الحبيب عاشور
الحبيب عاشور ولد بقرية العباسية بجزر قرقنة يوم 25 فيفري 1913 وتوفي يوم 14 مارس 1999 بتونس العاصمة، قيادي نقابي تونسي.
عمل موظفا ببلدية صفاقس، وكان إلى جانب فرحات حشاد أحد مؤسسي اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب عام 1944 ثم الاتحاد العام التونسي للشغل عام 1946.
تولى المسؤولية الأولى في الاتحاد ثلاث مرات:
كان الحبيب عاشور خلال العهد الاستعماري وراء الإضراب العام بمدينة صفاقس الذي أدى إلى مصادمات مع القوات الاستعمارية الفرنسية يوم 5 أوت 1947 والتي سقط خلالها العشرات بين قتلى وجرحى، وألقي عليه القبض ولم يطلق سراحه إلا عام 1954.
كان الحبيب عاشور خلال العهد الاستعماري وراء الإضراب العام بمدينة صفاقس الذي أدى إلى مصادمات مع القوات الاستعمارية الفرنسية يوم 5 أوت 1947 والتي سقط خلالها العشرات بين قتلى وجرحى، وألقي عليه القبض ولم يطلق سراحه إلا عام 1954.
كما دخل السجن بعد الاستقلال أكثر من مرة أولاها عام 1965 حيث
كانت الحكومة تسعى إلى إبعاده عن قيادة المنظمة النقابية.
وفيما بين 1978
و1980 إثر دعوته إلى الإضراب العام والتي أدت إلى أحداث 26 جانفي 1978
الدامية.
كما دخل السجن من جديد عام 1985 لإبعاده عن السعي إلى خلافة
الحبيب بورقيبة.
الحبيب عاشور يروي ملابسات مؤتمر 55
أشرنا في حلقات سابقة إلى استفحال الخلاف البورقيبي - اليوسفي حول اتفاقيات الحكم الذاتي.
ونتعرّف في هذه الحلقة على الدور الحيوي الذي اضطلعت به المنظمة الشغيلة، وخاصة الحبيب عاشور الذي كان وراء تنظيم مؤتمر صفاقس في نوفمبر 1955 وهو المؤتمر الذي حسم الموقف لصالح الزعيم الحبيب بورقيبة. ويذكر الزعيم النقابي الحبيب عاشور في هذا الصدد:
«في إحدى الليالي من أواخر صائفة 1955 زارني في منزلي بصفاقس بعض قادة المقاومة اليوسفية لإقناعي بصحّة موقفهم حتّى أكون معهم أو أقف على الأقل على الحياد، فبقيت خمس ساعات أحاول إقناعهم بأنّ بورقيبة على صواب إلى حدّ الآن وأنّ من واجبنا أن نثق في آرائه وأنّ المكاسب التي توصّلنا إليها بكفاحنا تمثّل حقّا خطوة إلى الأمام لا إلى الوراء كما كانوا يؤكّدون.
وقد علمت فيما بعد
أن ّ أحدهم قال لرفاقه: «لا فائدة. يجب قتله قبل الخروج».
ولقد كان المدعو
جاء باللّه، من الجماعة اليوسفيين الذين زاروني، وكان من أشدّهم عنفا ضد
بورقيبة وهو الذي عُيّن لاغتياله في قفصة.
وقد اعترف أمام بورقيبة بأنّه أثناء اللّيلة السّابقة لموعد الاغتيال، أخذ
يفكّر في الحديث الذي دار في منزلي وانتهى إلى الاقتناع بكلامي، وبدل أن
يغتال بورقيبة سلّمه السّلاح المعدّ للجريمة وهو ويقول: «بعد تفكير عميق
اقتنعت بأنّ الحبيب عاشور كان على حقّ».
إنّ مؤتمر الحزب الذي انعقد بصفاقس في 15 نوفمبر 1955 قد كان نتيجة اقتراح منّي على بورقيبة في وقت كانت فيه الجامعة الدستورية بالعاصمة بأكملها إلى جانب بن يوسف.
وكان بورقيبة يقول
لي إنّه لم يعد يستطيع الخروج لا لعقد اجتماع ولا حتّى لإجراء أدنى اتصال
بالشعب، وقال لي أيضا: «إنّه لن ينقذني إلا عقد مؤتمر ولكن كم هو مستحيل.».
عند ذلك قلت له بحضور محمد كريّم: «أعقده بصفاقس، وأنا مسؤول عنه.»
فَفَرَك بورقيبة يديه بسرور وانشراح وقال: «حقّا يا حبيب؟».
ثم قال: «اتّفقنا، لي ثقة فيك، فَلْتَعْقِدْه في صفاقس».
وانعقد المؤتمر فعلا في أحسن الظروف، وقد حَمَاهُ نحو ألفي عامل، وكان ذلك نقطة انطلاق نجاح بورقيبة».
وانعقد المؤتمر فعلا في أحسن الظروف، وقد حَمَاهُ نحو ألفي عامل، وكان ذلك نقطة انطلاق نجاح بورقيبة».
(من بيان للحبيب عاشور نشرته جريدة «الصّباح»
غداة استقالته من الحزب الاشتراكي الدستوري يوم 10 جانفي 1978 تحت عنوان:
«بعض الحقائق التاريخية».).
الرّقي الاجتماعي
عند انعقاد مؤتمر صفاقس، كان المؤتمرون منشغلين أساسا بترجيح الكفّة حزبيا لفائدة بورقيبة، ولم يكترثوا بالنواحي المذهبية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وما تسرّب في اللائحتين الاقتصادية والاجتماعية من توجّهات تضمّنتها اللائحة الاجتماعية بما نصّتْ عليه من «أن الرقي الاجتماعي أساس للازدهار الاقتصادي وان رضى الطبقات الشعبية وتحمّسها لإقامة نظام جديد هو خير ضمان لنجاح المشروع الاقتصادي وأن المؤتمر يطلب من الديوان السياسي والحكومة أن يعملا على تحقيق الرقي الاجتماعي».
حقّ الإضراب
ولعل من أهم ما نصّت عليه اللائحة الاجتماعية «احترام الحقوق النقابية وإقرار حق الاضراب في جميع ميادين الشغل».
كان أحمد بن صالح آنذاك يشغل خطة الكاتب العام للاتحاد العام التونسي للشغل وقد جاء في كلمته أمام المؤتمرين: «لأوّل مرّة ينعقد مؤتمر الحركة التحريرية الظافرة لتخرج من هنا ببرامج واضحة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها (...).
إنّ على هذا المؤتمر الذي نترقّب نتائجه بلهفة وحماس أن يصهر الوطنية في برامج سياسية واقتصادية وثقافية ترضي جميع الطبقات المخلصة في البلاد (...)
الرّقي الاجتماعي
عند انعقاد مؤتمر صفاقس، كان المؤتمرون منشغلين أساسا بترجيح الكفّة حزبيا لفائدة بورقيبة، ولم يكترثوا بالنواحي المذهبية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وما تسرّب في اللائحتين الاقتصادية والاجتماعية من توجّهات تضمّنتها اللائحة الاجتماعية بما نصّتْ عليه من «أن الرقي الاجتماعي أساس للازدهار الاقتصادي وان رضى الطبقات الشعبية وتحمّسها لإقامة نظام جديد هو خير ضمان لنجاح المشروع الاقتصادي وأن المؤتمر يطلب من الديوان السياسي والحكومة أن يعملا على تحقيق الرقي الاجتماعي».
حقّ الإضراب
ولعل من أهم ما نصّت عليه اللائحة الاجتماعية «احترام الحقوق النقابية وإقرار حق الاضراب في جميع ميادين الشغل».
كان أحمد بن صالح آنذاك يشغل خطة الكاتب العام للاتحاد العام التونسي للشغل وقد جاء في كلمته أمام المؤتمرين: «لأوّل مرّة ينعقد مؤتمر الحركة التحريرية الظافرة لتخرج من هنا ببرامج واضحة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها (...).
إنّ على هذا المؤتمر الذي نترقّب نتائجه بلهفة وحماس أن يصهر الوطنية في برامج سياسية واقتصادية وثقافية ترضي جميع الطبقات المخلصة في البلاد (...)
http://www.turess.com/alhiwar/4257
في الصراع الذي شقّ الحزب الدستوري حول وثيقة الإستقلال الداخلي سنة
1955، ساند الإتحاد شق بورڨيبة على حساب صالح بن يوسف و تواصل التقارب بين
الشق المنتصر من الدستور و الإتحاد إلى حد تسمية عدد من الكوادر النقابية
في أول حكومة إستقلال و كان أحمد بن صالح الذي كان أمينا عامّا للإتحاد
المثال الأوضح على هذه العلاقة، فكان وزيرا للصحة قبل أن
يتولّى قيادة الوزارات الإقتصادية وكان مهندس سياسة التعاضد و التي إنتهت بالفشل الذريع و محاكمته و حبسه
يتولّى قيادة الوزارات الإقتصادية وكان مهندس سياسة التعاضد و التي إنتهت بالفشل الذريع و محاكمته و حبسه
بعد فشل تجربة التعاضد و تطور الحركات الإجتماعية، و رغم قرب بعض قيادات الإتحاد من السلطة، فإنه قرر الإضراب العام
يوم 26 جانفي 1978، و سقط العشرات من الشهداء في المواجهة، و أصبح بالتالي الإتحاد العام التونسي للشغل أقوى « معارض » للسلطة في غياب بديل يساري ملتحم بالشعب إلى جانب حركة إسلامية كانت تهادن السلطة آنذاك و تساندها من حين لأخر
يوم 26 جانفي 1978، و سقط العشرات من الشهداء في المواجهة، و أصبح بالتالي الإتحاد العام التونسي للشغل أقوى « معارض » للسلطة في غياب بديل يساري ملتحم بالشعب إلى جانب حركة إسلامية كانت تهادن السلطة آنذاك و تساندها من حين لأخر
في بداية الثمانينات راوح النظام التونسي بين الإنفتاح و القمع، و هو ما
أدى إلى إنفجار أحداث الخبز التي شاركت فيها قواعد الإتحاد العام التونسي
للشغل بنشاط مقابل موقف غير واضح من قبل قياداته، لكن هذا لم يشفع له و تمت
محاولة تصفيته نهائيا و حوكم الأمين العام الحبيب عاشور في قضية « كوسوب »
سنة 1985(و هي المحاكمة الثالثة له بعد 1965 و 1978) وكانت المحاكمات
طريقة بورڨيبة المثلى لإبعاد كل من يراه خطرا على حكمه أو حزبه
و يبقى الحبيب عاشور رمزا للإستقلالية في الإتحاد إلى جانب أحمد التليلي
الذي كان مساندا لحركات التحرر في إفريقيا، قائدا للكفاح المسلح ضد
الإستعمار، مقرّبا من الثورة الجزائرية و نائبا لرئيس السيزل (الجامعة
العالمية للنقابات الحرّة )، وكان حبيب عاشور مقرّبا من بورڨيبة و ساهم في
ترجيح كفته على حساب صالح بن يوسف لكنه كان معارضا لتصفيتهم جسديا وتعددت
الخلافات بين الشخصيتين وبقي النقابي في السجن حتى صعود بن على إلى الحكم
بعد التحول، صعد إسماعيل السحباني إلى الأمانة العامة و كان قريبا من
السلطة مساهما في تحجيم الدور النقابي في تونس، لكن النظام فتح ملف فساده
المالي سنة 2000 و تم سجنه و عوّضه عبد السلام جراد الذي تجاوز خطّا أحمرا
سنة 2004 من خلال مساندته لترشح بن علي في الإنتخابات الرئاسية، وساندت
قيادة الإتحاد التوجه الليبيرالي للحكومة وخصخصة بعض المؤسسات الوطنية دون
إعتبار لحقوق الشغالين كما تم تجميد كل النقابيين الذين حاولو التحرّك من
أجل الدفاع عن حقوق الطبقة الشغيلة (عدنان الحاجي على سبيل الذكر لا الحصر)
غير أن التاريخ أبى إلا أن يُذكر عبد السلام جراد كالأمين العام الذي سقط
في نيابته بن علي و حزب الدستور
للحكومة
للحكومة
الثورة: كانت القواعد و الكوادر الوسطي تساند الثورة
بطريقة نشيطة، و كانت المظاهرات تنطلق من المقرات الجهوية للإتحاد و يحتمي
بها كل من يريد أن يهرب من بطش البوليس غير أن القيادة لم تتخذ موقفا واضحا
(بل ولم تساند الوقفة الإحتجاجية في 25/12/2010 في ساحة محمد علي) وواصلت
الكوادر الجهوية تحركاتها إلى جانب الشعب و بقية القوى الحية حتى إسقاط بن
علي يوم 14 جانفي و كنس بقايا نظامه من خلال تحركات القصبة 1 و 2.
عموما كان الإتحاد العام التونسي للشغل تحت تناقض دائم منذ الإستقلال و
حتى الثورة: بيروقراطية نقابية طالما مكّنت السلطة من مقايضة القيادات
المتعاقبة من خلال تقديم تنازلات عن الحق العمالي أمام عدم فتح ملفات
فسادهم، و من ناحية الأخرى كان الإتحاد تحت ضغط نقابي كبير (و بالتالي
مطالب إجتماعية و سياسية عديدة) إلى جانب إلتحاق العديد من المعارضين
السياسيين به لإستحالة العمل السياسي في عهد المخلوع، فكانت الكفة تميل من
جهة إلى أخرى حتى كانت الغلبة للمناضلين في ثورة الحرية و الكرامة.
ما بعد الإنتخابات : بقي الإتحاد يحمل « أمراضا » عانى
منها سنينا طويلة تحت القمع، فلازالت البيروقراطرية تنخر جسده، و لازال
البعض يرى فيه مكونا حزبيا لا نقابيا قد يمكن من تحقيق التوازن المفقود في
الساحة السياسية التونسية، و هو ما يتعارض مع الرسالة النقابية النبيلة،
فهل سينجح الإتحاد العام التونسي للشغل في الرجوع إلى موقعه الأصلي؟
صابر عباس
أحداث 26 جانفي 1978: هكذا أسقط رصاص نظام بورقيبة 400 شهيد وأكثر من 1000 جريح....بقلم ياسين النابلي
26-01-2015 12:23
تفصلنا
اليوم أكثر من 3 عقود على ما يعرف بـ »الخميس الأسود »…وبالتحديد 37 سنة
على اندلاع أحداث 26 جانفي 1978 تاريخ المواجهة الدموية بين الشعب التونسي
ونظام الإستبداد البورقيبي…
رغم المسافات الطويلة التي باتت
تفصلنا عن هذه الأحداث لم يسقط ذاك « الخميس » من ذاكرة التونسيين…مازال
جاثما بعذاباته وتضحياته في مخيال الآلاف من المناضلات والمناضلين الذين
شهدوا الواقعة واكتووا بلهيب شتاء 1978…
يظن جلادو الأمس أنهم أسقطوا 26 جانفي من دفاتر التاريخ…ولكن
مازالت آثار الجريمة ماثلة إلى اليوم…حفظتها أجيال من النقابيين والسياسيين
عن ظهر قلب…
الأسباب متشعبة والوقائع والشخوص لا
تحصى ولاتعد…ولكن هذا لا يمنعك من إعادة تركيب صورة تتسق فيها مشاهد القمع
وأسماء الجلادين بإحكام…
وتنتظم داخلها أبعاد الصراع ومآلاته بوضوح…
400 شهيد ومئات الجرحى يسقطون برصاص النظام
مثلت بداية السبعينات منعرجا حاسما في
تاريخ تونس المعاصر حيث شهدت البلاد أزمة متشابكة الأبعاد لا مست كل
المجالات تقريبا…وقد كان الانسداد السياسي والاجتماعي والاقتصادي سمة طاغية
على المشهد…
وأصبحت فئات واسعة من الشعب تتذمر من غلاء المعيشة ومن
الإجراءات اللاشعبية التي اتخذتها حكومة الهادي نويرة آنذاك…
حتى النظام
السياسي كان منقسما على نفسه حيث بدأت تلوح بوضوح داخله مسألة صراع الأجنحة
حول خلافة بورقيبة المريض والعجوز….
أحداث 26 جانفي 1978 كانت الذروة العليا
لهذه الأزمة وكان الاتحاد العام التونسي للشغل المحرك الرئيسي لها…
حيث بدأ
النقابيون منذ صائفة 1977 في الدعوة إلى الإضرابات وتنظيم صفوف العمال
والكادحين وطفق الخطاب النقابي يأخذ منحا أكثر تصعيدا إزاء السلطة…وقد كانت
مظاهرة صفاقس يوم 9 سبتمبر 1977 وإضراب عمال شركة « سوجيتاكس » بقصر هلال
يوم 10 أكتوبر أهم التتحركات التي أغضبت نظام بورقيبة وجعلته يشن حملة
ممنهجة على النقابيين وعلى مقرات الإتحاد…
وقد مهد هذا التصعيد
« الفاشستي » إلى انعقاد المجلس الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل أيام
8و9 و10 جانفي 1978 وصرح خلاله الأمين العام للاتحاد الحبيب بن عاشور
بالانسحاب من اللجنة المركزية للحزب الحاكم وبانسداد قنوات الحورا مع
النظام، ثم تلا ذلك انعقاد الهيئة الإدارية يوم 22 جانفي 1978 والتي قررت
الإضراب العام يوم الخميس 26 جانفي 1978.
فصول حكاية 26 جانفي 1978 يطغى عليها أزيز
الرصاص وتخيم على مساحاتها شتى ألوان التنكيل والتعذيب…حيث قرر نظام
بورقيبة مواجهة المواطنين العزل والسلميين بالرصاص والاعتقال…وقد دخل الجيش
كلاعب جديد في إدارة الصراع الاجتماعي والسياسي…
حيث احتل الشوارع وفتح
النار على العديد من المتظاهرين، وقد بلغ عدد الشهداء حسب تقارير مستقلة
أكثر من 400 وبلغ عدد الجرحى حوالي 1000 عكس ما أعلنت عنه حكومة الهادي
نويرة التي أشار إلى سقوط 52 قتيل و365 جريح …
ثم بدأت السلطة في شن حملات
اعتقال واسعة للقيادات المركزية والوسطى للاتحاد و لكل من سولت له نفسه
المجاهرة بمعارضة نظام القمع….
ثم تلت ذلك المحاكمات التي لم يحترم فيها
النظام أدنى شروط المحاكمات العادلة…
وفاحت رائحة التعذيب من أقبية الاعتقال
ومن زنازين النظام حيث مات بعض النقابيين تحت التعذيب أو بسببه من بينهم
الشهيد سعيد قيقة…
الكولونيل بن علي ومحمد الصياح أبرز الجلادين
وأنت تبحث في دفاتر 26 جانفي 1978 وشخوصه
البارزين…
يتكرر أمامك بإلحاح اثنين من أبرز مهندسي هذه المجزرة….
هما
الكولولونيل والرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ومحمد الصياح مدير
الحزبالاشتراكي الدستوري آنذاك…
وقد صعد بن علي إلى سطح الأحذاث وساهم في
قمع المتظاهرين والتنكيل بهم بشدة عندما تم تعيينه مديرا للأمن آنذاك بعد
أن كان يشغل خطة كولونيل في الجيش…
وقد انتدبه وزير الداخلية الجديد عبدالله
فرحات بعد أن تم نقله من وزارة الدفاع وإقالة وزير الداخلية الأسبق الطاهر
بالخوجة…وقد كان فرحات يعرف بن علي عن كثب ويدرك متى تعطشه لإدارة الأزمة
الاجتماعية والسياسية عن طريق القمع…
وتشير العديد من الشهادات النقابية إلى
أن مدير الأمن زين العابدين بن علي أشرف بنفسه على تعذيب النقابيين
والتنكيل بهم في مراكز الإعتقال…هذا وقد جيء تزامنا مع الأحداث بوزير
داخلية جديد هو الضاوي حنابلية…
أما محمد الصياح، الذي يعد من أبرز رموز
الجناح « المتصلب » في نظام بورقيبة فقد استغل وجوده على رأس إدارة الحزب
الاشتراكي الدستوري الحاكم ليبعث خلايا « فاشستية » موازية لأجهزة الأمن
الرسمية عُرِفت آنذاك بمليشيات الصياح، وقد توزعت هذه المجموعات في مختلف
أنحاء البلاد وكانت تشارك في قمع المتظاهرين، كما كان لها دور كبير في
هرسلة النقابيين والاعتداء عليهم…
ومن بين رموز هذه العصابات المأجورة
اشتهر اسم « عبدالله المبروك الورداني » الذي هدد باغتيال الزعيم الحبيب بن
عاشور…وهو ما أثار غضب النقابيين وجعل السلطة تسارع إلى لملمة الأمر وقضت
بسجن هذا الأخير 4 أشهر…
وقد كان عبد الله المبروك من أصدقاء محمد الصياح
ومن المقربين للرئيس بورقيبة لأنه شارك مع « زرق العيون » في اغتيال الزعيم
صالح بن يوسف…
وقد حدثني أحد النقابيين الذين شهدوا
الأحداث أن محمد الصياح حوَّل مقر لجنة التنسيق الدستورية بباب بنات
بالعاصمة إلى معتقل لتعذيب النقابيين والنشطاء…
وقد مر الكثير منهم من
« صباط الظلام » وهو الكهف الموجود بمقر لجنة التنسيق بتونس وتعرضوا لشتى
انواع التنكيل…
وهو ذات الكهف الذي مر منه الكثير من اليوسفيين من قبلهم…
26 جانفي: انتصار بطعم الدم والجلادون لا يعترفون بالجريمة
كانت ملحمة 26 جانفي 1978 انتصارا حقيقيا
للحركة النقابية وللشعب التونسي رغم قمعها بالحديد والنار من قبل نظام
بورقيبة…
وقد زعزعزت الكثير من اليقينيات والتابوهات وقذفت في نهر الحياة
السياسية الكثيرمن المياه الجديدة…
وتراجع النظام خطوات إلى الوراء وكسب
الشغالون جزءا كبيرا من استقلاليتهم عن الحزب الحاكم…وبدأت سياسة الحزب
الواحد تتهاوى شيئا فشيئا…
والأبرز من ذلك أن الأحداث كشفت إفلاس النظام
ومهدت لأحداث الخبز في سنة 1984…
ورغم الجرائم المرتكبة ضد النقابيين وضد
الشعب إلا أن من مازال من الجلادين على قيد الحياة ما فتئ يتباهى بدوره في
الأحداث ومن بينهم محمد الصياح الذي قال في أحد حواراته بعد ثورة 14 جانفي
2011 عندما سئٍل عن أحداث 26 جانفي 1978 بأنه « لابد من محاسبة كل من روّج
هذا الكلام..
لم تكن لدينا اي ميليشيا وحتى من اسموهم بمجموعة الصياح
باعتباري مديرا للحزب لم يجدوا لها أثرا ونحن كوزراء لم نتدخل في ما
حدث »….
آنذاك بل تدخل الأمن والجيش عندما عمت الفوضى ذات خميس أسود
هكذا يتحدث أبرز مهندسي مجزرة 26 جانفي 1978 عن تضحيات الآلاف من التونسيين….
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire