف الإسلامي في مدينته الفاضلة مضافاً على تلك النظرية المثالية قيماً إسلامية رفيعة.
ولو أن الاعتقاد بوجود " المهدي " بقي محصوراً في الإيمان بوجود إمام غائب من نسل رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ يظهر في يوم من الأيام ما يملأ الأرض قسطاً وعدلاً لكان المسلمون بخير، ولكن مع الأسف الشديد إن فقهاء المذهب الجعفري ألصقوا إلى " المهدي " جناحين شوهوا بهما صورة " المهدي " الرفيعة الوضاءة وهذا الجناحان بدعتان كبيرتان ألصقتا بالمذهب الشيعي في عهد ظهور الصراع بين الشيعة والتشيع وهما تتناقضان مناقضة صريحة واضحة مع نصوص القرآن الكريم وسيرة الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وعمل الإمام " علي " والأئمة من بعدهم. البدعة الأولى هي تفسير الخمس في أرباح المكاسب والبدعة الثانية هي ولاية الفقيه في المجتهدين، إن الزعامات المذهبية التي تولت أمور الشيعة الدينية بعد الغيبة الكبرى بسبب فتح باب الاجتهاد ولا زالت هي الماسكة بزمام العقيدة الشيعية حتى هذا اليوم كانت وراء هاتين البدعتين.
أما الخمس فيكاد يكون من المتفق عليه عند علماء المذهب الشيعي إنها تشمل أرباح المكاسب والغنائم معاً إلا أن تفسير الغنيمة بأرباح المكاسب ظهر بعد الغيبة الكبرى بقرن ونصف في الكتب الشيعية، أما ولاية الفقيه فهناك من علماء المذهب من عارضها ولكن لها أنصارها إلا أن المجمع عليه عندهم أن نوعاً من الولاية التي تشبه صلاحية القضاة في تعيين الوصيّ على المجنون والطفل القاصر تكون من صلاحيات المجتهدين وقبل أن نتحدث عن البدعتين الملصقتين بالإمام " المهدي " لا بد من إعطاء صورة واضحة عن الفكرة الاجتهادية عند الشيعة وعلاقة الشيعة بالإمام " المهدي " حسب ما صوره علماء المذهب.
الاجتهاد والتقليد:
يستند علماء الشيعة الإمامية على فتح باب الاجتهاد بمرسومين صدرا عن الإمام " المهدي " قبيل غيبته والمرسومان وإن كانا يختلفان في المضمون إلا أنهما يتفقان في المفهوم وهما:
1- المرسوم الأول:
وأما من الفقهاء من كان صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه.
2- المرسوم الثاني:
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة أحاديثنا.
على هذين المرسومين ( حيث أولهما يختص بالمجتهدين والثاني يختص بعوام الشيعة ) يعتمد علماء المذهب بفتح باب الاجتهاد وعدم الأخذ بآراء الأموات من الفقهاء وعليهما يستند المجتهدون في وجوب التقليد على عوام الشيعة، وبعد الغيبة الكبرى تصدى لشؤون الشيعة الدينية علماء المذهب واحداً تلو الآخر ولم تنقطع القيادة المذهبية بين المجتهدين والعامة وإن شئت قل بين القاعدة والقمة حتى كتابة هذه السطور وذلك بسبب فتح باب الاجتهاد ووجوب تقليد العوام لرأي المجتهدين، أما الفرق الإسلامية الأخرى فسدت هذا الباب لصعوبات بالغة تعترض العمل الاستنباطي اللهم إلا السلفية يجتهدون في الفروع الفقهية التي لا نص فيها وتخضع لأدلة الاستنباط من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أما علماء الشيعة فاستبدلوا القياس بالدليل العقلي واتخذوه الأصل الرابع من أصول الاستنباط ومن أغرب الأمور أن فقهاء الشيعة ينسبون أنفسهم إلى المذهب العقلي في استنباط الأحكام الشرعية ولكنهم في الحقيقة أبعد الناس عن استعمال العقل في طريقة الاستنباط.
وليت شعري أن أعرف كيف يستند علماؤنا – سامحهم الله – على العقل في فهمهم للأحكام الشرعية ولاستنباطهم المسائل الفقهية وهم يسلمون بلا جدل ولا نقاش بروايات نسبت إلى أئمة الشيعة وجاءت في الكتب التي يعتبرونها صحيحة وموثوقة وهي تتناقض مع العقل، نعم إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المقصود من استخدام العقل عند فقهاء الشيعة إنما هو استخدام الأدلة العقلية التي أسس عليها علم أصول الفقه – في التصور الشيعي – العلم الذي لعلماء الشيعة باع طويل في تأسيسه وتأليفه وهي كيفية استخدام الأدلة العقلية لفهم الأحكام الشرعية وبغض النظر عن منطوقها مثل مبحث الظن والقطع والاستصحاب والتعادل والتراجيح وغيرها من الأبحاث الأصولية التي ذكرها علماء " أصول الفقه " في كتبهم، و " أصول الفقه " علم جميل بحد ذاته وله مزاياه العقلية ومع الأسف البالغ إن الفقهاء لم يستخدموها في اللباب بل استخدموها في القشور.
وقبل أن أتحدث في النظرية الاجتهادية أود أن أذكر هنا أمرين لا بد من الإشارة إليهما:
الأمر الأول:
أود أن أشير إلى ذلك الخطأ الرهيب الذي وقع فيه كتاب وباحثون كتبوا وأَلَّفُوا ونشروا عن الشيعة في السنوات الأخيرة، فقد عرَّفوا الشيعة بالأصولية أو الإمامية الأصولية وفسروها بأن الشيعة تريد العودة إلى القهقرى لأنهم ترجموا كلمة " الأصول " بالجذور وزعموا أن الشيعة تعود إلى الجذور والماضي في العقيدة ولم يدركوا قط أن الأصولية لا تعني العودة إلى الجذور بل تعني أن الشيعة الإمامية تستخدم قواعداً عقلية اسمها " أصول الفقه " لاستنباط الأحكام الشرعية في العمل الاجتهادي ولذلك لُقِّبوا بـِ " الأصوليين " وهناك مئات الكتب أُلِّفَت في " أصول الفقه " وكلها تبحث عن المباحث العقلية التي ذكرت بعضها قبل قليل.
الأمر الثاني:
إن هناك فئةً صغيرةً من الشيعة تسمي نفسها " الإخباريين " وهم الذين لم يستخدموا علم الأصول أو بالأحرى الأدلة العقلية في استنباط الأحكام الشرعية، وإن العملية الاجتهادية تتم عندهم بالكتاب والسنة والإجماع ومن أشهر علمائهم الشيخ " حر العاملي " صاحب كتاب ( وسائل الشيعة ) الذي يعتبر من أهم المصادر الشيعية في الفقه.
ولنعد مرةً أخرى إلى الطريقة الاجتهادية التي تمتاز الشيعة بها عن غيرها ونود أن نضيف هنا بأن الطريقة الاجتهادية بحد ذاتها أمر حسن وجميل يتلاءم مع التطور الاجتماعي والفكري فكما تسير البشرية نحو الأفضل تتحرك نحو الأكمل لا بد وأنها تصادف أموراً حديثة هي بحاجة إلى قوانين جديدة لم تذكر في المباحث الفقهية من قبل، فالعملية الاجتهادية تسهل استنباط القوانين الشرعية إذا لم تتعارض مع أصول العقيدة، فإذا كان المجتمع متحركاً فلا بد وأن تتحرك القوانين الاجتماعية معه عندما لا تتعارض مع الكتاب والسنة والإجماع، فلو كان علماء الشيعة يسيرون في العمل الاجتهادي كفقهاء للمذهب الجعفري يبينون حلال الله وحرامه شأنهم شأن سائر فقهاء المسلمين الذين وقفوا أنفسهم لله لم يتخذوا على عملهم أجراً ولم يريدوا عليه جزاءً ولا شكوراً لكانت الشيعة بخير ولكانت الأمة الإسلامية على أحسن ما يرام، ولكن مع الأسف الشديد إن فقهاءنا – عن عقيدة أو عن جهل أو ضرورة – أضافوا بدعتين صريحتين إلى العمل الاجتهادي ومسخوا كل معالم الإخلاص والعمل لله وهما كما قلنا الجناحان الخفاقان على رؤوس الشيعة ما دامت السموات والأرض:
1- الخمس في أرباح المكاسب.
2- وولاية الفقيه.
الخمس:
تقول الآية الكريمة:﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .....﴾ يقول " فضل بن الحسن الطبرسي " وهو من أكابر علماء الإمامية في القرن السادس الهجري في تفسير هذه الآية الكريمة:﴿ اختلف العلماء في كيفية قسمة الخمس ومن يستحقه على أقوال أحدهما ما ذهب إليه أصحابنا وهو أن الخمس يقسم على ستة أسهم سهم لله وسهم للرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهذان السهمان مع سهم ذي القربى للإمام القائم مقام الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وسهم ليتامى آل محمد وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم لا يشاركهم في ذلك غيرهم لأن الله سبحانه حرَّم عليهم الصدقات لكونها أوساخ الناس وعوضهم من ذلك بالخمس ..... وقال أصحابنا: إن الخمس واجب في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارة وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب ويمكن أن يستدل على ذلك بهذه الآية..﴾ إن تفسير الغنيمة بالأرباح من الأمور التي لا نجدها إلا عند فقهاء الشيعة فالآية صريحة وواضحة بأن الخمس شرعت في غنائم الحرب وليس في أرباح المكاسب وأظهر دليل قاطع على أن الخمس لم يشرع في أرباح المكاسب هو سيرة النبي الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾وسيرة الخلفاء من بعده بما فيهم الإمام " علي " وحتى سيرة أئمة الشيعة حيث لم يذكر أرباب السَّيَر الذين كتبوا سيرة النبي الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ودونوا كل صغيرة وكبيرة عن سيرته وأوامره ونواهيه أن الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ كان يرسل جباته إلى أسواق المدينة ليستخرج من أموالهم خمس الأرباح مع أن أرباب السير يذكرون حتى أسامي الجباة الذين كان الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ يرسلهم لاستخراج الزكاة من أموال المسلمين، وهكذا فإن الذين أرَّخو حياة الخلفاء الراشدين بما فيهم الإمام " علي " لم يذكروا قط أن أحداً منهم كان يطالب الناس بخمس الأرباح أو أنهم أرسلوا جباة لأخذ الخمس، وحياة الإمام " علي " معروفة في الكوفة فلم يحدث قط أن الإمام بعث الجباة إلى أسواق الكوفة ليأخذوا الخمس من الناس أو أنه طلب من عماله في أرجاء البلاد الإسلامية الواسعة التي كانت تحت إمرته أن يأخذوا الخمس من الناس ويرسلونها إلى بيت المال في الكوفة كما أن مؤرخي حياة الأئمة لم يذكروا قط أن الأئمة كانوا يطالبون الناس بالخمس أو أن أحداً قدم إليهم مالاً بهذا الاسم.
وكما قلنا قبل قليل إن هذه البدعة ظهرت في المجتمع الشيعي في أواخر القرن الخامس الهجري فمنذ الغيبة الكبرى إلى أواخر القرن الخامس لا نجد في الكتب الفقهية الشيعية باباً للخمس أو إشارةً إلى شمول الخمس في الغنائم والأرباح معاً، وهذا " محمد بن الحسن الطوسي " من أكابر فقهاء الشيعة في أوائل القرن الخامس ويعتبر مؤسس الحوزة الدينية في النجف لم يذكر في كتبه الفقهية المعروفة شيئاً عن هذا الموضوع مع انه لم يترك صغيرةً أو كبيرةً من المسائل الفقهية إلا وذكرها في تآليفه الضخمة.
لقد سنت هذه السنة السيئة في عصر كانت فيه الخلافة العباسية والسلطة الحاكمة لا تعتقد بشرعية مذهب أهل البيت وبالنتيجة لا تعترف بفقهائهم لكي تخصص لهم مرتبات يعيشون منها كما كانت الحالة بالنسبة لسائر فقهاء المذاهب الأخرى، ولم تكن الشيعة حتى ذلك التاريخ متماسكة بالمعنى المذهبي حتى تقوم بإعالة فقهائنا فكان تفسير الغنيمة بالأرباح خير ضمان لمعالجة العجز المالي الذي كان يقلق حياة فقهاء الشيعة وطلاب العلوم الدينية الشيعية آنذاك ولكن هذا لا يعني أن الشيعة لم تساهم في إعالة الفقهاء وطلاب العلوم الدينية، ففي العراق وهوا لمهد الأول للشيعة توجد حتى اليوم أملاك وبنايات وأراضي وقفت في القرن الخامس الهجري على الأمور الخيرية للشيعة، وبعد أن أسست هذه البدعة أضيفت إليها أحكام مشددة لكي تحمل الشيعة على التمسك بها وعلى تنفيذها، ولم يكن من بد في حمل الشيعة على قول إعطاء الخمس وهو الأمر الذي ليس من السهل على أحد أن يرتضيه إلا بالوعيد فدفعه الضرائب في أي عصر ومصر وفي أي مجتمع مهما كان شأنه من الثقافة والديمقراطية والحرية يواجهه امتعاض من الناس، وبما أن فقهاء الشيعة لم تكن لهم السلطة لكي يرضخوا العامّة على استخراج الخمس من أرباح مكاسبهم طوعاً ورغبة فلذلك أضافوا إليها أحكاماً مشددة منها الدخول الأبدي في نار جهنم لمن لم يؤد حق الإمام وعدم إقام الصلاة في دار الشخص الذي لم يستخرج الخمس من ماله أو الجلوس على مائدته وهكذا دواليك، كما أن فقهاء الشيعة أفتوا بأن خمس الأرباح الذي هو من حق الإمام الغائب كما مرت الإشارة إليه يجب تسليمه إلى المجتهدين والفقهاء الذين يمثلون الإمام وهكذا سرت البدعة في المجتمع الشيعي تحصد أموال الشيعة في كل مكان وزمان، وكثير من الشيعة حتى هذا اليوم يدفع هذه الضريبة إلى مرجعه الديني وذلك بعد أن يجلس الشخص المسكين هذا أمام مرجعه صاغراً ويقبل يده بكل خشوع وخضوع ويكون فرحاً مستبشراً بأن مرجعه تفضل عليه وقبل من حق الإمام، وبعض فقهاء الشيعة ومن بينهم الفقيه " أحمد الأردبيلي " وهو من أبرز فقهاء عصره حتى أنه لقب بـِ " المقدس الأردبيلي " أفتوا بعدم جواز التصرف بالخمس في عهد الغيبة الكبرى كما أن بعض فقهاء الشيعة وهم قليلون أفتوا بأن الخمس ساقط من الشيعة مستندين على رواية عن الإمام " المهدي " : ﴿ أبحنا الخمس لشيعتنا ﴾ غير أن الأكثرية من فقهاء الشيعة ضربوا عرض الحائط أراء الأقلية وأجمعوا فيما بينهم على وجوب استخراج الخمس.
وكم أتمنى أن يترفع الفقهاء والمجتهدون عن أموال الشيعة ولا يرتضون لأنفسهم أن يكونوا عالة عليهم بذريعةٍ ما أنزل الله بها من سلطان، إن بعض علماء الشيعة يدافع عن أخذهم الخمس من أموال الشيعة بأنها أموال تصرف على المدارس الدينية والحوزات العلمية والشؤون المذهبية الأخرى ولكن المناقشة ليست في أن تلك الأموال تصرف كيف ولماذا؟ بل المناقشة أصولية وواقعية ومذهبية وهي أن تلك الأموال تؤخذ زوراً وبطلاناً من الناس، وحتى إذا صرفت في سبيل الله فإنها غير شرعية لا يجوز التصرف فيها، لقد كان باستطاعة فقهاء الشيعة أن يبنوا أنفسهم على الاكتفاء الذاتي وان يكون الفقيه معتمداً على نفسه شأنه شأن أرباب الصناعات الأخرى كما أن باستطاعتهم الحصول على أموال لتنمية العلم والعلماء ولكن باسم التبرعات والهبات لا باسم الواجب الشرعي وأوامر السماء ، وعندما أكتب هذه السطور أعرف مجتهداً من مجتهدي الشيعة لا زال على قيد الحياة وقد ادَّخر من الخمس ما يجعله زميلاً لـِ " قارون " الغابر أو القوارين المعاصرين، وهناك مجتهد شيعي في " إيران " قتل قبل سنوات معدودة كان قد أودع باسمه في المصارف مبلغاً يعادل عشرين مليون دولاراً أخذها من الناس طوعاً أو كرهاً باسم الخمس والحقوق الشرعية وبعد التي واللتيا ومحاكمات كثيرة استطاعت الحكومة الإيرانية وضع اليد على تلك الأموال كي لا يقتسمها الورثة فيما بينهم، هذه صورة محزنة من آثار بدعة الخمس التي تبناها فقهاء الشيعة، إن الزعامات المذهبية الشيعية استطاعت البقاء مستقلة عن السلطات الحاكمة حتى في البلاد الشيعية بسبب هذا الرصيد الذي لا ينضب فما دامت الزعامة المذهبية الشيعية ترى نفسها شريكة مع القواعد الشيعية في أرباح مكاسبها في أي زمان ومكان فإن الاستقرار الفكري لا يجد إلى المجتمع الشيعي سبيلاً والسبب واضح ومعروف لأن هذه الزعامات بسبب هذه الميزانيات الضخمة التي لا يحتاج الحصول عليها إلى الجباة وعمال الضرائب بل تأتيها طائعة مخلصة استطاعت أن تجعل من زعامة الشيعة صرحاً سياسياً يحرك الشيعة في الاتجاه الذي تريد، فلذلك نرى أن تلك الزعامات استخدمت الشيعة في كثير من أغراضها السياسية والاجتماعية عبر التاريخ.
وفي " إيران " القطر الشيعي كانت لنتائج هذا التفاعل بين الشيعة وزعمائها الدينيين آثار سيئة لا تعد ولا تحصى، ولقد وصلت الأمور إلى أبعد ما يتصور من سوء عندما أضيفت إلى بدعة الخمس في أرباح المكاسب بدعة ولاية الفقيه، وقبل أن نبحث ولاية الفقيه بصورة مسهبة نود ان نضيف هنا لنكون أمناء على التاريخ وصادقين في رسالتنا هو أن بعض الزعامات الشيعية خدم الفكر الإسلامي وخدم قضايا وطنية في محاربة الاستعمار أو الاستبداد الحاكم مرات ومرات ولكننا عندما نقارن بين استخدام الأكثرية نفوذها في سبيل المصالح الخاصة ونضعها في ميزان لنرى أن كفة المصالح الخاصة تتأرجح على المصالح العامة بصورة تدهش المرء وتوحي إليه بالأسى والحزن.
ولاية الفقيه:
ولاية الفقيه هي الجناح أو البدعة الثانية التي أضيفت إلى سلطة الذين يدّعون أنهم نواب الإمام " المهدي " في عصر الغيبة الكبرى، وهذه الفكرة بالمعنى الدقيق فكرة حلولية دخلت الفكر الإسلامي من الفكر المسيحي القائل: إن الله تجسد في المسيح والمسيح تجسد في الحبر الأعظم وفي عصر محاكم التفتيش في إسبانيا وإيطاليا وقسم من فرنسا كان " البابا " يحكم المسيحيين وغيرهم باسم السلطة الإلهية المطلقة حيث كان يأمر بالإعدام والحرق والسجن مر بالإع
وكان حراسه يدخلون البيوت الآمنة ليل نهار ليعيثوا بأهلها فساداً ونكراً، وقد دخلت هذه البدعة إلى الفكر الشيعي بعد الغيبة الكبرى وأخذت طابعاً عقائدياً عندما أخذ علماء الشيعة يسهبون في الإمامة ويقولون بأنها منصب إلهي أنيط بالإمام كخليفة لرسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وبما أن الإمام حيّ ولكنه غائب عن الأنظار ولم يفقد سلطته الإلهية بسبب غيبته فإن هذه السلطة تنتقل منه إلى نوابه لأن النائب يقوم مقام المنوب عنه في كل شيء، وهكذا أخذت فكرة ولاية الفقيه تشغل حيزاً كبيراً في أفكار فقهاء الشيعة غير أن كثيراً منهم أنكروا الولاية بالمعنى الذي تقدم ذكره وقالوا إن الولاية خاصة بالرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ والأئمة الإثني عشر من بعده ولا تنتقل إلى نواب الإمام، وإن ولاية الفقيه لا تعني أكثر من ولاية القاضي الذي يستطيع تعيين أمين على وقف لا متولي له أو نصب قيِّم على مجنون أو قاصر، ويبدو أن فكرة ولاية الفقيه مع تبني بعض فقهاء الشيعة لها لم تجد الفرصة المواتية للخروج من حيز الفكر إلى حيز العمل إلا بعد أن استلم السلطة في إيران الشاه " إسماعيل الصفوي " وهو العصر الذي عبرنا عنه بعصر الصراع الثاني بين الشيعة والتشيع.
والشاه " إسماعيل " ينحدر من أسرة صوفية كان مقرها مدينة " أردبيل " الواقعة في شمال غربي " إيران " وكان أجداده من أقطاب الحركة الصـوفية التي شعارها " حب علي وأهل بيته " وكان لهم نفوذ قويّ في مقاطعة " أذربيجان " التركية وفي عام / 907 / هـ استطاع الشاه " إسماعيل " أن يُنَصِّبَ نفسه ملكاً على إيران بعد أن كانت الحروب العثمانية الإيرانية قد أنهكت إيران تماماً، ولا شك أنه كانت وراء الشاه " إسماعيل " - الذي توج رسمياً وهو بعد في سن الثالثة عشرة - قيادات صوفية قوية تحرك الملك الفتى إلى مآربها ولم تكن إيران شيعية عند استلام الشاه " إسماعيل " السلطة اللهم إلا مدناً قليلة منها " قمّ " و " قاشان " و " نيسابور " فأعلن الشاه المذهب الشيعي مذهباً رسمياً لإيران وبدأت جحافل الصوفية تتحرك بين المدائن الإيرانية تنشد الأشعار والمدائح في حق " علي " وأهل بيته وتحث الناس على الدخول في المذهب الشيعي وأعمل الشاه " إسماعيل " السيف في رقاب الذين لم يعلنوا تشيعهم، ومن طريف القول أن نذكر هنا أن سكان مدينة " أصفهان " كانوا من الخوارج فعندما وصلهم أمر الشاه بقبول التشيع أو قطع الرقاب طلبوا منه أن يمهلهم أربعين يوماً ليكثروا فيها من سب الإمام " علي " ثم يدخلوا في المذهب الجديد فأمهلهم الشاه كما أرادوا وهكذا انضمت "أصفهان" إلى المدن الشيعية الأخرى، ومع أن الشاه " إسماعيل " كان شيعياً بقرارة نفسه وبحكم نشأته ومقامه الصوفيّ إلا أن إعطاء الصفة الشيعية الخالصة لإيران كان يهم النظام الجديد كثيراً فالحروب العثمانية وإن كانت في حقيقتها حروباً إقليمية لها جذورها الماضية إلا أن الاستمرار في هذه الحرب كان يصطدم بفكرة حرمة حرب المسلم مع المسلم وقتل المسلم للمسلم الأمر الذي كان يلاقي معارضة داخل إيران وكانت فكرة الانضمام للخلافة العثمانية والرضوخ لأمر الخليفة الذي كان يلقب بأمير المؤمنين أمراً له أنصاره ، ولكن المذهب الجديد الذي أملاه الشاه على الشعب الإيراني أعطى تماسكاً قوياً للإيرانيين وقضى على كل الآمال التي كانت تراود الخليفة العثماني لضم إيران إلى خلافته، وفي حين أن الشاه كان يرى نفسه قطباً صوفياً وملكاً أسس للشيعة مجداً لم يؤسس أحد مثله من قبل إلا أنه رضخ لولاية الفقيه وطلب من " علي بن عبد العال الكركي العاملي " كبير علماء الشيعة بجبل عامل بـِ " لبنان " أن يحكم له دعائم السياسة والملك ويجيزه الجلوس على كرسي الملك والحكم باسم الولاية العامة التي هي من صلاحيات الفقيه ولا زالت الكتب التاريخية تحتفظ بالنصوص الواردة في إجازة " الكركي " للشاه، إن رجوع الشاه إلى عالم شيعي في " جبل عامل " بلبنان في إبان حكمه لإسناد نظامه دليل قاطع على أن الزعامة المذهبية الشيعية كان مقرها آنذاك في " جبل عامل " الموطن الثاني للشيعة بعد العراق، ولذلك آياتها نستغرب أبداً عندما نعلم أن حفيد الشاه " إسماعيل " وهو الشاه " عباس " استقدم من " جبل عامل " العالم الشيعي الكبير الشيخ " بهاء الدين " إلى مقر عاصمته " أصفهان " ليكون المرجع الرسمي للبلاد ولقبه بـِ " شيخ الإسلام " ومن كل ما أسلفنا يظهر بوضوح أن فكرة " ولاية الفقيه " كانت موجودة في الفكر الشيعي وعليها كانت تبنى فكرة عدم شرعية الخلافة الإسلامية أو أية حكومة أخرى إلا إذا أجازها وباركها الفقيه الذي يمثل الإمام الحي الغائب المنصوب بأمر الله.
ومنذ أن أدخل الشاه " إسماعيل الصفوي " الإيرانيين في المذهب الشيعي وحتى كتابة هذه السطور فإن للزعامة المذهبية الشيعية نفوذ واسع وكبير في إيران ويحظى باحترام عظيم من قبل الملوك والحكام، ومع أن العلاقات بين الزعامة المذهبية والزعامة السياسية المتمثلة بالملوك والحكام كانت على خير ما يرام عبر التاريخ إلا أنه كان يحدث في بعض الأحيان صراع بينهما ينتهي بانتصار أحدهما على الآخر، ومنذ أن استطاع الشاه " إسماعيل " أن يجعل من ولاية الفقيه منصباً يعلو على مقام الشاه وكل المناصب الأخرى لم يحدث قط أن فقيهاً من فقهاء الشيعة رشح نفسه للحكم مباشرة، وفكرة ولاية الفقيه بالمفهوم الذي ظهر في تاريخنا المعاصر ومن الناحية التطبيقية لم تكن تدور في خلد الفقهاء، فلم يستخدم الفقهاء في إيران حقهم في ولاية الفقيه أكثر من الوقوف في وجه السلطان الحاكم إذا ما حصلت بينهم المجابهة أو الوقوف مع السـلطان في مجابهة الأعداء، وقبل أقل من قرنين وعندما أراد الشاه " فتح علي القاجار " أن يغزو القيصر في عقر داره كان كبير مجتهدي الشيعة السيد " محمد الطباطبائي " الملقب بالمجاهد يتقدم جيوش الشاه وقواده لغزو " روسيا " وقد أفتى بالجهاد باسم ولاية الفقيه، وعندما دحرت إيران في تلك الحرب وتنازل الشاه عن سبعة عشر مدينة كبيرة من أهم المدن الإيرانية إلى روسيا تنازلاً لا رجعة فيه وعاد الجيش المهزوم إلى إيران ومعهم السيد المجاهد استقبلهم الإيرانيون بهتافات الخزي والأوساخ استنكاراً منهم لموقف زعيم ديني يقود إيران نحو الهلاك والكارثة التي لن تنسى.
وفي تاريخنا المعاصر وهو عهد الصراع بين الشيعة والتشيع بدأت ولاية الفقيه تظهر على مسارح الأحداث في البلاد الشيعية بصورة حادّة وعنيفة أخذت تعصف بكل القيم الإسلامية والإنسانية على السواء ولعل من أهم المفارقات التي تدين هذه النظرية هي حدوث ذلك الصراع الرهيب بين الفقهاء أنفسهم حول الفكرة واضطهاد القوة الحاكمة للقوة الفقهية المحكومة، ومع أننا في رسالتنا التصحيحية هذه لا نريد أن نسمي الأشخاص ونعدد الأسماء حتى لا نفقد صفة الحياد التي هي من أهم شروط التوفيق في كل رسالة هي لله، ولكن الأحداث التي نشير إليها هي من الوضوح بمكان ويعرفها كل شيعي ملم بأحداث العالم الشيعي فأحداثها وقعت أمام أعينهم أو على مسمع منهم فلذلك نحن واثقون بأنه لا يوجد شيعي واحد من الذين كتب هذا الكتاب لأجلهم يطالبنا بتوثيق ما يتضمنه هذا الفصل بذكر الأسماء والمصادر لأن إحداث ولاية الفقيه وما رافقها من المآسي في المجتمعات الشيعية سواء أكانت في إيران أو غيرها لهي أظهر من الشمس في رائعة النهار.
وأعود الآن إلى البحث في ولاية الفقيه من الناحية النظرية والعملية معاً فأساس النظرية لدى فقهاء الشيعة يرتكز على الآية الكريمة﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[1] ... ﴾ويقول علماء الشيعة: إن المقصود من أولي الأمر في الآية الكريمة إنما هو الخليفة أو الإمام الشرعي الذي هو الإمام " علي " ومن بعده أولاده حتى الإمام " المهدي " وفي غيبة الإمام " المهدي " تكون الولاية للفقهاء المجتهدين الذين يحلون محل الإمام وهو النواب العامون، وخطأ هذا التفسير أوضح من وضوح الشمس فقبل كل شيء تصطدم نظرية ولاية الفقيه بنص صريحٍ جاء في القرآن الكريم وضح صلاحية الفقهاء بعبارة واضحة وصريحة، ومن دواعي الأسف والحزن أن كل أولئك الذين أسهبوا في بطلان نظرية الفقيه لم يذكروا هذه النقطة الجوهرية التي تدحض فكرة ولاية الفقيه من أساسها وتنسفها نسفاً أبدياً حتى قيام الساعة، فالآية الكريمة التي تفند ولاية الفقيه وتنص على مقدار صلاحيته هي﴿ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون[2] ....﴾ فالآية صريحة أن واجب الفقيه هو التبليغ والإرشاد في شؤون الدين وليست في الآية إشارة إلى وجوب إطاعة الفقيه أو ولايته، فليت شعري كيف خفيت هذه الآية الكريمة على العلماء والباحثين ونحن معاشر الشيعة كسائر المسلمين نجمع إجماعاً عاماً على أنه لا اجتهاد أمام النص، إذن فكرة ولاية الفقيه تتعارض مع نص الكتاب ومن يعارض النص الإلهي يعتبر خارجاً عن الإسلام ولنعد إلى الآية الكريمة مرةً أخرى:﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[3] ... ﴾ إن من يقرأ هذه الآية الكريمة من غير أن يقطع أجزاءها حسب رغبته يعلم علم اليقين أن إطاعة أولي الأمر تختلف عن إطاعة الله ورسوله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وأنها إطاعة محددة وفي نطاق صلاحيات أنيطت بالوالي حسب طبيعة عمله حتى أن الحكم في التنازعات بين المسلمين سلب عنه كما تنص الآية، ثم إن الآية واضحة وصريحة أنها نزلت في الذين عينهم الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ في عهده كولاة ينوبون عنه في شؤون المسلمين فالآية نزلت في عهد الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وهي تخص عهده والإشارة إليه إشارة شخصية لا عمومية، ولكن حتى إذا أخذنا بعموم الآية وأنه تشمل أولي الأمر بعد عصر الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ فإنها واضحة في عدم وجوب إطاعة أوامرهم في التنازعات التي تحدث بين المسلمين الأمر الذي يقلل من شأن أولي الأمر ويفقدهم صلاحية الولاية العامّة أو الولاية المطلقة.
وليت شعري أن أعرف كيف استدل المستدلون بهذه الآية على ولاية الفقيه وإعطائه حق التحكم في شؤون المسلمين السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية؟ فإذا كان لا يحق لأولي الأمر التدخل في تنازعات المسلمين كما نص عليه الكتاب حتى لا يتخذ اسم الله ورسوله ذريعة لكي يحكم المجتمع الإسلامي حسب أهوائه وعقائده بدون الأخذ بالشورى فهل يمكن القول أن نائب أولي الأمر يتمتع بحقوق أكثر من المنوب عنه؟
وفي إيران وهي مهد ولاية الفقيه في التاريخ المعاصر الذي عبرنا عنه بعصر الصراع الثالث بين الشيعة والتشيع استطاعت ولاية الفقيه أن تحتل الصدارة في الدستور الإيراني الجديد وتحتل أهم المواقع الأساسية منه كما استطاعت أن تسيطر على السلطة المطلقة في بالبلاد، ولكن مع كل هذا لم يستطع حماة الدستور والذين وضعوه والذين دافعوا عنه من حل التناقضات الصارخة بين التطبيقات العملية وبين النظرية الفقهية ولذلك أصبحت النظرية في نظر المجتمع الشيعي نظرية مهلهلة ضعيفة وركيكة مع القوة المادية الهائلة التي تساندها ولعل من أولي هذه المفارقات والتناقضات الصارخة والتي تتساءل الشيعة عنها في كل مكان هي: هل أن ولاية الفقيه منصب ديني أم منصب سياسي؟ فإذا كانت منصباً دينياً لا يخضع للانتخاب ولا يخضع للعزل ولا يخضع للتفريق فكل من بلغ مرتبة الفقاهة اتصف بصفة الولاية وشملته الحصانة ويجب على المسلمين إطاعة أوامره والرضوخ لولايته، ولكن حدث أن فقهاء نُكبوا وأُهينوا وسُجنوا وشُرِّدوا ولا زال بعضهم قيد الأٍسر والسجن بسبب مواقفهم الفكرية أو السياسية من سلطان الفقيه الحاكم، أما إذا كانت ولاية الفقيه منصباً سياسياً فلماذا ربط بالدين وبالمذهب وظهر في مظهر العقيدة ووجوب الإطاعة لصاحبه؟ ثم كيف يمكن من الناحية العملية أن يتصور المرء ولاية الفقيه عندما يتضارب الفقهاء بينهم في الآراء وكلهم في مدينة واحدة؟ فلمن يا ترى يجب على المسلمين أن يستجيبوا ويطيعوا وكيف يجمعوا بين آراء متضاربة أو متناقضة؟ حقاً إن إسناد قانون كهذا إلى الإسلام إهانة إلى ذلك الدين القيّم الذي أرسله الله ليرفع من القيم الإنسانية، ونظرية ولاية الفقيه تجاوزت إيران وتسربت إلى مناطق شيعية أخرى وبدأت تعصف بالشيعة هناك كما عصفت بها في إيران وإني أخشى أن يعم البلاء على الشيعة في كل مكان ويهزهم هزاً لا استقرار بعده، فلو علمت الشيعة بالفجائع التي ارتكبت باسم ولاية الفقيه ولا زالت ترتكب لاقتلعت ظل الفقهاء من كل ديار يحلون فيها ولفرت منهم فرار الشاة من الذئب، فأثناء كتابة هذه السطور هناك في إيران القطر الشيعي رد فعل عنيف بالنسبة للمذهب وما رافقه من سلطة الفقهاء والمرجعية المذهبية وذلك بعد أن عانى الشعب الإيراني من ولاية الفقيه ما عاناه، إنه عناء يهدد المجتمع الشيعي في إيران بالخروج من الإسلام أفواجاً أفواجاً، ولذلك إنني أدعو الله مخلصاً أن تصل رسالتي الإصلاحية إلى يد الشيعة في إيران وذلك قبل فوات الأوان وليعلموا أن طريق الخلاص ليس الهدم والإنكار فقط بل البدء بالبناء والإصلاح، ولكي لا يتصور القارئ الكريم أنني أقصد شخصاً خاصاً من الفقهاء الذين أمسكوا زمام السلطة باسم ولاية الفقيه بل أود القول: إن الفكرة الشمولية تعمّ الجميع ولا نقصد فرداً خاصاً، فنحن عندما نمعن النظر بدقة وتفحص في الأحداث التي تجري على الساحة الإسلامية والشيعية نرى أن ولاية الفقيه تلعب دوراً بارزاً في أحداث تتناقض مع مبادئ الإسلام الصريحة، وإن الأكثرية من الفقهاء لم يقفوا موقفاً مناهضاً منها فالأكثرية بين مؤيد أو محايد اللهم إلا القليل منهم والذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة.
التصحيح:
إذا استطاعت الشيعة أن تنفذ الطرق التصحيحية التي نحن نطالبها بها للخلاص من الأمور الثلاثة التي أشرنا إليها في هذا الفصل والتي هي تخصهم في الصميم لسلكت شوطاً كبيراً في طريق التصحيح وأراحت نفسها واستراحت من قيود قيدهم بها عباد الله مخالفاً لأوامر الله، والأمور الثلاثة هي:
أولاً – التقليد:
وهو الأخذ برأي المجتهد والعمل عليه في المسائل الشرعية وقلما يوجد بيت لا توجد فيه رسالة من الرسائل الفقهية التي ألفها المجتهدون لعوام الناس وتسمى بالرسالة العملية مع إضافة أسماء إليها مثل " ذخيرة الصالحين " " سراط النجاة " أو " ذخيرة العباد " وأمثالها، وعن المتتبع لهذه الرسائل العملية يجد أن هؤلاء الفقهاء منذ قرون عدة وحتى هذا اليوم دونوا في أول صفحة من رسائلهم المشار إليها هذه العبارة﴿ يجب على كل مكلف عاقل أن يكون مجتهداً أو مقلداً أو محتاطاً أي عارفاً بموارد الاحتياط وعمل العامي في الفروع من غير تقليد باطل عاطل ﴾ وتعني هذه النظرية التي أجمع عليها فقهاء الإمامية منذ الغيبة الكبرى وحتى هذا اليوم أن الذي يعمل بالاحتياط هو في حلٍّ من التقليد والأخذ برأي غيره، العمل الاحتياطي يعني أن يعلم المكلف موارد الاختلاف في المسائل الفرعية يختار الأقرب منها إلى الصواب، أما في أصول العقيدة فلا يجوز التقليد ويجب أن يكون المسلم معتقداً مؤمناً بها عن بصيرة ودراية، فالحل الذي نعرضه على الشيعة ونطلب منهم أن يلتزموا به لضمان سعادتهم في الدنيا والآخرة هو أن يعملوا بالاحتياط وليس في العمل الاحتياطي أي خروج على المذهب أو مغايرة لإجماع فقهاء الشيعة الأمر الذي يسد على الفقهاء أبواب حث الشيعة على النهوض ضد التصحيح أو تخويفهم بعذاب الله في يوم القيامة، أما إذا حدثت للشيعة مسائل مستحدثة وهي قليلة جداً وأعني بها المسائل التي لم تتطرق إليها أبواب الفقه من قبل فحينئذ يمكن استشارة مجتهد أو مجتهدين لحلها وها أنا - بحول الله وقوته - سأضمن للشيعة إصدار رسالة عملية فقهية تحتوي على الآراء الاحتياطية في المسائل التي هي عامة البلوى وذلك بمساعدة علماء وفقهاء أخلصوا لله في نياتهم ولا يريدون عليه جزاءً ولا شكوراً.
ثانياً – الخمس:
لقد وقع فقهاء الإمامية في مأزق عظيم عندما أجمعوا أن نصف الخمس وهو حق الله ورسوله والإمام الغائب ويجب أن يعطى للمجتهد الذي يقلده الشيعي العامي والنصف الآخر يقسمه على الفقراء الهاشميين واليتامى وأبناء السبيل منهم، فقد غاب عنهم أن كان هذا هو الحكم الشرعي بالنسبة للمقلدين من العوام ولكن ما هو الحكم بالنسبة للمحتاط الذي لم يأخذ برأي فقيه واحد فهل أن الخمس ساقط عنه؟ أم أنه يستطيع التصرف فيع كما يشاء، ومن هنا يظهر أن بدعة الخمس بالمفهوم الشرعي مع إصرار الفقهاء عليها لم تكن دقيقة وفيها فجوات تحكي ببطلانها بوضوح، إن بدعة الخمس بالمفهوم الشيعي إنما هو مفهوم مخالف لسنة الرسول والخلفاء الراشدين وأئمة الشيعة لأن الخمس في الإسلام هو الخمس في الغنائم وليس في أرباح التجارة والمكاسب قط.
ومن هنا أطالب الشيعة في هذه الرسالة التصحيحية وأحثهم على أن لا يدفعوا هذه الضريبة التي ما أنزل الله بها من سلطان لأي فقيه وتحت أي غطاء ولكنني أحثهم على المساهمة في الأمور الخيرية ومساعدة الفقراء والمؤسسات الاجتماعية والعلمية مباشرة وبلا وسيط وليعلموا أن الأمم التي وصلت إلى قمة المجد إنما وصلت بالسخاء والعطاء، وإذا أرادت الشيعة أن تساعد الفقراء والمجتهدين ورجال الدين فنعما وهذا حسن وجميل ولكن على أن تكون مساعدة شخصية لقضاء مآربهم الخاصة لا لكي يكونوا وسطاء في توزيع الأموال على الغير كما هو شأنهم حتى كتابة هذه السطور.
ثالثاً – ولاية الفقيه:
وهنا أكرر ما قلته من قبل وهو أنني أعتقد أنه لم يسبق لفكرة دينية في التاريخ البشري كلفت البشرية من الدماء والأحزان والآلام والدموع بقدر ما كلفته ولاية الفقيه عند الشيعة منذ ظهورها وحتى هذا اليوم، ولا أعتقد أننا بحاجة لكي نطلب من الشيعة أن تقاوم هذه الفكرة وتقف ضدها فالفكرة ولله الحمد بدأت تنسف نفسها بنفسها وعندما يبدأ الهدم الداخلي يتفاعل في نظرية أو فكرة بسب فشلها في التطبيق أو بسبب المآسي التي ترتكب باسمها تكون النظرية في طريقها إلى الاضمحلال والزوال التام.
ولاية الفقيه هي الجناح أو البدعة الثانية التي أضيفت إلى سلطة الذين يدّعون أنهم نواب الإمام " المهدي " في عصر الغيبة الكبرى، وهذه الفكرة بالمعنى الدقيق فكرة حلولية دخلت الفكر الإسلامي من الفكر المسيحي القائل: إن الله تجسد في المسيح والمسيح تجسد في الحبر الأعظم وفي عصر محاكم التفتيش في إسبانيا وإيطاليا وقسم من فرنسا كان " البابا " يحكم المسيحيين وغيرهم باسم السلطة الإلهية المطلقة حيث كان يأمر بالإعدام والحرق والسجن مر بالإع
وكان حراسه يدخلون البيوت الآمنة ليل نهار ليعيثوا بأهلها فساداً ونكراً، وقد دخلت هذه البدعة إلى الفكر الشيعي بعد الغيبة الكبرى وأخذت طابعاً عقائدياً عندما أخذ علماء الشيعة يسهبون في الإمامة ويقولون بأنها منصب إلهي أنيط بالإمام كخليفة لرسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وبما أن الإمام حيّ ولكنه غائب عن الأنظار ولم يفقد سلطته الإلهية بسبب غيبته فإن هذه السلطة تنتقل منه إلى نوابه لأن النائب يقوم مقام المنوب عنه في كل شيء، وهكذا أخذت فكرة ولاية الفقيه تشغل حيزاً كبيراً في أفكار فقهاء الشيعة غير أن كثيراً منهم أنكروا الولاية بالمعنى الذي تقدم ذكره وقالوا إن الولاية خاصة بالرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ والأئمة الإثني عشر من بعده ولا تنتقل إلى نواب الإمام، وإن ولاية الفقيه لا تعني أكثر من ولاية القاضي الذي يستطيع تعيين أمين على وقف لا متولي له أو نصب قيِّم على مجنون أو قاصر، ويبدو أن فكرة ولاية الفقيه مع تبني بعض فقهاء الشيعة لها لم تجد الفرصة المواتية للخروج من حيز الفكر إلى حيز العمل إلا بعد أن استلم السلطة في إيران الشاه " إسماعيل الصفوي " وهو العصر الذي عبرنا عنه بعصر الصراع الثاني بين الشيعة والتشيع.
والشاه " إسماعيل " ينحدر من أسرة صوفية كان مقرها مدينة " أردبيل " الواقعة في شمال غربي " إيران " وكان أجداده من أقطاب الحركة الصـوفية التي شعارها " حب علي وأهل بيته " وكان لهم نفوذ قويّ في مقاطعة " أذربيجان " التركية وفي عام / 907 / هـ استطاع الشاه " إسماعيل " أن يُنَصِّبَ نفسه ملكاً على إيران بعد أن كانت الحروب العثمانية الإيرانية قد أنهكت إيران تماماً، ولا شك أنه كانت وراء الشاه " إسماعيل " - الذي توج رسمياً وهو بعد في سن الثالثة عشرة - قيادات صوفية قوية تحرك الملك الفتى إلى مآربها ولم تكن إيران شيعية عند استلام الشاه " إسماعيل " السلطة اللهم إلا مدناً قليلة منها " قمّ " و " قاشان " و " نيسابور " فأعلن الشاه المذهب الشيعي مذهباً رسمياً لإيران وبدأت جحافل الصوفية تتحرك بين المدائن الإيرانية تنشد الأشعار والمدائح في حق " علي " وأهل بيته وتحث الناس على الدخول في المذهب الشيعي وأعمل الشاه " إسماعيل " السيف في رقاب الذين لم يعلنوا تشيعهم، ومن طريف القول أن نذكر هنا أن سكان مدينة " أصفهان " كانوا من الخوارج فعندما وصلهم أمر الشاه بقبول التشيع أو قطع الرقاب طلبوا منه أن يمهلهم أربعين يوماً ليكثروا فيها من سب الإمام " علي " ثم يدخلوا في المذهب الجديد فأمهلهم الشاه كما أرادوا وهكذا انضمت "أصفهان" إلى المدن الشيعية الأخرى، ومع أن الشاه " إسماعيل " كان شيعياً بقرارة نفسه وبحكم نشأته ومقامه الصوفيّ إلا أن إعطاء الصفة الشيعية الخالصة لإيران كان يهم النظام الجديد كثيراً فالحروب العثمانية وإن كانت في حقيقتها حروباً إقليمية لها جذورها الماضية إلا أن الاستمرار في هذه الحرب كان يصطدم بفكرة حرمة حرب المسلم مع المسلم وقتل المسلم للمسلم الأمر الذي كان يلاقي معارضة داخل إيران وكانت فكرة الانضمام للخلافة العثمانية والرضوخ لأمر الخليفة الذي كان يلقب بأمير المؤمنين أمراً له أنصاره ، ولكن المذهب الجديد الذي أملاه الشاه على الشعب الإيراني أعطى تماسكاً قوياً للإيرانيين وقضى على كل الآمال التي كانت تراود الخليفة العثماني لضم إيران إلى خلافته، وفي حين أن الشاه كان يرى نفسه قطباً صوفياً وملكاً أسس للشيعة مجداً لم يؤسس أحد مثله من قبل إلا أنه رضخ لولاية الفقيه وطلب من " علي بن عبد العال الكركي العاملي " كبير علماء الشيعة بجبل عامل بـِ " لبنان " أن يحكم له دعائم السياسة والملك ويجيزه الجلوس على كرسي الملك والحكم باسم الولاية العامة التي هي من صلاحيات الفقيه ولا زالت الكتب التاريخية تحتفظ بالنصوص الواردة في إجازة " الكركي " للشاه، إن رجوع الشاه إلى عالم شيعي في " جبل عامل " بلبنان في إبان حكمه لإسناد نظامه دليل قاطع على أن الزعامة المذهبية الشيعية كان مقرها آنذاك في " جبل عامل " الموطن الثاني للشيعة بعد العراق، ولذلك آياتها نستغرب أبداً عندما نعلم أن حفيد الشاه " إسماعيل " وهو الشاه " عباس " استقدم من " جبل عامل " العالم الشيعي الكبير الشيخ " بهاء الدين " إلى مقر عاصمته " أصفهان " ليكون المرجع الرسمي للبلاد ولقبه بـِ " شيخ الإسلام " ومن كل ما أسلفنا يظهر بوضوح أن فكرة " ولاية الفقيه " كانت موجودة في الفكر الشيعي وعليها كانت تبنى فكرة عدم شرعية الخلافة الإسلامية أو أية حكومة أخرى إلا إذا أجازها وباركها الفقيه الذي يمثل الإمام الحي الغائب المنصوب بأمر الله.
ومنذ أن أدخل الشاه " إسماعيل الصفوي " الإيرانيين في المذهب الشيعي وحتى كتابة هذه السطور فإن للزعامة المذهبية الشيعية نفوذ واسع وكبير في إيران ويحظى باحترام عظيم من قبل الملوك والحكام، ومع أن العلاقات بين الزعامة المذهبية والزعامة السياسية المتمثلة بالملوك والحكام كانت على خير ما يرام عبر التاريخ إلا أنه كان يحدث في بعض الأحيان صراع بينهما ينتهي بانتصار أحدهما على الآخر، ومنذ أن استطاع الشاه " إسماعيل " أن يجعل من ولاية الفقيه منصباً يعلو على مقام الشاه وكل المناصب الأخرى لم يحدث قط أن فقيهاً من فقهاء الشيعة رشح نفسه للحكم مباشرة، وفكرة ولاية الفقيه بالمفهوم الذي ظهر في تاريخنا المعاصر ومن الناحية التطبيقية لم تكن تدور في خلد الفقهاء، فلم يستخدم الفقهاء في إيران حقهم في ولاية الفقيه أكثر من الوقوف في وجه السلطان الحاكم إذا ما حصلت بينهم المجابهة أو الوقوف مع السـلطان في مجابهة الأعداء، وقبل أقل من قرنين وعندما أراد الشاه " فتح علي القاجار " أن يغزو القيصر في عقر داره كان كبير مجتهدي الشيعة السيد " محمد الطباطبائي " الملقب بالمجاهد يتقدم جيوش الشاه وقواده لغزو " روسيا " وقد أفتى بالجهاد باسم ولاية الفقيه، وعندما دحرت إيران في تلك الحرب وتنازل الشاه عن سبعة عشر مدينة كبيرة من أهم المدن الإيرانية إلى روسيا تنازلاً لا رجعة فيه وعاد الجيش المهزوم إلى إيران ومعهم السيد المجاهد استقبلهم الإيرانيون بهتافات الخزي والأوساخ استنكاراً منهم لموقف زعيم ديني يقود إيران نحو الهلاك والكارثة التي لن تنسى.
وفي تاريخنا المعاصر وهو عهد الصراع بين الشيعة والتشيع بدأت ولاية الفقيه تظهر على مسارح الأحداث في البلاد الشيعية بصورة حادّة وعنيفة أخذت تعصف بكل القيم الإسلامية والإنسانية على السواء ولعل من أهم المفارقات التي تدين هذه النظرية هي حدوث ذلك الصراع الرهيب بين الفقهاء أنفسهم حول الفكرة واضطهاد القوة الحاكمة للقوة الفقهية المحكومة، ومع أننا في رسالتنا التصحيحية هذه لا نريد أن نسمي الأشخاص ونعدد الأسماء حتى لا نفقد صفة الحياد التي هي من أهم شروط التوفيق في كل رسالة هي لله، ولكن الأحداث التي نشير إليها هي من الوضوح بمكان ويعرفها كل شيعي ملم بأحداث العالم الشيعي فأحداثها وقعت أمام أعينهم أو على مسمع منهم فلذلك نحن واثقون بأنه لا يوجد شيعي واحد من الذين كتب هذا الكتاب لأجلهم يطالبنا بتوثيق ما يتضمنه هذا الفصل بذكر الأسماء والمصادر لأن إحداث ولاية الفقيه وما رافقها من المآسي في المجتمعات الشيعية سواء أكانت في إيران أو غيرها لهي أظهر من الشمس في رائعة النهار.
وأعود الآن إلى البحث في ولاية الفقيه من الناحية النظرية والعملية معاً فأساس النظرية لدى فقهاء الشيعة يرتكز على الآية الكريمة﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[1] ... ﴾ويقول علماء الشيعة: إن المقصود من أولي الأمر في الآية الكريمة إنما هو الخليفة أو الإمام الشرعي الذي هو الإمام " علي " ومن بعده أولاده حتى الإمام " المهدي " وفي غيبة الإمام " المهدي " تكون الولاية للفقهاء المجتهدين الذين يحلون محل الإمام وهو النواب العامون، وخطأ هذا التفسير أوضح من وضوح الشمس فقبل كل شيء تصطدم نظرية ولاية الفقيه بنص صريحٍ جاء في القرآن الكريم وضح صلاحية الفقهاء بعبارة واضحة وصريحة، ومن دواعي الأسف والحزن أن كل أولئك الذين أسهبوا في بطلان نظرية الفقيه لم يذكروا هذه النقطة الجوهرية التي تدحض فكرة ولاية الفقيه من أساسها وتنسفها نسفاً أبدياً حتى قيام الساعة، فالآية الكريمة التي تفند ولاية الفقيه وتنص على مقدار صلاحيته هي﴿ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون[2] ....﴾ فالآية صريحة أن واجب الفقيه هو التبليغ والإرشاد في شؤون الدين وليست في الآية إشارة إلى وجوب إطاعة الفقيه أو ولايته، فليت شعري كيف خفيت هذه الآية الكريمة على العلماء والباحثين ونحن معاشر الشيعة كسائر المسلمين نجمع إجماعاً عاماً على أنه لا اجتهاد أمام النص، إذن فكرة ولاية الفقيه تتعارض مع نص الكتاب ومن يعارض النص الإلهي يعتبر خارجاً عن الإسلام ولنعد إلى الآية الكريمة مرةً أخرى:﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[3] ... ﴾ إن من يقرأ هذه الآية الكريمة من غير أن يقطع أجزاءها حسب رغبته يعلم علم اليقين أن إطاعة أولي الأمر تختلف عن إطاعة الله ورسوله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وأنها إطاعة محددة وفي نطاق صلاحيات أنيطت بالوالي حسب طبيعة عمله حتى أن الحكم في التنازعات بين المسلمين سلب عنه كما تنص الآية، ثم إن الآية واضحة وصريحة أنها نزلت في الذين عينهم الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ في عهده كولاة ينوبون عنه في شؤون المسلمين فالآية نزلت في عهد الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وهي تخص عهده والإشارة إليه إشارة شخصية لا عمومية، ولكن حتى إذا أخذنا بعموم الآية وأنه تشمل أولي الأمر بعد عصر الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ فإنها واضحة في عدم وجوب إطاعة أوامرهم في التنازعات التي تحدث بين المسلمين الأمر الذي يقلل من شأن أولي الأمر ويفقدهم صلاحية الولاية العامّة أو الولاية المطلقة.
وليت شعري أن أعرف كيف استدل المستدلون بهذه الآية على ولاية الفقيه وإعطائه حق التحكم في شؤون المسلمين السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية؟ فإذا كان لا يحق لأولي الأمر التدخل في تنازعات المسلمين كما نص عليه الكتاب حتى لا يتخذ اسم الله ورسوله ذريعة لكي يحكم المجتمع الإسلامي حسب أهوائه وعقائده بدون الأخذ بالشورى فهل يمكن القول أن نائب أولي الأمر يتمتع بحقوق أكثر من المنوب عنه؟
وفي إيران وهي مهد ولاية الفقيه في التاريخ المعاصر الذي عبرنا عنه بعصر الصراع الثالث بين الشيعة والتشيع استطاعت ولاية الفقيه أن تحتل الصدارة في الدستور الإيراني الجديد وتحتل أهم المواقع الأساسية منه كما استطاعت أن تسيطر على السلطة المطلقة في بالبلاد، ولكن مع كل هذا لم يستطع حماة الدستور والذين وضعوه والذين دافعوا عنه من حل التناقضات الصارخة بين التطبيقات العملية وبين النظرية الفقهية ولذلك أصبحت النظرية في نظر المجتمع الشيعي نظرية مهلهلة ضعيفة وركيكة مع القوة المادية الهائلة التي تساندها ولعل من أولي هذه المفارقات والتناقضات الصارخة والتي تتساءل الشيعة عنها في كل مكان هي: هل أن ولاية الفقيه منصب ديني أم منصب سياسي؟ فإذا كانت منصباً دينياً لا يخضع للانتخاب ولا يخضع للعزل ولا يخضع للتفريق فكل من بلغ مرتبة الفقاهة اتصف بصفة الولاية وشملته الحصانة ويجب على المسلمين إطاعة أوامره والرضوخ لولايته، ولكن حدث أن فقهاء نُكبوا وأُهينوا وسُجنوا وشُرِّدوا ولا زال بعضهم قيد الأٍسر والسجن بسبب مواقفهم الفكرية أو السياسية من سلطان الفقيه الحاكم، أما إذا كانت ولاية الفقيه منصباً سياسياً فلماذا ربط بالدين وبالمذهب وظهر في مظهر العقيدة ووجوب الإطاعة لصاحبه؟ ثم كيف يمكن من الناحية العملية أن يتصور المرء ولاية الفقيه عندما يتضارب الفقهاء بينهم في الآراء وكلهم في مدينة واحدة؟ فلمن يا ترى يجب على المسلمين أن يستجيبوا ويطيعوا وكيف يجمعوا بين آراء متضاربة أو متناقضة؟ حقاً إن إسناد قانون كهذا إلى الإسلام إهانة إلى ذلك الدين القيّم الذي أرسله الله ليرفع من القيم الإنسانية، ونظرية ولاية الفقيه تجاوزت إيران وتسربت إلى مناطق شيعية أخرى وبدأت تعصف بالشيعة هناك كما عصفت بها في إيران وإني أخشى أن يعم البلاء على الشيعة في كل مكان ويهزهم هزاً لا استقرار بعده، فلو علمت الشيعة بالفجائع التي ارتكبت باسم ولاية الفقيه ولا زالت ترتكب لاقتلعت ظل الفقهاء من كل ديار يحلون فيها ولفرت منهم فرار الشاة من الذئب، فأثناء كتابة هذه السطور هناك في إيران القطر الشيعي رد فعل عنيف بالنسبة للمذهب وما رافقه من سلطة الفقهاء والمرجعية المذهبية وذلك بعد أن عانى الشعب الإيراني من ولاية الفقيه ما عاناه، إنه عناء يهدد المجتمع الشيعي في إيران بالخروج من الإسلام أفواجاً أفواجاً، ولذلك إنني أدعو الله مخلصاً أن تصل رسالتي الإصلاحية إلى يد الشيعة في إيران وذلك قبل فوات الأوان وليعلموا أن طريق الخلاص ليس الهدم والإنكار فقط بل البدء بالبناء والإصلاح، ولكي لا يتصور القارئ الكريم أنني أقصد شخصاً خاصاً من الفقهاء الذين أمسكوا زمام السلطة باسم ولاية الفقيه بل أود القول: إن الفكرة الشمولية تعمّ الجميع ولا نقصد فرداً خاصاً، فنحن عندما نمعن النظر بدقة وتفحص في الأحداث التي تجري على الساحة الإسلامية والشيعية نرى أن ولاية الفقيه تلعب دوراً بارزاً في أحداث تتناقض مع مبادئ الإسلام الصريحة، وإن الأكثرية من الفقهاء لم يقفوا موقفاً مناهضاً منها فالأكثرية بين مؤيد أو محايد اللهم إلا القليل منهم والذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة.
التصحيح:
إذا استطاعت الشيعة أن تنفذ الطرق التصحيحية التي نحن نطالبها بها للخلاص من الأمور الثلاثة التي أشرنا إليها في هذا الفصل والتي هي تخصهم في الصميم لسلكت شوطاً كبيراً في طريق التصحيح وأراحت نفسها واستراحت من قيود قيدهم بها عباد الله مخالفاً لأوامر الله، والأمور الثلاثة هي:
أولاً – التقليد:
وهو الأخذ برأي المجتهد والعمل عليه في المسائل الشرعية وقلما يوجد بيت لا توجد فيه رسالة من الرسائل الفقهية التي ألفها المجتهدون لعوام الناس وتسمى بالرسالة العملية مع إضافة أسماء إليها مثل " ذخيرة الصالحين " " سراط النجاة " أو " ذخيرة العباد " وأمثالها، وعن المتتبع لهذه الرسائل العملية يجد أن هؤلاء الفقهاء منذ قرون عدة وحتى هذا اليوم دونوا في أول صفحة من رسائلهم المشار إليها هذه العبارة﴿ يجب على كل مكلف عاقل أن يكون مجتهداً أو مقلداً أو محتاطاً أي عارفاً بموارد الاحتياط وعمل العامي في الفروع من غير تقليد باطل عاطل ﴾ وتعني هذه النظرية التي أجمع عليها فقهاء الإمامية منذ الغيبة الكبرى وحتى هذا اليوم أن الذي يعمل بالاحتياط هو في حلٍّ من التقليد والأخذ برأي غيره، العمل الاحتياطي يعني أن يعلم المكلف موارد الاختلاف في المسائل الفرعية يختار الأقرب منها إلى الصواب، أما في أصول العقيدة فلا يجوز التقليد ويجب أن يكون المسلم معتقداً مؤمناً بها عن بصيرة ودراية، فالحل الذي نعرضه على الشيعة ونطلب منهم أن يلتزموا به لضمان سعادتهم في الدنيا والآخرة هو أن يعملوا بالاحتياط وليس في العمل الاحتياطي أي خروج على المذهب أو مغايرة لإجماع فقهاء الشيعة الأمر الذي يسد على الفقهاء أبواب حث الشيعة على النهوض ضد التصحيح أو تخويفهم بعذاب الله في يوم القيامة، أما إذا حدثت للشيعة مسائل مستحدثة وهي قليلة جداً وأعني بها المسائل التي لم تتطرق إليها أبواب الفقه من قبل فحينئذ يمكن استشارة مجتهد أو مجتهدين لحلها وها أنا - بحول الله وقوته - سأضمن للشيعة إصدار رسالة عملية فقهية تحتوي على الآراء الاحتياطية في المسائل التي هي عامة البلوى وذلك بمساعدة علماء وفقهاء أخلصوا لله في نياتهم ولا يريدون عليه جزاءً ولا شكوراً.
ثانياً – الخمس:
لقد وقع فقهاء الإمامية في مأزق عظيم عندما أجمعوا أن نصف الخمس وهو حق الله ورسوله والإمام الغائب ويجب أن يعطى للمجتهد الذي يقلده الشيعي العامي والنصف الآخر يقسمه على الفقراء الهاشميين واليتامى وأبناء السبيل منهم، فقد غاب عنهم أن كان هذا هو الحكم الشرعي بالنسبة للمقلدين من العوام ولكن ما هو الحكم بالنسبة للمحتاط الذي لم يأخذ برأي فقيه واحد فهل أن الخمس ساقط عنه؟ أم أنه يستطيع التصرف فيع كما يشاء، ومن هنا يظهر أن بدعة الخمس بالمفهوم الشرعي مع إصرار الفقهاء عليها لم تكن دقيقة وفيها فجوات تحكي ببطلانها بوضوح، إن بدعة الخمس بالمفهوم الشيعي إنما هو مفهوم مخالف لسنة الرسول والخلفاء الراشدين وأئمة الشيعة لأن الخمس في الإسلام هو الخمس في الغنائم وليس في أرباح التجارة والمكاسب قط.
ومن هنا أطالب الشيعة في هذه الرسالة التصحيحية وأحثهم على أن لا يدفعوا هذه الضريبة التي ما أنزل الله بها من سلطان لأي فقيه وتحت أي غطاء ولكنني أحثهم على المساهمة في الأمور الخيرية ومساعدة الفقراء والمؤسسات الاجتماعية والعلمية مباشرة وبلا وسيط وليعلموا أن الأمم التي وصلت إلى قمة المجد إنما وصلت بالسخاء والعطاء، وإذا أرادت الشيعة أن تساعد الفقراء والمجتهدين ورجال الدين فنعما وهذا حسن وجميل ولكن على أن تكون مساعدة شخصية لقضاء مآربهم الخاصة لا لكي يكونوا وسطاء في توزيع الأموال على الغير كما هو شأنهم حتى كتابة هذه السطور.
ثالثاً – ولاية الفقيه:
وهنا أكرر ما قلته من قبل وهو أنني أعتقد أنه لم يسبق لفكرة دينية في التاريخ البشري كلفت البشرية من الدماء والأحزان والآلام والدموع بقدر ما كلفته ولاية الفقيه عند الشيعة منذ ظهورها وحتى هذا اليوم، ولا أعتقد أننا بحاجة لكي نطلب من الشيعة أن تقاوم هذه الفكرة وتقف ضدها فالفكرة ولله الحمد بدأت تنسف نفسها بنفسها وعندما يبدأ الهدم الداخلي يتفاعل في نظرية أو فكرة بسب فشلها في التطبيق أو بسبب المآسي التي ترتكب باسمها تكون النظرية في طريقها إلى الاضمحلال والزوال التام.
الغلو:
﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ
وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا
كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾
عندما يصل الإنسان إلى مرحلة التكامل ويعلو على الملائكة فهو في غنى عن الخزعبلات والأوهام التي تنسج حوله وتشوِّه صورته الوضاءة.
الغلو:
الغلو النظري
الغلو العملي
الغلو النظري:
هناك مظاهر كثيرة للغلو تبدأ بالغلو النظري وتنتهي بالغلو العملي، والغلو
النظري بكل اختصار اعتقاد الإنسان في حق إنسان آخر أنه قادر على الإتيان
بكرامات أو معجزات أو أمور خارقة وغير عادية لا يستطيع الإتيان بها عامة
الناس، كما أن الإيمان بتأثير إنسان ما حياً كان ذلك الإنسان أو ميتاً في
حياة الآخرين خيراً أو شراً وفي الدنيا والآخرة هو مظهر كبير من مظاهر
الغلو، والغلو النظري المسطور في كتب الروايات والأحاديث ونسبة الأمور
العجيبة والخارقة إلى الأئمة والأولياء والمشايخ كانت السبب في تنمية الغلو
العملي وما يصدر من عامة الناس في مقابر الأئمة والأولياء والمشايخ في
إظهار العبودية وتقديم النذورات وطلب الحاجة المباشرة منهم وأمور أخرى لا
تعد ولا تحصى.
وفكرة الغلو تحتل قلوب كثير من الناس حتى من غير المسلمين وتشارك الفرق
الإسلامية الأخرى الشيعة في غلوهم بالنسبة للأئمة والأولياء نستثني منهم (
السلفية ) الذين استطاعوا أن يحطموا القيود التي قيدت عقول الناس وقلوبهم
على السواء، غير أن الشيعة سبقت الفرق الإسلامية الأخرى في هذا المضمار
كثيراً ويعود هذا الإسراف في الغلو إلى كتب الروايات التي لم تهذب وموقف
الفقهاء من تلك الروايات وعدم تفنيدهم لمحتواها، فقد ذكرت كتب الشيعة والتي
تعتبر موثوقة قصصاً في معجزات الأئمة وفي كراماتهم هي لا تقل عن تلك التي
نجدها في كتب روايات الفرق الإسلامية الأخرى عن المشايخ والأولياء وشيوخ
الصوفية، ولا أريد أن أدخل في ذلك الجدل العقيم هل أن هذه الروايات صادقة
أم أنها من نسج الخيال؟ وأنها حيكت في عصر كانت أذهان العامة لا ترتضي ولا
تطمئن إلا أن تسمع قصصاً مثيرةً عن حياة كبرائهم،ولكن النقطة الأساسية
والتي أرتكز عليها في هذا البحث هي أننا نحن كمسلمين وكأمة نعتقد بأن
المعطيات العقلية هي أكثر المعطيات اتباعاً وقبولاً وهي التي تغنينا عن
السير أشواطاً وراء السراب، ونحن معاشر الشيعة بالذات قد اتخذنا المذهب
العقلي جزءاً من استنباط أحكامنا الفقهية وهناك رواية ذكرها الكليني
في﴿أصول الكافي﴾ متواتراً عن الإمام "الصادق" جاء فيها:﴿إن أول ما خلق الله
العقل فقال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: فبعزتي وجلالي
بك أعاقب وبك أثيب﴾ ومن هنا اتخذت الشيعة تلك القاعدة العقلية التي
تقول:﴿كل ما حكم به العقل حكم به الشرع﴾ أي أن المستقبلات العقلية التي لا
يجد العقل إلا بداً من قبولها أو رفضها فالشرع يحكم بذلك وها أنا أسأل: أين
موقف العقل من هذه الخزعبلات التي رواها الرواة بالنسبة لأئمتنا من
المعجزات والكرامات؟ وأين العقل من هذا الغلو الجارف الذي يمنع المرء من
ذكر الله والتوجه إليه؟ ثم لماذا ونحن الشيعة لا نعطي لأئمتنا حقهم في
المرتبة الرفيعة التي يحتلونها؟ وهي الوصول إلى مرتبة الإنسان الكامل الذي
هو معجزة تفوق كل المعجزات الأخرى فقد جاء في الحديث عن الرسـول الكريم﴿
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن الله خلق الإنسان وركّب فيه العقل
والشهوة وخلق الملائكة وركب فيها العقل وخلق البهائم وركب فيها الشهوة فمن
غلب عقله على شهوته فهو أعلى من الملائكة ومن غلبت شهوته على عقله فهو أدنى
من البهائم﴾ إن هذه المرتبة الإنسانية الكبرى التي أنعم الله بها على
الأئمة وعباده الصالحين حيث بلغوا مرتبة هي أعلى من الملائكة تغنيهم ورب
الكعبة من أن تنسج حولهم الخزعبلات ما تضحك الثكلى ثم إن الغلو في بعض
الأحيان يجتاز مرحلة المدح وينقلب ذمّاً فمثلاً: إن العصمة التي نسبت إلى
الأئمة كما قلنا في فصول سابقة كان الغرض منها تثبيت تلك الروايات الكاذبة
التي تتنافى مع العقل والمنطق والتي نسبت إلى الإمام كي يُسَدّ باب النقاش
في محتواها على العقلاء والأذكياء ويرغم الناس على قبولها لأنها صدرت من
معصوم لا يخطئ، ولكن العصمة في حقيقة حالها إنما هي تنقيص من حق الإمام لا
مدح فيه لأن تفسير العصمة بالمفهوم الشيعي تعني أن الأئمة منذ ولادتهم وحتى
وفاتهم لم يرتكبوا معصية بإرادة الله وهذا يعني فقدانهم الإرادة في تفضيل
الخير على الشر، ولست أدري أية فضيلة تكتب للمرء عند الله إذا لم يستطع
القيام بعمل الشر بسبب إرادة خارجة عن ذاته، نعم إذا كانت العصمة تعني أن
الأئمة مع القدرة على الإتيان بالمعاصي لن يأتوا بها لعلو في نفوسهم وملكة
قوية في أخلاقهم وحاجز يحجزهم عن معصية الله فهذا كلام معقول يتلاءم مع
المنطق والعقل ولكن في هذه الحالة لا نستطيع القول: إن هذه النفسية تخص
أشخاصاً معدودين وأنها خاصة لأئمتنا فقط بل إنها صفة يستطيع كل إنسان أن
يتصف بها إذا التزم حدود الله وأطاع أوامره وانتهى عن نواهيه وحسبنا كتاب
الله الذي أعطى لنا مثلاً رائعاً وصورة بليغة لهذه العناية الإلهية في سورة
يوسف﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ
وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ
إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
(23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ
رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ
مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) ﴾ والعلم اللدني من هذا النوع أيضاً
فما هي الفضيلة في اقتباس العلوم بلا جهد ومثابرة وسعي؟ وأدهى من ذلك أن
بعض علمائنا ذهبوا إلى أبعد من ذلك وقالوا: إن الإمام يعلم كل شيء وله
معرفة بكل العلوم والفنون ولست أدري أيضاً ما هي الفضيلة بالنسبة إليه أن
يكون مهندساً أو ميكانيكياً أو عالماً باللغة اليابانية إنما الفضيلة
بالنسبة للإمام أن يكون فقيهاً ورعاً وعالماً ربانياً في شؤون الدين وفي
هذا كل الفضل ثم إذا كان القرآن الكريم يقول في رسوله الذي أرسله للناس
ضياءً ونوراً﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ وينفي عنه العلم
بالغيب بقوله:﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا
مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ
مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ
وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ فكيف تسوغ لنا نفوسنا أن ننسب إلى أئمتنا
صفات تعلو على صفات رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ أم المعاجز
والكرامات التي كانت تصدر عن الأنبياء في حين وآخر ويشير إليها القرآن
الكريم فإنها كانت تحدث في عهد التحديات الإنسانية لرسالات السماء وفي عهود
كانت البشرية لا تستطيع درك المفاهيم العقلية والفضائل العليا بلغة المنطق
والاستدلال وكان لا بد من حملها إلى طريق الإيمان فأنعم الله على أنبيائه
وكرّمهم بالمعاجز ليكونوا حجة على الناس وأرسل الله رسوله﴿صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم﴾ بالمعجزة الخالدة وهو القرآن الكريم إنها المعجزة الأبدية
التي تبقى ما شاء الله لها أن تبقى، وبمحمد ختمت الرسالة وختمت المعجزات
وأكمل الدين وأتمت النعمة وجاء قول الله صريحاً وجلياً:﴿ الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ
لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ ومرةً أخرى ونحن نتحدث عن الغلو النظري عند
الشيعة قبل الغلو العملي ونترك الباب مفتحاً لسائر الفرق الإسلامية الأخرى
أن تحدث هي عن الغلو الحاكم في قلوب أبنائها وفي بطون كتبها.
إن المؤسف حقاً هو أن الغلو النظري مثل العملي دخل إلى أعماق القلوب عن
طريق فقهاء المذهب والمجتهدين فالمسؤولية الأولى والأخيرة تقع على عاتقهم
لأنهم هم الذين قادوا العوام على الطريق، فهناك أمور نَسَبَتْها كتب الشيعة
إلى الأئمة وتبناها فقهاء المذهب وذكرتها كتب الروايات الموثوقة عندهم مثل
" أصول الكافي " و " الوافي " و " الاستبصار " و " ومن لا يحضره الفقيه " و
" وسائل الشيعة " وغيرها من أهم الكتب والمصادر الشيعية وفي كثير منها
الغلو وفي كثير منها الحط من قدر الأئمة ولكن بصورة غير مباشرة، ومع أننا
نستثني بعض علمائنا وبعض مراجعنا حيث اتخذوا موقفاً منصفاً ومعتدلاً من
الغلو النظري والعملي غير أن الأكثرية منهم ساروا على درب الغلو من
أَلِفِهِ إلى يائه ولعل من أهم مواضيع الغلوّ:
1- العصمة.
2- العلم اللدني .
3- الإلهام.
4- المعاجز.
5- الإخبار بالغيب.
6- الكرامات.
7- تقبيل الأضرحة وطلب الحاجات.
وهنا أود القول بكل صراحة ووضوح هو أنني عندما أطلب غربلة الكتب الشيعية
وتهذيبها من الروايات التي تسيء إلى العقل الإنساني بدلاً من أن تصقله أطلب
في الوقت نفسه من علماء الفرق الإسلامية الأخرى أن تهذب وتغربل بدورها
كتبها من الروايات التي جاءت فيها وهي لا تقل عن الغرابة والسخف من
الروايات التي دونت في كتب الشيعة.
الغلوّ العمليّ:
إن الغلو العملي يتجسد في طلب الحاجات الدنيوية والأخروية من الأئمة
والاستغاثة بهم بصورة مباشرة، كما أن تقبيل الأضرحة هو أمر شائع في مراقد
الأئمة والأولياء معاً، حقاً لقد سئمت من المناقشة والمناظرة مع فقهائنا –
سامحهم الله – حول تقبيل الأضرحة وطلب الحاجات من الأئمة وقراءة الزيارة
أمام قبورهم بدلاً من قراءة القرآن الكريم فلم أسمع منهم إلا تكراراً
لكلمات قيلت وقيلتن فقد أرادوا أن يجدوا العذر في تقبيل الأضرحة بتقبيل
الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ الحجر الأسود في حين أن عمل
الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ كان يعتبر سنة لموقع خاص ومقام خاص
حتى أن الخليفة " عمر بن الخطاب " وقف أمام " الحجر " مخاطباً له:﴿إنك حجر
لا تضر ولا تنفع ولكنني رأيت رسول الله يقبلك فأقبلك﴾ وإن الرسول﴿صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم﴾ لم يسمح أبداً أن يقبل أحد يده بل كان يصافح زائريه
والقادمين إليه كما أننا لم نسمع ولم نقرأ أن الإمام " علياً " سمح لأحد أن
يقبل يده أو رداءه وهذا هو الإمام " الصادق " وقد أغضبه رجل عندما أراد أن
يقبل عصاه التي يتوكأ عليها بذريعة أنها عصا رسول الله﴿صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم﴾ فقال له غاضباً:﴿ ويحك – وهو يشير إلى يده – هذا لحم ودم
رسول الله فلماذا تقبل ما لا يضرك ولا ينفعك﴾ ومن الغريب في استدلال
علمائنا بتقبيل النبي الكريم للحجر الأسود وجواز تقبيل الأضرحة بالقياس
عليه هو أنهم من أشد الناس معارضة للقياس في استنباط الاحكام الشرعية وكما
نعرف جعلوا الدليل العقلي بدلاً من القياس في استنباط الأحكام ولكنهم أخذوا
به عندما رأوا مصلحة في ذلك، لقد زرت مقابر الأولياء في كثير من البلاد
الإسلامية فرأيت الزائرين فيها على النمط الذي نراه في مشاهد أئمتنا ودخلت
كنائس المسيحيين في كثير من بلاد العالم فرأيت الناس فيها كما هي فهم
يتبركون بتمثال المسيح وبأقدام العذراء وقد تركوا الله جانباً ويطلبون
منهما العون في الدنيا والآخرة، ودخلت معابد البوذيين والشنتو ومعابد
الهنود والسيخ فرأيت ما رأيته من قبل في مشاهد المسلمين والمسيحيين معاً في
تقديم القربان وطلب الحاجة وتقبيل التماثيل والركوع والخضوع والخشوع
أمامها.
وهكذا رأيت البشرية تعوم في سراب من الأوهام وحقاً أكبرت أولئك العلماء من
المسلمين أمثال " ابن حزم الأندلسي " ومن حذا حذوه من الذين منحهم الله
عقولاً جبارةً اتخذوها مناراً وهدايةً لهم وللآخرين فسبقوا عصورهم بقرون
وقرون ووقفوا موقف الساخر الغاضب من هذه الأعمال، ولنقرأ معاً هذه الآيات
البينات وقد عالجت هذه الأمور بصراحة ووضوح:
1- ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ
اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ
الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
2- ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ
الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي
أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
فِي أَنْفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
3- ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾
4- وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ
الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي
لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
5- ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ
نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
التصحيح:
ومرةً أخرى نعود إلى الفكرة التصحيحية الكبرى وهي غربلة الكتب وتنقيحها
وتهذيبها من الشوائب والأخبار غير الصحيحة التي جاءت فيها، وإذا ذكرنا
أعلاه بعض أسماء الكتب التي يعتبرها فقهاء الشيعة كتباً معتبرة والتي
أُلِّفَت في عهد الصراع الأول بين الشيعة والتشيع ولكن من المهم أن نذكر
أيضاً أن الكتب التي أُلِّفت في العهد الثاني من الصراع أي في عهد الدولة
الصفوية لهي أدهي بكثير من تلك التي كتبت في وقت متقدم، فلقد جَمَعَت بعض
هذه الكتب بين صفحاتها من عجائب الأمور والأقوال ما لا يرتضيه أي عاقل وأي
محب لأهل بيت الرسالة ولعل من نافلة القول أن نذكر هنا علة وجه التحديد
موسوعة " بحار الأنوار " الضخمة التي وضعها المولى " محمد باقر المجلسي "
باللغة العربية وفي مجلدات تربو على العشرين، إن هذه الموسوعة هي بحق من
أكثر الموسوعات نفعاَ وضرراً فهي في الوقت الذي تجمع في طياتها تراثاً
علمياً غنياً وتمد الباحثين والعلماء فهي تحتوي أيضاً على أقوال ضارة
ومواضيع ركيكة أضرت بالشيعة والوحدة الإسلامية أعظم الضرر وأكبره، ومع أن
المؤلف يعترف في مقدمة كتابه الذي سماه " بحاراً " لأنه كالبحر الذي يوجد
فيه الصدف والخزف، فكتابه أيضاً يحتوي على الضار والنافع شأنه شأن البحر
ولكن مع الأسف إن الخزف الموجود في كتاب البحار قد أضر الشيعة والوحدة
الإسلامية أكثر من أي أثر آخر أُلِّفَ حتى الآن في التاريخ الشيعي.
لقد خصص المؤلف شطراً كبيراً من موسوعته في معاجز أئمة الشيعة وهي مليئة
بالأفكار الغلوائية التي تحتوي على قصص في المعاجز والكرامات تنسب إلى
أئمتنا حقاً إنها حكايات تصلح لتسلية الأطفال، والجانب الآخر الهدام في هذه
الموسوعة هو التركيز على الطعن وتجريح الخلفاء الراشدين وبصورة مقذعة في
بعض الأحيان الأمر الذي اتخذه تجار الطائفية البغيضة فرصة مواتية لإثارة
العداء بين الشيعة والسنة ولا زالت الكتب التي تؤلَّف ضد الشيعة تركز
تركيزاً مباشراً على كتب " المجلسي " و " المجلسي " ألَّف كتباً باللغة
الفارسية أيضاً وهي لا تقل في محتواها عن موسوعته العربية، ولا شك أن عصر "
المجلسي " وتأييد النظام الحاكم للمذهب الشيعي ولعلماء المذهب كان من أهم
عوامل تأليف موسوعة مثل " بحار الأنوار " الكتاب الذي كان يضمن الخلاف
الأبدي بين الشيعة في إيران وبين الأكثرية الساحقة من المسلمين الذين كانت
الخلافة الإسلامية المجاورة لإيران تحكمهم باسم " أمير المؤمنين " و
"المجلسي " الذي ولد في عام / 1073 / هجري وتوفي في عام / 1111 / هجري كان
معاصراً للشاه " سليمان " والسلطان " حسين " من الملوك الصفويين وعُيِّن
برتبة " شيخ الإسلام " وأنيطت به الشؤون الدينية في إيران بأمر الشاهين
الذين حكما إيران في أزهى عصور الدولة الصفوية، وقبل أكثر من ثلاثين عاماً
عندما أرادت دار للنشر في إيران أن تجدد طبع موسوعة " البحار " في مئة مجلد
أمر الإمام " الطباطبائي البروجردي " الزعيم الأعلى للطائفة الشيعية آنذاك
أن يخضع الكتاب للتهذيب والتنقيح ويجرد من كل الروايات والقصص التي فيها
تجريح للخلفاء الراشدين ولكن الناشر الذي كان من أكبر تجار الطائفية
وبتعاون مع جهات مشبوهة بدأ بطباعة الموسوعة من المجلدات الضخمة التي لا
تحتوي على تلك الروايات والقصص المضرّة متجاهلاً التسلسل الوارد في
الموسوعة وتم طبع المجلدات الضارّة بعد وفاة الإمام " البروجردي " وعرضت في
المكتبات الإسلامية لتكون وقوداً جديداً لإثارة الضغناء والشحناء بين
المسلمين، ولقد أنبئت أخيراً أن الموسوعة طبعت مرة أخرى في لبنان بمساعدة
جهة لها اتصال عميق بالدوائر الاستعمارية التي كانت سياستها الدائمة فرق
تسد.
وفي معرض حديثنا عن غربلة كتب روايات الشيعة لا بد من أن نذكر هنا وبكل
صراحة أن الدفاع الذي يقدمه بعض فقهائنا لصحة الروايات التي نريد غربلتها
هو أن علم الدراية أو علم الرجال يساند صحة صدور تلك الروايات عن أئمة
الشيعة وصدور بعض المعجزات والكرامات عنهم، وليت شعري أن أفهم أيهما أفضل
للقبول والإتباع علم الدراية والرجال أم كتاب الله الكريم وسنة رسوله
وبعدهما العقل والمنطق والبرهان، ورسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
يقول: كل ما وافق الكتاب فخذوه وما عارضه فانبذوه ....﴾ وقبل أن أختم هذا
الفصل لا بد من الإشارة إلى موضوع له من الأهمية بمكان فقد دأب كثير من
فقهائنا والمعنيين بالشؤون الشيعية - في رفضهم لقبول غربلة الكتب المشار
إليها من المواضيع التي تقصم ظهر الوحدة الإسلامية – أن يتذرعوا بالقول إن
كتب السنة أيضاً مليئة بما يجرح الشيعة وترميهم بالزندقة والكفر والخروج عن
الإسلام، لقد صارحنا فقهاءنا من الشيعة وقلنا لهم إن كتبكم طعنت وجرحت
الخلفاء الراشدين الذين لهم مكانة كبرى في قلوب المسلمين وأزواج النبي﴿صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم﴾وصحابته، والسنة لا تقول مثل هذا الكلام في أئمة
الشيعة بل تكرمهم وتذكر فضائلهم ولكن حينما يريد علماء السنة الدفاع عن
أعز وأكرم فئة ترى فيها امتداداً لرسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله
وسلم﴾ وقد ذكرتها الكتب الشيعية بما لا يليق بمكانتها فلا بد وان توجه
السهام نحو صدور أولئك الذين دونوا مثل تلك الأقوال في كتبهم، ومن هنا
نستطيع القول أن وطأة الكتب الشيعية وما فيها من كلام جارح على الخلفاء هي
أقسى وأشد كثيراً على السنة مما تقوله السنة في الشيعة نفسها، وبما أننا
نريد بعون الله وإرادته أن ننهي هذا الخلاف إلى الأبد ونقدم حلولاً تصحيحية
تضمن إنهاءها عاجلاً أو آجلاً فكان لا بد من سلوك طريق الصراحة ونحن هنا
في موقف أمام الله والتاريخ والمسلمين جميعاً، فلذلك نقول أنه توجد في بعض
الكتب التي ألفها كُتّاب السنة طعناً أو جرحاً في حق بعض أئمة الشيعة ونقصد
بأئمة الشيعة هنا أئمة آل البيت ووصفهم بعبارة أئمة الشيعة هو وصف مجازي
دأب عليه الاصطلاح وإلا فإن أئمة آل البيت كالحسن والحسين وزين العابدين
وغيرهم من آل البيت هم أئمة لأهل السنة أيضاً، ومن يجرح هؤلاء يعتبر
مجروحاً في موازين أهل السنة أيضاً ومن الواضح أنني لا أقصد بأولئك الكتاب
الخوارج الذين لهم موقف واضح وصريح من الإمام " علي " ومع أنني أعترف أن
كتباً من هذا النوع نادرة جداً إلا أنها تؤخذ كرأس رمح يمنع القيام بالحركة
التصحيحية ويستغلها المتاجرون بالطائفية الذين لا يريدون أن تتم الوحدة
الإسلامية الكبرى فيستندون على مثل تلك الكتب النادرة التي لا تتداولها
الأيدي كثيراً ولكن وجودها يعتبر ذريعة، وإنني أدعو الله مخلصاً أن يوفق
المصلحين من أمة محمد﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ بغربلة أمثال تلك
الكتب أيضاً حتى تكون مهمتنا شاملة وعامّة.
زيارة مراقد الأئمة
وحتى الآن لم أسمع جواباً شافياً من فقهائنا سامحهم الله في تفضيل كلام المخلوق على الخالق.
زيارة مراقد الأئمة:
لقد فصلنا في مبحث الغلو وجه الاشتراك بين الشيعة وسائر الفرق الإسلامية في زيارة مراقد الأئمة وقبور الأولياء نستثني منهم السلفية كما أشرنا وفي هذا الفصل نتحدث عن مورد الاختلاف بينهم وهو الذي تنفرد به الشيعة عما سواها في زيارتها لقبور أئمتها ، لقد غيرت الشيعة مسار الزيارة لمراقد الأئمة التي يجب أن تكون لله إلى زيارة سياسية إعلامية تثقيفية ومذهبية، إنني وعندما أكتب هذه السطور هناك عشرات الآلاف من الشيعة تزور مراقد الأئمة في إيران والعراق والمدينة المنورة كل يوم وفي آناء الليل وأطراف النهار، وعلى ما أعتقد لا يوجد بين هذه الأكثرية الساحقة شيعي واحد يقرأ فاتحة الكتاب أو سوراً من القرآن الكريم عندما يدخل إلى العتبات ويقف أمام قبر من قبور الأئمة، إن العادة جرت للشيعة ومنذ قرون أن تقرأ أمام قبور أئمتها عبارات مطولات اسمها ( الزيارة )التي تجمع بين طياتها مدحاً للأئمة والثناء عليهم والتنديد بأعدائهم ثم قليل من الدعاء، وقلما يوجد بيت للشيعة لا يتوفر فيه كتاب﴿مفاتيح الجنان﴾ وهو الكتاب الذي يحتوي على مئات من الزيارات للأئمة ولأولادهم وكلها على نمط مشابه وبفارق صغير في بعض الأحيان ولنقرأ معاً بعض المقاطع من ﴿الجامعة الكبيرة﴾ وهي من أهم الزيارات شأناً وتقرأ عند قبر كل إمام من الأئمة وهي من المطولات،فقد روى " الصدّوق " في كتابه " الفقيه " أن الإمام العاشر " علي بن محمد الجواد " علّم أحد خواصه وهو " موسى بن عبد الله النخعي " بهذه الزيارة:﴿ السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ....... وأمناء الرحمن وسلالة رب العالمين ........ أشهد أنكم الأئمة الراشدون المهديون المعصومون المكرمون المقربون المتقون الصادقون ........ الراغب عنكم مارق واللازم لكم لاحق والمعترض في حقكم زاهق والحق معكم وفيكم ومنكم وإليكم وأنتم أهله ومعدنه وميراث النبوة عندكم وآيات الخلق إليكم وحسابهم عليكم وفصل الخطاب عندكم وعزائمه فيكم .......... من والاكم فقد والى الله ومن عاداكم فقد عادى الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله ........ أشهد الله وأشهدكم أنني موال لكم ولأوليائكم ، مبغض لأعدائكم ومعاد لهم سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم بكم يسلك إلى الرضوان وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن[1] ﴾ وهكذا تستمر الزيارة بمثل هذه العبارات وتختم بعد ذلك بدعاء قصير.
إن الزيارة التي ذكرنا مقاطعاً صغيرةً منها هي أكثر الزيارات اعتدالاً ومضموناً إلا أن هناك زياراتٍ أخرى وكثيرةً فيها عنف ٌ وشدّةٌ وفي بعضها تجريح للخلفاء للراشدين لكن الطابع العام في هذه الزيارات هو التنديد بظالمي آل محمد والاعتراف بفضل " علي " وأولاده وأحقيتهم بالإمامة، وهناك زيارات كثيرةٌ أيضاً تخص الإمام " الحسين " تحتوي على التنديد بالأمويين مع السب الصريح في حق كثير منهم بسبب قتلهم " الحسين " ولاشك أن مقتل الإمام "الحسين " في واقعة " كربلاء " وسب الإمام " علياً " على المنابر الذي بدأ به " معاوية بن أبي سفيان " واستمر حتى خلافة " عمر بن عبد العزيز " عام / 99 / هجري الذي رفع السب يعتبر من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور رد فعل عنيف من قبل الشيعة وهو إعطاء السب والشتم صفة دينية وقانونية أدخلت في الزيارات التي تُقرأ أمام قبور الأئمة وأولادهم وحتى هذا اليوم، ومن خلال تفحصي للزيارات التي ذكرتها كتب الزيارات مثل ﴿ مزار البحار ﴾ و ﴿مفتاح الجنان﴾ و ﴿ ضياء الصالحين ﴾ و ﴿ مفاتيح الجنان ﴾ وغيرها يبدو لي واضحاً أن أسماء الخلفاء الراشدين دخلت في بعض هذه الزيارات صراحةً أو تلميحاً في وقت متأخر عن العصر الذي كتبت فيه هذه الزيارات فلذلك لا نجد لهم ذكراً إلا في قليل منها.
إن من يفكر ملياً بالأسباب الكامنة وراء وضع هذه الزيارات وشيوع قراءتها أمام قبور الأئمة والانصراف عن قراءة القرآن الكريم الذي هو كلام الله وله الشرف كل الشرف على كلام المخلوق ليعلم بوضوح أن الغرض منها إنما هو نشر الثقافة المذهبية والتركيز على أهم مبادئها وهو أحقيّة الأئمة بالخلافة من سواهم، ويجب علينا أن نذكر أيضاً أن زيارة قبر الإمام " الحسين " بدأت بعد مقتله بأربعين يوماً حيث وصلت إلى " كربلاء " أول قافلة تضم أهل بيته وبعض صحابته للسلام عليه واستمرت تلك القوافل بالوفود إلى " كربلاء " عاماً بعد عام وحتى هذا اليوم، وعندما نعود إلى الأسباب الكامنة التي كانت وراء تلك الاجتماعات التي كانت تحصل عند قبر الإمام " الحسين " من أقاصي البلاد لكسب الثواب ولنشر المذهب الشيعي والتنديد بالخلافة التي تجسدت في الأمويين في بادئ الأمر ثم في العباسيين بعدهم وأنها في نفس الوقت كانت تظاهرات شيعية لتوحيد الصفوف ونشر أهداف المذهب الشيعي، ولهذا فإنني لا أستغرب أبداً عندما أقرأ في كتب الروايات التي هي بين أيدينا روايات تنسب إلى أئمة الشيعة تحث الناس على زيارة الإمام " الحسين " وقد جاء في بعضها:﴿ لكل خطوة يخطوها الزائر في سبيل زيارة الحسين له قصر في الجنة ﴾ وحتى أنهم جعلوا لكربلاء مقاماً أعلى من الكعبة وقد قال أحد شعراء الشيعة:
وفي حديث كربلاء والكعبة ******* لكربلاء بان علوّ الرتبة
كما أن روايات أخرى قالت:﴿ إن من بكى على الحسين أو تباكى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ﴾ إن مثل هذه الروايات وانتسابها إلى الأئمة أعطت حيوية خارقة في السعي للوصول إلى " كربلاء " مع صعوبة الأسفار ومشاقّها وخطورتها في تلك العهود ولذلك كانت كربلاء في عهد الخلافة الأموية والعباسية تشهد المظاهرات الشيعية الكبرى في شهر محرم وصفر ولا سيما العاشر من محرم وهو اليوم الذي قتل فيه " الحسين " وكان المجتمعون يحتشدون بصمت أمام القبر ويوحدون صفوفهم في قراءة الزيارات التي كانت عملية تثقيفية وراءها حكماء وعلماء أحكموا فيها وضع الخطة التي تجمع الشيعة على خط واحد لا تنفصم عراه، وحقاً كان المخططون في وضع تلك الزيارات عباقرة استطاعوا تفهم النفسية الشيعية في عهد الأمويين والعباسيين تفهماً مطلقاً فجاءت تلك الزيارات وتداولها تداولاً عاماً في المواسم الخاصة بمثابة استمرار منظم في مقاومة الخلافة، وهكذا أصبح التثقيف المذهبي عن طريق تلك الزيارات عاماً وشائعاً وشاملاً رغماً عن إرادة السلطة الحاكمة، لقد حدث كل ذلك في عهد لم تعرف فيه الصحافة ولا المدارس العامة ولا الإعلام الشامل ولا وسائل الطباعة ولا التنظيمات الحزبية ، ولذلك لا نجد غرابة عندما نعلم أن " المتوكل " العباسي منع الناس من زيارة الإمام " الحسين " وأمر بحرث قبره حتى يخفي معالمه عن الناس، واليوم وبعد أن انتهى كل شيء ولا يوجد للأمويين ولا للعباسيين وخلافتهم أثر في العالم الإسلامي ولا لذلك التطاحن الفكري حول الخلافة والخلفاء فهل نحن معاشر الشيعة نرغب أن نسير في الطريق نفسه الذي سرنا عليه ثلاثة عشر قرناً ونقف أمام قبور الأئمة ونردد كلاماً رددناه قروناً وقروناً لا فائدة ترجى من ورائه ولا أثر يترتب عليه؟ اللهم إلا بعض المقاطع من الدعوات الخالصة التي تشكل جزءاً صغيراً من الزيارة فحسب، ثم إلى متى سنفضل كلام المخلوق على الخالق؟ وما هي الفائدة التي يجنيها الأئمة أنفسهم من قراءة هذه الخطب الرنانة أمام قبورهم؟ أليس من الأفضل حقاً أن نأخذ بسنة النبي الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ونتلو آيات من الذكر الحكيم أمام قبور أئمتنا؟ فإن فيها الثواب والرحمة وفيها النور والهدى ليس للزائر فحسب بل حتى للمزور وإن كان نبياً أو إماماً.
التصحيح:
من كل ما أسلفناه يظهر بوضوح أن هذه الزيارات التي ملأت كتب الزيارة ويحتفظ بها كل شيعي في بيته ويقرأها عندما يدخل مشهداً من مشاهد أهل البيت زيارات تثقيفية وضعت في عهدٍ كانت الشيعة فيه بحاجة إلى التثقيف المذهبي، وإني لا أشك أن الإمام " علياً " إذا كان يستمع إلى بعض الفقرات التي جاءت في تلك الزيارات وفيها إعطاء الأئمة صفات تفوق صفات البشر وتكون قريبة من صفات الله أو شريكة معه فقد كان يجري الحد على قارئها وواضعها على السواء،و هنا أود أن أطلب من الشيعة في كل الأرض أن تفكر ملياً في زيارتها لقبور الأئمة بهذه العبارات التي لا تجدي خيراً لهم ولا للأئمة كما أود أن أُحَمِّل المسؤولية مرةً أخرى على الزعامات المذهبية التي عودت الشيعة على هذا الطريق فحتى هذا اليوم لم أصادف مرجعاً من مراجع الشيعة وهو يدخل مشهداً من مشاهد الأئمة يفضل قراءة القرآن الكريم على تلك الزيارات عندما يقف أمام المشهد ولست أدري لماذا نحن معاشر الشيعة نترك كلام الله ونركن إلى كلام المخلوق وحتى على فرض صحة صدورها من الإمام فلماذا نفضل كلامه على كلام الله؟ وإذا كان الغرض من الزيارة الحصول على ثواب الآخرة فقراءة القرآن الكريم تضمن ذلك الثواب وإذا كان الغرض منها إكرام الإمام فقراءة القرآن تضمن له ذلك أيضاً، وإنني لعلى علم ويقين أن هذه النظرة التصحيحية ستواجه ذلك الجواب التقليدي الذي طالما سمعناه من فقهائنا – سامحهم الله – وهو أن هذه الزيارات وردت من أئمتنا فلا بد أنهم كانوا أعرف منا بالأمر، ومع أنني هنا لا أستطيع أن أناقش أئمتنا وبيننا وبينهم حاجز الحياة والموت ولكنني لو كنت في زمن الإمام " علي بن محمد " وكنت داخلاً معه إلى مشهد الإمام " الحسين " وسمعته يقرأ زيارة الوارث والجامعة وهو أمام القبر لأجريت معه هذا لحوار:
أنا" يا ابن رسول الله هل هذه الزيارة هي كلام الله أم كلام المخلوق؟.
الإمام: كلام مخلوق.
لسألت ثانيةً: هل كلام المخلوق أفضل من كلام الله؟
الإمام: كلام الله.
ولسألت مرةً أخرى: فلماذا فضلت كلام المخلوق على كلام الله ولم تقرأ القرآن الكريم؟
ولست أدري ماذا كان يجيب الإمام عند الوصول إلى هذه النقطة، إن تصور مثل هذا الحوار لا يعني أنني أعتقد صدور هذه الزيارات من أئمة الشيعة ولكنني ذهبت إلى أبعد الاحتمالات لكي أسد الطريق على الذين يتذرعون بعمل الإمام في كل شيء.
وأختم هذا الفصل بحديث روته كتب الصحاح عن رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ الذي قال:﴿ تركت فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً﴾ أما الشيعة فتروي[2]:﴿ تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً﴾ فما أحسن وأفضل وأجمل للشيعة أن تأتمر بأمر رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وتجمع بين كتاب الله والعترة في مكان واحد حسب الرواية التي ترويها عن رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾.
ضرب القامات في يوم عاشوراء
لم تشوه ثورة مقدســـة في التاريخ كما شوهت الشيعة ثورة " الحسين " بذريعة حب " الحسين ".
ضرب القامات في يوم عاشوراء:
الضرورة تملي أن نفرد فصلاً خاصاً في ضرب السلاسل على الأكتاف وشج الرؤوس بالسيوف والقامات في يوم العاشر من " محرم " حداداً على الإمام " الحسين " وبما أن هذه العملية البشعة لا زالت جزءاً من مراسيم الاحتفال باستشهاد الإمام " الحسين " وتجري في " إيران " و " باكستان " و " الهند " وفي " النبطية " بلبنان في كل عام وتكون السبب في حدوث صراع دموي بين الشيعة والسنة في أجزاء من " الباكستان " تذهب ضحيته المئات من الأرواح البريئة من الفريقين كان لا بد من الإسهاب حولها بصورة مستقلة، كما قلنا في فصل سابق إن الشيعة تحتفل بيوم عاشوراء منذ قرون عديدة وما عدا قراءة الزيارات التي أسهبنا في ذكرها كان الشعراء ينشدون قصائد أمام القبر حتى أن الشاعر العربي " الشريف الرضي " عندما ألقى قصيدته العصماء أمام قبر الحسين والتي جاء في مطلعها:
كربلاء لا زلت كرباً وبلا
ووصل إلى هذا البيت:
كم على تربك لما صرعوا ****** من دم سال ومن قتل جرى
بكى وبكى حتى أغمي عليه، والثابت أن أئمة الشيعة كانوا يحتفلون بيوم العاشر من محرم فيجلسون في بيوتهم يقبلون التعازي من المعزين ويطعمون الطعام في ذلك اليوم وكانت تلقى أمامهم خطب أو قصائد في ذكرى شهادة " الحسين " وأهل بيت رسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وفضائلهم.
وفي كربلاء وحول قبر " الحسين " كان الزوار يمرون على هيئة مواكب وآحاد وهم يقرؤون الزيارات التي أشرنا إليها مع بكاء ونحيب كجزء مكمل للاحتفال والزيارة، إنها العادة التي لا زالت جارية في المجالس التي تقام للإمام " الحسين " في العالم الشيعي فلا بد من ختمها بالبكاء لأن:﴿ من بكى أو تباكى على الحسين وجبت عليه الجنة ﴾ كما جاء في بعض الروايات التي تنسب إلى الأئمة ومعاذ الله أن يصدر من الإمام كلاماً كهذا، كما أن الشيعة كانت تلبس السواد في شهر محرم وصفر حداداً على الحسين وهذه العادة أخذت بالتوسع في عهد الصراع الأول بين الشيعة والتشيع وعندما أخذت تظهر الشيعة على مسرح الأحداث السياسي والإسلامي كقوة تريد الإطاحة بالخلافة الحاكمة وكان للبويهيين الذين حكموا إيران والعراق باسم حُماة الخلافة العباسية دوراً بارزاً في تنمية الاحتفالات في أيام عاشوراء ولكن هذه الاحتفالات أخذت طابعاً عاماً وأصبحت جزءاً من الكيان الشيعي عندما استلم السلطة الشاه " إسماعيل الصفوي " وأدخل إيران في التشيع وخلق فيها تماسكاً مذهبياً للوقوف أمام أطماع الخلافة العثمانية المجاورة لإيران كما أشرنا إليه وكان البلاط الصفوي يعلن الحداد في العشر الأول من محرم من كل عام ويستقبل الشاه المعزين في يوم عاشوراء وكانت تقام في البلاطصبحتأ احتفالات خاصة لهذا الغرض تجتمع فيها الجماهير ويحضرها الشاه بنفسه، كما أن الشاه عباس الأول الصفوي الذي دام حكمه خمسين عاماً وهو أكبر الملوك الصفويين دهاءً وقوةً وبطشاً كان يلبس السواد في يوم عاشوراء ويلطخ جبينه بالوحل حداداً على الإمام " الحسين " وكان يتقدم المواكب التي كانت تسير في الشوارع مرددة الأناشيد في مدح الإمام ثم التنديد بقتلته، ولا ندري على وجه الدقة متى ظهر ضرب السلاسل على الأكتاف في يوم عاشوراء وانتشر في أجزاء المناطق الشيعية مثل إيران والعراق وغيرهما ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس وشج الرأس حداداً على " الحسين " في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند وفي إبان الاحتلال الإنجليزي لتلك البلاد وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام " الحسين " فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس، وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة وكان الغرض وراء السياسة الاستعمارية الإنجليزية في تنميتها لهذه العملية البشعة واستغلالها أبشع الاستغلال هو إعطاء مبرر معقول للشعب البريطاني وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى وإظهار شعوب تلك البلاد بمظهر المتوحشين الذين يحتاجون إلى قيِّم ينقذهم من مهامه الجهل والتوحش فكانت صور المواكب التي تسير في الشوارع في يوم عاشوراء وفيها الآلاف من الناس يضربون بالسلاسل على ظهورهم ويدمونها بالقامات والسيوف على رؤوسهم ويشجونها تنشر في الصحف الإنجليزية والأوربية وكان الساسة الاستعماريون يتذرعون بالواجب الإنساني في استعمار بلادٍ تلك هي ثقافة شعوبها ولحمل تلك الشعوب على جادة المدنية والتقدم، وقد قيل إن " ياسين الهاشمي " رئيس الوزراء العراقي في عهد الاحتلال الإنجليزي للعراق عندما زار لندن للتفاوض مع الإنجليز لإنهاء عهد الانتداب قال له الإنجليز: نحن في العراق لمساعدة الشعب العراقي كي ينهض بالسعادة وينعم بالخروج من الهمجية، ولقد أثار هذا الكلام " ياسين الهاشمي " فخرج من غرفة المفاوضات غاضباً غير أن الإنجليز اعتذروا منه بلباقة ثم طلبوا منه بكل احترام أن يشاهد فيلماً وثائقياً عن العراق فإذا به فيلم عن المواكب الحسينية في شوارع النجف وكربلاء والكاظمية تصور مشاهد مروعة ومقززة عن ضرب القامات والسلاسل وكأن الإنجليز قد أرادوا أن يقولوا له: هل إن شعباً مثقفاً لم من المدنية حظ قليل يعمل بنفسه هكذا؟
وهنا أذكر كلاماً طريفاً مليئاً بالحكمة والأفكار النيٍّرة سمعته من أحد أعلام الشيعة ومشايخهم قبل ثلاثين عاماً لقد كان ذلك الشيخ الوقور الطاعن في السن واقفاً بجواري وكان اليوم هو العاشر من محرم والساعة اثنتي عشرة ظهراً والمكان هو روضة الإمام " الحسين " في كربلاء وإذا بموكب المطبرين الذين يضربون بالسيوف على رؤوسهم ويشجونها حداداً وحزناً على " الحسين " دخلوا الروضة في أعداد غفيرة والدماء تسيل على جباههم وجنوبهم بشكل مقزز تقشعر من رؤيته الأبدان ثم أعقب الموكب موكب آخر وفي أعداد غفيرة أيضاً وهم يضربون بالسلاسل على ظهورهم وقد أدموها وهنا سألني الشيخ العجوز والعالم الحرّ: ما بال هؤلاء الناس وقد انزلوا بأنفسهم هذه المصائب والآلام؟ قلت: كأنك لا تسمع ما يقولون إنهم يقولون واحسيناه ) أي لحزنهم على " الحسين " ثم سألني الشيخ من جديد: أليس الحسين الآن في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟ قلت: نعم ثم سألني مرةً أخرى: أليس الحسين الآن في هذه اللحظة في الجنة التي عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين؟ قلت: نعم وهنا تنفس الشيخ الصعداء وقال بلهجة كلها حزن وألم: ويلهم من جهلة أغبياء لماذا يفعلون بأنفسهم هذه الأفاعيل لأجل إمام هو الآن في جنة ونعيم ويطوف عليه ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من نعيم.
في عام / 1352 / هجري وعندما أعلن كبير علماء الشيعة باريق وكأس من نعيم نفي سوريا السيد " محسن الأمين " العاملي تحريم مثل هذه الأعمال وأبدى جرأةً منقطعة النظير في الإفصاح عن رأيه وطلب من الشيعة أن يكفوا عنها لاقى معارضة قوية من داخل صفوف العلماء ورجال الدين الذين ناهضوه ووراءهم " الهمج والرعاع " على حد تعبير الإمام " علي " وكادت خطواته الإصلاحية تفشل لولا أن تبنى جدنا السيد " أبو الحسن " وبصفته الزعيم الأعلى للطائفة الشيعية موقف العلامة الأمين ورأيه في تلك الأعمال معلناً تأييده المطلق له ولفتواه، ولقد أعطى موقف جدنا بعداً كبيراً للحركة الإصلاحية التي نادى بها السيد " الأمين " ومع أن كثيراً من الفقهاء والمجتهدين وقفوا موقفاً معارضاً للسيد " أبو الحسن " كما وقفوا " للأمين " من قبل إلا أن السيد " أبو الحسن " تغلب على الجميع في آخر المطاف بسبب مقامه الرفيع وصموده، وأخذت الجماهير تطيع فتوى الزعيم الأكبر وبدأت تلك العمال تقل رويداً رويداً وتختفي من على الساحة الشيعية إلا أنها لم تندثر تماماً حيث بقيت لها مظاهر ضعيفة وهزيلة حتى أن توفي جدنا رحمه الله في عام / 1365 / هجري وأخذت بعض الزعامات الشيعية الجديدة تحث الناس على تلك الاعمال من جديد فبدأت تنمو مرةً أخرى في العالم الشيعي ولكنها لم تصل إلى ما كانت عليه قبل عام / 1352 / هجري، وبعد أن أعلنت في إيران الجمهورية الإسلامية وتولت ولاية الفقيه السلطة صدرت الأوامر بإحياء تلك الأعمال كجزء من السياسة المذهبية وأخذت الجمهورية الإسلامية الفتية تساعد الفئات الشيعية في كل الأرض وتحثهم مالياً ومعنوياً لإحياء هذه البدعة التي أدخلتها السياسة الاستعمارية الإنجليزية إلى العالم الإسلامي الشيعي قبل مائتي عام وذلك لتظهر وجه الإسلام والمسلمين بالمظهر الكالح وتبرر استعمارها لبلاد الإسلام كما قلنا من قبل، وعندما أكتب هذه السطور تشاهد المدن الإيرانية والباكستانية والهندية واللبنانية مع الأسف الشديد في يوم العاشر من محرم من كل عام مواكباً تسير في شوارعها بالصورة التي رسمناها، وقبل أن تنتهي ساعات ذلك اليوم فإن صوراً من تلك الهمجية الإنسانية والجنون المفزع تعرض على شاشات التلفزة في شرق الأرض وغربها لتعطي قوة لأعداء الإسلام والمتربصين بالإسلام والمسلمين معاً.
التصحيح:
إن على الطبقة المثقفة من الشيعة الإمامية أن تبذل قصارى الجهد لمنع الجهلة من القيام بمثل هذه الأعمال التي مسخت وشوهت ثورة الإمام " الحسين " وعلى الوعاظ والمبلغين أن يقوموا بدور أكثر وضوحاً ورؤية والحقيقة التي أود أن أذكرها بكل صراحة ووضوح هي أن السبب الذي حدا بالحسين للاستشهاد في يوم عاشوراء كان أعلى وأجل بكثير من الصورة التي ترسمها الشيعة عن ذلك، فالحسين لم يستشهد لتبكي الناس عليه وتلطم الخدود وتصوره بالبائس المسكين وإنما أراد الإمام أن يعطي درساً بليغاً في الإيثار عن النفس والحزم والعزم والشجاعة في مقارعة الظلم والاستبداد، فلذلك إن الاحتفال في شهادة الإمام " الحسين " ينبغي أن يكون احتفالاً يتناسب مع مقام " الحسين " بعيداً عن الغوغاء والجهلة والأعمال التي تضحك وتبكي في آن واحد وما أجمل الاحتفالات التثقيفية التي فيها تلقى الخطب والقصائد البليغة وسيرة الرسول وأهل بيته وصحابته في الجهاد والتضحية في سبيل الله.
وهكذا يجب أن نبني أنفسنا في ذكرى " الحسين " لا أن نهدمها ويجب أن نعطي للحسين حقه في ساحة النضال لا أن نشوهه ونسيء إليه هذا إن كنا حقاً من أنصار الحسين ومحبيه.
وحتى الآن لم أسمع جواباً شافياً من فقهائنا سامحهم الله في تفضيل كلام المخلوق على الخالق.
زيارة مراقد الأئمة:
لقد فصلنا في مبحث الغلو وجه الاشتراك بين الشيعة وسائر الفرق الإسلامية في زيارة مراقد الأئمة وقبور الأولياء نستثني منهم السلفية كما أشرنا وفي هذا الفصل نتحدث عن مورد الاختلاف بينهم وهو الذي تنفرد به الشيعة عما سواها في زيارتها لقبور أئمتها ، لقد غيرت الشيعة مسار الزيارة لمراقد الأئمة التي يجب أن تكون لله إلى زيارة سياسية إعلامية تثقيفية ومذهبية، إنني وعندما أكتب هذه السطور هناك عشرات الآلاف من الشيعة تزور مراقد الأئمة في إيران والعراق والمدينة المنورة كل يوم وفي آناء الليل وأطراف النهار، وعلى ما أعتقد لا يوجد بين هذه الأكثرية الساحقة شيعي واحد يقرأ فاتحة الكتاب أو سوراً من القرآن الكريم عندما يدخل إلى العتبات ويقف أمام قبر من قبور الأئمة، إن العادة جرت للشيعة ومنذ قرون أن تقرأ أمام قبور أئمتها عبارات مطولات اسمها ( الزيارة )التي تجمع بين طياتها مدحاً للأئمة والثناء عليهم والتنديد بأعدائهم ثم قليل من الدعاء، وقلما يوجد بيت للشيعة لا يتوفر فيه كتاب﴿مفاتيح الجنان﴾ وهو الكتاب الذي يحتوي على مئات من الزيارات للأئمة ولأولادهم وكلها على نمط مشابه وبفارق صغير في بعض الأحيان ولنقرأ معاً بعض المقاطع من ﴿الجامعة الكبيرة﴾ وهي من أهم الزيارات شأناً وتقرأ عند قبر كل إمام من الأئمة وهي من المطولات،فقد روى " الصدّوق " في كتابه " الفقيه " أن الإمام العاشر " علي بن محمد الجواد " علّم أحد خواصه وهو " موسى بن عبد الله النخعي " بهذه الزيارة:﴿ السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ....... وأمناء الرحمن وسلالة رب العالمين ........ أشهد أنكم الأئمة الراشدون المهديون المعصومون المكرمون المقربون المتقون الصادقون ........ الراغب عنكم مارق واللازم لكم لاحق والمعترض في حقكم زاهق والحق معكم وفيكم ومنكم وإليكم وأنتم أهله ومعدنه وميراث النبوة عندكم وآيات الخلق إليكم وحسابهم عليكم وفصل الخطاب عندكم وعزائمه فيكم .......... من والاكم فقد والى الله ومن عاداكم فقد عادى الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله ........ أشهد الله وأشهدكم أنني موال لكم ولأوليائكم ، مبغض لأعدائكم ومعاد لهم سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم بكم يسلك إلى الرضوان وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن[1] ﴾ وهكذا تستمر الزيارة بمثل هذه العبارات وتختم بعد ذلك بدعاء قصير.
إن الزيارة التي ذكرنا مقاطعاً صغيرةً منها هي أكثر الزيارات اعتدالاً ومضموناً إلا أن هناك زياراتٍ أخرى وكثيرةً فيها عنف ٌ وشدّةٌ وفي بعضها تجريح للخلفاء للراشدين لكن الطابع العام في هذه الزيارات هو التنديد بظالمي آل محمد والاعتراف بفضل " علي " وأولاده وأحقيتهم بالإمامة، وهناك زيارات كثيرةٌ أيضاً تخص الإمام " الحسين " تحتوي على التنديد بالأمويين مع السب الصريح في حق كثير منهم بسبب قتلهم " الحسين " ولاشك أن مقتل الإمام "الحسين " في واقعة " كربلاء " وسب الإمام " علياً " على المنابر الذي بدأ به " معاوية بن أبي سفيان " واستمر حتى خلافة " عمر بن عبد العزيز " عام / 99 / هجري الذي رفع السب يعتبر من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور رد فعل عنيف من قبل الشيعة وهو إعطاء السب والشتم صفة دينية وقانونية أدخلت في الزيارات التي تُقرأ أمام قبور الأئمة وأولادهم وحتى هذا اليوم، ومن خلال تفحصي للزيارات التي ذكرتها كتب الزيارات مثل ﴿ مزار البحار ﴾ و ﴿مفتاح الجنان﴾ و ﴿ ضياء الصالحين ﴾ و ﴿ مفاتيح الجنان ﴾ وغيرها يبدو لي واضحاً أن أسماء الخلفاء الراشدين دخلت في بعض هذه الزيارات صراحةً أو تلميحاً في وقت متأخر عن العصر الذي كتبت فيه هذه الزيارات فلذلك لا نجد لهم ذكراً إلا في قليل منها.
إن من يفكر ملياً بالأسباب الكامنة وراء وضع هذه الزيارات وشيوع قراءتها أمام قبور الأئمة والانصراف عن قراءة القرآن الكريم الذي هو كلام الله وله الشرف كل الشرف على كلام المخلوق ليعلم بوضوح أن الغرض منها إنما هو نشر الثقافة المذهبية والتركيز على أهم مبادئها وهو أحقيّة الأئمة بالخلافة من سواهم، ويجب علينا أن نذكر أيضاً أن زيارة قبر الإمام " الحسين " بدأت بعد مقتله بأربعين يوماً حيث وصلت إلى " كربلاء " أول قافلة تضم أهل بيته وبعض صحابته للسلام عليه واستمرت تلك القوافل بالوفود إلى " كربلاء " عاماً بعد عام وحتى هذا اليوم، وعندما نعود إلى الأسباب الكامنة التي كانت وراء تلك الاجتماعات التي كانت تحصل عند قبر الإمام " الحسين " من أقاصي البلاد لكسب الثواب ولنشر المذهب الشيعي والتنديد بالخلافة التي تجسدت في الأمويين في بادئ الأمر ثم في العباسيين بعدهم وأنها في نفس الوقت كانت تظاهرات شيعية لتوحيد الصفوف ونشر أهداف المذهب الشيعي، ولهذا فإنني لا أستغرب أبداً عندما أقرأ في كتب الروايات التي هي بين أيدينا روايات تنسب إلى أئمة الشيعة تحث الناس على زيارة الإمام " الحسين " وقد جاء في بعضها:﴿ لكل خطوة يخطوها الزائر في سبيل زيارة الحسين له قصر في الجنة ﴾ وحتى أنهم جعلوا لكربلاء مقاماً أعلى من الكعبة وقد قال أحد شعراء الشيعة:
وفي حديث كربلاء والكعبة ******* لكربلاء بان علوّ الرتبة
كما أن روايات أخرى قالت:﴿ إن من بكى على الحسين أو تباكى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ﴾ إن مثل هذه الروايات وانتسابها إلى الأئمة أعطت حيوية خارقة في السعي للوصول إلى " كربلاء " مع صعوبة الأسفار ومشاقّها وخطورتها في تلك العهود ولذلك كانت كربلاء في عهد الخلافة الأموية والعباسية تشهد المظاهرات الشيعية الكبرى في شهر محرم وصفر ولا سيما العاشر من محرم وهو اليوم الذي قتل فيه " الحسين " وكان المجتمعون يحتشدون بصمت أمام القبر ويوحدون صفوفهم في قراءة الزيارات التي كانت عملية تثقيفية وراءها حكماء وعلماء أحكموا فيها وضع الخطة التي تجمع الشيعة على خط واحد لا تنفصم عراه، وحقاً كان المخططون في وضع تلك الزيارات عباقرة استطاعوا تفهم النفسية الشيعية في عهد الأمويين والعباسيين تفهماً مطلقاً فجاءت تلك الزيارات وتداولها تداولاً عاماً في المواسم الخاصة بمثابة استمرار منظم في مقاومة الخلافة، وهكذا أصبح التثقيف المذهبي عن طريق تلك الزيارات عاماً وشائعاً وشاملاً رغماً عن إرادة السلطة الحاكمة، لقد حدث كل ذلك في عهد لم تعرف فيه الصحافة ولا المدارس العامة ولا الإعلام الشامل ولا وسائل الطباعة ولا التنظيمات الحزبية ، ولذلك لا نجد غرابة عندما نعلم أن " المتوكل " العباسي منع الناس من زيارة الإمام " الحسين " وأمر بحرث قبره حتى يخفي معالمه عن الناس، واليوم وبعد أن انتهى كل شيء ولا يوجد للأمويين ولا للعباسيين وخلافتهم أثر في العالم الإسلامي ولا لذلك التطاحن الفكري حول الخلافة والخلفاء فهل نحن معاشر الشيعة نرغب أن نسير في الطريق نفسه الذي سرنا عليه ثلاثة عشر قرناً ونقف أمام قبور الأئمة ونردد كلاماً رددناه قروناً وقروناً لا فائدة ترجى من ورائه ولا أثر يترتب عليه؟ اللهم إلا بعض المقاطع من الدعوات الخالصة التي تشكل جزءاً صغيراً من الزيارة فحسب، ثم إلى متى سنفضل كلام المخلوق على الخالق؟ وما هي الفائدة التي يجنيها الأئمة أنفسهم من قراءة هذه الخطب الرنانة أمام قبورهم؟ أليس من الأفضل حقاً أن نأخذ بسنة النبي الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ونتلو آيات من الذكر الحكيم أمام قبور أئمتنا؟ فإن فيها الثواب والرحمة وفيها النور والهدى ليس للزائر فحسب بل حتى للمزور وإن كان نبياً أو إماماً.
التصحيح:
من كل ما أسلفناه يظهر بوضوح أن هذه الزيارات التي ملأت كتب الزيارة ويحتفظ بها كل شيعي في بيته ويقرأها عندما يدخل مشهداً من مشاهد أهل البيت زيارات تثقيفية وضعت في عهدٍ كانت الشيعة فيه بحاجة إلى التثقيف المذهبي، وإني لا أشك أن الإمام " علياً " إذا كان يستمع إلى بعض الفقرات التي جاءت في تلك الزيارات وفيها إعطاء الأئمة صفات تفوق صفات البشر وتكون قريبة من صفات الله أو شريكة معه فقد كان يجري الحد على قارئها وواضعها على السواء،و هنا أود أن أطلب من الشيعة في كل الأرض أن تفكر ملياً في زيارتها لقبور الأئمة بهذه العبارات التي لا تجدي خيراً لهم ولا للأئمة كما أود أن أُحَمِّل المسؤولية مرةً أخرى على الزعامات المذهبية التي عودت الشيعة على هذا الطريق فحتى هذا اليوم لم أصادف مرجعاً من مراجع الشيعة وهو يدخل مشهداً من مشاهد الأئمة يفضل قراءة القرآن الكريم على تلك الزيارات عندما يقف أمام المشهد ولست أدري لماذا نحن معاشر الشيعة نترك كلام الله ونركن إلى كلام المخلوق وحتى على فرض صحة صدورها من الإمام فلماذا نفضل كلامه على كلام الله؟ وإذا كان الغرض من الزيارة الحصول على ثواب الآخرة فقراءة القرآن الكريم تضمن ذلك الثواب وإذا كان الغرض منها إكرام الإمام فقراءة القرآن تضمن له ذلك أيضاً، وإنني لعلى علم ويقين أن هذه النظرة التصحيحية ستواجه ذلك الجواب التقليدي الذي طالما سمعناه من فقهائنا – سامحهم الله – وهو أن هذه الزيارات وردت من أئمتنا فلا بد أنهم كانوا أعرف منا بالأمر، ومع أنني هنا لا أستطيع أن أناقش أئمتنا وبيننا وبينهم حاجز الحياة والموت ولكنني لو كنت في زمن الإمام " علي بن محمد " وكنت داخلاً معه إلى مشهد الإمام " الحسين " وسمعته يقرأ زيارة الوارث والجامعة وهو أمام القبر لأجريت معه هذا لحوار:
أنا" يا ابن رسول الله هل هذه الزيارة هي كلام الله أم كلام المخلوق؟.
الإمام: كلام مخلوق.
لسألت ثانيةً: هل كلام المخلوق أفضل من كلام الله؟
الإمام: كلام الله.
ولسألت مرةً أخرى: فلماذا فضلت كلام المخلوق على كلام الله ولم تقرأ القرآن الكريم؟
ولست أدري ماذا كان يجيب الإمام عند الوصول إلى هذه النقطة، إن تصور مثل هذا الحوار لا يعني أنني أعتقد صدور هذه الزيارات من أئمة الشيعة ولكنني ذهبت إلى أبعد الاحتمالات لكي أسد الطريق على الذين يتذرعون بعمل الإمام في كل شيء.
وأختم هذا الفصل بحديث روته كتب الصحاح عن رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ﴾ الذي قال:﴿ تركت فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً﴾ أما الشيعة فتروي[2]:﴿ تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً﴾ فما أحسن وأفضل وأجمل للشيعة أن تأتمر بأمر رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وتجمع بين كتاب الله والعترة في مكان واحد حسب الرواية التي ترويها عن رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾.
ضرب القامات في يوم عاشوراء
لم تشوه ثورة مقدســـة في التاريخ كما شوهت الشيعة ثورة " الحسين " بذريعة حب " الحسين ".
ضرب القامات في يوم عاشوراء:
الضرورة تملي أن نفرد فصلاً خاصاً في ضرب السلاسل على الأكتاف وشج الرؤوس بالسيوف والقامات في يوم العاشر من " محرم " حداداً على الإمام " الحسين " وبما أن هذه العملية البشعة لا زالت جزءاً من مراسيم الاحتفال باستشهاد الإمام " الحسين " وتجري في " إيران " و " باكستان " و " الهند " وفي " النبطية " بلبنان في كل عام وتكون السبب في حدوث صراع دموي بين الشيعة والسنة في أجزاء من " الباكستان " تذهب ضحيته المئات من الأرواح البريئة من الفريقين كان لا بد من الإسهاب حولها بصورة مستقلة، كما قلنا في فصل سابق إن الشيعة تحتفل بيوم عاشوراء منذ قرون عديدة وما عدا قراءة الزيارات التي أسهبنا في ذكرها كان الشعراء ينشدون قصائد أمام القبر حتى أن الشاعر العربي " الشريف الرضي " عندما ألقى قصيدته العصماء أمام قبر الحسين والتي جاء في مطلعها:
كربلاء لا زلت كرباً وبلا
ووصل إلى هذا البيت:
كم على تربك لما صرعوا ****** من دم سال ومن قتل جرى
بكى وبكى حتى أغمي عليه، والثابت أن أئمة الشيعة كانوا يحتفلون بيوم العاشر من محرم فيجلسون في بيوتهم يقبلون التعازي من المعزين ويطعمون الطعام في ذلك اليوم وكانت تلقى أمامهم خطب أو قصائد في ذكرى شهادة " الحسين " وأهل بيت رسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وفضائلهم.
وفي كربلاء وحول قبر " الحسين " كان الزوار يمرون على هيئة مواكب وآحاد وهم يقرؤون الزيارات التي أشرنا إليها مع بكاء ونحيب كجزء مكمل للاحتفال والزيارة، إنها العادة التي لا زالت جارية في المجالس التي تقام للإمام " الحسين " في العالم الشيعي فلا بد من ختمها بالبكاء لأن:﴿ من بكى أو تباكى على الحسين وجبت عليه الجنة ﴾ كما جاء في بعض الروايات التي تنسب إلى الأئمة ومعاذ الله أن يصدر من الإمام كلاماً كهذا، كما أن الشيعة كانت تلبس السواد في شهر محرم وصفر حداداً على الحسين وهذه العادة أخذت بالتوسع في عهد الصراع الأول بين الشيعة والتشيع وعندما أخذت تظهر الشيعة على مسرح الأحداث السياسي والإسلامي كقوة تريد الإطاحة بالخلافة الحاكمة وكان للبويهيين الذين حكموا إيران والعراق باسم حُماة الخلافة العباسية دوراً بارزاً في تنمية الاحتفالات في أيام عاشوراء ولكن هذه الاحتفالات أخذت طابعاً عاماً وأصبحت جزءاً من الكيان الشيعي عندما استلم السلطة الشاه " إسماعيل الصفوي " وأدخل إيران في التشيع وخلق فيها تماسكاً مذهبياً للوقوف أمام أطماع الخلافة العثمانية المجاورة لإيران كما أشرنا إليه وكان البلاط الصفوي يعلن الحداد في العشر الأول من محرم من كل عام ويستقبل الشاه المعزين في يوم عاشوراء وكانت تقام في البلاطصبحتأ احتفالات خاصة لهذا الغرض تجتمع فيها الجماهير ويحضرها الشاه بنفسه، كما أن الشاه عباس الأول الصفوي الذي دام حكمه خمسين عاماً وهو أكبر الملوك الصفويين دهاءً وقوةً وبطشاً كان يلبس السواد في يوم عاشوراء ويلطخ جبينه بالوحل حداداً على الإمام " الحسين " وكان يتقدم المواكب التي كانت تسير في الشوارع مرددة الأناشيد في مدح الإمام ثم التنديد بقتلته، ولا ندري على وجه الدقة متى ظهر ضرب السلاسل على الأكتاف في يوم عاشوراء وانتشر في أجزاء المناطق الشيعية مثل إيران والعراق وغيرهما ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس وشج الرأس حداداً على " الحسين " في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند وفي إبان الاحتلال الإنجليزي لتلك البلاد وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام " الحسين " فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس، وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة وكان الغرض وراء السياسة الاستعمارية الإنجليزية في تنميتها لهذه العملية البشعة واستغلالها أبشع الاستغلال هو إعطاء مبرر معقول للشعب البريطاني وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى وإظهار شعوب تلك البلاد بمظهر المتوحشين الذين يحتاجون إلى قيِّم ينقذهم من مهامه الجهل والتوحش فكانت صور المواكب التي تسير في الشوارع في يوم عاشوراء وفيها الآلاف من الناس يضربون بالسلاسل على ظهورهم ويدمونها بالقامات والسيوف على رؤوسهم ويشجونها تنشر في الصحف الإنجليزية والأوربية وكان الساسة الاستعماريون يتذرعون بالواجب الإنساني في استعمار بلادٍ تلك هي ثقافة شعوبها ولحمل تلك الشعوب على جادة المدنية والتقدم، وقد قيل إن " ياسين الهاشمي " رئيس الوزراء العراقي في عهد الاحتلال الإنجليزي للعراق عندما زار لندن للتفاوض مع الإنجليز لإنهاء عهد الانتداب قال له الإنجليز: نحن في العراق لمساعدة الشعب العراقي كي ينهض بالسعادة وينعم بالخروج من الهمجية، ولقد أثار هذا الكلام " ياسين الهاشمي " فخرج من غرفة المفاوضات غاضباً غير أن الإنجليز اعتذروا منه بلباقة ثم طلبوا منه بكل احترام أن يشاهد فيلماً وثائقياً عن العراق فإذا به فيلم عن المواكب الحسينية في شوارع النجف وكربلاء والكاظمية تصور مشاهد مروعة ومقززة عن ضرب القامات والسلاسل وكأن الإنجليز قد أرادوا أن يقولوا له: هل إن شعباً مثقفاً لم من المدنية حظ قليل يعمل بنفسه هكذا؟
وهنا أذكر كلاماً طريفاً مليئاً بالحكمة والأفكار النيٍّرة سمعته من أحد أعلام الشيعة ومشايخهم قبل ثلاثين عاماً لقد كان ذلك الشيخ الوقور الطاعن في السن واقفاً بجواري وكان اليوم هو العاشر من محرم والساعة اثنتي عشرة ظهراً والمكان هو روضة الإمام " الحسين " في كربلاء وإذا بموكب المطبرين الذين يضربون بالسيوف على رؤوسهم ويشجونها حداداً وحزناً على " الحسين " دخلوا الروضة في أعداد غفيرة والدماء تسيل على جباههم وجنوبهم بشكل مقزز تقشعر من رؤيته الأبدان ثم أعقب الموكب موكب آخر وفي أعداد غفيرة أيضاً وهم يضربون بالسلاسل على ظهورهم وقد أدموها وهنا سألني الشيخ العجوز والعالم الحرّ: ما بال هؤلاء الناس وقد انزلوا بأنفسهم هذه المصائب والآلام؟ قلت: كأنك لا تسمع ما يقولون إنهم يقولون واحسيناه ) أي لحزنهم على " الحسين " ثم سألني الشيخ من جديد: أليس الحسين الآن في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟ قلت: نعم ثم سألني مرةً أخرى: أليس الحسين الآن في هذه اللحظة في الجنة التي عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين؟ قلت: نعم وهنا تنفس الشيخ الصعداء وقال بلهجة كلها حزن وألم: ويلهم من جهلة أغبياء لماذا يفعلون بأنفسهم هذه الأفاعيل لأجل إمام هو الآن في جنة ونعيم ويطوف عليه ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من نعيم.
في عام / 1352 / هجري وعندما أعلن كبير علماء الشيعة باريق وكأس من نعيم نفي سوريا السيد " محسن الأمين " العاملي تحريم مثل هذه الأعمال وأبدى جرأةً منقطعة النظير في الإفصاح عن رأيه وطلب من الشيعة أن يكفوا عنها لاقى معارضة قوية من داخل صفوف العلماء ورجال الدين الذين ناهضوه ووراءهم " الهمج والرعاع " على حد تعبير الإمام " علي " وكادت خطواته الإصلاحية تفشل لولا أن تبنى جدنا السيد " أبو الحسن " وبصفته الزعيم الأعلى للطائفة الشيعية موقف العلامة الأمين ورأيه في تلك الأعمال معلناً تأييده المطلق له ولفتواه، ولقد أعطى موقف جدنا بعداً كبيراً للحركة الإصلاحية التي نادى بها السيد " الأمين " ومع أن كثيراً من الفقهاء والمجتهدين وقفوا موقفاً معارضاً للسيد " أبو الحسن " كما وقفوا " للأمين " من قبل إلا أن السيد " أبو الحسن " تغلب على الجميع في آخر المطاف بسبب مقامه الرفيع وصموده، وأخذت الجماهير تطيع فتوى الزعيم الأكبر وبدأت تلك العمال تقل رويداً رويداً وتختفي من على الساحة الشيعية إلا أنها لم تندثر تماماً حيث بقيت لها مظاهر ضعيفة وهزيلة حتى أن توفي جدنا رحمه الله في عام / 1365 / هجري وأخذت بعض الزعامات الشيعية الجديدة تحث الناس على تلك الاعمال من جديد فبدأت تنمو مرةً أخرى في العالم الشيعي ولكنها لم تصل إلى ما كانت عليه قبل عام / 1352 / هجري، وبعد أن أعلنت في إيران الجمهورية الإسلامية وتولت ولاية الفقيه السلطة صدرت الأوامر بإحياء تلك الأعمال كجزء من السياسة المذهبية وأخذت الجمهورية الإسلامية الفتية تساعد الفئات الشيعية في كل الأرض وتحثهم مالياً ومعنوياً لإحياء هذه البدعة التي أدخلتها السياسة الاستعمارية الإنجليزية إلى العالم الإسلامي الشيعي قبل مائتي عام وذلك لتظهر وجه الإسلام والمسلمين بالمظهر الكالح وتبرر استعمارها لبلاد الإسلام كما قلنا من قبل، وعندما أكتب هذه السطور تشاهد المدن الإيرانية والباكستانية والهندية واللبنانية مع الأسف الشديد في يوم العاشر من محرم من كل عام مواكباً تسير في شوارعها بالصورة التي رسمناها، وقبل أن تنتهي ساعات ذلك اليوم فإن صوراً من تلك الهمجية الإنسانية والجنون المفزع تعرض على شاشات التلفزة في شرق الأرض وغربها لتعطي قوة لأعداء الإسلام والمتربصين بالإسلام والمسلمين معاً.
التصحيح:
إن على الطبقة المثقفة من الشيعة الإمامية أن تبذل قصارى الجهد لمنع الجهلة من القيام بمثل هذه الأعمال التي مسخت وشوهت ثورة الإمام " الحسين " وعلى الوعاظ والمبلغين أن يقوموا بدور أكثر وضوحاً ورؤية والحقيقة التي أود أن أذكرها بكل صراحة ووضوح هي أن السبب الذي حدا بالحسين للاستشهاد في يوم عاشوراء كان أعلى وأجل بكثير من الصورة التي ترسمها الشيعة عن ذلك، فالحسين لم يستشهد لتبكي الناس عليه وتلطم الخدود وتصوره بالبائس المسكين وإنما أراد الإمام أن يعطي درساً بليغاً في الإيثار عن النفس والحزم والعزم والشجاعة في مقارعة الظلم والاستبداد، فلذلك إن الاحتفال في شهادة الإمام " الحسين " ينبغي أن يكون احتفالاً يتناسب مع مقام " الحسين " بعيداً عن الغوغاء والجهلة والأعمال التي تضحك وتبكي في آن واحد وما أجمل الاحتفالات التثقيفية التي فيها تلقى الخطب والقصائد البليغة وسيرة الرسول وأهل بيته وصحابته في الجهاد والتضحية في سبيل الله.
وهكذا يجب أن نبني أنفسنا في ذكرى " الحسين " لا أن نهدمها ويجب أن نعطي للحسين حقه في ساحة النضال لا أن نشوهه ونسيء إليه هذا إن كنا حقاً من أنصار الحسين ومحبيه.
الشهادة الثالثة
أجمع فقهاء الشيعة على أن من قال الشهادة الثالثة بقصد ﴿ الورود ﴾ فقد عمل عملاً محرماً.
الشهادة الثالثة:
يقول السيد " المرتضى " وهو من أكابر علماء الشيعة الإمامية في القرن الخامس الهجري: أن من قال في أذان الصلوات ( اشهد أن علياً ولي الله ) فقد أتى بعمل محرم، ومن هذا الرأي يبدو لي أن الشهادة الثالثة دخلت في أذان الصلوات بعد الغيبة الكبرى ولكنها لم تظهر ظهوراً رسمياً على مسرح الأحداث المذهبية إلا بعد أن أدخل الشاه " إسماعيل " الصفوي إيران في التشيع وأمر المؤذنين بإدخال الشهادة الثالثة في أذان الصلوات وعلى المآذن، وهكذا أعطي للإمام " علي " موقعه الثابت بعد رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ في الخلافة ومنذ ذلك الحين ومساجد الشيعة في العالم تسير على الطريقة التي نماها ووسعها الشاه الصفوي لا نستثني مسجداً واحداً من مساجد الشيعة في شرق الأرض وغربها.
ومن الغريب في هذه الظاهرة أن فقهاءنا – سامحهم الله – يجمعون إجماعاً مطلقاً وتاماً على أن هذه الشهادة أدخلت في أذان الصلوات في وقت متأخر وإنها لم تكن معروفة حتى القرن الرابع الهجري وأنهم يجمعون أيضاً على أن الإمام " علياً " إذا كان على قيد الحياة ويسمع اسمه يذكر في أذان الصلوات لكان يجري الحد الشرعي على من يقول بذلك، وهنا تظهر تلك العصبية العمياء التي تسود قلوب بعض الفقهاء والجهال معاً حيث يكون بعضهم لبعض ظهيراً، لقد سئمت حقاً من المجادلة في هذه المسألة مع فقهائنا فهناك أجوبة تعودوا عليها منذ قرون خلت ولا جديد فيها، فهم يقولون: إن الشهادة الثالثة ليست جزءاً من الصلاة حتى تفسدها فلذلك لا مانع من إدخال الشهادة الثالثة فيها، وقد قلنا لهم إن المسألة ليست ما إذا كانت الشهادة الثالثة جزءاً من الصلاة أم لا بل هو أخطر من ذلك بكثير فالأذان صيغة أقرها الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ فصارت سنة توقيفية لا يجوز الحذف منها ولا الإضافة إليها حتى لو كانت الكلمات الإضافية موقع من الصحة والصدق والحقيقة.
ثم قالوا: إن الشهادة الثالثة أصبحت شعاراً للشيعة فقلنا لهم: إن شعار الإسلام أهم من شعار التشيع وهل أن الشيعة شيء والإسلام شيء آخر حتى تحتاج إلى شعار تعرف به؟ وهنا أرادوا أن يلقوا المسؤولية على عاتق غيرهم فقالوا: لا نستطيع أن نطلب من الشيعة رفض الشهادة الثالثة في أذان الصلوات لأنها أصبحت جزءاً من كيانها وهي متعلقة بها تعلق الطفل بثدي أمه فكلامنا يذهب هباءً منبثاً، قلنا لهم: لو أنكم اجتمعتم على رأي واحد وبينتم حكم الله وليس تنفيذه وقالوا أيضاً: إن الخليفة " عمر بن الخطاب " رفع الأذان من " حي على خير العمل " وجعله " خير من النوم " فقلنا لهم: أولاً الجواب النقضي لا يغني من الحق شيئاً، ثم لو صح هذا الأمر لما أقره الإمام " علياً " في عهد خلافته وأمر باستبدال الجملة بغيرها وفي منطقكم عمل الإمام حجة على صحتها ثم أيضاً إن المجمع عليه عندكم أن الشهادة الثالثة لم تكن موجودة في عهد الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ولا الأئمة وأنها أضيفت إلى الأذان في وقت متأخر.
ولكن عبارة " الصلاة خير من النوم " أمر اختلافي فالفرق الإسلامية ماعدا الشيعة تجمع على أنها وردت في عهد الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ بخلاف الشيعة التي تنسبها إلى الخليفة " عمر بن الخطاب " والفرق كبير بين مسألة إجماعية لا يختلف عليها اثنان ومسألة اختلافية فيها آراء مختلفة ومتضاربة.
التصحيح:
إنني لا أشك أبداً أن الشهادة الثالثة والني أصبحت الآن جزءاً من أذان الصلاة عند الشيعة في مساجدها قد تجاوزت عمل الفرد وأخذت طابعاً عاطفياً واجتماعياً ومذهبياً ليس من السهل تغييره ولا سيما وإن هناك في المنطقة دولة مذهبية تنمي العواطف المذهبية وتستغلها في صراعها السياسي مع دول المنطقة المجاورة التي معظم سكانها من السنة ولذلك تلاقي عملية التصحيح داخل إيران صعوبة بالغة شانها شأن سائر الخطوات الإصلاحية التي نادينا بها، وقد يأتي يوم يتغير فيه نظام الجمهورية الإسلامية المتطرف في إيران إلى نظام معتدل تكون مبادئه وحدة المسلمين ومصلحة الإسلام فحينئذ تكون الاستجابة لنداء التصحيح حتى في الشهادة الثالثة أمراً طبيعياَن ولكن في الوقت الحاضر يجب علينا أن نطلب من الشيعة في أي مكان آخر من الأرض يصله نداء التصحيح أن تسعى جاهدة للعودة إلى الأذان الذي كان شائعاً في عهد الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ والإمام " علي " وأئمة الشيعة وإن الواجب الملقى على عاتق الطبقة الواعية والمثقفة من أبناء الشيعة أن تؤدي دورها في الإصلاح وتصحيح المذهب الذي تنتمي إليه، ومرةً أخرى وأنا أبدي يأساً وقنوطاً من فقهائنا أن يقولوا الحق ويقفوا معنا في هذا الخندق بل هم على العكس من ذلك من أشد الناس تأييداً لهذه البدعة والعمل بها في مساجدهم، فوالله لو كان الإمام " علي " على قيد الحياة ويسمع اسمه يذكر على المآذن في أذان الصلاة لأجرى الحد على المسبب والمباشر معاً فما بالنا نحن نؤدي عملاً في سبيل " علي " وهو لا يرتضيه!!!!!!!!
ومرةً أخرى نطالب الشيعة في الحركة التصحيحية أن تعود إلى الأذان الذي أذنه " بلال الحبشي " في مسجد رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وفي حضور رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وصحابته بما فيهم " علياً " وان يطلبوا من المؤذنين في مساجد الشيعة أن يلتزموا بذلك فإذا ما التزم المؤذنون به في المساجد فإنه يفتح طريقة إلى أبعد من ذلك ويدخل إلى البيوت الشيعية كما دخل في بيت " علي " و " الزهراء " من قبل.
الزواج المؤقت
كيف تستطيع أمة تحترم شرف الأمهات اللواتي جعل الله الجنة تحت أقدامهن وهي تبيح المتعة أو تعمل بها.
الزواج المؤقت:
يقصد بالمتعة الزواج المؤقت الذي تعمل به الشيعة في إيران وقد يعمل به في مناطق أخرى حيثما توجد فيها لو استطاعت إليه سبيلاً وهنا أريد أن أقول: إن الدخول في الجدل الفقهي العقيم الذي مرت عليه قرون عديدة وحفظته بطون الكتب الفقهية والتفاسير وسواها لا فائدة ترتجى من روائه، ولكنني مع كل هذا أود أن أضع صورة مختصرة أمام القراء عن هذا النزاع الفقهي وأُعَرِّج بعد ذلك على الأخطار الهائلة التي تحدق بالشيعة اجتماعياً وأخلاقياً وإنسانياً إذا لم تنبذ هذه الفكرة السيئة من أساسها وأنا أحمّل الفقهاء المسؤولية الأولى والأخيرة في سَوْقِ الشباب من أبناء الشيعة إلى هذا الدرب الشائك المشين وعلى عاتقهم تقع المسؤولية كل المسؤولية.
يقول فقهاء الشيعة – سامحهم الله – إن المتعة كانت مباحة في عهد الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وفي عهد الخليفة " أبي بكر " وفي شطر من عهد الخليفة " عمر بن الخطاب " حتى أن حرمها وأمر المسلمين بالكف عنها وهم يستدلون على ذلك بروايات عديدة رويت في كتب الشيعة وبعض كتب السنة، أما الفرق الإسلامية الأخرى فتقول: إنها كانت عادة جاهلية عمل الناس بها في السنوات الأولى من عصر الرسالة حتى أمر النبي﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ بتحريمها يوم " خيبر " أو في حجة الوداع شأنها شأن الخمر الذي حُرِّم بعد سنوات من بعثة النبي الكريم ونزلت فيه آيات التحريم.
هذه هي خلاصة النزاع الفقهي والجدل الذي يدور حول المتعة منذ أكثر من ألف عام ومن المؤسف حقاً أن بعض أعلام الشيعة انبرى للدفاع عن الزواج المؤقت وألفوا في ذلك الكتب وهم بذلك فخورون ورافعون الرؤوس ولا أعتقد أنني أحتاج إلى عناء كثير لتوضيح الصورة الحقيقية لهذه البدعة المخلة بالذوق والكرامة ولكنني قبل ذلك أود أن أفنّد النظرية الفقهية التي تقول بالجواز ثم أعرّج على أكثر من ذلك لترى الشيعة فداحة الخطب وعظمة المصيبة.
إن الزواج المؤقت أو المتعة حسب العرف الشيعي وحسبما يجوزه فقهاؤنا هو ليس أكثر من إباحة الجنس بشرط واحد فقط وهو أن لا تكون المرأة في عصمة رجل وحينئذ يجوز نكاحها بعد أداء صيغة الزواج التي يستطيع الرجل أن يؤديها في كلمتين ولا تحتاج إلى شهود أو إنفاق عليها وللمدة التي يشاؤها مع الاحتفاظ بسلطة مطلقة لنفسه وهو الجمع بين ألف زوجة بالمتعة تحت سقف واحد، إن النظرية الفقهية القائلة بأن المتعة حرمت بأمر من الخليفة " عمر بن الخطاب " يفندها عمل الإمام " علي " الذي أقر التحريم في مدة خلافته ولم يأمر بالجواز وفي العرف الشيعي وحسب رأي فقهائنا عمل الإمام حجة لا سيما عندما يكون مبسوط اليد ويستطيع إظهار الرأي وبيان أوامر الله ونواهيه والإمام " علي " كما نعلم اعتذر عن قبول الخلافة واشترط في قبولها أن يكون له اجتهاده في إدارة الدولة، فإذن إقرار الإمام " علي " للتحريم يعني أنها كانت محرمة منذ عهد الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ولولا ذلك لكان يعارضها ويبين حكم الله فيها وعمل الإمام حجة على الشيعة ولست أدري كيف يستطيع فقهاؤنا أن يضربوا بها عرض الحائط، وكما قلنا قبل قليل سأترك الجدل الفقهي جانباً لنلقي نظرة فاحصة على المتعة من زوايا أخرى بالغة الأهمية ثم أضع الصورة أمام الطبقة المثقفة الواعية المنصفة من أبناء الشيعة الإمامية الذين عليهم أتوكأ في تطبيق التصحيح وفيهم الأمل وعليهم الرجاء في قيادة مسيرة التصحيح والإصلاح، إن الإسلام الذي جاء لتكريم الإنسان كما تقول الآية:﴿ ولقد كرمنا بني آدم﴾ ويقول رسول الإسلام:﴿ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.... ﴾ هل يقضي بقانون فيه من إباحة الجنس والحط من كرامة المرأة ما لا نجده حتى لدى المجتمعات الإباحية في التاريخ القديم والحديث؟ وحتى " لويس الرابع عشر " في فصره بفرساي وسلاطين الأتراك وملوك الفرس في قصورهم لم يجسروا عليها، وبني آدم في الآية الكريمة يشمل الرجل والمرأة على السواء والأخلاق التي جاء رسول الله ﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ليتم مكارمها للجنسين على السواء، فأين يكون موقع المرأة وكرامتها والاحتفاظ بأخلاقها من قانون المتعة؟ إن موقعها من هذا القانون هو الذل والهوان وشأنها كالسلعة التي يستطيع الرجل أن يكدسها واحدة فوق الأخرى وبلا عد ولا حد، إن المرأة التي شرفها الله أن تكون أماً تنجب أعظم الرجال والنساء على السواء ومنحها مرتبة لم يمنحها لغيرها حيث جعل الجنة تحت أقدامها كما قال الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: الجنة تحت أقدام الأمهات﴾ هل يليق بها أن تقضي أوقاتها بين أحضان الرجال واحداً بعد الآخر باسم شريعة محمد؟
لقد أراد بعض فقهائنا – سامحهم الله – أن يصوروا المتعة وكأنها فضل من الله حيث شرّع قانوناً شرعياً يمنع الرجل من الوقوع في البغاء ولكن غَاُبَ عن بالهم أن الإسلام ليس دين الرجال فحسب بل أنزل للناس كافة بما فيها النساء وإن القوانين الإلهية والشرائع السماوية لم تنزل لإرضاء شهوات الناس وإشباع غرائزهم تحت غطاء الشرعية والقانون، إن الإسلام جاء ليخرج الناس من إباحية الجاهلية ويقيدهم بالفضيلة والأخلاق لا أن يمنح الجاهلية ومظاهرها قداسة التشريع والقانون الإلهي.
إن الإسلام الذي حرم الجمع بين أكثر من أربعة أزواج وجعل في تعدد الزوجات شرطاً من أقسى الشروط كما تصرح به الآية الكريمة:﴿ وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾ والعمل بالعدالة بين الأزواج أمر صعب ويكاد يكون عسيراً في بعض الأحيان وقد يستفاد من وضع شرط كهذا هو تقييد الرجل كي لا يسلك طريق التعدد ويسير في وادي الشهوات أكثر مما تقتضيه الطبيعة الإنسانية والحاجة البشرية وتنظيم الأسرة والنسل ومصلحة الأمة ومن هنا جاء التشديد في الكره من الطلاق كما قال رسول الله﴿ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن أبغض الحلال عند الله الطلاق ﴾ وقيّد الطلاق بشروط وقيود عسيرة منها حضور شاهدين عادلين حتى يقع الطلاق، إن ديناً سماوياً هذا هو موقفه الصريح والثابت من الزواج وشروطه هل يعقل أن يناقض قانونه هذا بوضع قانون آخر فيه من الإباحية المطلقة ما تزلزل السموات والأرض ويجعل للناس الخيار فيهما؟ وهنا أضع أمام القارئ صورتين للزواج أحدهما متفق عليه عند المسلمين جميعاً بما فيهم الشيعة وهو الزواج الدائم والثاني هو الزواج المؤقت أو المتعة والذي يفتي بجوازه فقهاء الشيعة الإمامية فقط وأطلب من الشيعة أن يقولوا كلمتهم فيه:
شروط الزواج الدائم المتفق عليه لدى المسلمين كافة:
1- يتم الزواج بين الزوجين بتلفظ صيغ العقد أمام شاهدين.
2- يجب على الزوج نفقة الزوجة بما فيها المسكن والملبس.
3- لا يجوز للرجل أن يجمع أكثر من أربعة أزواج وبشروط صعبة.
4- الزوجة ترث الزوج في حالة الوفاة.
5- موافقة الأب شرط في صحة زواج الباكر.
6- مدة الزواج الدائم ديمومة الزوجين على قيد الحياة.
شروط الفسخ:
1- يقع الطلاق بحضور شاهدين عدلين وبتلفظ صيغة الطلاق.
2- عدة الطلاق بالنسبة للمرأة ثلاثة شهور وعشرة أيام.
3- الطلاق لا يقع إذا كانت المرأة في حالة قرء.
4- يجب على الزوج نفقة الزوجة المطلقة في مدة عدتها.
الزواج المؤقت المتفق عليه عند الشيعة الإمامية فقط:
1- يتم الزواج بتلفظ صيغة العقد بدون شاهد.
2- الرجل في حل من نفقة الزوجة.
3- يجوز للرجل الجمع بين أعداد لا تحصى وبلا شرط.
4- الزوجة لا ترث الزوج.
5- موافقة الأب ليس شرطاً في كل الأحوال.
6- مدة الزواج المؤقت قد تكون لربع ساعة وقد تكون ليوم وقد تكون لتسعين عاماً وحسب ما يقترحه الرجل وتقبله المرأة.
شروط الفسخ:
1- يقع الطلاق واسمه فسخ العقد بدون حضور شاهدين وبكلمة فسخت أو وهبت المدة.
2- عدة فسخ المدة بالنسبة للمرأة هو عدة الجارية بعد عتقها أي نصف عدة الحرة.
3- الفسخ يقع في كل الأحوال.
4- الرجل في حِلٍّ من نفقة الزوجة في عدة الفسخ.
إن نظرة فاحصة على هذا الجدول الذي رسمناه تغنينا عن الإسهاب في المتعة من المفاسد والمخاطر الاجتماعية وأعتقد جازماً أن نداء التصحيح سيجمع حوله من أبناء الشيعة كل من كان له قلب أو عقل يستطيع أن يدرك بهما فداحة الخطب والهوان والسخرية في أمر هو أظهر من ظهور الشمس في منتصف النهار.
التصحيح:
المسألة هنا أخطر بكثير من التصحيح إنها حالة مذهلة من السوء دخلت إلى الفكر الشيعي وحتى الروايات التي تقول بالحلية سواء أن ذكرتها كتب الشيعة أو غيرها وحتى التي تقول إنها كانت مباحة حتى أن حرمها الخليفة " عمر بن الخطاب " أعتبرها كلها روايات تشوه صورة الإسلام المضيئة، وقد أدركت الفرق الإسلامية الأخرى خطورة الفكرة ومفاسدها الاجتماعية والأخلاقية الكبيرة فوقفت منها موقفاً يتسم بالحق والعدل والفضيلة، أما فقهاؤنا فلم يدركوا خطورة الفكرة أو أدركوها ولكن حرصاً منهما على مخالفة جمهور المسلمين التي وضعت في فضلها رواية نسبت إلى الإمام " الصادق " زوراً وبهتاناً والتي تقول:﴿ الرشد في خلافهم ﴾ أي الرشد في خلاف رأي السنة والجماعة أحلوا المتعة اللعينة المقيتة وأجازوها، وإضافة إلى هذه العقدة المستعصية لدى فقهائنا في استنتاجاتهم الفقهية فإن فكرة الزواج المؤقت على ما يبدو لي استخدمت في حث الشيعة ولا سيما الشباب منهم للالتفاف حول المذهب لما فيها من امتيازات خاصة لا تقرها المذاهب الإسلامية الأخرى، ولا شك أن الإغراء الجنسي المباح باسم الدين يستقطب الشباب وأصحاب النفوس الضعيفة في كل عصر ومصر، ولذلك فإني لا أستغرب أبداً عندما أقرأ في كتب رواياتنا روايات تنسب إلى أئمتنا في فضل المتعة وثوابها وحث الناس على العمل بها وموقفي من هذه الروايات واضح وصريح أشرت إليه في مواطن عديدة من الكتاب.
وهمنا كله يتجه إلى خلاص الأمة الشيعية منها بإذن الله وإرادته وإنني عندما أكتب هذه السطور لا ينتابني اليأس ولو للحظة واحدة بالنسبة لمستقبل الشيعة وموقفها من التصحيح والركون المطلق إلى مبادئه، نعم قد يلاقي التصحيح صعوبات في بادئ الأمر ولكن كلمة الحق تشق طريقها في آخر الأمر وان التفاف الطبقة الواعية المثقفة التي تستطيع أن تجرد نفسها من الرواسب الفكرية التي لقنتها بها الآباء والأمهات والفقهاء والمشايخ يكون خير ضمان لمستقبل الشيعة في العالم، وأعود مرةً أخرى إلى الزواج المؤقت وأسأل الفقهاء الذين يفتون بجواز المتعة واستحباب العمل بها هل إنهم يرضون شيئاً كهذا بالنسبة لبناتهم وأخواتهم وقريباتهم أم أنهم إذا سمعوها اسوَدَّت وجوههم وانتفخت أوداجهم ولم يكظموا لذلك غيظاً؟
لقد أراد العالم الكبير السيد " محسن الأمين العاملي " أن يدافع عن كلام قريب لما ذهبت إليه بقوله:﴿ إذا كانت المتعة مباحاً فلا يلزم أن يفعلها كل أحد فكم من مباح ترك تنزهاً وترفعاً.﴾
ولكنني أقول: إن من الواضح أن المسألة ليست بهذه الصورة أي الذين لا يرتضونها لبناتهم وأخواتهم وقريباتهم ليس في حدود التنزه والترفع بل لأنهم يرون فيها أمراً مهيناً مشيناً يتنافى وكرامة العائلة وشرف الأسرة وقد تسيل الدماء في بعض المناطق الشيعية إذا ما سأل المرء شيئاً كهذا من فقيه هو سيد قومه وحتى في إيران حيث تكون العملية جارية في بعض مدنها توجد مناطق لا يستطيع المرء أن ينبس بكلمة حول المتعة، أما في غير إيران ولا سيما في البلاد العربية التي تقطنها الشيعة فالحديث عن المتعة مهلك ويؤدي إلى إسالة الدماء ولست أدري تفاصيل الأمر في " باكستان " و " الهند " و " أفريقيا " ولكن في كل هذه المناطق لا يغير الفقيه فتواه فهو يجوزها إذا ما سئل عنها ولكنه يخضع للبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها فتثور ثورته ويقيم الدنيا ولا يقعدها إذا ما طلب منه يد ابنته بالزواج المؤقت وهكذا نرى بوضوح إن المسؤولية الأولى والأخيرة في العمل بهذا الأمر المقيت تقع على عاتق الذي أباحوا أعراض المسلمات ولكنهم أحصنوا أعراضهم وأهدروا شرف المؤمنات ولكنهم صانوا شرف بناتهم وفي كل هذا عبرة لمن كان له قلب.
ص 90
السجود على التربة الحسينية
السجدة على التربة الحسينية ظهرت في العصر الثاني من الصراع بين الشيعة والتشيع ثم امتدت نحو آفاقٍ أوسع عمت الشيعة جميعاً.
السجود على التربة الحسينية:
قلما يوجد بيت للشيعة لا توجد فيه التربة التي تسجد عليها الشيعة في صلواتها وهي من تراب " كربلاء " المدينة التي استشهد " الحسين " فيها ورفاته الطاهرة مدفونة فيها، وإنني اعلم ما يقوله فقهاؤنا حول السجود على التربة الحسينية حيث فرقوا بين ما يسجد له وما يسجد عليه وإن السجود على التربة ليس سجوداً لها بل سجوداً عليها لأن السجدة في المذهب الشيعي لا يجوز أن تكون إلا على التراب ومشتقاته ولا يجوز السجدة على الملبوس والمخيوط والمأكول إن السجود على التربة الحسينية كما نعرفها بل يعرفها الشيعة أنفسهم لا تتوقف عند هذا الحد الفقهي او أنه سجود على التراب وحسب بل المسألة أبعد من ذلك بكثير فكثير من الذين يسجدون على التربة يقبلونها ويتبركون بها وفي بعض الأحيان يأكلون قليلاً من تربة " كربلاء " للشفاء في حين أن أكل التراب حرام في الفقه الشيعي ثم إنهم صنعوا من التراب هيئات مختلفة يحملونها في جيوبهم وينقلونها معهم في أسفارهم ويعاملونها معاملة تقديس وتكريم، وحتى كتابة هذه السطور هناك ملايين من الشيعة في شرق الأرض وغربها تلتزم بالسجود على تربة " كربلاء " ومساجدها مليئة بها ويعملون بالتقية عندما يقيمون الصلاة في مساجد الفرق الإسلامية الأخرى حيث يخفونها ولا يظهرونها خوفاً من اعتراض غيرهم عليها، وقد التبس الأمر على كثير من غير الشيعة فظنوا أن هذه التربة أصنام تسجد الشيعة عليها وقد كادت الفتن تحدث في مساجد بلاد لم تعرف شيئاً عن التربة الحسينية ومظاهرها ولست أدري متى دخلت هذه البدعة في صفوف الشيعة فالرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ما سجد قط على تربة " كربلاء " وتقديس التراب لم يكن شيئاً مألوفاً عند المسلمين، ومن الجائز أن هذه الظاهرة أخذت في التوسع منذ عهد الصفويين وعندما أخذت القوافل تزور " كربلاء " في مراسيم خاصة وتعود محملة بآثار من قبر الإمام " الحسين " وهناك بدعة أخرى أضيفت إلى استعمال التربة تتجاوز البدع الأخرى إنها فتوى الفقهاء بجواز إقامة الصلاة التمام للمسافرين بدلاً من القصر عندما يكونوا في الحائر الحسيني بخمسة عشر ذراعاً حول القبر، ومن المجمع عليه عند فقهائنا أن الواجب على المسافر هو إتيان الصلاة قصراً ولكنهم استثنوا الحائر الحسيني من هذه القاعدة ولست أدري كيف استطاع فقهاؤنا – سامحهم الله – الاجتهاد في أمر لم يكن لموضوعه ومحموله أثر في عهد الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وبعد أن أكملت الشريعة الإسلامية وتوفي الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وانقطع الوحي فيا ترى أن الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ أجاز للمسافر الخيار بين القصر والإتمام في حائر الحسين قبل أن يكون هناك شيء بهذا الاسم أم أن قانوناً إلهياً شرع لموضوع لم يكن له أثر في وقته؟ نعم إن هناك روايات تنسب إلى أئمة الشيعة تقول بمثل هذا الخيار للمسافر وعلى تلك الروايات بنى فقهاؤنا فتاواهم التي أفتوا بها.
وقد تعني هذه الفكرة الخطيرة أن الإمام عند فقهائنا يكون مصدر التشريع لا كما كان المتشيعون لأهل البيت يعتقدون في الأئمة قبل ظهور الصراع بين الشيعة والتشيع وعندما كان التشيع يعني أئمة أهل البيت أدرى بأحكام الإسلام من غيرهم لأن في بيتهم نزل الكتاب كما أشرنا إليه أكثر من مرةٍ ومن المؤسف حقاً أن وجود فكرةٍ كهذه تخالج قلوب كثير من فقهائنا وإن لم يبيحوا بها وإلا فماذا يعني الفتوى بجواز الخيار لمسافر بين القصر والإتمام في صلواته عندما يكون في حائر الحسين؟ وعلى أي أساس أو قاعدة شرعية امتاز الحسيني بهذا الامتياز ونزل فيه حكم إلهي وسماوي قبل وجود الحائر بنصف قرن؟
ومرةً أخرى نكرر القول بأن الطريق الوحيد للخلاص من هذا التخلف الفكري العميق الذي أحاط بنا قروناً ويحيط بنا من كل جانب حتى يومنا هذا هو غربلة كتبنا من أمثال هذه الروايات التي تنسب إلى أئمةٍ هداةٍ مهديين هم منها براء، وهكذا غربلة الفقهاء أنفسهم فكثير منهم وراء هذه البدع وتنميتها فالأئمة لم يستحدثوا قوانيناً من عندهم وأحكاماً لم يكن لها أثر في كتاب الله وسنة رسوله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ولم يدّعوا قط شيئاً كهذا بل كل ما امتازوا به أنهم أعرف بكتاب الله وسنة جدهم رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وتلقوا العلم في بيت الرسالة ومهبط الوحي وأخذوا أحكام الشريعة كابراً عن كابر.
التصحيح:
إذا كانت الشيعة تلتزم بالقاعدة الفقهية التي تبناها فقهاؤنا في السجود على مطلق التراب ومشتقاته وكان فقهاؤنا أيضاً يلتزمون بهذه الفتوى لم يكن الخطب فادحاً وكانت الفرق الإسلامية الأخرى تنظر إلى هذا الرأي بعين الاحترام والقبول، غير أن الشيعة جرياً على عمل فقهائنا تجاوزت هذه القاعدة الفقهية واتخذت منها ديدناً خاصاً وهو السجود على تراب موضع خاص وهو " كربلاء " وصنعت من ترابها أشكالاً مختلفة مطولة ومربعة ودائرية تحملها معها في السفر والحضر على السواء لتسجد عليها كلما حان وقت الصلاة، ولقد تعودت الشيعة أن تخفي التربة عندما تصلي في مساجد الفرق الإسلامية الأخرى عملاً بالتقية أو خوفاً من حدوث بلبلة حولها أو خجلاً من الأكثرية التي تنظر إلى هذا الأمر بنظرات الاستغراب والسخرية، إنه حقاً مدعاة للحزن والألم والأسف أن تنزل الشيعة نفسها إلى هذه الدرجة من التدني لالتزامها بعمل ما أنزل الله به من سلطان فلم يكن شيئاً أكثر مقتاً عند الله من هذه الازدواجية في عبادتهن فإذا كانت الشيعة ترى نفسها على حق في السجود على تربة " كربلاء " فلماذا تخشى من الجهر بها أمام إخوانٍ في الدين يجمعهم كتاب واحد ونبي واحد وقبلة واحدة وصلاة واحدة؟ وإن كانت على غير حق فلماذا هذا الإصرار عليه ولماذا ينتابها الخجل والوجل منه؟ وكما قلنا فإن الدور الكبير لظهور هذه الظاهرة الشاذة يعود إلى الفقهاء وأعلام المذهب الذين عودوا الشيعة عليها وهم عليها سائرون حتى كتابة هذه السطور والحركة التصحيحية التي ننادي بها لا تعني أننا نحث الشيعة على عدم السجود على التراب فرسول الله يقول:﴿ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ﴾ ورسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ كان يسجد على التراب في مسجده بالمدينة ولكننا نود القول: إن تفضيل أرض على أرض حتى إذا ثبت في الشرع لا يعني الالتزام بالسجود على تلك الأرض وإلا لكان المسلمون يحملون معهم تراب مكة والمدينة والقدس ليسجدوا عليها.
إن على الشيعة أن تكسر طوق التبعية الفكرية في أمور فرضت عليها وهي ترى بطلانها كما ترى الشمس حتى تنضم إلى الصف الإسلامي العريض دخولاً متكافئاً رافعة الرأس قوية الحجة لا دخولاً فيه ذل التقية والازدواجية في الشخصية وغمض العين عن الكرامة في سبيل بدع هي أعرف بها من غيرها، وأعود مرةً أخرى وأقول: نحن لا نطلب من الشيعة في صحة السجود على الأرض ومشتقاتها مثل الخشب والحصى والخيزران فلتسجد على ما يصح السجود عليه من بين هذه الأشياء وبذلك تقتدي برسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وبالإمام " علي " والأئمة الذين لم يسجدوا قط على شيء اسمه تربة " كربلاء " وتترك هذا الالتزام الذي يتضمن كل أبعاد الفرقة والبدعة على السواء، وإنني لا أشك أن الفرق الإسلامية الأخرى إذا ما علمت بهذه النظرية الفقهية التي منشؤها الاجتهاد فإنها قد تضمن مسجداً يتلاءم مع التزام الشيعة في مساجدها وقد توفر لهم الحصير أو ما شابهها من مشتقات الأرض والأشجار وذلك لرفع الحرج عن إخوانٍ لهم في الدين.
الإرهاب
الشيعة هي الطائفة الإسلامية الوحيدة التي سلمت نفسها إلى زعاماتها المذهبية بلا قيد ولا شرط كي تركلها بأقدامها في ساحات الوغى مرةً وساحات الغيلة والإرهاب مرةً أخرى.
الإرهاب:
لقد استغلت القيادات المذهبية الشيعة المسكينة عبر التاريخ فصنعت منها طائفة تعصف بها رياح البدع من كل جانب مستغلة سذاجتها وإيمانها بمراجعها الدينيين وحتى هذه اللحظة فالشيعة هي الطائفة الإسلامية الوحيدة التي سلمت نفسها بلا قيد و شرط وحدود وقيود وسؤال وجواب إلى قياداتها المذهبية كي تركلها بأقدامها في ساحات الوغى تارةً وساحات الإرهاب والغيلة تارةً أخرى، ولذلك أخذ المجتمع الإنساني في هذه السنوات الأخيرة ينظر إلى المذهب الشيعي وكأنه المذهب الذي يأمر أتباعه بشن الحروب وبالإرهاب والاغتيال وكثيراً ما كانت الأخبار التي تنشر حول الشيعة في الصحف وأجهزة الإعلام العالمية تتجاوز الطائفة وتلحق بسمعة الإسٍلام ضرراً بالغاً لعدم تمييز المجتمع الإنساني بين الشيعة وسواها من الفرق
الإسلامية الأخرى فكان الإرهاب الذي يمارس يحسب على الإسلام ويعم المسلمين جميعاً.
إن تاريخ الغيلة والإرهاب يعود إلى قرون خلت وليس بجديد في تاريخنا المعاصر ولكن ظهوره في بلاد الشيعة وباسم الشيعة يعود إلى مئة عام أو أقل منها بقليل ولكن المؤسف والمحزن أن الغيلة منذ ظهورها في العالم الشيعي والإرهاب الذي أضيف إليه في السنوات الأخيرة كلها كانت باسم المذهب ووراءها فقهاء أعلام ومجتهدون عظام فقد اغتال " ميرزا رضا الكرماني " الشاه " ناصر الدين " في عام 1311 هجري وبأمر من أستاذه السيد " جمال الدين الأفغاني " ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا شهدت إيران بصفة خاصة اغتيالات مذهبية وإرهاباً متقطعاً حسب الظروف السياسية والأحوال وكان وراءها مجتهدون وفقهاء، ولكن الجدير بالعبرة أن العدالة الإلهية تجسدت في هذه الدنيا لكي تعطي درساً لأولئك الذين غرسوا هذه الفكرة في النفوس باسم الدين فقد انقلب الإرهاب على الذين كانوا وراءه وبالاً ليس مثله وبال حيث مارس أعداء الفقهاء الطريقة نفسها في المواجهة معهم فاغتالوا من علماء المذهب وفقهاءه في غضون ست سنوات من عمر الزمان ( 1400 – 1406 ) هجري عدداً يتجاوز أضعافاً مضاعفة من الذين راحوا ضحية الغيلة والإرهاب والفتوى الدينية طيلة مئة عام، وهكذا انقلب الإرهاب وبالاً على الذين كانوا وراءه وجعل حياتهم جحيماً لا تطاق حدث كل هذا بعد أن استلم السلطة في إيران فقهاء المذهب الذين باركوا الإرهاب وكانوا دعامته.
ولكي أضع النقاط على الحروف أود القول بصراحة: إنني عندما رأيت الطوابع البريدية الجديدة التي أصدرتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعليها صور الإرهابيين مثل " ميرزا الكرماني " و " مجتبى نواب صفوي " زعيم جماعة ﴿فدائيان.إسلام﴾ التي اغتالت عدداً من رؤساء الوزارات وغيرهم بفتوى أحد المجتهدين ندبت حظ الشيعة الإمامية وحتى حظ الدولة التي تتظاهر بالتشيع وترى نفسها حامي حماها، وهنا أود أن أعلن بصراحة وبلا خوف ولا وجل أن كتابنا هذا ليس كتاباً سياسياً وليس الغرض منه المواجهة مع أية دولة أو جهة سياسية ولا المواجهة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو النظام الحاكم فيها، ولذلك أقول وأشهد الله أنني لم أقصد من هذه الرسالة إلا الإصلاح في العقيدة الشيعية المحدثة والمستحدثة على السواء ولذلك تجنبت الدخول في المواجهة مع الأسماء والأشخاص ولكن الضرورة في بعض الأحيان تملي عليَّ أن أقول كلمة الحق والنصيحة وأوجهها حتى إلى دولة أو حكومة قد تستجيب لنداء الإصلاح وقد لا تستجيب ولكن كلمة الحق يجب أن توجه للجميع وكما قال الرسول الكريم:﴿الساكت عن الحق شيطان أخرس﴾ فيا ترى كيف تستطيع دولة أن تكسب الاحترام الدولي والثقة العالمية وتحترمها الشعوب الآمنة الحرة وهي تتظاهر بأنها دولة عقائدية اتخذت المذهب الشيعي شعاراً لها وهي تفتخر بالإرهابيين وتتخذ صورهم رمزاً لنظامها؟ ثم قد تكون وطأة هذا الشعار شديدة على الملايين من الشيعة في العالم وهي لا ترتبط بتلك الدولة ولا تؤمن بنظامها أو سياستها وكيف تستطيع الشيعة أن تدافع عن عقيدتها وتنفي عنها الإرهاب عندما تكون الدولة الناطقة باسمها اتخذت الإرهاب شعاراً لها؟
وأرجو أن يسمع كلامي هذا الحاكمون في إيران ويعلموا جيداً أن نفوس الشيعة في إيران لا تشكل إلا ثلث الشيعة في العالم والبقية الباقية منتشرة في أرجاء الأرض الفسيحة ولكل فئة منهم هويتهم وجنسيتهم ولغتهم وإن الدولة الشيعية الإيرانية لا ولن تستطيع أن تتحدث باسم الشيعة جميعاً بل وحتى باسم الشيعة في إيران، فلذلك يجب عليها أن لا تقوم بأعمال تسيء إلى سمعة الأكثرية من هذه الطائفة كما فعلت حتى الآن وأن تلطخ سمعتها أكثر مما فعلت، وندائي للحاكمين في إيران أن لا يسيئوا إلى الشيعة أكثر مما أساؤوا إليها فقد كفي الشيعة ذلاً.
ورجائي من الشيعة أن ينبروا للدفاع عن أنفسهم وكرامتهم أمام المجتمع البشري ويعلنوا براءتهم من الإرهاب الذي تمارسه عناصر على الأبرياء باسمها، وتارةً أحدث نفسي وأقول: أليست الفكرة الإرهابية التي ظهرت منذ مئة عام في إيران وباركها بعض فقهائنا هي من بقايا ( قلعة الموت ) التي اتخذها " حسن الصباح " في القرن السادس الهجري مقراً لنشر المذهب الإسماعيلي بالقوة تارةً وبالحشيش ومشتقاتها تارةً أخرى؟ وإنها امتداد للفرق الاغتيالية التي كانت تجوب البلاد الإسلامية لاغتيال أعداء الإسماعيليين، وكلنا نعلم أن الوزير " نظام الملك " قتل بطعنة إرهابي من تلك الجماعة وبأمر مباشر من رئيسها " حسن الصباح " وهناك وجه شبه كبير بين المقدمات والنتائج التي اتبعتها الفرق الاغتيالية الصباحية والفرق الاغتيالية المتطرفة عند بعض الشيعة، وهنا أخاطب الشيعة مرةً أخرى وأقول لهم: إذا كانت الهلوسة الصباحية وما رافقها من أعمال قام بها الحشاشون من جماعته في منتصف القرن السادس الهجري قد أحدثت في العالم الإسلامي فساداً ونكراً فإنها أيضاً قصص مفجعة تعود إلى استغلال فئة جهل السذج من الناس بالإسلام ومبادئه أما في عصر القفزات الكبرى نحو العلم ووضوح المفاهيم الإسلامية العليا للجميع فإن الحجة قائمة على الشيعة كي تسلك طريق الحق والعقل وأن لا تأتمر بأوامر فيها سخط الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
إذا كان الإرهاب حسناً فلماذا لا يرتضيه المخططون لأنفسهم ولذويهم؟ وعندما ينكشف أمره يتبرؤون منه والإسلام بريء من الإرهاب وتعاليم الإسلام تناقضه فإذا كان للإرهابيين ولمن وراءهم أطماع سياسية يريدون تنفيذها فعليهم أن لا يستغلوا اسم الدين والمذهب وتكون لديهم الشجاعة الكافية لكي يتحملوا وزر أعمالهم لا أن يحملوها لمذهبهم ولدينهم.
التصحيح:
لقد وضع القرآن الكريم دستوره الأبدي في حرمة الإرهاب بكل أشكاله وصوره ولا سيما عندما يؤخذ البريء مكان المذنب وقال:﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى[1]....﴾ إن هذه الجملة البليغة تعطي نوراً وإشراقاً لكل من يتخذ القرآن له إماماً وهادياً، وإذا ما نظرنا إلى سيرة أئمة الشيعة وعملهم نرى أنهم كانوا أبعد الناس عن الإرهاب وأكثرهم مقتاً له، وهذا هو الإمام " الحسين " يخاطب الفئة التي هجمت على خيام حرمه وأهل بيته في يوم عاشوراء بكلام لم ينساه التاريخ فقد قال لهم:﴿يا شيعة أبي سفيان إن لم يكن لكم دين ولن تخافوا المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم إن النسوة ليس عليهن جناح.. ﴾ وهكذا وضع الإمام " الحسين " - وهو سيد الشهداء والإمام الذي اشتهرت الشيعة بالحب الجارف نحوه - الخط الفاصل بين الشجاعة والجبن وبين الكرامة الإنسانية التي فيها رضا الله والعمل المقيت الذي فيه سخط الله وبهذه العبارات البليغات الصريحات أمر " الحسين " المسلمين سواء كانوا من شيعته أو شيعة غيره أن يسلكوا طريق الكرامة حتى في معاملة الأعداء وأسرى الحرب وأن لا يسيئوا إلى الأطفال والنساء حتى وإن كانوا هم في حالة حرب مع رجالهم، وهذا هو " مسلم بن عقيل " سفير " الحسين " إلى أهل " الكوفة " يأبى من قتل " عبيد الله بن زياد " غيلة وذلك بعد أن هيأ له " هانئ بن عروة " الفرصة وقال نحن أهل بيت لا نغدر ) و " عبيد الله بن زياد " قدم إلى الكوفة بعد أن بايع أهلها " مسلم بن عقيل " كسفير " للحسين " ولكنهم خذلوه وانضموا إلى الوالي الجديد ولم يبق لمسلم أن يقاتل حتى يقتل أو يغتال " ابن زياد " ويعود إلى السلطة من جديد ولكنه رفض أن يقوم بعمل لا تقره الكرامة والرجولة حتى وإن كان في ذلك مصرعه وخيبة المهمة التي أنيطت به، وهكذا نرى أن النتائج مهما كانت لها من الأهمية فلا تبررها مقدمات دنيئة مثل الغيلة والغدر في دستور الإسلام الخالد وفي عرف أهل بيت رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ولنستشهد مرةً أخرى بعمل الإمام " علي " والذي تقول الشيعة إنها تقتدي به ويعتقد بعض فقهائنا ولا سيما أولئك الذين يرون أنفسهم من أنصار الإرهاب بأن عمل الإمام حجة ونقول لهم: إن الإمام نهى أصحابه عن القيام بأي عمل يتنافى مع الكرامة الإنسانية حتى أنه أمر برفع الحواجز التي وضعها جيشه على نهر الفرات في حرب " صفين " لمنع جيش " الشام " من الحصول على الماء ونهى عسكره من القيام بأي عمل يتنافى مع السيرة المتبعة في الحروب بين الرجال، وعندما قتل الثائرون الخليفة " عثمان ابن عفان " وعلم الإمام بذلك لطم " الحسنين " على خدهما لعدم منعهما الثائرين من التقرب إلى الخليفة المقتول وكما نعلم كان " للحسنين " مقام عظيم عند الإمام " علي " عبر عنه في إحدى حروبه وعندما كانا يتقدمان صفوف المحاربين بقوله:﴿املكوا عني الغلامين فإني أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله﴾ وعندما نلقي نظرة فاحصة على عصر الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ نعلم علم اليقين أن الإرهاب لم يكن معروفاً لديهم وعندما هدّد " أبو لؤلؤة " الخليفة " عمر بن الخطاب " بقوله سأصنع لك رحى تحدث عنها العرب ) قال الخليفة:﴿هددني ابن المجوسية﴾ ولكنه لم يفعل شيئاً بالنسبة إليه ولم يأمر بحجزه أو إبعاده، ولهذا يمكن القول: إن فكرة الاغتيالات لم تكن تراود نفوس المسلمين في عصر الرسالة والخلفاء الراشدين ولم تكن معروفة لديهم ولذلك لم ينظر المسلمون إليها بنظرة الجد والحزم، وبعد اغتيال الخليفة " عمر بن الخطاب " على يد " أبو لؤلؤة " لم يأخذ سلفه " عثمان و علي " الحذر مما أصاب الخليفة فكان قتل الخليفة " عثمان " أشبه ما يكون بالغيلة والإمام " عليا " قتل على يد خارجيّ اسمه " ابن ملجم " وفي أثناء صلاة الصبح ولقد قيل له أكثر من مرة أن يأخذ حذره من الخوارج ولكنه كان يرفض ذلك بقوله:﴿كفى بالموت حارساً﴾ ولذلك نستطيع القول بعد كل هذا: إن البيئة الإسلامية الصحيحة كانت ترفض أن تنسب إليها شيئاً باسم الغيلة والإرهاب ولذلك لم يعط لعمل كهذا شرعية الوقاية منه بل نظرت إليها كحركة إجرامية عابرة والإسلام منها براء والمسلمون في مقت منه وإنها أعمال لا يقوم بها إلا أناس على شاكلة " أبو لؤلؤة " المجوسي و " ابن ملجم " الخارجي وأمثالهما نادر وقليل.
وأعود مرةً أخرى إلى الإرهاب وأقول: إن الاعمال الإرهابية وراءها مخططون يعرفون النفسية القلقة التي يتصف بها المتطوعون للعمل الإرهابي فهم يستغلون تلك النفوس ويمنونهم بحور عين وكأس من معين مضافاً إليهما دروساً في الشجاعة والبطولات والتخليد في التاريخ وأخذ الثأر وهكذا يرسلون ضحاياهم إلى حيث العمل الإرهابي وهم يجلسون بعيداً عن حلبة الصراع ليقطفوا ثمار النتائج التي يرومون إليها فهم يقضون أوقاتهم في القلاع الحصينة الآمنة وأتباعهم في ساحات الانتحار ينفذون إنزال الدمار بالأبرياء والممتلكات باسم الله ورسوله والإمام " علي " .
السجود على التربة الحسينية
السجدة على التربة الحسينية ظهرت في العصر الثاني من الصراع بين الشيعة والتشيع ثم امتدت نحو آفاقٍ أوسع عمت الشيعة جميعاً.
السجود على التربة الحسينية:
قلما يوجد بيت للشيعة لا توجد فيه التربة التي تسجد عليها الشيعة في صلواتها وهي من تراب " كربلاء " المدينة التي استشهد " الحسين " فيها ورفاته الطاهرة مدفونة فيها، وإنني اعلم ما يقوله فقهاؤنا حول السجود على التربة الحسينية حيث فرقوا بين ما يسجد له وما يسجد عليه وإن السجود على التربة ليس سجوداً لها بل سجوداً عليها لأن السجدة في المذهب الشيعي لا يجوز أن تكون إلا على التراب ومشتقاته ولا يجوز السجدة على الملبوس والمخيوط والمأكول إن السجود على التربة الحسينية كما نعرفها بل يعرفها الشيعة أنفسهم لا تتوقف عند هذا الحد الفقهي او أنه سجود على التراب وحسب بل المسألة أبعد من ذلك بكثير فكثير من الذين يسجدون على التربة يقبلونها ويتبركون بها وفي بعض الأحيان يأكلون قليلاً من تربة " كربلاء " للشفاء في حين أن أكل التراب حرام في الفقه الشيعي ثم إنهم صنعوا من التراب هيئات مختلفة يحملونها في جيوبهم وينقلونها معهم في أسفارهم ويعاملونها معاملة تقديس وتكريم، وحتى كتابة هذه السطور هناك ملايين من الشيعة في شرق الأرض وغربها تلتزم بالسجود على تربة " كربلاء " ومساجدها مليئة بها ويعملون بالتقية عندما يقيمون الصلاة في مساجد الفرق الإسلامية الأخرى حيث يخفونها ولا يظهرونها خوفاً من اعتراض غيرهم عليها، وقد التبس الأمر على كثير من غير الشيعة فظنوا أن هذه التربة أصنام تسجد الشيعة عليها وقد كادت الفتن تحدث في مساجد بلاد لم تعرف شيئاً عن التربة الحسينية ومظاهرها ولست أدري متى دخلت هذه البدعة في صفوف الشيعة فالرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ما سجد قط على تربة " كربلاء " وتقديس التراب لم يكن شيئاً مألوفاً عند المسلمين، ومن الجائز أن هذه الظاهرة أخذت في التوسع منذ عهد الصفويين وعندما أخذت القوافل تزور " كربلاء " في مراسيم خاصة وتعود محملة بآثار من قبر الإمام " الحسين " وهناك بدعة أخرى أضيفت إلى استعمال التربة تتجاوز البدع الأخرى إنها فتوى الفقهاء بجواز إقامة الصلاة التمام للمسافرين بدلاً من القصر عندما يكونوا في الحائر الحسيني بخمسة عشر ذراعاً حول القبر، ومن المجمع عليه عند فقهائنا أن الواجب على المسافر هو إتيان الصلاة قصراً ولكنهم استثنوا الحائر الحسيني من هذه القاعدة ولست أدري كيف استطاع فقهاؤنا – سامحهم الله – الاجتهاد في أمر لم يكن لموضوعه ومحموله أثر في عهد الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وبعد أن أكملت الشريعة الإسلامية وتوفي الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وانقطع الوحي فيا ترى أن الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ أجاز للمسافر الخيار بين القصر والإتمام في حائر الحسين قبل أن يكون هناك شيء بهذا الاسم أم أن قانوناً إلهياً شرع لموضوع لم يكن له أثر في وقته؟ نعم إن هناك روايات تنسب إلى أئمة الشيعة تقول بمثل هذا الخيار للمسافر وعلى تلك الروايات بنى فقهاؤنا فتاواهم التي أفتوا بها.
وقد تعني هذه الفكرة الخطيرة أن الإمام عند فقهائنا يكون مصدر التشريع لا كما كان المتشيعون لأهل البيت يعتقدون في الأئمة قبل ظهور الصراع بين الشيعة والتشيع وعندما كان التشيع يعني أئمة أهل البيت أدرى بأحكام الإسلام من غيرهم لأن في بيتهم نزل الكتاب كما أشرنا إليه أكثر من مرةٍ ومن المؤسف حقاً أن وجود فكرةٍ كهذه تخالج قلوب كثير من فقهائنا وإن لم يبيحوا بها وإلا فماذا يعني الفتوى بجواز الخيار لمسافر بين القصر والإتمام في صلواته عندما يكون في حائر الحسين؟ وعلى أي أساس أو قاعدة شرعية امتاز الحسيني بهذا الامتياز ونزل فيه حكم إلهي وسماوي قبل وجود الحائر بنصف قرن؟
ومرةً أخرى نكرر القول بأن الطريق الوحيد للخلاص من هذا التخلف الفكري العميق الذي أحاط بنا قروناً ويحيط بنا من كل جانب حتى يومنا هذا هو غربلة كتبنا من أمثال هذه الروايات التي تنسب إلى أئمةٍ هداةٍ مهديين هم منها براء، وهكذا غربلة الفقهاء أنفسهم فكثير منهم وراء هذه البدع وتنميتها فالأئمة لم يستحدثوا قوانيناً من عندهم وأحكاماً لم يكن لها أثر في كتاب الله وسنة رسوله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ولم يدّعوا قط شيئاً كهذا بل كل ما امتازوا به أنهم أعرف بكتاب الله وسنة جدهم رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وتلقوا العلم في بيت الرسالة ومهبط الوحي وأخذوا أحكام الشريعة كابراً عن كابر.
التصحيح:
إذا كانت الشيعة تلتزم بالقاعدة الفقهية التي تبناها فقهاؤنا في السجود على مطلق التراب ومشتقاته وكان فقهاؤنا أيضاً يلتزمون بهذه الفتوى لم يكن الخطب فادحاً وكانت الفرق الإسلامية الأخرى تنظر إلى هذا الرأي بعين الاحترام والقبول، غير أن الشيعة جرياً على عمل فقهائنا تجاوزت هذه القاعدة الفقهية واتخذت منها ديدناً خاصاً وهو السجود على تراب موضع خاص وهو " كربلاء " وصنعت من ترابها أشكالاً مختلفة مطولة ومربعة ودائرية تحملها معها في السفر والحضر على السواء لتسجد عليها كلما حان وقت الصلاة، ولقد تعودت الشيعة أن تخفي التربة عندما تصلي في مساجد الفرق الإسلامية الأخرى عملاً بالتقية أو خوفاً من حدوث بلبلة حولها أو خجلاً من الأكثرية التي تنظر إلى هذا الأمر بنظرات الاستغراب والسخرية، إنه حقاً مدعاة للحزن والألم والأسف أن تنزل الشيعة نفسها إلى هذه الدرجة من التدني لالتزامها بعمل ما أنزل الله به من سلطان فلم يكن شيئاً أكثر مقتاً عند الله من هذه الازدواجية في عبادتهن فإذا كانت الشيعة ترى نفسها على حق في السجود على تربة " كربلاء " فلماذا تخشى من الجهر بها أمام إخوانٍ في الدين يجمعهم كتاب واحد ونبي واحد وقبلة واحدة وصلاة واحدة؟ وإن كانت على غير حق فلماذا هذا الإصرار عليه ولماذا ينتابها الخجل والوجل منه؟ وكما قلنا فإن الدور الكبير لظهور هذه الظاهرة الشاذة يعود إلى الفقهاء وأعلام المذهب الذين عودوا الشيعة عليها وهم عليها سائرون حتى كتابة هذه السطور والحركة التصحيحية التي ننادي بها لا تعني أننا نحث الشيعة على عدم السجود على التراب فرسول الله يقول:﴿ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ﴾ ورسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ كان يسجد على التراب في مسجده بالمدينة ولكننا نود القول: إن تفضيل أرض على أرض حتى إذا ثبت في الشرع لا يعني الالتزام بالسجود على تلك الأرض وإلا لكان المسلمون يحملون معهم تراب مكة والمدينة والقدس ليسجدوا عليها.
إن على الشيعة أن تكسر طوق التبعية الفكرية في أمور فرضت عليها وهي ترى بطلانها كما ترى الشمس حتى تنضم إلى الصف الإسلامي العريض دخولاً متكافئاً رافعة الرأس قوية الحجة لا دخولاً فيه ذل التقية والازدواجية في الشخصية وغمض العين عن الكرامة في سبيل بدع هي أعرف بها من غيرها، وأعود مرةً أخرى وأقول: نحن لا نطلب من الشيعة في صحة السجود على الأرض ومشتقاتها مثل الخشب والحصى والخيزران فلتسجد على ما يصح السجود عليه من بين هذه الأشياء وبذلك تقتدي برسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وبالإمام " علي " والأئمة الذين لم يسجدوا قط على شيء اسمه تربة " كربلاء " وتترك هذا الالتزام الذي يتضمن كل أبعاد الفرقة والبدعة على السواء، وإنني لا أشك أن الفرق الإسلامية الأخرى إذا ما علمت بهذه النظرية الفقهية التي منشؤها الاجتهاد فإنها قد تضمن مسجداً يتلاءم مع التزام الشيعة في مساجدها وقد توفر لهم الحصير أو ما شابهها من مشتقات الأرض والأشجار وذلك لرفع الحرج عن إخوانٍ لهم في الدين.
الإرهاب
الشيعة هي الطائفة الإسلامية الوحيدة التي سلمت نفسها إلى زعاماتها المذهبية بلا قيد ولا شرط كي تركلها بأقدامها في ساحات الوغى مرةً وساحات الغيلة والإرهاب مرةً أخرى.
الإرهاب:
لقد استغلت القيادات المذهبية الشيعة المسكينة عبر التاريخ فصنعت منها طائفة تعصف بها رياح البدع من كل جانب مستغلة سذاجتها وإيمانها بمراجعها الدينيين وحتى هذه اللحظة فالشيعة هي الطائفة الإسلامية الوحيدة التي سلمت نفسها بلا قيد و شرط وحدود وقيود وسؤال وجواب إلى قياداتها المذهبية كي تركلها بأقدامها في ساحات الوغى تارةً وساحات الإرهاب والغيلة تارةً أخرى، ولذلك أخذ المجتمع الإنساني في هذه السنوات الأخيرة ينظر إلى المذهب الشيعي وكأنه المذهب الذي يأمر أتباعه بشن الحروب وبالإرهاب والاغتيال وكثيراً ما كانت الأخبار التي تنشر حول الشيعة في الصحف وأجهزة الإعلام العالمية تتجاوز الطائفة وتلحق بسمعة الإسٍلام ضرراً بالغاً لعدم تمييز المجتمع الإنساني بين الشيعة وسواها من الفرق
الإسلامية الأخرى فكان الإرهاب الذي يمارس يحسب على الإسلام ويعم المسلمين جميعاً.
إن تاريخ الغيلة والإرهاب يعود إلى قرون خلت وليس بجديد في تاريخنا المعاصر ولكن ظهوره في بلاد الشيعة وباسم الشيعة يعود إلى مئة عام أو أقل منها بقليل ولكن المؤسف والمحزن أن الغيلة منذ ظهورها في العالم الشيعي والإرهاب الذي أضيف إليه في السنوات الأخيرة كلها كانت باسم المذهب ووراءها فقهاء أعلام ومجتهدون عظام فقد اغتال " ميرزا رضا الكرماني " الشاه " ناصر الدين " في عام 1311 هجري وبأمر من أستاذه السيد " جمال الدين الأفغاني " ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا شهدت إيران بصفة خاصة اغتيالات مذهبية وإرهاباً متقطعاً حسب الظروف السياسية والأحوال وكان وراءها مجتهدون وفقهاء، ولكن الجدير بالعبرة أن العدالة الإلهية تجسدت في هذه الدنيا لكي تعطي درساً لأولئك الذين غرسوا هذه الفكرة في النفوس باسم الدين فقد انقلب الإرهاب على الذين كانوا وراءه وبالاً ليس مثله وبال حيث مارس أعداء الفقهاء الطريقة نفسها في المواجهة معهم فاغتالوا من علماء المذهب وفقهاءه في غضون ست سنوات من عمر الزمان ( 1400 – 1406 ) هجري عدداً يتجاوز أضعافاً مضاعفة من الذين راحوا ضحية الغيلة والإرهاب والفتوى الدينية طيلة مئة عام، وهكذا انقلب الإرهاب وبالاً على الذين كانوا وراءه وجعل حياتهم جحيماً لا تطاق حدث كل هذا بعد أن استلم السلطة في إيران فقهاء المذهب الذين باركوا الإرهاب وكانوا دعامته.
ولكي أضع النقاط على الحروف أود القول بصراحة: إنني عندما رأيت الطوابع البريدية الجديدة التي أصدرتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعليها صور الإرهابيين مثل " ميرزا الكرماني " و " مجتبى نواب صفوي " زعيم جماعة ﴿فدائيان.إسلام﴾ التي اغتالت عدداً من رؤساء الوزارات وغيرهم بفتوى أحد المجتهدين ندبت حظ الشيعة الإمامية وحتى حظ الدولة التي تتظاهر بالتشيع وترى نفسها حامي حماها، وهنا أود أن أعلن بصراحة وبلا خوف ولا وجل أن كتابنا هذا ليس كتاباً سياسياً وليس الغرض منه المواجهة مع أية دولة أو جهة سياسية ولا المواجهة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو النظام الحاكم فيها، ولذلك أقول وأشهد الله أنني لم أقصد من هذه الرسالة إلا الإصلاح في العقيدة الشيعية المحدثة والمستحدثة على السواء ولذلك تجنبت الدخول في المواجهة مع الأسماء والأشخاص ولكن الضرورة في بعض الأحيان تملي عليَّ أن أقول كلمة الحق والنصيحة وأوجهها حتى إلى دولة أو حكومة قد تستجيب لنداء الإصلاح وقد لا تستجيب ولكن كلمة الحق يجب أن توجه للجميع وكما قال الرسول الكريم:﴿الساكت عن الحق شيطان أخرس﴾ فيا ترى كيف تستطيع دولة أن تكسب الاحترام الدولي والثقة العالمية وتحترمها الشعوب الآمنة الحرة وهي تتظاهر بأنها دولة عقائدية اتخذت المذهب الشيعي شعاراً لها وهي تفتخر بالإرهابيين وتتخذ صورهم رمزاً لنظامها؟ ثم قد تكون وطأة هذا الشعار شديدة على الملايين من الشيعة في العالم وهي لا ترتبط بتلك الدولة ولا تؤمن بنظامها أو سياستها وكيف تستطيع الشيعة أن تدافع عن عقيدتها وتنفي عنها الإرهاب عندما تكون الدولة الناطقة باسمها اتخذت الإرهاب شعاراً لها؟
وأرجو أن يسمع كلامي هذا الحاكمون في إيران ويعلموا جيداً أن نفوس الشيعة في إيران لا تشكل إلا ثلث الشيعة في العالم والبقية الباقية منتشرة في أرجاء الأرض الفسيحة ولكل فئة منهم هويتهم وجنسيتهم ولغتهم وإن الدولة الشيعية الإيرانية لا ولن تستطيع أن تتحدث باسم الشيعة جميعاً بل وحتى باسم الشيعة في إيران، فلذلك يجب عليها أن لا تقوم بأعمال تسيء إلى سمعة الأكثرية من هذه الطائفة كما فعلت حتى الآن وأن تلطخ سمعتها أكثر مما فعلت، وندائي للحاكمين في إيران أن لا يسيئوا إلى الشيعة أكثر مما أساؤوا إليها فقد كفي الشيعة ذلاً.
ورجائي من الشيعة أن ينبروا للدفاع عن أنفسهم وكرامتهم أمام المجتمع البشري ويعلنوا براءتهم من الإرهاب الذي تمارسه عناصر على الأبرياء باسمها، وتارةً أحدث نفسي وأقول: أليست الفكرة الإرهابية التي ظهرت منذ مئة عام في إيران وباركها بعض فقهائنا هي من بقايا ( قلعة الموت ) التي اتخذها " حسن الصباح " في القرن السادس الهجري مقراً لنشر المذهب الإسماعيلي بالقوة تارةً وبالحشيش ومشتقاتها تارةً أخرى؟ وإنها امتداد للفرق الاغتيالية التي كانت تجوب البلاد الإسلامية لاغتيال أعداء الإسماعيليين، وكلنا نعلم أن الوزير " نظام الملك " قتل بطعنة إرهابي من تلك الجماعة وبأمر مباشر من رئيسها " حسن الصباح " وهناك وجه شبه كبير بين المقدمات والنتائج التي اتبعتها الفرق الاغتيالية الصباحية والفرق الاغتيالية المتطرفة عند بعض الشيعة، وهنا أخاطب الشيعة مرةً أخرى وأقول لهم: إذا كانت الهلوسة الصباحية وما رافقها من أعمال قام بها الحشاشون من جماعته في منتصف القرن السادس الهجري قد أحدثت في العالم الإسلامي فساداً ونكراً فإنها أيضاً قصص مفجعة تعود إلى استغلال فئة جهل السذج من الناس بالإسلام ومبادئه أما في عصر القفزات الكبرى نحو العلم ووضوح المفاهيم الإسلامية العليا للجميع فإن الحجة قائمة على الشيعة كي تسلك طريق الحق والعقل وأن لا تأتمر بأوامر فيها سخط الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
إذا كان الإرهاب حسناً فلماذا لا يرتضيه المخططون لأنفسهم ولذويهم؟ وعندما ينكشف أمره يتبرؤون منه والإسلام بريء من الإرهاب وتعاليم الإسلام تناقضه فإذا كان للإرهابيين ولمن وراءهم أطماع سياسية يريدون تنفيذها فعليهم أن لا يستغلوا اسم الدين والمذهب وتكون لديهم الشجاعة الكافية لكي يتحملوا وزر أعمالهم لا أن يحملوها لمذهبهم ولدينهم.
التصحيح:
لقد وضع القرآن الكريم دستوره الأبدي في حرمة الإرهاب بكل أشكاله وصوره ولا سيما عندما يؤخذ البريء مكان المذنب وقال:﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى[1]....﴾ إن هذه الجملة البليغة تعطي نوراً وإشراقاً لكل من يتخذ القرآن له إماماً وهادياً، وإذا ما نظرنا إلى سيرة أئمة الشيعة وعملهم نرى أنهم كانوا أبعد الناس عن الإرهاب وأكثرهم مقتاً له، وهذا هو الإمام " الحسين " يخاطب الفئة التي هجمت على خيام حرمه وأهل بيته في يوم عاشوراء بكلام لم ينساه التاريخ فقد قال لهم:﴿يا شيعة أبي سفيان إن لم يكن لكم دين ولن تخافوا المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم إن النسوة ليس عليهن جناح.. ﴾ وهكذا وضع الإمام " الحسين " - وهو سيد الشهداء والإمام الذي اشتهرت الشيعة بالحب الجارف نحوه - الخط الفاصل بين الشجاعة والجبن وبين الكرامة الإنسانية التي فيها رضا الله والعمل المقيت الذي فيه سخط الله وبهذه العبارات البليغات الصريحات أمر " الحسين " المسلمين سواء كانوا من شيعته أو شيعة غيره أن يسلكوا طريق الكرامة حتى في معاملة الأعداء وأسرى الحرب وأن لا يسيئوا إلى الأطفال والنساء حتى وإن كانوا هم في حالة حرب مع رجالهم، وهذا هو " مسلم بن عقيل " سفير " الحسين " إلى أهل " الكوفة " يأبى من قتل " عبيد الله بن زياد " غيلة وذلك بعد أن هيأ له " هانئ بن عروة " الفرصة وقال نحن أهل بيت لا نغدر ) و " عبيد الله بن زياد " قدم إلى الكوفة بعد أن بايع أهلها " مسلم بن عقيل " كسفير " للحسين " ولكنهم خذلوه وانضموا إلى الوالي الجديد ولم يبق لمسلم أن يقاتل حتى يقتل أو يغتال " ابن زياد " ويعود إلى السلطة من جديد ولكنه رفض أن يقوم بعمل لا تقره الكرامة والرجولة حتى وإن كان في ذلك مصرعه وخيبة المهمة التي أنيطت به، وهكذا نرى أن النتائج مهما كانت لها من الأهمية فلا تبررها مقدمات دنيئة مثل الغيلة والغدر في دستور الإسلام الخالد وفي عرف أهل بيت رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ ولنستشهد مرةً أخرى بعمل الإمام " علي " والذي تقول الشيعة إنها تقتدي به ويعتقد بعض فقهائنا ولا سيما أولئك الذين يرون أنفسهم من أنصار الإرهاب بأن عمل الإمام حجة ونقول لهم: إن الإمام نهى أصحابه عن القيام بأي عمل يتنافى مع الكرامة الإنسانية حتى أنه أمر برفع الحواجز التي وضعها جيشه على نهر الفرات في حرب " صفين " لمنع جيش " الشام " من الحصول على الماء ونهى عسكره من القيام بأي عمل يتنافى مع السيرة المتبعة في الحروب بين الرجال، وعندما قتل الثائرون الخليفة " عثمان ابن عفان " وعلم الإمام بذلك لطم " الحسنين " على خدهما لعدم منعهما الثائرين من التقرب إلى الخليفة المقتول وكما نعلم كان " للحسنين " مقام عظيم عند الإمام " علي " عبر عنه في إحدى حروبه وعندما كانا يتقدمان صفوف المحاربين بقوله:﴿املكوا عني الغلامين فإني أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله﴾ وعندما نلقي نظرة فاحصة على عصر الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ نعلم علم اليقين أن الإرهاب لم يكن معروفاً لديهم وعندما هدّد " أبو لؤلؤة " الخليفة " عمر بن الخطاب " بقوله سأصنع لك رحى تحدث عنها العرب ) قال الخليفة:﴿هددني ابن المجوسية﴾ ولكنه لم يفعل شيئاً بالنسبة إليه ولم يأمر بحجزه أو إبعاده، ولهذا يمكن القول: إن فكرة الاغتيالات لم تكن تراود نفوس المسلمين في عصر الرسالة والخلفاء الراشدين ولم تكن معروفة لديهم ولذلك لم ينظر المسلمون إليها بنظرة الجد والحزم، وبعد اغتيال الخليفة " عمر بن الخطاب " على يد " أبو لؤلؤة " لم يأخذ سلفه " عثمان و علي " الحذر مما أصاب الخليفة فكان قتل الخليفة " عثمان " أشبه ما يكون بالغيلة والإمام " عليا " قتل على يد خارجيّ اسمه " ابن ملجم " وفي أثناء صلاة الصبح ولقد قيل له أكثر من مرة أن يأخذ حذره من الخوارج ولكنه كان يرفض ذلك بقوله:﴿كفى بالموت حارساً﴾ ولذلك نستطيع القول بعد كل هذا: إن البيئة الإسلامية الصحيحة كانت ترفض أن تنسب إليها شيئاً باسم الغيلة والإرهاب ولذلك لم يعط لعمل كهذا شرعية الوقاية منه بل نظرت إليها كحركة إجرامية عابرة والإسلام منها براء والمسلمون في مقت منه وإنها أعمال لا يقوم بها إلا أناس على شاكلة " أبو لؤلؤة " المجوسي و " ابن ملجم " الخارجي وأمثالهما نادر وقليل.
وأعود مرةً أخرى إلى الإرهاب وأقول: إن الاعمال الإرهابية وراءها مخططون يعرفون النفسية القلقة التي يتصف بها المتطوعون للعمل الإرهابي فهم يستغلون تلك النفوس ويمنونهم بحور عين وكأس من معين مضافاً إليهما دروساً في الشجاعة والبطولات والتخليد في التاريخ وأخذ الثأر وهكذا يرسلون ضحاياهم إلى حيث العمل الإرهابي وهم يجلسون بعيداً عن حلبة الصراع ليقطفوا ثمار النتائج التي يرومون إليها فهم يقضون أوقاتهم في القلاع الحصينة الآمنة وأتباعهم في ساحات الانتحار ينفذون إنزال الدمار بالأبرياء والممتلكات باسم الله ورسوله والإمام " علي " .
صلاة الجمعة
أعتقد جازماً أن فقهاءنا اجتهدوا أمام النص الصريح بسبب واحد ألا وهو إيجاد الفرقة في الصف الإسلامي الكبير وحمل الشيعة على عدم التلاحم مع الفرق الإسلامية الأخرى في صلاة يوم الجمعة.
صلاة الجمعة:
﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ﴾
بهذا النص الصريح القاطع شرَّع الإسلام صلاة الجمعة وفرضها على كل من يؤمن بالله ورسوله وكتابه، غير أن الأكثرية من فقهاء الشيعة – سامحهم الله – اجتهدوا أمام النص الصريح وقالوا بالخيار بين صلاة الظهر والجمعة، وأضافوا أن شرط إقامة الجمعة إنما هو حضور الإمام الذي هو الإمام " المهدي " ففي عصر الغيبة تسقط الجمعة من الوجوب العيني ويكون للمسلمين الخيار في الإتيان بها أو بصلاة الظهر، وقالت فئةٌ أخرى من فقهائنا: إن صلاة الجمعة حرام في عصر الغيبة ويقوم مقامها صلاة الظهر وهناك قلة من فقهائنا وبعضهم في القمة مثل الشيخ " حر العاملي " صاحب كتاب " وسائل الشيعة " الذي أفتى بوجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة، ولا أريد أن أدخل أيضاً في جدل فقهي عقيم لم يحل منذ ألف عام عند فقهاء المسلمين ولن يحل إذا ما أردنا أن نتحدث بلغة الروايات التي يستند عليها فقهاء الشيعة، إن كل ما قيل ويقال في إسقاط صلاة الجمعة في عهد غيبة الإمام يصطدم بنص صريح لا اجتهاد فيه وذلك إذا كنا ملتزمين بدستور الإسلام فنحن أمام دستور ثابت وصريح وواضح لم يكن مقيداً بقيود أو مشروطاً بشروط، ولست أدري كيف استطاع فقهاؤنا أن يجتهدوا في نص قرآنيّ بليغ وواضح بالاستناد إلى روايات نسبت إلى أئمة الشيعة، وموقفي من هذه الروايات كلها الموقف نفسه بالنسبة لكل الروايات الموضوعة فأنا لا أشك أبداً بأن كثيراً من تلك الروايات وضعت في العصر الأول من الصراع بين الشيعة والتشيع وذلك كي يمنع الشيعة من الحضور في صلوات الجمعة التي هي في حقيقتها تظاهرة إسلامية كبرى وعدم الاختلاط بسائر الفرق الإسلامية والمشاركة معها في شعار الإسلام العظيم.
وهناك دليل واضح لما ذهبت إليه من الرأي قد خفي على كل أولئك الذين كتبوا في صلاة الجمعة وأرخوها وهو أن ملوك الصفويين الذين كانوا حماة التشيع في إيران وكثير من البدع التي ألصقت بالتشيع إنما ألصقت به بمباركتهم وسياستهم كانوا من أشد أنصار صلاة الجمعة وأكبر المساجد الإيرانية وأضخمها بنيت في عهد ملوك الصفويين، وكان المسجد الرئيسي يسمى " مسجد الجمعة " ولا يوجد مدينة كبيرة في إيران إلا وفيها مسجد من هذا الطراز وكان إمام المسجد يلقب ( إمام الجمعة ) ويعين بمرسوم خاص من الشاه وكان هذا المنصب منصباً محترماً يناط بكبير العلماء أو شيخ الفقهاء في كثير من الأحيان وكان هذا المنصب موجوداً في بلاط الأسرة المالكة حتى أن انقرضت الملكية في إيران قبل بضع سنوات ويعني هذا أن فكرة حرمة صلاة الجمعة في عصر الغيبة لم تطرح إلا في بلاد كان الاحتكاك شديداً فيها بين الشيعة وغيرها من الفرق الإسلامية الأخرى حتى تثني الشيعة من الالتحام بالركب الإسلامي الموحد ولكن في إيران حيث كانت الأكثرية من الشيعة فإن الفقهاء لم يعارضوا صلاة الجمعة وكانت تقام في مساجد البلاد بطولها وعرضها، غير أن فكرة الخيار بين الجمعة أو صلاة الظهر كانت موجودة فقهياً وكانت هناك في المدن الإيرانية مساجد تصلي فيها الجمعة وأخرى تصلى فيها صلاة الظهر.
وحتى كتابة هذه السطور فإن بعض فقهاء الشيعة من الأحياء يفتون بوجوب صلاة الجمعة وعدم سقوطها في عصر الغيبة ولكن عدد هؤلاء لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وكانوا عبر التاريخ الفقهي يعدون بين القلة القليلة، وبعد أن استلم الفقهاء السلطة في إيران أصبحت صلاة الجمعة في ضمن سياسة الدولة الأساسية وعينت ولاية الفقيه لكل مدينة إماماً يسمى ( إمام الجمعة ) كما كان يفعل لاشاه من قبل واستحدثوا تسمية جديدة لها وهي " الصلاة العبادي السياسي " فالخطباء في خطبة صلاة الجمعة يتحدثون عن قضايا الساعة والسياسة ومشاكل البلاد وسواها ولا يعني أبداً ماذا يقال في خطبة الدمعة لأن المهم هم العمل بالفريضة أما ما يقوله الخطباء فهذا شيء يعود إليهم، ولكن الذي يعنيني أن صلاة الجمعة لا زالت متروكة في كثير من المناطق التي يسكنها الشيعة خارج إيران ولا يصلونها يوم الجمعة في مساجدهم ومن هنا أود أطلب التصحيح والقضاء على هذه الظاهرة التي تتناقض مع روح الإسلام وأهدافه ونص القرآن الكريم.
التصحيح:
إذا ترك الإتيان بهذا الفرض إلى أئمة المساجد في المناطق التي تسكنها الشيعة فهذه الفريضة تبقى متروكة لقرون أخرى لأن أئمة مساجد الشيعة في كثير من الأحيان يأتمرون بأمر فقيه أو مرجع من مراجع الشيعة وإمام كهذا لا يستطيع أن يخرج من فتوى المرجع الذي نصبه في هذا المقام ولاسيما أن حياته المادية منوطة بعمله والإطاعة لمولاه، ولذلك فإن على القاعدة الشيعية أن تفرض على أئمة مساجدها صلاة الجمعة وأن تطلب منهم الإتيان بهذه الفريضة وإذا لم يستجيبوا فعليهم أن يصلوا في مساجد أخرى تصلى فيها الجمعة فهذه الفريضة الإلهية لا تسقط بحال ويجب الإتيان بها في كل الأحوال، وإني لا أشك أبداً أن الطبقة الواعية المثقفة من أبناء الشيعة إذا ما التزمت بهذا الشعار الإسلامي العظيم فإنها ستقضي على مظهر كبير آخر من مظاهر التفرقة التي نهى الله ورسوله الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ عنها وهم بذلك يجددون عصر الوحدة الإسلامية الكبرى ويكونوا من حماته.
تحريف القرآن
القول بتحريف القرآن يناقض الإيمان به.
تحريف القرآن
لست أدري كيف يستطيع المرء أن يقول بتحريف القرآن وهو أمام نص صريح يدحض كل الأقوال حول التحريف، ولست أدري أيضاً كيف يستطيع أحد أن يكون مؤمناً بالقرآن وهو يدلي رأياً يناقض ما جاء فيه والآية الكريمة:﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ تغنينا عن الاستدلال بعدم تحريف القرآن المنزل على محمد رسول الله ﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾فالوعد الإلهي صريح بأنه تعالى يحفظ الذكر الحكيم من أي تلاعب أو تحريف أو إضافة والقائلون بالتحريف يشكلون عدداً من علماء الفرق الإسلامية كلها إلا أن علماء الشيعة ومحدثيهم يشكلون الأكثرية المطلقة بين هؤلاء، وقد ذهب رهط من علماء الشيعة إلى عدم التحريف واستشهدوا بالآية الكريمة التي أوردناها ولكن ذهب آخرون إلى التحريف بإصرار وعناد منهم " النوري " الذي ألَّف كتاباً أسماه " فصل الخطاب في تحريف الكتاب " وذكر في الكتاب المذكور عبارات زعم أنها آيات قرآنية محرَّفة، والمتتبع المنصف لا يشك أبداً أن السبب الذي حدا بالمحدثين أن يذهبوا إلى تحريف الكتاب هو الاستدلال بآيات منصوصة في إمامة " علي " كانت مذكورة في السور والآيات المحرَّفة على حد زعمهم، وبذلك كان بعض أعلام الشيعة يدافع عن عدم وجود نص إلهي في القرآن حول الإمامة بتلك الآيات المزعومة التحريف، وتحريف القرآن يصطدم بعقبة كبيرة لدى أعلام الشيعة وهو إقرار الإمام " علي " في أيام خلافته بهذا القرآن الموجود بين أيدي المسلمين فلو كانت هناك سور أو آيات محرَّفة لتحدث عنها الإمام " علي " وأثبتها في القرآن.
إن فكرة تحريف القرآن ليست من الأفكار التي تظهر على الساحة الشيعية كفكرة عامة ذات أبعاد خطيرة لأن الأكثرية الساحقة من الشيعة لم تتقرب إلى هذا البحث ولا تؤمن به بسبب موقف كثير من فقهائنا من عدم التحريف ولكن الفكرة تأخذ طابعاً حزيناً عندما ينشر الناشرون كتباً ألَّفها بعض علمائنا في التحريف وتوزع تلك الكتب على الناس أو تستل منها مقتطفات لتذكر في كتب أخرى ويطلع عليها المسلمون جميعاً، ومن هنا نوجه نداء التصحيح إلى كل الناشرين في البلاد الشيعية كي يقلعوا عن نشر كتب كهذه لأنها تخالف كتاب الله ونصوصه وتضر بسمعة الإسلام وكتابه الكريم الذي هو الدستور الخالد للمسلمين فإذا ما أصابه وهن أصابهم وإذا أصابته قوة أصابتهم.
وكما قلنا فإن الرأي السائد لدى الأكثرية من فقهاء الشيعة هو عدم التحريف، ولكن هذا الرأي يعقبه رأي آخر هو من الغرابة بمكان ولا توجد له أدلة إلا في الروايات التي يرويها رواة الشيعة، ونحن في حركتنا التصحيحية لا نستطيع أن نغفل آراءً شاذّة كتلك وعلينا أن نشير إليها لكي يكون التصحيح جامعاً ومانعاً نذكر رأياً لكبير علماء الشيعة وهو الإمام " الخوئي " الذي يقول في تفسيره " البيان " ص259 وذلك بعد أن استعرض آراء فقهاء المسلمين ومحدثيهم بما فيهم الشيعة حول التحريف في القرآن أو عدم وقوعه ما هو نصه ومما ذكرناه قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة لا يقول به إلا من ضعف عقله أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل أو من لجأ إليه، يحب القول به والحب يعمي ويصم وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته ). وأما الرأي الثاني الذي أشرنا إليه فهو في ص222 من الكتاب المذكور وجاء فيه إن وجود مصحف لأمير المؤمنين عليه السلام يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه وتسالم العلماء والأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته كما أن اشتمال قرآنه عليه السلام على زيادات ليست في القرآن الموجود وإن كان صحيحاً إلا أنه لا دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن وقد أسقطت منه بالتحريف بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد ) وبهذه العبارات يريد فقيهنا إثبات مصحف للإمام " علي " يختلف عن القرآن ولكنه في الوقت نفسه يضيف جملة محيرة وهي أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد ) ولست أدري ما هذا الإصرار على تسمية شرح للقرآن وتفسير له بالمصحف ثم ما هو هذا الإجماع الذي يدّعيه بقوله تسالم العلماء الأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته ) ومتى أجمعت العلماء على ذلك اللهم إلا نفر قليل استندوا على كلام ينسب إلى الإمام " علي " ذكره " الطبرسي " في الاحتجاج، والمحقق المتتبع لكلمات الإمام وسيرته يشك كل الشك في صدور كلام مثل ذلك عن الإمام لما فيه من غرابة المحتوى، ثم ماذا تعني تلك الجملة المحيرة هل أن القرآن له شرح إلهي صادر من الله ولكنه ليس جزءاً من القرآن فيكون القرآن المنزل من الله مؤلفاً من متن وشرح متنه في يد الجميع وشرحه عند الإمام " علي " فقط، وإذا لم تخونني الذاكرة فقد ناقشت موضوع هذا المصحف مع العلامة الكبير " الخوئي " ولم يأت بشيء أكثر من الاستشهاد على رواية الطبرسي وانتهى الحوار إلى جدل عنيف وحاد أرجو من الله أن يغفر لي إذا ما تجاوزت على حرمة أستاذ درست عليه الفقه وأصول الفقه بعض الوقت وذلك في أيام دراستي عندما كنت في النجف، إن فقهاءنا وعلماءنا يستدلون على وجود مصحف للإمام " علي " برواية يذكرها الطبرسي في كتاب " الاحتجاج " وهي أن الإمام قال:﴿ يا طلحة إن كل آية أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عندي بإملاء رسول الله وخط يدي وتأويل كل آية أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وكل حلال أو حرام أو حكم تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة فهو عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش﴾ وكما قلنا في هذه الرواية ضعف واضح وغرابة مذهلة ومنها تتفرع أسئلة عديدة لا عد لها ولا حصر وقبل كل شيء لماذا خص الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ الإمام " علياً " بتعليم أحكام تحتاج إليها أمته إلى يوم القيامة ولكن لم يخبر بها أمته بل أخفاها عليهم والقرآن الكريم يقول:﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ ويقول في موضع آخر:﴿ اليوم أكملت لكم دينكم..الآية.﴾
ولماذا لم يتحدث الإمام " علي " عن تلك الأحكام في خلافة الخلفاء الذين سبقوه أو في زمن خلافته ولماذا أخفى أحكاماً تحتاج إليها الأمة إلى يوم القيامة وفيها حلاله وحرامه وحتى أرش الخدش، حقاً إنه اضطراب مخل بالتعقل نقرؤه في عقول الذين وضعوا روايات كهذه ونسبوها إلى الإمام " علي " وأدهى منه أن فقهاءنا – سامحهم الله – استندوا عليها وحكموا عليها حكم المسلّمات .
التصحيح:
إن كل ما قيل وذكر في الكتب الشيعية عن مصحف الإمام " علي " ليس أكثر من إضفاء هالة من الغلو على شخصية الإمام " علي " حسب زعم الذين كانوا وراء وضع هذه الأساطير وإثبات أن الإمام " علياً " إنما هو تالي تلو وأحق بخلافة الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾من غيره ولذلك يحتفظ بمصحف خاص لا يحتفظ به غيره هذا في ظاهر الأمر ولكنهم في الحقيقة أساؤوا إلى الإمام من ناحية أخرى فعرَّفوا الإمام بأنه يخفي أحكاماً إلهية فيها حدوده وحلاله وحرامه وكل ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة ولم يدلي بها إلا لأولاده الذين هم الأئمة والأئمة بدورهم أخفوها عن المسلمين وحتى عن شيعتهم إلى أن اختفت كل تلك العلوم باختفاء الإمام الثاني عشر، وهكذا نرى أن الحب الجارف عندما يتجاوز حده ينتهي إلى الإساءة المطلقة والشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده ومن هنا نطلق مرةً أخرى لفكرة التصحيح ولمقارعة الأوهام التي نسجت حول الإمام " علي " وسائر أئمة الشيعة، حقاً لقد وضعوا حول الشمس نجوماً خافتة وزعموا أنها تزيد الشمس إشراقاً وتوهجاً فكان شأنهم شأن أولئك الذين وصفهم الله بقوله:﴿ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً﴾ ومع أننا نعتقد أن أغلب الروايات الموضوعة عن الأئمة وضعت بعد الغيبة الكبرى وهو العصر الذي نسميه بعصر الصراع الأول بين الشيعة والتشيع، إلا أن المتتبع المنصف لا يجد بداً من القول إن في عهد أئمة الشيعة أيضاً وضعت روايات عنهم كما أن وضع أحاديث عن الرسول الكريم﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ كان يشغل بال المسلمين بعد عصر الرسالة غير أن الروايات الموضوعة التي كانت تنسب إلى أئمة الشيعة في حال حياتهم لم تكن ذات أبعاد خطيرة بسبب وجودهم بين الناس واستطاعة الناس من الوصول إليهم والسؤال عنها وهذا هو الإمام " الصادق " يروي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال:﴿ إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه ﴾ ويقول " ابن أبي يعفور " أنه سأله الإمام " الصادق " عن اختلاف الحديثين يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به فقال:﴿ وإذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وإلا فالذي جاءكم به أولى به﴾ ويروي " ابن أبي عمير " عن الإمام " الصادق " أيضاً أنه قال:﴿ من خالف كتب الله وسنة محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقد كفر .﴾ ويقول الإمام في مكان آخر:﴿ كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف.﴾ وهكذا وضع الإمام " الصادق " الطريق للفصل بين الأحاديث الصحيحة والموضوعة وهكذا الفصل بين الروايات الصحيحة والكاذبة حتى يسد الباب على البدع التي تظهر في الدين وباسم الدين.
وقبل أن أنهي هذا البحث أود أن أشير أيضاً إلى أن بعض علماء الشيعة تحدث في كتبه عن مصحف " فاطمة " مضافاً إلى مصحف " علي " وموقفنا من هذا الرأي هو الرأي نفسه في مصحف " علي " وفيما أسلفناه الكفاية.
الجمع بين الصلاتين
إقامة الصلوات في أوقاتها اقتداءً بسيرة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والقرآن الكريم يقول: ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ﴾
الجمع بين الصلاتين:
تنفرد الشيعة الإمامية بالجمع بين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء في الحضر وموقفي من هذا الخلاف الفقهي يختلف تماماً عن غيره من المسائل الفقهية إلا أن هذه الظاهرة التي تنفرد بها الشيعة قد تضر بالوحدة الإسلامية الكبرى ولا سيما أن الأكثرية من فقهاء الشيعة يفتون باستحباب إتيان الصلوات في أوقاتها المحددة ولكن من الناحية العملية يذهبون إلى الجمع وقد جرت العادة في مساجد الشيعة على هذا النحو أيضاً، والصلوات الخمس فرضت لأوقات محددة وسميت بها فوقت العصر يختلف عن الظهر والعشاء من الناحية الزمانية يختلف عن المغرب ولا شك أن هناك حكمة بالغة إلهية في فرض الصلوات في هذه الأوقات الخمسة وجعلها عمود الدين ومن أهم الشعائر الإسلامية، وكان الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ يصلي في مسجده بالمدينة في الأوقات الخمسة وهكذا الخلفاء من بعده بما فيهم الإمام " علي " وهكذا كانت سيرة أئمة الشيعة، وإذا ما جمع الرسول﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ بين الصلاتين مرةً أو مرتين في غير سفر فقد كان لضرورة أو للترخيص أما عمله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ فكان هو الالتزام بالأوقات الخمسة.
وليت شعري أن أعرف هل هناك سبب يجدي بالخير في التظاهر بهذا الاختلاف مع الأكثرية الساحقة من المسلمين أم أنه عمل سنَّه أناس كان غرضهم عزل الشيعة عن كل مظاهر الوحدة؟ ثم سار عليه الفقهاء وأئمة المساجد وهم يعلمون أو لا يعلمون ونحن في العملية التصحيحية نهتم بجمع الشمل من الناحية النظرية والعملية على السواء ورسالتنا هي القضاء الأبدي على كل مظاهر الفرقة الفكرية والعملية وكل ما يدور حولهما وهذا لا يتم إلا بالعودة إلى عصر الرسالة والتمسك بسنة رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ على الطريقة التي كان﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ يؤديها ولا أعتقد أنه يوجد بين المسلمين شخص واحد يفضل على عمل رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ وسنته عمل الآخرين وآراءهم ومن هنا نحن نهيب بأئمة مساجد الشيعة وبالشيعة أنفسهم أن يلتزموا بالصلوات في أوقاتها ويضعوا نصب أعينهم الصلوات الخمس التي كان رسول الله﴿صلى الله تعالى عليه وآله وسلم﴾ يؤديها في مسجده بالمدينة ومعه صحابته من المهاجرين والأنصار وأن لا يشذوا عن طريق رسمه للمسلمين نبي الإسلام ففي الاقتداء به وبسنته عزهم وكرامتهم وشوكتهم وهذا هو الإمام " علي " يكتب إلى أمراء البلاد حول الصلاة وأوقاتها وقد جاء في كتابه:﴿ أما بعد: فصلوا بالناس الظهر حتى تفيء الشمس من مربض العنز وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية ...... وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم ...... وصلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire