jeudi 18 septembre 2014

مدرسة التجديد في الفكر الإعتزالي (منهج التوحيد والعدل الإسلامي المعاصر) في أصول الفقه



في أصول الفقه

يفرق القاضي عبد الجبار بين العلة والسبب، حيث يقول: “السبب في الأفعال الإنسانية ( بصفة خاصة) يعود إلى ذات الفاعل، حيث تتعلق به ( أي الفاعل) الأسباب والمسببات على السواء، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى العلة،إذ لا تعلق للمعلول بالفاعل لوجوبة عند وجود العلة، بينما لا يجب المسبب عند حصول السبب، إلا إذا انتفت الموانع.” المرجع: السببية عند القاضي عبد الجبار. صفحة 43. أرجو شرح هذا الكلام، وضرب أمثلة؟
لا يوجد ترادف بين مفهوم (السبب) ومفهوم (العلة) عند نفاة الترادف من مشايخنا كأبي علي الفارسي والمُبَرِّد وغيرهما. لذلك كان كلام القاضي دقيقاً جداً في وجوب التفرقة بين اللفظين. أما قوله: “السبب في الأفعال الإنسانية ( بصفة خاصة) يعود إلى ذات الفاعل، حيث تتعلق به ( أي الفاعل) الأسباب والمسببات على السواء وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى العلة، إذ لا تعلق للمعلول بالفاعل لوجوبة عند وجود العلة، بينما لا يجب المسبب عند حصول السبب، إلا إذا انتفت الموانع” فمفهوم السبب يدلُ على كل شيئٍ يُتَوصَّلُ به إلى غيره، فعندما أقول مثلاً: جلستُ لأستريحَ، فإن اللام هنا تكون للسبب، أي أنني أتوصَّلُ إلى الراحة بالجلوس، والباء هنا للإستعانة، فأنا أستعين بالجلوس لكي أصل إلى الراحة، وبهذا يكون الجلوسُ هو سبب الراحة، والراحة هي مسبب الجلوس، وواضح تأثير السببُ في مسببه، وتأثر المسبب بسببه. وكما ترى فإن السبب (الجلوس) والمسبب (الراحة) يتعلقان على السواء بنفس الفاعل الذي جلس لكي يستريح، وهذا هو ما يقصده القاضي بقوله “حيث تتعلق به ( أي الفاعل) الأسباب والمسببات على السواء”. أما العلة فهي كل ما يكون طريقاً للوصول إلي شيئٍ غير مؤثرٍ فيه، كرؤية الهلال والصوم في قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة : 185) أو قوله صلى الله عليه (صوموا لرؤيته) فاللام هنا ليست لام السبب ولكنها لام التعليل، لماذا؟ لأن طلوع الهلال ليس له تأثير ذاتي في الصوم، بعكس الجلوس الذي له تأثير ذاتي في الراحة، محلّه ذات الفاعل، لذلك يقول القاضي: “وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى العلة، إذ لا تعلق للمعلول بالفاعل”. وهكذا نجد فارقاً دقيقاً بين مفهوم السبب والمسبب من ناحية، ومفهوم العلة والمعلول من ناحية أخرى. أما قوله “لوجوبة عند وجود العلة” فلا يحتاج لفضل بيان، فالصوم يجب شرعاً عند وجودِ علته،  بينما لا يجب المسبب عند حصول السبب، فربما يجلس الإنسان لكنه لا يرتاح برغم ذلك، لمانع ما كأن يكون جلوسه على كرسيٍ غير مريح، فإن انتفى المانع وجب.
ما الفرق بين العلة “الغائية” والباعث؟
يمكن تعريف (السبب) بأنه كل ما يكون طريقاً للوصول إلي شيئٍ مؤثرٍ فيه، بينما (العلة) هي كل ما يكون طريقاً للوصول إلي شيئٍ غير مؤثرٍ فيه، فيكون الفارق بينهما هو “التأثير” في حالة السبب وعدمه في حالة العلة. أما مصطلح العلة “الغائية” فأرى أنه اطنابٌ لساني، لأن كلمة “غاية” تدل في لسان العرب على “الطريق”، و”الطريق” مُتَضَمن فعلاً في تعريف العلة فلا توجد حاجة لتكراره. أما “الباعث” فهو الدافع – النفسي أو الإيماني – لفعل شيئ معين، فرؤية الهلال الوليد هي علة وجوب الصوم بينما الرغبة في الإمتثال لأمر الله التكليفي هي الباعث لكي نصوم.
نسمع عن التحسين والتقبيح العقليين كاصل عند المعتزلة ونعلم انه يستقل بإنشاء الاحكام كالقران او السنة ولكن كيف يمكن الاستفادة من هذا الاصل في عصرنا ؟ بمعنى هل بالامكان ان يحرم شئ بالتقبيح العقلي مما طرا على الساحة من سلبيات ، أو أن يصبح واجبا بالتحسين ان كان ايجابيا كمحاولة حيازة القنبلة الذرية او الاستفادة من التكنلوجيا الحديثة فمثلا عند غير المعتزلة تعد هذه الامور من فروض الكفاية ولكن ليس لذاتها وإنما لمنافعها فهل هي كذلك عند المعتزلة ام أنها واجبة بذاتها بالتحسين العقلي
العقل – في منهجنا – هو أول الأدلة، وهو مقدَّمٌ على غيره من الأدلة في جميع أبواب الدين كالإيمانيات والشرعيات وغير ذلك. فيما يتعلق بأحكام الشريعة يناط بالعقل إصدار الأحكام الكلية الضابطة للفروع المختلفة، فالعدل مثلاً يحسُن عقلاً، والظلم بالتالي يقبُح عقلاً. إنطلاقاً من تلك القاعدة العقلية نقول: إن لم يتحقق الأمر بالعدل والنهي عن الظلم إلا بتملك وسائل الدفاع الحديثة، يصبح امتلاكها – لذلك الغرض – من الفروع المتولدة عن ذلك الأصل الذي قرره العقل، وحكمه في هذه الحالة “الوجوب”. بعد أن يقرر العقل ذلك الحكم ننظر في أدلة النقل فنجد الكتاب العزيز يقرر نفس الحكم، وذلك بقول الله سبحانه: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال : 60) فنجد انسجاماً تطابقياً كاملاً بين ما قرره العقل من “وجوب” امتلاك أسباب القوة وما قرره الكتاب. إنطلاقاً من ذلك المبدأ يحسِّن العقل استخدام الطاقة الذرية مثلاً فيما ينفع الناس كإقامة الحق ودحض الباطل وتخفيف المعاناة وغير ذلك، أي أنه يكشف عن وجوه من المحاسن العقلية تتمخض عن استخدام تلك التكنولوجيا ترجح كفة استخدامها على كفة العزوف عنها لبعض الأضرار التي ربما تنتج في سبيل ذلك.
أليست قاعدة المصالح المرسلة تندرج تحت التحسين والتقبيح العقليين؟
بلى تندرج وغيرها تحت ذلك،  فالعقل يمثل إطار عمل عريض للمنهج تندرج تحته فروعٌ كثيرة.
دليل النقل الذي استشهدت به “وأعدوا” هو فعل أمر وربطت ذلك بحالة الوجوب وهذا أمر مختلف عليه: أن الأمر في اللغة يفيد الوجوب أم يفيد الطلب؟
أقول: وضع علماء أصول الفقه قاعدة أصولية – أرجو الإنتباه للفارق الكبير بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية – تقول إن “الأمرَ يقتضي الوجوب”. أما دليلهم وعمدتهم في ذلك التقعيد فهو اللسان العربي، وبيان ذلك كما يلي: الأمر في لسان العرب – وفي علم أصول النحو خصوصاً – جزءٌ من الطلب، فكل أمر هو طلب، لكن ليس كلُ طلبٍ أمراً، لأن الطلب يشمل ثمانية أشياء هي: الأمر والدعاء والنهي والاستفهام والعرض والحض والتمني والرجاء. فالأمر – كما ترى – يمثل جزءاً من ثمانية أجزاء من الطلب. أما “الواجب” فهو ببساطة شديدة ما  يُمدحُ المرءُ على فعله ويُذمُّ على تركه. أما “الأمر” فهو طلبٌ يقتضي الوجوب على الفور وليس على التراخي، فلو أن سيداً قال لخادمه مثلاً “احضرْ لي كوباً من الماء” فلم يُحضرْهُ الخادمُ للحقه الذم واللوم والعقاب. من هنا نرى أن لسان العرب يدلُّ على أن الأمرَ طلبٌ واجب فعله على الفور، ومن هنا استنبط الأصوليون قاعدتهم الأصولية الشهيرة “الأمر يقتضي الوجوب” مبرهنين عليها من لسان العرب على النحوِ الذي بينتُه.
تحياتي الأخوية
الحسيني
Published in: on سبتمبر 10, 2008 at 1:32 م  اكتب تعليقُا  

في الأسماء والصفات

[1] السميع
قال القاضي عماد الدين أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد الهمداني الأسد أبادي المعتزلي البصري الشهير (415 هجرية) في كتابه “المختصر” ما يلي بتصرف يسير وإضافة التشكيل والخطوط:
(وهو سميعٌ بصيرٌ مدركٌ للمدرَكات إذا وُجِدت، لأنه حيٌ لا آفةَ به، فيجبٌ أن يكون مختصاً بهذه الصفات إذا وُجِدت المسموعَات والمُبصَرات والمدرَكات).
أقول: إختصاراً للأمر أركز تعليقي على صفة (السميع)، وما يجري عليها من كلام يلحق كذلك بصفتي (بصير) و(مُدرِك). لفظ (سميع) هو صيغة مبالغة من اسم الفاعل (سامع) للدلالة على الإحاطة التامة بالمسموع، والمسموع مفعول أي: اسم المفعول. أما الأصل لتلك الإشتقاقات فهو الفعل الماضي المجرد الثلاثي (سَمِعَ)، ومضارعه هو (يسْمَعُ)، ومصدره هو (سمْعَاً). عبارة (الله سميع) عبارة عن جملة اسمية خبرية تتكون من مبتدأ وخبر مرفوعان، والسميع هو – كما ذكرت للتو – اسم فاعل بصيغة المبالغة. وكلمة (المسموعات) جمع للفظ (المسموع) وهو اسم مفعول. تعبير (إذا وُجِدت المسموعات) هو تعبير شرطي يحترز به عن انعدام المسموعات. مقتضى ذلك الشرط هو أن الباري سبحانه يسمع كلَ مسموع على وجه الإحاطة إذا وُجِدَ ذلك المسموع، فإن لم يوجد المسموع فلا يوجد محل للقول بالسمع أو عدمه في هذا المقام. جدير بالذكر أن تلك الحالة الأخيرة لا تعتبر منقصة ولا مسلبة (من السلب) لصفة (السميع)، وإلا للزمنا أن نذم الواحدَ منا على عدم سماع غير المسموع، ولا يفعل ذلك إلا فاقد العقل. إن معيار المدح والذم إنما هو سماع المسموعات حال وجودها وليس حال إنعدامها، فإن وجد المسموع ولم يسمعه السامع كان ذلك في هذه الحالة نقصاً ومسلبة وهو ما يتنزه الله سبحانه عنه. يدل كلام القاضي رحمه الله على أن الباري سبحانه سميعٌ بكل مسموع أو بكل ما يصح أن يُسمَع حال وجود ذلك المسموع. أما المجبرة ومن يدور في فلكهم فيلزمهم أن يكون الله سميعاً بالمسموعات منذ الأزل وهذا ضلال عن الصراط المستقيم، وهنا ينبغي أن نلزمهم بقول الله تعالى:
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة : 1)
بسؤالهم: هل سمع الله تعالى قول تلك المرأة منذ الأزل أم بعدما تحاورت؟ فإن قالوا: (منذ الأزل) خالفوا القرآن وسقطوا في الشرك بإثبات أزلي آخر مع الله، وإن قالوا: (بعدما تحاورت) فارقوا مذهبهم الجبري وقالوا بما نقول به كأهل تنزيه واختيار.
قال القاضي عماد الدين أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد الهمداني الأسد أبادي المعتزلي البصري الشهير (415 هجرية) في كتابه “المختصر” ما يلي بتصرف يسير وإضافة التشكيل والخطوط:
(فإن قال: إنما يسمعُ أحدُنا ويدركُ بالآلات، فإذا استحالت على الله تعالى فكيف يوصف بذلك؟ قيل له: إننا نحتاج إلى الآلات لأنَّا لأجلِ الحياةِ نسمع ونرى، لا كما يفعل لا بآلة، من حيث كان قادراً لذاته).
أقول: الله سبحانه حيٌ لذاته، وليس لمعنى زائد عن الذات، بينما نحنُ لسنا أحياءً بذواتنا، وإنما بمعنى خلقه الله فينا، لذلك تحتاج حياتنا إلى محالٍّ لتلك الحياة، فنحتاج مثلاً إلى آلة (الأذن)  وما  يلحق بها من جهاز سمعي داخلي لكي تكون محلاً للسمع، وإلى آلة (العين) وما يلحق بها من جهاز بصري  داخلي لكي تكون محلاً للبصر وهكذا. الإنسان عاجز ومفتقر لتلك الآلات التي تصح أن تكون محلاً لحياتنا، أما الباري سبحانه، فهو قادر لذاته فلا يعجز، وغنيٌ لذاته فلا يفتقر لشيئ، وحيٌ لذاته فلا يحتاج لآلات تكون محلاً لحياته لذلك يفارق الواحد منا ويبين عنه بينونه تامه، وصدق سبحانه إذ يقول:
(…. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : 11)
خلاصة ما قاله القاضي رحمه الله هو أن الله تعالى سميع بكل مسموع إذا وُجِد ذلك المسموع، بصيرٌ بكل مبصَر إذا وُجِد ذلك المبصَر، مدركٌ لكل مدرَك إذا وُجِد ذلك المدرَك، وهو يستحق كل ذلك لذاته وليس لأي معنى زائد عن الذات، وهو كلام نفيس حقاً نتفق مع القاضي رحمه الله فيه. في النهاية يطيب لي تقديم الإحصائية القرآنية التالية:
إحصائية قرآنية
(1) ورد تركيب (السميع العليم) في الكتاب في 15 موضعاً، وورد تركيب (سميع عليم) كذلك في 15 موضعاً، فيصير مجموع المرات التي ارتبط فيها صفتا السمع والعلم 30 موضعاً.
(2) ورد تركيب (السميع البصير) في الكتاب في 4 مواضع، وورد تركيب (سميع بصير)  في 3 مواضع، فيصير مجموع المرات التي ارتبط فيها صفتا السمع والبصر 7 مواضع.
(3) ورد تركيب (سميع الدعاء)  في موضع واحد فقط.
(4)  ورد تركيب (سميع  قريب)  في موضع واحد فقط.
[2] القدير
يقول قاضي القضاة رحمه الله في “المختصر”:
(هو قادرٌ لصحة الفعلِ منه، والفعلُ لا يصحُّ إلا من قادر على ما نعقله في الشاهد)
أما قوله (هو قادرٌ) فجملة اسمية خبرية تتكون من مبتدإ وخبر مرفوعين، ولفظ (قادر) اسم فاعل مشتق من الفعل الماضي الثلاثي المجرد “قَدِرَ” ومضارعه هو “يقدِر” ومصدرة هو “قدرة”. أما (القدير) فهو اسم الفعل الدال على المبالغة واللامحدودية والإتساع والشمول في القدرة، فهو القدير، سبحانه وتعالى. أما اللام في قوله (لصحة) فهي لام السبب / التعليل، أي أن العقل حكم بأن الباري سبحانه قادرٌ بسبب ما نراه من الأفعال التي صحَّت منه، ونعلم أن الفعل لا يصح إلا من قادر.
(فإن قيل: هو لم يزل قادرا أم لا؟ قيل له: نعم، لأنه لو لم يكن كذلك، لكان يقدرُ بأن يجعل نفسه قادراً، ومن ليس بقادر لا يصح منه الفعل، وهذا يتناقض، فهو إذاً قادرٌ فيما لم يزل ولا يزال، لأنه لذاته قادرٌ)
أما التساؤل (هو لم يزل قادرا أم لا؟) فمعناه: أقادرٌ هو منذ الأزل أم لا؟ والجواب: نعم، هو قادر منذ الأزل، لأنه قادرٌ لذاته، لا لمعنى ولا لعلة اقتضت اقتضى من أجلها أن يكون قادراً، ومن كان هذا حاله فإنه يظلُ قادراً فيما لم يزل، أي: منذ الأزل، ولا يزال، أي: إلى الأبد، بمعنى أن صفة القدرة لما كانت صفة ذات، لزم من ذلك أن يكون قادراً وقديراً منذ الأزل وإلى الأبد.
(فإن قيل: يُجَوَّزُ على الله تعالى العجزُ؟ قيل له: لا، لأنه قد ثبتَ أنه قادرٌ على كل مقدور يصح أن يقدر عليه، حتى لا جنس ولا قُدَرَ لا وهو قادر عليه، فمحال أن يعجز)
أما (العجز) فهو عكس (القدرة)، ولما كان الله تعالى قادرا لذاته، امتنع عليه أن يكون عاجزا، فهو القادر الذي لا يعجز، وهو القدير على كل مقدور يصح أن يقدر عليه. أما قوله (كل مقدور يصح أن يقدر عليه) ففيه احتراز عما لا يدخل في جنس المقدورات، أي احتراز عما لا يصح أن يتعلق به قدرة، مثل الاستحالات العقلية كتزاحم الضدين في محل واحد، فإنه لا يصح أن يقال: أيقدر عليها أم لا، لكونها مما لا يصح أن تتعلق به قدرة القادر.
يقول العلامة السلفي المستنير السيد محمد رشيد رضا الحسيني رحمه الله في رسالة (أحكام العقل):
(يشترك الواجبُ والمستحيل العقليان في أنهما لا تتعلق بهما قدرة الله تعالى، لأن وظيفة القدرة الإيجاد والإعدام، والواجب وجوده لذاته فهو قديم ويستحيل عدمه، والمستحيل منتفٍ لذاته، ولو أمكن أن يوجد لما كان مستحيلاً، فلا يقال: إن الله تعالى قادرٌ على إعدام الواجب، كذاته تعالى وتقدس، أو إيجاد المحال كجعل الشيئ موجوداً ومعدوماً، أو ساكناً ومتحركاً في آنٍ واحد، ولا يقال: إنه ليس بقادر، إذ ليس هذا من وظيفة القدرة فيثبت لها أو ينفى عنها) (انتهى)
أقول: هذا تقريرٌ جليل ونفيس، فإن الواجب لذاته، والممتنع لذاته لا تتعلق بهما قدرة، أي بتعبير قاضي القضاة رحمه الله: ليست من المقدورات التي يصحُّ أن يُقدَرَ عليها. لذلك فعندما يقول الله تعالى:
(…. إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : 20)
فإننا نعلم أن المقصود هنا هو الشيئ الذي يصح أن تتعلق به قدرة الله تعالى. يمكننا تعميم النتيجة السابقة من وحي كلام قاضي القضاة رحمه الله فنقول: الله يقدر على كل مقدور يَصِّحُّ أن يُقدَرَ عليه، ويسمع كل مسموع  يَصِّحُّ أن يُسمَع، ويبصر كل مُبصَر  يَصِّحُّ أن يُبصَر، ويدرك كل مُدرَك  يَصِّحُّ أن يُدرَك، ويعلم كل معلوم  يَصِّحُّ أن يُعلَم، فكل تلك الصفات المتقدمة من (القدرة) إلى (العلم) مرورا بالسمع والبصر والإدراك هي صفات ذات يستحقها الله لذاته، لا لعلة، ولا لمعنى، بل هو لذاته قادر، وهو لذاته سميع، وهو لذاته بصير وهكذا. أما ما لا يَصِّحُّ أن يُقدَرَ عليه فلا تتعلق به قدرة، وما لا يَصِّحُّ أن يُسمَع فلا يتعلق به سمع، وما لا يَصِّحُّ أن يُبصَر فلا يتعلق به بصر، وما لا يَصِّحُّ أن يُدرَك فلا يتعلق به إدراك، وما لا يَصِّحُّ أن يُعلَم فلا يتعلق به علم.
[3] العليم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد. إستكمالاً لما بدأتُه من شرحٍ وجيز لكلام القاضي أبي الحسن عبد الجبار رحمه الله حول الأسماء والصفات، أسطر فيما يلي شرحاً وجيزاً لكلامه رحمه الله حول جليل الكلام فيما يتعلق باسمه تعالى “العليم” سائلاً المولى تعالى التوفيق، وأبدأ بمقدمة وجيزة في بضعة أسطر، فأقول: يختلف (العلم) عن (التعلم) من حيث أن (التعلم) يعني اكتساب العلم وتحصيله، أما (العلم) فهو إدراك المعلوم سواء بتعلم أم بغير تعلم كالرؤى والإلهام والشهود وغير ذلك. بديهي ألا يوصف الله سبحانه بأنه (متعلم) بل يوصف بأنه (عليم) أو (عالم). أما لفظ (عالم) فهو اسم فاعل من (عَلِم)، وفعل (عَلِم) معناه إدراك العلم، أما فعل (تعلَّم) معناه اكتساب العلم. أما لفظ (عليم) فهو صيغة مبالغة من (عالم). هناك إذا مستويان. مستوى أدنى: تعلَّم / يتعلَّم / تعلُّماً / متعلِّم، ومستوى أعلى: عَلِم / يعلم / علماً / عالِم / عليم. أما المستوى الأدنى فلا يصح أن يوصف به الله لكنه يوصف بالمستوى الأعلى: (عَلِم) الله المعلوم أي أدركه وأحاط به وأحصاه، و(يعلم) الله المعلوم أي يدركه ويحيط به ويحصيه، لذلك فإن الله تعالى هو (عالم) لا يجهل وهو بكل شيئ (عليم) وهو (علاَّم) الغيوب.  والآن إلى متن كلام القاضي رحمه الله – باللون الأحمر – من خلال كتابيه “المختصر” و”الشرح” وتعليقي الوجيز عليه.
(1) كتب قاضي القضاة عماد الدين أبو الحسن رحمه الله في ” المختصر في أصول الدين” ما يلي (الكلمات بين القوسين المعكوفين [...] من وضعي):
وهو [الباري عز وجل] عالمٌ، لأن في الشاهد [الفعل] المحكم لا يصحُ إلا من عالم، كالكتابة والبناء والصياغة، وما خلقه اللهُ تعالى أبلغُ في الإحكام من قِبَل ذلك، نحوُ خلقه الإنسان على عجائب ما فيه من الصنعة والأعضاء والآلات ومجاري الطعام والشراب وغير ذلك، فيجب أن يُحكَم بأنه عالمٌ.
تعرِّف المعتزلة (العالِمَ) بأنه: من صح منه الفعل المحكم. فدليل أن شخصاً ما عالمٌ بهندسة البناء هو قيامه بتصميم وإنشاء مبنى على وجه صحيح محكم، وهكذا. إذا نظرنا إلى الكون المُشاهَد من أصغر ذرة إلى أكبر مجرة وجدناه فعلاً صحيحاً محكماً يدل على أن فاعله، الله تعالى، عالمٌ لا يجهل. نلاحظ من خلال التعريف السابق ربط وصف (عالِمَ) بما صدر عنه هو من فعل صحيح محكم وليس بما صدر عن غيره، فلو أن الفعل المحكم صدر عن x لم نحكم بأن y هو عالِمَ ولكنا نحكم بأن x هو العالِمَ. فيما يتعلق بالبشر نجد أن صحة صدور الفعل المحكم كالبناء مثلاً تستلزم وجود معلومات يتم توظيفها لإحداث ذلك الفعل المحكم، أما فيما يتعلق بالله، فلا يُجوَّز ذلك، لأن الله عالم لذاته وليس لمعلومات ولا بمعلومات. أي أن وصف الله تعالى بكونه (عالماً) لا يستلزم أنه يعلم بمعلومات، ولا بعلم، بل يعلم بذاته، ولذاته.
فإن قيل: أليس العالم منا يعلم شيئاً دون شيئ، وفي وقتٍ دون وقت، فما أنكرتم من هذا في الله تعالى؟ قيل له: هو عالم لذاته لا بتعلم ولا بأن جعله غيرُه عالماً.
تركيب “عالم لذاته” يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية: “عالم” وهو اسم فاعل من الفعل الماضي الثلاثي المجرد “عَلِمَ”. “اللام” وهي للإستحقاق. “ذاته” أو “ذات الله” أي: الله نفسه بما له من وجود حقيقي. تدل عبارة “عالم  لذاته” أن الله تعالى مستحقٌ لصفة “عالم” بسبب ذاته وليس بسبب زائد عن الذات علماً كان أم معنىً أم صفةً أم أي مسمى آخر. أما قوله “لا بتعلم” فنفي، والباء للإستعانة، فيكون المقصود نفي أن يكون الله عالماً بواسطة أو بسبب التعلم ولا مستعيناً بأي معلومات أو علومً مكتسبة، فعلمه حضوري لا حصولي.
فإن قال: فما الدليل على ما قلتم [أي: أن الله عالم لذاته لا بعلم]؟ قيل له: لأنه لو كان يعلم بعلم لكان علمه … إما أن يكون محدثاً أو قديماً، ولو كان علمه محدثاً لأدى إلى أن يكون أحدثه من قبل أن يعلمه ومن ليس بعالم لا يجوز أن يفعل العلم، وهذا فاسد. ولو كان علمه قديماً لوجب أن يكون وجوده واجباً يستغني عن موجد وفاعل، وهذا موجب إنه مساوٍ لله في الإلهية، وأن لا يكون الله عز وجل بأن يكون إلهاً أولى من علمه وقدرته القديمين، وفساد ذلك يبين إنه تعالى عالم لذاته وقادر لذاته على ما قلناه.
هناك قولان في المسألة، أولهما: الله عالم لذاته وليس لمعنى ولا لصفة ولا لأي شيئ زائد عن الذات، وهي المقولة الصائبة. ثانيهما: الله عالم بعلم أو عالم بمعلومات وهي مقولة فاسدة تستلزم أحد إحتمالين: إما أنه علم حادث وهو احتمال فاسد، وإما أنه علم قديم وهو كذلك احتمال فاسد للأسباب التي بينها القاضي رحمه الله في كلامه.
(2) كتب قاضي القضاة عماد الدين أبو الحسن رحمه الله في “شرح الأصول الخمسة” ما يلي (الكلمات بين القوسين المعكوفين [...] من وضعي):
يلزم [المكلف] أن يعلم أنه تعالى كان عالماً فيما [لم يزل]، ولا يجوز خروجه عن هذه الصفة بجهل أو سهو، وأنه عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصحّ أن تُعلم عليه.
أما قوله أن الله تعالى (كان عالماً فيما لم يزل) فمعناه أن اللهَ سبحانه عالمٌ أزلاً، أي أنه كان على هذه الصفة منذ الأزل، فتعبير “لم يزل” يدل على الماضي لأن فعل “يزل” وإن كان مضارعاً، إلا أنه قد سُبِق بحرف نفي وجزم وقلب، ومعنى كونه حرفَ قلبٍ أي يقلب زمن الفعل المضارع فيصير زمناً ماضياً. ومعنى كونه حرفَ نفي أي ينفي زوال صفة العلم عن الله سبحانه فيما لم يزل إذ هي صفةُ ذات. وأما قوله أن الله تعالى “لا يجوز خروجه عن هذه الصفة بجهل أو سهو” فمعناه أنه سبحانه يكون عالماً فيما لايزال، بمعنى أن اللهَ سبحانه عالمٌ أبداً، أي أنه يكون على هذه الصفة إلى الأبد، فتعبير “لا يزال”  يدل على الحاضر والآتي لأن فعلَ “يزال” فعلٌ مضارعٌ لم يسبقه حرف قلب بل سبقه حرف نفي.  ومعنى كونه حرفَ نفي أي ينفي زوال صفة العلم عن الله سبحانه فيما لا يزال إذ هي صفةُ ذات، فلا يلحقه جهلٌ ولا سهوٌ ولا أيُ سالبٍ لتلك الصفة. وأما قوله: “وأنه عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصحّ أن تُعلم عليه” فمعناه أن الله قد أحاط بكل شيئ علماً، ليس على أي وجه، ولكن على الوجه الذي يصحّ أن تُعلم عليه. حرف الباء في لسانِ العرب على أربعة عشر وجهاً من الوجوه هي: الإحاطة والإلصاق والاستعانة والسببية والتعدية والمقابلة والبدل والقسم والظرفية والمصاحبة والتبعيض والتجاوز والتأكيد والإستعلاء. فحينما يقولُ: إنه عالم بجميع المعلومات، تكون دلالة الباء هنا هي الإحاطة، أي شمول العلم بالمعلوم من جميع الوجوه التي يصحُّ أن يُعلم المعلومُ عليها، فلا يفلت وجههٌ من الوجوه، ولا تغيبُ ناحيةٌ من النواحي.
أما الذي يدل على أنه تعالى كان عالماً فيما لم يزل، فهو أنه لو لم يكن عالماً فيما لم يزل وحصل عالماً بَعْدَ إذ لم يَكن، لوجب أن يكون عالماً بعلمٍ متجدد محدث، وذلك فاسد لما نبينه من بعد، إن شاء الله تعالى.
في الفقرة الأولى أشار قاضي القضاة رحمه الله إلى ثلاثة حقائق هامة، أولها: أنه تعالى كان عالماً فيما لم يزل، ثانيها: أنه تعالى يكون عالماً فيما لا يزال، ثالثها: أنه تعالى عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصحّ أن تُعلم عليه. بعد أن ذكر تلك الحقائق الثلاث أخذ في التدليل – إي إقامة الدليل – على صحتها، وبدأ بالحقيقة الأولى وهي أنه تعالى كان عالماً فيما لم يزل: قوله “وحصل عالماً بَعْدَ إذ لم يَكن …” فمعناه: وصار عالماً بعد أن لم يكن، لوجب أن يكون عالماً بعلمٍ متجدد محدث، لأنه – تعالى عن ذلك – لم يكن عالماً ثم صار عالماً، وهذا قولٌ فاسد، واضح الفساد، ولا يحتاج لفضل بيان، لأن الله تعالى ليس عالماً بمعلومات، والباء هنا للاستعانة، ولكنه عالم بذاته أي لا يستعين بأي علةٍ أو معنىً زائدٍ عن ذاته.
وأما الذي يدل على أنه  جل وعز يكون عالماً فيما لا يزال، هو أنه يستحق هذه الصفة لذاته، والموصوف بصفة من صفات الذات لا يصح خروجه عنها بحال من الأحوال.
ثنَّى القاضي رحمه الله بإقامة الدليل على الحقيقة الثانية، وهي أنه تعالى يكون عالماً فيما لا يزال، فقال: إنه “يستحق هذه الصفة لذاته”. أما اللام في لسان العرب فعلى سبعة عشر وجهاً من الوجوه هي الملك والإختصاص وشبه الملك والتبيين والتعليل والتوكيد والتقوية وانتهاء الغاية والاستغاثة والتعجب والعاقبة والاستعلاء والوقت والمعية والظرفية والجنس والعهد. فحينما يقولُ: إنه يستحق هذه الصفة لذاته، تكون دلالة اللام هنا هي الاستحقاق. ثم يبين بعد ذلك أن “الموصوف بصفة من صفات الذات لا يصح خروجه عنها بحال من الأحوال”.
وأما الذي يدل على أنه تعالى عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصحّ أن تُعلم عليه، فهو أن المعلومات غير مقصورة على بعض العالمِين دون بعض، فما من معلوم يصح أن يعلمه عالم، إلا يصحّ أن يعلمه سائر العالمين، فيجب في القديم تعالى صحة أن يعلم جميع المعلومات على الوجوه التي يصح أن تُعلم عليها.
ختم القاضي رحمه الله كلامه في هذا الباب بإقامة الدليل على الحقيقة الثالثة، وهي أنه تعالى عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصحّ أن تُعلم عليه. إذا أبصر إنسانٌ عاقلٌ سليمُ الحواس الشمس مثلاً  وهي تشرق، لعلم أنَ الشمسَ بدأت في الشروق، ولا يختص ذلك الإنسان بمفرده بذلك العلم، بل يصحُّ أن يعلم مثلَ ذلك كلُّ إنسان مثله متمتعٌ بنفس الصفات. إذاً يصحُّ أن يعلمَ كلُّ عالم ما يعلمه غيره من معلومات، وفي هذا يقول القاضي: “المعلومات غير مقصورة على بعض العالمِين دون بعض، فما من معلوم يصح أن يعلمه عالم، إلا يصحّ أن يعلمه سائر العالمين”، فإن كان ذلك كذلك فإن الله تعالى – وله المثل الأعلى – يجب أن يعلم جميع المعلومات على الوجوه التي يصح أن تُعلم عليها، ويكون علمُه بما يصح أن يُعلم إحاطياً ونافذاً لحقيقة المعلوم، فالعلم هو إدراك الشيئ على ما هو عليه من وجه صحيح، والجهل هو عكس ذلك، كأن يدرك جزء من الشيئ وليس كله، أو يدركه كله ولكن على وجهٍ غيرِ صحيح، وكل هذا لا يُجوَّز على الله تعالى، لأنه العالم الذي لا يجعل، العليم الذي  يعلم جميع المعلومات على الوجوه التي يصح أن تُعلم عليها.
[4] الحي
كتب قاضي القضاة عماد الدين أبو الحسن رحمه الله في ” المختصر في أصول الدين” ما يلي:
وهو [الله تعالى] حيُّ، لأن أحدَنا متى خرج من أن يكون حياً استحال أن يعلمَ ويقدرَ، ومتى صار حياً صحَّ ذلك فيه، وأحواله كلها على السلامة، فإذا كان الله تعالى عالماً قادراً فيجب أن يكون حياً لم يزل ولا يزال.
الله سبحانه قادرٌ لأن الفعل قد صحَّ منه، وعالمٌ لأن الفعلَ الذي قد صحَّ منه فعلٌ محكمٌ، ومن كان قادراً عالماً يلزم أن يكون حياً. ولما كانت الحياة صفة ذات لزم أن يستحقها الله لذاته، لا لمعاني زائدة عن الذات، أي أنه ليس حياً بحياة، لكنه حيٌّ بذاته ولذاته، فيما لم يزل، أي أزلاً، وفيما لا يزال، أي أبداً.
[5]، [6] البصير / المدرك
وهو بصير [يُبصرُ المُبصَرَات] مُدرِكٌ للمُدركات إذا وجدت، لأنه حي لا آفة به، فيجب أن يكون مختصاً بهذه الصفات إذا وجدت المبصرات والمدركات
الله تعالى هو البصير الذي يبصرُ كلَ ما يصحُّ أن يبصَرَ، والمُدرِكُ الذي يُدركُ كلَ ما يصحُّ أن يُدرَك. أما قوله “إذا وجدت” فمعناه أنه إذا انعدم كلُّ ما يصحُّ أن يبصَرَ، أو انعدم كلُّ ما يصحُّ أن يُدركُ، فلا يتعلق به بصرٌ ولا إدراك. لتقريب الصورة أقول – ولله المثل الأعلى – إن حجر المغناطيس جاذبٌ بطبعه لبرادة الحديد، فإن وجدت البرادة جذبها، وإن انعدمت فلا يصحُّ أن يتعلق بطبعه جذبٌ لانعدام المجذوب من غير أن يكون في ذلك نقص، لأن النقص معناه وجود المجذوب مع عدم انجذابه، أما انعدام المجذوب مع وجود الجاذب فلا يقدح فيه. لا يصح والحال هكذا أن يلوم المرء حجر المغناطيس إن لم يجذب المعدوم، لأن المعدومَ لا يصحُّ أن يُجذَب، ولذلك احترز قاضي القضاة فقال: “إذا وجدت” وكررها مرتين. على هذا لا يصح عقلاً أن يقال: إنَ الله يبصرُ في حين انعدام المُبصَر، ولا يصح عقلاً أن يقال: إنَ الله يُدركُ في حين انعدام المُدرَك، إنما يبصر الله كل ما يصح أن يُبصَرَ إذا وُجدَ المُبصرُ، ويدرك الله كل ما يصح أن يُدرَكَ إذا وُجدَ المُدركُ، لكونه بصير لذاته، مدركٌ لذاته، لا لعلة ولا لمعنى.
[7] الموجود
وهو جلَّ وعزَّ موجودٌ لأن المعدومَ يتعذرُ فيه أن يكونَ له مقدورٌ يصحُّ أن يفعله
لم يخلُص لفظ “موجود” للقاضي رحمه الله، لأن الموجودَ مفعولٌ، فمن فعله؟ الله ليس مفعولاً حتى يوصف بأنه موجود، بل هو الفاعل فيلزم أن يوصف بأنه الواجِدُ. الأصوب إذاً هو أن يقال: إن اللهَ تعالى “كائنٌ” بدلاً من أن يقال إنه “موجود” حتى تطابق الصياغة اللفظية الدلالةَ اللسانية للفظ متسقةً في ذلك مع الحكم العقلي الدالّ على أن الله تعالى واجدٌ وليس موجوداً.
الخلاصة
تعرضتُ ببعض التعليقات اليسيرة على متن جليل وضعه القاضي رحمه الله للمبتدئين في تحصيل علم الكلام من خلال استعراض بعض النصوص المتعلقة بقضية الأسماء والصفات مع شرحها باقتضاب. شملت تلك النصوص أن الله تعالى كائنٌ، وأنه قادرٌ، عالمٌ، حيٌّ، سميعٌ، بصيرٌ، مدرك. إضافة لما تقدم أقول: وهو أزلٌ أي الأول بلا بداية، وهو الأبدي أي الآخر بلا نهاية، إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال والجمال، أقدمه كتوطئة بين يدي كل مبتدئ ليألف عن طريقه النظر في كتب القاضي عبد الجبار رحمه الله ويعتادَ أسلوبه، وأهديه إلى أخي الحبيب عدلي “باحث في الفكر الإسلامي” صاحب مدونة أهل العدل والتوحيد المجيدة، والذي كان قد اقترح علي هذا الأمر، فأشكره على حسن ظنه بالعبد الضعيف، سائلاً الله تعالى ستر التقصير، راجياً من الإخوة الكرام حسن الظن باالتفسير، وإلى كل من يجد فيه فائدة تذكر.
والسلام
الحسيني
Published in: on سبتمبر 3, 2008 at 9:13 م  اكتب تعليقُا  

حوار مع أخٍ كريم

تلقيت من أخ كريم نص حوار كتابي جرى بيننا على صفحات المنتدى القديم مما طوته يد العابثين وحفظته يد المحسنين. أشكر أخي الكريم الذي تفضل عليَّ فأمدني بذلك الحوار الذي يحتوي على اجاباتي المتواضعة على الأسئلة التي تفضل بتوجيهها إلي، أسئل الله تعالى أن يجزيه خير الجزاء، وأن يفسح له من الفضل والعطاء، وأن يوفقه في دراسته وحياته وفي يوم الجزاء … آمين
هل الآية ( لا إكراه في الدين منسوخة)؟
لا أقول بالنسخ – بمعنى بقاء المبنى وذهاب المعنى – في القرآن الكريم موافقاً لعدد من مشايخ المعتزلة منهم المفسر الكبير الإمام أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني، وعلاَّمة العصر الإمام أبو ياسر أمين نايف ذياب رحمها الله، حيث وردت مادة (نسخ) في القرآن في أربعة مواضع جميعها تعني الإثبات وليس الحذف
هل يوجد إعجاز لغوي في القرءان الكريم؟
لفظ (لغة) مشتق من (اللغو) وهو الهذر الخاوي من الإفادة، لذلك فمن الأصوب أن نقول: لسان بدلاً من لغة. القرآن نزل بلسان عربي مبين، وهو أحد أوجه الآيات الحسية للقرآن الكريم، ولولا القرآن لما كان عندنا معيار لضبط اللسان العربي، ولا سيما وأن كثيراً من الشبهات تحوم حول الشعر الجاهلي
هل من يرد حديث صحيح يعتبر كافرا حتى ولو كان هذا الحديث لايقبله المنطق ولا العقل؟
من كان معاصراً للنبي الأكرم فرد عليه حديثاً مرتبطاً بالرسالة تحدث به فهو كافر عندئذ. أما من لم يعاصر النبي فلا يكفر من رد مثل تلك الروايات لأنه إنما يردها على أساس تشكيكه في صحة نسبتها للرسول. أما على منهجنا فمن الواجب تطهير الرويات من كل ما هو مخالف للضرورات الحسية والعقلية والنظر العقلي الصحيح، وإلا فإنه يأثم من تمكن من فعل ذلك ولم يفعله
بالعودة لموضوع الأغاني فهل لي بتفصيل فلا يمكننا أن نساوي بين الأغاني الهابطة والأغاني الهادفة فهناك فرق كبير بينهما إذ كيف نسوى بين أغنية تدعوا للرذيلة وبين أغنية تدعو لحب الرسول ؟؟؟ وأنا أتذكر أني قد سألت أحد فقهائنا من المالكية فأجاب بأن الأغاني التي لا تثير الشهوة حلال طبعا في ذلك الوقت لم أفطن لهذه الإجابة جيدا ولكنني الآن أرى بصحتها من النواحي النفسية والطبية فهي ليس لها ضرر أما من الناحية الشرعية فالله أعلم!
الغناء مزيج من أمرين هما الشعر والموسيقى، أما (الشعر) فهو كالكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح كما روي عن نبي الهدى في الأثر، وأما (الموسيقى) فلا أظن أن لها حرمة ذاتية، بعكس الظلم مثلاً له حرمة ذاتية، لأنها تنبني على قوانين فيزيائية تحاكي الطبيعة، وإلا يلزمنا تحريم صوت هدير الماء، وصرير الريح، وقعقعة الرعد، وكذلك صدح البلابل وتغريد العصافير، فكل ذلك أصوات موسيقية. إنما قد تحرم الموسيقى لغيرها كأن تكون مثيرة لشهوة أو مزعجة لنائم أو مريض أو معطلة عن عبادة وذكر أو ما شابه ذلك. فإن ضمن الإنسان عدم وقوع ذلك فلا أرى عند ذاك بأساً من سماعها إما بصورة مجردة وإما مع كلمات شعرية تخلو من القبح.
أسأل عن الأحاديث وأي الكتب أبدأ بها وهل أدرس علم المصطلح؟ 
أنصحك بالبدء بدراسة علم أصول الحديث (علم مصطلح الحديث) قبل دراسة علم الحديث نفسه (المرويات) لأن علم المصطلح هو العلم الضابط لأصول النظر في المرويات. في هذا السياق أنصحك بالبدء بدراسة كتاب “نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر” للحافظ ابن حجر (أشعري) بشرح الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين (سلفي) رحمهما الله. أما (المرويات) فأنصحك بكتاب (مجموع) الإمام زيد وشرحه (الروض النضير) وهو كتاب في علم الحديث الفقهي الإتجاه.
هل أستطيع أخذ العلوم الشرعية عن الشيوخ الأشاعرة في غير العقيدة؟ 
الأولى أن تتلقى العلوم الشرعية من نبع عدلي صافي فإن تعذر ذلك يمكنك بالطبع تلقي العلوم الشرعية غير الإعتقاد عن الأشاعرة ـ مثلا ـ لكن مع ضرورة الإنتباه لأثر المعتقد الأشعري في علوم شرعية متنوعة كروايات الجبر وتفسيرها وكذلك في التفسير والأصول وغير ذلك من العلوم الشرعية التي ترتبط بالعقيدة بطريق مباشر أو غير مباشر.
مارأيكم في ألفية الحافظ العراقي في الحديث ونونية ابن القيم في وصف الجنة؟ 
أما ألفية الحافظ العراقي فهي للمتقدمين في علم المصطلح، فإن كنت لا تزال في مبتدأ طلبك للعلم فلا أنصحك بها ولا بأختها ألفية الحافظ السيوطي. إن كنت تميل للكلام المنظوم بدلا من المنثور فأنصحك عندئذ بمنظومة البيقوني أو منظومة قصب السكر للأمير الصنعاني فهما أنسب للمبتدئين. أما الجنة ففيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فكيف يزعم أي من الناس بأنه قادر على وصفها. لكن برغم ذلك يمكنك قراءة الوصف على أنه من فنون الأدب وليس من علوم المعتقد.
في الفقه هل يجب أن ألتزم مذهبا معينا وإذا كانت الإجابة بنعم فأيها تنصحني به وبأي كتب أصول الفقه تنصحني؟ 
أرى حرمة التقليد في الفروع لمن يقدر على الإستنباط أو الترجيح ممن أوتي حظا من العلم الراسخ بالشرعيات. فإن لم يكن المرء قادر على الإستنباط فيجب عليه استفراغ الوسع لتعلم ذلك ولو للنظر في الفروع الأساسية المرتبطة بالشعائر مثلا. أنصحك بكتاب (الروض النضير) المتقدم ذكره فهو وسط بين منهجي أهل الحديث ومدرسة آل البيت عليهم السلام. وهو في الفقه، أما الأصول فبكتاب (المعتمد) لأبي الحسين البصري المعتزلي.
وفي العقيدة ( وهذا ضروري ) أرجوا إفادتي بأحد الكتب؟ 
كتاب (مجموع) الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي ولعلك تجده لدى مؤسسة الإمام زيد. فإن لم تجده أنصحك بقسم (رسائل) الإمام الهادي ضمن كتاب (رسائل العدل والتوحيد) نشر دار الشروق بالقاهرة بتحقيق د. محمد عمارة. الإمام الهادي يعبر في مجموعه ذاك عن ملامح الفكر العدلي عموما والزيدي خصوصا ولذا فهو قريب جدا من مدرسة المعتزلة البغدادية والتي أفضلها شيئا ما على مدرسة المعتزلة البصرية.
وإذا سئلت عن مسألة معينة هل يجوز لي الإفتاء فيها إذا رأيت النص الصريح بها أو ماذا أرجو التوضيح في هذه النقطة؟
لا يجوز الإفتاء إلا بعد الإحاطة بجميع جوانب قضية ما مستفتى فيها، والفتوى هي أول خطوات الإجتهاد، فتريث فيه من فضلك.
وفي هل يجوز لي المشاركة في النظام السياسي لدينا علما بأنها تكون في هيئة مؤتمرات شعبية يلتقي فيها الناس ويتخذون فيها قرارتهم؟
إن كان رأي المشارك يعتد به، ولا تقوم تلك الملتقيات بتكريس إرادة الحاكم فحسب، فلا بأس عندئذ، لا سيما في القضايا المتعلقة بما لابد من القيام به كالخدمات المقدمة للمواطنين. أما إن حدث العكس من ذلك فالمشاركة غير جائزة في هذه الحالة.
أنا الآن بإذن الله مقبل على الدراسة في المعهد العالي تخصص الإتصالات وأسألك هل إذا إجتهدت في دراستي وأبدعت فيها بهدف إفادة أمتي ودعوة الناس إلى دين الله هل أكون مأجورا ونفس السؤال عن تعلم جديدة إذا كنت أنوي الدعوة بها في سبيل الله؟ 
تكون مأجورا إن شاء الله لحسن ذلك كله عقلا وشرعا. بل إن ذلك الإحسان والإتقان في العلم والعمل من الواجبات الشرعية التي يمدح فاعلها ويذم تاركها.
أنا لدي إهتمام بعلم البرمجة اللغوية العصبية والعلوم المتصلة به لكي أفهم الناس وأتمكن من التأثير فيهم فهل لديك تعليق على هذا النوع من العلوم؟ 
هذا من العلوم الطبيعية ولا حرج في تعلمه لأنه مباح. إنما تحرم العلوم القبيحة لذاتها كالسحر والتوله والنشرة وغير ذلك من علوم الدجل والكهانة.
أنا من المهتمين ومن المعجبين بالفلسفة وخاصة فلسفة ابن رشد فهل في ذلك شيء؟ 
منهج المعتزلة القدامى هو المنهج (الكلامي) والمختلف عن المذهب (الفلسفي)، ومنهج المعتزلة الجدد هو المنهج (العلمي) المنبني على الرياضيات والعلوم الطبيعية. هذا وقد تجاوزت الفلسفة المعاصرة أفكار ابن رشد بأشواط فلا تربط نفسك بقيود الماضي وتفاعل مع معطيات عصرك فهذا أجدى.
أنا دخلت في عدة أشياء فقد كنت في البداية سلفيا ثم – والعياذ بالله – ملحدا ثم علمانيا ليبراليا والآن ولله الحمد عدليا أحمد الله على هذه النعمة فهل علي من شيء علما بأنني تبت إلى ربي العالمين؟
السلفية ليست كفرا مخرجا من الملة ولا العلمانية المؤمنة. أما الإلحاد والعلمانية الغير مؤمنة فالتوبة منهما واجبة والله يقبل التوبة عن عباده.
أريد حل في مسألة الغناء والموسيقى فهل تجوز أم ماذا ولدينا هنا في بلدنا نوع من الموسيقى الشعبية تسمى الزكرة قد تكون شاهدتها في فيلم الرسالة في بداية غزوة بدر ( ولو إستعطت فأعطني رأيك في السمفونيات فأنا من عشاقها خاصة سمفونيات بتهوفن ) وأريد دليل سواءا على حرمتها أو جوازها؟ 
يجب أن نفرق بين (الغناء) و(المعازف). أما الغناء بدون خلفية موسيقية فليس إلا شعرا. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر فقال هو كلام: حسنه حسن، وقبيحه قبيح. أخرجه النووي في الأذكار من حديث أم المؤمنين عائشة بإسناد حسن. هذا عن الغناء المجرد. أما عن المعازف (الموسيقى) فقد حرمها أهل الحديث وكذلك بعض العدلية كالإمام المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى في كتاب (القمر النوار في الرد على المرخصين في الملاهي والمزمار). مما يستندون عليه في تحريمها ما نسب للرسول الأكرم من قوله: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف (البخاري). وأباحها بعض أهل السنة كإبن حزم وكذلك الإمامية وبعض العدلية. وقد كنتُ أميل للرأي الأول غير أني تراجعتُ عنه مؤخراً إلى الرأي الثاني كما هو موضح أعلاه.
أنا لدي مشكلة مع الجنس الناعم فأنا من النوع البارد جنسيا أي أنني مهما تحدث معي عن النساء فلن أتأثر أبدا ولكن لو تكلمت معي بنت فتراني أحتمر وأرتجف فهل لك علاج أو طريقة لتخطي هذا الأمر لكي لا أقع في المحظور فهنا لدينا من البلاوي ماالله به عليم؟ 
ربما يكون ذلك البرود الجنسي ليس عضويا ويمكنك مراجعة طبيب متخصص في أمراض الذكورة Andrology في ذلك. أظن أن ذلك “البرود” ربما يرجع بسبب خطأ تربوي ودليل ذلك حدوث الخجل وهو أمر مرضي بعكس الحياء. عموما يجب مراعاة ضوابط الدعوة مع النساء كغض البصر وعدم الخلوة والتركيز في مادة الدعوة وغير ذلك من الأمور.
إن قومي وقريتي هم على مذهب الإباضية بنسبة 95 بالمئة علما بأن بعض الشيوخ يصرحون بأنهم على العقيدة الإعتزالية فهل يجوز لي أخذ العقيدة عليهم؟ 
الإباضية هم من الخوارج وينتشر مذهبهم في عمان وشمال أفريقيا. يتفق الخوارج مع المعتزلة في التوحيد ويخالفونهم في العدل، بل يقال إنهم يقولون بالأصول الخمسة كلها سوى العدل فهم بهذا أرقى حالا من الأشاعرة والسلفية وأدنى حالا من الزيدية والعدلية، فيجوز أخذ التوحيد عنهم أو العلوم الشرعية الخالية من مذهبهم الجبري.
هل تعرف أي دواوين لشيوخ معتزلة فأنا من محبي الشعر؟ 
هناك ديوان الشريف الرضي رحمه الله وهو من أهل التوحيد والعدل، وكذلك ديوان أخيه الشريف المرتضى وهو إمامي معتدل، كما أن هناك دواوين كثيرة لعلماء عدليين أغلبهم من الزيدية كالإمام المهدي صاحب البحر الزخار والإمام الهادي بن الوزير صاحب منظومة الخلاص والصاحب بن عباد وغيرهم وتستطيع الحصول عليها من مؤسسة الإمام زيد الثقافية.
كما قرأت في مدونتك فأنت تعتبر سرقة المال العام كبيرة من الكبائر ( أو هكذا فهمت ) فهل توضح لي لأن الشيوخ عندنا المالكية يعتبرونه ليس سرقة بل نهب؟ 
لا مشاحة في الإصطلاح، فأيا ما كانت التسمية، سرقة أو نهبا أو غصبا أو غير ذلك فليس هذا بالأمر المهم، المهم هو أن ذلك الفعل يعتبر كبيرة من أكبر الكبائر يخلد مرتكبها في النار وإن صلى وإن صام ما لم يتب قبل الممات توبة نصوحا.
مارأي سماحتكم في الشيخ محمد الحسن ولدد الددو الشنقيطي رئيس مركز إعداد العلماء في موريتانيا؟
يذكره أهل السنة بالخير، فيثني عليه السلفيون لكونه شنقيطيا قريبا من مذهبهم، ويثني عليه الإخوان لفعاليته السياسية، ويثمنون له موقفه من الحاكم الموريتاني الدكتاتور معاوية ولد الطايع. مما لا شك فيه أنه يعتبر بذلك من فضلاء الجمهور إلا أنه لا يخرج عقديا عن منظومة أهل السنة والجماعة لاسيما في نسختها السلفية.
في بلدي عرضت الدولة القروض للشباب للزواج ولكن فيها ربا وللأسف الشديد من المستحيل الزواج بغير أخذ هذه القروض فهل يجوز أخذها من باب الحاجة؟ 
إذا كان من المستحيل الزواج بغير أخذ هذه القروض ـ على حد قولك ـ وكانت نفسك تتوق للزواج وتخشى العنت بدونه فأنت مضطر في هذه الحالة لارتكاب أخف الضررين فلا بأس بأخذ القرض في هذه الحالة ويكون الإثم على آخذ الربا وليس على العاطي المضطر الذي لا يجد بديلا. فإن وجد البديل كالقرض الحسن فالعدول عنه إثم.
كنت قبل مدة أنوي السفر للخاج تحديدا ألمانيا ﻷن لي قريب بها لغرض إكمال دراستي وتحقيق أحلامي المهنية فيها ولكن الظروف لم تكن مواتية وواجهتني عدة عواقب فقررت البقاء هنا والإبداع في بلدي فهل ترى أنه يمكنني الإبداع في بلدي وهل ترى أنه من الأفضل لي البقاء هنا ودعوة الناس للحق وأن أحاول أن آخذ بيد الشباب لنرتقي ببلدنا أم أسافر لتحقيق أحلامي وهل أؤجر في هذا مارأي سماحتكم في هذا الموضوع ؟
إن قمت بالدعوة والإصلاح في بلدك فإنك تؤجر على ذلك إن شاء الله، فإن حيل بينك وبين ذلك ووجدت للسفر للخارج سبيلا فيحسن هذا وتؤجر عليه إن كانت هجرتك لله. أما إن كانت هجرتك للدنيا فستحرم بالطبع من أجر الهجرة لله لكنك لن تحرم أجر ما تعمله من الصالحات للدنيا كالكسب الحال أو التعلم أو وكف أذاك عن الناس وغير ذلك من فضائل الأعمال.
مارأي سماحتكم بفتوى الزنداني التي تسمى زواج فريند وأيضا بالزواج المبكر وهل يجب أن يتعرف الزوجين على بعضهما قبل الزواج أثناء فترة الخطوبة ﻷنني من معارضي هذا الرأي فأرجوا إعطاء رأيكم في هذه المسألة؟
أما فكرة الزواج فريند فهي تعبر عن زواج يتحقق به كافة شروط الزواج من عرض وقبول وعقد وموافقة الأهل والإشهار وهو بهذا زواج شرعي تماما. الإختلاف الوحيد عن الزواج “التقليدي” هو عدم وجود بيت مستقل للزوجية. إن الزواج فريند مقبول شرعا وإن لم يقبل اجتماعيا عن كثير من العوام، وهو بعكس فتوى المساكنة الصادرة مؤخرا من سوريا حيث يتوفر بيت مستقل للمساكنة بينما تغيب معظم شروط الزواج. وإذ نرفض المساكنة بهذه الصورة فإننا لا نجد مانعا شرعيا للزواج فريند. أما التبكير في الزواج فهو الأولى عند إكتمال الأجسام والعقول والباءة والاستعداد النفسي. أما التعارف في الخطبة فما شرعت الخطبة إلا من أجله شريطة عدم الخلوة مع المخطوبة بل يمكنهما الظهور معا في الأماكن العامة مع التقيد بالضوابط الشرعية الأخرى.
مارأي سماحتكم في الشيخ بن باز وبفتاويه التي جلبت وبالا على المسلمين وجلت عليهم المصائب وهل يجوز الأخذ بفتاويه مع العلم بأن أغلبيتها تقليد أعمى للمذهب الحنبلي؟
إن كنت تقصد فتواه في حرب الخليج عام 1990 / 1991 بجواز الإستعانة بغير المسلم فهو قياس خاطئ منه، فالرسول الأكرم إستعان بكافر على كافر لكنه ما استعان بكافر على مسلم قط. وإذ نرفض فتاوى الشيخ ابن باز العقائدية وتلك المرتبطة بالسياسة الشرعية إلا أننا لا نرى بأسا في الأخذ بفتاوى ما دون ذلك لمن أراد.
أريد أن أستفسر عن شيء وهو هل هناك فرق بين العلماء وطلبة العلم والعامة حيث أخبرني أحدهم أن هناك أحاديث لايجوز أن يحدث بها العاميون وهذا بوجهة نظري نوع من العنصرية أرجوا التوضيح في هذه النقطة؟
إن مثل ذلك السلوك لا يمثل عنصرية فحسب ولكنه يمثل كهنوتا دينيا يرفضه الإسلام، وهو منتشر للأسف بين الجمهور ويستندون في ذلك على رواية لأبي هريرة يقول فيها: حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعائين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم (أخرجه السخاوي والعجلوني وصححاه) وهي رواية لا معنى لها، لأنه لو كان الوعاء الثاني من الشرع المأمور بتبليغه لوجب إبلاغه ولو قطع بلعومه. وإن لم يكن شرعا فلسنا أساسا بحاجة إليه وإن كان يحق لنا أن نتسائل: ما هو ذلك الوعاء الخطير الذي ليس من الشرع ولكنه يؤدي لقطع البلعوم إن بثه في الناس؟
يوجد لدينا طامة كبرى هنا وهي أن الناس معتادة على الغيبة والنميمة فهل إذا كنت في مجلس وبدأ الناس في الغيبية فماذا أفعل هل أخرج أم أنصحهم علما أنني إذا نصحتهم قد تحدث مشكلات معهم وقد يكونون من أقاربي ( ومن أقرب الأقارب يعني من الدرجة الأولى والثانية ) فما الحل؟ 
يجب نصحهم بالحكمة والموعظة الحسنة فإن لم ينتهوا فعليك بمغادرة ذلك المجلس إلا أن يحاط بك عنوة أو قهرا وبذلك تكون قد أبرأت ذمتك إلى ربك. ، ولا تنسى أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
هنا لدينا من يعالجون المصابين بالمس الجني ( حسب زعمهم ) ولكنهم يستعملون أدوات خطرة مثل الكهرباء وقد عانيت من هذا مرة ( وكاد قلبي أن يتوقف وعانيت مشكلة طويلة في أعصابي ) فما الحل علما بأن الدولة تمنع مثل هذه الأفعال فهل يجوز لي إخبار الدولة عنهم ﻷن الناس تعاني منهم؟ 
الإستعانة بالدولة في هذه الحالة جائزة لإيقاف الأذى العقدي والجسدي الذي يلحق بالناس وكذا الأذى المعنوي والنفسي والمادي، ومثل الإستعانة هنا كمثل من يستعين ببلطجي كبير لرد ظلم بلطجي صغير.
بماذا تنصحني في مناقشة الناس ( لإصلاح العقول وتطويرها ) علما بأنني حاليا أعتمد المنهج النقدي للإصلاح ولكنه سبب لي العديد من المشكلات مع الناس فأفدني بالطريقة المناسبة علما بأن الناس لدينا متمسكة بالتقاليد والأعراف كثيرا ويرفضون التغيير كما هي حالة الشيوخ دئما؟ 
أنصحك بالحكمة والموعظة الحسنة وإثارة العقول وضرب الأمثال. مررت بالأمس بأحد المعارف وكان مبتئسا فسألته عن السبب فأخبرني بوجود مشكل له مع البعض. فلما أخبرته بكونهم ظالمين أقر بكلامي وأمن عليه إلا أنه قال: لكن الله كتب علي هذا الأمر! حينئذ قلت له عبارة واحدة: إذا كان الأمر كذلك فاذهب لهؤلاء الظالمين واشكرهم لأنهم فعلوا ما كتبه الله عليك فبهت محدثي من كلامي وأخذته الحيرة والدهشة، فقلت له: أمامك أحد أمرين لا ثالث لهما: إما أن يكون ما نزل بك ظلم لم يكتبه الله عليك وإنما أوقعه بك الظالمون فاذهب ورد الظلم عنك، وإما أن يكون الله قد كتب ذلك الظلم عليك فاذهب للظالمين واشكرهم على تنفيذ كتابة الله عليك. إزدادت حيرة صاحبي من كلامه فنصحته بالتفكر فيما قلته له إلى أن نلتقي مجددا. إنني لم أعرض على صاحبي فلسفة العدل ولا فلسفة القدر وإنما اكتفيت بإثارة عقله وأنا متأكد أنه سيظل يفكر في كلامي وسيؤرقه وتلك هي البداية الصحيحة للتحرر من قيود الوهم والتقليد: النظر والتفكر.
وإذا كنت تعرف أحد المشايخ لديه دروس على الإنترنت ويكون على فكر المعتزلة أو على منهج قريب لكي أستمع له فوالله قد آلمني رأسي من دروس السلفية وبالذات في العقيدة فهي تفجر لي رأسي بكلام فارغ ؟
لا أعرف أحدا ممن ترجو لكني أنصحك بالإستماع لخطب بعض فضلاء الإمامية وهم من العدلية في إطارها الواسع ولا سيما السيد محمد حسين فضل الله مرجع الشيعة الإمامية في لبنان فهو من أكثر أهل مذهبه اعتدالا، وكذلك خطب الشيخ حسن نصر الله.
هل إحتكاكي بأصحاب السلطة ودعوتهم إلى منهج المعتزلة لغرض نصر الدعوة جائز؟
يجوز ذلك لكن بشكل غير مؤسسي لأننا لا نرى جواز الإنضواء في مؤسسات العمل السياسي للحكام الظلمة إلا للضرورة القصوى لحفظ بيضة الإسلام أو المسلمين.
هل أجهر بكوني عدلي أم أستتر علما بأنني لن أواجه مشكلة مع الدولة بجهري بل مع السلفيين فقط ؟
يمكنك الدعوة للفكر العدلي بالحكمة والموعظة الحسنة بطريقة تجنبك الصدام الذي ربما يؤدي للإضرار بك أو بالدعوة. لست بحاجة لرفع شعارات بل يمكنك الدعوة بطرق بسيطة تخلو من المجاهرة ولكنها لا تعيق الدعوة وهذا هو المهم.
أنا في هذه أعتمد على الكتب التي أحملها من شبكة الإنترنت ولكن للأسف الشديد فهي ليست واضحة وطباعتها على ورق لن تفي بالغرض ﻷنها ليست واضحة وعدم وجود الكتب في بلدي وإحضارها من بلد ﻵخر فيه معوقات أنه أولا ليس لي أحد في تلك البلد مثلا مصرا وثايا غلاء الأسعار ( وأنا طالب ومفلس … ) فهل لديكم توجيه أو حل؟ 
عليك إذا بالتعامل مع النسخ الإلكترونية إلى أن تجد للنسخ الورقية سبيلا.
ماهو حكم المرتد وماقصد سيادتكم بالأصل السادس لا إكراه في الدين ؟ 
نرفض القول بقتل المرتد لتعارض ذلك مع أصل لا إكراه في الدين. أما سؤالك عن هذا الأصل فأقول: الشائع عند العامة أن للمعتزلة أصولا خمسة. أما الخاصة فيعلمون أن للمعتزلة أصلين كبيرين هما التوحيد والعدل، وأن بقية الأصول كلها راجعة لأصل العدل. إن رحم أصل العدل رحم ولود يتسع لمزيد من الأصول الفرعية ومنها أصل: لا إكراه في الدين والذي يمثل نتيجة منطقية لحرية التكليف، فما دام الله لم يجبرنا ولكن فوضنا في الفعل والترك، فإن إكراه إنسان ما على الإعتقاد ينافي مبدأ حرية الإختيار. لا إكراه في الدين معناه أنه يمكنك فقط إعلام الآخر بمعتقدك بالطرق المشروعة لكن يحرم عليك قهره عليه. إن كان الله لم يقهر عباده على اعتناق الإسلام فكيف نكرههم نحن على ذلك؟ في هذا السياق يقول الله تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) (يونس : 99).
هل للمعتزلة المعاصرة أقصد الغربية أي موقع على الإنترنت أو تواجد عليها ﻷنني قررت أن أكون منهم إنشاء الله ؟ 
إن تقسيم المعتزلة (المعاصرة) إلى مدرستين: إحداهما (شرقية) والأخرى (غربية) هو تقسيم اصطلاحي وضعته للإشارة إلى البقع الجغرافية التي يشع الإعتزال منها. أما التقسيم الأفضل هو تقسيم المعتزلة (المعاصرة) لمدرستين: مدرسة (التفعيل) ومؤسسها هو الشيخ أمين ومدرسة (التجديد) التي أشرف بالإنتماء اليها. الميزة الأساسية لمدرسة (التجديد) هي أنها مدرسة لا مذهبية ترفض التقليد وتدعو للإجتهاد، فتجدها إعتزالية في مواطن ترى أصاب المعتزلة فيها وتجدها غير اعتزالية في مواطن أخطأ المعتزلة فيها. الصفة الثانية أن القواسم المشتركة بينها وبين المدرسة البغدادية أكبر من القواسم المشتركة بينها وبين المدرسة البصرية، ولكن بغير تقليد كذلك، فربما تتوافق مع البصريين في مسائل وتخالف البغداديين في مسائل. ليس لنا للأسف أي موقع على النت سوى موقعنا هذا الذي نتحاور من خلاله والذي يعبر عن فكر مدرسة التجديد إلى حد كبير.
تحياتي الأخوية
الحسيني
Published in: on أغسطس 26, 2008 at 12:00 م  اكتب تعليقُا  

القدير

يقول قاضي القضاة رحمه الله في “المختصر”:
(هو قادرٌ لصحة الفعلِ منه، والفعلُ لا يصحُّ إلا من قادر على ما نعقله في الشاهد)
أما قوله (هو قادرٌ) فجملة اسمية خبرية تتكون من مبتدإ وخبر مرفوعين، ولفظ (قادر) اسم فاعل مشتق من الفعل الماضي الثلاثي المجرد “قَدِرَ” ومضارعه هو “يقدِر” ومصدرة هو “قدرة”. أما (القدير) فهو اسم الفعل الدال على المبالغة واللامحدودية والإتساع والشمول في القدرة، فهو القدير، سبحانه وتعالى. أما اللام في قوله (لصحة) فهي لام السبب / التعليل، أي أن العقل حكم بأن الباري سبحانه قادرٌ بسبب ما نراه من الأفعال التي صحَّت منه، ونعلم أن الفعل لا يصح إلا من قادر.
(فإن قيل: هو لم يزل قادرا أم لا؟ قيل له: نعم، لأنه لو لم يكن كذلك، لكان يقدرُ بأن يجعل نفسه قادراً، ومن ليس بقادر لا يصح منه الفعل، وهذا يتناقض، فهو إذاً قادرٌ فيما لم يزل ولا يزال، لأنه لذاته قادرٌ)
أما التساؤل (هو لم يزل قادرا أم لا؟) فمعناه: أقادرٌ هو منذ الأزل أم لا؟ والجواب: نعم، هو قادر منذ الأزل، لأنه قادرٌ لذاته، لا لمعنى ولا لعلة اقتضت اقتضى من أجلها أن يكون قادراً، ومن كان هذا حاله فإنه يظلُ قادراً فيما لم يزل، أي: منذ الأزل، ولا يزال، أي: إلى الأبد، بمعنى أن صفة القدرة لما كانت صفة ذات، لزم من ذلك أن يكون قادراً وقديراً منذ الأزل وإلى الأبد.
(فإن قيل: يُجَوَّزُ على الله تعالى العجزُ؟ قيل له: لا، لأنه قد ثبتَ أنه قادرٌ على كل مقدور يصح أن يقدر عليه، حتى لا جنس ولا قُدَرَ لا وهو قادر عليه، فمحال أن يعجز)
أما (العجز) فهو عكس (القدرة)، ولما كان الله تعالى قادرا لذاته، امتنع عليه أن يكون عاجزا، فهو القادر الذي لا يعجز، وهو القدير على كل مقدور يصح أن يقدر عليه. أما قوله (كل مقدور يصح أن يقدر عليه) ففيه احتراز عما لا يدخل في جنس المقدورات، أي احتراز عما لا يصح أن يتعلق به قدرة، مثل الاستحالات العقلية كتزاحم الضدين في محل واحد، فإنه لا يصح أن يقال: أيقدر عليها أم لا، لكونها مما لا يصح أن تتعلق به قدرة القادر.
يقول العلامة السلفي المستنير السيد محمد رشيد رضا الحسيني رحمه الله في رسالة (أحكام العقل):
(يشترك الواجبُ والمستحيل العقليان في أنهما لا تتعلق بهما قدرة الله تعالى، لأن وظيفة القدرة الإيجاد والإعدام، والواجب وجوده لذاته فهو قديم ويستحيل عدمه، والمستحيل منتفٍ لذاته، ولو أمكن أن يوجد لما كان مستحيلاً، فلا يقال: إن الله تعالى قادرٌ على إعدام الواجب، كذاته تعالى وتقدس، أو إيجاد المحال كجعل الشيئ موجوداً ومعدوماً، أو ساكناً ومتحركاً في آنٍ واحد، ولا يقال: إنه ليس بقادر، إذ ليس هذا من وظيفة القدرة فيثبت لها أو ينفى عنها) (انتهى)
أقول: هذا تقريرٌ جليل ونفيس، فإن الواجب لذاته، والممتنع لذاته لا تتعلق بهما قدرة، أي بتعبير قاضي القضاة رحمه الله: ليست من المقدورات التي يصحُّ أن يُقدَرَ عليها. لذلك فعندما يقول الله تعالى:
(…. إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : 20)
فإننا نعلم أن المقصود هنا هو الشيئ الذي يصح أن تتعلق به قدرة الله تعالى. يمكننا تعميم النتيجة السابقة من وحي كلام قاضي القضاة رحمه الله فنقول: الله يقدر على كل مقدور يَصِّحُّ أن يُقدَرَ عليه، ويسمع كل مسموع  يَصِّحُّ أن يُسمَع، ويبصر كل مُبصَر  يَصِّحُّ أن يُبصَر، ويدرك كل مُدرَك  يَصِّحُّ أن يُدرَك، ويعلم كل معلوم  يَصِّحُّ أن يُعلَم، فكل تلك الصفات المتقدمة من (القدرة) إلى (العلم) مرورا بالسمع والبصر والإدراك هي صفات ذات يستحقها الله لذاته، لا لعلة، ولا لمعنى، بل هو لذاته قادر، وهو لذاته سميع، وهو لذاته بصير وهكذا. أما ما لا يَصِّحُّ أن يُقدَرَ عليه فلا تتعلق به قدرة، وما لا يَصِّحُّ أن يُسمَع فلا يتعلق به سمع، وما لا يَصِّحُّ أن يُبصَر فلا يتعلق به بصر، وما لا يَصِّحُّ أن يُدرَك فلا يتعلق به إدراك، وما لا يَصِّحُّ أن يُعلَم فلا يتعلق به علم.
تحياتي
الحسيني
Published in: on أغسطس 26, 2008 at 11:54 ص  اكتب تعليقُا  

أبو العباس محمد بن يزيد المُبَرِّد (210 – 285 هجرية)

جرت عادة الكوفيين والأشاعرة – خصوم المبرد – على ضبط لفظ “المبرد” بفتح الراء أي هكذا: (المبرَّد)، حيث يزعمون أنه اختبأ في البرد حتى تبرَّد فلحقه الوصف بصيغة اسم المفعول. أما نحاة البصرة، والمبرد نفسه منهم، فإنهم يضبطون الإسم بخفض الراء أي هكذا: (المُبرِّد) أي بصيغة اسم الفاعل وهذا هو الذي أميل اليه. جدير بالذكر أن أبا عثمان المازني هو من أطلق على شيخنا أبي العباس لقب (المُبرِّد) لأنه كان يُسكت مخالفه بالحجة الدامغة، فكأن الحيرة والجهل نار تشتعل في صاحبها فإذا جاءه برد اليقين والعلم تبرَّد به. إمامنا المُبرِّد رحمه الله كان من أولئك الذين يبرِّدون الآخرين بغزارة علمهم وقوة حجتهم فلحقه هذا اللقب. هناك إذاً رأيان في سبب تسميته:
[1] … قال له المازني: قم فأنت المبرِّد -بكسر الراء- أي المثبت للحق، فحرفه الكوفيون، وفتحوا الراء. (المنادمة) هي مفاعلة من (الندم) أي اللوم شديد اللهجة الذي يجعل صاحبه يندم على ما فعل. و(المذاكرة) فهي مذكرة أو دعوى مرفوعة ضده تطلب التحقيق معه بشأن واقعة ما !!!.
[2] والرواية – المشكوك في أمرها كالتالي:
(كان سبب ذلك أن صاحب الشرطة طلبني للمنادمة والمذاكرة، فكرهت الذهاب إليه، فدخلت على أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني، فجاء رسول الوالي يطلبني فقال لي أبو حاتم: ادخل في هذا – يعني غلاف مزملة فارغًا – فدخلت فيه وغطى رأسه، ثم خرج إلى الرسول فقال ليس هو عندي، فقال: أخبرت أنه دخل إليك. قال: فادخل الدار وفتشها، فدخل وطاف في كل موضع من الدار، ولم يفطن لغلاف المزملة، ثم خرج، فجعل أبو حاتم يصفق وينادي على المزملة: المبرَّد المبرَّد!! وتسامع الناس بذلك فلهجوا به)
أما الرواية الأولى فهي الأقرب للواقع والمنطق، حيث تناظر المبرد مع أحد النحاة بين يدي شيخه المازني رحمه الله، فأفحم المبرد مناظرَه، فأعجب الشيخ بتلميذه، فسماه المبرِّد. أقول: لقد كان المبرد شهيراً بإفحام خصومه، ولا ينسى النحاة مناظرته الكبيرة مع الإمام ثعلب، صاحب كتاب “الفصيح” في فقه اللغة، وكبير نحاة الكوفة آنذاك. لقد استطاع أبو العباس رحمه الله أن يبرِّد ثعلباً رحمه الله، فما بالك بمن هو دون ثعلب!!!
أما الرواية الثانية فأثر الصنعة ظاهر فيها، ولا سيما أنها لا تبرز سبب ملاحقة الشرطة له. فإن أعملنا مقص الجرح والتعديل هنا، فاعلم أن الثابت عند علماء ذلك الفن هو رد الدعوى ما لم تكن مسببة بسبب ظاهر. لذلك نرد – مطمئنين – تلك القصة التي تفوح منها رائحة الإختلاق المذهبي بشقيه: النحوي والعقدي.
أما عن “إعتزالية” المبرِّد رحمه الله، ليست واضحة بشكل قطعي إلا من خلال نسبة الآخرين إياه للفكر الإعتزالي. أقول: الإعتزال في عصر المبرد لم يكن بطبيعة الحال إعتزالاً مذهبياً فلسفياً كالإعتزال في عصر القاضي مثلاً، لكنه كان اعتزالاً فطرياً ناطقاً بتنزيه الله عما لا يليق به في ذاته وصفاته وأفعاله وهذا تجده بين ثنايا موضوعات كتاب “الكامل”. علاوة على ذلك أود إضافة نقطة حول المذهب النقلي والعقلي في النحو: هناك نحاة نقليون يرون مثلاً أن حصر الكلمة في أقسامها الثلاثة المعروفة (الإسم والفعل والحرف) جاء من تتبع كلام العرب المنقول، وهؤلاء هم النحاة النقليون ومعظمهم من أهل السنة. وهناك نحاة عقليون – كالمبرد مثلاً – يرون أن تلك القسمة إنما هي قسمة عقلية لا علاقة لها بالمنقول. إضافة إلى ذلك يكثر النحاة النقليون من المشتقات السماعية حتى لو خالفت القياس بينما يكثر النحاة العقليون من الأقيسة النحوية ومشتقاتها. ربما لا يلاحظ البعض في كلام المبرِّد في “الكامل” ما يدل على إعتزاليته بشكل يجعلنا مطمئنين تماماً لصحة نسبته تلك، بيد أني لاحظت عدة أمور:
[1] يكثر المبرِّد من الإستشهاد بأقوال أمير المؤمنين عليه السلام اللسانية وكذلك بأقوال آل بيته، ونحن لم نعتد من غير العدلية – عادة – على هذا الأمر.
[2] امتدح المبرِّد واصلاً  وأصحابَ النَّظَّام رحمهم الله في سياق الإستشهاد بالبلاغة واللسانيات. بيد أنه ذكر شعراً فيه ذمٌ للمتكلمين لكنه ربما يكون منحولاً أو محمولاً على متكلمي الجبرية كما فعل الشافعي رحمه الله حينما ذم المتكلمين وكان يقصد حفصاً الفرد الجبري. أي أن ذلك ربما يدخل في باب العام الذي يراد به الخاص وتلك قضية مشهورة عند الأصوليين والنُّحاة.
[3] يكثر المبرِّد من الإستشهاد بأقوال العدليين كأبي الأسود والحسن وابن المسيب والخليل وسيبويه وابن عبد العزيز وغيرهم بصورة ملحوظة جداً.
[4] قال ابنُ جني المعتزلي في “سر الصناعة” (1 / 13) ما يلي: “يعد المبرِّد جبلاً في العلم، وإليه أفضت مقالاتُ أصحابِنا، وهو الذي نقلها وقررها، وأجرى الفروع َ والعللَ والمقاييسَ عليها”. أقول: إن كان قصد ابن جني بقوله عن المبرِّد “إليه أفضت مقالاتُ أصحابِنا” المقالات الكلامية فربما يكون قوله ذاك دليلاً قوياً على إعتزالية المبرِّد، إلا أنه ربما يقصد المقالات النحوية للبصريين.
أقول: يؤخذ على ذلك أن ابن جني ما كان ينتمي إلى مدرسة نحاة البصرة التي ينتمي إليها إمامنا المبرد، بل إلى مدرسة نحاة بغداد والتي ينتمى لها عددُ من المعتزلة كأبي علي الفارسي والزمخشري رحمهم الله جميعاً. لذلك أعدل عن الترجيح السابق إلى غلبة الظن بأن لفظ “أصحابنا” في قول ابن جني إن المبرد “إليه أفضت مقالاتُ أصحابِنا” ينصرف إلى أصحابه من المعتزلة وليس من النحاة لاختلاف مدرسة كل منهما النحوية عن الآخر.
والسلام
الحسيني

Published in: on أغسطس 21, 2008 at 10:21 ص  اكتب تعليقُا  

الإجمال في مسألة الآجال

انقسمت العدلية في المقتول لو لم يقتل ثلاثة أقسام:
- إنه كان يموت قطعا (قول أبي الهذيل العلاف).
- إنه كان يعيش قطعا ( قول الهادي وبعض البغداديين)
- إنه كان يجوز أن يعيش ويجوز أن يموت (قول معظم البصريين).
أما شيخنا أبو ياسر رحمه الله فكان يقول – في هذه المسألة – بقول الهادي عليه السلام، كما أنني قلتُ به كذلك بصفة عامة. لكن عند تدقيق النظر وتحقيقه يمكننا جمع المذاهب الثلاثة في قول واحد جامع يراعي القسمة العقلية للمسألة، وهو كالتالي:
إما أن يكون هناك سبب واحد فقط لهلاك القتيل وهو القتل وإما أن يكون هناك سبب  (أو أسباب) آخر متزامن مع القتل – كالسكتة القلبية مثلاً:
[1] فإن كان سبب الهلاك هو القتل بمفرده – الحالة العامة – فإن انتفاء القتل يؤدي في هذه الحالة لانتفاء الهلاك (قول الهادي والبغدادية).
[2] وإن كان سبب الهلاك هو شيئ آخر متزامن مع القتل – الحالة الخاصة التي لا يصح القول باضطرادها – فإن انتفاء القتل لا يؤدي في هذه الحالة لانتفاء الهلاك (قول العلاف).
لذلك يصح القول بصورة أخرى:
[3] إن المقتول لو لم يقتل لجاز أن يعيش (الحالة الأقرب) ولجاز أن يموت (الحالة الإستثنائية الممكنة) وهو قول القاضي ومعظم البصريين.
أما الجزم بأن المقتول لو لم يقتل لهلك قطعاً فهو جبر وحتمية مبني على المذهب الفاسد في العلم القديم، فكل من جزم وقطع بهلاك القتيل لو لم يقتل فهو جبري قدري.
تحياتي
الحسيني
Published in: on أغسطس 21, 2008 at 9:43 ص  اكتب تعليقُا  

الكمون والطفرة وإبراهيم النَّظَّام

يتحدث بعضُ الفلاسفة وعلماء الأديان واللاهوت عن قضيتين ربما يكون لأحدهما أو كلاهما علاقة مباشرة أو غير مباشرة بعلم المادة الحية (البيولوجي) وعلم المادة الميتة (الفيزياء) وربما بالكيمياء أيضاً. القضية الأولى هي (الكمون)  أما القضية الثانية فهي (الطفرة).
[الكمون]
يزعم بعض الفلاسفة – وقد نسب هذا القول لأبي اسحق النَّظَّام [هو الإمام المعتزلي الكبير أبو إسحق إبراهيم بن سيَّار بن هانيء النَّظّام المولود عام 160 والمتوفى عام 231 للهجرة] رحمه الله- أن النار مثلاً كامنةٌ في الحجر بدليل تولد شرر عند قدح حجرين. لا خلاف أن (الزيت) مثلا كامنٌ في (الزيتون) وأن (العصير) كامن في (العنب) وقد استدل الفلاسفة على ذلك بدليل ملموس هو ضمور تلك الأشياء بعد خروج ما هو كامن فيها. لكن فيما يتعلق بالحجر ألا يلزم القول بكمون النار فيه أن يكون الحجر حاراً بحرارة النار، وأن يضمر بعد خروج النار منه؟ يعترض الإمام ابن حزم الأندلسي في كتابه الموسوعي “الفِصَل” على نظرية كمون النار في الحجر ويفسر ذلك بنظرية أخرى هي الإستحالة أي: التحول، فيقول:
(… ومن الأشياء ما ليس كامناً كالنار في الحجر والحديد، ولكن فيهما قوة إذا تضاغطا احتدم ما بينهما من الهواء فاستحال ناراً، وهكذا يعرض لكل شيئ منحرق فإن رطوباته تستحيلُ ناراً ثم دخان ثم هواء …) (انتهى بتصرف يسير)
أقول: يرى ابن حزم أن الشرر ناتج عن استحالة الهواءِ ناراً بسبب الإحتكاك، لكنه لم يفسر لنا يكون الإحتكاك سبباً في توليد تلك الإستحالة. أما النظرية الذرية المعاصرة في علم الكيمياء فإنها تقدم  تفسيراً حديثاً لتولد الشرر خلاصته أن الإلكترونات التي تدور في مدار طاقتها تغادر مدارها ذاك عند ضرب الحجرين فيتولد شرر، وأظن أن ذلك الشرر المبعث لا يتولد فقط عند اصطكاك حجرين أو حديدتين بل يتولد أيضا عند احتكاك قطعتي خشب جافتين. في هذا السياق لفت نظري قول الله تعالى:
(الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ) (يس : 80)
حيث أظن أن كلمة (الأخضر) هنا – والله أعلم – ربما تكون إشارة إلى مادة (الكلوروفيل) لذلك أود أن أسئل حضراتكم مرة أخرى: ما هي العلاقة بين الكلوروفيل والنار؟ بمعنى آخر: كيف تتولد النار عن مادة الكلوروفيل؟ أم أن كلمة (الأخضر) لها هنا مدلول آخر؟
[الطفرة]
أما الطفرة فهي انتقال الجسم من انقطة a إلى نقطة c دون المرور على النقطة b الواقعة بينهما. تلك القضية الثانية ذكرتني بحالة التسامي عندما يتحول الصلب لغاز دون مرور على الحالة السائلة. جدير بالذكر مفهوم الطفرة في البيولوجيا الحديثة يختلف عن مفهوم الطفرة في الفلسفة. الطفرة بيولوجياً تعني الحيود والتنحي عن التسلسل الطبيعي نتيجة خلل وتغير في تتابع القواعد النيتروجينية لجين أو جزيء من الدي إن إيه D N A كما يقول البيولوجيون. أما التعريف الذي كتبتُه أعلاه هو تعريف الفلاسفة والمتكلمين للطفرة كما قال بها مثلاً العالم الكبير أبو اسحق إبراهيم بن سيَّار النَّظَّام المتكلم المعتزلي الكبير. ونتيجة غرابة مفهوم الطفرة عند النَّظَّام قالوا: عجائب علم الكلام ثلاثة:
- الكسبُ عند الأشعري
- والحالُ عند البهشمي (أبو هاشم الجُبَّائي)
- وطفرةُ النَّظَّامِ.
قال الإمام أبو محمد عليّ بن حزم الأندلسي الفقيه الظاهري المشهور في كتاب: (الفِصل في الملل والأهواء والنحل) في فصل بعنوان: (الكلام في الطفرة) ما يلي بتصرف يسير:
(…. نسب قوم من المتكلمين إلى إبراهيم النَّظَّام أنه قال:
إن المار على سطح الجسم يسير من مكان إلى مكان بينهما أماكن لم يقطعها هذا المار ولا مر عليها ولا حاذاها ولا حل فيها‏.‏
قال الإمام أبو محمد عليّ بن حزم الأندلسي:‏ وهذا عين المحال … لأن هذا الذي ذكرنا ليس موجود البتة خلا حاسة البصر فقط وكذلك إذا أطبقت بصرك ثم فتحته لاقى نظرك خضرة السماء والكواكب التي في الأفلاك البعيدة بلا زمان كما يقع على أقرب ما يلاصقه من الألوان لا تفاضل بين الأدراكين في المدة أصلاً فصح ضرورة أن خلا البصر لو قطع المسافة التي بين الناظر وبين الكواكب ومر عليها لكان ضرورة بلوغه إليها في مدة أطول من مدة مروره على المسافة التي ليس بينه وبين من يراه فيها إلا يسير أو أقل فصح يقيناً أن البصر يخرج من الناظر ويقع على كل مرئي قرب أو بعد دون أن يمر في شيء من المسافة التي بينهام ولا يحلها ولا يحازيها ولا يقطعها وأما في سائر الأجسام فهذا محال ألا ترى أنك تنظر إلى الهدم وإلى ضرب القصَّار بالثوب في الحجر من بعد فتراه ثم يقيم سويعة وحينئذ تسمع صوت ذلك الهدم وذلك الضرب فصح يقيناً أن الصوت يقطع الأماكن وينتقل فيها وأن البصر لا يقطعها ولا ينتقل فيها ….) (انتهى كلام ابن حزم بتصرف يسير).
أقول:
[1] فُقدت جميع كتب الإمام النَّظَّام ضمن ما فقد أو أحرق أو دمر من كتب المعتزلة على يد مخالفيهم من أصحاب السلطان وفقهاء بلاطهم، لذلك فإننا لا نعرف على وجهٍ مؤكد ما هي أطروحة النَّظَّام فيما يتعلق بالطفرة وإنما يكون التعويل هنا على ما نُسِب إليه – وربما ليس كل ما نُسب إليه صحيحاً – لذلك قال إبن حزم في مقدمة الفقرة: (نسب قوم من المتكلمين إلى إبراهيم النظام …).
[2] اختصرتُ القول المنسوب للنظام وهو: (أن المار على سطح الجسم يسير من مكان إلى مكان بينهما أماكن لم يقطعها هذا المار ولا مر عليها ولا حاذاها ولا حل فيها) بالصورة الرمزية التي ذكرتُها أعلاه  للتسهيل على القارئ وهي تتفق تماماً مع المقصود.
[3] قول ابن حزم (البصر يخرج من الناظر ويقع على كل مرئي …) ينطلق من النظرية القديمة وهي أن شعاع البصر يخرج من العين فيسقط على المَرئِي فتبصره العين، والتي برهن العالم الكبير الحسن بن الهيثم بعد ذلك بزمن طويل على بطلانها وأوضح أن شعاع الضوء يخرج من مصدر الضوء – كالشمس مثلاً – فيسقط على الجسم فينعكس عنه إلى داخل شبكية العين فينقله العصب البصري للمخ حيث يتم ترجمته فيحدث الإدراك البصري له كما هو معروف في علم البصريات Optik.
[4] بناءً على ذلك يسقط إستدلال ابن حزم على الطفرة في مجال الإبصار، لأن الضوء ينعكس من كافة الأجرام فإذا فتح الإنسان بصره سقطت جميع تلك الأشعة على شبكية العين، ومن المعروف أن الضوء – سواء كان فوتونات أو غير ذلك – لا ينتقل من النقطة a إلى النقطة c إلا بعد مروره على النقطة b إلا إذا كان عند الفيزيائيين غير ذلك من نتائج الفيزياء الحديثة التي ربما لم تصل بعد لغير المتخصصين من أمثالي. ومن هنا يمكن الإطمئنان إلى أن طفرة النَّظَّام بتلك الصورة لا تتحقق في عالمنا الحي ولا الميت، أما وصف ابن حزم لها بأنها (عين المحال …) فلا أتفق مع فيه لكون الطفرة – هذه – ممكنة عقلاً وليس في العقل ما يحيلها، بيد أنها غير ممكنة ضرورة (برجاء الإنتباه إلى الفارق بين: الإحالة العقلية والإحالة الضرورية).
خلاصة القول:
ليس فيما بين أيدينا من نتائج العلم الحديث ما يجعلنا نطمئن لقضية طفرة النَّظَّام، تلك الطفرة التي ربما تكون غير ممتنعة عقلاً، إلا أنها ممتنعة عادةً، كما لا تدل عليها النتائج المعاصرة للعلوم الطبيعية.
تحياتي الأخوية
والسلام
الحسيني
Published in: on أغسطس 17, 2008 at 9:30 ص  Comments (1)  

السميع

قال القاضي عماد الدين أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد الهمداني الأسد أبادي المعتزلي البصري الشهير (415 هجرية) في كتابه “المختصر” ما يلي بتصرف يسير وإضافة التشكيل والخطوط:
(وهو سميعٌ بصيرٌ مدركٌ للمدرَكات إذا وُجِدت، لأنه حيٌ لا آفةَ به، فيجبٌ أن يكون مختصاً بهذه الصفات إذا وُجِدت المسموعَات والمُبصَرات والمدرَكات).
أقول: إختصاراً للأمر أركز تعليقي على صفة (السميع)، وما يجري عليها من كلام يلحق كذلك بصفتي (بصير) و(مُدرِك). لفظ (سميع) هو صيغة مبالغة من اسم الفاعل (سامع) للدلالة على الإحاطة التامة بالمسموع، والمسموع مفعول أي: اسم المفعول. أما الأصل لتلك الإشتقاقات فهو الفعل الماضي المجرد الثلاثي (سَمِعَ)، ومضارعه هو (يسْمَعُ)، ومصدره هو (سمْعَاً). عبارة (الله سميع) عبارة عن جملة اسمية خبرية تتكون من مبتدأ وخبر مرفوعان، والسميع هو – كما ذكرت للتو – اسم فاعل بصيغة المبالغة. وكلمة (المسموعات) جمع للفظ (المسموع) وهو اسم مفعول. تعبير (إذا وُجِدت المسموعات) هو تعبير شرطي يحترز به عن انعدام المسموعات. مقتضى ذلك الشرط هو أن الباري سبحانه يسمع كلَ مسموع على وجه الإحاطة إذا وُجِدَ ذلك المسموع، فإن لم يوجد المسموع فلا يوجد محل للقول بالسمع أو عدمه في هذا المقام. جدير بالذكر أن تلك الحالة الأخيرة لا تعتبر منقصة ولا مسلبة (من السلب) لصفة (السميع)، وإلا للزمنا أن نذم الواحدَ منا على عدم سماع غير المسموع، ولا يفعل ذلك إلا فاقد العقل. إن معيار المدح والذم إنما هو سماع المسموعات حال وجودها وليس حال إنعدامها، فإن وجد المسموع ولم يسمعه السامع كان ذلك في هذه الحالة نقصاً ومسلبة وهو ما يتنزه الله سبحانه عنه. يدل كلام القاضي رحمه الله على أن الباري سبحانه سميعٌ بكل مسموع أو بكل ما يصح أن يُسمَع حال وجود ذلك المسموع. أما المجبرة ومن يدور في فلكهم فيلزمهم أن يكون الله سميعاً بالمسموعات منذ الأزل وهذا ضلال عن الصراط المستقيم، وهنا ينبغي أن نلزمهم بقول الله تعالى:
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة : 1)
بسؤالهم: هل سمع الله تعالى قول تلك المرأة منذ الأزل أم بعدما تحاورت؟ فإن قالوا: (منذ الأزل) خالفوا القرآن وسقطوا في الشرك بإثبات أزلي آخر مع الله، وإن قالوا: (بعدما تحاورت) فارقوا مذهبهم الجبري وقالوا بما نقول به كأهل تنزيه واختيار.
قال القاضي عماد الدين أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد الهمداني الأسد أبادي المعتزلي البصري الشهير (415 هجرية) في كتابه “المختصر” ما يلي بتصرف يسير وإضافة التشكيل والخطوط:
(فإن قال: إنما يسمعُ أحدُنا ويدركُ بالآلات، فإذا استحالت على الله تعالى فكيف يوصف بذلك؟ قيل له: إننا نحتاج إلى الآلات لأنَّا لأجلِ الحياةِ نسمع ونرى، لا كما يفعل لا بآلة، من حيث كان قادراً لذاته).
أقول: الله سبحانه حيٌ لذاته، وليس لمعنى زائد عن الذات، بينما نحنُ لسنا أحياءً بذواتنا، وإنما بمعنى خلقه الله فينا، لذلك تحتاج حياتنا إلى محالٍّ لتلك الحياة، فنحتاج مثلاً إلى آلة (الأذن)  وما  يلحق بها من جهاز سمعي داخلي لكي تكون محلاً للسمع، وإلى آلة (العين) وما يلحق بها من جهاز بصري  داخلي لكي تكون محلاً للبصر وهكذا. الإنسان عاجز ومفتقر لتلك الآلات التي تصح أن تكون محلاً لحياتنا، أما الباري سبحانه، فهو قادر لذاته فلا يعجز، وغنيٌ لذاته فلا يفتقر لشيئ، وحيٌ لذاته فلا يحتاج لآلات تكون محلاً لحياته لذلك يفارق الواحد منا ويبين عنه بينونه تامه، وصدق سبحانه إذ يقول:
(…. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : 11)
خلاصة ما قاله القاضي رحمه الله هو أن الله تعالى سميع بكل مسموع إذا وُجِد ذلك المسموع، بصيرٌ بكل مبصَر إذا وُجِد ذلك المبصَر، مدركٌ لكل مدرَك إذا وُجِد ذلك المدرَك، وهو يستحق كل ذلك لذاته وليس لأي معنى زائد عن الذات، وهو كلام نفيس حقاً نتفق مع القاضي رحمه الله فيه. في النهاية يطيب لي تقديم الإحصائية القرآنية التالية:
إحصائية قرآنية
(1) ورد تركيب (السميع العليم) في الكتاب في 15 موضعاً، وورد تركيب (سميع عليم) كذلك في 15 موضعاً، فيصير مجموع المرات التي ارتبط فيها صفتا السمع والعلم 30 موضعاً.
(2) ورد تركيب (السميع البصير) في الكتاب في 4 مواضع، وورد تركيب (سميع بصير)  في 3 مواضع، فيصير مجموع المرات التي ارتبط فيها صفتا السمع والبصر 7 مواضع.
(3) ورد تركيب (سميع الدعاء)  في موضع واحد فقط.
(4)  ورد تركيب (سميع  قريب)  في موضع واحد فقط.
تحياتي
الحسيني
Published in: on أغسطس 17, 2008 at 8:37 ص  اكتب تعليقُا  

في الأثمان والأسعار والرخص والغلاء

أولا: الفارق بين الثمن والسعر
ثمن السلعة أو الخدمة هو قيمتها الذاتية. هناك نظريتان رئيسيتان في منشأ الثمن أولاهما: الثمن يتولد عن منفعة السلعة أو الخدمة. ثانيهما: الثمن يتولد عن العمل المبذول في السلعة أو الخدمة. أما سعر السلعة أو الخدمة هو قيمتها السوقية. هناك إذن قيمتان: القيمة الذاتية ويطلق عليها “الثمن” والقيمة السوقية ويطلق عليها “السعر”. قد يكون سعر سلعة أو خدمة ما موافقا لثمنها أو مخالفا له سواء بالزيادة أو النقصان فمثلا: سهم شركة ما قيمته الإسمية / ثمنه 100 دولار قد يتم تحديد سعره في سوق الأوراق المالية بمبلغ 110 دولار أي أكثر من ثمنه والعكس.
ثانيا: متعلق الرخص والغلاء
الرخص هو إنخفاض أسعار السلع والخدمات والغلاء هو إرتفاع أسعارها، فالرخص والغلاء يتعلقان بالأسعار وليس بالأثمان فرب سلعة ثمينة القيمة تكون رخيصة السعر والعكس. وكما يحدث ذلك في مجال تقييم السلع والخدمات يحدث في مجال الفكر فرب فكر ثمين يكون سعره المعنوي رخيصا والعكس.
ثالثا: كيف يتحدد السعر السوقي؟
السوق هو ذلك الإطار التنظيمي ـ مكاني أو عبر مكاني ـ الذي تلتقي فيه قوى الطلب “المستهلكين” بقوى العرض “المنتجين” فينشأ نتيجة لالتقائهما السعرُ التوازني. هذا السعر التوازني يمثل دالة رياضية في الكميتين المطلوبة والمعروضة.
رابعا: تأثير أفعال العباد على السعر
ترتفع أسعار السلع والخدمات في حالتين مرتبطتين بأفعال العباد الإختيارية. أولهما: زيادة الكمية المطلوبة من السلع والخدمات وهذه الزيادة في الطلب قد تكون متولدة عن فعل بشري كزيادة النهم أو الإستهلاك أو تغير العادات أو حالات الحرب. ثانيهما: إنخفاض الكمية المعروضة من السلع والخدمات وهذا الإنخفاض في العرض قد يكون متولدا عن فعل بشري كزيادة جشع التجار والإحتكار وغير ذلك من العوامل. إن زاد الطلب على سلعة أو خدمة ما وبقي العرض ثابتا أو انخفض العرض على سلعة أو خدمة ما وبقي الطلب ثابتا يرتفع السعر في الحالتين والعكس صحيح: ينخفض السعر.
خامسا: تأثير أفعال الله على السعر
إن كانت الزيادة في الطلب متولدة عن أمراض أو أوبئة ألمت بالمجتمع أو غير ذلك من العوامل الطبيعية يرتفع السعر إرتفاعا متولدا عن أفعال الله. وإن كان الإنخفاض في العرض متولدا عن جفاف أو قحط أو زلازل أو براكين أو حرائق أو كوارث طبيعية يرتفع السعر إرتفاعا متولدا عن أفعال الله كذلك.
الخلاصة
كما قد يكون الرخص والغلاء في أسعار الأشياء متولدا عن الأفعال الإختيارية التكليفية للعباد فإن الرخص والغلاء في أسعار الأشياء يكون كذلك متولدا عن أفعال الله تعالى. ولعلاج الغلاء في الحالة الأولى تلعب القوانين دورا كبيرا كالتشريعات المجرمة للإحتكار مثلا إضافة لإفساح المجال لآليات السوق وفي الحالة الثانية تلعب برامج مكافحة آثار الكوارث الطبيعية دورا مؤثرا كالبرنامج الذي وضعه يوسف عليه السلام مثلا:
(قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (يوسف : 47 – 49).
تحياتي
الحسيني
Published in: on أغسطس 6, 2008 at 6:38 م  اكتب تعليقُا  

إبليس وعزازيل وعزرائيل

(1) هل (إبليس) و (عزازيل) إسمان لمخلوق واحد أم لمخلوقين مختلفين؟
(2) من هو (عزرائيل) وما الفرق بينه وبين (عزازيل)؟

(3) ما هو الأصل اللغوي لكلمتي (عزازيل) و (عزرائيل)؟
من وجهة النظر الإسلامية أقول ما يلي:
[1] (إبليس) هو إسم علم يطلق على الشيطان واختلفوا هل هو جامد أم مشتق وما أراه هو أنه ليس جامدا وانما مشتق. والأصل اللغوي للإسم هو الجذر (بلس) والذي يعني اليأس من الخير وهو جذر مستخدم في كثير من آي القرآن مثل قوله تعالى:
(فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) (الأنعام : 44)
وقد ورد لفظ إبليس في القرآن الكريم في أكثر من موضع منها قوله تعالى:
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة : 34)
[2] لفظ (عزازيل) لم يرد في القرآن الكريم وإنما ورد كأثر مروي عن ابن عباس: روى الطبري وابن أبي الدنيا عن ابن عباس قال:
(كان اسم إبليس حيث كان مع الملائكة عزازيل ثم إبليس بعد).
ولعل هذا الأثر من الإسرائيليات إذ يقال أن كلمة (عزازيل) أصلها عبري قديم ولعل أقرب إشتقاق عربي لها هو الجذر (عزل) قتكون الإشارة هنا لكونه معزول عن رحمة الله فلا تصله. فهل لها نفس المعنى الإشتقاقي العبري؟ ربما نعم إذ لا علم لي بالعبرية ولكنه مجرد فرض كون أن العربية والعبرية تنتميان لنفس الشجرة اللغوية وهي شجرة اللغات السامية فتتشابه لذلك مشتقاتهما في بعض الأحيان.
[3] لم يرد لفظ (عزرائيل) كذلك في القرآن الكريم، وقد ذكر السندي ـ في حاشيته على سنن النسائي ـ ما يلي: ورد عن وهب بن منبه أن اسمه عزرائيل رواه أبو الشيخ في العظمة ذكره السيوطي. ولعل ذلك من الإسرائليات أيضا فوهب بن منبه كان يهوديا روي أنه أسلم. إضافة لهذا أخرج المتقي الهندي في كنز العمال ـ من مظان الضعيف والشديد الضعف ـ أن رسول الله  صلوات الله عليه قال: … حدثني جبرئيل فقال: … حدثني ميكائيل وقال: … حدثني عزرائيل وقال: أشهد بالله وأشهد لله أن الله تعالى قال: (مدمن خمر كعابد وثن). وأخرج إبن حجر في “الأجوبة” ما يلي: سأل إبراهيم عليه السلام ملك الموت واسمه عزرائيل ، وله عينان : عين في وجهه ، وعين في قفاه ، فقال : يا ملك الموت ، ما تصنع إذا كانت نفس بالمشرق ونفس بالمغرب ، ووقع الوباء بأرض ، أو التقى الزحفان كيف تصنع ؟ قال : أدعو الأرواح بإذن الله ، فتكون بين أصبعي هاتين ، قال : ورحيت له الأرض فيركب مثل الطست يتناول منها حيث شاء. قال الألباني عن إسناد تلك الرواية: معضل. أقول: هذا من الإسرائيليات كذلك. المهم أن ذلك الإسم ـ في التراث الشعبي ـ علم على الملك الموكل بقبض الأرواح، ولم يطلق عليه القرآن سوى وصف “ملك الموت”:
(قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (السجدة : 11)
تحياتي
الحسيني






في أصول الفقه

 

 




 

 

http://alhousseiny.wordpress.com/ 



Aucun commentaire: