مأساة العقل في الإسلام :غيلان الدمشقي مؤسس الفكر الديمقراطي في التاريخ الإسلامي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمر العالم العربي والإسلامي
هذه الأيام بواحدة من أصعب المراحل التاريخية التي مر منها, حيث يعيش في
حالة من التيه والفوضى وعدم الاستقرار وانعدام الرؤيا الواضحة والتخطيط
للمستقبل...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي نتيجة عدة عوامل أبرزها الاستبداد السياسي والحرب الأهلية
الداخلية التي مازالت مشتعلة منذ مقتل عثمان بن عفان (ض) إلى اليوم, زد على
ذلك الأطماع الخارجية والحروب المتتالية التي لا تتوقف...
ــــــــــــــــــــــ
باختصار إنها
حالة من الانحطاط الشامل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن يحاول تقصي جذور هذه الوضعية يجد أنها
جاءت نتيجة تراكم المشاكل والإخفاقات المتتالية على جميع الأصعدة, وعلى
رأسها الإخفاقات الفكرية و خصوصا في الفكر السياسي حيث لم تنتج المدارس
الإسلامية باختلاف انتماءاتها, إلا الاستبداد السياسي سواء تحت اسم صاحب
الشوكة (عند السنة) أو الإمام المعصوم (عند الشيعة) أو الإرهاب السياسي(عند
الخوارج)...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن هذا لا يعني أن الفكر السياسي عند المسلمين لم يستطع
إنتاج بديل آخر غير الاستبداد أو الفوضى ( وهي المقابلة الشهيرة بين
المفهومين والتي ظلت جاثمة على العقل المسلم إلى الآن, رغم أن كلاهما من
طبيعة واحدة...), ففي خضم الحرب الأهلية التي أعقبت الصراع الدموي على
الخلافة وانقسام المسلمين إلى طوائف وأحزاب مختلفة كل واحدة تدعي أحقيتها
في الوصول إلى السلطة, مستخدمة في سبيل ذلك كل الوسائل الممكنة...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالأمويون روجوا لأيديولوجيا القضاء والقدر والإرادة الإلهية, في حين تبنى
الشيعة مفاهيم الوصية والعصمة, أما الخوارج فقد ظلوا أوفياء لأيديولوجيا
التكفير والإرهاب السياسي...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي ظل هذه الحالة المجنونة والدموية (الحرب
الأهلية الشاملة) ظهر تيار آخر مختلف جدا عن بقية الطوائف الأخرى, تيار حمل
لواء العقل والحرية والعدالة... إنها حركة التنوير في الفكر الإسلامي,
والتي يسميها مؤرخو الفرق الأشاعرة, بالقدرية الأوائل والمرجئة و
المعتزلة...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و من أوائل هؤلاء وأبرزهم غيلان الدمشقي ( قتل سنة 125
هجرية), الذي يمكن اعتباره الأب الحقيقي لحركة التنوير وواحدا من أهم منظري
الفكر السياسي في التاريخ الإسلامي, إن لم نقل بأنه أهمهم جميعا مادام هو
الذي أسس للفكر الديمقراطي ودافع عنه ودفع حياته ثمنا لذلك. يروي البغدادي
أن الحسن بن محمد بن الحنفية كان يقول عن غيلان بأنه " حجة الله على أهل
الشام ولكن الفتى مقتول...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " وهي شهادة من إسلامي كبير تشهد لغيلان
بمكانته الدينية الكبيرة وتتنبأ بمصيره... أما الذهبي فيقول عنه " غيلان بن
غيلان المقتول في القدر. ضال مسكين...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)" فمؤرخو الفرق يضعون غيلان
الدمشقي ضمن فرقة يسمونها القدرية ( معبد الجهني وغيلان الدمشقي وعمر
المقصوص والجعد بن درهم...) وهم الذين دافعوا عن حرية الإنسان وعن العدالة
رافضين بذلك أيديولوجيا القدر التي روج لها الأمويون لتبرير استيلائهم على
السلطة...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد ظل الأمويون يبطشون بهؤلاء منذ معبد الجهني ( قتل سنة 80
هجرية ) وغيلان الدمشقي, بطشا شديدا ويسمونهم " القدرية " وهي التسمية
التي انتقلت إلى القاموس الفكري لأهل الحديث الذين لم يجدوا صعوبة في
العثور على أحاديث ( أو بالأحرى اختلاقها ) يروونها عن الرسول (ص) في ذم
القدرية (هكذا بهذا الاسم المستحدث) وتكفيرهم ووصفهم بأنهم " مجوس هذه
الأمة ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان غيلان يقود المعارضة ضد الأمويين في الشام, وكان ينتقد
الدولة الأموية وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية والمالية, فضلا عن
عقيدتها الجبرية المعادية للحرية, والتي كانت تتأسس عليها شرعيتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لذلك
كان غيلان من أشد المدافعين عن حرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله( وهو ما
كان الأمويون ومعهم أصحاب الحديث يحاولون التهرب منه), وهو ما جعله يتبنى
وجهة نظر ديمقراطية في قضية الحكم, ففي الوقت الذي كان فيه الجميع يشترطون "
القرشية " للحكم, كان غيلان يرفضها فهي عنده ليست شرطا للإمامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" بل
تصلح لغير قريش. وكل من كان قائما بكتاب الله والسنة كان مستحقا لها. وهي
لا تثبت إلا بإجماع الأمة... (3)" .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إننا هنا أمام بوادر الفكر الديمقراطي
فغيلان يرفض احتكار السلطة من طرف فئة واحدة ( قريش ), كما أنه يجعل الشعب
مصدر السلطة ( وهو أساس فكرة الديمقراطية ) مشترطا إجماع الناس واختيارهم
الحر لتولي الحاكم, كما أنه يعتبره تعاقدا على أساس الكتاب والسنة وبالتالي
يجوز للناس خلع الحاكم حينما يخل بشروط التعاقد السياسي, وعلى رأسها
العدل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو مفهوم استمده غيلان من نظريته عن العدل الإلهي والذي يقتضي " أن
الله تعالى لو عفا عن عاصي يوم القيامة عفا عن مؤمن عاصي هو في مثل حاله.
وإن أخرج من النار واحدا أخرج من هو في مثل حاله... (4) ".
وهذا المفهوم عن
العدل الإلهي لم يحظ بترحيب الحكام الأمويين الذين وجدوا من أهل الحديث من
يروي لهم الروايات في أن الخلفاء لا يحاسبون يوم القيامة مهما اقترفوا من
الذنوب والمعاصي...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأنهم ليسوا من طينة الرعية, فكان الوليد بن عبد الملك
يقول:" لا ينبغي لخليفة أن يناشد أو يكذب ولا يسميه أحد باسمه... (5) ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد
كانت اعتراضات غيلان الدمشقي على السياسة المالية للأمويين من الجذرية إلى
درجة التحريض على الثورة (6) ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعندما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة
التجأ إلى غيلان لإعانته على تطبيق إصلاحاته السياسية والاقتصادية ( والتي
كانت وراء وصفه بالخليفة العادل وخامس الخلفاء الراشدين...) رغم أنه لم
يتبن أفكاره...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتنقل لنا المصادر التاريخية رسالة من غيلان إلى عمر بن
عبد العزيز أرسلها له بعد أن أحس منه التهاون في تطبيق إصلاحاته تحت ضغط
أبناء عمومته من الأرستقراطية الأموية, ويدافع غيلان في رسالته تلك عن حرية
الإنسان والعدالة الإلهية التي تستلزم العدالة الإنسانية, مستخدما في سبيل
ذلك منهجا عقليا في الاستدلال والاحتجاج, فيقول: " أبصرت يا عمر وما كدت
ونظرت وما كدت, اعلم يا عمر أنك أدركت من الإسلام خلقا باليا ورسما عافي,
فيا ميتا بين الأموات ألا ترى أثرا فتتبع ولاتسمع صوتا فتنتفع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طفا أمر
السنة وظهر البدعة, أخيف العالم فلا يتكلم ( قمع حرية التعبير) ولا يعطى
الجاهل فيسأل ( لا يسمح له بالسؤال عما يجهل ) وربما نجت الأمة بالإمام,
فانظر أي الإمامين أنت ( العادل أم الجائر) فإنه تعالى لا يقول تعالوا إلى
النار, إذا لا يبعه أحد ولكن الدعاة إلى النار هم الدعاة إلى معاصي الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهل يا عمر وجدت حكيما ( يقصد الله ) يعيب ما يصنع أو يصنع ما يعيب؟ أو
يعذب على ما قضى أو يقضي بما يعذب عليه؟ أم هل وجدت رحيما يكلف العباد فوق
طاقتهم أو يعذبهم على الطاعة؟ أم هل وجدت عدلايحمل الناس على الظلم
والتظالم؟ وهل وجدت صادقا يحمل الناس على الكذب أو التكاذب بينهم؟ كفا
ببيان هذا بين وبالعمى عنه عمى...(7) ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعندما عرض عليه عمر إسناد وظيفة
إليه طلب أن يتولى " بيع الخزائن ورد المظالم " وهو اختيار له مغزاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنه
لم يختر لا الولاية ولا القضاء بل اختار وظيفة ليس فيها مكاسب وإنما رد
المظالم أي إنصاف الذين ظلمهم الولاة والقضاة (8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسيكون منصبه هذا وراء
قتله, حيث تحكي المصادر أنه وقف حين ولاه عمر بيع الخزائن ورد المظالم
يقول: " عالوا إلى متاع الخونة ( يقصد الحكام الأمويين) تعالوا إلى متاع
الظلمة, تعالوا إلى متاع من خلف رسول الله في أمته بغيرسنته وسيرته...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان
فيما نادى عليه جوارب خز (حرير) فبلغ ثمنها ثلاثين ألف درهم وقد ائتكل
بعضها فقال غيلان: من يعذرني ممن يزعم أن هؤلاء كانوا أئمة هدى وهذا يئتكل
والناس يموتون من الجوع...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمر به هشام بن عبد الملك ( الذي سيصبح خليفة
بعد اغتيال عمربن عبد العزيز) فقال: هذا يعيبني ويعيب آبائي, والله إن ظفرت
به لأقطعن يديه ورجليه...(9) ".
وبعد تولي هشام بن عبد الملك عرش
الأمويين هرب غيلان إلى أرمينية وهو ينشر عيوب هشام و أخبار ظلمه وظلم بني
أمية اللذين يزعمون أنهم يحكمون بقضاء من الله وقدره وأنه لا مهرب من
القضاء والقدر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأمر هشام بإحضار غيلان وحبسه, استعدادا لقتله. ولأنه كان
بحاجة إلى فتوى شرعية لقتله ( خصوصا مع ما كان يعرف به غيلان من الصلاح بين
الناس) اتجأ هشام إلى أحد أهم أقطاب مدرسة الحديث الإمام الأوزاعي, المحدث
وصاحب المذهب الفقهي الشهير الذي لم يكتب له الاستمرار ( لحسن الحظ )...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليحاكم غيلان ويكفره تمهيدا لقتله. "ولما حضر الأوزاعي قال له هشام : يا
أبا عمر ناظر لنا هذا القدريّ ، فقال الأوزاعي مخاطباً غيلان : اختر إن شئت
ثلاث كلمات و إن شئت أربع كلمات و إن شئت واحدة. فقال غيلان : بل ثلاث
كلمات. فقال الأوزاعي : أخبرني عن الله عزّ و جلّ هل قضى على مانهى؟ فقال
غيلان : ليس عندي في هذا شيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال الأوزاعي : هذه واحدة. ثمّ قال :
أخبرني عن الله عزّ و جلّ أحال دون ماأمر؟ فقال غيلان : هذه أشدّ من
الاُولى ، ما عندي في هذا شيء. فقال الأوزاعي : هذه اثنتان يا أمير
الموٌمنين ثمّ قال : أخبرني عن الله عزّ و جلّ هل أعان على ما حرّم؟ فقال
غيلان : هذه أشدّ من الاُولى و الثانية ، ما عندي في هذا شيء. فقال
الأوزاعي:هذه ثلاث كلمات. فأمر هشام فضربت عنقه. ثمّ إنّ هشاماً طلب من
الأوزاعيّ أن يفسّر له هذه الكلمات الثلاث. فقال الأوزاعي: أمّا الأوّل
فإنّ الله تعالى قضى على ما نهى ، نهى آدم عن الأكل من الشجرة ثمّ قضى عليه
بأكلها. أمّا الثاني فإنّ الله تعالى حال دون ما أمر ، أمرإبليس بالسجود
لآدم ثمّ حال بينه و بين السجود ، و أمّا الثالث ، فإنّ الله تعالى أعان
على ما حرّم ، حرّم الميتة و الدم و لحم الخنزير ، ثمّ أعان عليها
بالاضطرار...(10) ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إننا هنا أمام أحد أكثر المشاهد مأساوية وسخرية في
التاريخ الإسلامي, حيث تتحالف السلطتين الدينية والسياسية لتصفية المفكرين
المتنورين حيث تتكفل السلطة السياسية بتصفيتهم ماديا في حين تلعب السلطة
الدينية ( وممثليها من فقهاء مدرسة الحديث ) أكثر الأدوار قذارة: تبرير
للجريمة...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهل يجوز تكفير إنسان لأنه لا يعرف أجوبة ألغاز مبهمة , فإذا
كانت هذه الألغاز جزءا من الدين بل عماده ( مادام جهلها يؤدي إلى الكفر...)
فالأولى أن يكون الخليفة كافرا بنفس المنطق مادام هو الآخر لا يعرف
الأجوبة. لكن الأوزاعي بمنطق فقهاء الموائد ووعاظ السلاطين يحكم على الناس
دون الحاكمين, وهو منطق لا زال سائدا إلى اليوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المهم أن الخليفة حصل
على ما يريد فأمر بصلب غيلان يعد قطع يديه ورجليه وتعليقه بباب كيسان
بدمشق. فتوجه غيلان إلى الناس قائلا : " قاتلهم الله ( يقصد الأمويين).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كم
من حق أماتوه ( الحرية, العدالة...) وكم من باطل أحيوه ( أيديولوجيا
القدر...) وكم من ذليل في الدين أعزوه ( من أمثال ابن أبي سرح...) وكم من
عزيز في الدين أذلوه ( وعلى راسهم الحسين بن علي الذي قتل في كربلاء...).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فغضب الأمويون الذين سمعوا هذا الكلام من غيلان وذهبوا إلى هشام يقولون له:
قطعت يديه ورجليه وأطلقت لسانه ( وهل هناك ما هو أهم عند المفكر من
لسانه؟).
إنه أبكى الناس ونبههم إلى ما كانوا عنه غافلين. فأرسل إليه من
قطع لسانه...(11) ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة
إحياء فكر غيلان الدمشقي وأمثاله من المفكرين الأحرار, قادة حركة التنوير
في الفكر الإسلامي الذين دفعوا أرواحهم ثمنا لقيم الحرية والعدالة... ماذا
خسرنا بفقدانهم وفقدان أفكارهم؟ إن حالة الإنحطاط الشامل التي نعيشها هي
جواب ذلك...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
(1) البغدادي, الفرق بين الفرق ص93
(2) الذهبي, ميزان الإعتدال ج3 ص338
(3) الشهرستاني, الملل والنحل ج1 ص147
(4) المصدر نفسه, ج1 ص148
(5) اليعقوبي, تاريخ اليعقوبي ج2 ص290
(6) ابن سعد, الطبقات الكبرى ج7 ص478
(7) ابن المرتضى, المنية والأمل ص16-17
(8) الجابري, العقل السياسي العربي ص313
(9) ابن المرتضى, المنية والأمل ص16-17
(10) ابو زهرة, تاريخ المذاهب الاسلاميّة ج 1 ص 127 ـ 128 نقلاً عن العقد الفريد لابن عبد ربه.
(11) ابن المرتضى, المنية والأمل ص16-
http://www.ahewar.org/debat
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من شهداء الرأي والموقف في تاريخنا : غيلان الدمشقي
فقد
دفع حياته ثمناً لاعلانه رأيه الحرّ النيّر في مسألةٍ سعى الحكامُ الى ترسيخها في
أذهان العامة لضمان طاعتهم واستمرار سلطانهم. تلك هي " عقيدة الجبر
الالهي" التي بدأ ملوك بني أمية بفرضها على الرعية -بالتواطؤ مع فقهائهم –
بعد استيلائهم على السلطة وانتهاء فترة الخلفاء الراشدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد
بدأ التلاعب المُغرض والمقصود بمفهوم " المشيئة الالهية " الوارد في
القرآن وتحويره وجعله نوعاً من القضاء المحتوم الذي يسيّر أفعال الانسان وحياته
كلها فلا يملك الاّ التسليم لارادة الله التي شاءت كل شيء موجود في هذه
الدنيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد كان الأمويون
يروجون للعقيدة الجبرية
فيخاطبون العامة بمنطق بسيط فيقولون لهم : أن كل ما كان، و ما هو كائن، و ما سيكون
مستقبلاً، إنما هو أمر الله و قدره,
وإرادته التي سطرها في اللوح المحفوظ من قبل ان يخلق الكون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقصدهم في ذلك طبعاً
تبرير حكمهم للناس، واعفاء انفسهم من مسؤولية الظلم والقهر والفساد ورفع اللوم
عنهم لما أحدثوه من تغييرات في نظام الحكم الإسلامي وتحويله الى مُلكٍ عضوض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان
معاوية يقول "لو لم يرَني ربي أهلا لهذا الأمر، ما
تركني وإياه. ولو كره الله ما نحن فيه لغيّره".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجاء
الفقهاء من بعده ليجعلوا عقيدة الجبر هذه من صلب الاسلام ! فالامام أحمد بن حنبل كما ينقل عنه أصحابه يقرر - ويجعل ذلك من عقائد
السلف -
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأن " القدر خيره وشره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه
ومره، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوله وآخره، من الله قضاء قضاه، وقدر قدره
عليهم، لا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل، ولا يجاوز قضاءه، بل هم كلهم صائرون
إلى ما خلقهم له، واقفون فيما قدر عليهم لأفعاله، وهو عدل منه عز ربنا وجل، والزنى
والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك بالله والمعاصي كلها
بقضاء وقدر، من غير أن يكون لأحد من الخلق على الله حجة، بل لله الحجة البالغة
على خلقه (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) وعلم الله عز وجل ماض في خلقه بمشيئة
منه، قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه - من لدن أن عصى تبارك وتعالى إلى أن تقوم
الساعة
- المعصية وخلقهم لها، وعلم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكل يعمل لما
خلق له، وصائر لما قضى عليه وعلم منه، لا يعدو واحد منهم قدر الله ومشيئته. والله
الفاعل لما يريد، الفعال لما يشاء...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن زعم أن الزنى ليس بقدر، قيل له:
أرأيت هذه المرأة، حملت من الزنى وجاءت بولد، هل شاء الله عز وجل أن يخلق هذا
الولد ؟
وهل مض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ى في سابق علمه ؟
فإن قال: لا، فقد زعم أن مع الله خالقا وهذا هو
الشرك صراحا.
ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال
الحرام، ليس بقضاء وقدر، فقد زعم أن هذا الإنسان قادر أن يأكل رزق غيره، وهذا صراح
قول المجوسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل أكل رزقه وقضى الله أن يأكله من الوجه
الذي أكله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز وجل، وأن ذلك (ليس) بمشيئته في
خلقه، فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأي كفر أوضح من هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل ذلك بقضاء الله
عز وجل وذلك بمشيئته في خلقه، وتدبيره فيهم وما جرى من سابق علمه فيهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو العدل
الحق الذي يفعل ما يريد، ومن أقر بالعم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصغر
والقماءة "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعود الى غيلان - وهو كان رجلاً ألمعياً
, مسلماً فاضلاً , من أصل مصري , يعيش في عاصمة الامويين دمشق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الذي قرر ان ينقض عقيدة الجبر هذه من اساسها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكان يرفض أن تنسب الشرور التي نفلعها نحن البشر إلى
الله تعالى ويرفض رفضا تاما المنطق المتهافت الذي يؤصل باسم الدين أن جميع الشرور
من قتل واغتصاب ودمار وآلام مصدرها هو الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكان يقول ان الإنسان هو المسؤول عن أفعاله
وأنها تنسب إليه حقيقة لا مجازا وأن الله سبحانه أعظم وأجل من أن يجبرنا على
الأفعال التي نفعلها ثم يلقينا بالنار بناء على جبره لنا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان يؤصّلُ لهذه
الفكرة المنطقية الواضحة بأدلة شرعية قوية من القرآن والسنة ويؤمن إيمانا تاما
بالعدالة الإلهية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وطبعاً هذه
الدعوة لا يمكن ان تروق للحكام الامويين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل هي مصدر خطر داهم عليهم وعلى نظام
حكمهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنها تحملهم هم مسؤولية الفساد والظلم الذي كان عاماً , وتنزّه الله عن
ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد زاد الطين بلة بنظر
الحاكمين من بني أمية رأيه في موضوع الخلافة والامامة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فخلافاً لنظريتهم – التي
ألبسوها ثوباً شرعياً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- حول ان " الائمة من قريش" قال غيلان أنها تصلح
في كل من يجمع شروطها، و لو لم يكن من قبيلة قريش (كل من
كان قائماً بالكتاب و السنة فهو مستحق لها).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكان لا بد من القضاء عليه. وتولّى ذلك الخليفة هشام
بن عبد الملك. ولكن كان لا بد من اضفاء صبغة شرعية على قرار اعدامه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاستدعى الخليفة فقيه بلاد الشام المشهور آنذاك , الامام الاوزاعي, لكي يُفحم
غيلان قبل الحكم عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويروي الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق , ج48 ص199-213" تفاصيل مؤلمة عما جرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد جلبوا غيلان الى مجلس الخليفة وقام الاوزاعي بالدور المطلوب منه تماماً : أهدر
دمه بعد مواجهة قصيرة مع غيلان المقيّد بلا حول ولا قوة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما جرى أبعد ما يكون عن
"المناظرة" أو الافحام بل هو أشبه بالمسرحية المصممة سلفاً للانتقام من
صاحب الرأي الحر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واختتمها الاوزاعي بقوله لهشام بن عبد الملك " كافرٌ ورب
الكعبة يا أمير المؤمنين"!
وكانت
تلك الكلمة التي ينتظرها هشام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأمر بقطع يديه وقدميه وصلبه على باب دمشق ! لكي
يكون عبرة لمن يعتبر ولمن يتجرّأ على
التفكير الحر خلافاً لما تريده السلطة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونتابع المشهد الدرامي الذي تذكره كتب
التاريخ : فقد حاول أعداؤه أن ينتصروا عليه وهو على الصليب،
فقال له أحدهم: “أنظر ماذا فعل بك ربك , يا غيلان هذا قضاء وقدر” يريدون منه الإقرار بمذهبهم، لكنه رغم آلامه
أصرّ على موقفه فقال بأعلى صوته: "كذبتَ لعمرو الله , ما هذا قضاء ولا
قدر" واضاف “بل لعن الله من فعل بي ذلك”,,,,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مما دفع بهشام ان يأمر بقطع لسانه ايضاً !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وختاما أشير الى ان كتب التاريخ لم
تنصف غيلان الدمشقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل انها تنحاز في مجملها الى موقف الحكام وفقهاء
السلاطين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأغلبها يشنّع عليه ويسوق ضده التهم والافتراءات, فيزندقونه ويخرجونه من
الملة ويجعلونه منحرف العقيدة وعدوا للاسلام!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسلام هشام بن عبد الملك طبعاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رحم الله غيلان الدمشقي , وكل أصحاب
الفكر الحر المستنير , في كل مكان وزمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمر العالم العربي والإسلامي
هذه الأيام بواحدة من أصعب المراحل التاريخية التي مر منها, حيث يعيش في
حالة من التيه والفوضى وعدم الاستقرار وانعدام الرؤيا الواضحة والتخطيط
للمستقبل...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن يحاول تقصي جذور هذه الوضعية يجد أنها
جاءت نتيجة تراكم المشاكل والإخفاقات المتتالية على جميع الأصعدة, وعلى
رأسها الإخفاقات الفكرية و خصوصا في الفكر السياسي حيث لم تنتج المدارس
الإسلامية باختلاف انتماءاتها, إلا الاستبداد السياسي سواء تحت اسم صاحب
الشوكة (عند السنة) أو الإمام المعصوم (عند الشيعة) أو الإرهاب السياسي(عند
الخوارج)...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و من أوائل هؤلاء وأبرزهم غيلان الدمشقي ( قتل سنة 125
هجرية), الذي يمكن اعتباره الأب الحقيقي لحركة التنوير وواحدا من أهم منظري
الفكر السياسي في التاريخ الإسلامي, إن لم نقل بأنه أهمهم جميعا مادام هو
الذي أسس للفكر الديمقراطي ودافع عنه ودفع حياته ثمنا لذلك. يروي البغدادي
أن الحسن بن محمد بن الحنفية كان يقول عن غيلان بأنه " حجة الله على أهل
الشام ولكن الفتى مقتول...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان غيلان يقود المعارضة ضد الأمويين في الشام, وكان ينتقد الدولة الأموية وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية والمالية, فضلا عن عقيدتها الجبرية المعادية للحرية, والتي كانت تتأسس عليها شرعيتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد كانت اعتراضات غيلان الدمشقي على السياسة المالية للأمويين من الجذرية إلى درجة التحريض على الثورة (6) ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد تولي هشام بن عبد الملك عرش الأمويين هرب غيلان إلى أرمينية وهو ينشر عيوب هشام و أخبار ظلمه وظلم بني أمية اللذين يزعمون أنهم يحكمون بقضاء من الله وقدره وأنه لا مهرب من القضاء والقدر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إننا هنا أمام أحد أكثر المشاهد مأساوية وسخرية في التاريخ الإسلامي, حيث تتحالف السلطتين الدينية والسياسية لتصفية المفكرين المتنورين حيث تتكفل السلطة السياسية بتصفيتهم ماديا في حين تلعب السلطة الدينية ( وممثليها من فقهاء مدرسة الحديث ) أكثر الأدوار قذارة: تبرير للجريمة...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المهم أن الخليفة حصل على ما يريد فأمر بصلب غيلان يعد قطع يديه ورجليه وتعليقه بباب كيسان بدمشق. فتوجه غيلان إلى الناس قائلا : " قاتلهم الله ( يقصد الأمويين).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة إحياء فكر غيلان الدمشقي وأمثاله من المفكرين الأحرار, قادة حركة التنوير في الفكر الإسلامي الذين دفعوا أرواحهم ثمنا لقيم الحرية والعدالة... ماذا خسرنا بفقدانهم وفقدان أفكارهم؟ إن حالة الإنحطاط الشامل التي نعيشها هي جواب ذلك...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع(1) البغدادي, الفرق بين الفرق ص93
(2) الذهبي, ميزان الإعتدال ج3 ص338
(3) الشهرستاني, الملل والنحل ج1 ص147
(4) المصدر نفسه, ج1 ص148
(5) اليعقوبي, تاريخ اليعقوبي ج2 ص290
(6) ابن سعد, الطبقات الكبرى ج7 ص478
(7) ابن المرتضى, المنية والأمل ص16-17
(8) الجابري, العقل السياسي العربي ص313
(9) ابن المرتضى, المنية والأمل ص16-17
(10) ابو زهرة, تاريخ المذاهب الاسلاميّة ج 1 ص 127 ـ 128 نقلاً عن العقد الفريد لابن عبد ربه.
(11) ابن المرتضى, المنية والأمل ص16-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من شهداء الرأي والموقف في تاريخنا : غيلان الدمشقي
فقد
دفع حياته ثمناً لاعلانه رأيه الحرّ النيّر في مسألةٍ سعى الحكامُ الى ترسيخها في
أذهان العامة لضمان طاعتهم واستمرار سلطانهم. تلك هي " عقيدة الجبر
الالهي" التي بدأ ملوك بني أمية بفرضها على الرعية -بالتواطؤ مع فقهائهم –
بعد استيلائهم على السلطة وانتهاء فترة الخلفاء الراشدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد
بدأ التلاعب المُغرض والمقصود بمفهوم " المشيئة الالهية " الوارد في
القرآن وتحويره وجعله نوعاً من القضاء المحتوم الذي يسيّر أفعال الانسان وحياته
كلها فلا يملك الاّ التسليم لارادة الله التي شاءت كل شيء موجود في هذه
الدنيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد كان الأمويون
يروجون للعقيدة الجبرية
فيخاطبون العامة بمنطق بسيط فيقولون لهم : أن كل ما كان، و ما هو كائن، و ما سيكون
مستقبلاً، إنما هو أمر الله و قدره,
وإرادته التي سطرها في اللوح المحفوظ من قبل ان يخلق الكون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقصدهم في ذلك طبعاً
تبرير حكمهم للناس، واعفاء انفسهم من مسؤولية الظلم والقهر والفساد ورفع اللوم
عنهم لما أحدثوه من تغييرات في نظام الحكم الإسلامي وتحويله الى مُلكٍ عضوض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان
معاوية يقول "لو لم يرَني ربي أهلا لهذا الأمر، ما
تركني وإياه. ولو كره الله ما نحن فيه لغيّره".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجاء
الفقهاء من بعده ليجعلوا عقيدة الجبر هذه من صلب الاسلام ! فالامام أحمد بن حنبل كما ينقل عنه أصحابه يقرر - ويجعل ذلك من عقائد
السلف -
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأن " القدر خيره وشره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه
ومره، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوله وآخره، من الله قضاء قضاه، وقدر قدره
عليهم، لا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل، ولا يجاوز قضاءه، بل هم كلهم صائرون
إلى ما خلقهم له، واقفون فيما قدر عليهم لأفعاله، وهو عدل منه عز ربنا وجل، والزنى
والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك بالله والمعاصي كلها
بقضاء وقدر، من غير أن يكون لأحد من الخلق على الله حجة، بل لله الحجة البالغة
على خلقه (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) وعلم الله عز وجل ماض في خلقه بمشيئة
منه، قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه - من لدن أن عصى تبارك وتعالى إلى أن تقوم
الساعة
- المعصية وخلقهم لها، وعلم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكل يعمل لما
خلق له، وصائر لما قضى عليه وعلم منه، لا يعدو واحد منهم قدر الله ومشيئته. والله
الفاعل لما يريد، الفعال لما يشاء...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن زعم أن الزنى ليس بقدر، قيل له:
أرأيت هذه المرأة، حملت من الزنى وجاءت بولد، هل شاء الله عز وجل أن يخلق هذا
الولد ؟
وهل مض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ى في سابق علمه ؟
فإن قال: لا، فقد زعم أن مع الله خالقا وهذا هو
الشرك صراحا.
ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال
الحرام، ليس بقضاء وقدر، فقد زعم أن هذا الإنسان قادر أن يأكل رزق غيره، وهذا صراح
قول المجوسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل أكل رزقه وقضى الله أن يأكله من الوجه
الذي أكله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز وجل، وأن ذلك (ليس) بمشيئته في
خلقه، فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأي كفر أوضح من هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل ذلك بقضاء الله
عز وجل وذلك بمشيئته في خلقه، وتدبيره فيهم وما جرى من سابق علمه فيهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو العدل
الحق الذي يفعل ما يريد، ومن أقر بالعم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصغر
والقماءة "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعود الى غيلان - وهو كان رجلاً ألمعياً
, مسلماً فاضلاً , من أصل مصري , يعيش في عاصمة الامويين دمشق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الذي قرر ان ينقض عقيدة الجبر هذه من اساسها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكان يرفض أن تنسب الشرور التي نفلعها نحن البشر إلى
الله تعالى ويرفض رفضا تاما المنطق المتهافت الذي يؤصل باسم الدين أن جميع الشرور
من قتل واغتصاب ودمار وآلام مصدرها هو الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكان يقول ان الإنسان هو المسؤول عن أفعاله
وأنها تنسب إليه حقيقة لا مجازا وأن الله سبحانه أعظم وأجل من أن يجبرنا على
الأفعال التي نفعلها ثم يلقينا بالنار بناء على جبره لنا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان يؤصّلُ لهذه
الفكرة المنطقية الواضحة بأدلة شرعية قوية من القرآن والسنة ويؤمن إيمانا تاما
بالعدالة الإلهية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وطبعاً هذه
الدعوة لا يمكن ان تروق للحكام الامويين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل هي مصدر خطر داهم عليهم وعلى نظام
حكمهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنها تحملهم هم مسؤولية الفساد والظلم الذي كان عاماً , وتنزّه الله عن
ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد زاد الطين بلة بنظر
الحاكمين من بني أمية رأيه في موضوع الخلافة والامامة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فخلافاً لنظريتهم – التي
ألبسوها ثوباً شرعياً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- حول ان " الائمة من قريش" قال غيلان أنها تصلح
في كل من يجمع شروطها، و لو لم يكن من قبيلة قريش (كل من
كان قائماً بالكتاب و السنة فهو مستحق لها).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكان لا بد من القضاء عليه. وتولّى ذلك الخليفة هشام
بن عبد الملك. ولكن كان لا بد من اضفاء صبغة شرعية على قرار اعدامه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاستدعى الخليفة فقيه بلاد الشام المشهور آنذاك , الامام الاوزاعي, لكي يُفحم
غيلان قبل الحكم عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويروي الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق , ج48 ص199-213" تفاصيل مؤلمة عما جرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد جلبوا غيلان الى مجلس الخليفة وقام الاوزاعي بالدور المطلوب منه تماماً : أهدر
دمه بعد مواجهة قصيرة مع غيلان المقيّد بلا حول ولا قوة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما جرى أبعد ما يكون عن
"المناظرة" أو الافحام بل هو أشبه بالمسرحية المصممة سلفاً للانتقام من
صاحب الرأي الحر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واختتمها الاوزاعي بقوله لهشام بن عبد الملك " كافرٌ ورب
الكعبة يا أمير المؤمنين"!
وكانت
تلك الكلمة التي ينتظرها هشام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وختاما أشير الى ان كتب التاريخ لم
تنصف غيلان الدمشقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل انها تنحاز في مجملها الى موقف الحكام وفقهاء
السلاطين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأغلبها يشنّع عليه ويسوق ضده التهم والافتراءات, فيزندقونه ويخرجونه من
الملة ويجعلونه منحرف العقيدة وعدوا للاسلام!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسلام هشام بن عبد الملك طبعاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رحم الله غيلان الدمشقي , وكل أصحاب الفكر الحر المستنير , في كل مكان وزمان
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire