vendredi 31 janvier 2014

الرسالة الثالثة ــ من جرائم السّلفيّة ( طائفة أهل السنة و الجماعة) ـــ أربع رسائل ــ حمّادي بلخشين ــــ سلسلة في الصّميم-من جرائم السلفية


سلسلة في الصّميم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من جرائم السّلفيّة  
 ( طائفة أهل السنة و الجماعة)

ـــ أربع رسائل ــ





حمّادي بلخشين



       ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرسالة الثالثة

 من جرائم السلفية



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

One who condones evil is just as guilty as the one who perpetrates it



الذي يتغاضى عن الشر هو خاطىء بقدر من يقترف ذلك الشر. 

( المناضل الزنجي القس  مارتن لوثر كينج )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 2ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



محتوى الرسالة الثالثة



الباب الأول الجريمة تعريفا و استهدافا :..............................................    5

فصل/ تعريف الجريمة............................................................................    7

فصل/ جرائم السلفية ضد الإنسانية..............................................................    11



الباب الثاني مخالفة السلفية نهي الرسول عن تدوين احاديثه ....................    15

فصل/ رد دعوى نسخ  النهي عن كتابة الأحاديث ...........................................    21

فصل/ على قدر اهل السخف تأتي المهازل......................................................   25

فصل/ الدين يؤخذ عن العقلاء المجاهدين و ليس عن الأغبياء المثبطين ................... 27



الباب الثالث مسخ السلفية مفاهيم حيوية.............................................    29



فصل/الإسلام و الإيمان و العبادة و ألأمر بالمعروف و انهي عن المنكربالمفهومين

الإسلامي والسلفي....................................................................................   33

فصل/ القضاء و القدر بالمفهوم السلفي..........................................................   37

فصل/القضاء و القدر بالمفهوم الإسلامي........................................................   41    

فصل/ جنون سلفي بلا حدود .......................................................................   45

فصل/ من ضعفها العقلي اوتيت السلفية..........................................................   49

فصل / السلفية منظومة جبرية ....................................................................   50



الباب الرابع اختيار السلفية التقليد دون الإجتهاد..................................      53 

فصل/ في التقليد و المقلدين.........................................................................   55

فصل /التقليد حتمية سلفية........... ................................................................ 57



الباب الخامس استهانة السلفية بالله تعالى........................................  59

فصل المنظومة السلفية خرافية و رموزها دروايش .........................................    61



الباب السادس استهانة السلفية برسول الله...........................................    65

فصل/ العصمة  بمفهومها لسلفي انتقاص من قدر الأنبياء...............................    67

فصل/ العصمة بمفهومها الإسلامي..........................................................     71

فصل/ جولة طريفة في المخيلة السلفية السخيفة...........................................    73



الباب السابع استهانة السلفية بصحابة رسول الله...............................       75

فصل/ الغباء السلفي يستهين بالصحابة في" اصح مصادره"..........................  77

فصل نريد اسلاما بلا سلفية وصحابة بلا معاوية.........................................  79



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 3 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





الباب الثامن استهانة السلفية  بالمرأة ......................................         81

فصل / المرأة و الرجل سواسية في نظرالإسلام............................................   83

فصل/ العدوان السلفي على المرأة ..........................................................    87

فصل/ فرض النقاب غير الإسلامي على المرأة.............................................    89

فصل/ في جاهليتها الأولى كانت المرأة العربية أرفع مكانة و اشرف قدرا من جاهلية

السلفية المعاصرة .............................................................................    93

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ    4 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الباب الأول



 الجريمة تعريفا و استهدافا



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   5 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ إنقلاب]



وضعنا وضع عجيب

هكذا نصحو

فيصحو فوقنا شيء مريب!

و على الفور يسمينا الأحباء

و في الحال نسميه الحبيب!



أحمد مطر



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   6   ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل                        

تعريف الجريمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



  اذا علمنا ان " الشريعة تتفق تمام الإتفاق مع القوانين الوضعية الحديثة، في تعريف الجريمة بانها عمل يحرمه القانون، أو امتـناع عن عمل يقضي به القانون "(1).                                                                                                     

    ثم اذا علمنا أن " الجرائم تنقسم  الى[ جرائم] ايجابية و سلبية،  بحسب ما اذا كان الفعل قد ارتكب بطريق الإيجاب او السلب ، او بحسب ما اذا كان الفعل مأمورا به او منهيا عنه " و" ان الجرائم الإيجابية تتكون من اتيان فعل منهي عنه" و ان" الجرائم السلبية تتكون من الإمتناع عن اتيان  فعل مأمور به " (2) ".               

   اذا علمنا ذلك كله، ثم  تأكد لدينا  من خلال نظرنا في تاريخنا القديم و المعاصر، ان السلفية قد اجرمت ايجابيا لما خالفت الشرع الإلهي  و الدساتير الوضعية،  فزكّت حكاما مفسدين هم عبارة عن وحوش بــشرية عابدة ملذات  و أسيرة شهوات،  لتقوم برعاية الدين  وإقامة العدل بين المسلمين.  فكان عمل السلفية  بمثابة من عهد الي الذئاب رعاية الخرفان، و الى بيل كلينتن حفظ شرف الغيد الحسان. كما اجرمت المنظومة السلفية حين اتهمت مخالفيها في الرأي بالكفر و الزندقة، و الخروج غير الشرعي على السلطات (و كلها تهم قاتلة بحد ذاتها)  كما اجرمت باباحتها (بغير قانون ارضي او سماوي ) دماء كل تلك الأصناف المذكورة ،  ثم اضافت الى جناياتها تلك جريمة  تبرير فعل القتلة ومنحهم حصانة ابدية من التتبع الجنائي .



     ثم اذا تاكد لدينا ايضا ان السلفية قد اجرمت سلبيا حين منعت الدواء عن المريـض، و الزاد عن المشرف عن الهلاك جوعا وعطشا، والعدل عن المسلوب، و النجدة للمقتول ظلما،  تحت شعار  " دعه يملك، دعه يهلك"(3) وذلك حين حجبت عن البشرية جمعاء رحمة الإسلام و جهوده الإنقاذية، لتتركها تحت رحمة جلاديها،  تكابد الظلم و القهر والحاجة و التعذيب(4)  لأن " من يقدر على منع الجريمة او انجاء المجني عليه من الهلكة، فهو مسؤول جنائيا عن سكوته و يعتبر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] عبد القادرعودة التشريع الجنائي في الإسلام مقارنا بالقوانين الوضعية ج1 ص 67

[2] نفس المصدر ج1 ص 87

[3] على وزن الشعار الراسمالي:  دعه يعمل دعه يمرّ !

(4)  خصوصا و أن كهنة السلفية  كانوا قادرين  على انقاذ هؤلاء الضحايا ، لما لهم من مكانة كبيرة في قلوب الجماهير المسلمة، لو امروا الشارع الإسلامي  باعلان عصيان مدني شامل لا يكلفها قطرة دم واحد ، في صورة رفض الحكام الإستجابة لمطالب العدل و المساواة و الحرية .... ( لمّا غضب العز بن عبد السلام من حاكم عصره و عزم على الخروج من مملكته اتبعته الجماهير حينـئذ جاء من يـقول للسلطان : " لو خرج العز بن عبد السلام خسرت سلطانك و اصبحت بلا رعية "  فاضطر الى إسترضائه.  و لكن السلفية لا تفكر حتى بسلامة المسلمين، فكيف يخطر ببالها استنقاذ غيرالمسلمين من اسرى الإستبداد،  وهي التي تبيح تسليم المسلمين الى الكفار ليطبق عليهم غير شرع الله " رغم ان الشريعة الإسلامية لا تجيز لدولة اسلامية ان تسلم رعاياها مسلمين او ذميين ليحاكموا في دار الحرب عن جرائم ارتكبوها في تلك الديار ...و قد اختلف في صحة شرط تسليم الرجال المسلمين بعد الإتفاق، فيرى أحمد بن حنبل و بعض الفقهاء في مذهب مالك انه صحيح و يجب الوفاء به و يرى ابو حنيفة و بعض الفقهاء في مذهب مالك ان شرط التسليم باطل حيث لا يجيزون تسليط غير المسلم على المسلم باي حال "( انظر عبد القادر عودة التشريع الجنائي في اٌسلام  ص 299/300)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 7 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



 مشاركا في االجريمة و معينا للجناة " (1) اما اذا هلك المجني عليه، فيعد قتله من قبيل القتل بالترك، و هي المسؤولية الجنائية التي  اقتبسها القانون الأرضي من نبراس شريعتنا العظيمة " (2)  ذلك " ان اتجاه فقهاء الشريعة في القتل بالترك، هو نفس الإتجاه الذي سار عليه اغلب شراح القوانين الوضعية، ابتداء من القرن التاسع عشر، اما قبل ذلك، فقد كانت غالبية الشراح ترى انه لا يمكن إحداث الجريمة بالترك، لأن الترك عدم، ولا ينشأ عن العدم وجود, و كانت اقلية   ترى ان الترك يصلح سببا للجريمة كالفعل تماما، لأن كليهما يرجع الى ارادة الإنسان، و قد انتهت الغالبية الى التسليم بان الترك يصلح سببا للجريمة، و لكنهم لم يأخذوا بهذا المبدأ على اطلاقه و قيدوه بان يكون الشخص مكلفا في الأصل بالعمل، و ان يكون الإمتناع او الترك مخالفة لهذا التكليف " (3) .



    ثم اذا علمنا ان الجرائم تـنقسم" بحسب كيفية ارتكابها، الى جرائم مؤقتة و جرائم غير مؤقتة" (4)  وان الجرائم المؤقتة " هي التي تتكون من فعل أو امتناع يحدث في وقت محدود و لا يستغرق وقوعها أكثر من الوقت اللازم لوقوع الفعل أوقيام حالة الامتناع مثل جريمة السرقة فانها تتم بمجرد اخذ الشيء خفية... و أن الجرائم غير المؤقتة هي التي تتكون من فعل او امتناع قابل للتجدد او الإستمرار فيستغرق وقوعها كل الوقت الذي تتجدد فيه الجريمة او تستمر، ولا تعتبر الجريمة منتهية الا بانتهاء حالة التجدد أو الإستمرار..ثم اذا علمنا أن "  الجرائم المستمرة هي التي لا يتوقف استمرار الجريمة فيها على تدخل ارادة الجاني، بل يستمر الفعل المكون للجريمة دون حاجة لتدخل ارادة الجاني، كحفر بئر في طريق، و إقامة بناء في ملك الغير، أو خارجا عن التنظيم " (5).                 

  

    فاذا تبين لنا أن الآبار المسمومة، و الأراضي الملغومة  التي حفرها ابن حنبل و ابن تيمية وسواهما في طريق المسلمين ما زالت تلتهم الموحدين الى يوم الناس هذا، واذا اتضح لنا  جهود السلفيين  في إقامة بناء الصروح الملكية على ارض اسلامية غير مرخص فيها لتلك النوعية من المؤسسات الفرعونية (  مما أفسح الطريق الى علمانية مجاهرة بحرب الشريعة أن تجد لها مكانا في بلاد المسلمين) .                                             



  اذا علمنا ذلك كلّه،  بدا لدينا بوضوح ان جرائم السلفية من جنس الجرائم المستمرة التي تستحق تسميتها بالسنن السيئة أو اللعنات الجارية  التي ابتلى بها الغباء السلفي أجيالا متعاقبة من المسلمين .                                                                                         

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] عبد القادر عودة التشريع الجنائي في الإسلام  ج1 ص 372

[2] و لم تتخلف عن ذلك الإجماع الذي فيه مصلحة المعذبين في الأرض ،سوي اعداء الإنسانية من السلفيين، حيث قعدت بهم مداركهم العقلية الكليلة، وضعف احساسهم بالعدالة،  عن الحسم في الأمر اذ ( و كما كتب عبد القادر عودة )" يرى بعض الحنابلة، أن من امكنه إنجاء آدمي من هلكة كماء أو نار أو سبع، فلم يفعل فلا مسؤولية عليه, و يرى بعضهم انه مســـؤول . واساس هذا الخلاف هو هل: الإنجاء واجب أم غير واجب " ( التشريع الجنائي في الإسلام ج1 ص 88 ) إهــ                                                                                        

هذا مـــع ادراك السلفيين  من حديث " دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي اطعمتها و لا تركتها تأكل من خشاش الأرض " أن الإنسان يؤاخذ بادني من ذلك .

( 3)  نفس المصدر ص89 ) 

و ما زلت تشاهد اللامباة و البلادة التي تعم الشارع لمسلم حيال الجرائم التي ترتكب في الطرق العامة حيث لا يهب الا النادر من الناس لإيقاف العدوان على الضحايا بحجة وجوب عدم التدخل في امور لا تعنيهم رغم انهم مكلفون شرعا بدفع الصائل و نجدة الملهوف.

(4) عودة 95

(5) نفس المصدر ص 96

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 8 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ







                                                                             

توفر جميع  أركان الجرائم السلفية :



  اذا ثبت لدينا " ان للجريمة بصفة عامة اركان  ثلاثة لا بد من توفرها وهي :

أولا: ان يكون هناك نص يحظر الجريمة و يعاقب عليها، و هو ما نسميه اليوم في اصطلاحنا القانوني بالركن الشرعي للجريمة .

  ثانيا : اتيان العمل المكون للجريمة ــ سواء كان فعلا او امتناعا ــ و هذا ما نسميه في اصطلاحنا القانوني بالركن المادي للجريمة .

  ثالثا:  أن يكون الجاني مكلفا أي مسئولا عن الجريمة و هذا ما نسميه اليوم بالركن الأدبي " (1)  



 اذا حصلت لدينا تلك المعلومات، ثم علمنا أن نصوص القرآن حافلة بتجريم من قتل مسلما أو حالف ظالما أو اعانه بالسكوت عنه. ثم اذا علمنا  ان المنظومة السلفية قد تورطت فعلا فيما نسب ضدها من جرائم . ثم اذا ادركنا تكليف الله تعالى العلماء ببذل دمائهم لصد العدوان على الرعية .اذا علمنا ذلك كله. ادركنا ان أركان الجريمة السلفية قد توفرت شرعيا و ماديا و أدبيا،  فبمجرد نظرنا في كتاب الله تعالى، ثم في السجل الأسود للمنظومة السلفية، وتحققنا من تعاونها المفضوح حديثا و قديما مع كل مستبد أثيم و جبار زنيم،  فلن نشك بعدها لحظة واحدة  في توفر  جميع اركان الجريمة السلفية .


    أما إثبات الركن الأدبي الذي يتحقق بالسلامة العقلية للمجرم،  فإن لا سلفيتي (التي تحثني على حسن الظن بالغير) تحملني على الشك في تحقق ذلك الركن، عند عرض السلفيين على المحكمة الربانية التي تراعي ظروف الرحمة والتخفيفف، لأن السلفيين قوم لا يعقلون، فجنونهم ليس عرضيا، بل هو من قبيل الجنون المطبق الذي لا يفيقون منه حينا، و يردون اليه حينا آخر، فاذا اجرم كهنة السلفية، فبسبب قراءتهم الخرقاء  للنصوص،  فهم كما ذكرت آنفا، يذبحوننا لوجه الله تعالى، وبحسن نية خالصة له، و لقد اختيروا من قبل الحكام  لعلم هؤلاء الظلمة بقصورهم الذهني، وضعف ملكاتهم العقلية، بالتالي عجزهم عن استيعاب رسالة الإسلام في  رفع الضيم عن االبشرية بعد رفعه عن الموحدين، و لولا ان الله تعالى خلق السلفيين  ليحمد على نعمة العقل، ما كان لخلقهم عظيم فائدة او حقيرها. و رغم كل كذلك، فإنّ  خبل المعتوهين السلفيين الذي يحملون على صدورهم لافتة "علماء الأمة "  لا يسقط عنا مسئولية الضرب على أ يديهم المعربدة، لنزع السلاح التي تستخدمه عشوائيا لإهلاك الحرث و النسل، وافساد الدنيا، و توهين عرى الدين .     



   اذا علمنا كل تلك المقدمات خلصنا الى نتيجة ان السلفية قد نالت حظها من صنفي الجرائم ايجابيها و سلبيها فاستحقت الإدانة شرعا و عرفا.  لأجل ذلك وجب اماطتها عن المشهد الإسلامي كأول اجراء لتصحيح المسار (2).                                                                                                  

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) عودة ص 111

(2) لا يتحقق ذلك الاّ بحرص الموحدين على اغلاق المعاهد و الكليات الدينية التي تخرج ابقارا سلفية لا تختلف في اضرارها بامة محمد  عن اسلحة الدمار الشامل .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  9 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





 أي جرم سلفي أخـــرق / منح الطاغوت أقــوى الحجج

كي يعيث مفسدا في أمتي/ مستهيــــنا بالورى و المهج

حمّادي بلخشين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 10 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ









فصل

 جرائم ضد الإنسانية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



  ما من نفس بشرية ماتت كافرة، أو استهين بإنسانيتها وأهدرت آدميتها، أو ضيق عليها عيشها أو اضطهدها  حكام الجور من كفار بني جنسها، إلاّ و تقتتضي العدالة الربانية أن تأتي يوم القيامة و هي متشبثة برقاب جنرالات الشرطة السلفية و منظريها البائسين، الذين مسخوا ديننا وشوّهوا معالمه و قلبوه رأسا على عقب،  فحوّلوه من نسر قويّ يحلّق في الأعالي و يرتاد القمم الشامخة ، و الوديان السحيقة لينتزع رزقه بحد نابه فيطعم و يطعم غيره،الى بطّة عمياء مشلولة تسوء الناظرين، كما حولوا ديننا من أداة تحرير للبشرية وعتق لها من  قبضة الجبابرة أعداء الحياة، الى منظومة أمنية خادمة لديكتاتورية محلية مهينة،  خادمة لبطونها و فروجها،لا تفكر في مكرمة و لا تسعى الى مجد سوى امجادها الشخصية والأسرية  شعارها الأبدي " اليوم خمر و غدا خمر" (1)، مبعثرة جهود المسلمين في حروب داخلية و اقتتال مستمر على السلطة، الى أن ضاعت الفرصة ( ربما الى الأبد)، بعد ما غفا الغرب من سباته الطويل، فشحذ حرابه و يمّم وجهه شطرضحاياه  البائسين قبل أن" يحقق [ الإسلام] هويته العالمية،أو يسيطر على مسيرة الحضارة ، بل حجز داخل العالم القديم في مناطق موبوءة بالفقر والجهل، تحت حراسة فقهاء غائبين عن التاريخ ... لم يحقق الإسلام رسالته العالمية على يد الفقيه، بل خسر معركته قبل ان يعبر المحيط، و ظهرت الرأسمالية بمثابة دين عالمي بديل و طوى صفحة الأديان بموجب نظريات راسمالية و اشتراكية مستحدثة ..لكن المؤرخ المسلم لم يكن بوسعه ان يسجل ما حدث للإسلام إلا على الصفحة القديمة نفسها . إنه لا يلاحظ غياب الإدارة الجماعية(2) و لا يفسر ما حدث للمسلمين بإعتباره نتيجة حتمية لغيابها، بل يبدأ من حيث يبدأ الفقهاء و ينحى باللوم على المسلمين الذين " فرّطوا في دينهم " من دون ان يحدد لهم اين فرطوا فيه، و يعيرّهم بحاضرهم على اساس انهم لا يستحقون ماضيهم المجيد، من دون ان يفسر لهم لماذا ذهب الماضي المجيد نفسه.ان تاريخنا يكتبه فقيه غاضب لا يعرف ما حدث في التاريخ ... رجل يريد ان يقول ان المسلمين خسروا ثلاث قارات و خسروا ارضهم نفسها لأنهم لم يتمسكوا بدينهم و لم يؤدوا الشعائر، و لم يكونوا مسلمين حقا كما كانوا ذات مرة في عصر هارون الرشيد، هو تشخيص حكومي يتعمد اساسا ان ينسى  ما ما حدث في عصر هارون الرشيد نفسه .فالواقع ان المسلمين لم يفرطوا في دينهم بل انتزعه منهم رجل مسلح[ يقصد معاوية] على راس جيش من القتلة الماجورين. واذا كان الإسلام هو اداء شعائره، فان عدد المسلمين الذين يؤدون هذه الشعائر الآن يزيد على عدد المسلمين في عصر هارون الرشيد بعشرة اضعاف على الأقل. إما ذا كان الإسلام هوالإدارة الجماعية، فان ذلك مسؤول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التعبير للمفكر الليبي الكبير الصادق النيهوم .

(2) "الإدارة الجماعية" أو "الشرع الجماعي" من المصطلحات الخاصة بالأديب و الباحث المذهل الصادق النيهوم ( 1937/1994)رحمه الله و غفر له و يعني بها، مشاركة العامة في اتخاذ القرارات على الكيفية التي مارسها الرسول و الراشدين من خلفائه . و لعل ابداع النيهوم في وضع يده على موضع الداء و تشخيصه السليم لأوضاعنا يضعنا أمام حقيقة أن هذا الدين، و كما قام قديـما على اكـتاف غــير المحترفين من الكتاب و الكهنوت السلفي المعاق و المعيق فإنه قادر على النهوض مرة أخرى بجهود فئة ليس من الضروري ان تكون خريجة معاهد الأكليروس الديني العقيمة الأرحام عن الإتيان  بأمثال سيد قطب أوالصادق النيهوم( الذي يمكن اعتبار كتبه الثلات ترجح ما خطته أقلام كتاب السلفيين مجتمعين عبر كل القرون).   

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 11 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



عنه رجــل مسلح على رأس جــيش من القـتلة المأجورين، ومسؤول عنه فقيه يزعم  ان مصادر

الشرع أربعة، ليس بينها صوت الناس.ان المنهج التاريخي المستخدم في كتابة تاريخنا الإسلامي، لا يري حجم الكارثة التي حلت بالإدارة الإسلامية منذ ابطال الشرع الجماعي في عصر معاوية . بل ينطلق من هذا العصر لكي يسجل امجاد الإدارة الإسلامية في اعلان مدفوع يتجاهل أوّلا ان الإدارة التي يتحدث عنها نسخة منقولة من تراث بيزنطة، و يتجاهل ثانيا، انها ادارة قامت على انقاض الشرع الإسلامي بالذات. و اذا كانت  مهمة التاريخ ان تشرح للناس اخطاءهم فان المنهج المستخدم في تاريخنا الإسلامي، موجّه عمدا لإخفاء هذه الأخطاء. انه منهج لا يشغل نفسه بما حدث للناس، و لا يرى مدى خسائرهم التي نجمت عن ابطال الشرع الجماعي، و لا يهمّه الفارق الصارخ بين حضارة اقطاعية قامت على حاجة الأقوياء للترف، و بين حضارة اشتراكية تقوم على حق كال مواطن في السلام والعدل. منهج لا يهمه ان العالم الذي خاطبه القرآن يضم سبع قارات، وان الإدارة الإسلامية قد فشلت في حمله الى خمس منها، وان ذلك ليس سببه عدم تمسك الناس باداء شعائر الدين، بل سببه عدم تمسك الخليفة بالإدارة الجماعية [ بسبب صلاحيته المطلقة في فعل ما يشاء دون محاسبة من قبل الثدييات السلفية] و ان تاريخنا لا يعلمنا الدرس المفيد الذي سوف نتعلمه من تاريخ أمة اخرى على أي حال. فقد أثبت سير الأحداث في غرب اروبا، أن الشرع الجماعي ليس فكرة قابلة للموت بل قانون طبيعي لا بد منه في نهاية المطاف. و رغم ان الثورات الأروبية  لم تنجح ابدا في اقرار صيغة ادارية شاملة مثل صيغة الشرع الجماعي في الإسلام، فانها على الأقل قد نجحت في انهاء نظرية الحق الإلهي المقدس في الحكم. و كسر ت بذلك سلسلة الإقطاع الحديدية التي طوقت عنق الإدارة منذ عصر الملوك المتألهين في دول الشرق القديم ... لم تكن الثورة الأنكليزية موجّهة لإحتواء طبقات الناس، و لم تنجح في اقرار شرع جماعي قادر على ضمان المساواة بينهم بل ان"كرمويل" قائد قوات الثورة( في منتصف القرن السابع عشر) كان يبدى ازدراء لفكرة المساواة نفسها، و كان يسمي الدعاة اليها " المسوين" و قد اختار ان يصفيهم قبل تصفية الملك شارل الأول سنة 1649, لكن الثورة ألأنجليزية لها فضل إحياء حقيقتين كاد العالم ان ينساهما لأول مرة في لغة الإسلام. الأولى ان الإقطاع فكرة محكوم عليها بالموت حتى من دون الإسلام، والثانية ان الجيش الماجور الذي تقوم عليه نظرية الإقطاع جيش من ورق يمكن هزيمته بجيش من الناس. و لأن الإسلام نفسه لم يصل الى بريطانيا، فقد وصلت اليه صيغة مختلفة من صيغ الشرع الجماعي، و التأم شمل كبار الملاك و التجار البريطانيين تحت سقف واحد مفتتحين عصر الرأسمالية الحديثة بمعركة مضمونة النتائج سلفا بين سلطان تركي وحيد جاهل(1) و بين جزيرة مغطاة بالضباب يديرها جيش من الخيراء الحاذقين تحت سقف برلمان واحد "(2)                        



   أن جناية التواطوء السلفي مع الملكية الحاكمة بإسم الحق الإلهي المقدس، لم تحرم المسلمين  فحسب من التمتع بحقوقهم، بل حرم غيرهم من الأمم من الرحمة العالمية التي كلف  المسلمون ببذل دمائهم و مهجهم  في سبيل اسباغها على الناس كافة, فقد تمثلت جناية السلفية بسكوتها عن مظالم الحكام حينا ز بما تمده حين آخر من فتاوى باطلة سرعان ما تتحول الى  سياط عذاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ليت ذلك الحاكم الوراثي الجاهل  لم يضف  الي جهله استبداده بالرأي " لأن وزراء الملك اذا كانوا صالحين  و كان يطيعهم في آرائهم لم يضر في ملكه كونه جاهلا، و استقام امره " " بن المقفع . كليلة  دمنة  ص 108

(2) صوت الناس محنة ثقافة مزورة ص 137/138/139



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 12 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



تأتي على الحرث و النسل،  لتطول حتى الدواب الذي جاء الإسلام ليشملها برحمته.

فالثور الإسباني الذي يقتل اليوم وغدا، تحت التعذيب في حلبات مصارعة الثيران، لن يرضيه  يوم  القيامة الا بطح أكابر السلفيين على وجوههم ليطأهم بقرونه و اظلافه جزاء وفاقا. و لعل حسن ظني اللاسلفي يحملني على الترحم على شاعر الترجيديا الإسلامية ابي العلاء المعري، حين منع عن نفسه (أثناء اضرابه و اعتصامه  الإحتجاجي  الشهير) تـناول لحوم الحيوانات في رسالة يقول فيها ما معناه : طيب لماذا تسفك دماء تلك المخلوقات؟, اليس لخدمة الإنسان  حتى يقوم بدوره  بخدمة الله و نصرة المستضعفين؟ فما دام كل ذلك لم يتحقق. و ما دام الفرد المسلم  قد اعرض عن كل تضحية فلم يضح بظالم و لم يفتك بمرتش، و لم يعلق كاهنا سلفيا من رجليه بعد محاكمة اسلامية عادلةن فلم التضحية بذلك الطيراوالخروف الذي من حقه ان يشمله العفو كما شمل العفو كل   من استحق الذبح  من المجرمين  ؟                      



   لقد مكن الغرب الضاري نتيجة الإجرام السلفي و تقصيره المميت في الضرب على ايدي العابثين من الإنفراد بقيادة البشرية بطريقة فظة" و محرّرة من كل مبدأ انساني و موجهة دستوريا لخدمة راس المال على حساب كل راس سواه, و قد اباح الأروبيون لأنفسهم انتهاك جميع الحقوق الإنسانية لغير الأروبيين، من ابادة الهنود الحمر الى قصف اليابانيين بقنابل نووية،  و عندما ظهر نابليون تحت اسوار عكا سنة 1799 كانت قد مرت ستمائة سنة على عصر رتشارد قلب الأسد . و كان الأسد الجديد قد تضاعف حجمه الى ما لا نهاية من دون ان يتغير شيء في قلبه الصليبي .. ليواجه سلطانا تركيا خالي اليدين من كل سلاح ما عدا سلاح الصبر و المروحة ! " (1)                                                                      



     فجرائم السلفية  لا يحصيها الا الله تعالى, فعددها يكاد يتساوى مع  عدد مخلوقاته الناطقة منها  و العجماء. فكل مظلوم اسلم أو كفر، يعد ضحية للسلفية، و بالتالى قضية متروكة ليوم الحساب. فكاتب السطور يعد نفسه محلّ جريمة سلفية متعمدة ، فلئن شردت في بلاد النصارى , و حرمت من الأهل والإخوان ومراتع الصبا، ولم يبق امامي غير سبيلين احلاهما مرّ، اما تسليمي الى الإرهاب العلماني الحاكم في تونس، لأقتل تعذيبا او أموت سجينا، خصوصا بعد التصويبات العشوائية [2] للسلفي البغيض بن لادن و رفقائه[3]  أو أموت في غير بلاد المسلمين, ان حصل

ـــــــــــــــــــ  

 (1) نفس المصدر  140/141

ثم يعيب ـ رحمه الله ــ من انصرف من ابناء المسلمين عن اسلامنا  بفعل تخاذل السلفية وتزييف مؤرخيها و قراءتهم الخاطئة لسبب مآسينا فيقول مثبتا مكانه من المربع الإسلامي في مواجهة الحضارة المعادية ــ كما سماها ــ " و في ظل هذه الحضارة المعادية، ولدت في ثقافتنا العربية التي نعرفها، ثقافة عربية أخرى لا تعادى تراثنا، فقط بل تشترط ان نلغيه من ذاكرتنا بحجة انه سبب الكارثة من اولها، و هي نصيحة تشبه ما يروى عن جحا عليه رحمة الله الذي قال للطبيب ناصحا ان المريض اذا غير اسمه لا يصبح شخصيا هو المريض !  "  نفس المصدر ص 141

[2] " في إحدى العروض العسكرية اصطف كبار الضباط للسلام على رئيس الجمـــهورية و بينما هو يتصفحهم , كان بمعيته قائد كبير يقدم له كبار الضباط المستقبلين له. بينما كان الرئيس مركز نظراته على رتب الضباط ليصافح كل واحد وفق رتبته,  فكان القائد الذي بمعيته يقول له : قائد مشاة, قائد مظلات, قائد كتيبة, قائد طيران. فجأة لمح الرئيس قائدا( أحول) معلقا عددا كبيرا من النياشين، و كانت نياشينه تفوق جميع نياشين زملائه، فأستفسرالرئيس بتعجب عن صاحب هذه النياشين قائلا : قائد أحول و كل هذه النياشين على إيه ؟! فأجابه القائد المصاحب له على الفور : إنه قائد التصويبات العشوائية سيدي !!" ( عبده خال من رواية " نباح ")

[3] إذا كانت تفجيرات  بن لادن  لن تدفع صولة عدو, و لن ترجع وطنا سلـيبا, و لن تقــيم للإسلام دولة =



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 13 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ







لي كل ذلك، فكهنة السلفية المبررين لوجود الإرهاب العلماني الحاكم في بلدي هم أول من يتحمل مسؤولية ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

=ولن ترفع للحق راية, و لن ترجع للمظلومين حقوقا, و لن تهب للخائفين أمنا ولا للجائعين رغيفا و لا للسجناء حرية .وإذا كانت تفجيرات بن لادن لن تردع أمريكا عن غيّها, و لن تحول بينها و بين نهب ثرواتنا,ودعم جلاّدينا, واذا  كانت تفجيرا ت بن لادن لن تزيد طيننا الا بلّة، و لن  تزيد الحريات في بلادنا الا انحسارا,،ولا إسلامنا إلاّ وهنا  وتمزيقا, و لا الجحا الأمريكي  إلاّ إمتلاكا لــــكل مسامير الدنيا  الـــتي تبرّر له اقـتحام بلادنا ودس انفه في اخص خصوصياتنا .إذا كان كل ذلك كذلك فـيمكن اعتبار أسامة بـن لادن ودون منافس  القائد الأوحد للتصويبات

العشوائية، لأن الإدارة الأمريكية  لن تبالي بعدد  من قتل من أمريكان  و لو تحولت أيام امريكا كلها الي 11/9 لأن مصلحة الأرستقراطية الحاكمة الذي تمثل عائلته أحد أفرادها  فوق اعتباردماء أفراد شعبه و امنهم ( انظر كتاب مايكل مور" رجال بيض أغبياء " لتدرك أن ديمقراطية أمريكا شكلية و انها لا تكاد تختلف عن نظيرتها في اشد بلدان العالم الثالث تخلفا و لتدرك  بالتالي أن  أمل تحريك الراي العام الأمريكي للضغط عن بوش للكف من دمويته إستبقاءا لحياة مواطنيه، هو  من قبيل الطمع في غير المطمع و الرغبة في المستحيل) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 14 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





الباب الثاني



   مخالفة السلفية نهي رسول الله عن كتابة حديثه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  15ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عجبي عن أحمد تروى الدنايا            و بسيف السنة نقضي ضحايا؟!

ألف حاشا أن يجيز المصطفى            أن نــــــكون للملوك كالمطايا

حمادي بلخشين



الموسيقى لا تساعد الم الإسنان



Music helps not the toothache 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  16ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  

  تتحمل السلفية تاريخيا ثم دينيا، وزر جمع ثم تدوين الأحاديث النبوية التي ثبت نهى صاحب الرسالة عليه الصلاة و السلام عن تدوينها، كما ثبت ايضا أن ابا بكر و عمر و عثمان وعلي رضي الله عنهم ، و هم على رأس الدولة الإسلامية، قد سلكوا مسلك المصطفى عليه السلام،  و حفظوا توصيته القائلة" ( لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن و من كتب عني غير القرآن فليمحه (روا مسلم) أما النص التال،ي فهو أشد وضوحا في تأكيد النهي النبوي عن كتابة الأحاديث،  لأنه علل  سبب ذلك النهي، قال ابو هريرة "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن نكتب الأحاديث، فقال ما هذا الذي تكتبون؟ قلنا احاديث نسمعها منك. قال: " كتاب غير كتاب الله ؟ أتدرون ما ضل الأمم قبلكم ؟ إلاّ بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالى "؟



" هنا يضع النبي يده على جناية التاريخ على فعل الوضعية البشرية في النص الخالص، و كيف كان المضمون الصافي لهذا النص يتضاءل بفعل الإضافة التي تأتي من الكتب بهوامشها المضمومة و شروحها المستفيضة، فإذا بالحقيقة المطلقة النصيّة التي هي بطبيعتها بسيطة و قريبة، وقد صارت أطروحة نظرية معقدة التركيب،أو منظومة لاهوتية عسيرة الفهم،أو لائحة تشريعية مكتظة بالتكاليف، أو صارت الى ذلك كله. و قد اكتست بملامح الخرافة و الأساطير. تلك في رأينا الجناية الكبرى على الدين، جناية التاريخ على النص التي لخصها النبي صلى الله عليه و سلم  بعبارته الموجزة عن ضلال الأمم بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله، والتي تـنبّه لها جيل الصحابة في مجمله، فامتـنع عن تدوين الروايات اكتفاء بالقرآن و السنة المتواترة المستفيضة التي كانت عملية في معظمها، و التي كانت ضرورية بالفعل لتفصيل مجمل الكتاب، و توضيح مشكله... و التي لم تخرج قط عن دائرة القرآن ذاته .] (1) .                                        



     كما عمل الصحابة  بذلك النهي بعيد وفاة النبي، فــلم يكتفوا بالإمساك عن تدوين الحديـث ، بل و تتبعوا ما دوّنه البعض من اجل الحفظ  فأتلفوه، إطاعة لرسول الله، وامتثالا لوصيته فـــي عدم الكتابة، و ثقة منهم  بأن دين الله قد اكتمل، و أن لا بيان للدين بعد بيان رب العالمين  في كتابه المبين (( القرآن المبين )) كما علموا أن الزيادة في توضيح الواضح لا يعني غير النقصان، لأن الدين قد استغني عن الإضافة و التوضيح، استغناء السلاءة عن التنقيح (2) . بعدما ترك اهل الريبة والنفاق  في ارض عراء، ليس لهم فيها جنة يتحصنون بها. بعد أن تبين الرشد من الغي و  الكفروالأيمانالي حدّ أن المنافقين لم يسعهم في عهد رسول الله حيال وضوح اوامر الإسلام  و صراحتها، غير دفع الزكاة بل وحمل السلاح و القتال معه والمخاطرة بالمهج  كمهر يدفعونه من دمائهم و أموالهم لإثبات إسلامهم و التزامهم الظاهر باوامر الدين قطعا للطريق على المشككين في "إسلامهم"، واذا ما حاول هؤلاء المنافقون ا المناورة و الإلتفاف على النصوص للتهرب من التكاليف الشرعية كانوا يلجئون " الى اعذار و تعلات عليها مسحة من الشرعية مثل الإعتذار بانهم ليسوا محل تكليف اذ مناط التكليف الإستطاعة و هم غير مستطيعين {و قالوا لا تنفروا في الحر التوبة 42 }, ثم الإعتذار بشدة الحرّ الذي جعله الشارع سببا في الترخيص و التخفيف، كما في الإبراد بصلاة الظهر {و قالوا لا تنفروا في الحرّ. التوبة 81 } والإعتذار كذلك بوقوع مفسدة تضيع معها مصلحة الجهاد و هو الإفتـتنان ببنات الروم{إئذن لي و لا تفتني}التوبة 49, والإعتذار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] عبد الجواد يس السلطة في الإسلام ص 239

[2] مثل عربي و السلاءة الشوكة و هي في غاية الملاسة وكل محاولة للمزيد من جعلها ملساء اكثر تؤدي الى حدوث خدوشات و نيوءات تذهب بملاستها  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  17 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



 بالقياس حيث طلبوا من النبي ان يعذرهم كما يعذر من رفع الله عنه الحرج من الضعفاء و المرضى (( ذرنا نكن مع القاعدين )) التوبة 86 " إهـ (1)



    " و لقد انقضى عصر الصحابة قبل بداية المائة الثانية للهجرة، كما هو ثابت دون أن تدوّن الأحاديث الأحادية في الكتب، و مع حرصهم في عهد ابي بكر على جمع القرآن الذي قد كان تم تدوينه بالفعل في حياة النبيّ ص، نجد توجسا صريحا من جانبهم حيال تدوين الأحاديث، فقد جمع أبو بكر الناس فقال" انكم تحدثون عن رسول  الله شيئا , فمن سألكم فقولوا بيننا و بينكم  كتاب الله فاستحلوا حلاله و حرّموا حرامه". و اما عمر، فقد طفق يستخير الله شهرا ثم أصبح يوما و قد عزم الله لــه فقال : اني كنت اريد ان اكتب السنن واني ذكرت قوما قبلكم كتبوا كتبا  فأكبوا عليها و تركوا كتاب الله و إني و الله لا أشوب كتاب الله بشيء ابدا فكتب في الأمصار امن كان عنده شيء فليمحه ](2) .                                                                    



    فرسول الله صلى الله عليه و سلم  " لم يكتب الحديث لأنه كان يقصد أن لا يكتبه. و كانت رسالته موجهة اساسا الى الغاء كتب الحديث، و تحرير النص المقدس من أهواء المؤسسات السياسية، و جمع الناس على سنة نافعة واحدة. وهي رسالة ابلغها الرسول حرفيا واختار حجة الوداع لكي يسمع بشهادة المسلمين على انفسهم، بان البلاغ قد وصلهم كاملا، وان النص الشرعي قد اكتمل في صيغة القرآن. وفي ذلك الوقت لم يكن الحديث قد نشأ، و لم يكن  ثمة حاجة  شرعية الى نشوئه في شريعة اكتملت بشهادة من الله و رسوله معا[ اليوم اكملت لكم دينكم و اتتمت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا قرآن]. إنّ ظهور السنة كان مجرد ردّ سياسي على سنة الله بالذات. فقبل أن يولد الإمام مالك الذي افتتح مسيرة الحديث، كانت شريعة الإسلام الجماعية قد خسرت الحرب على السلطة، و أخلت مكانها لحكومة اقطاعية قائمة على مبدأ الحق الإلهي المقدس في الحكم، وهو مبدأ يستحيل احتواؤه في دستورالشرع الجماعي, و يحتاج بالضرورة الى دستور خاص في سنة جديدة و قرآن آخر.و طوال الأربعة عشر قرنا التالية كانت هذه السنة الجديدة تحتضن نظم الإقطاع في حكومات عائلية تتوارث السلطة بموجب الحق الإلهي المقدس في الحكم. و كان علماء السنة قد محوا من ذاكرة الناس ان الرسول شخصيا لا يعترف بمثل هذا الحق، وانه مات دون أن يورّث السلطة لأحد،وانّ  مخالفة هذه السنة مخالفة  صريحة لا يكون اسمها علما إلا من باب السخرية من العلم " [3]



أما  ورد في البخاري من قول الرسول لصحابته اكتبوا لأبي شاة فــ" يعد هذا الحديث اقوى ما تستند اليه المنظومة السلفية بعدما قال عبد الله بن أحمد ليس يروى في كتابة الحديث شيء اصحّ من هذا الحديث، وقد صدق فيما قال، لأن سائر ما يحتج به في هذا الصدد روايات واهية لا تصمد للنقد بمقاييس علم الحديث التقليدية ذاتها... و نعود لحديث ابي شاة لنجد ان الإذن الممنوح بالكتابة فيه، كان اذنا خاصا بهذه الحالة حيـث كانت الكتابة تتم في حضور النبي و تحت اشرافه كما ان موضوعها هو خطبة الوداع، موضوع شائع في جمع غفير من الناس المصاحبين للنبي في حجته الاخيرة مما يبعد احتمال الخطا والتزيد، على أن أهمّ  من ذلك كله، هو ان هذا الخبر لا يعارض

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سفر الحوالي  ." ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي "

[2] السلطة في الإسلام 239

[3] الصادق النيهوم " الإسلام في الأسر" ص 139/140



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 18 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





يعارض حديث ابي سعيد الخدري الذي يشــيرالى الأصل العام، والذي يؤكده الدليل العملي الحاسم من سنة النبي اعني بذلك انه صلى الله عليه و سلم لم يامر بتدوين شيء غيرالقرآن، و لم يتخذ لكتابة الحديث كتّابا ككتّاب الوحي الذين اتخذهم لتدوين القرآن، وهذا هو الحدّ الأدنى المتيقن في المسألة بغير جدال"(1) .                           



    كما ان ما كتب لأبي شاة،  قصد منه استعا نة ابي شاة على الحفظ، ليتـلفه مباشرة بعد حفظه( و في اقصى الحالات، قبيل وفاته) ." و قد استمر الصحابة بالإمتناع عن كتابة الأحاديث و التمسك بالحديث الذي نهي فيه عن كتابة السنة، و كان بعضهم ممن يعرفون القراءة و الكتابة اذا سمع حديثا مفيدا كتبه  ليحفظه فاذا حفظه محاه.  روى ابو نضرة قال: قلت لأبي سعيد الخدري: انك تحدثنا عن رسول الله بأحاديث حسنة فلو كتبناها ؟ قال: لن اكتبكموها، و لن أجعلها قرآنا. و خطب على ابن ابي طالب مرة، فقال: اعزم على كل من كان عنده كتابة عن رسول الله إلاّ رجع فمحاها، فانما هلك الناس حيث اتبعوا احاديث علمائهم و تركوا كتاب ربهم " (2)  .



   " و لم يرد على لسان احد من المتقدمين قبل خلافة عمر بن عبد العزيز، انه قال ان النبي صلى الله عليه و سلم  نسخ حديث النهي عن كتابة السنة، فهذه المقولة ظهرت بعد عصر عمر بن عبد العزيز لتبرير جواز  كتابتها، و قد بقي فقهاء كثيرون بعده يكرهون تدوين السـنة، ويتمسّكون بموقف الصحابة في تحريم كتابتها، و حجتهم ان الناس سيقبلون عليها و يهملون كتاب الله. يقول الضحاك بن مزاحم " سيأتي على الناس زمان تكثر فيه الأحاديث، حتى يبقى المصحف بغباره لا ينظر اليه" (3) و تلك أقصى منى حكام الجور الذين تركتهم أيات القرآن" البيّنات " في العراء بسبب  بوضوح دلالاتها، وقوة تحريضها على عدم مهادنة الظلم، والإستكانة للمفسدين .                                                                       



    و لئن اصطدمت الرغبة المبكرة  لمعاوية  في استكتاب ما راج من مرويات( شديدة النفع للمؤسسة الملكية) بسدّ منيع، تمثل في إصرار الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه  في التقـيّد بتعاليم الرسول في منع الكتابة(4)،  فان ذلك السدّ سرعان ما تهاوى، أمام إلحاح ملوك الجور، حين انفردوا ببعض من لم يترب في مدرسة محمد، عليه فاكرهوهم على كتابة الحديث، كما اعترف الزهري بذلك  حين قال ( :" كنا نكره كتابة السنة حتى اكرهنا عليها هؤلاء الأمراء " ( انظر ابن عبد البر جامع بيان العلم ج1ص76 )  .                                    



     و لئن فاق ورع  ابن تيمية  (البارد)،  ورع الإمام علي الحقيقيّ ( الذي قاتل معاوية وجيشه( القتال الذي اعتبره " شيخ  الإسلام " بمثابة اجراء غير ضروري !) فان صبحي الصالح قد حمله أيضا، ورعه المثلج على  جعل امتـناع الصحابة عن كتابة  الأحاديث ضربا من الورع الزائد! فكتب في ص 25 من" علوم الحديث :" ان الخلفاء الراشدين لم يتشدّدوا في امر كتابة السنة وحدها، بل بلغ بهم الورع انهم راحوا يتشدّدون في روايتها [!] و يقول في مكان آخـر" و من المؤسف[!]

أنّ ورع بعض الصحابة كان يحملهم على اتلاف ما كتبوه من الأحاديث لأنفسهم مخافة ان تكون الذاكرة قد خانتهم "إهـ الأمر الذي استهجنه حتى الكاتب العلماني ابراهيــم فوزي ، مما دفعه الى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] عبد الجواد يس مصدر سابق ص 242

[2] ابراهيم فوزي "تدوين السنة" ص 53/54

[3] نفس المصدر ص 60/61

[4] حين أسكت معاوية بقوله:(و قد راوده  على كتابة الحديث) " ان  رسول الله أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديثه ( انظر تقييد العلم للخطيب البغدادي و جامع بيان العلم لأبن عبد البرّ )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 19 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



سؤال صبحي الصالح " ما معنى الورع؟ الورع هو الخوف من ارتكاب الأثم والمعاصي التي تجعل الإنسان يحجم عن فعل شيء محرّم، او معصية فيخشى غضب الله ان فعلها، و قد استعمل الدكتور صبحي الصالح عبارة " و من المؤسف" و فيها معنى النقد و اللوم للصحابة لتركهم عملا واجبا كان يجب ان يفعلوه. و اذا كان هذا هو المقصود من الورع، فكيف انقلبت القيم و المفاهيم الى النقيض ؟ فأقبل جامعوالحديث في القرن الثالث الهجري على جمع آلاف الأحاديث من افواه الناس من دون ان يمنعهم الورع من تدوين احاديث تتعارض مع بعضها البعض, وتـتعارض مـع القرآن و تنسخ احكامه، و تتعارض مع العقيدة الإسلامية،  كأحاديث التجسيم التي تجسّد الله و تصفه بصفات البشر. و لم يمنعهم الورع من اسناد مئات الأحاديث الى رسول الله ص التي ليس فيها سنة بمعنى القدوة او الشريعة ولا شيء يفيد المسلمين في دينهم أو دنياهم، و التي جعلت المسلمين يدخلون في متاهات و ينقسمون الى مذاهب و طوائف، لم تورّث لهم سـوى الفرقة و التفكك و الإنحلال " (1) .     

ــــــــــــــــ

 [1] ابراهيم فوزي مصدر سابق ص 56



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  20 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فصل

رد دعوى نسخ النهي النبوي عن كتابة الأحاديث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



     اما ما ورد عن نسخ الكتابة"..  فلا يستقيم مع الحقائق التالية :

أوّلا:  إســتدلال الصحابة و على رأسهم ابو سعيد الخدري  بالنهي بعد وفاة النبي ص

 ثانيا: عدم تدوين الصحابة للأحاديث طوال عهدهم الذي امتد الى نهاية المئة الأولى و تخص بذلك موقف الخلفاء الراشدين .

 ثالثا : ثم ان القول بنسخ حديث ابي سعيد و هو صـحيح مروي في البخاري و مسلم ولدى اصحاب السنن و المسانيد يقتضي اصوليا وجود احاديث في نفس قوتها الإسنادية يستحيل الجمع بينها و بينه بوجه من الوجوه و هذا متعذر

 ... رابعا:  أما مسألة الخوف من اختلاط الأحاديث بالقرآن، فهي فضلا عن كونها تحكّمية و ظنية لا دليل عليها، مردودة من ناحيتين، الأولى :ان الأحاديث بالإجماع ليست من جنس القرآن المعجز في بيانه اللفظي و لا محتواه الموضوعي، والقول بذلك مناقض لإعجاز البلاغة القرآنية .أما الثانية: فهي فصاحة جيل الصحابة كعرب يصعب في حقهم افتراض العجز عن التمييز بين كلام الله السماوي المعجز و كلام البشر ... هذه هي الحجة الرئيسية التي تستند اليها المنظومة السلفية في تبرير فعلتها التدوينية، و هي كما رأينا حجة واهية لا تصمد امام النقد ( 1)  "



    أما  كيف نعرف ما أجمله القرآن الكريم  من ناحية العبادات فتتكفل بشرحه " سنــته العملية التطبيقية  كما في الصلاة و الزكاة و الحج و بعض هيئات السلوك مما شاعت شــهرته بين الناس و انتقل بـــينهم ثم عنهم بطريق التواتر شأنه في ذلك شأن القرآن " (2) .                                                                                                                  



   قد يرتفع نقيق الضفادع السلفية" هذا ضلال مبين ! ولبنات الماء أقول : من انتن  حتى يكون لكن عند؟ والحال انكن تتجمعن اليوم تحت جناح نظم علمانية بيّنةالكفر، تحــكم بغيرما انــزل الله، و تحارب المنادين بتحكيم كتابه، و تظاهر اليهود والنصارى على المسلمين, كما تقفن بأنتسابكن الى السلفية أو الي أهل الحديث أو أهل السنة و الجماعة، تحت راية  طائفية  لو بعث رسول الله لشن عليها الحرب فورا حتى يعود اصحابها من دين الملك الي دين الله، أما لو زعمتن انكن  تتكلمن باسم الإسلام،  فأقول إن "إسلامكن"المزيف يقتضي منكن قبل التكلم باسمه التبرؤ من طواغيتكن ثم التوبة الى الله ، كما يقتضي من المومس المتكلمة باسم الشرف، ان تــتوب الى الله بعد مغادرة الماخور الذي تعمل فيه، قبل ان يحق لها التكلم باسم الشرف والفضيلة.                                                            



    فالسنة النبوية التي يعترف بها الإسلام، هي السنة العملية المتواترة التي لم تختلف رواياتها قط  في عدد ركعات الصلاة المكتوبة.  السنة التي تفصل ما اجمله القرآن من العبادات والمعاملات المالية بطريقة لا يترتب عنها تضارب الأقوال و اختلافها. السنة التي  اصبحت جزءا من برنامج المسلم اليومي حتى اغني تطبيقها عن كتابتها،  ثم لستن  احرص على سنة رسول الله من الرسول نفسه و من صحابته الكرام و على رأسهم ابي بكر و عمر وعثمان و علي  حتى تجعلن من سلفكم  

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد الجواد يس من ص 236الي ص 244

(2) نفس المصدر ص 238

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 21 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حماة لها من الضياع ؟.

   

" و نعود الى عمرالذي كان فيما نحسب أكثر الصحابة تمثلا للإسلام، اعني للدين بمفهومه النصي المطلق، لنرى كيف كان  يفهم علة النهي النبوي عن الكتابة فهما حقيقيا رائعا . كان يفهم انه لا ضرورة لأن ينقل غير القرآن إلا ما كان من السنة العملية أي افعال النبي التي كان النبيّ ياتيها تطبيقا تفصيليا لعموم القرآن، أي انه كان يسبغ مصطلح السنة على المتواتر العملي الشائع الذي يعرفه الصحابة جميعا، والذي لا سبيل من ثم, الى التزيد فيه، او الإضافة اليه عند نقله, فقد كان يقول اقلــّوا الرواية عن رسول الله الا فيما يعمل "(1) .                                                                            



و لقد بلغت السنة العملية التي بلغت من الإيجازوالبساطة أن رسول الله لم يقدّر انها في حاجة الى تدوين في كتاب مستقل حتى لا تشوش على نصوص القرآن ثم لكونها حقائق معاشة على الأرض و تمارس بشكل يومي . حقائق متسقة مع الخطاب القرآني، متوازية مع تعاليمه, لا تتخلف عنه ـــ فضلا على أن تتأخر, فضلا على أن تـناقضه  ليسيرهو مشرّقا بينما تسير هي مغرّبة، بشكل يدعو الى حمل الشخص العاقل ـ غير السلفي ــ على الإعتقاد انه حيال خطابين  يامره الواحد بشيء والآخر بنقيضه "(2).                                                                                            



   خذ مثلا  لذلك التناقض من قول الصحابي الجليل ربعي بن حاتم وهو يعرّف الإسلام لقائد الفرس :" جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد"؟ ( التعبير الذي الذي يمثل الترجمة العملية لقوله تعالى " و مالكم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان " ؟! و المتضمن واجب المسلمين في تحرير البشرية من سلطان طغاة الأرض كافة)، ثم قارن قول الله تعالي ثم ما صرح به ربعي بن حاتم،(قارن ذلك) بنصّ سلفي مخجل يدعو دون تورية و لا حياء ( جياء ليس من الله فقط، بل حتى من الجاهلي عنترة من شداد الذي قال يوما لا تسقني كأس الحياة بذلة), الى ترك الحاكم المحلي الفاسد مطلق السراح وكامل الصلاحية في استعباد الموحّدين الي حد إهلاك الأمة كافة،  دون ترخيص للمؤمنين بالضرب على يده!!! " يقول الحديث" هلكت امتي على يد غلمة ــ غلمان ــ من قريش" يقول ابن بطال شارح الحديث"و في الحديث ايضا حجة لما تقدّم من ترك القيام على السلطان [ الثورة عليه] و لو جار[!] لأنه [أي رسول الله ] أعلم ابا هريرة بأسماء هؤلاء[ الحكام المفسدين] وأسماء آبائهم، و لم يأمرهم بالخروج عليهم، مع اخباره بأنّ هلاك الأمّة على ايديهم ومن العجيب أن تقدّم طاعة السلطة الجائرة على مصلحة الأمة.لا بل على بقائها ذاته، فهو لم يامر بالخروج على السلطة الغاشمة غير الشرعية رغم أن على يديها هلاك الأمّة، فكأنّ هلاك الأمة أخفّ ضررا من معصية السلطان, فهل يسمح بهذا معقول أو منقول ؟! "(3)



   كما "جاء في البخاري عن رسول الله : انكم سترون اثرة  و امورا تنكرونها قالوا فماذا تأمرنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] عبد الجواد يس السلطة في الإسلام ص 240

[2] إن الحقيقة القرآنية التي تقتضي  تنزيه الوحي  كتابا و سنة عن  الإختلاف و التناقض( و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) توجب على المسلم  رد البضاعة السلفية  المخالفة  لتعاليم الإسلام ثم الجزم بأن تلك "السنة" المتضاربة و المعاكسة لتعليم القرآن، ليست قطعا من عند رسول الله، مع المناداة  بضرورة المحاكمة التاريخية للسلفية,التي حملتها قلة فقهها وفهمها المعوج، الي كتابة السنة اولا ثم جمع ما عارض منها القرآن  ثانيا .                                                                                         

[3] عبد الجواد يس السلطة في الإسلام ص 240



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 22 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



يارسول الله ؟ قال ادوا اليهم حقهم و سلوا الله حقكم، و المعنى كما هو واضح أن حق الحكام معجل

في الدنيا و حق المحكومين مؤجل في الآخرة[!]، و يأتي دور الشراح ليكرسوا في العقل المسلم مفهوم الإنهزام و القهر المتواصلين حيال السلطة، فيجعلون من حق الحكام الذي ينبغي ان يؤدى اليهم بذل المال الواجب في الزكاة والنفس عند الخروج للجهاد عند التعيين و نحو ذلك، كما يقول بن حجر بينما يفسرون قوله: و سلوا الله حقكم بأن يلهمهم انصافكم أو يبدلكم خيرا منهم[!] وهكذا ينحصر دور المحكومين في الدعاء، اما ان يلهم الله الحكام ان ينصفوهم، واما ان يبدلهم الله بقوته و جبروته، فهل يمكن لهذا المعنى ان يكون سبيلا اصيلا في هذا الدين؟ هل يمكن لهذه السلبية ذات الطابع الخانع ان تكون نداء الإسلام الى العالم؟ هل يمكن لتلك الروح الإنسحابية أن توافق مضمون الكتاب، وهو يهيب بالأمة أن تدعو الى الخير و تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر أو وهو يدعوها الى مجافاة الإستبداد ليكون الأمر شورى بينهم !؟ و هل يمكن للإستبداد أن يجد مناخا أنسب من ذلك حتى يشتد و يقوى ؟!.. و اذا كانت الفتن الهائلة متوقعة على هذا النحو التفصيلي، و مكشوفة للنبي صلى الله عليه وسلم، فهل يتصور ان يسكت النص السني عن علاج حاسم لقضية السلطة سبب الفتن و موطن الفوضى؟ هل يتصور ألا يتطرق النص السني  في علاجها إلاّ الى نداء واحد موجه الى الطرف الأضعف في العملية، وهوالمحكومون، ان يصبروا دون ان نقرأ في هذا النصوص نداء مماثلا الى الحكام ان يمتنعوا عن الأثرة ذاتها؟" (1) " فالقوالب جاهزة و اللغة مكشوفة، يتراءى لنا ذلك من السؤوال المكرر في احاديث الفتن : أناقاتلهم يارسول الله؟ لقد كان السؤال يتكررعن القتال ليتكرر الجواب بالنهي عن القتال[!!] من حيث هو المسألة الأكثر إقلاقا لكراسي السلطة في كل زمان ومكان. لقد كان السيف هو الهاجس الدائم للحكام، و كان كفّ اليد عن مقاومتهم و الصبر عليهم، هـو الحل الدائم و الصريح، مهما اقترفوا من مظالم واجترحوا من السيئات. والنص التالي يصرح بذلك في صيغة عجيبة ملفتة " أتاني جبريل فقال ان امتك مفتتـنة من بعدك فقلت من أين ؟ قال من قبل امرائهم وقرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع القراء هؤلاء الأمراء فيفتنون، قلت: فكيف يسلم من سلم منهم ؟ قال بالكف و الصبر، ان اعطوا الذين لهم اخذوه وان منعوه تركوه"، و كما هو واضح فهذا تقنين صريح للظلم يصادر على المجتمع حقه في اختيار حكامه، و حقه في مدافعة الفساد، وهي حقوق ثابتة للمجتمع بنصوص قطعية في دلالتها من الكتاب. و ليس من المتصور في حق النبي صلى الله عليه و سلم ان يخالفها. هذا من جهة المضمون، و اما من جهة الشكل فنكاد نجزم بان الصياغة البنائية للنص في مفرداته و تراكيبه تشي مدى الهوة الواسعة بينه و بين لغة النبي صلى الله عليه و سلم  ببلاغتها و جزالتها المعهودتين ](2)                                      



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] عبد الجواد ياسين  السلطة في الإسلام  ص 295/296/297

[2] نفس المصدر 298/299



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   23  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



وصفة سلفية!



الأول : زوجتي تضربني

الثاني : هل تسكت ؟

الأول : لا أبدا، بل أبكي بحرارة !!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ     24 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





فصل

على قدر أهل السخف تأتي المهازل !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



     بعد فحصه بعـــض الأحاديث المنسوبة الى الرسول على ضوء العلم الحــديث، لاحـــظ  العــالم و الطبيب الفرنسي" موريـس بوكاي" صاحب كتاب "التوراة و الآناجيل و القرآن بمقياس العلم الحديث"  (والذي اثبت فيه نجاح القرآن الكريم دون سواه في امتحان عرض ما جاء في الكتب الثلاثة على ضوء العلم الحديث) ان تلك الأحاديث و بخلاف القرآن الكريم الذي" تـضمن كثيرا جدا من الحقائق ذات الإتصال الوشيج بحقائق العلم ضعيفة و متذبذبة (1) " تحاول تفسير بعض الآيات القرآنية المتعلقة بالكون مثل مدار الشمس و مراحل تكوين الجنين،[ بطريقة] يستحيل ان تكون مقبولة في عصرنا، كتفسير صحيح لبعض آيات القرآن الكريم التي لا اعتراض على مفهومها الحقيقي" (2) و منها حديث:" عندما تغرب الشمس، فانها تسجد تحت عرش الله و تطلب الإذن بأن تعيد طريقها و تسجد من جديد"، فهو يتضمن كلاما يستحيل التحقق من صحته، و يتضمن معلومات متعلقة بالشمس من شأنها ان تفترض ان الشمس هي التي تتحرك و أن الأرض ثابتة، وهو مفهوم اثبت العلم الحديث بما لا يدع للشك بطلانه و خطأه "(3)



    وحتى يحترم الكاتب عقله (الذي انبهر بما في القرآن من أشارات عليمة فرضت عليه اعلان اسلامه )(4) ، كان لا بد ان له أن يكتب ما ياتي نصّه" من الواضح ان مثل هذه الأحاديث ذات المحتوى العلمي الخاطىء، قد تم اقحامها على الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة لأسباب دنيوية متعددة " (5) مع الإشارة بان الباحث قد تعرض الى احاديث من " صحيح" البخاري،  فكيف لو فحص مرويات حنبلية تجعل الكرة الإرضية مرتكزة على قرن وعل ! ثم كيف اذا أطّلع على  " تصحيحات" ألبانية ( نسبة للأ لباني) تجعل" لحم البقر داء "! لتساهم في اضلال المسلمين و صرفهم عن دينهم ؟!.    



    لأجل ما تقدم ، لا يسعنا غير التأكيد على ان السلفية حركة ردة شاملة اتت على الإسلام من قواعده، حيث عملت بكل ما سول لها غباؤها، الى الإستهانة بحقوق الإنسان المسلم و التفريط في كرامته ومقايضة امن الإقطاع الحاكم  بحقوقه ( المسلم) تحت شعار" الذلّ مقابل الحياة" في حين ان الإسلام أوكل الي تلك الصنيعة السلفية الممسوخة، مهمة تحرير سكان الأرض كافة، بعد أن أعدّ سلفنا الحقيقي ( الصحابة) لتلك المهمة النبيلة،عبر تدريبهم على العزة والكرامة بشكل عملي بالغ الروعة، الى حد مكنهم  فيه من القصاص من أعلى المســـؤولين في الدولة، كمـــا شجعتهم  

النبوية  على عدم التنازل عن حقهم في إعادة الإعتبار لكرامتهم لو تعرضت الى ما يشبه الضيم 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] موريس بوكاي التوراة و الإنجيل و القرآن بمقياس العلم الحديث ص27

[2] نفس المصدر ص 276

[3] نفس المصدر 278

[4] قد احسن العالم الفرنسي حين احتفظ باسمه الأصلي لأن الإسلام دعوة عالمية و لأن أكثر الأنبياء من غير الناطقين باللغة العربية ..ولأن تسميته باسم عربي قد يشكك في مضمون كتابه ... ( اعرف مسلمة نرويجية سمت نفسها ليلي اعتقادا منها ان كل عربي مقدس ولكنها جهلت ان ليلي من اسماءالخمر !)

[5] موريس بوكاي مصدر سابق ص 278



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 25 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



حتى من قبل خليفة المسلمين نفسه، بل حتى من رسول الله ذاته، انطلاقا من حقيقة (أنّى للديدان السلفية أن تمر بخاطرها لحظة و لو عمّرت كما عمر نوح) مفادها أن اسلامنا العظيم لا يتردد برهة واحدة عن اهدار هيبة فرد مهما علا شأنه، في سبيل الحفاظ على مبدأ حيوي وقيمة جوهرية وهي الكرامة الإنسانية { و لقد كرمنا بني آدم } ( انظروا كيف ضحى عمر ابن الخطاب بملك ـــ جبلة بن الأيهم ـ في سبيل اعادة كرامة مسلم لطمه ذلك الملك اثناء طوافه باليت لا لشيء الا  لأنه وطأ ثوبه الملكي ــ  طلب الملك مهلة قبل تنفيذ القصاص، كي يفر الي بلاد الروم و يرتد عن دين الله ــ                                                                               



   و لئن كان ضياع اعتبار مواطن ما في نظام بشري ما، قد ينظر اليه كمسألة فردية يهون غض الطرف عنها (أو تعويض صاحبها ماديّا ومن وراء الكواليس)، في سبيل حفاظ على هيبة الدولة (المختزلة دائما في شخص "الرجل الأول" فيها) ، فإن ذلك الغض  لن يبرر بأي شكل من الأشكال في منظومة ربانية يتساوى لديها الجميع  .

  

  و لعل الحادثة التي كشف فيها النبي عن بطنه الشريف لينال منه صحابي كان طالبه بالقصاص اثر وخزه بعصا كانت بيده عليه السلام اثناء ترتيبه الصفوف قبيل القتال,  ثم لعل اعلان النبي لأصحابه قبيل هوته عن استعداه تلقى القصاص ممن يعتقد عليه السلام انه  اساء اليهم خلال حياته، لعل ذلك كله يشعرنا بالمسافات الضوئية بين التصورالإسلامي للعلاقة بين الفرد المسلم و قيادته، و بين التصور السلفي المعاق الذي ارتد بالحريات الفردية الى ما قبل عصر الجاهلية، حين كان الجاهلي يهجر قبيلته، و يعايش سباع البرية اذا تعرض للحيف .

   وقد حصلت تلك الردة الكبرى في مجال الحريات، حين وهبت السلفية الي أراذل الملوك ما لم يوهب لخير من سعت به قدم، اعتمادا على احاديث آحاد أجمع العقلاء على انها لا تحلل ولا تحرم و لا تبنى عليها عقيدة . أحاديث صححها العقل السلفي الكليل اعتمادا على تزكية رواتها ( السند)  فتراهم لا يوثقون المرويات إلا عمن عرف امتثاله للسلطات العباسية الغاشمة، و على الأقل حياده السلبي . رافضين الأخذ  عن معارضي الملكية العباسية و لو كان في نزاهة وشجاعة و رجاحة عقل ابي حنيفة، لأن القضية لديهم من قال و ليس ما قيل، حتى اننا نجدهم يصرحون بذلك دون حياء ( من ذلك ما اورده الذهبي عن يحيى بن سعيد بن القطان قوله " لا تنظروا الى الحديث ــ المتن ــ و لكن انظروا الى الإسناد فإن صحّ الإسناد و ألاّ فلا تغترّوا بالحديث !) .                                                                  



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 26 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فصل

الدين يؤخذ عن العقلاء المجاهدين و ليس عن الأغبياء المثبطين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   لقد آن الأوان لإعادة النظر في التراث السلفي المميت، وجمع رموزه المخنثة وضعها على الرف و تسليط الأضواء على رموز حية  كأبي حنيفة الذي لقي الله شهيدا في سجون الملكية الفاسدة وقد اتفق العقلاء من العلماء بان الفقهاء عيال على فقهه، رغم الجهود السلفية الرامية الى تكفيره من اجل اعراضه عن مروياتها بعد " عرضها على ما اجتمع عليه من الأحاديث و معاني القرآن فما شذ عن ذلك رده و سماه شاذا"( ابن عبد البر الأنتقاء ص 149 ) ثم  من اجل إعتماده في" وزن الأحاديث منهجا عقليا موضوعيا مبنيا على النظر الى متن الحديث على ضوء اليقيني الثابت من الكتاب والسنة، مخالفا بذلك منهج أهل الحديث ــ السلفية ــ بنزعته الوجدانية الإسنادية التي تكتفي في الحديث ببحث الرواة و لا تحفل من ثمّ بموضوعه " (1)   



    و قد أكّد الرجل لمخالفية من السلفيين ،أنه حين ردّ  ما ينسب من أحاديث لرسول الله لم يكن مكذبا رسول الله، بل كان مكذبا  من كذب على رسول الله( بحسن نية أو سوء نية) و جاء بما يخالف القرآن الكريم حيث كان يقول :" ردّي على رجل يحدث عن رسول الله بخلاف القرآن ليس ردا على النبي صلى الله عليه و سلم، و لا تكذيبا له، ولكنه ردّ على من يحدث عن رسول الله بالباطل، والتهمة دخلت عليه و ليس على نبي الله :" و لكن اني لهؤلاء الأغبياء  استيعاب تلك الحقيقة، من رجل بغيض يكرهونه كراهة العمى، لمخالفته نهجهم في خفض جناح الذل للظالمين و مسارعته في تأييد كل ثورة تشن ضد ملوك السوء الي حدّ " تأييده الخروج على الخلفاء بالسلاح ، يروي ابو زرعة عن بن المبارك : كنت عند الأوزاعي، فأطريت ابا حنيفة فسكت عني فلما كان عند الوداع قلت اوصني قال : اما اني اردت ذلك و لو لم تسألني، سمعتك تطري رجلا كان يرى السيف في امة محمد ! و كان الأوزاعي مواليا للأمويين، و يساعدهم في ملاحقة المعارضين :"( 2) و قد" إستقضاه بنو أمية [أبو حنيفة] فأمتحن وضرب ثم استقضي في عهد بني العباس فأبى فحلف عليه المنصور العباسي ليحلفنّ, فحلف ابو حنيفة ألاّ يفعل , فحبسه الى ان مات "(3) وقد أختلف في موته أكان تحت التعذيب أو دسّ له السمّ.  و كان رحمه الله  يستقذر التعاون مع الملكية الفاسدة و لو كان ذلك التعاون يتمثل في تشييد مسجد، حيث كان يقول رحمه الله :" و الله لو ارادوا بــناء مسجد و أرادوني على عدّ اجره ما فعلت  ! " .                      

   

   كما  عبرت السلفية عن عداوتها لأبي حنيفة  من خلال اعتبار انتصار بعض شراذمهم الشافعية و الحنبلية على أتباعه، من قبل التأييد الرباني " يقول ياقوت الحموي عند الكلام عن اصفهان و قد فشا فيها الخراب لكثرة الفتن و التعصب بين الشافعية و الحنفية ... و قامت الحروب بينهم كان النصر فيها جميعا للشافعية لأنّ الله نصرهم عليهم !"( بن كثير). و لما اختلف بعض المتخلفين الذهنيين من الحشوية  في طعام فيه خمر ما عساهم يصنعون به  قيل " يعطى الى كلب او الى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] نفس المصدر ص 79

[2] هادي العلوي . شخصيات غير قلقة في الإسلام ص 131

[3] أ.عبد الكريم مطيع الحمداوي مقدمة تحفة الترك للطرسوسي ص 236

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 27 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



حنفي !" كما لا يوجد" في صحيح البخاري و لا في صحيح مسلم  حديث واحد مروي عنه فقد كان البخاري في الصحيح الثابت عنه يجرح ابا حنيفة ويعده من الضعفاء والمتروكين "( بن عبد البر الإنتقاء ص 249 )"



  و قد وصل الضيق بابي حنيفة الى حد تكفيره . فقد أورد الأشعري في كتابه" الإبانة" عن سفيان الثوري قال لي حمّاد بن ابي سليمان بلـّّغ ابا حنيفة المشرك اني منه بريء ،لانه كان يقول القرآن مخلوق " (1)" " مما أدّى إلى أن صار الفقه الحنفي بإستمرار محاصرا بمقولة " الجمهور" التي يشار بها الى رأي الفقهاء الثلاثة الآخرين التي كانت آراؤهم في معظم الأحوال متفقة على خلاف ابي حنيفة "(2) .                                                                                            

     

   كما رمي الرجل  الكبير  بمثالب من سبقه  بسبب" جريمة " لا تغتفر سلفيا،  وهي اعمال العقل فيما يرد عليه من مرويات نبوية. و لعلّ من تلك المثالب المثيرة للسخرية، رميه رحمه الله  بالإرجاء ! " حيث حاول بعض المتأخرين نسبة ابي حنيفة الى المرجئة لقوله بأن الإيمان تصديق بالقلب و اقرار باللسان ظنا منهم أنه يؤخر العـل على الإيمان، فإن ذلك منهم شطحات هوى و تعصب ظالم لأن الرجل قاد عصره الى العمل بالكتاب و السنة و مات في السجن من اجل ذلك، فكيف يفتي بترك العمل الذي يقول به المرجئة "(3)  وسوف يتأكد القارىء بعد اطلاعه على الفكر السلفي البائس أن اتهام السلفيين غيرهم  بما تـلبسوا هم به ، هو من صميم ما اختصوا به. ولعل رمي الإمام الأعظم  بالأرجاء لا يدانيه سفاهة و غرابة سوى رمي سيد قطب بوحدة الوجود من قبل" ناصر السنة" الألباني !.





   فإذا تمّ  تجريد المنظومة السلفية من دعوى تشدقت بها طويلا، و هي حفظ  حديث رسول الله أصبحت ــ نظريا على الأقل ــ في حكم المحالة على المعاش(4)، بعد  فقدانها مبررات وجودها المزعج و المكلّف . لترحل بظلها القاتم و الحاجب لنور الحرية و العدل مفسحة المجال لشمس الحرية ان تسطع من جديد على عالمنا الإسلامي المعتّم,  إن أذن الله ببعث جديد .                                                                          





ــــــــــــــــــــ

[1] عبد الجواد يس السلطة في الإسلام ص 78

[2] نفس المصدر ص 81

 لولا استغلال  الدولة العثمانية  فتوى  لأحد المتأخرين من  الحنفية( الطرطوسي)  اكسبتها  شرعية تولي إلأمامة العظمى (التي حصرها السلفيون في عرب قريش)، ولولا تبني الدولة العثمانية للمذهب الحنفي اعترافا بالجميل للفتوي الحنفية المذكورة. لما وجد في ايامنا على الأرض حنفيا، وان كان ذلك الوجود شكليا،  لأن اتباع المذهب الحنفي لا يختلفون اليوم عن اتباع المذهب الحنبلي و الشافعي في الركون الي الظلمة و في ضيق افقهم .

[3] أ.عبد الكريم مطيع الحمداوي مقدمة تحفة الترك ص 89

[4] حفظ السلفية حديث الرسول لا يعادله غير حفظ الإسطبل بعد سرقة الحصان. أي ان العدوان الملكي كان قد اتي على الإسلام النبوي من القواعد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 28 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





الباب  الثالث                                  

        مسخ السلفية لمفاهيم حيوية 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  29 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



                                       سألت الله تعميـــرا طويلا

                                                   لـــــيبهجني بخطب يعتريكم

                                      أخاف أن أموت و ما أرتـني

                                                  صروف الدهر ما أهواه فيكم!

                                              ( جحظة البرمكي)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                   لكنني أهوى الممات للحظـتي

                                                       ثم رجـــاء الله أن يهديكم

                                          ( حمادي بلخشين)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   30 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



  اذا كانت المنظومة السلفية اهون من ان تفكر، فانها قد استغلت بشكل فاحش في تمرير مفاهيم ملكية لدين الله عبر ترويجها لمرويات"  نبوية " وافقت ما ذهب اليه الملوك في تصورهم للدين    فبفضل الجهود السلفية ةالخرقاء، تمكنت الملكية الفاسدة من احكام الطوق على رقاب المسلمين عبر" استعادة نظام الإقطاع، واستبدال جيوش الجهاد بجيش مأجور محترف يقوده قتلة محترفون من طراز الحجاج بن يوسف و زياد بن ابيه ... و امام هذا السيف القاطع كان على الفقه الإسلامي أن يختار بين طريقين احدهما أن يموت الفقهاء والأخرى ان يموت الإسلام، و رغم أن كثيرا من الفقهاء العظام قد اختار سبيل الشهادة والجنة، فإن أغلبهم كان مضطرا الى العودة الى عياله في آخر النهار... في ظل هذه الظروف الطارئة كان على الفقه الإسلامي أن يكتشف صيغة جديدة للإسلام تتوفر لها ثلاثة شروط خاصة كل شرط يناقض شرطا صريحا من القرآن.الشرط الأول: أن تكون صيغة مطوعة للتعايش مع حكم الفرد، والقرآن يسمي حكم الفرد (( فرعون إذا طغى )) و يعتبره عدو الله شخصيا، و يدعو الى القتال ضده تحت راية الجهاد المقدس في سبيل الله . الشرط الثاني: أن تكون صيغة لا تعترف بمسؤولية الناس عن شؤون الحكم. والقرآن يرفض هذه الصيغة جملة و تفصيلا و يعتبر الناس وحدهم هم المسؤولون عن شؤون الحكم، و يقول لهم كل يوم (( و ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ))ــ الشورى 30ـــ الشرط الثالث: أن تكون صيغة قادرة على ارضاء ضمير الفرد بغض النظر عما يحدث للجماعة، و القرآن يستنكر هذا الحل الكهنوتي و يعتبره تكذيبا سافرا بالدين نفسه في نصوص صريحة منها قوله تعالى (( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم و لا يحض على طعام المسكين)) الماعون 1:3ــ ... و قبل ان ينقضي قرن واحد على نشأة علم الفقه، كان هذا العلم قد اصبح دعوة اعلامية سافرة للتعايش مع الإقطاع . و كان الإسلام قد خسر نصف قواعده بشهادة مصدق عليها من فقهاء الإسلام .أختفت قاعدة العدل، فتحول بيت مال المسلمين من ميزانية عامة الى ثروة عائلية خاصة يبددها امراء بني امية على شراء المغنيات، وهو انقلاب لا يعني في الواقع سوى ان الإقطاع قد انتصر على الناس مرة أخرى، و انه انتصر عليهم هذه المرة بإسم الإسلام ... اختفت قاعدة المساواة و خسر كل مسلم على حدة لكن كان اكثر المسلمين خسارة كانوا بالطبع هم اقل المسلمين حيلة و قوة ...اختفت قاعدة الجهاد(( في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان )) النساء 75ــ فأصبح المجاهد المسلم جنديا مأجورا للعمل في خدمة الإقطاع، و بات عليه منذ ذلك الوقت ان يقاتل ضد المستضعفين بالذات ... إن مواصفات هذا المسلم الجديد تتحول على يد الفقه الى خمس قواعد جديدة للإسلام " القاعدة الأولى أن يشهد المواطن بأن الله وحده هو صاحب الملك من دون ان يلاحظ أن الملك نفسه قد سرقه بنو أمية. القاعدة الثانية : أن يؤدي المسلم صلواته الخمس لكي تـنهاه الصلاة عن الفحشاء و المنكر في دولة تشجع بيع الرقيق و تبذر مال الفقراء على شراء المرتزقة.القاعدة الثالثة : أن يخرج المواطن زكاة ماله للفقراء، وينسى ان الفقر نفسه سببه الإدارة الإقطاعية الفاشلة في نظام بني امية.القاعدة الرابعة : أن يصوم المواطن شهررمضان لكي يعلو بنفسه فوق الشهوات ،حتى اذا كان حكم بني امية قد حرمه من كل شهوة اصلا . القاعدة الخامسة أن يذهـب المواطن الى الحج لكي يؤدي المناسك على سنة رسول الله مــن دون ان يتذكر ان رسول الله  كان قد جاء للحج بعد ان حرر مكة من نفوذ الكهنة والأسر الحاكمة معا و منها بالذات اسرة بني امية "(1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 إهــ  د. الصادق النيهوم  "الإسلام في الأسر" ص 52ــ 57  بتصرف في المبنى لا المعنى .مع الإشارة الى أن المفكر الليبي الموسوعي الكبير(1937ــ 95) و إن كان قد أبدع في تشخيص أدواء أمتنا  طرحا و اسلوبا، كما  أبدع أيضا في توريط  نفسه بتناول موضوعات  حساسة كان في غنى عنها و ان كان كل متزمت سلفي ليس في غنى عنها  لإستغلالها كدليل إدانة  للتشكيك في إسلام المفكر الكبير .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 31 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





و لعل اهم المفاهيم الإسلامية التي تعرضت بتوقيع سلفي الى الإنتهاك الملكي، مفهوم الإيمان , العبادة ,والقضاء و القدر , الصبر و مفهوم  الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، حيث أعيدت  صياغة تلك المفاهيم الحيوية، على مقاس الملكية و وفق رغبتها، فجاءت مطابقة لما يهوى الملوك و يرغبون فيه.                                                                                                    



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 32 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل

الإسلام، الإيمان والعبادة، الأمر بالعروف والنهي عن المنكر، الصّبر                     بالمفهوم الشرعي و السلفي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الإسلام كما بلّغه محمد :

  هوالتلفظ بالشهادتين واقامة الصلاة  وايتاء الزكاة و الصوم و الحج وسائر التكاليف الشرعية   مع اشتراط الولاء القلبي، و تسخير الجهد البدني في الولاء لله و لشريعته و لخدمة مصالح المسلمين خاصة، والبشربة عامة . 



وقد اعتبرالإسلام أن صلاة و زكاة و جهاد من كان يقف في صف من حارب الله و رسوله، من باطل العمل، فكل تلك الأعمال تهدر اسلاميا وتعد  من قبيل الهباء المنثور، واصحابها من اهل جهنم باعتبارهم من فئة المنافقين{ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار و لن تجد لهم نصيرا }



الإسلام بالمفهوم السلفي :

 يكفي قبوله ربانيا بمجرد الإتيان بالفرائض و لو صاحبها التحالف مع النصارى لحرب المسلمين، والتحاكم أوالحكم  بغير شرع الله، ثم تعذيب أو السكوت و حتى المواافقة على تعذيب من طالب بتحكيم الشريعة .                                                 



الإيمان إسلاميا :                                                                                           

أما مفهوم الإيمان في التصور الإسلامي  فقول وعمل، فالمرء محاسب على عمله في الدنيا قبل الآخرة، مهما علا قدره و سمت مكانته، و قد ضرب لنا رسول الله المثل في محاسبة الحكام عندما طلب من اصحابه الإقتصاص منه شخصيا لو بدرت منه ــ حاشاه ــ مظلمة لواحد منهم.                                                                                



الإيمان سلفيا :                                                                                             

  يحدد الإيمان سلفيا، وفق معايير مختلفة أي بحسب قرب الشخص او بعده من الحاكم و حاشيته، فان كان من عامة الناس، حوسب حساب البخيل لوكيل اعماله، و أخذ بالفتيل و القطمير، و حمّل ما لا يطيق، ورصدت حركاته و سكناته  ليبدّع أويفسق أو يكفر في اول زلة، اما بالنسبة للحكام  فالإيمان قول بلا عمل. ولا يترتب عنه أي التزام، لأن السلفية اعفت الحكام من المتابعة الدنيوية بل جعلتهم لا يؤاخذون بجرائمهم الدنيوية، بل و يشفعون في حاشيتهم ! .                                                                                      



العبادة اسلاميا  :                                                                                         

  هي إطاعة الخالق  بعصيان كل صاحب سلطان حكم بغير احكام الشريعة،فالعبادة مهمة قتالية شائكة خلاصتها اتباع  توجيهات الله ثم مهاجمة الطواغيت و لو باللسان، في انتظار حضور التجهيزات العسكرية المتاحة  لإماطة السلطات الفاسدة .                                                                       

  كما يتحدّد مصير المسلم اخرويا، وفق موقفه السياسي من نظم عصره، فان كان مهادنا للطاغوت، رافق ذلك الطاغوت الى جهنم و لبث مصاحبا له بحسب درجة اعتقاده فيه و تأييده له،



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 33 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



وأقل درجة، تكفل للمسلم دخول جهنم (أعاذنا الله منها) عدم اتخاذ موقف ايجابي من طواغيت عصره، و قد اعتبر الإسلام السكوت عن الطاغوت بتكثير سواده، و ترك هجرة الموطن الذي يهيمن عليه، مبررا كافيا لدخول سقر, و لن تغني عنه ركيعاته في ذلك و حتى حفظه كل النصوص الدينية، والمتون الفقهية{ الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك مأواهم جهنم و ساءت مصير } .                                                                                          



العبادة سلفيا :                                                                                               



  لا تختلف العبادة السلفيةعن العبادات البوذية، والوثنية عموما، فلا صلة تربطها بواقع الحياة وميدان الصراع بين الحق و البطل, فاقصى غاية العبادة السلفية، ابتغاء الخلاص الفردي مع الإلتزام بالتوصيات الملكية بتجنب عدم التدخل في سياسية الحكم، مع كف اللسان، ما دامت العناية الإلهية قد اصطفت اولئك الملوك لركوب المسلمين وحكمهم بما يشتهون. وما دامت الأحاديث النبوية قد حرمت الخروج عليهم الى يوم القيامة اعتمادا على توصيات " اصحاب الحديث ـ الذين ــانفردوا وحدهم دون فرق الإسلام بتحريم السيف وانكار الخروج المسلح على ائمة الجور و ظلمة الحكام، و قالوا ان السيف باطل، ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية، وان الإمام  ليس لهم ازالته و لو كان فاسقا" [1] .                                                                  ا

  وأفضل العابدين  لدى السلفيين من إلتزم حرفيا بقانون الطواريء السلفي القائل: اغلق فمك، والزم بيتك، واهتم بنفسك ( القاعدة القمعية المنسوبة باطلا الى سيد لمرسلين و خاتم النبيين ( أمسك لسانك و ليسعك بيتك و ابك على خطيئتك) !                                                                                                             



 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمفهوم الإسلامي:                                                           


المفهوم الإسلامي للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يتمثل في  نقد الفساد الإداري و الأخلاقي  واستعمال جميع الوسائل بما فيها الثورة المسلحة (2).

  كما يعد لأمر بالمعروف و النهي عن المنكر صمام البقاء قوة الدولة و دوام عزتها .       



 الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سلفيا :                                                     



  فتكسير آلة لهو، أو مطاردة دروايش الصوفية، و قد شوهد احمد بن حنبل و هو يفرق بين صبية متخاصمين كحدّ اعلى للنهي عن تغييرالمنكر باليد !                                                          

  أما النهي عن منكرات تغييب الشوري وقتل الناس ظلما وتجوعيا, أما الفساد الإداري والسياسي و الخلقي  فقد أوكلته السلفية الغبيّة مهمة تغييره الى الملوك المفسدين!!" و قالوا انه من سلطات الإمام لا الأفراد، وان ذلك موقوف عليه، متوقف على وجوده" وهو اجراء سخيف شبيه بتسليم  الجبن المسموم و المصائد  للجرذان، و توكيل استعمالها لها  في الوقت الذي يلائمها !   

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اللواء احسان صادق جذور الفتنة في الفرق الإسلامية ص 181/182

(2) الأمر الذي انتهى اليه  الغرب بعد قرون من توصيات شريعتنا به,  حين أوكلت دول الغرب  الي مؤسسة الجيش  مهمة التدخل المسلح لحفظ تطبيق دستور البلاد ، حفظا  للمصلحة العامة .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 34 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





الصّبر الإسلامي :



  اذا صدر الأذي من قبل الحكام  فهناك خياران: السكوت عن الأذى مع الحرمان من متع الدنيا ثم دخول جهنم في الآخرة بسبب السكوت. أوالثورة لتحقيق جنة الدنيا أو اصابة جنة الآخرة أو الحصول عليهما في نفس الوقت. و ذلك ما يحث عليه الإسلام. 



الصّبر السلفي :                                                                                           


أن ترضى بالواقع و تنتظر موت الحاكم لعل ولده الفاسق أو المخنث ـ أو الملحد  الذي ربي تربية قيصرية يكون ارحم من أبيه،  أو انتظار قدوم مجدد القرن أو المهدي المنتظرأو نزول المسيح .



 فحسب الخيار السلفي القاتـل "  لم يعد الصابرون هم الناس الذين يصبرون على الشدائد في سبيل تغيير واقعهم, بل اصبحوا هم الناس الساكتين , الذين ينتظرون أن يتغيّر الواقع بسكوتهم  .... الأصل في كلمة الصبر هي المقاومة فشرط " الصابر" ان يكون حيا و أن يعاني, و ان يعرف انه يعاني, و هي شروط تحتم نشوء المقاومة, و يحتم ان يتحرك الحي ذاته مرة, لأنه لا يستطيع أن يجلس "صابرا " الى الأبد .إنّ الصبر بلامقاومة كلمة لا علاقة لها بالصبر في الإسلام, فالمسلم عليه ان يقاوم بـيده و لسانه و قلبه. و من دون عنصر المقاومة لا يسمى الإسلام الناس الساكتين باسم الصابرين , بل يسميهم الناس الذين شهدوا على انفسهم بالباطل "( النيهوم)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  35   ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                   

                                   فتنة السلفية أصحاب العقول



                            تـكلّـّفني التصبّر و التسلـّي

                                          وهل يسطاع الا المستطاع

                           و قالوا قسمة نزلت بعدل

                                          فـــقلنا لــــيته جور مشاع

( عبدان)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 36 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فصل

القضاء و القدر بالمفهوم السلفي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   يقتضي الإيمان بالقضاء والقدر(اعتمادا على الخلاصة النهائية للتصور السلفي للمسألة) اعتقاد المسلم  بأنه مجبر على ما يفعل وما يذر و بالتالي، فلا مسؤولية له ـ ربانيا ـ على فعله ( و إن كان يحاسب سلفيا و سلطويا) حتى يخلص الى الإيمان، و بصفة عمياء، ان الفساد السياسي و الإداري مبرر بالكتاب والسنة ويجب الرضى به. لأن الحكام،  مثلهم كسائر المكلفين مكرهون في التصور السلفي، على الذبح والسلخ وتناول المسكرات وانتهاك المحارم والتحالف مع اليهود و النصاري على ابناء ملتهم، لأن ما اقترفوه من موبقات، اختيارالهي لا محيص عنه، ولا مردّ له. لأجل ذلك فأن مجرّد الإستنكارالقلبي لإنتهاكات السلطة( فضلا عن الجهر بها، دع عنك مقاومتها)، لا يعني سلفيا غير معارضة قدرالله تعالى، مما يترتب عنه  حرمان المتذمر من صفة "مسلم" و الحاقه  بفصيلة" القدرييين مجوس الأمة" (1).     



    فالجبرية، أي القول بأن المرء مجبر عن فعله، والإرجاء اي تصحيح ايمان من تفوه (و لو سكرانا)بكلمة التوحيد ثم اعقبها بسجوده الى وثن، هما صناعتان سلفيتان لا ينافسهم فيها الا ظالم لنفسه مبين،لأجل ذلك، استطاعت أشد الملكيات إفسادا واشد الأنظمة الحادا، التكيف مع الفضاء الإسلامي، والعيش في ارض كان من المفترض ان تكون ملغومة،  تتربص بهم فيها من كل جانب كل عوامل الفناء والتهلكة، بفعل النصوص التحريضية التي تستنهض همم المسلمين لمقاومة الفساد.



   تحتج السلفية لنظرتها الكليلة للقدر بآيات تفسرها بشكل" لغوي" مضحك فتقول عن قوله تعالى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تكفّر المنظومة السلفية كل من يقول بأن الإنسان يملك من فعله أوإرادته شيئا فيسمّون القائل بالحرية الإنسانية "قدريّا" جاء في المرجع السلفي القديم " شرح اصـــول اعتقاد اهل السنة و الجماعة "  للالكائي  باب ما روي عن النبي في ان القدرية مجوس هذه الأمة : عن ابن عمر عن النبي ص ان القدرية مجوس هذه الأمة ان مرضوا فلا تعودوهم، و ان ماتوا فلا تشهدوهم ج4 ص 707  و عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله ص انه قال: ما هلكت امة قط الا بالشرك بالله و ما اشركت امة حتى يكون بدو شركها التكذيب بالقدر"(نفس الجزء ، ص 690

( تعليق: تفتري السلفية الكذب لما تزعم أن "القدرية" كما يسمونهم، يكذبّون بالقدر( أي علم الله السابق)، و الحال ان ابطال الإسلام الأوائل ــ غيلان الدمشقي، معبد الجهني و الجعد بن درهم، كانوا رجالا افاضل  مجاهدين، و كانوا يؤمنون بقدر الله تعالى على الطريقة الإسلامية  أي ان أقدرالناس مكتوبة من قبل الخالق قبل خلق الكون ) عن ابن عمر ــ نفس المصدرج4 ص 688 ــ قال رسول الله ص من كذب بالقدر أو خاصم فيه فقد كفر أو كذب بما جئت به أو حجد بما انزل اليّ ) .                                                                    

فما اعجب أمر السلفيين، يلعنون الجهمية و يقولون بقولها، و يكفّرون القدرية و يأتون فعلها ليصدق فيهم القول المأثور: رمتني بدائها و انسلت . فإفتراء الكذب و اتهام المخلصين من رجال الإسلام الأفاضل صفة سلفية قديمة . و لعل التهمة السخيفة التي ما زالت عالقة بأذهاننا اتهام صنم السلفية المسمى بناصر الدين الألباني سيد قطب رحمه الله بالقول بوحدة الوجود , أي القول بأن كل شيء تقع عليه ابصارنا هو الله تعالى, و لو كان الأمر كذلك لما  شنق الرجل  ولكان لقال لعبد الناصر انت هو وهو انت!!! و لحضي بعناية عبد الناصر و رعايته،  كما فعل بالثدييات السلفية التي سمّت سيد قطب رحمه الله  مسليمة الكذاب .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 37 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



(انا كل شيء خلقناه بقدر) (من سورة القمر) أي" خلق عمل الإنسان"، لتحوّل الآية من موضع اعتبار ونفع للمسلمين، الى سوط عذاب و حجة للحكام الظالمين، يعتذرون بها عن جرائمهم، شأنهم شأن من اهدي وردة ليتمتع بحسنها و زكي رائحتها، فأكلها واختنق بشوكها .          



   أما موضع الإعتبار في الآية المذكورة، فالدقة البالغة في تـصميم الكون، والتوازن العجيب في تكامل ادواركائناته الحية" ولقد وصل العلم الحديث ...الى  ادراك التناسق بين ابعاد النجوم و الكواكب و احجامها و كتــلها و جاذبيتها بعضها لبعض، الى حد ان يحدد العلماء مواقع كواكب لم يروها بعد، لأن التناسق يقتضي وجودها في المواضع التي حددوها، فوجودها في هذه المواقع هو الذي يفسر ظواهر معينة في حركة الكواكب التي رصدوها ... ثم يتحقق هذا الذي فرضوه، و يدلّ تحقيقه على الدقة المتناهية في توزيع هذه الأجرام في هذا الفضاء الهائل، بهذه النسب المقدرة التي لا يتناولها خلل اواضطراب .. ان الجوارح التي تتغذى بصغار الطيور قليلة العدد لأنها قليلة البيض كثيرة التفريخ، فضلا على انها لا تعيش الا في مواطن خاصة محدودة، وهي في مقابل هذه طويلة الأعمار. و لو كانت مع عمرها الطويل كثيرة الفراخ مستطيعة الحياة في كل موطن، لقضت على صغار الطيور وافنتها على كثرتها و كثرة تفريخها، أوقللت من اعدادها الكبيرة اللازمة بدورها لطعام هذه الجوارح و سواها من بني الإنسان ... وذلك للحكمة التي قدرها الله كما راينا .... و الذبابة التي تبيض ملايين البويضات و لكنها لا تعيش الا اسبوعين، و لو كانت تعيش بضعة اعوام تبيض فيها بهذه النسبة، لغطى الذباب وجه الأرض بنتاجه، و لغدت حياة كثير من الأجناس و اولها الإنسان مستحيلة على وجه هذه الأرض. ولكن عجلة التوازن التي لا تختل في يد القدرة التي تدبر هذا الكون، وازنت بين كثرة النسل و قصر العمر فكان هذا الذي نراه.... و الميكروبات وهي اكثر ألأحياء عددا و اكثرها تكاثرا واشدها فتكا،هي كذلك اضعف الأحياء مقاومة و اطولها عمرا تموت بملايين الملايين من البرد ومن الحرّ ومن الضوء ... و لو كانت قوية المقاومة أو طويلة العمر لدمّرت الحياة والأحياء ...على أن الأمر اعظم من هذا كله، واشمل في التقدير و التدبير. وان حركة هذا الكون كله باحداثها ووقائعها و تياراتها مقدرة مدبرة صغيرها و كبيرها ..( انظر سيد قطب  فى ظلال القرآن ج6 3463 حتى3440)                                                   



   كما فسرت المنظومة السلفية و بشكل عشوائي ايضا،  قوله تعالى و ((الله خلقكم و ما تعملون)) الصافات 96، لتستدل بها على خلق أفعال الإنسان خيرها و شرها!!، و لقد القمهم الزمخشري حجرا حين جاء تفسيره للآيتين ( التي تجاهلت السلفية بدايتهما، وهي قوله تعالى اتعبدون ما تنحنزن) ــ  على هذا الشكل (( قال اتعبدون ما تنحتون، و الله خلقكم و ما تعملون))  يعني خــلقكم و خلق ما تعملونه من الأصنام [أي خلق المواد التي تصنعون الصنام منها كالخشب  والحجارة]  ثم وبخ السلفيين ( سمّاهم المجبرة) في ما ذهبوا اليه من خلق الأفعال  حين اضاف :" ان معـــنى الآية يأباه إباء جليا و ينبو عنه نبوا ظاهرا، و ذلك أن الله عز وجل قد احتج عليهم بان العابد و المعبود جميعا خلق الله، فكيف يعبد المخلوق المخلوق، على ان العابد منهما هو الذي عمل صورة المعبود و شكّله، و لولاه ما قدر ان يصور نفسه و يشكلها، و لو قلت والله خلقكم و خلق عملكم لم تكن محتجا عليهم ولا كان لكلامك طباق . وشيء آخرو هو ان قوله و (( ما تعملون)) ترجمة عن قوله (( ما تنحتون)) و ((ما)) موصولة لا مقال فيها فلا يعدل بها عن اختها إلا متعسف متعصب لمذهبه من غير نظر في علم البيان و لا تبصر لنظم القرآن" ( انظر الكشاف للزمخشري ص 53/54 ج 4) .                                                        

     

  ولو كان للمشركين الذين جادلهم ابراهيم عليه السلام  فهم السلفية العليل لقول ابراهيم الخليل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 38 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



(( والله خلقكم و ما تعملون))  لكان ردهم عليه كما ياتي :"  طيب يا أخ  ابراهيم، لماذا كل هذا  الغضب، ما دام في الأمر سعة؟! فما دام الله هو خالق افعالنا الكفرية، فلا لوم علينا لو عبدناه  أواستبدلنا بعبادته  حجرا، فليس من حقك أن تلومنا على فعل اكرهنا الله عليه، ثم ما وجه اعتراضك  وقد خلق الله كفرنا، وقد رضينا بما رضيه الله لنا،  فهل يعقل أن يرضى الخصمان و لا يرض القاضي. ثم هب يا ابراهيم اننا قد كفرنا، ألم يبلغك ان الله رضي لنا الكفر،(1) . فالأجدى من ذلك كله ان ننصرف يا أخ ابراهيم الى التـنمية و البناء و التأسيس لوحدة وطنية ،عوضا عن التكفير المسبّب للنفرة والتشرذم! "



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتب الزمخشري مفسرا قوله تعالى( المفسر اصلا ـ)(( و لا يرضى لعباده الكفر)) الزمر9

( لا يرتضي لعباده الكفر) رحمة لهم لأنه يوقعهم [ الكفر] في الهلكة ...[ ثم يحمل الزمخشري على الإعتقــاد السلفي] :  و لقد تمحل بعض الغواة [ يقصد السلفيين ] ليثبت لله تعالى ما نفاه عن ذاته من الرضا لعباده الكفر فقال [أي الغواة ]: هذا من العام الذي اريد به الخاص، و ما اراد الله الا عباده الذين عناهم في قوله ((ان عبادي ليس لك عليهم سلطان)) الإسراء 65 ، تعالى الله عما يقول الظالمون (الزمخشري .تفسير الكشاف ص 117 ج4 ) .

فالله سبحانه تعلى يكره الكفر و لا يرضاه لأحد من عباده بمعني لا يجبر عليه أحدا .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 39 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على خطى معاوية



          عند احتلال القطر المصري كتب نابليون بونابرت رسالة " فيها كثير من التمويهات على العقول مثل قوله[ لأهل مصر] و العاقل يعرف إن ما فعلناه بتقدير الله و إرادته و قضائه... إن القرآن العظيم صرّح في آيات كثيرة بوقوع الذي حصل، و أشار في آيات أخرى الي أمور تقع في المستقبل، و كلام الله في كتابه صدق و حق"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 40 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فصل                                                            

       القضاء و القدر  بالمفهوم الإسلامي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   مفهوم القضاء و القدر اسلاميا، معناه ان تؤمن بان الله  قد سجل كل ما عملته في الدنيا في لوح محفوظ عنده، اعتمادا  على علمه تعالى بما سيكون من اعمالك( التي ستقوم بها بكامل حريتك  بما مكنك تعالى من التحكم بجوارحك)، و لولا ارادة الله تعالى التي اقتضت منحك حرية التصرف في تلك الجوارح، ما استطعت ان تحرك اصبعا, أو تدفع ذبابة حطت على انفك،  ولو شاء  الله تعالى سلبك تلك الجوارح و تركك عاجزا كحجرة ملقية في الطريق،  لسلبها منك فورا،شئت ذلك أم أبيت، فلست تملك من امرك شيئا، فانت ضعيف مقهور تحت ارادته سبحانه(1) .                                                           



   فايمانك بالقضاء و القدر بالمفهوم الإسلامي الخالص، يقتضي منك الإعتقاد بان جبنك عن مشاركة اخوانك في حرب الحكام المستبدين، لن يجرّك الي  ميتة  مبكرة قبل اوانها، فموتك و حياتك محددان الهيا منذ الأزل. لأجل ذلك  كان الإيمان بالقضاء و القدرعاملا ايجابيا ملهبا لحماسة المسلمين الأوائل و دافعا لهم لنصرة الدين و تحرير البشرية من نير المستكبرين .               



   فالإيمان بالقضاء و القدربمفهومه الإسلامي، هو أن تسلّم بأنّ " ما اصابك من مصائب  مكتوبة و مسجلة  قبل ان نولد و لا مناص من مواجهتها، لأنها قدر مكتوب يقول الله تعالى (( قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا)) ــ التوبة 52ـ أي انه من بين كل المصائب التي نتوقعها و يهددنا بها الآخرون فلن يصيبنا منها إلا ما هو مكتوب علينا، و لذلك فان المؤمن يتخذ موقفا محايدا وسيطا بين المصائب و المسّرات التي تواجهه، لأنها قدر مكـــتوب لا فــــرار منه، و لـــذلك لا ينهار عند

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد المحسن يسار المتحدّر من اصل عراقي، شاب موفور الصحة، يعيش في بلدة ايبيونا في البرازيل، كان ذات يوم  يقود سيارته في طريق عام قرب مدينة سان بولو، فجأة رأى على جانب الطريق شخصا يحاول دفع سيارته المعطلة، فتوقف لمساعدته فماذا حدث له؟... " أعرب الرجل عن امتنانه للمساعدة، و صعد الي سيارته المعطلة بينما قام عبد المحسن بدفعها بكل قواه لمساعدة الرجل على تشغيل المحرك، لكن السيارة كانت ثقيلة جدا، فشدّد عبد الحسن من قوة دفعه للسيارة المعطلة بيديه، وفي هذه الأثناء شاهد فجأة وميضا ضوئيا مرّ من امام عينية مثل فلاش كاميرا، فتوقف فورا واضعا يده امام عينيه، وعندما ازاح يده اكتشف انه لم يعد يرى شيئا فصرخ قائلا لصاحب السيارة المعطلة انه فقد بصره! فاخذه الي المستشفى حيث احرى له الأطباء فحوصا و قالوا ان الجهد الشديد الذي بذله لدفع السيارة ادى الي خلل عام تقريبا في ضغط عينيه نجم عنه انفجار اوردة دقيقة !! عبد المحسن يعيش الآن في عمى كامل!" ذلك ما اوردته مجلة سيدتي في عددها 1317 بتاريخ 3 يونيو 2006 تحت عنوان عراقي حاول مساعدة شخص تعطلت سيارته في طريق عام عام ففقد بصره " إهــ

   فمن منا يضمن ان يستمر في التمتع ببصره بعد ساعة واحدة من الآن.؟ من منا يضمن  سلامة عينيه حتى لو توقف كليا عن مساعدة أي سيارة واقفة في الطريق العام، حتى لوكانت صاحبتها نانسي عجرم أو باسكال مشعلاني؟ تم الم نسمع باناس باتوا بصراء و اصبحوا عميانا و هم على فرشهم؟... الذي اردت قوله، اننا بشر ضعفاء لا حول لنا ولا قوة. و لا ندعي اننا نخلق افعالنا بل ان الله سبحانه و تعالي هو الذي مكننا من تلك الجوارح كي نتصرف بها بحرية فنفعل ما نشاء و نترك ما نشاء، ولو شاء الله لمنعنا من فعل أي شيء  مهما كانت قوتنا.فلا حول ولا قوة الا به تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 41 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





المصائب، ولا يختال سرورا عند النعمة يقول تعالى(ما اصاب من مصيبة في الأرض و لا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا

بما اتاكم )) ـ الحديد 22/23 ــ و طالما وقر هذا في يقين المؤمن، فلن يخشى تهديد المستبد و حاشيته ،لأن المستبد يتعرض للمصائب و المسرّات مثل كل انسان بل هواكثر فزعا منها، بل ان ضحايا بطشه تتحول الى كوابيس مفزعة و تحيل ليله و نهاره الى جحيم و يجعله أسير سجن الحراسة والخوف، فكيف يخشى الناس من هو اكثر منهم خوفا و جبنا... و لذلك فإن المؤمن بعقيدة الإسلام لا يمكن ان يكون سلبيّا أو خاضعا للإستبداد، أو مشاركا للمستبد في ظلمه و استبداده، وطالما تسود عقيدة الإسلام الحقيقية، فلا مجال لإستبداد أو طغيان، و حيث تربى المؤمن على تلك العقيدة ستجده ايجابيا في مواجهة الطغيان" (1 )                                                                          



   كما أن الايمان بالقدر يحملك على الإعتقاد كما ذكرت آنفا، بأن أجلك معلوم لدى الله تعالى و مدوّن في اللوح المحفوظ، و لن يؤخره نكوصك عن مواجهة العدوّ أو تراجعك عن جهاده. و على اساس ذلك الفهم الإسلامي الخالص، رأينا صحابة رسول الله يستهينون بالمخاطر ولايبالون أوقعوا على الموت، أم وقع الموت عليهم،  ماداموا موقنين أن موتهم لن يحدث  قبل موعده و لن يتأخر عنه جزءا من ثانية .                                                                   



    كما ان الإيمان بالقدر بمفهومه الإسلامي،  يعني الإيمان بأن خسائر الأموال و الأهل والولد والجراحات و تلف النفس قد ارادها الله لك، عقوبة منه على ذنوب علم انك ستاتيها أو ابتلاء لصبرك. و في هذا ما يبعث ايضا على التسليم و الرضى بمصيبة  نقصان الأموال و الأنفس و الثمرات، إذا حصلت  نتيجة جائحة طبيعية أو حادث سير أو ما يشبه ذلك .أما أذا حدثت المصيبة  بقصد جنائي، و بايدي أعوان الحاكم الظالم، أو بيد شريكك في الوطن، وجب عليك ردّ الفعل والمطالبة بالقصاص، و استخلاص الخسائر التي ذهبت نتيجة العدوان على الأرواح أو الممتلكات التي تعرضت اليها، عملا بقوله تعالى (( النفس بالنفس و قوله تعالى و الجروح قصاص)) و قوله تعالى (( و جزاء سيئة سيئة مثلها))، و ليس الإكتفاء بمجرد السكوت و الإعتقاد  بأن من الحق بك  الضرر حاكما كان أم محكوما  كان مجبرا على ما اقترف من جرائم، و منفذا لما سطر في اللوح المحفوظ  وما سبق في علم الله تعالى, ثم بالإسترجاع والترديد بأن ما أصابك من مصائب  هو من عند الله، وان ثورتك و سعيك للقصاص  بمن تسبب في ايقاع الضرر بك، هو من قبيل الإعتراض على قضاء الله و قدره، وانه يتحتم عليك الصبر وعدم متابعة الآثم و استخلاص حقك منه ، أخذا بالعقائد السلفية المميتة التي تدّعي جهرة،أن كشف عورة رجل يستحم على شاطىء البحر نتيجة هبّة ريح، تعادل كشف عورة رجل أكره على خلع ثيابه في مخفر شرطة، الأمر الذي يجب عليه  تحمله  بكل روح رياضية و نفسية مرحة. فالريح و يد الشرطي، هما فعل الهي بحت.  كما يستطيع ذلك الرجل المعرّى  تعزية نفسه بترديد  قول  الشاعرالمرتزق"  و ان جرح أمير المؤمنين و جرحه / لكالدهر لا عار بما فعل الدهر!"  فسواء أصفعك مجنون في الطريق العام،  أو صفعك شرطي أمام المارة لأنك خرجت عن طابور ما . فعليك عدم الشعور بالعارأمام الناس .لأن ذلك محض قدر،  فكما يجب عليك الا تشعر بعار صفعة المجنون فعليك ايضا ان لا تتأثر بصفعة الشرطي، لأن صفعة الشرطي الحبيب مثل اكل الزبيب،  فالحاكم سلفياّ مثل الخالق، لا عار بما أوتيت من قبلهما .                      

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اللواء احسان صادق. جذور الفتنة في الفرق الإسلامية منذ عهد رسول الله الى اغتيال السادات ص 181/182



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 42 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



    فأكتفاء أحدنا بالإسترجاع والقول  بأن المظلمة التي حاقت بي من ولى أمري هي من قضاء الله التي لا يسعني حيالها الا الصبروالسكوت، ليس من الإسلام في شيء، بل ان هذا الفهم المعوج لعقيدة القضاء و القدرهي مسخ أموي ــ  سلفي لمفهوم القضاء و القدر، فحاشا لله أن يرضى الظلم، و حاشاه أن يجبر أحدأ من خلقه على الظلم، و حاشاه أن يعاقب الظالم  فيما بعد، عن ظلم اجبره هو عليه. سبحانه و تعالى عما يصفه به الملكيون الفاسدون و السلفيون الجاهلون .                                                                                                      



  فاذا أقصينا فرضية أن الذي نكبك في مالك او جسمك لم يجبر من قبل الله تعالى على ما فعله بك  اعتمادا على العقيدة السلفية التي تدعي بان الذي حرّك الظالم للإضرار بك هوالله تعالى (لأن افعال ذلك المجرم مخلوقة من قبل الله تعالى مثل يده و رجليه  وليس له في خلقها مسؤولية) .                                                           

اذا اقصينا تلك الفرضية السلفية الجهولة، علمنا ان الذي ألحق بك الضرر انما  ألحقه بك عن إرادة  و قصد. لأجل ذلك،  وجب استخلاص الحق منه،  و بكل الوسائل المتاحة،  وهذا  ما يطالبك به الإسلام و يمدحك عليه. قال تعالى في معرض مدحه للمؤمنين الذين لم تفسدهم عدوى السلفيين (( والذين اذا اصابهم البغي هم ينتصرون. و جزاء  سيئة مثلها )) .



فالتكليف يقتضي حتما حرية الإختيار وإلا بطل أصلا، كما يقتضي التكليف  امتلاك المكلّف آلة العمل ليقرّر ماذا يفعل وماذا يدع .                                                                     

فحاشا لله أن يحملنا على فعل الشر ثم  يعاقبنا عليه, كما يزعم أهل الجور من الحكام المدعومين بالجبرية السلفية  التي تؤيد زعمهم في أن ما يقترفونه من موبقات، لا مسؤولية عليهم فيه لأن القضاء الإلهي المسبق، هوالذي حملهم عليه، و اجبرهم على فعله. بإعتبار أن لا إرادة للإنسان و لاقدرة له على أفعاله .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 43 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



                                 و كنا نرجّي أن نرى العدل قائما

                                                       فأعوزنا بعد الرجاء قنوط

                                 متي تصلح الدنيا و يصلح اهلها

                                                      وقاضي قضاة المسلمين يلوط



وقال آخر:

                         قاض يجور على الضعيف و ربما

                                               لقي القويّ بمثل حلم الأحنف!

ـــــــــــــــــــــ

أصاب داء التوريث حتى مناصب القضاء، لأجل ذلك كثيرا ما تصدى لتلك المهمة الجليلة التي تقتضي الشجاعة من لم يهيأ لها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 44 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



                                         فصل

                              جنون سلفي بلا حدود

   ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   ايها السادة ، خذوا عن السلفية العمياء  عقائدكم :



  أولا : عندما يضيّق الحاكم على شعبه و لا يعطي العمّال غير اجر الكفاف، فالذنب ليس ذنب الحاكم،  بل ذنب العمّال الذي خلق الله في أجسادهم معدات تطلب ثلاث وجبات من الطعام يوميا،  ولولا تلك الحاجة البيولوجية "الآثمة"، لفقد هؤلاء العمّال رغبتهم في التسوّق  لشراء ما  يقتاتون عليه !! ولوفروا تلك الأموال للذهاب الي المسرح !  



 ثانيا :  اذا كانت هناك طبقة من التجارمطلقة السراح ( بفعل الفساد و قلة مراقبة الدولة و بتواطىء منها احيانا) في  احتكار المواد الأساسية لتزيد من معاناة الشعب،  فالذنب ليس ذنب الحاكم، و ليس ذنب التاجر الجشع، بل  ذنب الله (تعالى عما يقولون) الذي خلق في التاجر رغبة الإثراء غير المشروع !



  ثالثا:  لئن حاصر الحاكم بعض الثوّار، فقطع عليهم الإمدادات الغذائية  حتى هلكوا جوعا،  فان الحاكم بريء من تهمة التضييق على المحاصرين و قتلهم  جوعا، براءة بيل كليتن من انتهاك شرف مونيكا لوينسكي، لأن الذي قتل هؤلاء الثوار هو الله تعالى، حينما خلقهم  مزودين بنقطة ضعف قاتلة،  تتمثل في عدم قدرتهم عن الإستغناء ( شأن التماسيح و الصراصير) عن الطعام  لبضعة ايام ! و لأن الشعب المحاصر، قد اجرم قبل ذلك، لأنه لم يؤثر الموت جوعا في بيته قبل ان يفكر في ازعاج الحاكم بتمرده عليه،  و شغل جلالته عن سكره وعربدته، بتتبع انباء ثورته !



 رابعا:   لئن أصرّ بعض "الخوارج" على اتهام الحكام  بالقتل،  فلنجاريهم و لنقل: نعم  قتلهم و لكنه قتل مجازي ! لا تبنى عليه دعوى قضائية  !! ولا يفسد للود بينهم و بين الحكام  قضية .



     ايها السادة،  لم اكن امزح أو أجدّف،  حين كتبت ما كتبت وانما كنت انقل لكم ما كتب الباقلاني ــ سلفي غابر ـ في كتاب" التمهيد " في معرض مجادلته المعتزلة...فقد كتب الباقلاني" فان قالوا[ أي المعتزلة]  فخبّرنا عن الأسعار، غلائها ورخصها من قبل من هو [ بسبب من ]؟ قيل لهم من قبل الله تعالى الذي يخلق الرغائب في شرائه، ويوفر الداعي على احتكاره، لا لقلة و لا لكثرة، و لأنه طبع الخلق على حاجتهم الى تناول الأغذية التي لولا حاجتهم اليها لم يكترث بها و لا فكر فيها[!] .فان قالوا[ أي المعتزلة] أفليس لو حاصر بعض السلاطين أهل حصن أو بلد، وقطع الميرة[ التموين]عـنهم، لغلت اسعارهم و قل ما في ايديهم و لصلح ان يقال ان السلطان اغــلى اسعارهم؟ قيل لهم: قد يقع الغلاء عند مثل هذا الحصار، و لكن يقال ان السلطان اغلى اسعارهم مجازا و اتساعا كما يقال قد اماتهم السلطان جوعا و ضرا وهزالا، و قد قتلهم بالحصار و هو في الحقيقة لم يفعل بهم موتا و لا قتلا، وانما فعل افعالا أحدث الله عندها موتهم وهلاكهم. وان نسب الموت و الهلاك الى السلطان مجازا [!] . فإن قالوا: فيجب ان يكون الغلاء الحادث واقعا على فعل



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 45 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





السلطان الذي اوقع الحصار لأنه لو لم يفعله لم يقع الغلاء. يقال لهم ليس الأمر كما ظننتم، لأنهم لو لم يطبعوا طبعا يحتاجون معه الى المأكول و المشروب لم يمسّ اطعمتهم شيء من الغلاء[!] . فعلم انه واقع من فعل من طبعهم على الحاجة الى الغذاء[ شفتو الملاعين !!! ]. ولولا طـبعه لهم كذلك، ما احتاجوا اليه، وهذا اولى و احرى، و مع انه لو خلق الزهد فيهم عن الإغتذاء و ايثار الموت[ !] لما اشتروا ما عندهم و ان قل بقليل و لا كثير. و على انه لو وجب ان يكون غلاء الأسعار من السلطان الذي يوقع الحصار و يحمل الناس و يجبرهم على تسعير الطعام و لأنه لو لم يفعل ذلك لم يقع الغلاءعلى قولهم، لوجد ان ماتوا جوعا عند الحصار ان يكون هو اماتهم و فعل موتهم، واذا رفع ذلك عنهم و امدهم بالميرة فحيوا باكل ما يحمله اليهم لوجب ان يكون هو احياهم . فدلّ ما وصفناه على ان جميع هذه الأسعار من الله تعالى " إهــ



   ايها السادة ، عظم لله اجركم في الحمير السلفية الناطقة باسم الإسلام العظيم، و المنتسبة زورا الى سنة المصطفى المعادية للظلمة، السنة التي علمنا منها ان الله تعالى ادخل امرأة النار بسبب هرة لم تطعمها و لم تطلقها لتبحث عن طعام لنفسها. و النص الذي اوره الباقلاني   سقته لكم  من كتاب الثابت والمتحول  للشاعرو المفكر العراقي أدونيس,الذي يجاهر  كما هو معلوم، بكفره بدين الإسلام عقيدة و شريعة،   و قد عبر عن ذلك حين كتب ذات مرة " أنا لست متدينا و لست مؤمنا... لكنني شخصيا ميّال الى القول ان العالم ظاهرة طبيعية و كونية, و الإنسان نفسه ظاهرة طبيعية، و لا اعتقد ان هناك غيبا بالمعني الميتافيزيقي. لذلك لا اؤمن بان هناك قيامة و جنة و نار هذا اعتقادي صريحا" (انظر كتاب صقر ابو الفخر "حوار مع ادونيس الطفولة الشعر المنفى"ص 132/140/141  المؤسسة العربية للدراسات و النشر الطبعة الأولى 2000 بيروت) .



   و لعل الفتنة السلفية  من أسباب الحاد ادونيس، لأجل ذلك نراه يجزم بان " الأصولية [ و يقصد الإسلام ] ليست مجرد خصم فكري و انما هي خصم انساني . هي خصم للإنسان في هذه الأرض،  و هذا المجتمع، لانها لا تقضي على افق الحرية المتاح، بل تقضي على جوهر انسانية الإنسان ايضا، و تحوله الى نوع من الآلة "( ص 135 من الكتاب المذكور).



 و انا اوافقه شخصيا الى ما ذهب اليه،  فقد حصلت لي قناعة ان اجرام ابن حنبل و الشافعي والباقلاني و سواهم من رؤوس السلفية  في حق الإنسانية لا يعادله اجرام هولاكوا و لا هتلر و لا موسيليني و لا ستالين مجتمعين،  لأن هولاكو  و هتلر و موسيليني و ستالين قتلوا ملايين معدودة  في حين ان قتلى  السلفية لا  يحصي عددهم الا الله   .



    و لئن اهتممت بادونيس و بغيره من ملحدي ابناء المسلمين، فلأني وجدت في كتبهم تشخيصا دقيقا لحال أمتنا في الحاضر و المستقبل القريب. من ذلك ما يقوله ادونيس " انها لفاجعة الا يكون للعرب على الرغم من تاريخهم الطويل و حضارتهم العريقة الا دور التابع في معركة العولمة،  و في ظني انهم استنادا إلى واقعنا، لن يكونوا أكثر من سوق، و كونهم مجرد سوق، سيحوّلهم، هم الذين ينتشرون على بوابات قارتين آسيا و افريقيا، الى مجرد موقع جغرافي " ص 129 .  كما أن شجاعة هؤلاء الملحدين والتزامهم بقضايا الشعوب المقهورة تحملني  على احترامهم، ثم اعجبوا من  ادونيس وهو يقول( وهو الملحد) " ان على المفكر ان يكتب و أن يسجن وأن يموت اذا لزم الأمر، لأن السلطات العربية هي مجرد سلطات قامت على نفي الحرية، فكيف يمكن ان نطلب منها



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  46 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





الحرية ؟ كيف يجب ان يستعد المفكر و الفنان و الشاعر ليدافع عن فكره و فنه و شعره و يدفع الثمن " ص 93  هذا بالإضافة الي شعوري  باني اقف مع ادونيس  على ارضية  مشتركة  لأنه يقف مع حرية الإنسان و كرامته يقول " لم تعد المسألة في الحياة المعاصرة مسألة اديولوجية مع هذه النظرية ضد تلك أو العكس و انما اصبحت مسألة كيانية مع حياة الإنسان أو مع موته، و مسألة كرامة بشرية مع الحرية أو مع العبودية، و مسألة اخلاقية باي حق مهما كان نجيز قتل الإنسان ايا كان" ( انظرادونيس النظام و الكلام ص 82 دار الآداب الطبعة الأولى 1993)





   فالتصور السلفي للقضاء و القدر القدر يقتضي من  المسلم  نسبة  الشر الى الله تعالى عبر الإعتقاد ان الله  قد خلق كل افعال البشر بما فيها السرقة و اللواط و الزنا  و ان الله تعالى عما يقولون هو الذي يحرك جوارح اللوطي وهو يلوط ! و هاكم ما ورد في البخاري( الذي الف كتابا سماه خلق افعال العباد!! ) كدليل على تخبط السلفية و جهلها الفاضح : جاء في البخاري "احتج آدم و موسى عند ربهما فحجّ  آدم موسى فقال موسى انت خلقك الله بيده و نفخ فيك من روحه و اسجد لك ملائكته و اسكنك في جنته ثم اهبطت الناس بخطيئتك الى الأرض ؟ قال آدم لموسى : انت الذي اصطفاك الله برسالاته و كلامه، واعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء، و قربك نجيا وجدت الله كتب التوراة قبل ان اخلق؟ قال موسى: باربعين عاما قال آدم فهل وجدت فيها و عصى آدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني على ان عملت عملا كتبه الله عليّ قبل ان يخلقني باربعين سنة ؟ فحج [ غلب]آدم موسى"إهــ (1)  وتلك دعوى سلفية صريحة تجعل آدم بريئا من العصيان، و تجعل أكله من الشجرة جبرا الهيا لا يملك معه نقضا ولا ابراما، و هو خلاف الواقع الذي ذكره كتاب الله تعالى فقد أعلمنا أن آدم  قد أخطأ و طلب الغفران من الله تعالى فتاب عليه، و لا معنى للتوبة و لا لطلب الغفران غير العبث، ما دام الأمر قد تم اكراها. فسبحان رب العزة عما يصفه به السلفيون من فظائع أدناها العبث الذي لايليق بمن سمّى نفسه حكيما .         





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  ألتقيت منذ مدة قصيرة شابا عربيا مجازا في علم الأثار يريد  اٌقامة في النرويج فلما ذكرته  بحرمة الإقامة في بلد الكفر و خطرها على ذريته سرد علي الحديث المذكور ليقول لي انه ــ أسوة بأبيه آدم ــ لا يملك من أمر مجيئه لبلاد النصارى للإقامة هنا و فتنة خلفه الذين سينحدرون منه شيئا، لكون ذلك قدرا مقدورا قد اكره عليه!! .                                                                                  



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 47 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                 أولويات

                                       يا قوم أرعوني أسماعكم

                                                حتي أؤدي واجب الفرض

                                       أشهد حقــــّا أن سلطانكم

                                                ليس بظل الله في الأرض !

                                            ( أبو الفتح البستي)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 48  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





فصل

من ضعفها العقلي أوتيت السلفية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   كان مردّ سقوط رموز المنظومة السلفية في خطيئة نسبة المظالم الى الله تعالى، ضعف امكانياتهم الذهنية التي جعلتهم " يتوجسون خيفة من أن يكون في القول بالقدرة الإنسانية إفتـئات على الإقتدار المطلق للمشيئة الإلهية، و إلغاء لمفهوم القضاء و القدر، و مبعث التوجس هو أن " سلف " السلف لم يكن لهم في المسألة قول وردت به الأخبار، في حين أن هذا السلف يفتقد الأدوات العقلية اللازمة لحسم المسألة، وهو افتقاد كرّسته العادة المضطردة على الأتباع، و إلاّ فإن إثبات الإرادة الإنسانية لا يشكل في ضرورة العقل تناقضا مع إثبات القدرة المطلقة لله تعالى . طالما ان الله تعالى هو الذي خلق هذه الإرادة و أقدر الناس على إنفاذها " (1)                                                                       



   " و الآيات التي تقرر حرية الإنسان كثيرة جدا منها قوله تعالى(( من عمل صالحا فلـنفسه و من اساء فعليها، و ما ربّك بظلاّم للعبيد)) فصلت 46،  فأسند العمل الصالح و العمل السّيء الى الإنسان و لو لم يكن الإنسان حرّا ما اسند اليه الفعل. و في موضع آخر من القرآن الكريم يقول الله سبحانه(( و ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم و يعفوا عن كثير)) الشورى 30 ،أي ان الشرور التي تعرض للإنسان انماهي اثرمن آثار عمله و نتاج اختياره و تصرفه، وان القرآن ليتحدث عن المفاسد و الجرائم التي تحيط بالناس فيبين انها ليست من صنع الله، وانما هي من عمل البشر(( ظهر الفساد في البرّ و البحر بما كسبت ايدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)) الروم 41 " (2)               



   و لقد كان مفهوم القضاء و القدر واضحا و مبسطا و مفهوما لدى الصحابة رضوان الله عنهم  و لم تكن مسألة القضاء و القدر محاطة بسياج من المرويات الزاجرة والوصايا المثــقلة بالتحريم و التجريم، لمن حام حول حماها و حاول معرفة كنهها ( مرويات من قبيل : "اذا ذكر القدر فأمسكوا !" )                                                                                                  

   

    كما ان ممارسة الصحابة  كانت تشي  بفهمهم  العميق، و الحاسم لمسألة للقضاء والقدر، من ذلك ما يروى عن عمر رضي الله عنه انه جيء له بسارق ثبتت سرقته فساله ما حملك على السرقة : قال قضاء الله يا امير المؤمنين ! فقال رضي الله عنه و أنا أقطع يدك بقضاء الله ثم امر بضربه ثلاثين سوطا لكذبه على الله تعالى . ومن بليغ النوادر ان رجلا آذه بعض جيرانه بتكرار حذفه بالحصى، فلما لامهم اجابوه : ما ضربناك، و لكن الله هو الذي ضربك ! ففقال : كذبتم،  لو كان الله الذي ضربني ما كان ليخطئني، ولأصابني من اول ضربة !!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) عبد الجواد ياسين السلطة في الإسلام ص 134

(2) سيد سابق العقائد الإسلامية ص 89/90  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 49 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

داء قديم

                                

                                في كل أرض و طئتها أمم

                                        ترعى بعبد[ حاكم] كأنها غنم

يستخشن الخز حين يلبسه

       وكان يـــــــــــبري بظفره القلم !

( المتنبي)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 50 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





فصل

السلفية منظومة جبرية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتـ



   و على اساس ما تقدم ذكره  يحق لنا الجزم بان" المنظومة السلفية جبريّة من حيث انها لم تنتصر قط للحرية الإنسانية، واذا كانت الجبرية المطلقة التي يقول بها الجهميّة لا تعدو ان تكون  نفيا للقدرة الإنسانية على الفعل و نفيا للإرادة الإنسانية على الإختيار، فإن هذا هو عين ما انتهت اليه من الناحية العملية اطروحات الأشاعرة التي لا تعدو أن تكون في نظرنا مجرد تقنين كلامي للموقف السلفي المتوجس بطبعه من الحرية. و إلا فما هو الفارق بين النصين التاليين الذي نورد اولهما عن الجهمية و الثاني عن ابي الحسن الأشعريّ؟. يورد الشهرستاني عن جهم قوله ان الإنسان ليس يقدر على شيء و لا يوصف بالإستطاعة و انما هو مــجبور على افعاله لا قدرة له و لا اختيار، وانما يخلق الله الأفعال فيه على حسب ما يخلق سائر الجمادات. اما النص الثاني فهو قول الأشعري : ’’ان جميع الموجودات من اشخاص العباد و افعالهم كذلك سائر المخلوقات و حركاتها كلها مخلوقة لله’’ في كلا النصين، نفي للقدرة الإنسانية ’’المؤثرة’’ نعم ان الجهمية ينفون وجود القدرة اصلا و بالتالي ينفون ان يكون لها أي اثر في الإيجاد أو الإحداث، بينما يثبت الأشاعرة وجود القدرة، و لكنه اثبات كالنفــي سواء بسواء، لأنهم لا يعترفون بأن لهذه القدرة تأثيرا مستقلاّ في الإيجاد والإحداث، بل يفسرون هذا التاثير بما يسمونه "الكسب ".. المرادف  للجبر، وهذا ما توصل اليه بن تيمية حين كتب صراحة في "منهاج السنة" ج1ص325/326 يقول ليس بين قول الأشاعرة هذا و بين جهم بن صفوان في قوله بالجبر الخالص الا اختلافا لفظيا "(1)   



   و مجمل القول فأن السلفيين يؤمنون (إمّا مسايرة للحكام، أو لقلة فهمهم، أو لعدم تقديرهم الله تعالى حق قدره، أو للأسباب الثلاثة مجتمعة)، أن الإنسان مقهور على التخطيط  والفعل. ففي اعتبارهم أن سرقة السارق و لواط اللوطي و سجود الوثني أمام صنمه هي ــ والعياذ بالله ــ  من الله تعالى إرادة و فعلا , تخطيطا و تنفيذا!! .فلم يكفهم نسبة التخطيط لله تعالى. حتى اضافوا اليها التنفيذ !!! لأجل ذلك فأن قحاب عالمنا الإسلامي أتخذن من القضاء و القدر حجة لفجورهنّ ! فإذا كنا سمعنا قديما بأن المكتوب على الجبين لازم تشوفو العين ، فلنؤمن من الآن فصاعدا بأن المكتوب على الأكساس ( الفروج ) لا بدّ أن يراه الناس، أو المكتوب على الفروج لا بدّ ان يظهر  و يروج !. جاء في الصفحة 45 من  كتاب "الروض العاطر في نزهة الخاطرللشيخ النفزاي (فقيه تونسي عاش في القرون السالفة)  وعلى لسان حمدونة اخت المأمون وزوجة الوزير الأعظم مخاطبة وصيفتها  في معرض تبريرها جريمة الزنا التي اقترفتها مع بهلول مهرّج السلطان بها : " اسكتي عنّي، وقع ما وقع، و كل فرج عليه اسم ناكحه حبّ من حبّ و كره من كره، ولولا اسمه مكتوب على فرجي، ما كان يتوصّل إليّ هو ولا غيره من خلق الله تعالى، و لو يهب لي جميع الدنيا وما فيها!" إهــ .                                                                                                      

  

   فلا عجب اذا و نحن  نسمع الفنانات الساقطات  والراقصات الفاسقات (اللاتي رفعن الى درجة نجمات)،يقلن بأن ارادة الله تعالى هي التي شاءت أن يكون أداؤهن جيدا او رديئا، وإن اداءهن  سيتحسن أو يستمر في جودته " بعون الله و مشيئته" !      

ـــــــــــــــــ

(1)عبد الجواد يس السلطة في الإسلام ص 134  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 51 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



                                                 بشرى لنا معشر الإسلام

    

في كتابه " الأبطال"،  إعتبر  توماس كارليل،( أحد أعظم فلاسفة الغرب) شخصية  رسولنا الكريم ،هي اعظم شخصية تمرّ على البشر "

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 52  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الباب الرابع



إختيار السلفية التقليد دون الإجتهاد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ53 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



يا سائلي عـــن موطن التقليد / خذ عني الجواب بفهم لب حاضر

لا فرق بين مـــقلد و بهيمة / تنـــــقاد بــين جــنادل و دعاثر

بن عبد البر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   54 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فصل

في ذمّ التقليد و المقلدين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





" التقليد في المصطلح الديني هو قبول قول الغير و الإعتماد على ما توصل اليه في رايه العلمي من غيرسؤال عن الأدلة و البراهين التي اعتمد عليها "  (1) .                           



و التقليد هو العمل بقول احد الناس دون حجة، و التقليد اخو الجهل لأن الله ذم التقليد و في نفس الوقت ذم الجهل "  "قال بن حزم التقليد على الحقيقة انما هو قبول ما قاله قائل دون النبيّ بغير برهان، فهذا هو الذي اجمعت الأمة على تسميته تقليدا و قام البرهان على بطلانه (احكام الأحكام 2/836. ) .                                                                                



" و التقليد هو المانع للعقل من الإنطلاق، و المعوّق له عن التفكير، و من ثمّ فإن الله يثني على الذين يخلصون للحقائق و يميزون بين الأشياء بعد البحث و التمحيص فيأخذون ما هو احسن و يدعون غيره (( فبشّر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم اولوا الألباب )) ــ الزمر 17ـ18ــ و يندّد بالمقلدين الذين لا يفكرون إلاّ  بعقول غيرهم و يجمدون على القديم المألوف و لو كان الجديد اهدى واجدى لهم (( و اذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون )) ــ البقرة 170 ــ(2)                                                                         



   " و الناس من جهة تلقى الأحكام ثلاثة اصناف، مقلد و متبع و مجتهد، فالمقلد هو العامي الذي لا يفقه الأدلة و المتبع هو الذي لا يعمل الا بالدليل، و المجتهد هو الذي وصل الى درجة استنباط الحكام من الأدلة " (3)                            



" والتقليد من الأدواء المهلكة التي كان لها تأثير عظيم في تاريخ الفكر الإسلامي بله على الفكر الإنساني جملة. إذ أن ثمرة التقليد إهمال النص الشرعي و تعطيل العقل البشري حيث ان هذا المقلّد لا ينظر الى المسائل المختلفة إلاّ بمنظار مقلده فيدور في فلكه قبولا وردا. فلا يقبل قول غيره و لا يسمع بعد قوله قولا من غير حجة ولا برهان. فالحق ما قاله شيخه ولو خالف الدليل. و الباطل ما خالف قول شيخه و لو دلّ عليه الدليل. و لسان حال هذا المقلد يدلّ : على أن إمامه هذا قد اقتبس شعلة من نور العصمة،  من ثم يصبح فكر الإنسان وما يترتب عليه من القول والعمل اسيرا لا حراك به ليس له القدرة على التامّل أوالتفكر أوالنظر. و إن وجد فيه بقية من فكر، فإنه يسخره لتحليل أفكار شيخه ودراستها . فما يكاد ينطلق منها إلا لكي يرجع اليها فمنها المبدأ و اليها المنتهى "[4] "                        



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] و [2] و [3] موقع اسلام دوت كوم .

[4] احمد عبد  الرحمن الصويان منهج اهل السنة و الجماعة في تقويم الرجال و مؤلفاتهم ص 18 , المؤلف سلفي و ما انكره في الفقرة السلبقة هو صميم اعتقاد طائفته .                                                                                                        

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 55 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





     بسبب ذلك السلوك الببغائي المقزز كان "  الفقهاء ينقلون أقوال من قبلهم في مـتون موجزة و يأخذون هذه الأقوال مجردة من أدلتها من الكتاب و السنة مكتفين بنسبتها الى أصحـــابها [1]"  و بعد أن ألّفت المختصرات و المتون و بولغ في اختصارها و تعقيدها، احتيج الى الشروح و الحواشي و التقريرات التي لم تسلم هي ذاتها من التعقيد و الغموض فضاع العلم بذلك وسط هذا الخضم الهائل من المؤلفات " (2)                                                    



   و يصف أحد علماء الأزهر هذه الحال المزرية بقوله :" و لما فترت همة المتأخرين من العلماء عن التاليف عمدوا الى مصنفات السلف الصالح رضوان الله عليهم و شرحوها ثم عمدوا الى الشروح فشرحوها،و سموا ذلك حاشية، ثم عمدوا الى الحواشي فشرحوها و سموا ذلك تقريرا فتحصل عندهم متن هو أصل المصنف وشـرح، و شرح الشرح، و شرح شرح الشرح وكانت النتيجة ان تطرق الإبهام الى المعاني الأصلية، واضطربت المباحث و اختلت التراكيب، و تعقدت العبارات، و اختفى مراد المصنف "( 3)             



  فلو اخطأ صاحب مصنف ما،  فقرأ قوله تعالى (( أولئك يبدل الله سيآتهم حسنات ))  فصحفها لتصبح  سيئاتهم   سنانهم،  و حسنات  خشبات  (وهو ما وقع فعلا لأحد الناس (4)) ، ثم شرحها على ذلك الأساس، فإن الشارح من بعده سينظر مباشرة الى الشرح لا الى النص الأصلي .  فيشرع في حاشيته في  وصف سنّ الكافر الخشبية  حامدا الله تعالى على خلق أسناننا من عظم. وإلاّ ما وسعنا غيرأكل البطيخ و لحرمنا من أكل الجوز و اللوز، ثم يأتي المقرّرــ شارح الشرح ــ  ليفيض في فائدة الجوز و اللوز  في زيادة منيّ الرجل و قدرته على الجماع،  ثم يأتي شارح التقرير  ليوغل في الخطأ متوسعا في شرح  وجوب حفظ المنيّ و التورع عن سفحه في الحرام، لياتي شارح الشارح مواصلا  رحلة التيه  بناء على قراءة كليلة  للآية من قبل صاحب التصنيف .                                                                                                            



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  محمد قطب المجتمع الإسلامي المعاصر ص 56

[2] بخيت الزهراني ص 34

[3] نفس المصدر ص 36

[4] عن ابي النقاش عن شيخ له قال : كنت في جامع واسط و رجلان يحدثان في حديث جهنم فقال احدهما بلغني ان الله عز و جل يعظم خلق الكافر حتى يكون ضرسه مثل احد, فقال له الآخر ليس هذا امره. و الى جانبهما شيخ متألّه كثير الصلاة فالتفت ايهما فقال: لا تنكروا هذا ان الله على كل شيء قدير و تصديق ما كنتما فيه  كتاب الله قالا : و ما ذاك يا عمّ ؟ قال قوله تعالى : أؤلئك يبدّل الله سنانهم خشبات, " فهو ما يبدل السن خشبة إلاّ و هو قادر على ان يجعله مثل احد " عبلا الرحمن بن الجوزي اخبار الحمقى و المغفلين ص136منشورات دار الأفاق الجديدة الطبعة الخامسة 1403هــ/ 1983م



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 56 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





فصل

التقليد حتمية سلفية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





    لما كانت  المنظومةالسلفية حركة ذات اتجاه  بابوي فى نظرتها لتفسير النص، حين جعلت تلك المهمة حكرا على اشخاص معينين(على غرار الكاثوليك النصارى الذين يجعلون البابا هو المؤهل دون غيره لفك رموز كتابهم المقدس) فقد اقتفت خطى السلف المخطئين لتعمق تضليل الأمة عن أسباب خلاصها، بالإمعان مضيا  في طريق التيه و مفازو التهلكة .


   ولما كانت السلفية حركة جاهلية في تلقيها عن شيوخها دون سؤال عما قالوا

                    لايسألون أخاهم حين يندبهم            الى النوائب عما قال برهانا

 فقد كان وقوعها  في خطيئة التقليد الأعمي نتيجة حتمية لا مهرب منها و لا مناص،  كما كان قرار السلفية اغلاق باب الإجتهاد، من قبيل المتوقع  باعتبارانه ليس في الأمكان ابدع مـــما كان، و ماترك الأول الآخر شيئا .



  و لما كانت رموز السلفية تفتقر الى النباهة التي تفرض عليها المباركة و التسليم،  و تقعد بها  عن النقد و السؤال و طلب الدليل، سقطت في  تقدس أراء  الرجال، حتى لو تعارضت تلك الأراء مع روح الإسلام وناقضت مقاصده العظمى، مبررين استسلامهم ذاك بنص الحديث الموضوع لا تجتمع "امتي على ضلالة"  مما جعلهم يسرفون في تقليد الأقدمين، ولو مشوا على رؤوسهم بحجة وجوب الإقتداء بهم، و جعل اجتهاداتهم اجماعا تحرم  مخالفته حتى لو خالف القرآن و ما تواتر من الحديث ضاربين عرض الحائط حقيقة" ان الإجماع اساسه [ هو] اتفاق المجتهدين على حكم شرعي متفق مع نصوص القرآن والسنة، فان لم يكن نص فلا بد ان يكون متفقا مع مبادىء الشريعة العامة و روحها " و حقيقة " ان ذلك الإجماع يخصهم لوحدهم، و ليس ملزما لأحد ما دام الأمر من المسكوت عنه، و ما دام يخضع للإجتهاد، كما تجاهلوا أن ذلك الإجماع ليس لصحابة محترمين و انما هو لأمشاج من حنابلة و شوافع لا يفقهون قولا، ولا يهتدون سبيلا . ليجعل ذلك الإجماع  غلا في اعناق المسلمين الى يوم القيامة.هذا بالإضافة الى ما يفاجأ به المسلمون من اجماعات حديثة و كارثية، كالتي خول  السلفيون بموجبها  استقدام القوات الأمريكية الى الجزيرة العربية بدعوى الإجماع!!!  أو تفويض ياسر عرفات لعقد سلام دائم مع اليهود ! و لو بعث الصحابة من قبورهم "لأجمعوا" على دسّ من ساهم في ذلك الإجماع في التراب .          



     ولقد اجرمت المؤسسة الملكية ايما اجرام، حينما تركت  المنظومةالسلفية تخلو  باسلامنا لتعيد رسم معالمه حسبما يزينه لها افقها الضيق و نظرتها الإنبهارية بالسلف المبتوت النسب بصحابة رسول الله. مستعينة بمؤهل الورع البوذي البارد والعديم الصلة بورع الصحابة، ثم بالخشية المرضية من الخروج المسلح على حكام الجور، لتبني على تلك الإخفاقات شهرة زائفة لم تـنلها نتيجة مواجهة السلط الغاشمة، بل بسبب مقدرة الواحد  منهم  على حشو رأسه  بمآت الاف المرويات.



  إن إهمالنه رموزا من قبيل عبد الله بن الزبير والحسين بن علي، والجعد بن درهم، ومعبدالجهني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 57 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



وغيلان الدمشقي، وابي حنيفة و أحمد بن نصر الخزاعي  و سعيد بن جبير/  ممن وضعوا اسلامهم موضع التطبيق  فواجهوا الظلمة بكل  بالوسائل المتاحة، دافعين دماءهم ثمنا لجرأتهم  في الحق، إن اهمال هؤلاء الرموز(1) في مقابل رفع رصيد جثث سلفية أوقفت حياتها على تبرير الظلم،  فلم تكتف بالغياب عن قضايا الأمة بل ساعدت على تغييبها. ان تقديم هؤلاء الأسماء الجوفاء و المجردة من كل مؤهل، غير  حفظ وصايا الإسلام في العدل و الشورى و الحرية و المساواة على ظهر قلب،  لجدير بأن يرشحنا لنكون أضحوكة الأمم، و مسخرة الدهر دون منازع, وإلاّ  فأي ذرة من إحترام يبديها أي انسان مهما بلغ غباؤه، لأمّة تكرّم  أشخاصا وتعلي شأنهم و تقيم لهم النصب التذكارية، لمجرّد حفظهم آلاف الصفحات من  دستور بلادهم، ثم حسن إلقائهم لنصوص ذلك الدستور، و تقعرهم في مراعاة صحة مخارج حروفه، في حين أنهم خالفوا كل ما جاء في ذلك الدستور وتعاملوا جهرة مع أعداء بلادهم، وغرقوا الى أذقنانهم  في وحل  الخيانة العظمى لوطنهم.





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  



[1] "ان الرمز في اية أمّة أو جماعة أو تيّار، يمثّل ركيزة اساسية و قوّة دافقة محسوسة لأفكار تلك الأمة أوالجماعة،  ولذلك تهتمّ كل الأمم و الشعوب والحركات برموزها وتقدرهم و توقرهم نظرا لمكانتهم القيادية،  و دورهم الريادي في التوجيه و الإرشاد " مجلة الفجر العدد 28 1997

 فهل تحققت كلمة الرمز في الثدييات السلفية التي اصبحت عامل اعاقة لأمتـنا؟، و هل تستحق تلك الأسماء الملمّعة  بالباطل، كل ذلك الحب  و التقدير  التي حظيت وما تزال تحظى بهما، لولا غفلة الناس ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 58 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الباب الخامس

استهانة السلفية بذات الله تعالى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  59 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



(( و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعا قبضته,  و السماوات مطويات بيمينه، سبحانه و تعالى عما يشركون )) قرآن





" أيـــاكم و البدع، قيل يا ابا عبد الله و ما البدع؟ قال اهل البدع الذين يتكلمون في اسماء الله و صفاته و علمه و قدرته و لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة و التابعون لهم باحسان " .                                                             

الإمام مالك بن انس







أنت كالكلب في الحفاظ على الودّ / و كالـتيس في قراع الخطوب .



( ذلك أقصى ما وجده اعرابي جلف  لمدح  أحد الملوك, و سنرى ان السلفية كانت افظع تشبيها لله منه)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  60  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 





فصل

السلفية منظومة خرافية و رموزها مجرد دراويش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ







    بلغ الضعف العقلي و غياب حاسة النقد ثم النظرة التقديسية للأشخاص، الى تبني المنظومة السلفية مرويات غريبة  تثير امتعاض عبدة الأوثان، و تقشعر من هولها الأبدان، و قد ورطتها تلك المرويات( ذات الأصول الإسرائلية)،  في  تـناول مسألة  نهى الشرع  الحكيم عن إثارتها حين وضع أمامها علامة" قف" كبيرة. وأعني بتلك المسألة :الخوض في ذات الله سبحانه و ماهيتها وصفاتها، بعد وضوح الخبرالإلهي  بكونه سبحانه و تعالى (( ليس كمثله شيء))  (( ولم يكن له كفؤا أحد)) .                                                         

    

  ولعل دهشة المرء و تعجبه من الوقاحة السلفية تتعاظم، حين يعلم أن تهمة " الإبتداع في الدين" (التي تعدّ اكثراسلحة السلفية جاهزية لرمي الخصوم، وأشد  شتائمها استعمالا) هي جريمة سلفية بحتة لم يسبقها الى الإرتكاس فيها أحد. و ذلك حين  يلحظ غرق المنظومة السلفية في الإبتداع الى أذقانها،  خصوصا وقد جاوز ابتداعهم كل  حد،  ليصل الى المساس بالذات الإلهية.   



   و لعل اصرار حطابي الليل السلفيين، على الأخذ العشوائي للمرويات، ممن علم ولاؤه "لأهل الجماعة"  بقطع النظر عن موافقة ذلك الحديث أو مخالفته  لكتاب الله، ثم لعل الضعف العقلي لشيوخ السلفية هو الذي ورطهم في تلك المطبات المميتة، والمستنقعات الأسنة، حين وجدوا  انفسهم عاجزين عن التعامل ايجابيا  مع مرويات وان كانت غريبة عن الخطاب القرآني و التصور الإسلامي لخالق الكون، لكنها مهضومة لمن كان في طفولتهم العقلية و سخافتهم الذهنية، من قبيل "حديث" :" خلق الله آدم على صورة الرحمن "!أي أن آدم يشبه الله تعالى في شكله و هيئته!  و لم يستثن السقوط بن تيمية( لذي يعد ـ نسبيا ـ فلتة سلفية في سعة الذهن و كثرة الإطلاع) حيث نجده " يقول بحديث أن الله خلق آدم على صورة الرحمن بهذا اللفظ في كتابه التأسيس في رد اساس التقديس [الموقف]الذي يتبناه اتباعه او مقلدوه حتى الآن، حيث ألّف أحدهم وهو حمود التويجري كتابا في اثبات ذلك سماه عقيدة اهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن و قرّظه له عبد العزيز بن باز... و لا اتصور أن هناك منزه أو موحد يتخيل ان سيدنا آدم عليه السلام و بالتالي ذريته التي تشبهه مخلوقة على صورة الرحمن سبحانه و تعالى !! فإذا لم تكن هذه العقيدة في التشبيه و التجسيم بعينه فما ادري ما هو التشبيه و التجسيم بعد ذلك "[1]                                                                        



 كما زاد "  داود الجواربي و مقاتل بن سليمان المحدث البلخي المشهور و المتوفى 150هــ الطين بلة حين زعم " ان الله جسم و انه جثة على صـورة الإنسان لحم و دم و شعر و عظم له جوارح و اعضاء من يد و رجل و لسان و رأس و عينين، و و مع هذا لا يشبه غيره و لا يشبهه، و حكى عن الجواربي انه كان يقول : اجوف من فيه الى صدره، ومصمت ما سوى ذلك و كثير من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] حسن بن علي السقاف  رسائل السقاف ج1ص26



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 61 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الناس يقولون هو مصمت، ويتاولون قول الله "الصمد" المصمت الذي ليس بأجوف "[1] و ليس قول الحنابلة ذلك بجديد " و ابن خزيمة وابن الأمام احمد ممن حطبوا في هذا الحبل، و كوّنوا بما صنفوا فرقة من الرعاع احدثت شغبا في بغداد ... ورد في الكامل لأبن الأثير أن الخليفة العباسي الراضي بالله اصدر مرسوما في شأنهم جاء فيه :. تزعمون ان وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين و هيئتكم الرذيلة على هيئته، وتذكرون الأصابع والرجلين المذهبتين و الشعر القطط و الصعود الى السماء و النزول الى الأرض، تعالى الله عما يقول الظالمون علو كبيرا و ذكر بن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري على الإمام ابي الحسن الأشعري: أن هؤلاء المجسمة أبوا الا التصريح بأن المعبود ذو قدم و اضراس و لهوات و انامل و انه ينزل بذاته في صورة شاب "[2]                                                                         



و  لإبن الأثير رايه السلبي في الحنابلة، قال في أبي يعلى بن الحسين الفراء الحنبلي توفي في 458 هــ " مصنف كتاب الصفات أتي به بكل عجيبة و ترتيب ابوابه يدلّ على التجسيم المحض، تعالى الله عن ذلك، و كان بن التميمي الحنبلي يقول : لقد خرىء ابو يعلى الفراء على الحنابلة خرية لا يغسلها ماء "[3]                                                                



    و قد بلغت الإستهانة بذات الله  حد تفسيرقوله تعالى " يوم يكشف عن ساق الي القول بأن " لله ساق ليست كساق البشر، بل والي قول ابي يعلى الحنبلي أن النبي رأى ربه في المنام في احسن صورة شابا موفرا رجلاه في خضرة عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب .. و الى حد قول أبي يعلى لأتباعه : أعفوني عن اللحية والعورة و ما سوى ذلك الزموني به !"(4) ( وقد خرج البخاري في صحيحه " يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن و مؤمنة.." الطريف انه  اورد ذلك  في باب التوحيد !!! كما اخرجه مسلم في باب الإيمان !!! ... وقد" انكر الإمام مالك هذا الحديث انكارا شديدا و نهي ان يحدث به احد فقيل له ان ناسا من اهل العلم يتحدثون به فقال مالك من هو قيل ابن عجلان عن ابي الزناد قال لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، و لم يكن عالما "(5).                                                             



   كما ادخلت السلفية على دين الله أساطير وخرافات ما انزل الله بها من سلطان منها ما رواه اأحمد بن حنبل من  كون الارض ثابتة على ظهر وعل في السماء ! قال احمد بن حنبل حدثنا ...عن عباس بن عبد المطلب كنا جلوسا مع رسول الله بالبطحاء فمرت سحابة فقال رسول الله اتدرون ما هذا قلنا السحاب قال المزن قلنا المزن قال و العنان قلنا والعنان قال هل تدرون كم بين السماء و الأرض؟ قلنا الله و رسوله اعلم قال بينهم مسيرة خمسمئة سنة، و من كل سماء الى سماء مسيرة خمسمئة سنة، و كشف كل سماء مســــيرة خمسمئة سنة و فوق السماءالسابعة بحر بين اسفله و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ابو الحسن الأشعري مقالات الإسلاميين ج1 ص 283

[2] محمد الغزالي مشكلات في طريق الحياة الإسلامية ص 99/100 لم يشر الغزالي ان ابن حنبل هو من أتاح بمروياته الغريبة الى تلك العقائد في الله !

[3] رشيد الخيون المذاهب و الأديان في العراق ص 401

[4] السقاف ص 33

(5) الذهبي. سير اعلام النبلاء ج 8ص 103و 104

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 62 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



اعلاه ما بين السماء و الارض ثم فوق ذلك ثمانية اوعال بين ركبهن و اظلافهن، كما بين السماء و الارض، ثم على ظهورهم العرش الخ... هذا لفظ الإمام أحمد بن حنبل رواه ابو داود و ابن ماجة و الترمي و قال الترمذي هذا حديث حسن !!.                                                                                                    



    كما زعم الحنابلة أن أقطاب وابدال الصوفية يشاركون الله تعالى في ادارة الكون وايصال شكاوي الناس و مطالبهم" و قد اتفقوا على انّ الشافعي كان من الأوتاد و في رواية تقطّب قبل موته (صار قطبا) و كذلك جاء هذا عن بعض تابعيه من الفقهاء كالإمام النووي ــ حنبلي ــ و غيره( انظر الفتاوي الحديثية لأبن حجر325 الهيتمي) و روى الخطيب في تاريخ بغداد عن الكناني نه قال النقباء ثلاثمئة، و النجباء سبعون، و البدلاء اربعون، والأخيار سبعة، والعمد اربع، و الغوث واحد فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، و مسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد زوايا الأرض، و مسكن الغوث مكة، فإذاعرضت الحاجة من أمر العامّة ابتهل فيها النقباء ثم النجباء ثم الأبدال ثم الأخيار ثم العمد, فإذا اجيبوا و إلاّ ابتهل الغوث فلا يتمّ مسألته حتى تجاب دعوته ( نفس المصدر 35) (سلم ترتيبي كهنوتي  لرفع الشكوى الى الله تعالى عما يقول الحنابلة فما قدروا الله حق قبضته و الأرض جميعا قبضته و السماوات مطويات بيمينه سبحانه و تعالى عما يشركون ) ".                                    

وقال الإمام أحمد أن لم يكونوا [ أي الأوتاد] أصحاب الحديث فمن هم؟"!! (الهيتمي ص 325 )

( يا مولانا حسبهم أنهم أوتادا ولو لم تثبت وتديتهم!)



  وعن ابي نعيم في الحلية : خيار امتي كل قرن خمسمئة و الأبدال اربعون، فلا الخمسمئة ينقصون و لا الأبدال, كلما مات منهم رجل ابدل الله من الخمسمئة مكانه و ادخل في الأربعين مكانه و منها حديث أحمد: الأبدال في هذه الأمة ثلاثون رجلا، قلوبهم على قلب ابراهيم خليل الرحمن كلما مات رجل ابدل مكانه رجلا "( ابن حجر الهيتمي ص 323) ملاحظة : كان معظم الصوفية عبر التاريخ من الحنابلة و الشوافع! ابدل الله امة الإسلام برؤوس السلفيين الخاوية رؤوس خراف  يطعمها فقراء المسلمين. آمين.    



   كما يأتمر الإبدال ( حسب التصور السلفي الميثلوجي)  بأوامر الخضر الذي  يظهر للصوفيين بين الحين و الحين " روى بن الجوزي ـــ حنبلي ــ اربع روايات تدلّ على حياة الخضرمنها عن على كرم الله وجهه انه رآه متعلقا بأستار الكعبة[ يا لسيدنا عليّ كم ظلمته الشيعة و مشعوذو الحنابلة ] ومنها عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ولا اعلمه مرفوعا عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يلتقي الخضر والياس في كل عام في الموسم، فـيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه!!) و منها عن على كرم الله وجهه انه يجتمع مع اسرافيل و جبرائيل و ميكائيل بعـرفات و الحجيج بها، و لقد وقع لمن انكر على فقير في سماع( نشيد صوفي) و بقربهم نساء،انه رأى ذكره فرج امراة [أي ان أحد المسلمين انكر على صوفي حضوره مجالس الغناء الشركي المختلط فتحوّل ذكر المنكر الى فرج امرأة] فبهت ساعة طويلة، فقام الشيخ و جاءه [أي جاء للرجل! كيف علم بالتحوّل الفيسيولوجي ؟! الجواب عند الحنابلة] و قال له : هكذا تكون الفقراء اذا جلس عندهم النساء [أي تتحولوا مذاكير الصوفية الى فروج فور اختلاطهم  بالنساء !] فتاب فدعا له الشيخ فعاد لحاله الأولى ( انظر الفتاوى الحديثية  ص 307 لأبن حجر  الهيتمي )                                                               


  و لو احتفظت السلفية بخرافاتها  لنفسها لهان الأمر، و لكنها اتخذت من  تلك المعتقدات الشركية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 63 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فيصلا بين كفر المرء و ايمانه. و جعلتها قضية حياتها و شغلها الشاغل،  فــي زمن  تتخطف فيه  

الشيعة و النصرانية و سائر الملل الفاسدة  ابناء المسلمين الذين يئسوا من الإسلام بنسخته السلفية البائسة ياس الكفار من اصحاب القبور(( ولو شاء ربك ما اشركوا فذرهم و ما يفترون)) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 64 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الباب السادس

 إستهانة السّلفية برسول الله



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 65 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



وأيم الله،إنّ الخالي من مجاهدة الرذائل جميعا، لهو الخالي من                 الفضائل جميعا.

مصطفى صادق الرافعي

وحي القلم  ج2 ص 77



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 66 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





فصل

العصمة بمفهومها السلفي، انتقاص من قدر الأنبياء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   كما طال العدوان السلفي  نبي الإسلام ذاته، حيث انتهك الغباء السلفي  خصوصياته عليه السلام حين صرحت السلفية على لسانه الشريف بما لم يقله, كما جردته من فضائل حب الله و خشته و طاعته، كما سلبت منه صفات الشجاعة وبذل كل ما يملك لنصرة دين الله والعبقرية في التخطيط و قيادة الجيوش و تسيير الدولة، لقد جردته من كل تلك المؤهلات التي رشحته ( من بين مليارات البشرالذين وجدوا و سيوجدون على الأرض), ليكون المختار والمصطفى و سيد ولد آدم, و افضل الأنبياء, وانجح القادة, وأرحم الحكام أشدهم حزما, لتضع  بدل كل تلك المؤهلات التي لم تجتمع في بشرقبله ولا بعده، مؤهلا وحيدا مختلقا ولا اصل له في دين الإسلام،  بل هو ميراث يهودي نصراني مجوسي (شيعي) وذلك المؤهل هو العصمة من ارتكاب الذنوب, مما سلبه( نظريا) فضائل كخشية الله واتقاء محارمه, و ضبط نفس تجاه المغريات وفضيلة  استهدافه مؤسسة الكفر بمفرده و استخفافه برموزها ثم الإطاحة بها.                                                                                 



    زين الغباء السلفي لأهله تجريد خاتم النبيين  من الحافز الذاتي لفعل كل ما هو خير، و تجنب كل ما هو شر، كما جعله ذلك الغباء لا يختلف عن أي فرد من امته،  بل عن أي سلفي أجوف   لتصور للناس مجردا من كل فضيلة, كما افقد الغباء السلفي شهادة الله(( وانك لعلى خلق عظيم )) قيمتها بل جعل تلك الشهادة تضاهي في فراغها من كل معنى، شهادة غض البصرعن المحارم  تمنح الى كفيف, أو شهادة  حفظ اللسان من الغيبة" تمنح الى أبكم . فـالعصمة السلفية المنسوبة  لخير البرية، تجعل من النبي الخاتم فردا عاديا يمكن تعويضه بأي شخص آخر ليقوم مقامه و يؤدي رسالته، ما دام في مقدرة كل من شبه بالملائكة و سحبت منه غريزة النزوع الى العصيان ان يكف عن الذنوب فورا، بل ولا يفكر اصلا  في اتيانها .



" فالعصمة[ بمفهومها السلفي القاصر]  تنقيص من حق الأنبياء عموما لا مدح فيهم،لأن تفسير العصمة بالمفهوم السلفي، تعني أن الأنبياء منذ ولادتهم وحتى وفاتهم لم يرتكبوا معصية بارادة الله, وهذا يعني فقدانهم الإرادة في تفضيل الخير على الشر، ولست ادري اية فضيلة تكتب للمرء عند الله اذا لم يستطع القيام بعمل الشر بسبب ارادة خارجة عن ذاته "(1)                                                                       



    ولعل خطورة ترويج مسألة  عصمة الأنبياء من الذنوب، تكمن  في جعل القرآن الكريم في غير متناول الناس مهما بلغت معرفتهم بالغة العربية، عبر اقناعهم بان فك رموز القرآن و حل احاجيه هو من اختصاص الكهنوت السلفي، لأنه يحتاج الى مفاتيح سرية لا يملكها غير السلفيين  بالنظر الى كون كتاب الله ليس" مبينا" بالشكل الكافي، و ليس ميسّرا للذكر( و لقد يسرنا القرآن للذكر) "أي سهلناه للإدكار والإتعاظ" (2) ما دام فعل "عصى" الدال على حرية إرادة العاصي، وعلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) موسى الموسوي " الشيعة و التصحيح " والفقرة المذكرة قصد بها الكاتب إئمة الشيعة ذوي العصمة المزعومة . و يبدو أن الموسوي (حسب ماورد  في كتابه) قد  تنصل عن شيعيته، لأنه اتي على عقائد الشيعة من الأساس , كما حفل كتابه الآخر "الثورة البائسة" بحقائق قيمة عن الخميني ودينه الفاسد .

(2) الزمخشري, تفسير "الكشاف "ج4 ص 436

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 67 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



مخالفته من عصي، معناها سلفيا" تمثيلية اجبرالعاصي فيها على المعصية بمباركة ممن عصي",  و ما دام فعل" تاب" الذي يعني اقلع عن الذنب، يعني سلفيا " كلمة دخيلة عن جملة قرآنية غير مبررة مادام الذنب لم يرتكب اصلا" و معنى استغفر: طلب العفو من ذنب لم يرتكبه، وهكذا دواليك . لتكون النتيجة النهائية أن قوله تعالى {ولا تطيعوا مر المسرفين} و قوله تعالى{ ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرون} و قوله تعالى {لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعـــضهم اولياء بعض و من يتولهم منكم فانه منهم}و قوله تعالى { ولا تأكلوا الربا} { ولا تقربوا الزنا} ليست آيات محكمات هن ام الكتاب و اسس الدين. بل هي كلمات فضفاضة يمكن ان تكون محل اجتهاد و نظر, و اخذ وردّ،  مادامت العربية قد استعصت عن الفهم، في غياب  الكهنوت السلفي  القادر لوحده على تفكيك الغازها وحلّ أحجياتها!  



   كما ان من اعظم التأثيرات السلبية لنظرية العصمة النبوية المطلقة على امتنا، انصراف حكام المسلمين عن التأسي بالنبي كحاكم عادل، لأنه لن يكون حسب رأيهم  مقياسا بشريا،  بل ان تلك العصمة السلفية الموهومة قد منحتهم العذر فيما يقترفونه من جور و ما يهملونه من اقتفاء سنته،  بحجة انهم غير معصومين مثله.                                                                                          



   كما ان من شأن عقيدة العصمة، فقدان قوله تعالى{ قد كانت لكم في رسول الله اسوة حسنة} أي مدلول, اذ بامكان أي فرد من عامة الناس ان يسيء الظن بالخالق و يتهمه بتحميله ما لا يستطاع بتكليفه الإقتداء بمن شابه الملائكة ـ أي برسول الله ـ في حين انه قد ركبت فيه قابلية فعل الخير  و الشر.                                                                                                       



   أما اذا أردت قراءة مفهوم العصمة سلفيا، فذلك يقتضي منك أن تقف على رأسك لتخلص الى ما خلص اليه عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني صاحب كتاب" العقيدة الإسلامية وأسسها" حيث جعل عصمة الرسول من الذنوب، هي التي رشحته ليكون  قدوة لغيره !"لأن الله تعالى[ كما يقول الكاتب، وكما سول له فهمه السلفي القاصر] أمر الأمم بالإقتداء برسلهم، فإذا أمكن أن يفعل الرسل بعد الرسالة المعاصي،كان معنى الأمر بإتخاذهم اسوة في حال أن المعصية جزء من أفعالهم، أمرا بالمعصية [!!] و في هذا تناقض ظاهر"(1) ! فسبحان من سلب عقل ذلك" الحبنكة " حتى اندفع يهذى بهذا الشكل المثير للرثاء، وإلا فهل يتصوّرمن نبي ان يزنى، أو يشرب خمرا أو يأتي كبيرة ما من الكبائر، ليفتن اتباعه (الأكثر منه ورعا !) و يسقط الإقتداء به؟!!  والحال ان الله اصطفاه على اساس علمه السابق بايمانه و خشيته له حتى  يكون قدوة لغيره؟(2).



    لهذا الحد يستهان بانبياء الله؟ و الحال أن في اتباع امة محمد من لم يقارف فاحشة ( أعرف  شابا  كرديا اعطي وسامة وحسن تكوين يحسده عليه أي نجم سينمائي عالمي, وقد فقد  ذلك الشاب اعصابه ذات مرة  فصفع حسناء نرويجية ( لعلها اشد فتنة من الفتاة الإسبانية التي تقاتل من اجلها  ملكين من ملوك الطوائف) حين  طلبت منه خلوة غير شرعية بقصد إقناعه بالزواج منها! ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني "العقيدة الإسلامية واسسها "ص 336دار القلم دمشق الطبعة الثامنة 1997

(2)  ستكون امريكا حسب الفهم السلفي الكليل اعلم بدخيلة عملائها ، من الله  برسله ،  فامريكا لم تعيين حاكما قط  لم يكن في مستوى آمالها في خبث سريرته وفي قوله للجنة : غرّي غيري .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 68 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





 ثم انظروا الى الكاتب وهويشكك ضمنيا  في حسن اختيار الله تعالى أنبياءه،  حتى لا ينتهك قدسية عقيدة سلفية مزيفة، قد وجد عليها آباءه فهو على آثارهم يهرع، دون أن يعمل رأيه او يستفيد من عقله .         



   ولقد نتجت عن دعوى العصمة السلفية الحمقاء، تداعيات خطيرة منها الإنتقال الي القول بأن الخلفاء معصومون، وأن مجموع الأمة معصومة عن الضلال، مما نتج عنه اضفاء القداسة على كل اجماع تفرزه أية حزمة سلفية تافهة تخدم ملكا فاسدا، باعتباره قرارا معصوما، وملزما لجميع المسلمين، حتى يقوم الناس لرب العالمين . ليجعل غلا في الأعناق و سوط عذاب على الظهور. ففي حين تستفيد الأمم من اخطائها  و تـنقح  اختياراتها، لتـنبذ ما تبين فساده، و تتمسك بما ثبت نفعه، نرى امتانا  تبني على الركام، و تؤسس على الأنقاض،  لتضمن البوار المؤكد، و الخسران الدائم  مادامت الحمير تهديها،  و الغراب السلفية حاديها .





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  69  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                              

                                            ما تحملشي همّ !



 إن الإسلام هي العقبة الوحيدة أمام الحضارة الغربية لأنه                

ديانة متحــــــــدّية، و لـــــهذا يجب القــــــــضاء عليه"

                                                       صمويل هنجتون



تعليق :

ما تحملش هم مسترصمويل، فقد تولت السلفية العمياء و بكل اخلاص  مميت مهمة شلّ  عدوك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   70 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فصل

العصمة بمفهومها الإسلامي

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   

اما عصمة النبي بمفهومها الإسلامي، فمقصورة على تبليغ الوحي، أي انه عليه السلام ,( ككلّ رسول نبيّ),  يحتاج الى حفظ الهي يتمثل في توفير حراسة ملائكية ــ رصد ــ  تضمن توصيل الوحي اليه خالصا من وساوس الشيطان، و وحيه الكاذب .                  



    فالخوف من تغيير الوحي  و تبديله، ليس مخشيا من قبل الرسول( بابي هو و أمي و بالسلفيين جميعا الأحياء منهم و الأموات الى أن يقوم الساعة), لأنه اتقى من أظلته السماء، و حملته الغبراء و أورع ممن سعت به قدم. بل هو محذور من قبل الجن و الشياطين (التي لا يراها النبي) التي تحاول تسريب رسائل من صياغتها، على انها  من وحى الله .                  



   فعصمة الرسول في تبليغ الوحي، ليست مؤشرا سلبيا  من شأنه ان يضع أمانته عليه السلام، موضع ريبة ( كما هو شأن العصمة السلفية المختلقة)، بل هي احتياط الهي لقطع الطريق على قوى ذات امكانيات فوق بشرية، لا يملك رسول الله، بسبب بشريته كفاءات متعادلة للوقوف ازاءها حتى يصدّها .                                                                          



    وقد وردت تلك المعاني  في قوله تعالى(( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا، الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه و من خلف رصدا ليعلم أن قد ابلغوا رسالات ربهم ))الجن27 و28 .                                                                                  



   قال الزمخشري " (( من بين يديه و من خلفه رصدا)) : حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين، يطردونهم عنه و يعصمونه من وساسهم و تخاليطهم، حتى يبلّغ ما اوحى به اليه(( ليعلم ان قد ابلغو [الأنبياء] رسالات ربهم)) كما هي و محروسة من الزيادة و النقصان "(1) .                                                                                



   وقال القرطبي " قال الضحاك: ما بعث الله نبيا الا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين عن ان يتشبهوا بصورة الملك، فاذا جاء شيطان في صورة الملك, قالوا هذا شيطان فاحذروه، وان جاءه ملك قالوا هذا رسول ربك...  وقال بن عباس و ابن زيد ((رصدا)) أي حفظة يحفظون النبي من امامه وورائه من الجن و الشياطين...وقال السدّي ((رصدا)) أي حفظة يحفظون الوحي, فما جاء من عند الله  قالوا انه من عند الله، و ما القاه الشيطان قالوا انه من الشيطان ...والرصد كالحرس يستوي فيه الواحد و الجمع والمذكر والمؤنث، وربما قالوا ارصادا و الراصد للشيءالراقب له " (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الزمخشري" الكشاف" ج4 ص 635

(2) تفسير القرطبي ج19 ص 30/31

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 71 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



شهادة استثنائية من شخصية استثنائية :



   حين رايت الأزهر غير الشريف، قد اشهر سيف التكفير بوجه من شكك في عصمةالرسول ( بمفهومها السلفي الأخرق) بثـقة لا يمتلكهاغير من بحوزته نصا قرآنيا صريحا عن عصمته المطلقة، كان علي ان أجس نبض د. سلمان بن فهد العودة(1) فكتبت اليه رسالة الكترونية  لم استطع التخفيف من لهجتها الحادة، ذكرت فيها اوضاع الأمة و التخاذل السلفي العتيق الذي جرنا الى الحضيض ثم سألته عن حقيقة عصمة الرسول بمعناها السلفي والتي ينفيها القرن الكريم وقد  استهللت الرسالة  بشرح وضعيتي في بلاد الغرب، و كوني مشردا ادفع ضريبة اسلامي، واني لا اريد الشهرة و على حساب اعلام الأمة، وذلك حتى لا يشك في نواياي  فكان و الحق يقال استثاءا سلفيا  في  صبره و تسامحه . حينما ردّ علي  بتاريخ 29/11/2004 بما ياتي نصه "  قرأت ما سطرته يينك لا شلت يمينك فاحسست بلهب الجمر يكوي يدي، نعم انت مطارد و مثلك كثير لكن يجب أان نعتصم بالله عن هذه المطاردة وهذه المرارة ان تسلبنا هدوءنا واعتدالنا في الفكر و القول [!] أو أن تفضي بنا الي سوء ظن مطلق بالأمة انها لم تجتمع الا على ضلالة, و الحق انها لم تجتمع !.... [ ليخلص اخير الى القول] أما العصمة فشأنها يسير، و المقصود عصمته صلى الله عليه و سلم فيما يبلـّـغ عن ربه تبارك و تعالى، وإلاّ فقـد عاتبه ربه في قصة "عـــبس و تولى" و في قصة الأسرى .و في قصة زينب بنت جحش ((و تخفي في نفسك ما الله مبديه)) فعليه منا افضل الصلاة و ازكى السلام و جزاه الله عنا خير ما جزى نبيا عن امته و لك مني التحية و السلام و الدعاء .و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .           

أخوكم سلمان بن فهد العودة الثلاثاء 15 شوال 1425   







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



(1) رجل يستحق الإحترام إجمالا لشجاعته في مواجهة حكام آل سعود بما يكرهون ولإستنكاره فتوى الشيخ بن باز بجواز استدعاء القوات الأمريكية لبناء قواعد عسكرية في بلاد الحرمين الشريفين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 72 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





فصل

جولة طريفة في المخيلة السلفية السخيفة

                  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





    هلم بنا نفحص على سبيل التسلية لا غير، ما كتبه سيد سابق في مؤلفه " العقائد الإسلامية" [ مسكينة"الإسلامية" تلك)] ففي باب الرسل ص 157 كتب، تفسيرا لقوله تعالى((ان الله اصطفى آدم و نوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين))آل عمران 33 (( نزههم عن السيئات، وعصمهم من المعاصي صغيرها و كبيرها "إهـــ  وقد استقى سيد سابق  قوله ذلك من العقيدة السلفية التي حفلت بها كتب التراث، و التي  حسمت منذ قرون, (بعدما خلت لها الساحة و انفردت بتشويه الإسلام كما شاء لها غباؤها) الى انه قد " ذهب جميع اهل الإسلام من اهل السنة... الى انه لا يجوز البتة ان يقع من نبي أصلا معصية بعمد لا صغيرة و لا كبيرة " (1) .                                                                                  



    ثم طفق الكاتب يستعرض ما ورد في القرآن الكريم من  زلاّت الأنبياء عليهم السلام بعد أن نبّه الى " أن ما ورد في القرآن الكريم مما يوهم ظاهره بانهم ارتكبواما يتنافى مع عصمتهم، فهو ليس على ظاهره، و يتجلي ذلك فيما نذكره بالنسبة لما نسب لكل نبي ... آدم عليه السلام يقول سبحانه(( وعصى آدم ربه فغوى)) طه121 فظاهر هذه الآية أن آدم عصى ربه و غوى بمخالفة أمر الله، واستجابته لدعوة الشيطان، وأن ذلك كان زلة وقع فـيها، و لكن اذا امعنا النظر، رأينا ان هذه المعصية انما وقعت من آدم نسيانا منه لعهد الله، و لم يصدرعنه هذا الفعل عن ارادة وقصد، والله سبحانه لا يؤاخذ على الخطأ و لا على النسيان "إهــ                                                                                                          



    أقول: هذا تأويل سلفي  بارد، فلو كان الأمرنسيانا محضا لا اثـر فيه لأدنى مــقدار مــن الإرادة و القصد  لنبهه الله تعالى الى ذلك قبل ان يوقع به العقاب، لأن االسنةالألهية العادلة اقتضت عدم المؤاخذة  بذنب الا بعد البلاغ. و لو كان الأمر مجرد سهو غير مقصود،  لما كان أدم اخرج  من الجنة، وأنزل الى الأرض وجعلت ذريته نهبا للسندان السلفي  و المطرقة الملكية العطشي  لدماء الموحدين، فتـعالى عدل الله عما ذهب اليه الغباء السلفي االذي اعيا الطبيب المداويا .



    وفي حين فسر سيد سابق  قوله تعالى(( و لقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما)) طه 54 على النحو التالي" أي ان آدم نسي عهد الله الذي وصاه به حين ارتكب ما نهاه عنه من الأكل من الشجرة، ولم يوجد له عزم على فعل ما نهى عنه(!) وحيث لم يوجد له عزم على فعل ما نهى عنه... و حيث لم يوجد العزم على المعصية فلا توجد المؤاخذة "[! ](2)  فسرها الطبري(3)  على هذا النحو الإسلامي الأصيل" يقول تعالى ذكره : وأن يضيّع يا محمد هؤلاء الذين نصرّف لهم في هذا القرآن من الوعيد عهدي، و يخالفوا امري و يتركون طاعتي و يتبعوا امر عدوي إبلـيس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بن حزم الأندلسي " الفصل في الملل و الأهواء و النحل" ج2 ص 244/ 245 دار احياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الولى 2002

(2) سيد سابق" العقائد الإسلامية " ص161 دار الفتح للإعلام العربيز القاهرة  الطبعة سنة 1992

(3)  من الدّ اعداء الحنابلة!  .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 73 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



 فقديما فعل ذلك أبوهم آدم، ولقد عهدنا اليه، يقول، ولقد وصينا آدم وقلنا له((ان هذا عدو لك و لزوجك فلا يخرجنكما من الجنة)) ووسوس اليه الشـيطان فاطاعه و خالف امري فحلّ به من عقوبتي ما حلّ، وقوله(( فنسي))، يقول: فـترك عهـدي. وقوله(( ولم نجد له عزما))، اختلف اهل التاويل في معنى العزم، فقال بعضهم معناه الصبر، وقال آخرون بل معناه الحفظ ، قالوا ومعناه: لم نجد له حفظا لما عهدنا اليه.((و لم نجد له عزما)) فيكون تأويله ولم نجد له عزم قلب على الوفاء لله بعهده ولا على حفظ ما عهد اليه " (1).



   ثم استمرسيد سابق في تبريراته العجيبة، و استنتاجاته الغريبة الى ان وصل الى النبي الخاتم، ليجعله معصوما حتى قبل بعثته عليه السلام ! وقد استـنتج تلك العصمة من قوله تعالي(( ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر)) الفتح2 ! و ما ذهب اليه الكاتب من العصمة  يخالف كتاب الله و سنته عليه السلام حيث  كان يقول "إني لأستغفر الله و اتوب اليه في كل يوم مئة مرة" و"الإستغفار[ كما كتب الطبري] معناه طلب العبد من ربه عز وجل غفران ذنوبه، فاذا لم يكن ذنوب تغفر لم يكن لمسألته إيّاه غفرانها معنى،لأنه من المحال أن يقال: اللهم اغفر لي ذنبا لم أعمله!"(2) . ولكن كيف نصنع وقد ابتليت امتنا بكل خابط ليل لا يستحيل في حسبانه طيران البعير، ولا نطق الحمير، لو" صحّ "خبر طيران ابي ايوب(3) ونطق أبي الأخطل(4) المركوب ،أما الحقيقية النقـلية والعقلية التي تجزم أن" الأنبياء والأولياء غير معصومين, لأنهم كغيرهم من المخلوقين مكلفون، ولا جمع بين عصمة و تكليف"(5) أما تلك الحقيقة الإسلامية الخالصة  من الشوةائب فلتختر لها أي وطن شاءت، وأية أمة حيّة أرادت، إلا أوطاننا الكئيبة، وأمتـنا المغفلة السّليبة. 



و في الأخير ... هل يحتاج الأنبياء الطاهرون  الي مخبولين من امثال  آباء الطبول و آباء القطائف و آباء كلير كي يدافعوا عنهم بكل ما اوتوا من حماقة، (6) وقد زكاهم الله ذاته. فهلا انصرفت السلفية بدلا عن كل تلك الجهود الخرقاء الى الدفاع عن المستضفين و نصرة المظلومين ؟ ألا ساء ما يحكمون، و بئس ما لأنفسهم يقدمون.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الطبري  جامع البيان عن تأويل آي القرآن  ج5 ص 227 مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الأولى 1994

(2) نفس المصدر ج7 ص 52

(3) كنية الجمل.

(4) كنية الحمار.

(5) د. عمر صالح علي مصطفى ." خواطر" ص 70

(6) قال ابو عثمان البصري: كان اخوة ثلاثة ابو قطيفة و الطبلي و ابو كلير، وهم ولد غياث بن اسيد، فأمّا احدهم فكان يحج عن حمزة بن عبد المطلب ويقول : استشهد قبل ان يحج! و الآخر يضحى عن ابي بكر وعمر ويقول : غلطا في ترك الأضحية ! و الآخر يفطر عن عائشة ايام التشريق و يقول:غلطت في صوم ايام العيد، فمن صام عن ابيه  فأنا افطر عن امي عائشة!!!! ( بن الجوزي.من كتاب  اخبار الحمقى و المغفلين) من يا ترى سيتبرع بالزواج عن المسيح عيسي بن مريم (  لاأقول  عن سيد قطب ولا عن خالد الإسلامبولي! لأن الرجلين العظيمين  (اكثر الله من امثالهما)  "من الخوارج "ّ أي من كلاب النار!!).



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 74 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الباب السابع

استهانة السلفية بصحابة رسول الله



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   75   ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                        



                                      [ فهل عند رسم دارس من معوّل ؟]



" إن المراجعة النقدية التي يفترض أن تجري بعد الإنهيارات الكبيرة التي تعاقبت، ستكون مراجعة فكرية تـتناول الأسس التي قامت عليها الصيغ الراهنة وما أدّت اليه، والأسباب التي أفضت الي عجزها وفشلها، و يستتبع ذلك ايضا،  طرح بدائل تحاول تجاوز الأخطاء و الفجوات والنواقص. الأمر الذي لا يمكن ان ينهض به سوى المثقفين"

                                                     عبد الرحمن منيف

                                             من كتاب بين الثقافة و السياسة



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  76  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





فصل

الغباء السلفي يستهين بالصحابة، في "أصحّ " مصادره

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



    من جرائم السلفية الكبرى  تعريف الصحاب  بانه  كل من أعلن ايمانه ثم  حظي بمشاهدة  رسول الله ولو مرة واحدة، حتى لو كان اعرابيا من جملة من  وفدوا عليه افواجا، وقال الله  في شأنهم(( الأعراب أشد كفرا و نفاقا وأجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله )) وحتى لو كان ذلك الإعرابي ممن  اسلم على دخن (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا  و لكن قولوا اسلمنا و لمّا يدخل الإيمان في قلوبكم ))

   

   فإذا اتضح لنا التعريف السلفي الماثور، وجدنا انفسنا امام  حقيقة سلفية شديدة أقبح من مؤخرة شامبنزي تـنصّ على  أنّ السواد الأعظم من " الصحابة "  قد ارتدّ  فور انتقال رسول الله الى الرفيق الأعلى!(  الأمر الذي لم يخطر ببال المؤرخين الذين ذكروا ان " العرب " قد ارتدت بعيد وفاته عليه السلام ).                       



   واذا اخذنا ايضا بالتعريف السلفي للصحابة،  تحتم علينا تصنيف هؤلاء الأفاضل الى صحابة منافقين و صحابة مؤمنين، وهو الأمر الذي لم يتورع بعض ابناء المسلمين على اطلاقه جهرة فها هود. احمد صبحي منصور يكتب اعتمادا على التعريف السلفي للصحابة  في مقال له بعنوان "موجز التناقض بين الدولة الإسلامية و الدولة الدينية "  ما يأتي:" و لكن الوحي الذي انزله عالم الغيب قد اخبر ان المنافقين من الصحابة[!!] كانوا صنفين صنف مكشوف معروف و صنف مرد أو أدمن النفاق لا يعلمهم النبي بل الله وحده الذي يعلمهم ..." إهــ  كما كتب أحمد صبحي منصور قبل ذلك، و في معرض حديثه عن سقوط دولة الشورى:" و مع ذلك تبقى الدولة الإسلامية واقعا تاريخيا حيا لا مجال لإنكاره أقامه خاتم النبيين عليه و عليهم السلام ثم اضاع اصحابه ملامحها شيئا فشيئا "[؟!] إهــ                                                                                                    



كما  تقترح علينا السلفية، اعتمادا على فهمها المعوج، صحابيا  مخنّثا اسمه هيت كان رسول الله  قد نفاه عن المدينة لتشبهه"رضي الله عنه" بالنساء(1) !! .                                                          



   فإذا تركنا ترهات السلفية جانبا و جدنا أن " كلمة صحابة كانت في عرف الصحابة انفسهم تعني المهاجرين والأنصار من اهل المدينة، وهم الذين ذكرهم القرآن في آيات عديدة منها الآية (( و الذين آمنوا و هاجروا وجاهدوا في سبيل الله، والذين آووا و نصروا أولئك هم المؤمنين حقا))  ـ الأنفال 73 (( و السابقون الأولون من المهاجرين والأنصارو الذين أتبعوهم باحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه))  ــ التوبة 100ـ "  أما الذين اسلموا بعد فتح مكة و كانوا ممن حاربوا النبي  من قبل فتحها، فلا يعتبرون من الصحابة، فاسلامهم بعد ان غصبوا على امرهم، لا يجعلهم من الصحابة ويقول شارح مسلم : ان الإشتباه هو في مسلمي ما بعد الفتح فـــان بعضهم من المؤلفة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على غرار ما يذكره اصحاب التراجم الصوفية بعد الإفاضة في ذكر "كرامات" الهلكى من شيوخ  التصوف، من قبيل قولهم : " و كان رضي الله عنه لا يصلّي" " و كان رضي الله عنه اذا راى امرأة راودها عن نفسها "، أو من قبيل"  وكان رضي الله عنه  يصعد المنبر كما ولدته أمّه !



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 77 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



قلوبهم،  وهم موضع خلاف، وقد بقي العرف بعد وفاة النبي ص قائما على اعتبار المهاجرين و

الأنصار الذين نص عليهم القرآن، هم وحدهم الذين تطلق عليهم كلمة الصحابة، و قد اخذ المسلمون بهذا العرف في اجتماع سقيفة بني ساعدة الذي تم فيه اختيار ابي بكر خليفة المسلمين، فلم يشارك في هذا الإجتماع سوى المهاجرين و الأنصار، اما غيـرهم من سائر العرب فقد ابعدوا عن الشورى، و لم يؤخذ رايهم في اختيار خليفة رسول الله و لم يعتبروا من الصحابة ... فالصحبة في اللغة تعني المرافقة او المعاشرة و اما المشاهدة و الرؤية فلا تسمى صحبة "(1)



   لأجل تلك القناعة الغير سلفية ، و على اساس ذلك الفهم القويم  لتعريف الصحابة، كان مبلغ اجتهاد المؤرخين في جمع اسماء صحابة رسول الله  تحصيلهم 7712 اسما ( اسد الغابة في معرفة الصحابة لأبن الأثير555/630هــ) في  حين حصل ابن عبد البر توفي سنة 436هــ )  في كتابالإستيعاب في معرفة الأصحاب على 3590 اسما،  في الوقت الذي تصر فيه المنظومة السلفية  على اعتبار المئة ألف الذين شهدوا حجة الوداع  و الذي ارتد تسعة اعشارهم  كانوا جميعا من الصحابة !   



  و قد تضمن " صحيح" البخاري حديثا تقشعر منه الأبدان يذكر فيه أن بعض صحابة رسول الله سيطردون من الحوض يوم القيامة و سيؤخذون الى جهنم ! فينادي  صلى الله عليه و سلم  اصحابي اصحابي  فيقال له انك لا تدري ما احدثوا بعدك و في أكذوبة أخري يقال له " انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم !!!"( البخاري 3349 ج4 ص456 )  فيقول عليه السلام  سحقا سحقا! والحديث عبارة عن دسيسة شيعية مفضوحة  لمن كان له ادنى نظر. لأن من اعتقاد " معتدلي  الشيعة " أن صحابة رسول الله قد كفروا " منذ فارقهم " رسول الله  أي بمجرد وفاته وكتمانهم وصية الرسول لعلي في وراثته ثم تحريفهم للقرآن طمسا لما جاء فيه من ولاية علي، تكالبا منهم  على  الدنيا و رغبه منهم عن الآخرة !. (2)



     إن مراعاة حرمة صحابة رسول الله و أثبات عظمة أقدارهم ,و اصطفاء الله لهم لصحبة نبيّـه, زيادة على وجود النصّ الصّحيح و الصّريح, يقتضيان جعل" فضيلة صحبة رسول الله مختصّة بمن طالت صحبته و قاتل معه و أنـفق و هاجر و نصر,لا من رآه مرّة كوفود الأعراب أو من صحبه آخرا بعد الفتح و بعد إعزاز الدّين  ممّن لم يوجد له هجرة و لا أثـر في الدين و منفعـة المسلمين " كما جاء عن القاضي عياض .

ــــــــــــــــــ

(1) ابراهيم فوزي "تدوين السنة " ص 203/204

(2)  فحاشا لهؤلاء الأطهار الذين هم و دون سواهم ((خير امة اخرجت للناس)) أن تكون الدنيا همّهم , و هم الذين كانوا يذرفون الدمع  حزنا حين لا يجدون مالا يشترون به فرسا او جملا ينقلهم الى ساحة القتال.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 78 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فصل

                     نريد اسلاما بلا سلفية، و صحابة بلا معاوية 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





   ان الإعتقاد التقليدي الشائع  بأن معاوية  صحابيّ،  وان من ينتقده ينتقد الإسلام،  كما أن الإعتقاد بان خصوم معاوية  يقفون حتميا  خارج مربع الإسلام( بين شيعي وعلماني)  قد يحمل القارىء على التوجس من هذا البحث و صاحبه فلست شيعيا و لا علمانيا.



    إن مياها كثيرة قد مرت ــ كما يقال ــ  تحت الجسور، منذ ذلك العهد الذي كان فيه المتصدي لنقد معاوية لا يمكن أن يكون غير شيعي ضال اوعلماني ملحد. فقد  ظهر في السنوات الأخيرة اتجاه غير سلفي يمثله كتّاب عديدون يصرّون على إسلام غير ملطّخ بتاريخ الأسر الحاكمة و كهنوت المنظومة السلفية، و ينادون بإسلام بلا تقديس معاوية، بل نقده بموضوعية  دون تكفيرولا تشهير، مع اعتزاز بشريعة الإسلام و ثقة في قدراتها  على احياء موات امتنا، إنطلاقا  من بديهية أن بداية العلاج لن تكون بغيرالتشخيص الجيد للمرض، ومرضنا دون شك  هو الإستبداد الذي وضع معاوية فيروسه الأول الذي ما زال يعمل فينا تدميرا, ولعل د. عبد الجواد يس يمثل أنموذجا لهؤلاء الباحثين المتسلحين بثقافة العصرو بالعلم الشرعي و بحرية الفكر، وملكة الإستهانة بضخامة اسم من قال، لو كان ما قيل لا يتفق مع العقل والنقل، مع ثقة راسخة بوجوب هيمنة الشريعة الإسلامية وعلوّها على التشريعات البشرية و ضرورة عودتها الى مكانها الطبيعي في إدارة شؤوننا. ففي كتابه " السلطة في الإسلام العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ " قدم المؤلف كتابه قائلا :" ليست القضية في الحقيقة و لم تكن قط هي أن يحكم الإسلام أو لا يحكم، فـذلك تحصيل حاصل لحقائق الإسلام الثابتة في النص والتاريخ على السواء، فكلاهما يؤكّد أن الإسلام بالدرجة الأولى و بحكم التعريف، هو منهاج موضــوعي واسع لحكم الحياة ."إهــ

  

   كما يعدّ الأستاذ المجاهد عبد الكريم مطيع الحمداوي( مغربي افضل من كتب عن واقع المسلمين و سبيل النهوض بالأمة)افضل من تعرض  لمعاوية و جرائرة في حق الإسلام والمسلمين (1).                                



   و حتى السلفية ذاتها  فقد انبرى من جناحها  الأشعري من ينتقد معاوية دون تورية، فها هو حسن بن عليّ السقّاف ــ معاصر ــ ينتقد  معاوية بعنف لأجل أمر الأخير بلعن عليّ رضي الله عنه على رؤوس  المنابر، فكتب في مجموع  رسائله، (و في سياق نقده للسلفي الكبير ابن تيمية  لنيله هو الآخر من السيدة فاطمة بنت رسول الله رضي الله عنها):" و من تطاول ابن تيمية على المقام النبوي قوله في بضعة رسول الله ص لى الله عليه و سلم السيدة فاطمة في منهاج سنته النكراء أثناء كلام له ملتو أن فيها شبها بالمنافقين... و إمامهم في ذلك معاوية الذي كان يأمر الناس بسبّ سيدنا على رضوان الله تعالى عليه لدغل في قلبه جعــــله يـــكره عليا رضي الله عنه



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كاتب مغربي معارض يقيم في الخارج  له" موقع الشبيبة"

www.achabibah.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 79 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





تمـسكا منه بالدنيا و ملكها و شرائها بالآخرة "(1)



كما تعرض معاوية لــنقد سيد قطب( 1906 ــ 1966) و هو من هو في جهاده و فضله في كتابـه  " العدالة الإجتماعية في الإسلام " مما اثار عليه ثائرة السلفيين الى حد اتهامه بالقول  بوحدة الوجود أي تكفيره. لكنني لا أنكر أن الكثير من العلمانيين المجاهرين بعدائهم للإسلام عقيدة و شريعة قد هاحموا معاوية  ظنا منهم ( لعظم جهلهم الذي غذته العقيدة السنيّةالتي تحشر معاوية ضمن صحابة رسول الله), انه كان يتصرف إسلاميا لما كان ينتهك الشورى ويبطش بالموحدين في سبيل الملك، كما ان طبيعة الدين في قهر البشر بإسم الحق الإلهي في الحكم،  كانت  تقتضي منه ذلك السلوك الدموي!                                                              



   فمعاوية(الذي يعد من الطلقاء أو من المؤلفة قلوبهم أو مسلمة الفتح سمه بما شئت) ما كان يوما من الصحابة, أما حشره  ضمن الرجال الذي جعلهم الله لنا قدوة و سماهم { خير امة اخرجت للناس} فلا يعني غير دعوة المسلمين لقـبول الأستبداد والقتل غيرالمبرر، بحجة أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك مأجورين، هذا بالإضافة الي ان الحاق معاوية بالصحابة يحمل على التشكيك في الجيل الذي رباه سيد المرسلين، كما ان حشر معاوية بين الصحابة سيمنح الإرهاب العلماني الحاكم في بلاد المسلمين مزيد الذرائع لقتل الناس في سيبل الإبقاء على حكمهم البغيض و نظمهم الدموية، اقتداء  ب"إجتهادات معاوية" في قتل الناس عن الملك و المكاسب الشخصية.

  

  كما يترتب عن التعريف السلفي للصحابة تأكيد مزاعم المستشرقين و العلمانيين أن صحابة رسول  قد  تقاتلوا على الدنيا ةو تهالكوا على السلطة بعد وفاة النبيّ عليه السلام. وكم يفعل الجاهل بنفسه أو بمن يحب، ما لا يفعله عدوّ بعدّوه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حسن بن علي السقاف " مجموع رسائل السقاف " ج2 ص 323/324                                                                            



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 80 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الباب الثامن

العدوان السلفي  على المرأة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 81 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                         دعوة للجهل



" و سئل رحمه الله ما حكم تعليم النساء الكتابة، ففي وسيط الواحدي اول سورة النور، ما يدل على عدم الإستحباب، هل هو صحيح أو ضعيف؟ فأجاب بقوله" هو صحيح[!] فقد روى الحـــاكم و صححه عن البيهقي، عن عائشة ان النبي قال لا تــــنزلوهن الغرف، و لا تعلموهن الكــتابة " و اخرج الترمذي  عن ابن مسعود ايضا أنه صلى الله عليه و سلم  قال: مرّ لقمان  الحكيم على جارية في الكتاب فقال لمن يصقل هذا السيف؟  أي حتى يذبح [ أي أن  المرأة مؤذية في حال جهلها  فكيف اذا تعلمت؟!] و حينئذ، فيكون فيه إشارة الي عـــلّة النهي عن[ تعليم المراة] الكتابة"إهــ

بن حجرالهيثمي

الفتاوي الحديثية





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   82 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فصل

المرأة و الرجل سواسية في نظر الإسلام

ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   المرأة " حسناءالعالم و وجوهرة الخليقة "(1) والوجه الآخر للكائن البشري، فلا معنى   لوجود الرجل بلا نصفه  الحيوي الآخر. فالمراة قد تستغني عن الرجل، في حين يحتاج الرجل الى المرأة أكثر من حاجتها اليه. لأنه اشد منها رغبة جنسية(2) حتى ان الرجل يسارع الى الزواج و لمّا  تمضي سويعات على دفن زوجته بحجة سخيفة و تعليل بارد ( خشيته ان يلقى الله عزبا ليلته تلك!  في حين انه لم يكن يبالى  لو كان لقي الله في ما سلف من لياليه خادما لملوك الجور وأئمة الكفر. في مقابل ذلك  نجد الألوف المؤلفة من النساء  يمتنعن عن الزواج من بعد  وفاة أزواجهن مضحيات  برغباتهن الجنسية  وفاءا منهن لبعولتهن، و حدبا على اطفالهن من ان يبتلوا بزوج  لئيم  يعمّق آلامهم و يسوّد آيامهم) .                      

   كما ان الرجل  اقل من المراة صبرا واضيق صدرا (3) و أحيانا ادنى منها شجاعة (4) كما نجده  أكثر تهربا منها  من تحمل المسؤولية ((الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قليل ما هم )) .                                               



   و لئن يلقي الرجل  من التعب في تحصيل المعاش  خارج البيت  الشيء الكثير، فان في شغل البيت والعناية بالأطفال ما يرهق المرأة و يستغرق كل نهارها و بعض ليلها (5). هذا  بالإضافة الى  تحمل المرأة  لمتاعب الحيض و الحمل والولادة (التي اسقطت تكاليفها عن الرجل  بسب انشغال الأخير بمقارعته الأعداء  في ساحة المعركة من اجل الحرية و العدالة(6)                        

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مكسيم غوركي

(2) " المرأة تحتاج الى سبب لممارسة الجنس في حين يحتاج الرجل فقط الى مكان ! "

Women need a reason to have sex , men just need a place.. Billy Crustall

(3) و ما يفري فؤاد اب حزين/ كاطفال له نكبوا صغارا / نــــأت كالشمس امهمو فامسوا/ و ان كنت الحفيّ بـــــهم حيارى / و لو اسكنتهم حبات قلبي/ لما هداوا و لا طعموا قرارا / فلن يغنيهم يا" زين" عطفي / و لو قد  سال من كبدي و مارا / حنو الأمهات حنو طبع/ و تضحية فكيف اذا يجارى " الشاعر عزيز اباظة ديوان انات حائرة ـ ثلاثون قصيدة في رثاء زوجته )  

( 4) في لقاء لها مع احمد رزق الله عميد السيافين السعوديين " أعلن الأخير و كما ورد في عنوان التحقيق الذي اجرته سيدتي أن " المراة  أكثر ثباتا و صلابة من الرجل في المواقف الصعبة" فقد ذكر انه " في لحظات تنفيذ القصاص ياتي بعض الرجال في حالة من الإنهيار و عندما يسمع احدهم انه عفي عنه يصاب بحالة شلل كامل  و بعضهم يصاب بحالة هوس بين مصدق و مكذب و النساء عموما أكثر ثباتا و صلابة في مواجهة الموت "

(5) كان الصحفى الإذاعي التونسي عبد العزيز العروي يقول بان المراة لم تنبت لها لحية لكثرة مشاغلها التي تحول بينها و بين تعهدها بالحلاقة!, ان كنت قرات في امثلة الغرب ان عدم تزويد الله المراة بلحية سببه عدم مقدرتها غلق فمها اثناء الحلاقة ! ( بالمناسبة حدثت مجادلات سلفية عن شرعية حلق اللحية المرأة من عدمها لو نبتت لها لحية و ذلك اثناء دخول الأعداء الى بلد اسلامي !)

(6) و لما اعفت الثدييات السلفية ذكور الأمة المسلمة من مهمة قتال الظلمة فان العدالة تقتضي ان تتقاسم  ( لو تيسر ذلك علميا )نساء المسلمين  حمل الأجنة لمدة الست اشهر الأخيرة ، لتتم  مقاسمة الآلام بصفة عادلة .الا اذا تحول ذكور السلفية الى رجال فحينئذ تسقط عنهم تلك المهمة. كما من شأن ذلك الحمل اعاقة حركة هاتيك  الثدييات لعلهن تقرن في بيوتهن فيقل ضررهن على اهل التوحيد .( كل رجل ذكر،  و ليس كل ذكر رجلا ،  فالرجل هو الذي يتحمل مسؤولية جهاد الظلمة قال الله تعالى((  من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)  اما الذكر فمخلوق مستيد شغله التباهي على من هم اقل منه قوة  و هو بالخصوص  كائن جنسي مستغرق بلذته الخاصة،  فقدرة الواحد من الذكورعن الجماع هي التي ترتفع بذكورته أو تنخفض بها،  فاذا تعطل جهازه التناسلي عن العمل فقد انتهى دوره في الحياة )).



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 83 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





   و المراة في الإسلام عديلة الرجل في التكريم(( و لقد كرمنا بني آدم)) فلا فرق بينها و بين الرجل في اعتبار الخالق و في نظر الأسوياء من المخلوقين،  بل و قد تتفوق  المرأة على الرجل في ميدان جهاد الظلمة،  فلربّ خولة بن الأزور، أو غزالة زوج شبيب أو زينب الغزالي أفضل عند الله تعالى من ملء الأرض من أمثال احمد بن حنبل و الشافعي و الأوزاعي و ابراهيم بن الأدهم( الحزمة السلفية التي احكمت وثاقنا على سندان الإستبداد، بمبرارت سخيفة ما انزل الله بها من سلطان ). ولربّ ملكة عادلة كبلقيس خير من ملء الأرض من ألف ثعبان أموي، أوسفاح عباسي، أو مجنون عثماني .                                                                                      



   واذا قلت: ان الحديث ينص على أنه" لن يفلح قوم ولوا امرهم امراة "، اقول ان ذلك الأثر الغريب عن روح الإسلام يحمل بشكل واضح  بصمات الصنعة السلفية  التي تنمّ  عن تصور ممسوخ للشورى الصورية التي تعتمد  مبدأ  شاور ثم خالف. و التي تجعل الملك هو صاحب الكلمة الفصل.                                                   



  أن مصيرملايين المسلمين لن يقرره اسلاميا  شخص واحد حتى لو كان فلتة زمانه و عبقري عصره، بل حتى لو كان رسولا نبيا، انما تقرره الشورى الإسلامية المحروسة بقمم متوازية مع الحاكم المسلم ( الحاكم المحروس والمراقب بدوره من قبل أهل الحسبة من العلماء غير المحترفين  الذين تقف وراءهم جماهير معافاة  من عبادة الفرد و تأليه ابناء الذوات  و سائر المخدرات السلفية المميتة). فالمسلمون لن يخشوا ابدا  في تلك المناخات الإسلامية الخالصة أي خيبة أو عدم فلاح،  حتى لو نصبوا عليهم قردا غبيا من غير فصيلة الشامبونزي، لأن القرار الجماعي  المبني على مراعاة مصلحة الأمة لا على مصالح اسرة حاكمة أو حاكم معتوه، سيكون له القول الفصل في تقرير مصائر المسلمين  و ليست الصدف العمياء.                                                              


  لأجل ما تقدم فاني لا ارى مانعا ان تسوسني امراة حازمة  بكتاب الله و سنة رسوله  فحتى لو انقلبت عليها فستعدمني دون تعذيب بعد حقني بمخدر سام و شديد المفعول  و لن تتركني اتارحج لربع ساعة من حبل مشنقة كأي كلب أجرب .  



   و لو استمرت التجربة الراشدة في الحكم،  لرأينا المراة المسلمة تتولى الوظائف الكبرى في الدولة الإسلامية، لا من خلال موقعها كأم خليفة أو زوجة خليفة أو اخت سلطان أو محظية سلطان، بل من موقعها كامراة شريفة من عامة الشعب، كان قد رشحها ذكاؤها على بلوغ تلك المناصب السامية التي بلغتها فعلا و لكن بمؤهلات ملكية أو قدرة اغواء جنسية. فقد حفل التاريخ الإسلامي  باسماء " خمس عشرة امراة مسلمة  ارتقين عروش دول مسلمة بين القرن الثالث عشر والسابع عشر مع كل الشعارات الرسمية للسلطة، و كانت الإثنتان الأوليتان راضية و شجرة الدر تركيتين تنتميان الى سلالة المماليك. و ست سلطانات وصلن الى العرش عندما حل الأمراء المغول محل الخلفاء العرب العباسيين، و سبع اخريات في جزر المالديف"(1)  ذكرهن الرحالة بن بطوطة لما كتب:" و من عجائب جزر المالديف ان سلطانها امرأة... ومن تـــلك السلطانات خديجة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1)  فاطمة المرنيسي "السلطانات المنسيات نساء رئيسات دولة في الإسلام"  ص 185 ترجمة عبد الهادي عباس و جميل معليّ دار الحصاد للنشر و التوزيع سورية دمشق الطبعة الأولى 1994 .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 84 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





بنت السلطان صلاح الدين صالح النحلي التي حكمت من 1347 الى 1379و بعد وفاة السلطانة خديجة التي حكمت مدة ثلاثة و ثلاثين عاما، احتلت اختها مريم العرش و بقيت حتى عام 1383 " (1) ذلك أن " بعض ائمة الإسلام لا يرون ان هناك فقها سياسيا خاصا بالرجل دون المرأة فالطبري على ما يرويه ابن رشد في باب القضاء من كتابه البداية يقول بجواز ان تكون المراة حاكما علىالإطلاق في كل شيء"(2)               



  ولقد كرم الإسلام المرأة و اعطاها حق اختيار الزوج كما احترم الإسلام قرار المرأة في التـنصل من زيجة لم تـناسبها ،حتى انه عليه الصلاة و السلام لم يستخدم سلطته الروحية للتأثير على قرار الصحابية" بريرة " التي صممت على انهاء حياتها الزوجية مع زوج يحبها، رغم تعلقه الشديد بها و جريه وراءها تسبقه دموعه لإسترضائها, فقد كان في امكانه عليه الصلاة و السلام ان يتوجه الى الله بالدعاء ليحول كره تلك المراة لبعلها الى تعلق لا يعادله تعلق السلفيين بملوك الجور واساطين الفساد، لكنه عليه السلام وافق فورا على انفصالها عنه حتى لا ياتي من بعده من يقتدي بفعله .



  كما دعا الإسلام المرأة للشغل خارج البيت في مجال التطبيب و التدريس في ظروف بعيدة عن الإختلاط  و بساعات قليلة، مع مراعاة حقوق زوجها و ابنائها. فالإسلام لا يسمح فقط بشغل المراة بل و يؤهلها للعمل و يحملها على الخروج اليه  و هي تبكي !   



ــــــــــــــــــــ

 (1) فاطمة المرنيسي السلطاات المنسيات  ص 183

(2) عبد الهادي التازي المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي ص 14 طبعة اولى 1992نشر الفنك الدار البيضاء  المغرب



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ    85 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                               

                                             تمييز سلفي ضدّ المرأة  حتى في الجنة!



        " و سئل[ بن حجر الهيثمي] نفع الله به، عن النساء هل يرين ربهن في الجنّة فأجاب بقوله : لا يرين لعدم دليل خاص فيهن و قيل يرين لدخولهن في العموم, و قيل يرين في الأعياد الخاصة، ولا يرين مع الرجال في اعياد الجمع."إهــ

                        

                              الفتاوي الحديثية لإبن حجر الهيثمي "  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 86 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ







فصل

العدوان السلفي  على المرأة

      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



    لم تكن المراة لوحدها ضحية حركة الردة السلفية الكبرى التي اجتاحت امتـنا كإعصار تسونامي المدمر لتأتي على كل امتياز و مباهج و رفاهية و عدالة وأمن  ضمنها الإسلام لعامة المسلمين  ليفيضها على الأمم الأخرى، بل لقد طال العدوان السلفي المرأة و الرجل في آن واحد و على حد سواء.                            

  

    فلئن  كانت المرأة المسلمة  قد تعرضت لإضطهاد زوج مفروض عليها قد تخف وطأته عليها حينا و تزداد حينا آخر، فان الرجل المسلم قد أريقت دماؤه وأزهـقت روحه  في سـاحات الوغى و تحت التعذيب الهمجي، وهو يقاوم الملكيات الشرسة المدعومة بالنصير السلفي الجاهز دوما لغفران ما لا يغتفر، و تبريرما لا يبرّر من إعتداءات  الملوك  ومفاسدهم . حتى الذكور الذين آثروا لزوم الحياد السياسي، وعدم خوض معركة الحق و الباطل و الإكتفاء بالوقوف على الربوة. قد دفعوا  هم ايضا ثمن ذلك الحياد السلبي،  تضييقا في رزقهم، واستهانة بآدميتهم، و تهديدا لحياتهم واعراضهم و ممتلكاتهم  ومصائر ابنائهم من بعدهم، مما جعلهم متوترين على مدار الساعة الأمر الذي حول هؤلاء المحايدين الى سياط عذاب مســلطة على أهـل  بيتهم و اقرب الناس اليهم، أي زوجاتهم اللآتي هن اهون موجود واعزّ مفقود لديهم . خصوصا  و قد اعطى الضوء السلفي الأخضر لشــرعية الإعتداء عليهن عبر منحهم حصانة من المتابعة القانونية  بحجة أن الرجل لا يسأل لم ضــرب زوجته! حتى ترسخ تقليد ضرب النساء الى حد كانت المراة في بعض بلاد المسلمين تــصحب من بيت اهلها و ضمن جهاز عرسها سوطا أو أكثر من سوط   لتوفرعن زوجها البحث عما يضربها به ! وان كان الضرب في الإسلام قد شرع لصنف معين من النساء  يرين ان العيش يحلو لهن مع رجل " مرّ ينفع و يضرّ " فالبعض منهن يردنه  قويا(1)، حتى يلبي حاجتهن للشعور بالحماية بحضرته أو الشعور بكونه مختلف عنهن شكلا و مضمونا.فالضرب في

الإسلام كالجراحة في الطب، لا يحتاج اليه الا في الحالات القصوى . و الضرب في الإسلام لا يكون



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تحت عنوان " تريد الطلاق لأنه لم يضربها كفا واحدة " كتبت جريدة الحياة " رفعت امراة قضية ضد زوجها تطلب فيها منه التفريق لأنه لم يضربها ابدا خلال علاقتهما الزوجية التي استمرت سنوات عدة، لكنها رفضت ان يضربها أحد غير شريك العمر، و كتبت صحيفة البعث الرسمية ان السيدة المعذبة لجأت الى الشرطة في مخيم جرمانا قرب دمشق للسعي الى تفريقها عن زوجها، و نقلت عن السيدة من دون ان تسميها انها حاولت اصلاح زوجها مرات عدة لكن من دون جدوى،" فهو لم يضربني خلال فترة زواجنا الطويلة كفا واحدة، بل انه يعاملني معاملة حسنة و يقف في المطبخ لساعات طويلة وزادت :" اذا طلبـــت منه الوقوف خارج المــنزل فهو يفعل ذلك و يطيع اوامري، وان طلبت منه ان لا يريني وجهه فهو يذهب الى غرفة اخرى الى أن آمره بالعودة و تابعت المعذبة في حديثها الى رئيس قسم الشرطة :"اشتهي يا سيدي ان يعاملني كامرأة  ويضربني أو يهزني، لقد سئمت الحياة مع زوج اشعر عبره اني انا الرجل و هو المرأة" . و من دون ان تعترف انها مازوشية قالت:"لا بد ان يضربني من وقت لآخر، و تاثرت الشرطة بوصف السيدة لحياتها الزوجية و تطوع احدهم ليخدشها في وجهها فلم توافق لأنها تريد هذه الخدمة من شريك عمرها !"( الحياة العدد 12740 بتاريخ 18/1/1998 ).



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 87 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





وليد غضب طارىء ،  بل هو ضرب مبرمج مسبقا . فيجب أن يؤديه الزوج  في غير انفعال يخرج به من تنفيذ علاج الهي الي التنفيس عن غضب شخصي،  و ذلك حتى لا يكون عشوائيا وضارّا بالزوجة المضروبة. وعلى العموم فان أكثر من تسعة اعشار من الرجال الضاربين يستحقون بدورهم الضرب غير المبرمج  نتيجة ظلمهم  وعدوانهم .و اذا كان الإسلام قد اوصى بتعليم الأطفال الرماية و ركوب الخيل ـ السيارات الآن ـ فان على الأب المسلم تعليم ابنته احد فنون الدفاع عن النفس بعد تعليمها واجبات الزوجية ثم اعلام الزوج بتلك المؤهلات القتالية لتصد الزوج السلفي عن استضعافها كلما خطر له ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 88  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل

فرض النقاب غير الإسلامي على المرأة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



لعل من ابرز المظالم السلفية  للمرأة المسلمة، الزامها  بالنقاب السلفي الكريه، دون حجة شرعية غير فهم حنبلي سقيم. و بعد قرون من الأسر السلفي الذي ما انزل الله به من سلطان، و حين انبرى أحد السلفيين من الجناح الوهابي ( ولأسباب لا يعلمها الا الله!). لتصحيح ذلك الإنتهاك الصريح لما جاء في الكتاب و السنة من تحديد الثياب الشرعية للمراة المسلمة، و لكشف حقيقة ان وجه المراة ليس بعورة، و انه يجوز لها بالتالي كشفه. لما نهض ذلك السلفي( أقصد اللألباني !) لتصحيح الوضع  تصدى له اضرابه من السلفين بالتفنيد و التشنيع و الإتهام بكونه قد" تفرد بالقول دون من قبله من علماء السلف ! (1) ( يذكرنا قولهم باستياء بعض عوام المسلمين قديما من منع عمر بن عبد العزيز  لعن علي ابي طالب من على روؤس المنابر بحجة ابطاله العمل بسنة نبوية !!).                                                                                                    



    ولعل العناد السلفي هو الذي  دفع الألباني ( و هو من اتعس ما عرفت السلفية تعصبا و دفاعا اعمى عن الإرهاب العلماني الحاكم)  للتعجب من موقفهم من مسألة واضحة كالشمس في ضحاها  فكتب" ولقد رايت ــ والله ــ العجب العجاب من اجتماعهم على القول بالوجوب[ أي بوجوب تغطية الوجه] و تقليد بعضهم لبعض في ذلك، و في طريقة الإستدلال بما لا يصح من الأدلة رواية أو دراية، و تاويلهم للنصوص المخالفة لهم من الآثار السلفية و الأقوال المشهورة لبعض الإئمة المتبوعين، و تجاهلهم لها كانها لم تكن شيئا مذكورا... الأمر الذي جعلني اشعر أنهم جميعا ــ مع الأسف ــ قد كتبوا ما كتبوا مستسلمين للعواطف البشرية و الإندفاعات الشخصية و التقاليد البالية، و ليس استسلاما للأدلة الشرعية، لأن ما ذكروه من الأدلة على مذهبهم هم يعلمون جيدا انها لم تكن خافية عليّ، لأنهم رأوها في كتابي مع الجواب عليها و الإستدلال بما يعارضها "(2) كما ان" القائلين بوجوب ستر المراة لوجهها و كفيها، ليس عندهم نص في ذلك من كتاب أو سنة أو اجماع بل و ليس معهم اثر واحد صحيح صريح عن السلف يجب اتباعه، مع استدلالهم على ذلك بالأحاديث الضعيفة و الآثار الواهية و الموضوعة، وهو يعلمون أو لا يعلمون " (3) 



    و حين اتهم الألباني من قبل حمود التويجري ( سلفي سعودي معاصر) بانه قد فتح  بفتواه تلك " باب التبرج على مصراعيه، وجرّا النساء على ارتكاب الأفعال الذميمة التي تفعلها السافرات الآن كان رده" بان ذلك التهجم و الطعن لا يـناله هو وحده، بل يصيب ايضا الصحابة والتابعين و المفسرين والفقهاء (4) وقد اعتبر التويجري ما جاء به الألباني "من الإلحاد في آيات الله" !!(5)

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محمد ناصر الدين الألباني  من كتابه " الردّ المفحم على من خالف العلماء و تشدد و تعصب و الزم المراة ان تستر وجهها و كفيها و اوجب و لم يقتنع بقولهم انه سنة و مستحب " ص 6 بتصرف . طباعة المكتبة الإسلامية عمان الأردن الطبعة الأولى 1421هــ

(2) نفس المصدر ص 6 و 7   

(3) نفس المصدر ص  143

(4) نفس المصدر ص 8

(5) نفس المصدر ص 147

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 89 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فهم سلفي معوجّ :



      انطلقت السلفية الحنبلية التي تستمد تصوراتها من مرجعية جاهلية و معادية للمراة ( زادت في حدتها تبني كبار السلفيين مروايات ذات مرجعية يهودية خالصة ـ إسرائيليات ــ تستقذر المرآة و ترى فيها عدوا للإنسانية، بما سببته من اغواء آدم و حمله على أكل الشجرة المحرمة). قلت انطلق شيوخ السلفية مدفوعين بتلك الكراهة التاريخية للمرأة ، واعتمادا على مؤهلات فكرية قاصرة لتفسير قوله تعالى (( و ليضربن بخمرهن على جيوبهن)) بمعني وجوب ستر وجوههن مع رؤسهن، لأن الخمار في اعتبارهم هو غطاء الوجه و الراس و الحال( كما كتب الألباني)" ان الخمار هو غطاء الراس فقط، رغم معارضة ذلك التفسير لأقوال علماء اللغة والدين معا " من ذلك قول العلامة الزبيدي في شرح القاموس (3/189) في قول ام سلمة رضي الله عنها انها كانت تمسح على الخمار، أرادت الخمار العمامة،لأن الرجل يغطي بها راسه كما ان المراة تغطيه بخمارها و كذلك في لسان العرب و في المعجم الوسيط تاليف لجنة من العلماء تحت اشراف مجمع اللغة العربية ما نصه: الخمار : كل ما ستر، ومنه خمار المراة و هو ثوب تغطي به راسها، و منه العمامة لأن الرجل يغطي بها راسه و يديرها تحت الحنك، فهذه نصوص صريحة من هؤلاء العلماء على ان الخمار بالنسبة للمراة كالعمامة بالنسبة للرجل. فكما ان العمامة عند اطلاقها لا تعني تغطية الوجه فكذلك الخمارعند اطلاقه لا يعني تغطية وجه المراة به. وعلى هذا جرى العلماء على اختلاف اختصاصاتهم من المفسرين والمحدثين و الفقهاء و اللغويين وغيرهم سلفا وخلفا ... فمن المفسرين ابن جرير الطبري والبغوي والزمخشري وابن العربي وابن تيمية و ابن حيان الأندلسي، و من المحدثين ابن حزم و الباجي الأندلسي و ابن الأثير وابن حجر العسقلاني و من اللغويين الراغب الأصبهاني و ابن منظور والفيروزبادي"(1) هذا بالإضافة الى اصحاب المذاهب الثلاثة، ابي حنيفة ومالك والشافعي .



  وقد علقت السلفية الحنبلية ( الوهابية فيما بعد)  حيثيات حكمها الجائر (و كسائر جرائمها السالفة) على شماعة " الإجماع " أي اجماع  علماء المسلمين على " أن وجه المرآة عورة و انها تمنع من ان تخرج سافرة الوجه "(2) رغم انه " لم ينطق بكلمة الإجماع في هذه المسألة احد من اهل العلم إلا حمود التويجري ـ سلفي سعودي معاصرـ  و ما حمله على ذلك الا شدته و تعصبه لرايه واغماضه لعينيه عن كل ما يخالفه من النصوص. قال بن عبد البر في التمهيد (6/324) و قد ذكر ان المراة كلها عورة الا الوجه و الكفين و انه قول الأئمة الثلاثة (3) و اصحابهم و قول الأوزاعي و ابي ثور على هذا أكثر اهل العلم و قد اجمعوا على ان المراة تكشف وجهها في الصلاة و الإحرام و قال ابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث كل شيء من المراة عورة حتى ظفرها ! ثم قال بن عبد البر : قول ابي بكر هذا خارج عن اقاويل اهل العلم لأجماع العلماء على ان للمراة ان تصلى المكتوبة و يداها ووجهها مكشوف... و في هذا اوضح الدلائل على ان ذلك منها غير عورة و جائز ان ينظر الى ذلك منها كل من نظر اليها بغير ريبة ولا مكروه، واما النظر للشهوة فحرام تاملها من فوق ثيابها لشهوة فكيف بالنظر الى وجهها مسفرة وقد روي نحو قول ابي بكر هذا عن احمد بن حنبل" (4) الذي ثبت عنه القول في احد قوليه ان المراة كلها عورة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) و(2)  الألباني الرد المفحم على من خالف العلماء و تشدد على التوالي  ص 17 حتى 23 ثم ص 26

 (3) لم يكن بن عبد البر يعتبر احمد بن حنبل صاحب مذهب بل كان يعد تابعا للشافعي .  

(4) الألباني الرد المفحم  على من خالف العلماء و تشدد ...  ص 29 ـ حتى 31



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 90 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



حتى ظفرها و هو القول الذي اعتمدته السلفية في فرضها النقاب على نساء المسلمين هذا بالإضافة الى اتباع الشافعي الذين يرون راي ابن حنبل .   



 السلفية تكذب شهادات التاريخ :



    وقد اجتهدت السلفية بجناحها الوهابي المتحجرعلى وجوب تغطية وجه المراءة بل و تغطية حتى اظافرها رغم وردود " الأدلة القاطعة بجريان العمل بكشف الوجه في القرون المشهود لهم بالخيرية و شهادة فضلاء الصحابة و التابعين والأئمة المجتهدين بجواز ذلك، وما قول الأمام مالك امام دار الهجرة ببعيد عن ذاكرة القارئ وهو انه يجوز أولا باس ان تاكل المراة مع غير ذي محرم و غير ذلك من اقوالهم الصريحة بان الوجه ليبس بعورة (1) " .



  و لقد بلغ الإضطهاد السلفي للمرأة حد الإساءة الى حاجات بيت الله  في الحرم الشريف بقولهم روحي يا متبرجة" رغم كونهن يرتدين الخمار و الجلباب الإسلاميين. بل بلغ تشدد بعض  رؤوس  الوهابيين حد الامتـناع عن استقبال زوج امرأة مسلمة لم تستجب الى الشروط الوهابية في وجوب تغطية الوجه، كتب الألباني:" حدثني صهر لي انه قصد زيارة شيخ فاضل من أولئك المتشددين فلم يحفل به و لا استقبله لأن زوجته كانت سافرة عن وجهها، مع ان حجابها شرعي من كل النواحي "(2) و لعل ذلك الكاهن السلفي الذي رفض استقبال زوج السيدة المسلمة هو مجرد العوبة بيد حكام  الجور  و أمراء السعودية الذين يعرضون النساء السعوديات وهن  شبه عاريات في المسلسلات التلفزيونية، الى حد صعب فيه التمييز بين بين قنوات مصر و لبنان و سورية و تونس و بين وقناة  دول الخليج .( احدى القنوات السعودية عرضت في احدى فضائياتها  مشاهد فنانة مسيحية عارية و هي ترقص بعلم السعودية الذي يحمل شعار التوحيد!)



   و لعل من مخاطر النقاب السلفي المبتدع، سلوك  المرأة المسلمة طريق التمرد عن تعاليم الإسلام جملة و تفصيلا، وامعانها في التبرج  و التحرر الكلي من تعاليم دين  يراها عورة يجب ان تستر، شانها في ذلك شأن الزانيات اليهوديات الذي جعل النقاب علامة لهن !             



 كما من شأن النقاب السلفي ان يلغي  شخصية المراة  و يهمش دورها في الحياة  كعنصر مساهم في  تقرير مصير الأمة،  بل يراها شرا لا يجوز غير دسه تحت النقاب( زادت بشاعة الفكر السلفي تقززا حيال اصرارهم على منع المراة من المشاركة في الإنتخابات )                    



وقد ازدادت فتنة المسلمات  مع انتشار التدين الوهابي الكريه و خروجه من الجزيرة العربية ليجتاح بلاد المسلمين بسبب الدعم المالي الذي تقدمه السعودية لبعض فقراء البلدان الإسلامية  تشجيعا للفكر الوهابي الذي يبارك الوضع الراهن و يسعى الى اجهاض أي تجربة اسلامية تفضح تجربة آل سعود .                                                                                  



  إن اختيار الله تعالى لثوب المراة المسلمة الذي يتجاهل ابداء مفاتنها  ما يدل على ان الإسلام لا يرى مؤهلات المراة في ردف ثقيل و خصر نحيل و وجه صبوح بل يقييمها على اسس اخرى هي التقوى و النضال في سبيل الحرية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الرد المفحم على من خالف  نفس المصدر ص 146/147

(2) نفس المصدر ص 147

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 91 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



    كما تعاظمت جريمة السلفية في اجبارها نساء المسلمين على التنقب ولزوم البيوت و عدم الإختلاف الى المساجد فضلا عن المدارس، حين اعطت  حجة  لدعاة التغريب من ابناء المسلمين الى المطالبة بتحرير المراة المسلمة  ليس من نقابها السلفي المقيت،  بل من خمارها الإسلامي الشرعي . كما اعطت لهؤلاء المتغربين حجة لأخراج المراة من بيتها التي لزمته بحكم سلفي ظالم، لا بقصد تعليمها  في جو خال من الفتن، بل  في بيئة مختلطة وعلى ايدي النصارى أحيانا (1) .



    كما ساهم التشدد السلفي في الإستهانة بالمراة المسلمة الي حد  جعل قادة الغرب يشددون الخناق على حكام المسلمين لسلب المراة المسلمة بقية حيائها، و جبارها على  سلوك النمط الغربي المنحل اعتمادا على كوننا نضطهد المراة و نسىء معاملتها، على الرغم  من ان اسلامنا قد كرم المراة و اعطاها من الحقوق التي لم تتحصل عليها نساء الغرب الا في مطلع القرن العشرين، و ذلك قبل أن يأتي الإعصار السلفي المدمرعلى كل تلك الإمتيازات  .



   و لمن اطلع على تاريخ المرأة الذي سقنا منه نتفا " يتبن له مدى تقدمية الإسلام في عصوره الذهبية بالنسبة للقضايا التي تطرحها علينا الحداثة بالحاح، و خاصة منها مشاركة النساء في المجال السياسي التي اصبحت مشكلة في الوقت الراهن، لأن البعض يغلق ابواب القرار السياسي في وجه المراة ارتكازا على تبريرات مغلوطة مستمدة من التراث و ذلك في الوقت الذي يشهد فيه هذا التراث على نفسه بانه كان دائما متحديا لذاته فيما يخص القضايا الإنسانية.  ان كل قائل بان الإسلام يغلق الأبواب في وجه المراة يعبر في الواقع ن عجزه و قصوره في قراءة التراث الإسلامي و تمحيصه علميا. وما يعاش اليوم كصدام بين التراث و الواقع، و لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان يعكس بوضوح جهل البعض بالتراث الإسلامي "(2)

ــــــــــــــــ

 (1) ففي المغرب الأقصى مثلا، فان الملك محمد الخامس" تغلب في الأخيرعلى المصاعب و من هنا قام بمبادرته الرائدة التي اهتز لها جنبات المغرب و يتعلق الأمر بالخطاب الذي القاه يوم 25 جمادى الثانية 1362 الموافق ل28 يونيو 1943 من محراب جامع القرويين، وكان يقضي بتعليم الفتاة و تبع هذا الخطاب دعوته لأعيان المملكة يوم ثاني عيد الفطر ... هناك اكد العاهل العزم على فتح الطريق امام الفتاة و قد علق احد المتزمتين متسائلا أفعى و تسقيها سما ؟! فتلطف العاهل ليشرح للشيخ بان العلم ما كان و لم يكن سمّا و لكنه ترياق يعالج السمّ ... و لقد كان مصطفى صادق الرافعي من الذين  يناهضون تعليم الفتاة و هو الذي قال: يا قوم لم تخلق بنات الورى للدرس و الطرس. و قال:

 و قيل  لنا علوم و لها غيرها فعلموها كيف نشر الغسيل!

 و الثوب و الإبرة في كفها/  طرس عليه كل خط جميل

 ( ص 54 و 55 عبد الهادي التازي المراة في تاريخ الغرب الإسلامي ) 

(2)  من مقدمة فاطمة المرنيسي لكتاب  المراة في تاريخ الغرب الإسلامي ص 6 ) . 



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 92 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فصل

في جاهليتها الأولى،  كانت المرأة العربية أرفع مكانة وأشرف قدرا  من جاهلية السلفية المعاصرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





   لئن اسود وجه سلفي مهين  لا يساوي في سوق الشجاعة و المروءة فلسا، اذا  لفظ اسم امه في مجلس أو حتى في خلوة من قبل شخص غير محرم ( باعتبارذلك الإسم عورة يجب سترها وعارا يجب دفنه في التراب ) نجد ان منزلة المرأة العربية و علو مكانتها ــ في زمن الجاهلية ـ كانت" مثارافتخار ملوك العرب بنسبتهم الى امهاتهم، فمنهم المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة، وماء السماء لقب امه مارية بنت عوف. و منهم عمرو بن هند. بل ان قبائل باسرها تشرفت بالإنتساب الى امهاتهم، فمنها خندف وجديلة، وخندف هي ليلى بنت حلوان بن عمران زوج الياس بن مــضر بن نــزار و من بطونها هذـل و كنانة واسد والهون. و اما جديلة فهي ابنة مدركة بن الياس و من بطونها عدوان.كذلك انتسبت كل من بجيلة و مزنة و عاملة و عفراء و باهلة و بني طفاوة و بني العبدية و بني حطى الى امهاتهم ـ انظر الأصفهاني كتاب الأغاني ج9 ص 2 ـ و من ناحية اخرى كان الشعراء يفتخرون في اشعارهم بامهاتهم فمن ذلك قول الشنفرى:                                  

 انا ابن خيار الحجر بيتا و منــصبا / و امي ابنة الأحرارلو تعرفينها  (1) .                                                         

  ولئن اكفهر وجه سلفي واعتزم استعمال مراتب الإنكار الثلاث  باليد و اللسان و القلب، للبطش بك و" معاداتك في الله " في احسن الأحوال، لو تجاوزت امامه الأعراف السلفية الراسخة في تحريم ذكر امراة ليست من محارمك،  فذكرت اسم زوجته أو ابنته، فقد كان العربي في جاهليته يعلن عن اسم زوجته  ويعدد فضائلها و كرم منبتها و يجعل ذلك موضع افتخاره و مبعث اعتزازه .                                                                                 

و لئن ارتعدت فرائص سلفي  وانتفخت اوداجه و بدا هياجه و حصل فتكه و تعنيفه  لرجوع متأخر لزوجة كانت تصل رحمها،أو تقضي حاجتها أو تؤدي فريضتها في المسجد المجاور فان الشاعرالجاهلي كان يفتخر بعفة زوجته، وغيابها الذي لا تحوم حوله الشبهات " فقد اثنى الشنفرى على زوجته  ومدحها بقوله:                                                                    



أميمة لا يخزى ثناها حليلها / اذا ذكر النسوان عفت و جلت

أذا هو امسى آب قرة عينه / مآب السعيد لم يسل اين ظلت.



فالحديث العطرعنها في العشيرة ليملأ زوجها زهوا وافتخارا لأنها مثال العفة والجلال وهو يعبرعن مدى سعادته بلقائها بعد عودته فلا يسألها أين كانت لأنه كان يجلها و يرفعها عن كل شك ـ انظر شوقي ضيف. العصر الجاهلي ص 74ــ  " (2) .                                             

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) د.محمود عرفة محمود العرب قبل الإسلام احوالهم السياسية و الدينية و اهم مظاهر حضارتهم ص 394ـ395  دار الثقافة العربية مصر رقم الإيداع 5969/98

(2) نفس المصدر و الصفحة .

ــ لم  يستوعب أحد الغيورين من الصحابة جيّدا ذلك القدر الكبيرمن حرية التنقل التي وهبها الله للمرأة المسلمة بعد =

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  93 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





   و لئن بلغ هوان المرأة على المنظومة السلفية الي حدّ  وضعها مع الكلب والحمارفي راس قائمة المخلوقات الدنيا التي تفسد صلاة الرجل عند مرورها امامه! و لئن بلغ هوان المرأة ان عدّ لمسها من قبل زوجها  حتى دون شهوة، من مفسدات وضوئه. و لئن بلغ هوان المرأة أن اعتبرت من جملة السفهاء الذي يحرم على الرجل ائتمانهم على أمواله(1) .                                                                                                     



   أقول، لئن استهين بالمراة العربية (و هي مسلمة) الي ذلك الحد الشنيع، فقد كانت نظيرتها العربية في تاريخها الجاهلي القديم ملكة تخضع لها أعناق الأبطال، كما هو شان ملكة سبأ  التي كان لها " نفوذ كبير على الجهات الشمالية المتاخمة لحدودها في تيماء و معان و ديدان كما كان لها لسيادة على الطرق التجارية التي تربط جنوب غرب جزيرة العرب ببادية الشام و بادية سيناء و مصر... ـ قصتها في القرآن الكريم مشهورة ــ فقد كان لها حكومة قوية و مجلس شورى يعرف باسم مجلس الملأ ترجع اليه الملكة في الأمور المصيرية "(2) .



   ولئن اصبحت المراة في الزمن السلفي الكريه أذلّ من قراد بمنسم، واضيع من الأيتام على مأدبة اللئام، فلا تملك حلا ولا عقدا بل لا تستطيع  دفع بلاء أو صرفا لمكروه عن شخصها،  و هي التي كرمها الإسلام و فضلها و الرجل على سائر الممخلوقات تفضيلا، لئن كانت اليوم كذلك " فقد بلغ من منزلة المراة العربية في جاهليتها، ان كان يستجار بها، فلما وقع السليك ابن السلكة أسيرا في يد عشيرة بني عوار استشفع باحدى شريفاتها، و هي فكيهة بنت قتادة بنت شنوء فردت اليه حريته ـ انظر الألوسي بلوغ الأرب ج2 ص 137 ـ كما اعطت فتاة عربية امانا لرجل فلم يستطع ملك العرب ان ينقضه : فلما غزا مروان القرظ بن زنباع قبيلة بكر بن وائل وقع في الأسرفطلب من آسره ان يذهب به الى خماعة بنت عوف بن محلم و كان مروان قد اسدى لها يدا فيما سلف من دهرها، فلما ذهبوا به اليها اجارته من كل مكروه، و كان مروان قد اساء الى عمرو بن هند ملك العرب و طاغية الحيرة فاقسم عمرو على الا يعفو عن مروان حتى يضع يده في يده، أي يملكه من نفسه و كان عمرو اذا ملك فتك. فلما علم بمستقره من عوف ارسل اليه لياتيه به فقال عوف " قد اجارته ابنتي وليس اليه من سبيل الا العفو. فاجابه عمروالى ما طلب، وعفا عن مروان، وما كان ليعفو عنه بعد ان ظفر به لولا ان اجارته المرآة ـ انظر الميداني مجمع الأمثال ص 222ـ 223 ــ ومن ناحية اخرى كان الخائف الهارب يعقد رداء ه بطنب حبل السرادق ـ خباء المرأة ـ فيعود آمنا ليس عليه من سبيل: فلما عصفت حرب الفجار الأكبر بين كنانة و قيس، ضرب مسعود بن مالك الثقفي سيد قيس خباء لزوجته سبيعة بينت عبد شمس بن عبد مناف وراء جنده، فدخل عليها فابصر الدموع تجول بين خديها، فقال: ما يبكيك. قالت أبكي لما عسى ان يصيب قومي. فقال لها من دخل خباءك من قريش فهو آمن. فاخذت تصل به قطعا حتى يسع الجمع العديد من قومها. فلما انكشفت قيس وغلب على امره مسعود قال لها ابن اخيها من تمسك باطناب خبائك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= أن صقل الإسلام سلوكها و علمها كيف تمشي و تتكلم مع الغرباء ,  بالتردد على المساجد خمس مرات في اليوم و لم يجد الصحابي  حيال نهي النبي الرجال منع نساءهن من ارتياد المساجد سوى حيلة طريفة لمنع زوجته عن حضور الجماعات، و ذلك بأن اعترض سبيلها في طريق معتّم  و لمسها من مؤخرتها ! و لما رجعت اليه شاكية  تغير

اخلاق الناس عما كانوا عليه في الصدر الأول من الإسلام  ثم أفضت اليه  بعزمها الــصلاة في بـــيتها،  بارك قرارها فورا !!   

(1) تفسيرا لقوله تعالى{ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} ــ النساء 5  ــ كتب بن كثير هم بنوك و النساء و قال مجاهد و عكرمة و قتادة : هم النساء ( ابن كثير تفسير القرآن العظيم ج1ص601)

(2) د. محمود عرفة محمود العرب قبل الإسلام ص 156 ـ 157

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 94 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



 فهو آمن و من دار حول خبائك فهو آمن فلم يبق قيسي الا اعتصم بها و دار حول خبائها ـانظر الإصفهاني كتاب الأغاني ج19 ص 79) ( 1) .



   ولئن اصر البغل السلفي الحرون  في مطلع القرن الواحد و العشرين على منع المرأة من حقها في انتخاب من يلي امرها(2)" فقد لعبت المرأة العربية في جاهليتها دورا هاما في صنع الأحداث و شاركت في العهود و المواثيق، و تحملت مسؤوليتها نحو قومها بالتدخل الإيجابي في المواقف المصيرية(3) " كما شاركت في الأحداث الكبيرة التي كان لها اثرها في حياة العرب فاشتركت عاتكة بنت مرة بن هلال زوج عبد المناف في حلف الأحابيس ـ انظر ابن هشام السيرة النبوية ج3 ص 115ـ و اشتركت ام حكيم البيضاء واختها عاتكة بنت عبد المطلب في حلف المطيبين ـ المصدر السابق ج1 ص 143 ـ  (4) .                                                                                         



   ولئن اصر المتخلف  السلفي علي اعتبارأمه و زوجته وابنته من ناقصات العقل" نجد هند بنت الخس الإيادية و خمعة بنت حابس الإيادي و خصيلة بنت عامر بن الظرب العدواني وحذام بنت الريان، يشاركن بالفصل في قضايا النساء  وقضايا القبائل فقيل في حذام: اذا قالت حذام  فصدقوها فان القول ما قالت حذام . كما قامت المراة العربية بالحكم بين اعظم شعراء القبائل ولم تخش في حكمها لومة لائم. فلما تزوج امرىء القيس احدى نساء بني طي و هي ام جندب و كان امرؤ القيس معاصر للشاعر المشهور علقمة بن عبدة و تنازعا امارة الشعر اقترح علقمة ان تكون ام جندب حكما بينهما فدعتهما ام جندب لينظما قصيدة تصف الخيل فلما فرغت حكمت ام جندب لعلقمة على زوجها " (5)



   ثم كفى المرأة العربية قبيل الجاهلية السلفية الكبرى تشريفا لبنات جنسها تكليف " حبّى بنت حليل الخزاعي زوج قصي بن كلاب بحفظ مفاتيح الكعبة المشرفة ــ انظر الأزرقي اخبار مكة ج1 ص 62" (6) .                   


   ففي حين اصبحت المراة في اسلامها ضحية ابدية لحروبها المنزلية الخاسرة التي يشنها عليهازوج اهوج،" كانت المراة العربية[ في جاهليتها] تتحمل مسؤولياتها نحو قومها بالتدخل الإيجابي في اطفاء نيران الحروب اذا ما استمرت طويلا و كثر فيها القتلى و الجرحى، فمن ذلك ان الحارث بن عوف المري سيد العرب قال لمن حوله: اترونني اخطب أحد فيردني؟ قيل: نعم قال: ومن ذلك فقيل له اوس بن حارثة الطائي. فلما دخل اوس منزله قال لكبرى بناته: يا بنية هذا الحارث بن عوف سيد من سادات العرب قد جاءني طالبا خاطبا و قد اردت ان ازوجك منه فما تقولين: قالت: لا تفعل. فعرض الأمر على اختها الوسطى فلم ترض. فلــــما وافقت اختها الصغرى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) د.محمود عرفة محمود نفس المصدر ص 392ـ 393

(2) لا تجوز بحال من الإحوال مشاركة المسلم في انتخابات من شانها ارساء أو تثبيت النظم العلمانية , وانما ذكرت انتخاب المراة في سياق أوجه المعاملة الدنيا التي تعامل بها المراة الخليجية خصوصا . فقد تمسكت الدواجن السلفية الى آخر لحظة  بقرارحرمان المراة من حقها في اختيار من تريد ، الى أن جاءت الأوامر الأمريكية لتقلب الأمور راسا على عقب حيث اجبر العم سام  امراء و ملوك الخليج على ادماج النساء في الحياة السياسية كناخبات .

(3) العرب قبل الإسلام ص 9

(4) نفس المصدر ص 391

(5) نفس المصدر ص 391ـ 392

(6) نفس المصدر ص 397

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 95 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



خرج الى الحارث قائلا قد زوجتك يا حارث بهيسة بنت اوس قال: قد قبلت. فامر امها ان تهيئها و تصلح من شانها حتى اذا حملت الى زوجها وبلغ بها حماه، كانت حرب داحس والغبراء بين عبس و ذبيان قد عصفت هوجاؤها بهم واشتدت نارها فيهم. فلما بصرت به مرتديا مطارف العرس ـ اردية من الحريرـ قالت والله لقد ذكرت ما لا اراه منك قال: كيف؟ قالت اتفرغ للنساء والعرب يقتل بعضهم بعضا؟! قال: فيكون ماذا ؟ قالت :اخرج الى هؤلاء القوم فاصلح بينهم فخرج يمشي بين القوم بالصلح و احتمل حمائل القوم ـ الديات يدفعها قوم عن قوم ـ و ديات قتلاهم و كانت ثروة عظيمة نزل عنها للطرفين "(1) .



   و لقد طال العدوان السلفي نساء الجاهلية ايضا، حين زعمت مروياتهم "الصحيحة" سلفيا ان بعض رجال العرب كان يقول لإمرأته اذا طهرت من طمثها ارسلي الى فلان فاســتبضعي منه و يعتزلها زوجها حتى يتبين حملها فاذا تبين اصابها اذا أحبّ !ّ!! (2)



  وكما كان العربي يعتبر كل امراة غريبة خالة في وجوب حفظ عرضها ( يقول المثل العربي : كل ذات صدار خالة) فقد "كانت المرأة العربية[ بالمقابل] حرة شريفة شديدة التمسك بعفتها، فلما اسرت فاطمة بنت الخرشب على يد حمل بن بدر الغزاري رمت بنفسها من الهودج منكسة فماتت لساعتها حينما حاول الإقتراب منها و كان من اشهر امثالهم المنية و لا الدنية "( 3) و حتى الأسر العربية التي افرزت شخصا منحطا خلقيا ( امرىء القيس ) فقد افرزت تلك العائلة مقابل ذلك ابنة عمه التي لم تغفر له ابدا جرأته في هتك جلباب الحياء و اقتحمام خلوتها مع بنات كن يسبحن معها جمعه ثيابهن و أجبرهن على الخروج عاريات، فقد نبذته من اجل ذلك الفعل الشنيع  نبذ الجورب الخلق، فلم تغفر ذنبه، ولم تعف عنه بل تركته  يكابد لوعة الحب ، ويتجرع الأم الفراق حتى ادركه الموت . 

و الحمد لله على كل حال و نعوذ بالله من حال اهل النار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) العرب قبل الإسلام  ص 393ـ 394.

(2) هل يعقل ان يفعل العربي ذلك و كانه دانمركي اصيل،أو سويدي  مخنث لا غبار عليه، هل يعقل ان يفعل ذلك في بلاد يدّس الرجل فيها فلذة كبده في التراب لا قسوة و لا كراهية لجنسيها، بل خوفا من عجزه عن إعالتها أو تقصيرا عن حمايتها من الأسر والرق؟!! . فلئن عرفت أمم الأرض ذلك النوع من التخنث و الدياثة و اللواط في مجتمعاتها، فان  بلاد العرب قد سلمت من تلك المظاهر الشاذة،  مما رشحها لتكون مهد الرسالة الخاتمة. أما الأسوا في تلك الرواية الآثمة، فجعل الشريفة الطاهرة السيدة عائشة رضي الله عنها من يروي تلك المخازي السلفية!!  التي جادت بها قرائح قاصرة  

(3) العرب قبل الإسلام  ص 397.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 96 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تمت الرسالة
 سلسلة في الصّميم ــ من جرائم السّلفيّة     ( طائفة أهل السنة و الجماعة)  ـــ أربع رسائل ــ        حمّادي بلخشين            ــــالرسالة الثالثة   من جرائم السلفية

Aucun commentaire: