منجي المازني
لا تكاد تمرّ مناسبة ذكرى ميلاد أو ذكرى وفاة أو أي مناسبة كانت إلاّ ويذكّرنا من يمثّلون بقايا الاستبداد بإنجازات
الرجل العظيم وعبقري زمانه والذي لم يجد الزمان بمثله ونحوها من الألقاب
من مثل الحقوقي الأول والزعيم الأوحد والمجاهد الأكبر... ليس هذا فحسب، بل
يفردون له مساحات واسعة في إعلام العار للحديث عن فكره وفلسفته في الحياة
وتواضعه اللاّمتناهي وإنجازاته العظيمة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها
ولا من خلفها. فما مدى صحة ما يقال عن هذا الرجل ؟
في حقيقة الأمر كل إنسان ولا سيما كل مسؤول وكل من تقلّد مناصب من أي نوع لابد وأن يكون قد أنجز أو ساهم في إنجاز عدد قليل أو كثير من الإنجازات. ولكنّ التقييم أو السؤال الحقيقي إنّما يجب أن يتمحور حول ما مدى ملائمة أو مطابقة الإنجازات للمسؤوليات وللسّلطات المخوّلة ولطول الفترة المتعلّقة بتولّي المسؤوليّة ذات العلاقة. فإنجازات رئيس دولة لا تقاس ولا تقيّم بعدد القناطر المنجزة والطرقات المعبّدة في المطلق. فهذه الأعمال هي بالدّرجة الأولى من فعل المختصّين، من مهندسين وكلّ المتدخّلين في القطاع. وإنّما تقاس إنجازات رئيس الدولة بنسبة النمو وبمدى النقلة والقفزة النوعية للبلاد ككل في كل المجالات وبرتبة الدولة التي تحتلّها بين الدّول وبمدى ما حقّقه الرئيس في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومن توفير لرفاهة المواطن.
ومن غرائب ومصائب إعلام العار أنّه يركّز على "حبّة" ليبنى منها قبّة. وينسى أو يتناسى ويتجاهل بقية "الحبّات" .في سياق متّصل، تابعت على قناة "التونسية" في برنامج "كلام الناس" نقاشا حول شخصية بورقيبة، حيث أورد ملحق صحفي بديوان الرئيس الحبيب بورقيبة شهادات حيّة تبيّن أن بورقيبة يحب الصّدق ويكره النفاق ويمقته. ومن الشهادات المذكورة ، أن الرّئيس بورقيبة حنق وغضب ذات مرّة من رئيس تحرير جريدة أطنب في تمجيده وتوجّه له معاتبا بالقول له "لقد أكثرت من النفاق يا هذا". وهذا الإخراج السّيء لمثل هذا المشهد يجعلنا نستنتج الحقيقة التالية : إمّا أن كل المشاركين في الحوار من السذّج الذين يصدّقون كل ما يروى لهم عن بورقيبة أو أنه قد ذهب في اعتقادهم أنهم بصدد تصوير مشهد لشعب ساذج يصدّق كل ما يروى له. وفي كلتا الحالتين فهم غير جديرين بالإحترام والثقة فيما يقولون. وإلاّ فبماذا نفسّر القصائد الشعرية وما سمّي بالمدائح الوطنية والسّلامية التي كانت تنظّم في بورقيبة وتذاع على القناة الوطنية. وبماذا نفسّر المقطع من النّشيد الوطني زمن بورقيبة الذي يقول "نخوض اللّهيب بروح الحبيب زعيم الوطن." لا بل، بماذا نفسّر إحتفالات عيد ميلاد بورقيبة التي تقام على مدى شهر كامل بالمنستير، وتقام خلالها العكاظيات للتنافس على مدح الرئيس حدّ التقديس والتأليه من مثل "لولاك ما زرقت علينا الشمس ولولاك ما.... !
لذلك، وخلافا لما قيل في البرنامج المذكور، فانّ أعظم "إنجازات" الرئيس بورقيبة أنه أنتج لنا جيلا كاملا من المنافقين نافقوه حيّا ولا يزالون يواصلون السير على درب النفاق، وزعيمهم قد مات، وذلك من أجل قضاء مآربهم لا غير. فلقد رحل عن الجماعة أبوهم الثاني وتركهم تائهين في الصّحراء، فبحثوا عن أب جديد لهم وعن مشروع جديد فلم يجدوا ما يسدّون به رمقهم وأيقنوا أنهم باتوا مفلسين لا برامج ولا أفكار ولا مشاريع ولا رصيد، فرجعوا بسرعة البرق إلى أبيهم الأول بعدما باعوه بأبخس الأثمان طيلة 23 سنة كاملة. الأحزاب تبني برامجها وآمالها بجهد الأحياء وهم يبنون برامجهم وطموحاتهم بجهد الأموات وإرثهم ، رغم تحفّظنا على هذا الإرث الذي كان غثّه اكثر من سمينه.
هذا الرئيس الذي يحاول أيتام بن علي تقديمه على أنه باني تونس الحديثة ومنقذها من التخلّف هو في حقيقة الأمر ارتكب ثلاث جرائم من النوع الثقيل:
الجريمة الأولى : الإخلال بالتوازن الجهوي
منذ أن استبد بورقيبة بالحكم، عمل على التفرقة بين الجهات والإخلال بالتوازن الجهوي. حيث أفرد لجهات معيّنة ومنها موطنه الأصلي ميزانية ضخمة ومشاريع كبرى ومؤسسات تعليمية وصحية واقتصادية هامة وترك جهات عديدة بدون تنمية وتحت خط الفقر طيلة فترة حكمه. فالتقارير تؤكّد أن نسبة البطالة تتراوح بين جهة وجهة من واحد إلى عدّة أضعاف )تصل أحيانا إلى عشرين ضعفا(. فكيف يدّعي بقايا الاستبداد أن بورقيبة قام بإنجازات عظيمة تحسب له، في حين أن الثورة قامت من أجل تحقيق الحرية والكرامة وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ومن أجل القضاء على التفاوت الجهوي الذي أسّس له وكرّسه الحبيب بورقيبة.
ومن أغرب ما يتغنى به القوم ويجادلون به الناس القول بأن بورقيبة لم يسرق ولو ملّيما واحدا ! فبماذا نسمّي تسخير ميزانية وإمكانيات ضخمة وتحويل ثروات طائلة من ثروات البلاد لخدمة موطنه الأصلي/ مسقط رأسه ؟ ألا يعتبر ذلك سرقة أموال الشعب لفائدة قومه وموطنه الأصلي ؟ قد يكون من الجدير الإشارة والتنبيه هنا إلى أن بورقيبة مصاب بما يعرف بجنون العظمة. فتونس بالنسبة إليه تعد بمثابة المزرعة الخاصة لطالما اعتبرها، بهذا المعنى، ملكا له لا ينازعه فيه أحد، ولذلك فهل يمكن لإنسان عاقل أن يسرق نفسه.
الجريمة الثانية : ممارسة الاستبداد والدكتاتورية على الناس.
واعتبارا إلى أنّ بورقيبة مصاب بجنون العظمة فانّه لا يسمح أن يشرك معه غيره في رسم الخطوط العريضة لتوجّهات الدولة. وكل مخطّط يتبين نجاحه من بعد يستأثر به وينسبه إلى نفسه وكل مشروع يتبين فشله فيما بعد يتنصّل منه وينسبه إلى غيره. ونذكر هنا سياسة التعاضد الفاشلة وكيف نسب كل الفشل إلى وزيره أحمد بن صالح رغم أنّه كان يشجّعه عليها. ونذكّر أيضا بقرار رفع الدعم عن الخبز وأحداث جانفي 1984 وكيف تنصّل بورقيبة من المسؤولية وألقى بتبعاتها على وزيره الأوّل أنذاك/ محمّد مزالي، وبدرجة أقلّ، على رئيس بلدية تونس، وقد قال عنهما "غلطوني".
يضاف إلى ما سبق، أنّ بورقيبة، كان قد سعى إلى فرض الاستبداد والدكتاتورية والتفرّد بالرأي وتزييف إرادة الجماهير في كل المحطّات الانتخابية. ولم يقبل بالرأي المخالف وبالتأسيس للدّيمقراطية حتى وهو يرتعش في أخريات حياته. فكان من نتائج استبداده الكارثيّة على البلاد أنه سلّم الدولة إلى نظام مافيوزي دكتاتوري بوليسي أشدّ قمع منه، حكمنا بالحديد والنار لثلاث وعشرين سنة كاملة. ومن مهازل التاريخ ومصائب معارضتنا أنّها شهّرت بالترويكا وعملت على الإطاحة بها معتبرة إيّاها قد فشلت في إدارة الوضع الانتقالي نظرا لحدوث عدة اغتيالات في الفترة الانتقالية. في حين عميت وتعامت المعارضة ذاتها عن كل الاغتيالات التي نفذها بورقيبة ، واشهرها أغتيال صالح بن يوسف، فتجاهلتها وركّزت وأثنت في المقابل، على سياساته التي وصفتها، دون وجه حقّ، بالحكيمة والرّشيدة في آن معا.
الجريمة الثالثة : محاربة هوية البلاد والعباد.
معلوم أنّ بورقيبة لا يؤمن بالإسلام كدين ولا يؤمن به كمنهج حياة وكموجّه أساسي في حياة الناس. بل كان يعتقد أن الإسلام هو سبب تخلّف المسلمين. وهو اعتقاد خاطئ بدليل نجاح النموذج الماليزي الذي يدحض هذا الاعتقاد جملة وتفصيلا. فماليزيا حافظت على إسلامها وأخذت بأسباب العلوم واستطاعت أن ترتقي إلى مصاف الدول المتقدمة من غير أن تتنكّر لا لهوية ولا لأصالة ولا لدين غالبية الشعب.
وكنتيجة لاعتقاده الخاطئ عمل بورقيبة منذ اليوم الأول لتولّيه السلطة على محاربة الإسلام محاربة شديدة. كما عمل كل ما في وسعه على تهميش الإسلام وتحييده وإبعاده عن سياسة شؤون الناس. بل عمل على محاصرة الفضيلة وإشاعة الرذيلة وفرضها على الناس فرضا بكل الطرق الممكنة. من حق بورقيبة أن لا يؤمن بالإسلام. قال الله تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ". ولكن ليس من حقه أن يفرض وجهة نظره ودينه وفلسفته في الحياة على شعب بأكمله بطريقة تعسّفيّة وبالإكراه. ففرض أفكار ومعتقدات تتجاوز المتفق عليه سياسيا واجتماعيا ودينيا بالقوة وبالإكراه هو عين الإرهاب. وبهذا المنطق يعتبر بورقيبة أكبر الإرهابيين. وبديهي أنّه يتعيّن على الدولة والثورة والثوار محاربة الإرهابيين وآثارهم. وذلك، بصرف النظر عن كونهم أحياءا أو أمواتا.
كان بإمكان بورقيبة أن يسعى في اقتراف كل جرائمه دون أن يتعسّف على معارضيه ومعارضي نمطه الاستبدادي. ولكنّه أبى إلا أن يوغل في التنكيل بمعارضيه فسعى لسحقهم دفعة واحدة إما باغتيالهم أو بمحاكمتهم والزجّ بهم في غياهب السجون لسنين طويلة. وهذه لعمري، تعدّ جريمة رابعة تضاف إلى ما سبق من جرائمه الشنيعة التي لم ولن يطويها الزمن رغم التقادم.
منجي المازني
في حقيقة الأمر كل إنسان ولا سيما كل مسؤول وكل من تقلّد مناصب من أي نوع لابد وأن يكون قد أنجز أو ساهم في إنجاز عدد قليل أو كثير من الإنجازات. ولكنّ التقييم أو السؤال الحقيقي إنّما يجب أن يتمحور حول ما مدى ملائمة أو مطابقة الإنجازات للمسؤوليات وللسّلطات المخوّلة ولطول الفترة المتعلّقة بتولّي المسؤوليّة ذات العلاقة. فإنجازات رئيس دولة لا تقاس ولا تقيّم بعدد القناطر المنجزة والطرقات المعبّدة في المطلق. فهذه الأعمال هي بالدّرجة الأولى من فعل المختصّين، من مهندسين وكلّ المتدخّلين في القطاع. وإنّما تقاس إنجازات رئيس الدولة بنسبة النمو وبمدى النقلة والقفزة النوعية للبلاد ككل في كل المجالات وبرتبة الدولة التي تحتلّها بين الدّول وبمدى ما حقّقه الرئيس في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومن توفير لرفاهة المواطن.
ومن غرائب ومصائب إعلام العار أنّه يركّز على "حبّة" ليبنى منها قبّة. وينسى أو يتناسى ويتجاهل بقية "الحبّات" .في سياق متّصل، تابعت على قناة "التونسية" في برنامج "كلام الناس" نقاشا حول شخصية بورقيبة، حيث أورد ملحق صحفي بديوان الرئيس الحبيب بورقيبة شهادات حيّة تبيّن أن بورقيبة يحب الصّدق ويكره النفاق ويمقته. ومن الشهادات المذكورة ، أن الرّئيس بورقيبة حنق وغضب ذات مرّة من رئيس تحرير جريدة أطنب في تمجيده وتوجّه له معاتبا بالقول له "لقد أكثرت من النفاق يا هذا". وهذا الإخراج السّيء لمثل هذا المشهد يجعلنا نستنتج الحقيقة التالية : إمّا أن كل المشاركين في الحوار من السذّج الذين يصدّقون كل ما يروى لهم عن بورقيبة أو أنه قد ذهب في اعتقادهم أنهم بصدد تصوير مشهد لشعب ساذج يصدّق كل ما يروى له. وفي كلتا الحالتين فهم غير جديرين بالإحترام والثقة فيما يقولون. وإلاّ فبماذا نفسّر القصائد الشعرية وما سمّي بالمدائح الوطنية والسّلامية التي كانت تنظّم في بورقيبة وتذاع على القناة الوطنية. وبماذا نفسّر المقطع من النّشيد الوطني زمن بورقيبة الذي يقول "نخوض اللّهيب بروح الحبيب زعيم الوطن." لا بل، بماذا نفسّر إحتفالات عيد ميلاد بورقيبة التي تقام على مدى شهر كامل بالمنستير، وتقام خلالها العكاظيات للتنافس على مدح الرئيس حدّ التقديس والتأليه من مثل "لولاك ما زرقت علينا الشمس ولولاك ما.... !
لذلك، وخلافا لما قيل في البرنامج المذكور، فانّ أعظم "إنجازات" الرئيس بورقيبة أنه أنتج لنا جيلا كاملا من المنافقين نافقوه حيّا ولا يزالون يواصلون السير على درب النفاق، وزعيمهم قد مات، وذلك من أجل قضاء مآربهم لا غير. فلقد رحل عن الجماعة أبوهم الثاني وتركهم تائهين في الصّحراء، فبحثوا عن أب جديد لهم وعن مشروع جديد فلم يجدوا ما يسدّون به رمقهم وأيقنوا أنهم باتوا مفلسين لا برامج ولا أفكار ولا مشاريع ولا رصيد، فرجعوا بسرعة البرق إلى أبيهم الأول بعدما باعوه بأبخس الأثمان طيلة 23 سنة كاملة. الأحزاب تبني برامجها وآمالها بجهد الأحياء وهم يبنون برامجهم وطموحاتهم بجهد الأموات وإرثهم ، رغم تحفّظنا على هذا الإرث الذي كان غثّه اكثر من سمينه.
هذا الرئيس الذي يحاول أيتام بن علي تقديمه على أنه باني تونس الحديثة ومنقذها من التخلّف هو في حقيقة الأمر ارتكب ثلاث جرائم من النوع الثقيل:
الجريمة الأولى : الإخلال بالتوازن الجهوي
منذ أن استبد بورقيبة بالحكم، عمل على التفرقة بين الجهات والإخلال بالتوازن الجهوي. حيث أفرد لجهات معيّنة ومنها موطنه الأصلي ميزانية ضخمة ومشاريع كبرى ومؤسسات تعليمية وصحية واقتصادية هامة وترك جهات عديدة بدون تنمية وتحت خط الفقر طيلة فترة حكمه. فالتقارير تؤكّد أن نسبة البطالة تتراوح بين جهة وجهة من واحد إلى عدّة أضعاف )تصل أحيانا إلى عشرين ضعفا(. فكيف يدّعي بقايا الاستبداد أن بورقيبة قام بإنجازات عظيمة تحسب له، في حين أن الثورة قامت من أجل تحقيق الحرية والكرامة وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ومن أجل القضاء على التفاوت الجهوي الذي أسّس له وكرّسه الحبيب بورقيبة.
ومن أغرب ما يتغنى به القوم ويجادلون به الناس القول بأن بورقيبة لم يسرق ولو ملّيما واحدا ! فبماذا نسمّي تسخير ميزانية وإمكانيات ضخمة وتحويل ثروات طائلة من ثروات البلاد لخدمة موطنه الأصلي/ مسقط رأسه ؟ ألا يعتبر ذلك سرقة أموال الشعب لفائدة قومه وموطنه الأصلي ؟ قد يكون من الجدير الإشارة والتنبيه هنا إلى أن بورقيبة مصاب بما يعرف بجنون العظمة. فتونس بالنسبة إليه تعد بمثابة المزرعة الخاصة لطالما اعتبرها، بهذا المعنى، ملكا له لا ينازعه فيه أحد، ولذلك فهل يمكن لإنسان عاقل أن يسرق نفسه.
الجريمة الثانية : ممارسة الاستبداد والدكتاتورية على الناس.
واعتبارا إلى أنّ بورقيبة مصاب بجنون العظمة فانّه لا يسمح أن يشرك معه غيره في رسم الخطوط العريضة لتوجّهات الدولة. وكل مخطّط يتبين نجاحه من بعد يستأثر به وينسبه إلى نفسه وكل مشروع يتبين فشله فيما بعد يتنصّل منه وينسبه إلى غيره. ونذكر هنا سياسة التعاضد الفاشلة وكيف نسب كل الفشل إلى وزيره أحمد بن صالح رغم أنّه كان يشجّعه عليها. ونذكّر أيضا بقرار رفع الدعم عن الخبز وأحداث جانفي 1984 وكيف تنصّل بورقيبة من المسؤولية وألقى بتبعاتها على وزيره الأوّل أنذاك/ محمّد مزالي، وبدرجة أقلّ، على رئيس بلدية تونس، وقد قال عنهما "غلطوني".
يضاف إلى ما سبق، أنّ بورقيبة، كان قد سعى إلى فرض الاستبداد والدكتاتورية والتفرّد بالرأي وتزييف إرادة الجماهير في كل المحطّات الانتخابية. ولم يقبل بالرأي المخالف وبالتأسيس للدّيمقراطية حتى وهو يرتعش في أخريات حياته. فكان من نتائج استبداده الكارثيّة على البلاد أنه سلّم الدولة إلى نظام مافيوزي دكتاتوري بوليسي أشدّ قمع منه، حكمنا بالحديد والنار لثلاث وعشرين سنة كاملة. ومن مهازل التاريخ ومصائب معارضتنا أنّها شهّرت بالترويكا وعملت على الإطاحة بها معتبرة إيّاها قد فشلت في إدارة الوضع الانتقالي نظرا لحدوث عدة اغتيالات في الفترة الانتقالية. في حين عميت وتعامت المعارضة ذاتها عن كل الاغتيالات التي نفذها بورقيبة ، واشهرها أغتيال صالح بن يوسف، فتجاهلتها وركّزت وأثنت في المقابل، على سياساته التي وصفتها، دون وجه حقّ، بالحكيمة والرّشيدة في آن معا.
الجريمة الثالثة : محاربة هوية البلاد والعباد.
معلوم أنّ بورقيبة لا يؤمن بالإسلام كدين ولا يؤمن به كمنهج حياة وكموجّه أساسي في حياة الناس. بل كان يعتقد أن الإسلام هو سبب تخلّف المسلمين. وهو اعتقاد خاطئ بدليل نجاح النموذج الماليزي الذي يدحض هذا الاعتقاد جملة وتفصيلا. فماليزيا حافظت على إسلامها وأخذت بأسباب العلوم واستطاعت أن ترتقي إلى مصاف الدول المتقدمة من غير أن تتنكّر لا لهوية ولا لأصالة ولا لدين غالبية الشعب.
وكنتيجة لاعتقاده الخاطئ عمل بورقيبة منذ اليوم الأول لتولّيه السلطة على محاربة الإسلام محاربة شديدة. كما عمل كل ما في وسعه على تهميش الإسلام وتحييده وإبعاده عن سياسة شؤون الناس. بل عمل على محاصرة الفضيلة وإشاعة الرذيلة وفرضها على الناس فرضا بكل الطرق الممكنة. من حق بورقيبة أن لا يؤمن بالإسلام. قال الله تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ". ولكن ليس من حقه أن يفرض وجهة نظره ودينه وفلسفته في الحياة على شعب بأكمله بطريقة تعسّفيّة وبالإكراه. ففرض أفكار ومعتقدات تتجاوز المتفق عليه سياسيا واجتماعيا ودينيا بالقوة وبالإكراه هو عين الإرهاب. وبهذا المنطق يعتبر بورقيبة أكبر الإرهابيين. وبديهي أنّه يتعيّن على الدولة والثورة والثوار محاربة الإرهابيين وآثارهم. وذلك، بصرف النظر عن كونهم أحياءا أو أمواتا.
كان بإمكان بورقيبة أن يسعى في اقتراف كل جرائمه دون أن يتعسّف على معارضيه ومعارضي نمطه الاستبدادي. ولكنّه أبى إلا أن يوغل في التنكيل بمعارضيه فسعى لسحقهم دفعة واحدة إما باغتيالهم أو بمحاكمتهم والزجّ بهم في غياهب السجون لسنين طويلة. وهذه لعمري، تعدّ جريمة رابعة تضاف إلى ما سبق من جرائمه الشنيعة التي لم ولن يطويها الزمن رغم التقادم.
منجي المازني
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire