لو قدّر لتيار
"المعتزلة" في شرقنا الاسلامي أن ينتصر
.....
في أواخر العصر الاموي ظهر في البصرة ما صار يعرف لاحقاً باسم فرقة "المعتزلة".
ويقال ان سبب التسمية كان بسبب اختلافٍ في الرؤى والمواقف بشأن قضايا فقهية وعقائدية حصل بين العالم المشهور الحسن البصري وبين أحد تلامذته الأذكياء وهو واصل بن عطاء الذي قام وترك حلقة الدرس الذي كان يقيمه الحسن في المسجد وأنشأ حلقة خاصة به, فقال الحسن البصري " اعتزلنا واصل"
ومن هنا بدأت تسمية تلك الفرقة التي سيكون لها شأن بين المسلمين في القرون التالية.
--------------
---------------
ملاحظة
هذه الرواية و التي تقدم اصل تاريخ نشوء مدرسة العقل المعتزلية ليست حقيقية وهي رواية خصوم المعتزلة
السلطة و اتباعهم من الفقهاء
سلاطني
------------
---------------
ويمكن تلخيص فكر المعتزلة واختزاله في عبارة واحدة: العقل. فأهم مبدأ معتزلي وما يميزهم عن غيرهم هو أن العقل هو طريق الوصول إلى الحقيقة, حتى لوكانت حقيقة الدين والايمان.
فالمعتزلة رأوا ان عقل الانسان سوف يدله على خالق هذا الكون
وانه يمكن اثبات النبوة والوحي والجنة والنار ومبادئ الاسلام عن طريق العقل والمنطق.
والمعتزلة رفضوا أن يكون الدين مجرد نصوص يتم تلقينها للمؤمنين الذين يقتصر دورهم على أن يحفظوها ويرددوها.
وهم قالوا ان الله خلق الانسان ومنحه العقل ليفكر به ويتدبّر , وأن الاسلام هو دين الحجة والعلم والمنطق وليس دين الجهل والخرافة.
وهناك من الباحثين من يعتقد أن الداعي لظهور هذه الفرقة كان الظرف الحضاري و التاريخي الذي كان يمر به الاسلام.
فعند نهاية القرن الهجري الأول
كان الاسلام قد توسع ودخلت فيه أمم عديدة
وشعوب كثيرة , ودخلت معها ثقافات مختلفة ودخلت الفلسفة , ولم يعد المنهج النصي التقليدي النقلي يفي حاجات المسلمين العقلية في جدالهم. فالمنهج الذي صار يصلح لذلك هو المنهج العلمي العقلاني والذي مثله المعتزلة وأصبح أهم المذاهب الكلامية التي تتولى الدفاع عن الاسلام أمام هجمات متكلمي الأديان الأخرى والملحدين والزنادقة.
ومن أهم مبادئ المعتزلة التنزيه المطلق للخالق عز وجل : فالله "ليس كمثله شيء" , فلا تشبيه ولا تجسيم لأن الله مُنزّه عن أن يكون مثل الأجسام أو الموجودات الحسية .
وهم ينفون أي تشبيه بين المخلوقات والله، والآيات القرآنية التي تفيد التشبيه لا يقبلها المعتزلة على ظاهرها بل يقومون بتأويلها مثل "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" فيخرجون المعنى الظاهر لكلمة (وجه) ويقولون أن المقصود بها الذات.
وأجمع المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأن في إثبات الرؤية إثبات الجهة لله , وهو منزه عن الجهة والمكان، وتأولوا قول القرآن:{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} أي منتظرة.
وهكذا اوجبوا تأويل كل الآيات المتشابهة.
ويؤمن المعتزلة أن الله عز وجل قد خلق "نواميس الكون", وهي بلغتنا الحديثة قوانين الطبيعة, التي يسير عليها كل شيئ في هذه الدنيا, وأن الله لا يمكن أن يتدخل لينقضَ نواميسَ الكون التي وضعها هو.
ومعنى ذلك أن خوارق الطبيعة لم ولن تحصل لأنها لو حصلت لاضطرب نظام الكون كله ولكان ذلك ضد ارادة الله الكونية.
ومن هذا المنطلق العقلاني رفض المعتزلة التسليم بأن المعجزات الواردة في القرآن قد حصلت في الحقيقة حسب ظاهر النص , بل قالوا بضرورة تأويلها , بما لا يتناقض مع أسسس العلم والمنطق وبشكل ينسجم مع روح النص القرآني.
ومثالٌ على ذلك الطير الأبابيل والتي تحمل حجارة من سجيل قذفتها على جيش أبرهة الأشرم : لا يعني ذلك أنه بالفعل قد جاءت طيور عملاقة ( لا تعرف العرب كلمة "أبابيل" ) تحمل حجارة نارية مشتعلة (كلمة "سجيل" ليس لها علاقة بالنار من حيث الاساس اللغوي العربي) لتحرق بها القوات التي هاجمت مكة.
فالذي حصل بالفعل أن جيش أبرهة قد تعرض الى كارثة من نوع ما : ربما تفشى بين صفوفه مرضٌ معدٍ وفتاك, أو ربما حصلت ظروف جوية فظيعة (طوز عظيم ورمال وعواصف) مما أدى الى هزيمة الجيش وتراجعه أو القضاء عليه. فجاء النص القرآني ببلاغته الفريدة ليعبر عن تلك الواقعة بالطير الابابيل التي تقذف حجارة من سجيل دون أن يعني ذلك حصولها بالفعل على ذلك الوصف.
ويرى المعتزلة أن الإنسان حرٌ في أفعاله .
وهم يقولون ذلك لكي يدافعوا عن التكليف الشرعي لأن الإنسان المسلم مكلف شرعاً والإنسان مسؤول عن هذه الأفعال حتى يستقيم التكليف ويكون الثواب عدلاً والعقاب عدلاً.
خلافاً لرأي الجبرية الذين يعتقدون أن الأفعال من خلق الله والإنسان مجبورٌ عليها.
فالمعتزلة ترى أن عدل الله يقتضي أن يكون الإنسان هو صاحب أفعاله,
وبالتالي يرفضون أن ينسب الانسان ما يحصل معه من مشاكل وصعوبات أو ما يتعرض له من ظلم وقهر الى مشيئة الله وارادته.
فالقول بالعدل الإلهي يترتب عليه أن الله لا يفعل الشر , فأفعال الله كلها حسنة وخيرّة، والشر من عند الانسان , والرب تعالى منزه أن يضاف إليه شر وظلم وفعل هو كفر ومعصية؛ لأنه لو خلق الظلم كان ظالمًا كما لو خلق العدل كان عادلاً.
أي ان المعتزلة في كل آرائهم أرادوا أن يزيلوا التناقض بين العقل والعلم من جهة والدين من جهة أخرى.
وذلك أمرٌ في غاية الأهمية لأنه يعني أن الانسان الواعي, الذكي والمفكر لن يكون مضطراً الى الاختيار بين الاثنين, وسوف لن يُجبر على الايمان بما لا يقبله عقله ولا تصدق به نفسه من أجل أن يكون مسلماً.
في أواخر العصر الاموي ظهر في البصرة ما صار يعرف لاحقاً باسم فرقة "المعتزلة".
ويقال ان سبب التسمية كان بسبب اختلافٍ في الرؤى والمواقف بشأن قضايا فقهية وعقائدية حصل بين العالم المشهور الحسن البصري وبين أحد تلامذته الأذكياء وهو واصل بن عطاء الذي قام وترك حلقة الدرس الذي كان يقيمه الحسن في المسجد وأنشأ حلقة خاصة به, فقال الحسن البصري " اعتزلنا واصل"
ومن هنا بدأت تسمية تلك الفرقة التي سيكون لها شأن بين المسلمين في القرون التالية.
--------------
---------------
ملاحظة
هذه الرواية و التي تقدم اصل تاريخ نشوء مدرسة العقل المعتزلية ليست حقيقية وهي رواية خصوم المعتزلة
السلطة و اتباعهم من الفقهاء
سلاطني
------------
---------------
ويمكن تلخيص فكر المعتزلة واختزاله في عبارة واحدة: العقل. فأهم مبدأ معتزلي وما يميزهم عن غيرهم هو أن العقل هو طريق الوصول إلى الحقيقة, حتى لوكانت حقيقة الدين والايمان.
فالمعتزلة رأوا ان عقل الانسان سوف يدله على خالق هذا الكون
وانه يمكن اثبات النبوة والوحي والجنة والنار ومبادئ الاسلام عن طريق العقل والمنطق.
والمعتزلة رفضوا أن يكون الدين مجرد نصوص يتم تلقينها للمؤمنين الذين يقتصر دورهم على أن يحفظوها ويرددوها.
وهم قالوا ان الله خلق الانسان ومنحه العقل ليفكر به ويتدبّر , وأن الاسلام هو دين الحجة والعلم والمنطق وليس دين الجهل والخرافة.
وهناك من الباحثين من يعتقد أن الداعي لظهور هذه الفرقة كان الظرف الحضاري و التاريخي الذي كان يمر به الاسلام.
فعند نهاية القرن الهجري الأول
كان الاسلام قد توسع ودخلت فيه أمم عديدة
وشعوب كثيرة , ودخلت معها ثقافات مختلفة ودخلت الفلسفة , ولم يعد المنهج النصي التقليدي النقلي يفي حاجات المسلمين العقلية في جدالهم. فالمنهج الذي صار يصلح لذلك هو المنهج العلمي العقلاني والذي مثله المعتزلة وأصبح أهم المذاهب الكلامية التي تتولى الدفاع عن الاسلام أمام هجمات متكلمي الأديان الأخرى والملحدين والزنادقة.
ومن أهم مبادئ المعتزلة التنزيه المطلق للخالق عز وجل : فالله "ليس كمثله شيء" , فلا تشبيه ولا تجسيم لأن الله مُنزّه عن أن يكون مثل الأجسام أو الموجودات الحسية .
وهم ينفون أي تشبيه بين المخلوقات والله، والآيات القرآنية التي تفيد التشبيه لا يقبلها المعتزلة على ظاهرها بل يقومون بتأويلها مثل "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" فيخرجون المعنى الظاهر لكلمة (وجه) ويقولون أن المقصود بها الذات.
وأجمع المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأن في إثبات الرؤية إثبات الجهة لله , وهو منزه عن الجهة والمكان، وتأولوا قول القرآن:{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} أي منتظرة.
وهكذا اوجبوا تأويل كل الآيات المتشابهة.
ويؤمن المعتزلة أن الله عز وجل قد خلق "نواميس الكون", وهي بلغتنا الحديثة قوانين الطبيعة, التي يسير عليها كل شيئ في هذه الدنيا, وأن الله لا يمكن أن يتدخل لينقضَ نواميسَ الكون التي وضعها هو.
ومعنى ذلك أن خوارق الطبيعة لم ولن تحصل لأنها لو حصلت لاضطرب نظام الكون كله ولكان ذلك ضد ارادة الله الكونية.
ومن هذا المنطلق العقلاني رفض المعتزلة التسليم بأن المعجزات الواردة في القرآن قد حصلت في الحقيقة حسب ظاهر النص , بل قالوا بضرورة تأويلها , بما لا يتناقض مع أسسس العلم والمنطق وبشكل ينسجم مع روح النص القرآني.
ومثالٌ على ذلك الطير الأبابيل والتي تحمل حجارة من سجيل قذفتها على جيش أبرهة الأشرم : لا يعني ذلك أنه بالفعل قد جاءت طيور عملاقة ( لا تعرف العرب كلمة "أبابيل" ) تحمل حجارة نارية مشتعلة (كلمة "سجيل" ليس لها علاقة بالنار من حيث الاساس اللغوي العربي) لتحرق بها القوات التي هاجمت مكة.
فالذي حصل بالفعل أن جيش أبرهة قد تعرض الى كارثة من نوع ما : ربما تفشى بين صفوفه مرضٌ معدٍ وفتاك, أو ربما حصلت ظروف جوية فظيعة (طوز عظيم ورمال وعواصف) مما أدى الى هزيمة الجيش وتراجعه أو القضاء عليه. فجاء النص القرآني ببلاغته الفريدة ليعبر عن تلك الواقعة بالطير الابابيل التي تقذف حجارة من سجيل دون أن يعني ذلك حصولها بالفعل على ذلك الوصف.
ويرى المعتزلة أن الإنسان حرٌ في أفعاله .
وهم يقولون ذلك لكي يدافعوا عن التكليف الشرعي لأن الإنسان المسلم مكلف شرعاً والإنسان مسؤول عن هذه الأفعال حتى يستقيم التكليف ويكون الثواب عدلاً والعقاب عدلاً.
خلافاً لرأي الجبرية الذين يعتقدون أن الأفعال من خلق الله والإنسان مجبورٌ عليها.
فالمعتزلة ترى أن عدل الله يقتضي أن يكون الإنسان هو صاحب أفعاله,
وبالتالي يرفضون أن ينسب الانسان ما يحصل معه من مشاكل وصعوبات أو ما يتعرض له من ظلم وقهر الى مشيئة الله وارادته.
فالقول بالعدل الإلهي يترتب عليه أن الله لا يفعل الشر , فأفعال الله كلها حسنة وخيرّة، والشر من عند الانسان , والرب تعالى منزه أن يضاف إليه شر وظلم وفعل هو كفر ومعصية؛ لأنه لو خلق الظلم كان ظالمًا كما لو خلق العدل كان عادلاً.
أي ان المعتزلة في كل آرائهم أرادوا أن يزيلوا التناقض بين العقل والعلم من جهة والدين من جهة أخرى.
وذلك أمرٌ في غاية الأهمية لأنه يعني أن الانسان الواعي, الذكي والمفكر لن يكون مضطراً الى الاختيار بين الاثنين, وسوف لن يُجبر على الايمان بما لا يقبله عقله ولا تصدق به نفسه من أجل أن يكون مسلماً.
المعتزلة في التاريخ :
ومن ناحية تاريخية برز مجموعة من العباقرة كقيادات للمعتزلة تولت مسؤولية الدفاع عن الاسلام والمحاججة عنه على الصعيد الفكري في مواجهة الدعاة المسيحيين وحاخامات اليهود, بالاضافة الى الدهرية ودعاة الالحاد.
ومن أبرز شخصيات المعتزلة
ابو الهذيل العلاف
والنظّام
والجاحظ
وابن ابي الحديد
والقاضي عبد الجبار.
وكانت القضية التاريخية الأبرز التي تعلقت بفرقة المعتزلة , واشتهرت وذاعت, هي قضية
" خلق القرآن".
وقد سببت لهم هذه القضية أذى كبيراً وتعرضوا بسببها الى الكثير من التجني والافتراء.
وترجع هذه القضية في أساسها الى الجدال الفكري الذي خاضه رموز من المعتزلة مع قسّ مسيحيّ من الشام يدعى " يوحنا الدمشقي".
ويوحنا هذا كان يخوض جدالاً لاهوتياً ومناظرات فكرية ضد الاسلام, وكان ذكياً وواسع الاطلاع.
وفي معرض احتجاجه على المسلمين كان يستخدم الآية القرآنية التي تذكر ان المسيح عيسى بن مريم هو "روح الله وكلمته" ليستدل بها على ألوهية المسيح.
فكان يوحنا يقول ما دام أن القرآن يقر بأن المسيح هو كلمة الله فلا بد إذن أن يكون ذا طبيعة الهيةٍ غير بشرية, لأن كلام الله صفة ملازمة له, لا تنفصل عن ذاته, والمسيح بالتالي قديم كقِدم الله.
فردّ عليه المعتزلة بالقول أن القرآن كلام الله وأنه مخلوقٌ أو حادثٌ, أي أنه وُجد بعد أن لم يكن موجودا وتكلم الله به بعد لم يكن متكلما.
والكلام صفة الفعل وليس صفة للذات, وبالتالي تكون حجة يوحنا باطلة.
ومن هنا كان تأكيدهم على ان القرآن مخلوق, وليس صفة قديمة لذات الله.
وطبعاً لم يكن عامة المسلمين يدركون سبب اهتمام المعتزلة بهذه القضية وتشديدهم على على ان "القرآن مخلوق" .
والفقهاء التقليديون , والسلفيون منهم بالتحديد, كانوا يزدرون المعتزلة ويمقتونهم من حيث المبدأ.
فالخطاب السلفي يعتبر العقل البشري عاجزاً عن إدراك المقاصد الالهية العظيمة وبالتالي لا يجوز إعمال العقل للنظر في أمور الدين والايمان. كره السلفيون
– ولا يزالون يكرهون-
المتكلمين والفلاسفة واهل المنطق ورفضوا الخوض في كلامهم لأن المسلم بنظر السلفيين عليه فقط أن يتلقى نصوص القرآن والسنة كما هي , وياخذها على ظاهرها ولا يتجاوز.
وبالتالي أثبت السلفيون لله صفات الجسم فقالوا ان له يداً , وعينيين, وعرشاً وووو .
ورغم أن معظم السلفيين أضافوا بأن صفات جسم الله ليست بالضرورة مثل صفات جسم الانسان
( حسب قولهم : الكيف مجهول)
إلاّ أن ذلك طبعاً لا يكفي لردّ تهمة التجسيم والتشبيه عنهم.
وبما ان السلفيين لا يكترثون كثيراً بما يقوله رهبان النصارى وما يسوقونه من حجج, فلم يلقوا بالاً لما يقوم به المعتزلة من تصدّ فكريّ لهؤلاء ورفضوا الاقرار مع المعتزلة بأن القرآن مخلوق.
هم في الحقيقة لم ينفوا بأن القرآن مخلوق بل كان موقفهم هو رفض الخوض في الموضوع أصلاً, والاكتفاء بالقول ان القرآن هو كلام الله دون تحديد إن كان مخلوقاً أم صفة قديمة لله.
وأصر السلفيون ورئيسهم أحمد بن حنبل على موقفهم ذاك واعتبروا الخوض في مسالة خلق القرآن "بدعة".
وبقيت هذه القضية متداولة في الاوساط الفكرية الى أن جاء الخليفة العباسي المامون الذي كان محباً للعلم ومؤمناً بالعقل, وأنشأ مكتبة
"دار الحكمة"
العملاقة في بغداد.
والذي حصل أن المأمون اقتنع برأي المعتزلة في قضية خلق القرآن.
ودائماً حين تتدخل السلطة في شؤون الفكر فهي تفسد أكثر مما تصلح! وهذا ما حصل مع المأمون الذي قرر أن يجبر الناس على الاعتقاد بخلق القرآن!
و"وامتُحِن" الكثيرون أمام المأمون حتى صار الأمر يُعرف بفتنة خلق القرآن!
وكان ممن امتحنوا الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بخلق القرآن، فسُجن وضُرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون، وبقي في السجن مدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله.
وهذا الموقف أكسب ابن حنبل شعبية ورفع من مكانته بين الناس الذين رأوه صامداً قبال السلطة الظالمة التي تريد ان تفرض رأي المعتزلة بالقوة!
وطبعاً تلطخت سمعة المعتزلة بسبب سلوك المأمون والمعتصم الذين ارادا نصرة رأيهم فتسببا في اضعافه!
ولا يمكن أن يُنسب موقف الخليفتين الى فرقة المعتزلة.
فالمعتزلة أهل فكر ومنطق , وجدال وحجة, ولا يمكن أن يقروا إرغام الناس على معتقداتهم ولا أن يؤيدوا البطش والقهر الذي تمارسه السلطة الحاكمة.
وللحقيقة أقول ان رجلاً من المعتزلة اسمه احمد بن ابي داود قد تواطأ مع الخليفة المأمون وساعده في سعيه لامتحان الناس على خلق القرآن.
ولكن هذه كانت حالة فردية لرجلٍ ركب موجة السلطة, ومن الظلم أن يُقرن عموم المعتزلة بسلوك أحدهم ممن مال الى السلطة على حساب المبدأ.
وعلى كل حال فقد انتهت "الفتنة" سريعاً لما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ فأظهر "الانتصار للسُّنَّة"، وأمرَ بمنع الناس من الخوض في مسألة الكلام، والكفِّ عن القول بخلق القرآن، وتوعّد من تعلّم علم الكلام أو تكلم فيه بالويل والثبور، وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير، وأمر بإكرام الإمام أحمد بن حنبل إكرامًا عظيمًا وقتل الكثيرين من رموز المعتزلة.
وبعد ذلك دأبت الحكومات المتعاقبة على "ترتيب" امورها مع تيار الفقهاء التقليديين , فاعتمدتهم كمرجعية دينية للدولة ومنحتهم المزايا مقابل تأييدهم للسلطان الحاكم. وطبعاً كان المعتزلة هم الضحية لأن فكرهم تم استبعاده ومحاربته بأمر من تحالف السلطة الحاكمة مع تيار الفقهاء التقليديين. وتم ترسيخ كل مقولات ابن حنبل وتياره السلفي الرافض لمنهج العقل والعلم الى يومنا هذا.
وانا أقول انه لو استمرّ تيار المعتزلة ونما, وتابع انتشاره في بلاد المسلمين , ولو لم تتم محاربته وطمس آثاره من قبل السلطات المتعاقبة التي وطّدت أركان فكر الخرافة والظلام, لكانت الثورة العلمية والصناعية قد حصلت عندنا , وفي بلادنا, وليس في اوروبا!
ولكانت النهضة الحضارية الكبرى قد بدأت لدينا نحن قبل أوروبا بعدة قرون! ولما كنا اليوم نرى الكثيرين من المسلمين مشغولين بأمور الجن والعفاريت في القرن الحادي والعشرين!
ولما كنا نجلس خاملين ونكتفي بالدعاء الى الله لكي يتدخل ليهزم أعداءنا ويحرر بلادنا ,دون أن نفعل شيئاً مفيداً . ولما كنا نسمع فتاوى عجيبة كل يوم من "علماء" لا يفكرون ولا يهتدون بهدي القرآن الذي ذم التقليد الاعمى والجاهلين الذين "لا يعقلون", والذي حث على العلم فابتدأ نزوله بكلمة "اقرأ" !
ومن ناحية تاريخية برز مجموعة من العباقرة كقيادات للمعتزلة تولت مسؤولية الدفاع عن الاسلام والمحاججة عنه على الصعيد الفكري في مواجهة الدعاة المسيحيين وحاخامات اليهود, بالاضافة الى الدهرية ودعاة الالحاد.
ومن أبرز شخصيات المعتزلة
ابو الهذيل العلاف
والنظّام
والجاحظ
وابن ابي الحديد
والقاضي عبد الجبار.
وكانت القضية التاريخية الأبرز التي تعلقت بفرقة المعتزلة , واشتهرت وذاعت, هي قضية
" خلق القرآن".
وقد سببت لهم هذه القضية أذى كبيراً وتعرضوا بسببها الى الكثير من التجني والافتراء.
وترجع هذه القضية في أساسها الى الجدال الفكري الذي خاضه رموز من المعتزلة مع قسّ مسيحيّ من الشام يدعى " يوحنا الدمشقي".
ويوحنا هذا كان يخوض جدالاً لاهوتياً ومناظرات فكرية ضد الاسلام, وكان ذكياً وواسع الاطلاع.
وفي معرض احتجاجه على المسلمين كان يستخدم الآية القرآنية التي تذكر ان المسيح عيسى بن مريم هو "روح الله وكلمته" ليستدل بها على ألوهية المسيح.
فكان يوحنا يقول ما دام أن القرآن يقر بأن المسيح هو كلمة الله فلا بد إذن أن يكون ذا طبيعة الهيةٍ غير بشرية, لأن كلام الله صفة ملازمة له, لا تنفصل عن ذاته, والمسيح بالتالي قديم كقِدم الله.
فردّ عليه المعتزلة بالقول أن القرآن كلام الله وأنه مخلوقٌ أو حادثٌ, أي أنه وُجد بعد أن لم يكن موجودا وتكلم الله به بعد لم يكن متكلما.
والكلام صفة الفعل وليس صفة للذات, وبالتالي تكون حجة يوحنا باطلة.
ومن هنا كان تأكيدهم على ان القرآن مخلوق, وليس صفة قديمة لذات الله.
وطبعاً لم يكن عامة المسلمين يدركون سبب اهتمام المعتزلة بهذه القضية وتشديدهم على على ان "القرآن مخلوق" .
والفقهاء التقليديون , والسلفيون منهم بالتحديد, كانوا يزدرون المعتزلة ويمقتونهم من حيث المبدأ.
فالخطاب السلفي يعتبر العقل البشري عاجزاً عن إدراك المقاصد الالهية العظيمة وبالتالي لا يجوز إعمال العقل للنظر في أمور الدين والايمان. كره السلفيون
– ولا يزالون يكرهون-
المتكلمين والفلاسفة واهل المنطق ورفضوا الخوض في كلامهم لأن المسلم بنظر السلفيين عليه فقط أن يتلقى نصوص القرآن والسنة كما هي , وياخذها على ظاهرها ولا يتجاوز.
وبالتالي أثبت السلفيون لله صفات الجسم فقالوا ان له يداً , وعينيين, وعرشاً وووو .
ورغم أن معظم السلفيين أضافوا بأن صفات جسم الله ليست بالضرورة مثل صفات جسم الانسان
( حسب قولهم : الكيف مجهول)
إلاّ أن ذلك طبعاً لا يكفي لردّ تهمة التجسيم والتشبيه عنهم.
وبما ان السلفيين لا يكترثون كثيراً بما يقوله رهبان النصارى وما يسوقونه من حجج, فلم يلقوا بالاً لما يقوم به المعتزلة من تصدّ فكريّ لهؤلاء ورفضوا الاقرار مع المعتزلة بأن القرآن مخلوق.
هم في الحقيقة لم ينفوا بأن القرآن مخلوق بل كان موقفهم هو رفض الخوض في الموضوع أصلاً, والاكتفاء بالقول ان القرآن هو كلام الله دون تحديد إن كان مخلوقاً أم صفة قديمة لله.
وأصر السلفيون ورئيسهم أحمد بن حنبل على موقفهم ذاك واعتبروا الخوض في مسالة خلق القرآن "بدعة".
وبقيت هذه القضية متداولة في الاوساط الفكرية الى أن جاء الخليفة العباسي المامون الذي كان محباً للعلم ومؤمناً بالعقل, وأنشأ مكتبة
"دار الحكمة"
العملاقة في بغداد.
والذي حصل أن المأمون اقتنع برأي المعتزلة في قضية خلق القرآن.
ودائماً حين تتدخل السلطة في شؤون الفكر فهي تفسد أكثر مما تصلح! وهذا ما حصل مع المأمون الذي قرر أن يجبر الناس على الاعتقاد بخلق القرآن!
و"وامتُحِن" الكثيرون أمام المأمون حتى صار الأمر يُعرف بفتنة خلق القرآن!
وكان ممن امتحنوا الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بخلق القرآن، فسُجن وضُرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون، وبقي في السجن مدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله.
وهذا الموقف أكسب ابن حنبل شعبية ورفع من مكانته بين الناس الذين رأوه صامداً قبال السلطة الظالمة التي تريد ان تفرض رأي المعتزلة بالقوة!
وطبعاً تلطخت سمعة المعتزلة بسبب سلوك المأمون والمعتصم الذين ارادا نصرة رأيهم فتسببا في اضعافه!
ولا يمكن أن يُنسب موقف الخليفتين الى فرقة المعتزلة.
فالمعتزلة أهل فكر ومنطق , وجدال وحجة, ولا يمكن أن يقروا إرغام الناس على معتقداتهم ولا أن يؤيدوا البطش والقهر الذي تمارسه السلطة الحاكمة.
وللحقيقة أقول ان رجلاً من المعتزلة اسمه احمد بن ابي داود قد تواطأ مع الخليفة المأمون وساعده في سعيه لامتحان الناس على خلق القرآن.
ولكن هذه كانت حالة فردية لرجلٍ ركب موجة السلطة, ومن الظلم أن يُقرن عموم المعتزلة بسلوك أحدهم ممن مال الى السلطة على حساب المبدأ.
وعلى كل حال فقد انتهت "الفتنة" سريعاً لما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ فأظهر "الانتصار للسُّنَّة"، وأمرَ بمنع الناس من الخوض في مسألة الكلام، والكفِّ عن القول بخلق القرآن، وتوعّد من تعلّم علم الكلام أو تكلم فيه بالويل والثبور، وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير، وأمر بإكرام الإمام أحمد بن حنبل إكرامًا عظيمًا وقتل الكثيرين من رموز المعتزلة.
وبعد ذلك دأبت الحكومات المتعاقبة على "ترتيب" امورها مع تيار الفقهاء التقليديين , فاعتمدتهم كمرجعية دينية للدولة ومنحتهم المزايا مقابل تأييدهم للسلطان الحاكم. وطبعاً كان المعتزلة هم الضحية لأن فكرهم تم استبعاده ومحاربته بأمر من تحالف السلطة الحاكمة مع تيار الفقهاء التقليديين. وتم ترسيخ كل مقولات ابن حنبل وتياره السلفي الرافض لمنهج العقل والعلم الى يومنا هذا.
وانا أقول انه لو استمرّ تيار المعتزلة ونما, وتابع انتشاره في بلاد المسلمين , ولو لم تتم محاربته وطمس آثاره من قبل السلطات المتعاقبة التي وطّدت أركان فكر الخرافة والظلام, لكانت الثورة العلمية والصناعية قد حصلت عندنا , وفي بلادنا, وليس في اوروبا!
ولكانت النهضة الحضارية الكبرى قد بدأت لدينا نحن قبل أوروبا بعدة قرون! ولما كنا اليوم نرى الكثيرين من المسلمين مشغولين بأمور الجن والعفاريت في القرن الحادي والعشرين!
ولما كنا نجلس خاملين ونكتفي بالدعاء الى الله لكي يتدخل ليهزم أعداءنا ويحرر بلادنا ,دون أن نفعل شيئاً مفيداً . ولما كنا نسمع فتاوى عجيبة كل يوم من "علماء" لا يفكرون ولا يهتدون بهدي القرآن الذي ذم التقليد الاعمى والجاهلين الذين "لا يعقلون", والذي حث على العلم فابتدأ نزوله بكلمة "اقرأ" !
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire