samedi 7 janvier 2017

دعـوة للتصحيــــح ليس كل ما في الصحيحــين صحيــــح

دعـوة للتصحيــــح
ليس كل ما في الصحيحــين صحيــــح

الفهــــــــرس
لمقدمـــــــــــــة             

ملحق (2) : إذا كنت تنكر السنة ، فهل تستطيع أن تخبرنا من خلال القرآن ، ما عدد ركعات الظهر أو العصر.

ملحق (3 ) : بين العقل والنقل

ملحق (4 ) : ما معنى مسّ الشيطان للإنسان ، وما حقيقته ؟

ملحق ( 5 ) : هل يتمثل الجن على صورة الإنسان أو الحيوان !؟؟

ملحق ( 6 ): صحيحا البخاري ومسلم ليسا هما السنة

ملحق ( 7 ) : حديث زواج النبي بعائشة وهي ابنة تسع سنين: مكذوبٌ، مكذوبٌ، مكذوب.

ملحق ( 8 ) : بــــــــراءة

ملحق ( 9 ) :امصص ببظر اللات

ملحق ( 10 ) : سنة رسول الله وسنة الفقهاء والمحدثين

                     

 

 

بسم الله الرحمـــن الرحيم
المقدمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
اتفق علماء السنة والجماعة على أن صحيحي البخاري ومسلم أصح كتابين بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، وقد تلقّتها الأمة بالقبول، حتى قال الحافظ أبو نصر السجزي: "أجمع الفقهاء وغيرهم أن رَجلا لو حَلف بالطلاق أن جميع البخاري صحيح قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك فيه، لم يَحْنَث" (مقدمة ابن الصلاح : صفحة 38 )
وقال الجويني إمام الحرمين: " لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في الصحيحين مما حَكَما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لَمَا ألزمته الطلاق، لإجماع المسلمين على صِحَّته" ( صيانة صحيح مسلم ـ أبو عمرو بن الصلاح ـ صفحة 86 )
لنسمع رد عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء ورئيس هيئة كبار العلماء في السعودية على من يقول: أن أحاديث صحيح مسلم لم يجمع على صحتها وليس كلها متلقات بالقبول.
 السائل: "أحسن الله إليكم، هذا سائل من مملكة البحرين يقول: وصلنا كتاب من احد المتصدرين للعلم يقول: أن أحاديث صحيح مسلم لم يجمع على صحتها، وليس كلها متلقات بالقبول، فما حكم هذا القول؟ وكيف نتعامل مع هذا الكتاب وصاحبه؟ هل نحذر منه؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا."
سماحة مفتي المملكة: "هذه مغالطة وأكاذيب, وهذا الكتاب الذي ألف بهذا الشكل كتاب ضلال, صحيح مسلم من الكتب الصحاح المعتمدة عند أهل الإسلام، والقادحون في ذلك قادح في السنة، فلا خير فيهم، نعم."
يقول بن حجر في شرحه
لحديث رجم القِرَدَةِ للقِرْدَةِ الزانية، الذي رواه البخاري: "عن عمرو بن ميمون: رأيت في الجاهلية قِرْدَةً اجتمع عليها قِرَدَةٌ قد زنت فرجموها فرجمتها معهم" ( البخاري : فضائل الصحابة ؛أيام الجاهلية.)
يقول ابن حجر : " قال الحميدي: "وَلَيْسَ فِي نُسَخ الْبُخَارِيّ أَصْلًا، فَلَعَلَّهُ مِنْ الْأَحَادِيث الْمُقْحَمَة فِي كِتَاب الْبُخَارِيّ" . وَأَمَّا تَجْوِيزه أَنْ يُزَاد فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهَذَا يُنَافِي مَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاء مِنْ الْحُكْم بِتَصْحِيحِ جَمِيع مَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيّ فِي كِتَابه , وَمِنْ اِتِّفَاقهمْ عَلَى أَنَّهُ مَقْطُوع بِنِسْبَتِهِ إِلَيْهِ , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ تَخَيُّل فَاسِد، يَتَطَرَّق مِنْهُ عَدَم الْوُثُوق بِجَمِيعِ مَا فِي الصَّحِيح, لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ فِي وَاحِد لَا بِعَيْنِهِ جَازَ فِي كُلّ فَرْد فَرْد, فَلَا يَبْقَى لِأَحَدٍ الْوُثُوق بِمَا فِي الْكِتَاب الْمَذْكُور, وَاتِّفَاق الْعُلَمَاء يُنَافِي ذَلِكَ" (فتح الباري : فضائل الصحابة ؛أيام الجاهلية.)
ولكن المطالع المتدبر لهذين الكتابين الكريمين، يجد فيهما من الأحاديث ما يجعله  يجيل النظر فيها، ويسائل  نفسه مرة تلو مرة: هل يمكن أن تكون كل هذه الأحاديث صحيحة؟ هل كل ما في الصحيحين صحيح؟ فقد يجد فيهما من الأحاديث ما يخالف كتاب الله سبحانه وتعالى، وقد يجد فيهما من الاختلاف ما لا يمكن دفعه، وقد يجد فيهما ما ينافي تنزيه الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به، وقد يجد فيهما ما يسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أمهات المؤمنين الطاهرات وإلى كبار الصحابة الكرام، إلى غير ذلك من الأمور التي سنبين بعضها في دراستنا هذه إن شاء الله سبحانه وتعالى، ليعيد القارئ السؤال على نفسه مرة تلو مرة، هل كل ما في الصحيحين صحيح ؟ هذا السؤال يجول في خاطر كثير ممن قرأ الصحيحين، وقد يهمس به كثير من المسلمين، ولكن لا يجرؤ أحد أن يرفع صوته بهذا السؤال، لأن التهم جاهزة: " جاهل ، فاسق ، قرآني ، زنديق ، كافر ، من أصحاب البدع والأهواء" والكثير الكثير من أمثال هذه التهم التي اعتاد المسلمون سماعها عند أي مخالفة في الرأي.
ويجب أن نتذكر أن الطعن في صحة حديث يخالف كتاب الله، ويؤذي الله ورسوله، ليس طعنا في السنة النبوية المطهرة، إن من يطعن في السنة النبوية، هو من يدافع عن صحة أحاديث تؤذي الله ورسوله وأمهات المؤمنين والصحابة الكرام، وتسيء إلى الدين الإسلامي الحنيف .
إن التقدم الهائل فيما يسمى بتكنولوجيا المعلومات، وانتشار ظاهرة الإنترنت جعل من أمثال هذه الأحاديث مرتعا خصبا للطعن في مذهب أهل السنة، والطعن في الصحابة الكرام  وأمهات المؤمنين، معتمدين على أن كل ما في الصحيحين صحيح، وإذا أردت مثالا على ذلك، فما عليك إلا أن تذهب إلى موقع جوجل وتبحث عن كلمتي: عائشة سحر، وستجد عشرات المواقع التي تتخذ من حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم موطئ قدم للهجوم على هذا الدين، والنيل من نبيه الكريم ومن أمهات المؤمنين الطاهرات، سواء من قبل خصوم السنة كالشيعة، أو أعداء الإسلام عامة من النصارى واليهود، وتكون حجة أحدنا واهية إذا أردنا أن ندفع ذلك، وكيف ندفع والحديث متفق عليه في الصحيحين؟ أوليس كل ما في الصحيحين صحيح ؟
مع أن حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم، رواه هشام بن عروة عن أبيه، وهشام هذا متهم بالتدليس " والتدليس هو أخو الكذب" كما قاله الشافعي رحمه الله، ومن يدلس ليوهم الناس بأنه سمع الحديث من أبيه ولم يسمعه من أبيه؛ ليس بمؤتمن على نقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبدلا من أن ندافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وندفع عنه تهمة السحر، فلندافع عن هشام بن عروة، أوليس قد روى له الشيخان!؟ أوليس من روى له الشيخان فقد اجتاز القنطرة !؟
الصحيحان يحويان آلاف الأحاديث التي لا يستطيع أحد أن يطعن في صحتها، ولكنهما يحويان أيضا عشرات الأحاديث التي يسهل الطعن بنسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لمخالفتها كتاب الله سبحانه وتعالى، أو لمخالفة بعضها بعضا، وبعض هذه الأحاديث يؤذي الله سبحانه وتعالى،ويؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، وأمهات المؤمنين الطاهرات المطهرات، ويسيء إلى الصحابة الكرام، وإلى دين الله الإسلام .
إذا أردنا أن نحافظ على آلاف الأحاديث المطهرة في الصحيحين؛ لا بد لنا أن ننقي الصحيحين من عشرات الأحاديث التي يمكن الطعن في صحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بد لنا أن نحاكم متن الحديث، ولا نكتفي بمحاكمة سند الحديث، فإن خالف الحديث كتاب الله سبحانه وتعالى، نرده دون النظر إلى راوي الحديث.
لابد من وقفة مع النفس، والاعتراف بأن ليس كل ما في الصحيحين صحيح؛ لتكون الخطوة الأولى نحو التصحيح والتجديد في علم الحديث؛ لنفتح الباب واسعا أمام علماء الأمة حاضرا ومستقبلا، للبحث في كتب الأحاديث عامة، والصحيحين خاصة، لتنقية أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كل ما شابها من الأحاديث التي تسيء إلى هذا الدين عامة، وإلى مذهب أهل السنة خاصة.
وسنناقش في دراستنا هذه إن شاء الله سبحانه وتعالى، مسالة هل كل ما الصحيحين صحيح من عدة أبواب .


أولا : نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تدوين الحديث:

"عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتبوا عني ،ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" ( مسلم : كتاب الزهد والرقائق ؛التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم .)
هذا هو الأصل في تدوين الحديث ،أما ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه أذن لبعض الصحابة بالتدوين ، فلا يعدو كونه استثناء جاء لحالات خاصة محددة ، وهو بأي حال لا يلغي الأصل في التدوين،وهو نهيه صلى الله عليه وسلم عن تدوين الحديث .
ومن أمثلة إذنه صلى الله عليه وسلم بكتابة الحديث ؛حديث اكتبوا لأبي شاة :
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أنه عام فتح مكة، قتلت خزاعة رجلاً من بني ليث، بقتيل لهم في الجاهلية، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلَّط عليهم رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ألا وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يختلى شوكها، ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما يودى وإما يقاد، فقام رجل من أهل اليمن، يقال له أبو شاه، فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه"( البخاري : الديات ؛ من قتل له قتيل فهو بخير النظرين)
روى  عبد الرزاق بن همام في مصنفه ،عن معمر عن الزهري عن عروة: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن ، فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأشاروا عليه أن يكتبها ، فطفق يستخير الله فيها شهرا ، ثم أصبح يوما وقد عزم الله [ له ] فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن ، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا ، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله ، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا( المصنف لعبد الرزاق: ج 11 ،ص 257)
وفيه ايضا : حدّث عن معمر عن الزهري قال كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء ، فرأينا ألا نمنعه أحدا من المسلمين (المصنف لعبد الرزاق: ج 11، ص 258)
ثانيا : بدايات تدوين الحديث :
ذكر البخاري في صحيحه ج 1 ص 33 باب كيف يقبض العلم ، قال "وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبى بكر بن حزم (توفي سنة 120 هـ) : انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه ، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، ولا يقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وليفشوا العلم وليجلسوا حتى يعلم من لا يعلم ، فان العلم لا يهلك حتى يكون سرا".( صحيح البخاري : كتاب العلم ن باب كبف يقبض العلم )
يقول  ابن حجر: قوله : ( فاكتبه ) يستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي . وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ فلما خاف عمر بن عبد العزيزوكان على رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء رأى أن في تدوينه ضبطا له وإبقاء .(فتح الباري :كتاب العلم ؛ باب كيفي قبض العلم )
يقول  الذهبي في تاريخ الإسلام ص 1034 ، أحداث سنة (143 هـ) ثلاث وأربعين ومائة قال:
وفي هذا العصر شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير ، فصنف ابن جريج التصانيف بمكة ، وصنف سعيد بن أبي عروبة ، وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة ، وصنف الأوزاعي بالشام ، وصنف مالك الموطأ بالمدينة ، وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف معمر باليمن ، وصنف أبو حنيفة وغيره الفقه والرأي بالكوفة ، وصنف سفيان الثوري كتاب الجامع ، ثم بعد يسير صنف هشيم كتبه ، وصنف الليث بمصر وابن لهيعة ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهبوكثر تدوين العلم وتبويبه ، ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناسوقبل هذا العصر كان سائر الأئمة يتكلمون عن حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة ،فسهل ولله الحمد تناول العلم ، وأخذ الحفظ يتناقص ، فلله الأمر كله.( تاريخ الإسلام للذهبي، ص 1034 ، أحداث سنة 143 هـ)
يقول ابن حجر في مقدمة فتح الباري: "الفصل الاول  في بيان السبب الباعث لأبي عبد الله البخاري على تصنيف جامعه الصحيح وبيان حسن نيته في ذلك أعلم علمني الله وإياك أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لأمرين أحدهما إنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم وثانيهما لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكرى الاقدار فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح 1 وسعيد بن أبي عروبة 2 وغيرهما وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام فصنف الإمام مالك الموطأ وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة وأبو عمر وعبد الرحمن بن عمر والأوزاعي بالشام وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وذلك على رأس المائتين فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك اثرهم فقل إمام من الحفاظ الا وصنف حديثه على المسانيد كالامام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم من النبلاء ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة فلما رأي البخاري رضي الله عنه هذه التصانيف ورواها وانتشق رياها واستجلى محياها وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين وقوى عزمه على ذلك ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه وذلك فيما أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي أخبرنا (مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري:الفصل الأول ،صفحة 4 )
ومعلوم أن  البخاري الذي ولد سنة 194 للهجرة وتوفي رحمه الله سنة 256 للهجرة،
 ويذكر كثيرون أنه بدأ العمل بكتاب الصحيح وعمره ثماني عشرة سنة، وهذا خطأ وإنما الذي بدأ بكتابته في هذه العمر كتاب التاريخ وليس كتاب الصحيح، حيث يقول رحمه الله: "في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله في الليالي المقمرة وقل اسم في التاريخ إلا وله قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب" (مقدمة فتح الباري)
إذا : البخار ي رحمه الله بدأ كتابه بعد عام 214 هجرية، وانتهى على الأرجح وعمره ثمان وثلاثين سنة، أي تقريباً في سنة 232 هـ
وأما مسلم الذي ولد سنة  204 للهجرة وتوفي رحمه الله سنة 261 هـ، وكان عمره حين بدأ عمله في كتابه  تسعًا وعشرين سنة، واستغرق منه خمس عشرة سنة حتى أتمه سنة (250 هـ = 864م)
وكان جل حديثهما مشافهة من ذاكرة الرواة ، دون الرجوع إلى المدون من الحديث، حيث يبدأ أحدهما الحديث عادة بقوله: حدثني فلان، أو حدثنا فلان ، ولو كان الحديث من الأحاديث المدونة في الكتب لبدئ الحديث بـِ ( قرأت ،أو قرأ علي فلان ) وهذا النوع ظاهر في بعض أحاديث
يحيى بن يحيى التميمي عن مالك حيث يبدأ الحديث بقوله قرأت على مالك  .
وهل يمكن لحديث أن يبقى يتداول مشافهة على الألسن مدة تقارب المائتين وخمسين سنة دون أن يناله التبديل والتحريف والزيادة والنقصان ! ؟
إذا البخاري ومسلم كتبا صحيحيهما بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائتين وعشر سنين إلى مائتين وخمسين سنة تقريبا، فإذا علمنا أن متوسط عدد الرواة عند البخاري في السند الواحد خمسة رواه تقريبا، يكون بين كل راو والذي يليه أكثر من أربعين سنة في المتوسط ، بمعنى أن الصحابي سمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ثم رواه للتابعي بعد أربعين سنة، وكذلك التابعي سمعه من الصحابي ثم رواه لتابع التابعي بعد أربعين سنة، وكذلك تابع التابعي سمعه من التابعي ثم رواه لمن بعده بعد أربعين سنة، إلى أن وصل الحديث إلى مسلم والبخاري بعد مائتين وثلاثين سنة في المتوسط .
وأعجب من ذلك، عندما يكون عدد الرواة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والبخاري ثلاثة رواة فقط ، وهو ما يسمي بالعوالي، وهذا يعني أن كل راو من هؤلاء الرواة سمع الحديث ثم نقله إلى من بعده من الرواة بعد أكثر من سبعين سنة من سماعه الحديث، أي أنه إذا كان عمر الصحابي عند سماعه الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فقد نقله إلى التابعي وعمره تسعين سنة، وكذلك التابعي إذا كان عمره عند سماعه الحديث عشرين سنة، فقد نقله لتابع التابعي وعمره تسعين سنة، وكذلك تابع التابعي إذا كان عمره عند سماعه الحديث عشرين سنة، فقد نقله للبخاري وعمره تسعين سنة .
ومن أمثلة ذلك ما يرويه البخاري عن
المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسلمة بن الأكوع توفي سنة أربع وسبعين و كان من أبناء التسعين ، و يزيد بن أبي عبيد توفي سنة سبع وأربعين ومائة، أي بعد وفاة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بثلاث وسبعين سنة، والمكي بن إبراهيم ولد في سنة ست وعشرين ومائة،  و مات سنة أربع عشرة ومائتين، وكان عمره عند وفاته ثمان وثمانين سنة، وكان عمر البخاري عند وفاة المكي بن إبراهيم ثماني عشرة سنة ." سير أعلام النبلاء للذهبي "
وفي هذه الفترات الزمنية الطويلة، يتعرض الحديث لكثير من الأمور، التي تلزمنا تمحيص الأحاديث التي وصلتنا،والتثبت منها، وعرضها على كتاب الله سبحانه وتعالى، فإن خالف الحديث كتاب الله سبحانه وتعالى، يردّ الحديث دون النظر إلى راويه، ولا نحاول التوفيق بين الأحاديث وكتاب الله، وتكون النتيجة في كثير من الأحيان صرف الآية الكريمة عن مضمونها لتوافق الحديث، دون الأخذ بعين الاعتبار احتمالية كون الحديث موضوعا،كونه حديث آحاد، ولمخالفته كتاب الله سبحانه وتعالى: " أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا۟ فِيهِ ٱخْتِلَٰفًۭا كَثِيرًۭا" ( النساء :82 )
ثالثا : أهم ما قد يتعرض له الحديث في الفترات الزمنية الطويلة قبل تدوين الحديث


 وهذا النسيان كان يعرض للصحابة وهم حديثو عهد برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن بعد عنهم العهد برسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أمثلة ذلك :
1. "عن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه، فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: ما أسرع ما نسي الناس، ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد" ( مسلم : الجنائز ؛ الصلاة على الجنازة في المسجد)
2. "عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يورد ممرض على مصح، قال أبو سلمة: كان أبو هريرة يحدثهما كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى، وأقام على أن لا يورد ممرض على مصح، قال: فقال الحارث بن أبي ذباب - وهو بن عم أبي هريرة-: قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثا آخر، قد سكت عنه، كنت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى، فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك وقال: لا يورد ممرض على مصح، فماراه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة، فرطن بالحبشية فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال: لا، قال أبو هريرة: قلت: أبيت، قال أبو سلمة: ولعمري لقد كان أبو هريرة يحدثنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى، فلا أدري أنسى أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر" ( مسلم : السلام ؛ لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)
3. "عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا عدوى ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء؛ فيخالطها البعير الأجرب فيجربها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول. وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة بعد يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يوردن ممرض على مصح، وأنكر أبو هريرة الحديث الأول، قلنا: ألم تحدث أنه لا عدوى، فرطن بالحبشية، قال أبو سلمة: فما رأيته نسي حديثا غيره" ( البخاري : الطب ؛لا هامة)
4. "عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يهودية يبكى عليها فقال: إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها" .(مسلم : الجنائز؛ الميت يعذب ببكاء أهله عليه)
5.  "عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله لبى حين أفاض من جمع، فقيل: أعرابي هذا؟ فقال عبد الله أنسي الناس أم ضلوا، سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول: في هذا المكان لبيك اللهم لبيك" (مسلم :الحج ؛ استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة)
6. "عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد مولى بن عباس، أنه سمعه يخبر عن بن عباس قال: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير، قال عمرو: فذكرت ذلك لأبي معبد فأنكره، وقال: لم أحدثك بهذا، قال عمرو، وقد أخبرنيه قبل ذلك " ( مسلم : كتاب المساجد ومواضع الصلاة ؛ الذكر بعد الصلاة)
7.  "عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة، ثم قال له: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعا؛ إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا أماه، يا أم المؤمنين؛ ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن، قالت: ما يقول؟ قال: يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب، قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط" ( مسلم : الحج  ؛ بيان عدد عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمانهن)
8. "عن أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، قال سفيان: الحديث ثلاث؛ زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي"  (البخاري : الدعوات ؛ التعوذ من جهد البلاء)
9. "عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا، أو سبعمائة ألف، لا يدري أبو حازم أيهما قال، متماسكون آخذ بعضهم بعضا، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر" (البخاري : الرقاق ؛ صفة الجنة والنار)

"تقول عائشة رضي الله عنها : لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إن الميت يعذب ببكاء أحد، ولكنه قال: إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا، وإن الله لهو " أضحك وأبكى " " ولا تزر وازرة وزر أخرى " قال أيوب: قال بن أبي مليكة: حدثني القاسم بن محمد قال: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطئ" ( مسلم : االجنائز؛الميت يعذب ببكاء أهله عليه)
إذا كان سمع عمر وابن عمر رضي الله عنهما يخطئ، وهما حديثا عهد بالنبوة، فكيف إذا كان: "حدثني فلان عن فلان عن فلان عن فلان عن..."

1.      "عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عائشة أنها قالت: وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها" ( مسلم : صلاة المسافرين وقصرها ؛لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها)
2.      "عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنَّهُ أَبْصَرَ فِي يَد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِق يَوْمًا وَاحِدًا, فَصَنَعَ النَّاس الْخَوَاتِم مِنْ وَرِق فَلَبِسُوهُ, فَطَرَحَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمه, فَطَرَحَ النَّاس خَوَاتِمهمْ" ( متفق عليه.البخاري : اللباس ؛‏خاتم الفضة / مسلم :كتاب اللباس والزينة ؛في طرح الخواتم)
‏قال النووي في شرحه للحديث: "قَالَ الْقَاضِي : قَالَ جَمِيع أَهْل الْحَدِيث : هَذَا وَهْم مِنْ اِبْن شِهَاب , فَوَهَمَ مِنْ خَاتَم الذَّهَب إِلَى خَاتَم الْوَرِق , وَالْمَعْرُوف مِنْ رِوَايَات أَنَس مِنْ غَيْر طَرِيق اِبْن شِهَاب اِتِّخَاذه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَم فِضَّة, وَلَمْ يَطْرَحهُ , وَإِنَّمَا طَرَحَ خَاتَم الذَّهَب كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي بَاقِي الْأَحَادِيث "(مسلم بشرح النووي : كتاب اللباس والزينة ؛ في طرح الخواتم)
فهل نقول :هذا حديث صحيح ، رواه البخاري ؟

روى مسلم رحمه الله حديثا يقول أحد رجاله عمن روى عنه: " وقد كان كبر وما كنت أثق بحديثه"
فهل يمكن الجزم بصحة هذا الحديث ؛ لأنه رواه مسلم ؟
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا بن علية، ح وحدثني علي بن حجر، حدثنا إسماعيل، عن أبي ريحانة، عن سفينة، قال أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتطهر بالمد، وفي حديث بن حجر أو قال ويطهره المد، وقال: وقد كان كبر وما كنت أثق بحديثه" ( مسلم : الحيض ؛ القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد)

ذكر فضيلة الشيخ العلامة محمد رشيد رضا  اثني عشر سببا لوضع الحديث، نوجزها فيما يلي :
1.                      وهو أهمها: ما وضعه الزنادقة اللابسون لباس الإسلام غشاً ونفاقاً، وقصدهم بذلك: إفساد الدين، وإيقاع الخلاف والافتراق في المسلمين.
 قال حماد بن زيد: وضعت الزنادقة أربعة آلاف حديث، وهذا بحسب ما وصل إليه علمه واختباره في كشف كذبها، وإلا فقد نقل المحدثون أن زنديقاً واحداً وضع هذا المقدار، وقالوا: لما أخذ ابن أبي العوجاء ليضرب عنقه قال: "وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحل الحرام"
 ولقد أثر وضعهم في الإسلام أقبح التأثير ففرق بين المسلمين شيعاً ومذاهب مع أن الإسلام هو الحق الذي لا يقبل الخلاف ولا التعدد.
2.                      الوضع لنصر المذاهب في أصول الدين وفروعه: فإن المسلمين لما تفرقوا شيعاً ومذاهب جعل كل فريق يستفرغ ما في وسعه لإثبات مذهبه، ولا سيما بعد ما فتح عليهم باب المجادلة والمناظرة في المذاهب . وإليك الآن مثالا واحدا على هذا النوع،ً وهو: "يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي"
3.                      الغفلة عن الحفظ، اشتغالاً عنه بالزهد والانقطاع للعبادة، وهؤلاء العباد والصوفية يحسنون الظن بالناس ويعدون الجرح من الغيبة المحرمة، ولذلك راجت عليهم الأكاذيب، وحدثوا عن غير معرفة ولا بصيرة.
4.                      قصد التقرب من الملوك والسلاطين والأمراء.
5.                      الخطأ والسهو: وقع هذا لقوم، ومنهم من ظهر له الصواب ولم يرجع إليه أنفة واستنكافاً أن ينسب إليهم الغلط.
6.                      التحديث عن الحفظ ممن كانت له كتب يعتمد عليها فلم يتقن الحفظ، فضاعت الكتب فوقع في الغلط.
7.                      اختلاط العقل في أواخر العمر.
8.                      الظهور على الخصم في المناظرة، لا سيما إذا كانت في الملأ.
9.                      إرضاء الناس وابتغاء القبول عندهم واستمالتهم لحضور مجالسهم الوعظية وتوسيع دائرة حلقاتهم .
10.              شدة الترهيب وزيادة الترغيب لأجل هداية الناس، ولعل الذي سهل على واضعي هذا النوع من الأحاديث المكذوبة؛ هو قول العلماء أن الأحاديث الضعيفة يعمل بها في فضائل الأعمال.
11.              إجازة وضع الأسانيد للكلام الحسن ليجعل حديثاً.
12.               تنفيق المدعي للعلم لنفسه على من يتكلم عنده إذا عرض البحث عن حديث ووقع السؤال عن كونه صحيحاً أو ضعيفاً أو موضوعا، فيقول من في دينه رقة وفي علمه دغل: هذا الحديث خرجه فلان وصححه فلان، ويسند هذا إلى كتب يندر وجودها؛ ليوهم أنه مطلع على ما لم يطلع عليه غيره، أو يخلق للحديث إسناداً جديداً.
كيفية وضع الحديث:
وهذا التصرف قد يكون في المتن، وقد يكون في السند:
ويكون في المتن بإحدى طريقتين، هما:
1-                    أن يضع الراوي متناً من عنده، وذلك بأن يؤلف ويصوغ من كلامه عبارات الحديث الذي يروم وضعه.
2-                    أن يعمد الراوي إلى مأثورة من كلام أحد الحكماء أو العلماء أو غيرهما، وينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ويكون في السند بإحدى طريقتين أيضاً، هما:
1-                    أن يختلق الراوي سنداً لحديثه الموضوع، وذلك بأن يضع أسماء لرواة لا واقع لهم.
2-                      أن يعمد الراوي إلى سند من الأسانيد، ويحمّله متن حديثه.

وقد أفرد بن حجر- رحمه الله- الفصل التاسع  من كتابه:  "هدي الساري مقدمة فتح الباري" لذكر أسماء من طعن فيه من رجال "صحيح البخاري " مرتبا لهم على حروف المعجم والجواب عن الاعتراضات موضعا موضعا ، وذكر في هذا الفصل أكثر من ثلاثمائة من رجال البخاري ممن طعن فيهم علماء الحديث وضعفوهم. (هدي الساري مقدمة صحيح البخاري : الفصل التاسع )
وإن كان ابن حجر قد دافع عن هؤلاء  الرجال ليدفع التهم عنهم ، فإنه دفاع المحامي دون وجود قاض ولا وكيل نيابة "المدعي العام "
هؤلاء الذين طعن فيهم علماء الحديث وضعفوهم ،أضف إليهم المدلسين ، والذين ذكر ابن حجر ان ابن مندة عد البخاري نفسه منهم. يقول ابن حجر :
" 23ــ (ت س) محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، الإمام، وصفه بذلك أبو عبد الله ابن مَنْدَه في كلامٍ له،فقال فيه:"أخرج البخاري: قال فلان وقال لنا فلان، وهو تدليس" (تعريف أهل التقديس ،بمراتب الموصوفين بالتدليس، لابن حجر ، المرتبة الأولى ، رقم23)
الباب الثاني : تثبت الصحابة من رواية الحديث

قبل بيان مذهب الصحابة في التثبت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذكر حديثا يتثبت به رسول الله عليه وسلم من خبر الآحاد ، وهو حديث ذي اليدين  ، والتثبت هنا لا يمكن اعتباره طعنا في عدالة ذي اليدين رضي الله عنه .
"عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين أخريين، ثم سلم، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع، ثم كبر فسجد مثل سجوده، ثم رفع" (متفق عليه. البخاري :الجماعة والإمامة ؛هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس / مسلم : المساجد ومواضع الصلاة ؛ السهو في الصلاة والسجود له )
وقد طلب الله سبحانه وتعالى من المؤمنين التثبت والتبين من أخبار الآحاد، التي بمكن أن تلحق الأذى بالمسلمين.
يقول الله سبحانه وتعالى : "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌۢ بِنَبَإٍۢ فَتَبَيَّنُوٓا۟ أَن تُصِيبُوا۟ قَوْمًۢا بِجَهَٰلَةٍۢ فَتُصْبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِين" (الحجرات :6)
يقول القرطبي في تفسيره للآية الكريمة :" قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا قيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وسبب ذلك ما رواه سعيد عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث الوليد بن عقبة مصدقا إلى بني المصطلق، فلما أبصروه أقبلوا نحوه ،
فهابهم - في رواية: لإحنة كانت بينه وبينهم - ،. فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق خالد حتى أتاهم ليلا، فبعث عيونه فلما جاؤوا أخبروا خالدا أنهم متمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه، فعاد إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فنزلت هذه الآية، فكان يقول نبي الله صلى الله عليه وسلم:
 التأني من الله والعجلة من الشيطان" (تفسير القرطبي : الحجرات ؛ الآية 6)
وحتى لا يقول قائل: إن من جاء بالنبأ في سورة الحجرات، فاسق، ورجال الحديث ليسوا متهمين بالفسق ، فلا يجب التثبت من خبرهم؛ أود أن أذكّر أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط  لم يكن متهما بالفسق ساعة أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق، ولم يكن متهما بالفسق ساعة رجع وجاء بالنبأ، وإلا لما كان أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً، ولكن ثبت فسقه بعدما ثبت كذبه.
فالتثبت من خبر الآحاد فرض وسنة ، فرض بنص الآية التي في الحجرات ، وسنة كما في حديث ذي اليدين .

مذهب كبار الصحابة رضي لله عنهم في رواية الحديث :


كان كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتورعون عن رواية الحديث، خشية الوقوع في الإثم .
"عن السائب بن يزيد قال: صحبت عبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والمقداد وسعدا رضى الله تعالى عنهم، فما سمعت أحدا منهم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد"  (البخاري: المغازي ؛إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما )
ثانيا : تشدد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قبول رواية الآحاد .

1.    "عن أبي سعيد الخدري قال:كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً، فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع). فقال: والله لتقيمن عليه بينة، أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك." (متفق عليه. البخاري : البيوع ؛الخروج في التجارة / مسلم :الآداب ؛ الاستئذان)
2.    "عن هشام،عن أبيه، أن عمر نشد الناس من سمع النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السقط، فقال المغيرة: أنا سمعته قضى فيه بغرة عبد أو أمة، قال: ائت بمن يشهد معك على هذا، فقال محمد بن مسلمة: أنا أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا) (البخاري : الديات ؛ جنين المرأة)
3.    وفي رواية أخرى عند البخاري: "عن المغيرة بن شعبة قال: سأل عمر بن الخطاب عن إملاص المرأة؛ هي التي يضرب بطنها فتلقي جنينا فقال: أيكم سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيئا، فقلت: أنا، فقال: ما هو؟ قلت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فيه غرة عبد أو أمة، فقال: لا تبرح حتى تجيئني بالمخرج فيما قلت، فخرجت، فوجدت محمد بن مسلمة، فجئت به، فشهد معي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فيه غرة عبد أو أمة" (البخاري : الديات ؛ جنين المرأة)
4.    "عن شقيق قال: كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، أرأيت لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا، كيف يصنع بالصلاة؟ فقال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا، فقال أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد، فقال أبو موسى: لعبد الله، ألم تسمع قول عمار: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه، فقال عبد الله: أو لم تر عمر لم يقنع بقول عمار"(متفق عليه. البخاري: التيمم؛ التيمم ضربة/ مسلم: الحيض؛ التيمم)

 ثالثا : منهج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في  عرض الأحاديث على كتاب الله سبحانه وتعالى .

كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تعرض الأحاديث على كتاب الله سبحانه وتعالى ، فإن خالف الحديث كتاب الله سبحانه وتعالى ترد الحديث، حتى لو كان راوي الحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا تحاول التوفيق بين الحديث والآية الكريمة حتى يذهب مضمون الآية كما فعل المتأخرون .
1.    "عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله: ( ولقد رآه بالأفق المبين ) ( ولقد رآه نزلة أخرى) فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض، فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول:( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)؟ أو لم تسمع أن الله يقول: ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم)؟ قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول:( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)" (مسلم : الإيمان ؛ معنى قول الله ولقد رآه نزلة أخرى...)
 وفي رواية البخاري: "عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، وهو يقول: "لا تدركه الأبصار" ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: (لا يعلم الغيب إلا الله)" (البخاري :التوحيد ؛ قول الله تعالى : عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ...)
2.    "عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثا، ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال: يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف يسمعوا، وأنى يجيبوا، وقد جيفوا؟ قال: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا، ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر" (مسلم : الجنة وصفة نعيمها وأهلها ؛ عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه ...)

وترد عائشة رضي الله عنها هذا الحديث؛ لمخالفته كتاب الله سبحانه وتعالى:
"عن هشام عن أبيه قال: ذكر عند عائشة أن بن عمر يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه فقالت: وهل إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن، وذاك مثل قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب يوم بدر وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم ما قال إنهم ليسمعون ما أقول) وقد وهل إنما قال: إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ثم قرأت: ( إنك لا تسمع الموتى ) الآية ( وما أنت بمسمع من في القبور) يقول حين تبوؤا مقاعدهم من النار" (متفق عليه. البخاري : المغازي ؛ قتل أبي جهل /  مسلم : الجنائز ؛ الميت يعذب ببكاء أهله عليه)

3.     "عن عبد الله بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة، قال: فجئنا لنشهدها، قال: فحضرها بن عمر وابن عباس، قال: وإني لجالس بينهما، قال: جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي، فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان وهو مواجهه: ألا تنهى عن البكاء؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه .
فقال بن عباس: قد كان عمر يقول بعض ذلك، ثم حدث، فقال: صدرت مع عمر من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل شجرة فقال، اذهب فانظر من هؤلاء الركب، فنظرت فإذا هو صهيب، قال: فأخبرته، فقال: ادعه لي، قال: فرجعت إلى صهيب فقلت: ارتحل فالحق أمير المؤمنين، فلما أن أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول: وا أخاه، وا صاحباه، فقال عمر: يا صهيب، أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه .
فقال بن عباس: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر، لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد، ولكن قال: إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه، قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن " ولا تزر وازرة وزر أخرى " قال: وقال بن عباس عند ذلك: والله ( أضحك وأبكى ) قال بن أبي مليكة: فوالله ما قال بن عمر من شيء" (متفق عليه .البخاري : الجنائز ؛ قول النبي قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه /  مسلم : الجنائز ؛ الميت يعذب ببكاء أهله عليه)

وكما أن عائشة رضي الله عنها ترد الحديث الذي يخالف كتاب الله سبحانه وتعالى، فإنها أيضا ترد الحديث الذي يخالف أمرا ثبت عندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تحاول التوفيق بينهما كما فعل المتأخرون .
"عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل" ( مسلم : الصلاة ؛ قدر ما يستر المصلي)

ولنسمع رد عائشة رضي الله عنها على هذا الحديث:
"عن عائشة ذكر عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب، والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأنسل من عند رجليه" (متفق عليه. البخاري : الصلاة ؛من قال لا يقطع الصلاة شيء متفق عليه – مسلم :الصلاة الاعتراض بين يدي المصلي)
رابعا : عثمان رضي الله عنه ينكر أحاديث يتحدثها ناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في عصر الصحابة .

"عن حمران مولى عثمان قال: أتيت عثمان بن عفان بوضوء فتوضأ ثم قال: إن ناسا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث لا أدري ما هي، إلا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة. وفي رواية بن عبدة أتيت عثمان فتوضأ" (مسلم :الطهارة ؛ فضل الوضوء والصلاة عقبه)



الباب الثالث:أحاديث الغيب تخالف كتاب الله سبحانه وتعالى وتلقتها الأمة بالقبول

لعل من أكثر الأحاديث مخالفة لكتاب الله سبحانه وتعالى، وتلقتها الأمة بالقبول ، الأحاديث التي تَنْسِبُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إخباره أصحابه بالغيب، بما كان  وبما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم .
1.    "عن عمرو بن أخطب قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا" ( مسلم: الفتن وأشراط الساعة ؛إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون إلى قيام الساعة )
2.    "عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وانه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه" (متفق عليه. البخاري : القدر ؛ وكان أمر الله قدرا مقدورا/ مسلم :الفتن وأشراط الساعة ؛ إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون إلى قيام الساعة )
3.    "عن حذيفة أنه قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء إلا قد سألته، إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة" ( مسلم: الفتن وأشراط الساعة ؛ إخبار النبي بما يكون إلى قيام الساعة)
4.     "عن حذيفة بن اليمان: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلي في ذلك شيئا لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعد الفتن: منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا، ومنهن فتن كرياح الصيف، ومنها صغار، ومنها كبار، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري" (مسلم :الفتن وأشراط الساعة ؛ إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون إلى قيام الساعة)
5.    "عن طارق بن شهاب قال: سمعت عمر رضى الله تعالى عنه يقول: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه" (البخاري : القدر ؛ وكان أمر الله قدرا مقدورا)

يبين الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن من في السموات والأرض لا يعلمون الغيب إلا الله: "قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلَّا ٱللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ"  (النمل : 65)
ويطلب سبحانه وتعالى من نبيه صلى الله عليه وسلم، أن ينفي عن نفسه صلى الله عليه وسلم علم الغيب :
"قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ" (الأنعام : 50)
"قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًۭا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لَٱسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوٓءُ ۚ إِنْ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌۭ وَبَشِيرٌۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ" (الأعراف : 188)
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أسماء جميع الرسل" ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك"(غافر : 78 )
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أسماء المنافقين من الأعراب ومن أهل المدينة :"وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ الأَعۡرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنۡ أَهۡلِ الۡمَدِينَةِ مَرَدُوا۟ عَلَىٰ النِّفَاقِ لاَ تَعۡلَمُهُمۡ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ" (التوبة : 101)
ويخفى سبحانه وتعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، إن كان ما وعد الله سبحانه وتعالى الكفارَ سيتحقق في حال حياته أو بعد مماته صلى الله عليه وسلم.
يقول الله سبحانه وتعالى:"فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون، أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون" (الزخرف: 41 ،42)
ويقول سبحانه وتعالى : "وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ " ( يونس :46 )
ويقول سبحانه وتعالى : وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ" ( الرعد : 40)
وإذا كان  الله سبحانه وتعالى قد أخفى عن نبيه صلى الله عليه وسلم هذا الأمر كذلك ، فكيف يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بما كان  وبما هو كائن إلى
أن تقوم الساعة، عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم
وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم الغيب، أو إخبار الصحابة بما يكون في غد: "ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله يقول : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله" (مسلم : الإيمان ؛ معنى قول الله ولقد رآه نزلة أخرى...)
وينفي سبحانه وتعالى إطلاع المؤمنين على الغيب :"وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ" ( آل عمران: 179)
فهل ينفي الله سبحانه وتعالى إطلاعَ المؤمنين على الغيب، ويطلعهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم !؟
يقول سبحانه وتعالى في سورة الأنفال : "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ( الأنفال : 7 )
وعد الله سبحانه وتعالى النبي والمؤمنين قبل معركة بدر ،إحدى الطائفتين ( العير أوالنصر في الحرب) أنها لهم  ، واخفى سبحانه وتعالى عنهم  أي الطائفتين ستكون لهم ،ولعل الحكمة من ذلك أن المؤمنين لو علموا أن الحرب هي التي  ستكون لهم ، لما استعدوا لها الاستعداد الكافي لإحراز النصر ، لأن نتيجة الحرب ستكون محسومة مسبقا بوعد الله لهم .
هذا مثال من أمثلة غيب المستقبل القريب التي أخفاها الله سبحانه وتعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم وعن المؤمنين.
يقول سبحانه وتعالى في سورة التحريم : "وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ( التحريم :3 )
هذا مثال من أمثلة غيب الماضي التي أطلع الله سبحانه وتعالى عليها نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولنلاحظ استغراب أم المؤمنين عليها السلام إخبار النبي صلى الله عليه وسلم إياها بهذا الأمر الغيبي (قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا)
ولو كان من عادته صلى الله عليه وسلم إخبار الناس بالأمور الغيبية بغير ما هو في القرآن، لما استغربت هذا الأمر ولما سألت (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا)
وتأتي الأحاديث في الصحيحين، تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أصحابه بما كان  وبما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، أي علم الغيب الماضي والحاضر و المستقبل .  وماذا يبقي من علم الغيب بعد هذا!؟
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو لا يعلم الغيب - يخبر أصحابه بعلم الغيب، حتى غدا الصحابة يعلمون الغيب، غيب ما كان ، وغيب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة !؟
لو كان رسول الله صلى الله عليه يعلم الغيب ؛ لما مسه السوء ، ولما هزم المسلمون في غزوة أحد ، ولا كسرت رباعيته وشج رأسه يومئذ ، ولا أكل من السم الذي زعموا أنه مات صلى الله عليه وسلم من أثر ذلك السم، كما جاء في صحيح البخاري في حديث: " يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم" (البخاري: المغازي ؛ مرض النبي صلى الله عله وسلم ووفاته)
 و لو كان رسول الله صلى الله عليه يعلم الغيب ؛ لما سحره لبيد بن الأعصم على ما يزعمون.
" قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" (الأعراف : 188)
ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب لعلم المنافقين من الأعراب ومن أهل المدينة :
" وَمِمَّن
ۡ حَوۡلَكُم مِّنَ الأَعۡرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنۡ أَهۡلِ الۡمَدِينَةِ مَرَدُوا۟ عَلَىٰ النِّفَاقِ لاَ تَعۡلَمُهُمۡ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ" ( التوبة: 101)
وإذا كان صلى الله عليه وسلم يخبر أصحابه بالغيب، فلابد أن يكون ذلك وحي من الله سبحانه وتعالى  ، وقد نفى علي رضي الله عنه أن يكون عند الصحابة شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله أو فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة .
 "عن أبي جحيفة رضى الله تعالى عنه قال: قلت لعلي رضى الله تعالى عنه: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله، قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر"  (البخاري : الديات ؛ العاقلة)
ويحاول علماء الحديث أن يتأولوا قول الله سبحانه وتعالى: "عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً" (الجن : 26، 27) ليدافعوا عن صحة الأحاديث التي تَنْسِبُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إخباره الصحابة رضي الله عنهم بما كان وبما هو كائن إلى قيام الساعة.
نعم ؛ لقد أظهر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه الكريم،  على كثير من أمور الغيب التي حدثت في الزمن الماضي، لم يكن يعلمها صلى الله عليه وسلم هو ولا قومه، كخلق السماوات والأرض في ستة أيام، وقوله سبحانه وتعالى للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، وخلقه آدم عليه السلام من طين، وأمره للملائكة بالسجود لآدم عليه السلام وعصيان إبليس لعنه الله، وما كان من أمر الشجرة، ووسوسة الشيطان لآدم وزوجه للأكل من الشجرة وخروجهما من الجنة، وما كان من إرساله سبحانه وتعالى الرسل إلى الجن والإنس، وما كان من أمر الرسل صلوات الله عليهم مع أقوامهم، كل هذه الأمور من أنباء غيب الماضي التي أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عنها في كتابه الكريم.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة هود، بعد ذِكْرهِ سبحانه وتعالى، ما كان من أمر نوح عليه السلام مع قومه وابنه، وما كان من أمر الطوفان : "
 تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين" (هود : 49)
ويقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران بعد ذكره قصة مريم عليها السلام: " ذلك مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ" (آل عمران : 44)
ويقول سبحانه وتعالى في سورة يوسف عليه السلام، بعد أن قص على نبيه صلى الله عليه وسلم، ما كان من أمر يوسف وأبيه وإخوته: "ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ" (يوسف : 102)
وإن كان الله سبحانه وتعالى أطْلع نبيه صلى الله عليه وسلم على شيء من علم الغيب الماضي، فإنه لم يظهره على علم الغيب الماضي بشكل مطلق، فلقد قصَّ سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم أنباء بعض الرسل ولم يقصص عليه أنباء جميع الرسل:" وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلًا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَ " ( غافر : 78 )
  إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب الماضي  بشكل مطلق.
كما أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، في كتابه الكريم كثيرا من أمور الغيب المستقبل والتي تحقق بعضها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، ونوقن أن القسم الآخر من هذه الآيات سيتحقق في أَجَلِهِ الذي أَجَّلَهُ  الله سبحانه وتعالى، " ومن أصدق من الله حديثا" (النساء : 87)
ومن الآيات الكريمة التي أظهر الله سبحانه وتعالى فيها نبيه على غيب مستقبل :
1.    "غلبت الروم في أدنى الأرض ، و هم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين" (الروم : 2 ، 3 ، 4 )
2.    "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور : 55)
و فوق ذلك كله ، ما أظهر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم  في كتابه الكريم عما يكون من أهوال يوم القيامة  ، والنفخ في الصور ، والصراط، وما أعده الله سبحانه وتعالى للمؤمنين من أجر عظيم، وما أعده الله سبحانه وتعالى للمكذبين من أصناف العذاب الأليم، والآيات في ذلك كثيرة .
"عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً" ( الجن : 26 ،27 )

وسنناقش قي كتابنا هذا،إن شاء الله سبحانه وتعالى، من أحاديث الغيب التي يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بها ، أخاديث علم الساعة ، وعلامات الساعة الكبرى ، وأحاديث قرن الشيطان ، والأحاديث التي تبشر أناسا بالجنة وتخبر عن آخرين  أنهم من أهل النار.، وحديث رؤية المنافق ربه ، وحدبث الشفاعة وخروج من قال لا إله إلا الله من النار.

أولا : أحاديث علم الساعة من أحاديث الغيب التي تخالف كتاب الله سبحانه وتعالى
يستأثر الله سبحانه وتعالى لنفسه بعلم الساعة، فلا يظهر عليها أحدا من خلقه:
"يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر النّاس لا يعلمون" (الأعراف :  187)
"يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا"  (الأحزاب : 63 )
وتأتي الأحاديث في الصحيحين، لتنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر الصحابة- رضي الله عنهم- أن موعد الساعة سيكون في القرن الأول الهجري على أبعد تقدير.
1.    "عن أنس قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة، وكان من أقراني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن يؤخر هذا، فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" . (مسلم :الفتن وأشراط الساعة ؛ قرب الساعة)
2.           "عن أنس أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة قائمة، قال: ويلك وما أعددت لها، قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله، قال أنك مع من أحببت، فقلنا ونحن كذلك، قال نعم، ففرحنا يومئذ فرحا شديدا، فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني، فقال: إن أخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة.( البخاري : الأدب ؛ ما جاء في قول الرجل ويلك)
3.             عن عائشة قالت: كان رجال من الأعراب جفاة، يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه: متى الساعة، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: (إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم)( البخاري : كتاب الرقاق ، باب سكرات الموت)

لقد حاول بعض المدافعين عن هذه الروايات تأويلها لتتوافق مع أهوائهم ، فقالو إن المقصود في هذه الروايات ( ساعة موت القوم الذين كانوا يسالون عن الساعة) ،متأولين  العبارة التي جاءت في رواية عائشة رضي الله عنها (إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم )
فنقول لهؤلاء القوم : الروايات واضحة تماما في أنها تتكلم عن الساعة التي هي : (يوم القيامة)، ولا مجال بحال من ألأحوال تأويلها بساعة هؤلاء القوم ، بمعنى (ساعة موتهم ) ، ، فكلمة ساعتكم التي جاءت في الرواية الأخيرة لا تدل على ساعة موتهم ، وإنما تدل على ساعتهم التي كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عنها (فيسألونه: متى الساعة )
عن أي ساعة كان يسأل هؤلاء القوم !!؟
هل كانوا يسألون عن ساعة موتهم !!!!!!!؟
وصرف المعنى إلى ساعة موتهم  فيه من التكلف ولي أعناق الروايات ما لا يقبله عاقل.
وإذا كان السؤال عن الساعة ( يوم القيامة ) والإجابة عن ساعة موتهم ، فهل نفهم من هذا أنهم جميعا سيموتون في ساعة واحدة ؟
جميع الروايات بما فيها من أسئلة وأجوبة ، تتكلم عن شيء واحد : (الســـــــاعة ، الســـــــــــاعة فقط) ، فهل يفهم من هذه الأحاديث ،أن الساعة قامت في القرن الأول الهجري، ولم يصلنا الخبر حتى الآن ، ربما لضعف وسائل الاتصال في ذلك القرن.






ثانيا: أحاديث علامــــــات الساعة من احاديث الغيب التي تخالف كتاب الله سبحانه وتعالى وتلقتها الأمة بالقبول:
يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها " (محمد:8)
فقد جاء أشراطها !؟
نعم فقد جاء أشراطها، لقد جاءت أشراطها ومضت ولم يبق إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ،"فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها "

لو سألت أيـًّا ممن يعتقد أن كل ما في الصحيحين صحيح: هل يمكن أن تقوم الساعة غدا ؟ سيقول لك وبدون تردد : لا, لأن الدجال لم يخرج بعد، ولم ينزل المسيح عليه السلام،ولم تظهر النار التي تحشر الناس إلى محشرهم، و...، و...، ولن تقوم الساعة حتى تظهر هذه الآيات. فهو مطمئن إلا أن الساعة لن تأتي بغتة، ولن تأتي قبل ظهور علامات معينة يسمونها علامات الساعة الكبرى.
والله سبحانه وتعالى يخبرنا في كتابه العزيز أن الساعة ستأتينا بغتة، بدون مقدمات ولا علامات، لا علامات صغرى ولا علامات كبرى، فقد جاء أشراطها :
يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون  ( الأعراف: 187)
"هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ". ( الزخرف: 66)
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها " (محمد:8)
من هم المخاطبون في عبارة ( هل ينظرون) في الآية  الكريمة ؟
لا شك أن المخاطبون هم الكفار والمنافقون الذين كانوا يعيشون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف عليه السلام : "أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون" ( يوسف :107)
 من هم المخاطبون بالعبارة النحذيرية ( أفأمنوا ) في الآية الكريمة.
لا شك  أن المخاطبون أيضا هنا هم الكفار والمنافقون الذين كانوا يعيشون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولما لم تقع الساعة بغتة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتقل الخطاب إلى من بعدهم من الكفار في عهد بني أمية ،ثم في عهد بني العباس ، ويبقى الخطاب والتحذير : " فهل ينظرون " و " أفأمنوا " ينتقل لحظة لحظة، من زمن إلى زمن حتى تقوم الساعة على الناس بغتة وهم لا يشعرون
قد تأتي الساعةُ في هذه اللحظة ، وقد تأتي غدا، وقد تأتي بعد غد ، قد تأتي في أي لحظة ، فهي كما أخبر الله سبحانه وتعالى لا تأتي إلا بغتة.
".......وأن ما ورد من الأشراط الكبرى الخارقة للعادة يضع العالم به في مأمن من قيام الساعة قبل وقوعها كلها ، فهو مانع من حصول تلك الفائدة ، فالمسلمون المنتظرون لها يعلمون أن لها أشراطا تقع بالتدريج ، فهم آمنون من مجيئها بغتة في كل زمن ، وإنما ينتظرون قبلها ظهور الدجال والمهدي والمسيح عليه السلام ويأجوج ومأجوج ، وهذا الاعتقاد لا يفيد الناس موعظة ولا خشية ، ولا استعدادا لذلك اليوم أو لتلك الساعة ، فما فائدة العلم به إذا ؟ وهل من الحكمة أن تكون فائدتها محصورة في وقوع الرعب في قلوب الذين يشاهدون هذه الآيات الكبرى ، ولا سيما آخر آية منها ؟ وكيف يتفق هذا وما ورد من كون كل رسول كان يخوف قومه وينذرهم الساعة والدجال قبلها ؟ وكيف وقع هذا منهم ولم يصدقه الواقع ومثله لا يكون بمحض الرأي ؟ وهل كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يريد بالإخبار بها تأمين الناس من قيام الساعة مدة قرون كثيرة إلى أن تظهر هذه الأشراط ؟" 
وسنناقش في بحثنا هذا من علامات الساعة الكبرى : فتح القسطنطينية، وخروج الدجال، ونزول المسيح عليه السلام، والنار التي تحرج من اليمن تحشر الناس إلى محشرهم ، وفتح يأجوج ومأجوج وخروج الدابة .

"عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق، أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته" ( مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ في فتح القسطنطينية وخروج الدجال ونزول عيسى بن مريم)
معلوم أن مدينة القسطنطينية- استانبول حماها الله من كل سوء- فتحت في يوم الثلاثاء 29 مايو عام 1453ميلادي، فتحها القائد العثماني المسلم محمد الفاتح رحمه الله قبل ستة قرون تقريبا، ولم يظهر الدجال، ولم يظهر المسيح عليه السلام، وكانت نهاية دولة الروم – البيزنطيين-  أي أن كلمة الروم لم تعد قائمة كدولة، وأصبحت هذه الكلمة تطلق على طوائف نصرانية متفرقة ، لا يشكلون قومية واحدة، بل هم متفرقون بين قوميات مختلفة، مختلطون مع الطوائف الأخرى في هذه القوميات، كالروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، وغيرهم ، وتنتشر هذه الطوائف بشكل خاص في دول شرق أوروبا ، والشرق الأوسط، ولا يمكن بحال من الأحوال إطلاق هذه الكلمة اليوم على غير هؤلاء .
نحن إذا أمام أحد احتمالين :
الاحتمال الأول : أن الحديث صحيح وهذا يعني ما يلي:
1. أن الروم سيعاودون بناء دولتهم، ثم يعاودون احتلال مدينة استانبول.
2.                   أن آلة الحرب الحديثة ستنتهي، وسيتخلص العالم من جميع ترساناته من الأسلحة النووية والتقليدية كالصواريخ، والمدافع، والدبابات، حتى البنادق والمسدسات، وستعود أسلحة   الحرب القديمة، كالسيوف والرماح والسهام، "فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون"
الاحتمال الثاني : أن الحديث غير صحيح؛ لأنه يخالف قول الله سبحانه وتعالى: "قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ"  وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: " لا يعلم ما في غد إلا الله"  وقول عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي رواه مسلم: " ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية"
رواية أخرى للحديث تبين أن الذين يفتحون القسطنطينية؛ هم من بني إسحق عليه السلام، وبنو اسحق هم
 بنو إسرائيل، حيث أن إسرائيل؛ هو يعقوب بن اسحق عليهما السلام، وهذا يعني أن من سيفتح القسطنطينية هم اليهود – وليس المسلمون-.
"عن‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال:‏سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني ‏ ‏إسحق، ‏ ‏فإذا جاءوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم، قالوا لا إله إلا الله والله أكبر؛ فيسقط أحد جانبيها، قال ‏ ‏ثور: ‏ ‏لا أعلمه إلا قال الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، ‏ ‏فيفرج ‏ ‏لهم فيدخلوها، فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم، إذ جاءهم الصريخ فقال: إن ‏ ‏الدجال ‏ ‏قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون"
 
( مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت ...)
لنقرأ شرح النووي للحديث :  
"قوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَة الَّتِي بَعْضهَا فِي الْبَرّ وَبَعْضهَا فِي الْبَحْر: (
يَغْزُوهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاق )‏، ‏قَالَ الْقَاضِي: كَذَا هُوَ فِي جَمِيع أُصُول صَحِيح مُسْلِم: ( مِنْ بَنِي إِسْحَاق ) . قَالَ : قَالَ بَعْضهمْ: والمعروف الْمَحْفُوظ مِنْ ( بَنِي إِسْمَاعِيل ), وَهُوَ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ الْحَدِيث وَسِيَاقه; لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْعَرَب, وَهَذِهِ الْمَدِينَة هِيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّة" ( صحيح مسلم بشرح النووي : الفتن وأشراط الساعة ؛ لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت ...)
إذا كان "في جميع أصول صحيح مسلم : (من بني إسحاق ‏)" فهذا يعني أن الحديث بهذا اللفظ ( مِنْ بَنِي إِسْحَاق )غير صحيح . وهذا يعني أنه ليس كل ما في الصحيحين صحيح.

2:-  الروم هم من سيفتتح القسطنطينية!!!!!

يقول ابن كثير في كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة- من كتاب البداية والنهاية (ص: 106 )
 "ثم قال مسلم : "حدثني حرملة بن يحيى التجيبي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني أبو شريح أن عبد الكريم بن الحارث حدثه أن المستورد القرشي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تقوم الساعة والروم أكثر الناس " . قال : فبلغ ذلك عمرو بن العاص ، فقال : ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له المستورد : قلت الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فقال عمرو : لئن قلت ذلك ، إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأصبر الناس عند مصيبة ، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم . وهذا يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان ، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم ، كما نطق به الحديث المتقدم أنه يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق ، والروم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، فهم أولاد عم بني إسرائيل ، وهو يعقوب بن إسحاق ، فالروم يكونون في آخر الزمان خيرا من بني إسرائيل ، فإن الدجال يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان ، فهم أنصار الدجال ، وهؤلاء أعني الروم ، قد مدحوا في هذا الحديث ، فلعلهم يسلمون على يدي المسيح ابن مريم ، والله أعلم . على أنه قد وقع في بعض الروايات : " من بني إسماعيل " . وقوى ذلك عياض وغيره ، والله أعلم"
وكيف عرف ابن كثير أن الروم من أبناء العيص بن اسحاق!!؟؟؟
 قطعا لم يعرف ذلك من كتاب الله سبحانه وتعالى، ولا من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا من أقوال الصحابة والتابعين ، لقد عرف ذلك كما يقول هو نفسه، من أهل الكتاب.
يقول ابن كثير في الجزء الأول من كتاب البداية والنهاية: "وذكر أهل الكتاب أن إسحق لما تزوج رفقا بنت بتواييل في حيات أبيه كان عمره أربعين سنة وأنها كانت عاقرا فدعا الله لها فحملت فولدت غلامين توأمين اولهما سموه عيصو وهو الذي تسميه العرب العيص وهو والد الروم والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل قالوا وكان إسحق يحب العيصو أكثر من يعقوب لأنه بكره وكانت أمهما رفقا تحب يعقوب اكثر لانه الأصغر قالوا فلما كبر إسحق وضعف بصره اشتهى على ابنه العيص طعاما وأمره أن يذهب فيصطاد له صيدا ويطبخه له ليبارك عليه ويدعو له وكان العيص صاحب صيد فذهب يبتغي ذلك فأمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح جديين من خيار غنمه ويصنع منهما طعاما كما اشتهاه أبوه ويأتي إليه به قبل اخيه ليدعو له فقامت فألبسته ثياب أخيه وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين لأن العيص كان أشعر الجسد ويعقوب ليس كذلك فلما جاء به وقربه إليه قال من أنت قال ولدك فضمه إليه وجسه وجعل يقول أما الصوت فصوت يعقوب وأما الجس والثياب فالعيص فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدرا وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده وأن يكثر رزقه وولده"
بالله عليكم هل تعتبر سخافات أهل الكتاب هذه، مصدرا للعلم الشرعي !!؟
الله سبحانه وتعالى يخبرنا في كتابه الكريم أنه بشر إبراهيم عليه السلام بإسماعيل " فَبَشَّرْنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٍ" (الصافات: 101) وبشره أيضا بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" وَٱمْرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٌۭ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَهَا بِإِسْحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَٰقَ يَعْقُوبَ"( هود: 70) 
ولا نعرف ابنا لإسحاق عليه السلام سوى يعقوب عليه السلام،أما سخافات أهل الكتاب، فلك أن تصدقها أو تتركها.
ولقد سارع شيوخ عصرنا للأخذ بقول ابن كثير، وهم يعلمون أن ليس لقوله سند علمي أوشرعي، ولكنهم وجدوا في قوله هذا مخرجا من الإشكالات الكثيرة في أحاديث فتح القسطنطينية،
يقول سليم الهلالي أحد كبار مشايخ السلفية في الأردن بعد أن يروي الحديث الذي رواه مسلم " عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟» قالوا: نعم يا رسول الله. قال: «لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق فإذا جاؤوها فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله؛ والله أكبر؛ فيسقط جانبيها -قال ثور أحد رواة الحديث: لا أعلمه إلا قال- الذي في البحر، ثم يقول الثانية: لا إله إلا الله؛ والله أكبر؛ فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله؛ والله أكبر؛ فيفرج لهم؛ فيدخلوها فيغنموا، فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون» ( مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت ...)
يقول سليم الهلالي: "أخرجه مسلم، وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من أهل الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم فيه: «يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق»، والروم من بني إسحاق لأنهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم، فكيف يكون فتح القسطنطينية على أيديهم
وقد أجاب أهل العلم عن ذلك بأحد جوابين:
الأول: ما ذهب إليه القاضي عياض كما في «شرح صحيح مسلم» (18/43-44) أن قوله: «من بني إسحاق» غير محفوظ، والمعروف المحفوظ من بني إسماعيل؛ لأنه الذي يدل عليه الحديث وسياقه.

الآخر: أن الحديث يدل على أن طوائف من الروم يسلمون في آخر الزمان، كما ذهب إليه الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (1/58)، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يد طائفة منهم كما جاء صريحاً في هذا الحديث. واحتج -أيضاً- بأن الروم مدحوا في حديث المستورد القرشي عند مسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس»، فقال عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك.
ويؤيده حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سَبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلوهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليه أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح = فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم؛ فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج فبينما يعدون للقتال يسوون الصفوف أقيمت الصلاة؛ فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته"
فهذا الحديث يبين أن الروم يطلبون من المسلمين أن يتركوهم يقاتلون من سبي منهم وأسلموا ثم سبوا من الروم، فيرفض المسلمون ذلك؛ لأن من أسلم منهم؛ فهو من المسلمين لا يسلمونه لأحد" ( المرجع: أهل الحديث الانطلاقة الكبرى، سليم الهلالي)
ويقول محمد حسان في برنامجه التلفزيوني ( أحداث النهاية، الحلقة الأولى):" قال : "فيخرج إليها جيش من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا - أي للقتال، إذا إستعد الفريقان والجيشان للنزال وللمقاتلة وللتلاحم ولبدء المعركة الفاصلة الحاسمة - قالت الروم - هكذا يقول الصادق، أي للمسلمين - خلوا بيننا، وبين الذين سُبوا منا نقاتلهم - أيه ده ؟ ما معنى هذا ؟ خلوا بيننا وبين الذين سُبوا منا نقاتلهم ؟ قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى : وفي هذه الكلمات النبوية دليل على أن كثراً من أهل الروم (من الأوربيين والأمريكيين بلغة العصر) سيسلمون لله تبارك وتعالى ويؤمنون به ويؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وينضمون إلى صفوف المسلمين ويقاتلون مع المسلمين، لأنهم صاروا منهم"
ونرد على ابن كثير و سليم الهلالي ومحمد حسان وأمثالهما من مشايخ عصرنا فنقول:
أولا :قول ابن كثير" وهذا يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان ، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم.....، فالروم يكونون في آخر الزمان خيرا من بني إسرائيل ، فإن الدجال يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان ، فهم أنصار الدجال ، وهؤلاء أعني الروم ، قد مدحوا في هذا الحديث ، فلعلهم يسلمون على يدي المسيح ابن مريم ، "  قول خاطئ ،  فقد جاء ء في الحديث الذي استشهد به ابن كثير :" تقوم الساعة والروم أكثر الناس " وقد جاءفي الحديث الذي رواه مسلم" عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" ( صحيح مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة؛ باب لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس)، والأحاديث في هذا الشأن كثيرة،
أي أن الروم إذا صحت هذه الأحاديث من شرار الناس وليسوا من خيارهم، فكيف فهم ابن كثير أن الروم يكونون من خيار الناس، ويسلمون ويفتتحون القسطنطينية، إذا كانت الساعة تقوم وهم أكثر الناس!!؟
ثانيا : يقول ابن كثير : "وهؤلاء أعني الروم ، قد مدحوا في هذا الحديث ، فلعلهم يسلمون على يدي المسيح ابن مريم "
ويقول : "وهذا يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان ، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم "
ومعلوم من الحديث الذي رواه مسلم أن فتح القسطنطينية يكون قبل خروج الدجال وقبل نزول عيسى عليه السلام . فكيف يفتح الروم الذين يسلمون على يدي عيسى القسطنطينية التي تكون قد فتحت قبل نزول عيسى عليه السلام!؟
                             
ثالثا :لنتدبر الحديث الذي يستشهد به هؤلاء: " حدثنا زهير بن حرب حدثنا معلى بن منصور حدثنا سليمان بن بلال حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل فإذا جاؤوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته" (مسلم؛ كتاب الفتن وأشراط الساعة؛ باب في فتح القسطنطينية وخروج الدجال ونزول عيسى بن مريم)
1.          يفهم من الحديث( إذا افترضنا صحته)، أن الجيش الذي يفتتح القسطنطينية هو الجيش  الذي يخرج من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ’ وهو الجيش الذين يقول للروم " لا والله ، لا نخلي بينكم وبين إخواننا" وهو الجيش الذي يهزم ثلثهم ويقتل ثلثهم ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، وليس الذين سبوا من الروم ، (سواء قُرِئَتْ بضم السين أو فتحها. ) كما فهمها علماء القنوات الفضائية.
2.          إذا افترضنا صحة الحديث فتكون قراءة كلمة ( سبوا ) بفتح السين وليس بضمها ( سَبَوا وليس سُبُوا) فليس من المعقول أن يقاتل الروم الروم الذين سباهم المسلمون ويَدَعون المسلمين الذين سَبَوْأ منهم ، بل وفوق ذلك يقولون للمسلمين الذين سَبَوْا منهم " خلوا بيننا وبين الذين سُبُوا منا نقاتلهم"
3.          الحديث يتكلم عن الحرب البدائية التي كانت في زمن وضع الأحاديث،( وهذا يظهر من كلمة تصافُّوا،وعبارة " فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف" حيث كان الفريقان المتحاربان يصطفون صفوفا قبالة بعضهم البعض قبل أن تبدأ الحرب،وانظر إلى نوع الأسلحة التي ستستخدم في فتح القسطنطينية" استانبول حفظها الله عزيزة قوية بأيدي المسلمين" فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون)
4.          يستشهد بعض مشايخنا بهذا الحديث على أن الحضارة المعاصرة ستنتهي، وستدمر آلات الحرب الحديثة من دبابات وصواريخ وقنابل نووية ،وتعود الحياة بدائية كما كانت، وهذا القول يخالف كتاب الله سبحانه وتعالى الذي يبين أن الساعة تقوم في أوج التقدم العلمي،حيث يصل العلم بأن  يظن الناس أنهم قادرون على الحياة الدنيا " إِنَّمَا مَثَلُ الۡحَيَاةِ الدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخۡتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ النَّاسُ وَالأَنۡعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَازَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَا أَنَّهُمۡ قَادِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَاهَا أَمۡرُنَا لَيۡلاً أَوۡ نَهَارًا فَجَعَلۡنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِالأَمۡسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوۡمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (يونس : 24 )
المشبه في الآية الكريمة : الحياة الدنيا
المشبه به : َمَآءٍ أَنزَلۡنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخۡتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرۡضِ
وجه الشبه : حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَازَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَا أَنَّهُمۡ قَادِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَاهَا أَمۡرُنَا لَيۡلاً أَوۡ نَهَارًا فَجَعَلۡنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِالأَمۡسِ
يفهم من الآية الكريمة أن الحياة الدنياعندما تأخذ زخرفها ويظن أهلها أنهم قادرون عليها ( أي انها تكون في قمة الحضارة والتطور) يأتيها أمر الله سبحانه وتعالى ليلا أو نهارا فيحعلها حصيدا كأن لم تغن بالأمس.­
5.          نعلم أن الله على كل شيء قدير،وأن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون،وأن خلق الناس وبعثهم عند الله كنفس واحدة،  وأنه قادر على أن يعطل آلات الحرب الحديثة لتعود الحرب حربا بدائية، وأن ذلك يكون ضمن سنن ونواميس وضعها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون ، أما أن يشبه أحدهم ( محمد حسان) هذا الأمر بتعطل سيارته إنما هو استخفاف بعقولنا.
يقول محمد حسان في برنامجه التلفزيوني ( أحداث النهاية، الحلقة الأولى): "خيول إيه ؟ ده فيه دبابات، وفيه مدرعات، وفيه الصواريخ، وفي الطائرات، "وأني لأعرف أسماءهم، وأسماء أبائهم، والوان خيولهم" وبعدين يقول عليه الصلاة والسلام، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ.

طيب السلاح ده مختلف، قد يكون لها أكثر من معنى أو مراد، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم، قد يكون عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن السلاح بسلاح عصره، بسلاح زمانه، هذا قول، ولا ينبغي أن نقلل من قدره بل هو القول المختار عند الكثيرين.
والقول الآخر، قد تتعطل هذه الأسلحة، كيف بس يا عم الشيخ، ما تكلمنا كلام عقلاء، أحنا مش دراويش برضه، تتعطل إيه ؟
الآن سبحان ربي العظيم، تعلمون جميعاً أن هذه الأسلحة الآن، وأن جُلّ ما في الكون وفي الأرض يتحرك بالكمبيوتر، ولعلكم تذكرون بأنه نوعاً من أنواع الفيروسات قد أصاب جهازاً يعرف بالجهاز البيجر في ولاية من الولايات الأمريكية، فتعطل الأجهزة في هذه الولاية بكاملها حين أصيب الكمبيوتر الرئيسي بفيروس من هذه الفيروسات، وأشعة جامايكا ربما منكم من قرأ أو سمع ألى آخره، لكن أنا لا أجزم بشئ من هذا، إنما أنا على يقين مطلق بأن الله جل وعلى سيهيئ الكون لمراده، سيهيئ الكون لمراده، سيهيئ الكون لما قضى وقدر ودبر، لأن الكون لا يتحكم فيه أحد من الخلق، ولا تحكم الكون والأرض قوة من القوى أو دولة من الدول.لا لا، لا والله،بل الكون كله يدبره رب العالمين سبحانه وتعالى، [قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {آل عمران:26} فالأمر أمره، والملك ملكه، والتدبير تدبيره، وهو القادر على كل شئ إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
ولازلت أذكر وأنا في احدى الزيارات لأمريكا، حينما سألني أحد الأخوة الأفاضل : "كيف يقول الرسول عليه الصلاة والسلام، وألوان خيولهم، ويعلقون سيوفهم في أغصان الزيتون كما سنرى، كيف ونحن نرى الأسلحة الآن تختلف"، قلت والله لا أدري، الله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي صبيحة هذا اليوم قدر الله عز وجل أن يأتيني أحد الأخوة ليصطحبني معه في سيارته الخاصة، وكانت أحدث موديل، سيارة مرسيدس أحدث موديل، وتعلمون طرق أمريكا، وكنا في وقت الشتاء القارس، ونزل ضباب لا يمكن أن ترى من خلاله أي شئ وإذ بالأخ فجأة يتوقف، قلت سبحان الله.يتوقف السيارة موجودة احدث موديل، الطريق ممهد مليئة بالبنزين، قائد السيارة موجود، وفجأة أنزل الله جندياً من جنده، فتعطلت المركبة وقفت في مكانها لم يستطع أن يخطو خطوة واحدة، قلت لا إله إلا الله فالله على كل شئ قدير
رابعا : معلوم أن مدينة القسطنطينية- استانبول حماها الله من كل سوء- فتحت في يوم الثلاثاء 29 مايو عام 1453ميلادي، فتحها القائد العثماني المسلم محمد الفاتح رحمه الله قبل ستة قرون تقريبا، ولم يظهر الدجال، ولم يظهر المسيح عليه السلام، وكانت نهاية دولة الروم – البيزنطيين- أي أن كلمة الروم لم تعد قائمة كدولة، وأصبحت هذه الكلمة تطلق على طوائف نصرانية متفرقة ، لا يشكلون قومية واحدة، بل هم متفرقون بين قوميات مختلفة، مختلطون مع الطوائف الأخرى في هذه القوميات، كالروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، وغيرهم ، وتنتشر هذه الطوائف بشكل خاص في دول شرق أوروبا ، والشرق الأوسط، ولا يمكن بحال من الأحوال إطلاق هذه الكلمة اليوم على غير هؤلاء .
 كلمة الروم أو الرومان كما جاء في موسوعة ويكيبيديا:” الرومان هم شعب ارتحل ربما من شرق أوروبا أو من آسيا ثم رحلو إلى الجزر الإيطالية ابتداء من القرن الثاني عشر قبل الميلادي وقاموا بتأسيس مدينة روما القديمة، ثم عمل هذا الشعب على تنظيم وتطوير مؤسساته السياسية والعسكرية والاجتماعية وبدأ بالتوسع التدريجي وأسس دولة سيطرت في بادئ الأمر على شبه الجزيرة الإيطالية ثم اتسعت هذه الدولة وسيطرت على معظم العالم القديم وأصبحت حدودها شاسعة امتدت من الجزر البريطانية وشواطئ أوروبا الأطلسية غرباً إلى بلاد ما بين النهرين وساحل بحر قزوين شرقاً ومن وسط أوروبا حتى شمال جبال الألب والى الصحراء الإفريقية الكبرى والبحر الأحمر جنوباً، وبذلك كانت مثالاً على مفهوم الدولة الجامعة (Universal State) ذات الطابع الاستعماري واستمرت حتى القرن الخامس الميلادي الذي فيه تمكنت القبائل الجرمانية من السيطرة على مقاطعات الدولة الرومانية عام 476 م.
إذا الشعوب الأوروبية والأمريكية ليسوا روماً، ولكنهم من الشعوب الجرمانية، وإن شئت معرفة المزيد عن الشعوب الجرمانية، فقد جاء قي موسوعة ويكيبيديا:” تحت قيادة الجنرال الروماني أغسطس قيصر بدأ غزو جيرمانيا (وهو تعبير يستخدمه الرومان لتعريف الأراضي التي تمتد تقريباً من الراين إلى جبال الأورال)، وفي هذه الفترة كانت القبائل الجرمانية تصارع الرومان مع الحفاظ على الهوية القبلية لقبائلهم. ألمانيا الحديثة، الممتدة ما بين الراين والدانوب، ظلت خارج الإمبراطورية الرومانية. مع العام 100 ميلادي، القبائل الجرمانية استقرت على امتداد نهر الراين ونهر الدانوب، وتحتل أكثر من مساحة ألمانيا الحديثة. وقد شهد القرن الثالث الميلادي ظهور عدد كبير من القبائل الجرمانية الغربية مثل: ألامانيون، الفرنجة،الخاتيون، السكسونيون، الفريزيون والتورينجيون. بنحو عام 260، الشعوب الجرمانية اخترقت اللآيم ونهر الدانوب على الحدود في الأراضي التي تسيطر عليها الإمبراطورية الرومانية.
ملخص القول أن الشعوب الأوروبية ليست من الرومان ولكنهم من الشعوب الجرمانية والتي تمكنت من السيطرة على مقاطعات الدولة الرومانية عام 476 م.
3 : - من علامات الساعة الكبرى: خروج الدجال
من هو الدجال ؟
حسب الأحاديث التي جاءت في الصحيحين، فإن الدجال هو إحدى الشخصيتين التاليتين:
1.     الدجال: رجل لا يعلم ولادته، وهو موجود في جزيرة مقطوعة عن العالم، رآه تميم الداري ورفاقه في حديث الجساسة، ووصفه: "أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد"
عن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس أنها قالت: سمعت نداء المنادي؛ منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري، كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في، البحر ثم أرفؤا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك، ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق؛ فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بيسان، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا: له نعم، قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر، قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك، قلنا: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عنى: إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة فهما محرمتان على كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما؛ استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة: يعني المدينة، ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم، فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة، ألا أنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم" ( مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ قصة الجساسة )
2.     أو الدجال: هو ابن صياد، غلام يهودي كان يعيش في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين، تزعم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام كانوا يظنون أنه  هو الدجال، بل لقد كان" عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم"
"عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله، أن بن صائد الدجال، فقلت: أتحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم" ( مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر بن صياد )
إذا كان الدجال هو الرجل الذي رآه تميم الداري في حديث الجساسة؛ فهذا يعني أن أحاديث ابن صياد غير صحيحة، وإذا صحت الأحاديث في ابن صياد؛  فهذا يعني أن حديث الجساسة غير صحيح؛ وهذا يعني في كلتا الحالتين: أن ليس كل ما في الصحيحين صحيح.
وإن قائل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يظن أن ابن صائد هو الدجال ولم يكن متيقنا من ذلك، فأقول: وكيف يظن أن ابن صائد هو الدجال وهو متيقن أن الدجال موجود في جزيرة في البحر، كما في حديث الجساسة.

وحيث كنا قد ذكرنا حديث الجساسة ، فسنذكر بعضا من  أحاديث ابن صياد:
1.    "عن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررنا بصبيان فيهم بن صياد، ففر الصبيان وجلس بن صياد، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تربت يداك، أتشهد أني رسول الله؟ فقال: لا، بل تشهد أنى رسول الله، فقال عمر بن الخطاب: ذرني يا رسول الله حتى أقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكن الذي ترى فلن تستطيع قتله"   (متفق عليه. البخاري : الجهاد ؛ كيف يعرض الإسلام على الصبي / مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر بن صياد)

2.    "عن بن عمر: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب يأتيان النخل الذي فيه بن صياد، حتى إذا دخل النخل، طفق النبي صلى الله عليه وسلم يتقي بجذوع النخل، وهو يختل بن صياد، أن يسمع من بن صياد شيئا قبل أن يراه، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمزة، فرأت أم بن صياد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: أي صاف، وهو اسمه، فثار بن صياد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو تركته بين" ( متفق عليه "البخاري : الجهاد ؛ كيف يعرض الإسلام على الصبي/ مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر بن صياد) 

3.     عن أبي سعيد الخدري قال: صحبت بن صائد إلى مكة فقال لي: أما قد لقيت من الناس؛ يزعمون أني الدجال، ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه لا يولد له؟ قال: قلت: بلى، قال، فقد ولد لي، أوليس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل المدينة ولا مكة؟ قلت: بلى، قال :فقد ولدت بالمدينة وهذا أنا أريد مكة، قال: ثم قال لي في آخر قوله: أما والله، إني لأعلم مولده ومكانه وأين هو، قال: فلبسني" ( مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر بن صياد)

4.     "عن نافع قال: كان نافع يقول: بن صياد، قال: قال بن عمر: لقيته مرتين قال: فلقيته، فقلت لبعضهم: هل تحدثون أنه هو؟ قال: لا والله، قال: قلت: كذبتني والله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالا وولدا، فكذلك هو زعموا اليوم، قال: فتحدثنا ثم فارقته، قال: فلقيته لقية أخرى، وقد نفرت عينه، قال: فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدري، قال: قلت: لا تدري وهي في رأسك؟ قال: إن شاء الله خلقها في عصاك هذه، قال: فنخر كأشد نخير حمار سمعت، قال: فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت ، وأما أنا فوالله ما شعرت، قال: وجاء حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها، فقالت: ما تريد إليه؟ ألم تعلم أنه قد قال: إن أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه؟" ( مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر بن صياد) 

5.    "عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن بن صائد الدجال، فقلت: أتحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم"  (مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر بن صياد) 
صفـــــات الدجــــــال:
إذا افترضنا صحة الأحاديث التي رُوِيَتْ في الدجال، فهذه بعض صفاته كما جاءت في هذه الأحاديث :
1) : الدجال ولد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم- إن كان هو ابن صياد- وولد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم- ربما بقرون- إن كان هو  من ذكر في حديث الجساسة ، ولا يزال حيا إلى الآن ، وسيبقى حيا حتى يكون شرطا من أشراط الساعة.
يقول الله سبحانه وتعالى: "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" (الأنبياء : 34)
"عن عبد الله بن عمر قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد" (متفق عليه. البخاري: العلم؛ السمر في العلم عليه.: فضائل الصحابة رضي الله عنهم؛ قوله صلى الله عليه وسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم)
"عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر: تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة" ( مسلم : فضائل الصحابة ؛ قوله صلى الله عليه وسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة)
فكيف يبقى الدجال حيا طوال هذه القرون!؟ أوليس نفسا منفوسةأولم تنته المائة سنة بعد
2) : الدجال يطوف بالكعبة: "عن عبد الله بن عمر ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال : إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى، كأن عيينة عنبة طافية، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أراني الليلة في المنام عند الكعبة، فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من آدم الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر يقطر رأسه ماء، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو بينهما يطوف بالبيت، فقلت من هذا؟ فقالوا المسيح بن مريم، ورأيت وراءه رجلا جعدا قططا أعور عين اليمنى كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن ،واضعا يديه على منكبي رجلين، يطوف بالبيت، فقلت من هذا؟ قالوا هذا المسيح الدجال" (متفق عليه . البخاري : الأنبياء ؛ واذكر في الكتاب مريم / مسلم : ا.يمان ؛ ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال)

3) : الدجال يعلم الغيب : "...فقال أخبروني عن نخل بيسان، قلنا عن أي شأنها تستخبر؟ قال أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا له نعم، قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب): (حديث الجساسة)
والله سبحانه وتعالى يقول: "قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ" ( النمل : 65 )،
4) : الدجال يصف تربة الجنة ويصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صائد: "ما تربة الجنة قال: درمكة بيضاء مسك يا أبا القاسم، قال: صدقت"  (مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر بن صياد )

5) : الدجال معه ماء ونار ، وفي بعض الروايات معه جنة ونار:
"‏عن ‏ ‏ربعي بن حراش ‏ ‏قال: قال ‏ ‏عقبة بن عمرو ‏ ‏لحذيفة: ‏ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم، ‏ ‏قعليه. سمعته يقول: ‏ ‏إن مع ‏ ‏الدجال ‏ ‏إذا خرج ماء ونارا، فأما الذي يرى الناس أنها النار فماء بارد، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق، فمن أدرك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار، فإنه عذب بارد"(متفق عليه .البخاري : الأنبياء ؛ ما ذكر عن بني إسرائيل/ مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ ذكر الدجال وصفته وما معه )
"عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار" (مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ ذكر الدجال وصفته وما معه)
"عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجئ معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه" ( متفق عليه ". البخاري : كتاب الأنبياء ؛ قول الله عز وجل : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه / مسلم :الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر الدجال وصفته وما معه )
6) : الدجال يأمر السماء فتمطر على المؤمنين به: "فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر" ( مسلم  :الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر الدجال وصفته وما معه)
يقول الله سبحانه وتعالى: "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" (الروم : 48)

7) : الدجال يأمر الأرض فتنبت: "فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر" (مسلم  :الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر الدجال وصفته وما معه)
يقول الله سبحانه وتعالى : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تؤفكون" (فاطر : 3)

8) : الدجال يمنع الرزق عن الذين لا يؤمنون به: "ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم" (مسلم  :الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر الدجال وصفته وما معه)
يقول الله سبحانه وتعالى : "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ( فاطر: 2)

9) : الدجال يمر بالخربة فيأمرها أن تخرج كنوزها فتطيع: "ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل" (مسلم  :الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر الدجال وصفته وما معه )
10) : الدجال يحيي ويميت : "ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك" ( مسلم  :الفتن وأشراط الساعة ؛ذكر الدجال وصفته وما معه )
"عن أبي سعيد قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال، فكان فيما يحدثنا به أنه قال : يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل وهو خير الناس أو من خيار الناس، فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته؛ هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله، فلا يسلط عليه" ( متفق عليه . البخاري : فضائل المدينة ؛لا يدخل الدجال المدينة / مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛ صفة الدجال وتحريم(المؤمنون:يه وقتله المؤمن وإحياؤه )
والله سبحانه وتعالى يخبر عن نفسه أنه هو الذي يحيي ويميت :
"وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" (المؤمنون :80 )
"هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (غافر  : 68)
لقد أعطوا الدجال بخبثهم ودهائهم، بعض صفات الألوهية، فزعموا أنه يحيي ويميت، وأنه يأمر السماء فتمطر على الذين يؤمنون به ويأمر الأرض فتنبت لهم" فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت" ،ويمنع الرزق عن الذين لا يؤمنون به" ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم" وأوهموا الناس أنه لا يمكن التمييز بين الدجال وبين الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا إلا بأن الله ليس بأعور وأن المسيح الدجال أعور"عن عبد الله بن عمر ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال : إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى، كأن عيينة عنبة طافية..."(متفق عليه . البخاري : الأنبياء ؛ واذكر في الكتاب مريم / مسلم : الإيمان ؛ ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال)
وتناسوا أن الله "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"
 وتناسوا أن الله سبحانه وتعالى "لا تدركه الأبصر وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير"، لقد تناسوا جميع صفاته العليا سبحانه وتعالى واوهموا الناس أنه لايمكن التمييز بين الله سبحانه وتعالى وبين الدجال ، إلا بأن الله ليس بأعور وأن المسيح الدجال أعور!!!!
ما السبب في ذلك ياترى!؟
السبب واضح فهم ينتظرون "مَسيحَيْن اثنين"، المسيح الدجال، والمسيح الذين يقولون أنه هو ألله  "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" ( المائدة:72) سبحان الله وتعالى عنا يقولون علوا كبيرا.
وكيف يمكن التمييز بينهما1؟
المسيح الدجال أعور،والمسيح الحقيقي ليس بأعور .
ولذلك كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعموا أنه قال :" إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى،"

من أين سيخرج الدجال ؟
الأحاديث التي تذكر الجهة التي يأتي منها الدجال تظهر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه إنسان متردد الذي لا يعلم شيئا ، وإنما يتكهن عن الجهة التي يخرج منها الدجال، وهو غير متيقن من الجهة التي يخرج منها الدجال ، وفي هذا إساءة وأي إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
......ألا أنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق،( حديث الجساسة الذي رواه مسلم.)
 .......إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله، فأثبتوا (رواه مسلم )
يتبع الدجال ، من يهود أصبهان ، سبعون ألفا . عليهم الطيالسة ( رواه مسلم)

أين يوجد الدجال ؟ ومن أين سيخرج الدجال !؟ من بحر الروم أم من بحر اليمن أم من قبل المشرق أم ما هو من قبل المشرق ، من خراسان، أم من بين الشام والعراق ؟؟؟؟؟؟ هل هو في جزيرة في البحر أم هو في جزيرة في البر ؟؟؟؟

حديث جامع في الدجال
"عن النواس بن سمعان قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: ما شأنكم؟ قلنا يا رسول الله، ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزي بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله، فأثبتوا قلنا يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره، قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك" (مسلم :كتاب الفتن وأشراط الساعة ، ذكر الدجال وصفته و ما معه)

 

ماذا يقول محمد رشيد رضا في تفسير المنار عن أحاديث الدجال ؟

يقول محمد رشيد رضا :
"إن أحاديث الدجال مشكلة من وجوه :
أحدها : ما ذكرناه آنفا من منافاتها لحكمة إنذار القرآن الناس بقرب قيام الساعة وإتيانها بغتة . 
ثانيها : ما ذكر فيها من الخوارج التي تضاهي أكبر الآيات التي أيد الله بها أولي العزم من المرسلين أو تفوقها ، وتعد شبهة عليها كما قال بعض علماء الكلام ، وعد بعض المحدثين ذلك من بدعتهم ، ومن المعلوم أن الله ما آتاهم هذه الآيات إلا لهداية خلقه ، التي هي مقتضى سبق رحمته لغضبه ، فكيف يؤتي الدجال أكبر الخوارق لفتنة السواد الأعظم من عباده ؟ فإن من تلك الروايات أنه يظهر على الأرض كلها في أربعين يوما إلامكة والمدينة ، وقد روى أبو نعيم في الحلية عن حسان بن عطية من ثقات التابعين أنه لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل وسبعة آلاف امرأة . قال الحافظ في الفتح . وهذا لا يقال من قبل الرأي فيحتمل أن يكون مرفوعا أرسله ; ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب اهـ . وهو الصحيح المختار عندي . 
ثالثها : وهو من متعلقات ما قبله ، أن ما عزي إليه من الخوارق مخالف لسنن الله تعالى في خلقه ، وقد ثبت بنصوص القرآن القطعية أنه لا تبديل لسنته تعالى ولا تحويل . وهذه الروايات المضطربة المتعارضة لا تصلح لتخصيص هذه النصوص القطعية ولا لمعارضتها
رابعها : اشتمال بعض هذه الأحاديث على مخالفة بعض القطعيات الأخرى من الدين كتخلف أخبار الرسل أو كونها عبثا وإقرارهم على الباطل وهو محال في حقهم . 
خامسها : أنها متعارضة تعارضا كثيرا يوجب تساقطها كما ترى فيما يلي . فمن ذلك التعارض أن بعضها يصرح بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرى من المحتمل ظهور الدجال في زمنه ، وأنه يكفي المسلمين حينئذ شره ، وبعضها يصرح بأنه يخرج بعد فتح المسلمين لبلاد الروموالقسطنطينية ( ومنه ) أنه كان يشك في ابن صياد من يهود المدينة هل هو الدجال أم لا ؟ وأنه وصف - صلى الله عليه وسلم - الدجال بصفات لا تنطبق على ابن صياد كما قال ابن صياد لأبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - . 
ومن التعارض أيضا أنه يصرح في بعض الروايات بأنه يكون معه ( أي الدجال ) جبل أو جبال من خبز ونهر أو أنهار من ماء وعسل ، كما رواهأحمد والبيهقي في البعث عن رجل من الأنصار ، وعن جابر بن عبد الله بسند رجال ثقات مع ما رواه الشيخان واللفظ للبخاري من حديث المغيرة بن شعبة قال : " ما سأل أحد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال ما سألته ، وإنه قال لي : ما يضرك منه ؟ قلت : لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء . قال : " بل هو أهون على الله من ذلك " وفي رواية مسلم " يقولون إن معه جبال خبز ولحم ونهرا من ماء " وقد أولوا هذا لتصحيح ذاك ، ويتأمل قول جابر : " يقولون إن معه كذا وكذا ولم يقل : إنك قلت هذا . 
ومن التعارض أيضا ما ورد من اختلاف الروايات في المكان الذي يخرج منه ففي بعض الرويات أنه يخرج من قبل المشرق على الإبهام . وفي حديث النواس بن سمعان عند مسلم أنه يخرج من خلة بين الشام والعراق . وفي رواية أخرى لمسلم أنه يخرج من أصبهان ، وفي حديث الجساسة عنده أنه محبوس بدير أو قصر في جزيرة بحر الشام - أي البحر المتوسط وهو في الشمال - أو بحر اليمين وهو في الجنوب وأنه يخرج منها ، وروى أحمد والحاكم أنه يخرج من خراسان ، وقد حاول شراح الصحيحين وغيرهم الجمع بين الروايات المتعارضة في كل مسألة فجاءوا بأجوبة متكلفة ردها المحقون كلها أو أكثرها ، وفيها من المشكلات غير ما أشرنا إليه ولا سيما الروايات في ابن صياد ، وما كان من حلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه هو الدجال ، وإقراره - صلى الله عليه وسلم - إياه على ذلك ، ومتابعة جابر بن عبد الله إياه على هذا الحلف كما في الصحيحين عنه . 


نهى القرآن الكريم أهل الكتاب عن الغلو في عيسى عليه السلام:
"يا  أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا" (النساء: 171)
"قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل" (المائدة:77)
وللأسف الشديد فقد استطاع النصارى التأثير في عقيدة كثير من المسلمين، ووضعوا أحاديث نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أحاديث تقول  بتميزعيسى عليه السلام عن سائر الأنبياء، وأنه لم يمت وأنه سينزل في آخر الزمان، ويفعل أفعال عظيمات.
 وهذا كله من الغلو في الدين، والقول على الله غير الحق، ومن هذا المدخل دخل النصارى , فقالوا إن المسلمين مقرون بحياة عيسى ولكنهم يجادلون في إلوهيته . والقرآن الكريم يركز على بشرية عيسى عليه السلام ، وعدم اختلافه عن غيره من الأنبياء ليرد على دعاوى النصارى في إلوهية عيسى عليه السلام.
نحن لا ننفي أن عيسى عليه السلام ، حي عند ربه يُرزَق، شأنه في ذلك شأن جمسع الأنبياء والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله "  وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" ( آل عمران : 169)
بل إن عيسى عليه السلام، أرفع درجة من الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ، ويتبين ذلك من قول الله سبحانه وتعالى : " وإذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" (آل عمران : 55) ،وقوله سبخانه وتعالى : " بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًۭا" ( النساء : 158 )
ويقول سبحانه وتعالى في إدريس عليه السلام :" وَرَفَعْنَٰهُ مَكَانًا عَلِيًّا " ( مريم :57 )
 ولكن ما ننفيه ، هو أن عيسى عليه السلام ، يحيا في السماء حياة دنيوية كحياة جميع البشر على الأرض وأنه سيعود إلى الأرض ليدفن فيها .
قال السفاريني في كتابه أهوال يوم القيامة:‏ ‏‏ونزوله عليه الصلاة والسلام ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة‏.‏ وأما الإجماع؛ فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة أو من لا يعتد بخلافه‏
واللافت للنظر أن عقيدة نزول عيسى مستفيضة في كتب أهل الكتاب، لكن القرآن الكريم لم يأت على ذكرها ولم يجعلها ضمن معجزات عيسى الكثيرة التي عدها القرآن الكريم  ومزاياه المتعددة، وقد أشار ابن عاشور في تفسيره(التحرير والتنوير) لهذا بقوله: ولم يتعرض القرآن في عد مزاياه إلى أنه ينزل في آخر الزمان.
وفاة عيسى ابن مريم ثابتة في كتاب الله:
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة:” وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ( المائدة: 117)
ويقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران:" وإذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (آل عمران: 55)
ويقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ( آل عمران : 144)
قد خلت بمعنى ذهبت وانقضت ،ولن تعود إلى الحياة الدنيا قبل يوم القيامة .لذلك نجد الآية الكريمة تربط بين الرسل التي قد خلت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته صلى الله عليه وسلم : " أفإن مات أو قتل ....... "
ومن يتدبر كلام الله سبحانه وتعالى يعلم يقينا أن التوفي يكون للنفس دون الجسد ، سواء كان ذلك في حالة الموت أو النوم .
" اللَّهُ يَتَوَفَّى الۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَالَّتِى لَمۡ تَمُتۡ فِى مَنَامِهَا فَيُمۡسِكُ الَّتِى قَضَىٰ عَلَيۡهَا الۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ الۡأُخۡرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوۡمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ( الزمر : 42 )
"ولو تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِى غَمَرَاتِ الۡمَوۡتِ وَالۡمَلآئِكَةُ بَاسِطُوا۟ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوا۟ أَنفُسَكُمُ الۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ الۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَىٰ اللّهِ غَيۡرَ الۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ آيَاتِهِ تَسۡتَكۡبِرُونَ" ( الأنعام :93 )
وحتى لا يظهر الخلاف بين كناب الله سبحانه وتعالى والأحاديث المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تنبئ بنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، أول بعض المفسرون قوله تعالى في سورة آل عمران ( إني متوفيك ورافعك إلي )،فقالوا معنى(متوفيك) أي وفاة نوم،وقال آخرون:يعني إني قابضك.
ومن يتتبع  كلمة الوفاة والكلمات المشتقة منها -والتي تعني الموت أو النوم-  في كتاب الله سبحانه وتعالى يجد أنها إذا أريد بها النوم فلا بد من أن تأتي قرينة تدل على ذلك:
"وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون"( سورة الأنعام : 60)
"الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى اجل مسمى ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (سورة الزمر - آية 42)
وأما إذا أطلقت دون قرينة فلا تدل إلا على الموت والأمثلة على ذلك كثيرة:
"واما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون" (يونس - آية 46)
"رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين” (سورة يوسف - آية 101)
"وان ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" (سورة الرعد - آية 40)
"الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فالقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى ان الله عليم بما كنتم تعملون" (سورة النحل - آية 28)
"الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون" (سورة النحل - آية 32)
والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا ان الله عليم قدير" (النحل: 70)
"يا أيها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" (الحج : 32)
"هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون " (سورة غافر- آية 67)
"فاصبر ان وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون" (سورة غافر -  آية 77)
ولم تأت قرينة تدل على أن كلمة "متوفيك" في سورة آل عمران وكلمة "توفيتني" في سورة المائدة تدل على النوم،فلماذا نرجح أنهما تدلان على النوم -أو أي معنى للتوفي غير الموت-  ولا تدل على الموت!؟
" اذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فاحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون" (آل عمران -  آية 55)
" ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد" (سورة المائدة  - آية 117 )
يقول ابن عاشور في تفسيره المسمى ( التحرير والتنوير ) :
"وقوله : إني متوفيك ظاهر معناه : إني مميتك ، هذا هو معنى هذا الفعل في مواقع استعماله لأن أصل فعل توفى الشيء أنه قبضه تاما واستوفاه . فيقال : توفاه الله أي قدر موته ، ويقال : توفاه ملك الموت أي أنفذ إرادة الله بموته ، ويطلق التوفي على النوم مجازا بعلاقة المشابهة في نحو قوله تعالى: "وهو الذي يتوفاكم بالليل وقوله : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ." أي وأما التي لم تمت الموت المعروف فيميتها في منامها موتا شبيها بالموت التام كقوله : "وهو الذي يتوفاكم بالليل"ثم قال : حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا فالكل إماتة في التحقيق ، وإنما فصل بينهما العرف والاستعمال ، ولذلك فرع بالبيان بقوله : "فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى" ، فالكلام منتظم غاية الانتظام ، وقد اشتبه نظمه على بعض الأفهام . وأصرح من هذه الآية آية المائدة : "فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم" لأنه دل على أنه قد توفي الوفاة المعروفة التي تحول بين المرء وبين علم ما يقع في الأرض ، وحملها على النوم بالنسبة لعيسى لا معنى له ; لأنه إذا أراد رفعه لم يلزم أن ينام ; ولأن النوم حينئذ وسيلة للرفع فلا ينبغي الاهتمام بذكره وترك ذكر المقصد ، فالقول بأنها بمعنى الرفع عن هذا العالم إيجاد معنى جديد للوفاة في اللغة بدون حجة ، ولذلك قال ابن عباس ، ووهب بن منبه : إنها وفاة موت وهو ظاهر قول مالك في جامع العتبية قال مالك : مات عيسى وهو ابن إحدى وثلاثين سنة ، قال ابن رشد في البيان والتحصيل : يحتمل أن قوله : مات وهو ابن ثلاث وثلاثين على الحقيقة لا على المجاز. ( التحرير والتنوير: تفسير قوله تعالى وإذ قال الله يا عيسى ....)  . 

ويقول محمد رشيد رضا في تفسيره  ( المنار ):
"إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا" أي مكر الله بهم ; إذ قال لنبيه: إني متوفيك إلخ ، فإن هذه بشارة بإنجائه من مكرهم وجعل كيدهم في نحرهم قد تحققت ، ولم ينالوا منه ما كانوا يريدون بالمكر والحيلة ، والتوفي في اللغة : أخذ الشيء وافيا تاما ، ومن ثم استعمل بمعنى الإماتة قال - تعالى - : "الله يتوفى الأنفس حين موتها" ، وقال : "قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم" فالمتبادر من الآية : إني مميتك وجاعلك بعد الموت في مكان رفيع عندي ، كما قال في إدريس - عليه السلام - : "ورفعناه مكانا عليا" والله - تعالى - يضيف إليه ما يكون فيه الأبرار من عالم الغيب قبل البعث وبعده كما قال في الشهداء : أحياء عند ربهم"  وقال : "إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر"  وأما تطهيره من الذين كفروا فهو : إنجاؤه مما كانوا يرمونه به أو يرومونه منه ويريدونه به من الشر . هذا ما يفهمه القارئ الخالي الذهن من الروايات والأقوال ; لأنه هو المتبادر من العبارة وقد أيدناه بالشواهد من الآيات ، ولكن المفسرين قد حولوا الكلام عن ظاهره لينطبق على ما أعطتهم الروايات من كون عيسى رفع إلى السماء بجسده."( تفسير المنار: قوله سبحانه وتعالى وإذ قال الله يا عيسى ......)

 ولا سبيل إلى القول بأن الوفاة هنا مراد بها وفاة عيسى بعد نزوله من السماء بناء على زعم من يرى أنه حي في السماء، وأنه سينزل منها أحر الزمان، لأن الآية ظاهرة في تحديد علاقته بقومه هو الذين كان فيهم قبل الوفاة، لا بالقوم الذين يكونون آخر الزمان ، وفي الآية الأولى قال تعالى:  ورافعك إلي بعد قوله:  (إني متوفيك) ، فدل ذلك على أن الرفع جاء بعد التوفي،وهو الموت
وقد استدل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآية الكريمة" فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " على  عدم مسؤوليته على أمته من بعد وفاته ، فقال:يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا... ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال،فأقول: يا رب أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح( وكنت عليهم شهيدا عليهم ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم). (صحيح البخاري :كتاب تفسير القرآن؛ سورة المائدة ؛اب وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم)
كما نذكر من يقول إن عيسى عليه السلام رفع بروحه وجسده إلى السماء يحيا حياة دنيوية بقول عيسى عليه السلام كما جاء في سورة مريم الآية 31 " وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمۡتُ حَيًّا" فنقول: كيف يؤدي عيسى عليه السلام الزكاة وهو حي يحيا حياة دنيوية في السماء، ولمن يدفع الزكاة!؟
أُؤكد مرة أخرى، فأقول: نحن لا ننفي أن عيسى عليه السلام ، حي عند ربه يُرزَق، شأنه في ذلك شأن جمسع الأنبياء والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله "  وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" ( آل عمران : 169)
 ولكن ما ننفيه ، هو أن عيسى عليه السلام ، يحيا في السماء حياة دنيوية كحياة جميع البشر على الأرض وأنه سيعود إلى الأرض ليدفن فيها .

ولقد حاول بعضهم تأويل قوله سبحانه وتعالى في سورة النساء:" وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا" فقال بعضهم : معنى ذلك : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به ) يعني بعيسى ( قبل موته )يعني : قبل موت عيسى –عليه السلام – أي بعد نزوله في آخر الزمان-
 قال ابن جرير في تفسيره للآية الكريمة:فقال بعضهم : معنى ذلك : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به " ، يعنيبعيسى "قبل موته" ، يعني : قبل موت عيسى يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال ، فتصير الملل كلها واحدة ، وهي ملة الإسلام الحنيفية ، دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم
ويقول ابن جرير:" وقال آخرون : يعني بذلك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى ، قبل موت الكتابي . يوجه ذلك إلى أنه إذا عاين علم الحق من الباطل ، لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه"
قوله تعالىوإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال ابن عباس والحسن  ومجاهد  وعكرمة  :  المعنى  ليؤمنن بالمسيح قبل موته أي الكتابي ؛ فالهاء الأولى عائدة على عيسى ، والثانية على الكتابي ؛ وذلك أنه ليس أحد من أهل الكتاب اليهود والنصارى إلا ويؤمن بعيسى عليه السلام إذا عاين الملك ، ولكنه إيمان لا ينفع ؛ لأنه إيمان عند اليأس وحين التلبس بحالة الموت ؛ فاليهودي يقر في ذلك الوقت بأنه رسول الله ، والنصراني يقر بأنه كان رسول الله
وهذا ظاهر في قوله تعالى " وإن من أهل الكتاب" فهذا يشمل عموم أهل الكتاب في جميع العصور ، منذ وفاة عيسى عليه السلام إلى أن تقوم الساعة، ولا يقتصر على أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام، كما فهم الذين قالوا : "قبل موته" ، يعني : قبل موت عيسى عليه السلام.
وحاول آخرون تأويل قوله تعالى في سورة الزخرف"وَإِنَّهُ لَعِلۡمٌ لِّلسَّاعَةِ فَـَلا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسۡتَقِيمٌ" على أن الضمير في كلمة وإنه عائد على عيسى عليه السلام، أي أن عيسى عليه السلام سيكون من علامات الساعة، فكيف نجزم أن الضمير في كلمة "وإنه" عائد إلى عيسى عليه السلام وليس عائدا إلى كتاب الله. فقد وردت كلمة وإنه في سورة الزخرف ثلاث مرات:" وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الۡكِتَابِ لَدَيۡنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ" في بداية السورة ثم جاء قوله سبحانه وتعالى في أواسط السورة : " وَإِنَّهُ لَذِكۡرٌ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَ وَسَوۡفَ تُسۡأَلُونَ: ثم جاء قوله سبحانه وتعالى"وَإِنَّهُ لَعِلۡمٌ لِّلسَّاعَةِ فَـَلا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسۡتَقِيمٌ" فتكون هذه الآيات الثلاث معطوفة إحداها على الأخرى" ويكون بذلك الضمير في كلمة وإنه عائد على كتاب الله سبحانه وتعالى وليس على عيسى عليه السلام.
والاعتقاد بنزول عيسى عليه السلام أخر الزمان مخالف للقرآن الكريم الذي ينص على أن شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة لكل الشرائع السماوية ومهيمنة عليها: " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه " (المائدة 48)
وأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو النبي الخاتم :"مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" . (الأحزاب:40.)
وأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم يأتي بعد عيسى عليه السلام: " ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد" (الصف: 6 )
ولو نزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان لكان عيسى يأتي بعد أحمد،وهذا مخالف للآيات الكريمة السابقة، ومخالف لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون" (البخاري:كتاب الأنبياء؛ باب ما ذكر عن بني إسرائيل/مسلم: كتاب الإمارة؛ وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول)
يقول القاضي عياض:‏ ‏"نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة؛ للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله، فوجب إثباته‏.‏ وأنكر ذلك بعض المعتزلة  والجهمية ومن وافقهم، وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى: " ‏وخاتم  النبيين"‏‏، وبقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا نبي بعدي‏)‏، وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة ولا تنسخ‏.‏ وهذا استدلال فاسد؛ لأنه ليس المراد بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا، ولا في هذه الأحاديث ولا في غيرها شيء من هذا، بل صحت هذه الأحاديث هنا وما سبق في كتاب الإيمان وغيرها أنه ينزل حكما مقسطا يحكم بشرعنا ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس"
ونقول للقاضي عياض: كيف سينزل المسيح عليه السلام ؟ هل سينزل نبيا, أم سينزل وهو ليس بنبي ؟ إذا كان سينزل نبيا فهذا يناقض قوله تعالى " وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ" وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وإنه لا نبي بعدي" وإن كان ينزل وهو ليس بنبي، فهل يعني هذا أنه ستنزع منه صفة النبوة!!!!؟؟؟؟
وأما قول القاضي: " بل صحت هذه الأحاديث هنا وما سبق في كتاب الإيمان وغيرها أنه ينزل حكما مقسطا يحكم بشرعنا ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس"
ونقول للقاضي عياض: هذا كلام غير دقيق، فقد جاء في الحديث الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد"( متفق عليه: البخاري؛ البيوع، قتل الخنزير/ مسلم؛ الإيمان، نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم)
يقول النووي رحمه الله في شرح الحديث:" وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - ويضع الجزية فالصواب في معناه أنه لا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام ومن بذل منهم الجزية لم يكف عنه بها بل لا يقبل إلا الإسلام أو القتل هكذا قاله الإمام أبو سليمان الخطابي وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى (صحيح مسلم بشرح النووي؛ كتاب الإيمان؛ باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم)
فنقول  للقاضي عياض: هل من شرعنا إكراه الناس على الدخول في دين الله ، وعدم قبول الجزية منهم!؟
 الجزية ثابتة في كتاب الله سبحانه وتعالى:" قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. (التوبة:29 )
وشرعنا ينهى عن إكراه الناس على الدخول في الدين:
"و َقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ" (الكهف : 29)
"ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس:99)
"لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة256:).
فهل ينزل عيسى عليه السلام بشرائع تخالف شريعتنا، وتخالف النصوص الثابتة في كتاب الله سبحانه وتعالى، من وضع الجزية وإكراه الناس حتى يكونوا مؤمنين.
ألا يعد هذا نقصا في شريعتنا، حتى ينزل عيسى عليه السلام، ليكمل لنا ما نقص منها!؟
يقول الله سبحانه وتعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة:3)

أحاديث رواها الشيخان البخاري ومسلم في نزول المسيح عليه السلام يخالف بعضها بعضا
1.      "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنتم إذا نزل بن مريم فيكم وَإِمامكم منكم" (متفق عليه. البخاري :الأنبياء ؛ نزول عيسى بن مريم عليهما السلام / مسلم : الإيمان ؛ نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم)

2.      "عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنتم إذا نزل بن مريم فيكم وأمكم"
(
مسلم : الإيمان ؛ نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم )
3.      "عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كيف أنتم إذا نزل فيكم بن مريم فأمكم منكم، فقلت لابن أبي ذئب: إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي هريرة: وإمامكم منكم، قال بن أبي ذئب: تدري ما أمكم منكم؟ قلت: تخبرني، قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم" (مسلم : الإيمان ؛ نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم)

4.      "عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة" (مسلم : الإيمان ؛ نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم)
لاحظ  التلاعب بالألفاظ  :  وَإِمامكم منكم    وأمكم  فأمكم منكم


5 : - فتح يأجوج ومأجوج وخروج الدابة

إذا حاولنا فهم كتاب الله سبحانه وتعالى ، بمعزل عن الروايات المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على اعتبار أن من نقل هذه الروايات إلينا هم بشر مثلنا يصيبون ويخطئون ، وأن هذه الروايات قد تصح نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تكون مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وضعها الوضاعون ، قبل عصر تدوين الحديث في القرنين الثاني والثالث الهجريين .حيث كانت الأحاديث تتناقل مشافهة بين الناس.
وإذا صحت نسبة هذه الروايات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن تجد بينها وبين كتاب الله سبحانه وتعالى أي تعارض أو اختلاف ، ولكننا قبل أن نبدأ بقراءة الآيات الكريمة التي تتحدث عن فتح يأجوج ومأجوج وخروج الدابة، نجد أن هذه الروايات تعارض كثيرا من الآيات الكريمة في كتاب الله سبحانه وتعالى ، فكتاب الله سبحانه وتعالى يبين أن الساعة تأني بغتة، وأن أشراطها قد جاءت وانقضت قبل أكثر من أربعة عشر قرنا: " فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها " (محمد:8)
 وهذه الآية الكريمة وضعت البشرية في حالة ترقب وانتظار للساعة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان  " فهل ينظرون" ،وإذا قلنا أن للساعة علامات لا تأتي الساعة إلا بعد مجيء هذه العلامات ، فإننا لا نستطيع القول: أن الساعة تأتي بغتة، وبدلا من أن نترقب وننتظر الساعة" فهل ينظرون" نترقب وننتظر علامات الساعة، وهذا هو واقع الأمة اليوم فالأمة اليوم  لا تتنتظر الساعة، وإنما تتنتظر علاماتها.

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة الكهف:"حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ ٱلسَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًۭا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًۭا ، قَالُوا۟ يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰٓ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّۭا ، قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌۭ فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ، ءَاتُونِى زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُوا۟ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارًۭا قَالَ ءَاتُونِىٓ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًۭا ، فَمَا ٱسْطَٰعُوٓا۟ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَٰعُوا۟ لَهُۥ نَقْبًۭا "

يتبين لنا من الآيات الكريمة أن قوم ياجوج ومأجوج كانوا مفسدين في الأرض، وقد طلب القوم الذين لا يكادون يفقهون قولا من ذي القرنين أن يبني سدا بينهم وبين يأجوج ومأجوج وقد فعل.
أعتقد أن الأمر طبيعي جدا.
لكن الذين في قلوبهم مرض أرادوا الطعن في دين الله،والصد عن سبيله فرسموا صورا خيالية لياجوج ومأجوج، وتمكنوا أن يضعوا افتراءاتهم وتخيلاتهم في كتب الحديث الشريف .

ونجد كثيرا من التساؤلات التي تثار  حول يأجوج ومأجوج :
أين هو سد يأجوج ومأجوج ؟؟،
هل يأجوج ومأجوج بشر مثلنا ؟
هل يأجوج ومأجوج هم الصينيون أم الروس أم .....مثلا؟؟
متى سيفتح سد يأجوج ومأجوج ؟؟
هل فتح يأجوج ومأجوج من علامات الساعة ؟

ونجيب على هذه التساؤلات وأمثالها فنقول:
1.وجود سد يأجوج ومأجوج حقيقة قرآنية ، نؤمن بوجوده دون أن نراه " الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقنهم ينفقون" فالإيمان بوجود السد هو إيمان بالغيب، وكل من يؤمن بالغيب يؤمن بوجود السد
2.سد يأجوج ومأجوج سد صغير، يصل بين جبلين " حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا" والصدفان هما الجبلان.
3.هذان الجبلان كانا يشكلان جرفين صخريين يصعب تسلقهما ،لهذا وصفهما الله سبحانه وتعالى بالسدين (حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا)
4. سد ياجوج ومأجوج لم يكتشفه أحد حتى الآن ، وقد يكون مدفونا تحت الأرض ، فقد وجدت آثار كثيرة ومدن كبيرة من آثار الأمم السابقة مدفونة تحت الأرض
5. القوم الذين لا يكادون يفقهون قولا طلبوا من ذي القرنين بناء سد يحميهم من هجمات يأجوج ومأجوج ، ولم يطلبوا منه بناء سد يحيط بيأجوج ومأجوج من جميع الجهات ،و يمنعهم من الاتصال بالعالم الخارجي، بحيث يبقى قوم يأجوج ومأجوج محصورين خلف السد، حتى آخر الزمان وحتى  خروج المسيح الدجال
6.قوم ياجوج ومأجوج وكذلك القوم الذين يكادون لا يفقهون قولا لا بدَّ أنهم قد اختلطوا بالشعوب الأخرى، وأصبحوا جزءا من هذه الشعوب .
7. الروايات المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تزعم أن أعداد ياجوج ومأجوج بالمليارات، ويتبين لنا ذلك من الحديثين التاليين اللذان رواهما مسلم:
الحديث الأول : ”…فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي، لا يدان لأحد بقتالهم. فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج. وهم من كل حدب ينسلون. فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية. فيشربون ما فيها. ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه، مرة، ماء. ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه. حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه. فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم. فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض. فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم..." (مسلم :كتاب الفتن وأشراط الساعة ، ذكر الدجال وصفته و ما معه)

الحديث الثاني: (عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك قال يقول أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال فذاك حين يشيب الصغير " وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " قال فاشتد ذلك عليهم قالوا يا رسول الله أينا ذلك الرجل فقال أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل......." ( مسلم : كتاب الإيمان ؛ قوله يقول الله لآدم أخرج بعث النار ...... )
8.من الغباء القول بأن المليارات من البشر ما زالوا محصورين خلف سد صغير( كما يُفْهَمُ من الأحاديث ) ، ولم تكتشقهم الأقمار الصناعية حتى الآن. ولن يخرجوا من خلف السد حتى يتهدم السد قي آخر الزمان، ويكونون علامة من علامات الساعة.
9.لن يتهدم سد يأجوج ومأجوج قبل يوم القيامة،وهو اليوم الذي يجعل الله سبحانه وتعالى فيه السد دكاء ، أي أن فتح يأجوج ومأجوج هو حدث من الأحداث المصاحبة لقيام الساعة وليس علامة من علاماتها .
لنناقش مسألة فتح يأجوج ومأجوج كما هي موجودة في القرآن الكريم ودون الخضوع للروايات المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أزعم أن هذه الروايات مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول الله سبحانه وتعالى عن ردم يأجوج ومأجوج : "قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌۭ مِّن رَّبِّى ۖ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُۥ دَكَّآءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقًّۭا ،وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍۢ يَمُوجُ فِى بَعْضٍۢ ۖ وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَٰهُمْ جَمْعًۭا”(الكهف:98 ، 99)
على ماذا تدل كلمة " يومئذ" في الآية الكريمة؟
لا شك أنها تدل على اليوم الذي يجعل الله سبحانه وتعالى السد دكاء ، وهو نفس اليوم الذي يترك الله سبحانه وتعالى البشرية تموج يعضها في بعض وهو نفس اليوم الذي ينفخ قيه الصور .
فاليوم الذي يجعل الله سبحانه وتعالى ردم يأجوج ومأجوج دكاْء؛ هو نفس اليوم الذي ينفخ فيه في الصور كما هو واضح في الآية الكريمة .
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء: "وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ، حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ "( الأنبياء: 95 ، 96 ، 97)
كلمة ” ينسلون” وردت في القرآن الكريم مرتين فقط. هنا في سورة الأنبياء، وفي سورة يس الآية:51 “وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ” و لا شك أن كلمة " ينسلون " تدل على نفس المعنى في الآيتين الكريمتين، وهو خروج الناس من الأرض يوم القيامة.
أما فاعل كلمة ينسلون في الآية الكريمة “حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍۢ يَنسِلُونَ " فيرجع إلى البشرية جمعاء ولايرجع إلى يأجوج ومأجوج حصرا، ويتبين هذا من الآية السابقة لهذه الآية الكريمة ، والتي تتكلم عن قرى أهلكها الله سبحانه وتعالى ، فهؤلاء لن يرجعوا قبل يوم القيامة: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون "
جاء في الآية 97 من سورة الأنبياء عبارة " واقترب الوعد الحق" .
فما هو الوعد الحق الذي تتكلم عنه الآية الكريمة ؟
يقول الله سبحانه وتعالى قي سورة الأعراف  الآية 44: "وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا"
إذا الوعد الحق هو الحساب والجزاء، الجنة والنار، التي تلي النفخ في الصور يوم القيامة.
فالواضح أن فتح يأجوج ومأجوج هو حدث من أحداث الساعة وليس علامة من علاماتها كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم :”…فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي، لا يدان لأحد بقتالهم. فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج. وهم من كل حدب ينسلون. فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية. فيشربون ما فيها. ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه، مرة، ماء. ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه. حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه. فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم. فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض. فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله. فيرسل الله طيرا كأعناق البخت. فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله. ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر. فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة (مسلم :كتاب الفتن وأشراط الساعة ، ذكر الدجال وصفته و ما معه)
أما خروج الدابة التي تكلم الناس، فيقول الله سبحانه وتعالى في سورة النمل الآية 82: "  وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةًۭ مِّنَ ٱلْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ"
وكلمة إذا ظرف للزمان المستقبل، ووقع عليهم أي نزل بهم أو حل عليهم، والقول هو العذاب أو الساعة. "  حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوْا۟ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلْعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّۭ مَّكَانًۭا وَأَضْعَفُ جُندًۭا"
 فَيُفهمُ من قوله سبحانه وتعالى : "  وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ" أي وقت نزول العذاب أو الساعة عليهم، وليس قبل ذلك، أي أن خروج الدابة التي تكلم الناس، حدث من أحداث الساعة وليس علامة من علاماتها، كما جاء في الروايات المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و سواء كان خروج الدابة مصاحبا لعذاب يقع على الناس ، أو أنه حدث من أحداث الساعة ، فبغتة الساعة تبقى قائمة ،كوننا نجهل أيهما المقصود في عبارة " وإذا وقع القول عليهم "
"حَتَّىٓ إِذَا رَأَوۡا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الۡعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضۡعَفُ جُندًا"
ولكن هناك قرائن يمكن أن نستنتج منها أن المفصود بعبارة (وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) هو الساعة وليس العذاب ، ولست أجزم بذلك .
وسأعقد مقابلة بين هذه الآية التي في النمل وبين سورة الزلزلة:
سورة النمل.................................................... سورة الزلزلة
أخرجنا لهم دابة من الأرض......................................وأخرجت الأرض أثقالها
تكلمهم...........................................................تحدث أخبارها
كما قلت فأنا لا أجزم بذلك ، ولكن سواء كان المقصود هو العذاب أو الساعة ، فإن ذلك لا ينفي بغتة الساعة."حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا" ( مريم : 75)
1.      "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين، واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار؛ تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا" (البخاري : الرقاق ؛ كيف الحشر – مسلم : الجنة وصفة نعيمها وأهلها؛ فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة)

2.      "عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذاكرون؟ قال نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوج ومأجوج، ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم"  ( مسلم : الجنة وصفة نعيمها وأهلها ؛ فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة)

يُفهم من الحديثين- إذا افترضنا صحتهما-  أن الناس يحشرون قبل يوم القيامة، على ثلاث طرائق هي  :
الطريقة الأولى: "راغبين راهبين" وهؤلاء يذهبون إلى محشرهم، طائعين مختارين، دون إجبار أو إكراه، وهم في سعة من الأمر يركبون دوابهم دون مضايقة أو إزعاج، وكأن شيئا لم يكن

الطريقة الثانية : يكون الأمر قد ضاق بالناس ، ولكن ما زال هناك في الأمر متسع؛ "فيذهب اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير" .

الطريقة الثالثة: يشتد الضيق على الناس؛ "وتحشر بقيتهم النار؛ تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا".
وهل يستطيع إنسانٌ أن يقيل أو يبيت أو يصبح أو يمسي، وهو يرى النار تحشره إلى محشره !؟
للعلم: القيلولة: النوم وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو بعد ، والمبيت هو النوم ليلا .
وإذا كان الأحياء يحشرون قبل يوم القيامة على هذه الطرائق الثلاث؛ فمتى يحشر الموتى؟ وعلى أية طريقة من الطرائق الثلاث يحشرون ؟
ولماذا ذُكر في الحديث الإبل، ولم تذكر السيارات والطائرات ؟
أفلا يمكن أن يذهب بعض الناس إلى محشرهم راكبين السيارات ، أو الطائرات ؟
يبين الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم  أن الله سبحانه وتعالى يحشر الناس يوم القيامة وليس قبلها، كما جاء في الحديثين السابقين :
 "وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًۭا وَبُكْمًۭا وَصُمًّۭا" (الإسراء 97)

" يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ" ( ق :44)

" وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" ( طه :124)،

"عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت: قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم:‏ ‏تحشرون حفاة عراة غرلا، قالت ‏‏عائشة: ‏ ‏فقلت: يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، فقال الأمر أشد من أن يهمهم ذاك" ‏(البخاري : الرقاق ؛ كيف الحشر – مسلم : الجنة وصفة نعيمها وأهلها ؛فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة)



 

م م رشيد

 
دعوة للتصحيح ، ليس كل ما في الصحيحين صحيح 


اضعط الرابط


Aucun commentaire: