mardi 14 octobre 2014

العدالة الاجتماعية سيد قطب و محمد شحرور و مقالات اخرى



 

 سيّد قطب في كتابه "العدالة الاجتماعيّة"
[ص159]: "هذا التّصوّر لحقيقة الحكم قد تغيّر شيئًا ما دون شكّ على عهد عثمان - وإن بقي في سياج الإسلام - لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير. ومن ورائه مروان بن الحكم يصرّف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام.كما أنّ طبيعة عثمان الرّخيّة، وحدبه الشّديد على أهله، قد ساهم كلاهما في صدور تصرّفات أنكرها الكثيرون من الصّحابة من حوله، وكانت لها معقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيرًا. منح عثمان من بيت المال زوج ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مئتي ألف درهم. فلمّا أصبح الصّباح جاءه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين، وقد بدا في وجهه الحزن وترقرقت في عينه الدّموع، فسأله أن يعفيه من عمله؛ ولما علم منه السّبب وعرف أنّه عطيته لصهره من مال المسلمين، قال مستغربًا: "أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحمي؟" فردّ الرجل الّذي يستشعر روح الإسلام المرهف: "لا يا أمير المؤمنين.ولكن أبكي لأنّي أظنّك أخذت هذا المال عوضًا عمّا كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله. والله لو أعطيته مئة درهم لكان كثيرًا!" فغضب عثمان على الرّجل الّذي لا يطيق ضميره هذه التّوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين وقال له: "ألقِ المفاتيح يا ابن أرقم فإنّا سنجد غيرك"!
والأمثلة كثيرة في سيرة عثمان على هذه التّوسعات؛ فقد منح الزّبير ذات يوم ستمائة ألف، ومنح طلحة مائتي ألف، ونفّل مروان بن الحكم خمس خراج إفريقية. ولقد عاتبه في ذلك ناس من الصّحابة عل رأسهم علي بن أبي طالب، فأجاب: "إنّ لي قرابة ورحمًا" فأنكروا عليه وسألوه: "فما كان لأبي بكر وعمر قرابة ورحم؟" فقال: "إنّ أبا بكر وعمر كان يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي" فقاموا عنه غاضبين يقولون: "فهديهما والله أحب إلينا من هديك" وغير المال كانت الولايات تغدق على الولاة من قرابة عثمان. وفيهم معاوية الّذي وسع عليه في الملك فضمّ إليه فلسطين وحمص؛ وجمع له قيادة الأجناد الأربعة ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي وقد جمع المال والأجناد. وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله الّذي آواه عثمان وجعل ابنه مروان بن الحكم وزيره المتصرّف. وفيهم عبد الله بن سعد بن أبي السّرح أخوه من الرّضاعة…الخ"

 
من كتاب العدالة الاجتماعية سيد قطب 


خلّف عثمان الدولة الأمويّة قائمة بالفعل بفضل ما مكّن لها في الأرض بتمكينه للمبادئ الأمويّة المجافية لروح الإسلام
[ص160- 161]: " وأخيرًا ثارت الثّائرة على عثمان، واختلط فيها الحق والباطل، والخير والشّر.
 
ولكن لابد لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام، ويستشعر الأمور بروح الإسلام، أن يقرر أنّ تلك الثّورة في عمومها كانت ثورة من روح الإسلام؛
وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهودي ابن سبأ عليه لعنة الله ! 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاجظة : ((ابن سبأ خرافة بعض المؤرخين ينكر وجوده جملة و تفصيلا))

(س.ج) 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واعتذارنا لعثمان رضي الله عنه: أنّ الخلافة قد جاءت إليه متأخرة، فكانت العصبة الأمويّة حولـه وهو يدلف إلى الثّمانين، فكان موقفه كما وصفه صاحبه علي بن أبي طالب: "إنّي إن قعدت في بيتي قال: تركتني وقرابتي وحقي؛ وإن تكلّمت فجاء ما يريد، يلعب به مروان، فصار سيقة له يسوقه حيث شاء، بعد
 
كبر سنّه وصحبته لرسول الله " اهـ
 
 ص 167 ـ 168 )) وإذا كنا لا نؤرخ هنا للدولة الإسلامية، ولكن الروح الإسلامي في الحكم، فإننا نكتفي في إبراز مظاهر التحول والإنحسار بإثبات ثلاث خطب من عهد الملوك. وبموازنتها بالخطب الثلاث التي سبقت في عهد الخلفاء يتبين الفارق العميق. خطب معاوية في أهل الكوفة بعد الصلح فقال :
يا أهل الكوفة ! أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون، وتزكون وتحجون ؟ ولكني قاتلتكم لأتأمرعليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني الله ذلك، وأنتم كارهون. ألا إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول، وكل شرط شرطته، فتحت قدمي هاتين ".
وخطب كذلك في أهل المدينة فقال : 
أما بعد، فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم، ولا مسرة بولايتي. ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة. ولقد رضت لكم نفسي على عمل ابن أبي قحافة، وأردتها على عمل عمر، فنفرت نفاراً شديداً، وأردتها على سنيات عثمان، فأبت على، فسلكت بها طريقاً لي ولكم فيه منفعة، مؤاكلة حسنة، ومشاربة جميلة، فإن لم تجدوني خيركم، فإني خير لكم ولاية... " 
وخطب المنصور العباسي ـ وقد فعلت الموجة الأموية فعلها في تصور الحكم حتى انتهت به أيام العباسيين إلى نظرية الحق الإلهي المقدس التي لا يعرفها الإسلام فقال : " أيها الناس : إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتأييده، وحارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأعطيه بإذنه فقد جعلني الله عليه قفلاً، إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم، وإن شاء أن يقفلني عليه أقفلني " ! وبذلك خرجت سياسة الحكم نهائياً من دائرة الإسلام وتعاليم الإسلام. فأما سياسة المال فكانت تبعاً لسياسة الحكم، وفرعاً عن تصور الحكام لطبيعة الحكم وطريقته، ولحق الراعي والرعية. فأما في حياة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـوصاحبيه وفي خلافة علي بن أبي طالب،فكانت النظرة السائدة هي النظرة الإسلامية : وهي أن المال العام مال الجماعة، ولا حق للحاكم بنفسه أو بقرابته أن يأخذ منه شيئاً إلا بحقه، ولا أن يعطي أحداً منه إلا بقدر ما يستحق، شأنه شأن الآخرين. وأما حين انحرف هذا التصور قليلاً في عهد عثمان، فقد بقيت للناس حقوقهم، وفهم الخليفة أنه في حل ـ وقد اتسع المال عن المقررات للناس ـ أن يطلق فيه يده يبر أهله ومن يرى من غيرهم حسب تقديره. وأما حين صارالحكم إلى الملك العضوض فقد انهارت الحدود والقيود، وأصبح الحاكم مطلق اليد في المنع والمنح، بالحق في أحيان قليلة وبالباطل في سائر الأحيان. واتسع مال المسلمين لترف الحكام وأبنائهم وحاشيتهم ومملقيهم إلى غير حد , وخرج الحكام بذلك نهائياً من كل حدود الإسلام في المال)).
 من كتاب العدالة الاجتماعية سيد قطب
  :
  (ص 172 ـ 173 ): ((هما رأيان إذن في تقسيم المال. رأي أبي بكر ورأي عمر. وقد كان لرأي عمر ـ رضي الله عنه ـ سنده : " لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه " و.... " فالرجل وبلاؤه في الإسلام.... " ولهذا الرأي أصل في الإسلام وهو التعادل بين الجهد والجزاء وكان لرأي أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ سنده كذلك : " إنما أسلموا لله وعليه أجرهم، يوفيهم ذلك يوم القيامة، وإنما هذه الدنيا بلاغ " ولكننا لا نتردد في اختيار رأي أبي بكر إذ كان أقمن أن يحقق المساواة بين المسلمين ـ وهي أصل كبير من أصول هذا الدين ـ وأحرى أن لا ينتج النتائج الخطرة التي نتجت عن هذا التفاوت، من تضخم ثروات فريق من الناس، وتزايد هذا التضخم عاماً بعد عام بالاستثمار ـ والمعروف اقتصادياً أن زيادة الربح تتناسب إلىحد بعيد مع زيادة رأس المال ـ هذه النتائج التي رآها عمر في آخر أيام حياته، فآلى لئن جاء عليه العام ليسوين في الأعطيات، وقال قولته المشهورة : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت من الأغنياء فضول أموالهم فرددتها على الفقراء " !ولكن واأسفاه ! لقد فات الأوان، وسبقت الأيام عمر، ووقعت النتائج المؤلمة التي أودت بالتوازن في المجتمع الإسلامي، كما أدت فيما بعد إلى الفتنة، بما أضيف إليها من تصرف مروان وإقرار عثمان ! رجع عمر عن رأيه في التفرقة بين المسلمين في العطاء، حينما رأى نتائجه الخطرة، إلى رأي أبي بكر. وكذلك جاء رأي علي مطابقاً لرأي الخليفة الأول ـ ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي ـ رضي الله عنه ـ امتداداً طبيعياً لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان الذي تحكم فيه مروان كان فجوة بينهما ـ لذلك نتابع الحديث عن عهد علي ثم نعود للحديث عن الحالة في أيام عثمان.
اختار علي مبدأ المساواة في العطاء، وقد نص عليه في خطبته الأولى حيث قال : " ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله يرى أن الفضل له على سواه بصحبته، فإن الفضل غداًعند الله، وثوابه وأجره على الله. ألا وأيما رجل استجاب لله ولرسوله، فصدّق ملتنا، ودخل ديننا، واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده. فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية، ولا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله أحسن الجزاء " هذا هو المبدأ الإسلامي السليم الذي يتفق مع روح المساواة الإسلامية، ويكفل للمجتمع الإسلامي التوازن، فلا يدع الثروات تتضخم إلا بقدر الجهد والعمل وحدهما، لا بفضل إتاحة فرصة لا تتاح للآخرين، بوجود وفر من المال للعمل فيه أكبر مما لدى الآخرين. وقد كان عمر آخر أيامه على أن يفيء إلى هذا المبدأ، ولكنه عوجل فاستشهد ولم ينفذ عزيمته التي اعتزم، بل عزيمتيه : عزيمته في أن يأخذ فضول أموال الأغنياء فيردها على الفقراء، إذ كانت هذه الفضول قد نشأت ـ في الأغلب ـ من تفريقه في العطاء، وعزيمته في أن يسوي بينهم في العطاء فلا تعود هذه الفوارق إلى الظهور كما ظهرت، ولا يختل المجتمع الإسلامي كما بدأ يختل)).
من كتاب العدالة الاجتماعية سيد قطب 
ص: 173 ) ((وجاء عثمان ـ رضي الله عنه ـ فلم ير أن يأخذ بالعزيمتين أو إحداهما... ترك الفضول لأصحابها فلم يردها، وترك الأعطيات كذلك على تفاوتها. ولكن هذا لم يكن كل ما كان. بل وسع أولاً على الناس في العطاء فازداد الغني غنى، وربما تبجح الفقير قليلاً، ثم جعل يمنح المنح الضخمة لمن لا تنقصهم الثروة، ثم أباح لقريش أن تضرب في الأرض تتاجر بأموالها المكدسة، فتزيدها أضعافاً مضاعفة، ثم أباح للأثرياء أن يقتنوا الضياع والدور في السواد وغير السواد، فإذا نوع من الفوارق المالية الضخمة يسود المجتمع الإسلامي في نهاية عهده يرحمه الله.
كان أبو بكر وكان عمر من بعده يتشددان في إمساك الجماعة من رؤوس قريش بالمدينة، لا يدعونهم يضربون في الأرض المفتوحة، احتياطاً لأن تمتد أبصار هؤلاء الرؤوس إلى المال والسلطان، حين تجتمع إليهم الأنصار بحكم قرابتهم من رسول الله، أو بحكم بلائهم في الإسلام وسابقتهم في الجهاد. وما كان في هذا افتيات على الحرية الشخصية كما يفهمها الإسلام، فهذه الحرية محدودة بمصلحة الجماعة والنصح لها. فلما جاء عثمان أباح لهم أن يضربوا في الأرض.ولم يبح لهم هذا وحده بل يسر لهم وحضهم على توظيف أموالهم في الدور والضياع في الأقاليم، بعد ما آتى بعضهم من الهبات مئات الآلاف. لقد كان ذلك كله براً ورحمة بالمسلمين وبكبارهم خاصة. ولكنه أنشأ خطراً عظيماً لم يكن خافياً على فطنة أبي بكر، وفطنة عمر بعده. أنشأ الفوارق المالية والاجتماعية الضخمة في الجماعة الاسلامية، كما أنشأ طبقة تأتيها أرزاقها من كل مكان دون كد ولا تعب، فكان الترف الذي حاربه الإسلام بنصوصه وتوجيهاته، كما حاربه الخليفتان قبل عثمان، وحرصا على ألا يتيحاه)). 
من كتاب العدالة الاجتماعية سيد قطب 
 (ص : 174 ـ175 ) ((عندئذٍ ثار الروح الإسلامي في نفوس بعض المسلمين، يمثلهم أشدهم حرارة وثورة أبو ذر. ذلك الصحابي الجليل الذي لم تجد هيئة الفتوى المصرية في الزمن الأخير إلا أن تخطئه في اتجاهه، وإلا أن تزعم لنفسها بصراً بالدين أكثر من بصره بدينه ! ثم عادت ـ في مناسبة أخرى ـ فأصدرت فتوى بصواب اتجاهه، عندما تغيرت الظروف الأولى ! كأن دين الله سلعة تتجر بها الهيئة في سوق الرغبات. قام أبو ذر ينكر على المترفين ترفهم الذي لا يعرفه الإسلام، وينكر على معاوية وأمية خاصة سياستهم التي تقر هذا الترف، وتستزيد منه، وتتمرغ فيه، وينكر على عثمان نفسه أن يهب من بيت المال المئات والألوف، فيزيد في ثراء المثرين وترف المترفين. علم أن عثمان أعطى مروان بن الحكم خمس خراج إفريقية، والحارث بن الحكم مائتي ألف درهم، وزيد بن ثابت مائة ألف... وما كان ضمير أبي ذر ليطيق شيئاً من ذلك كله. فانطلق يخطب في الناس : " لقد حدثت أعمال ما أعرفها. والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه. والله إني لأرى حقاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً، وأثرة بغير تقى... يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء. وبشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوٍ من نار، تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم... يا كانز المال اعلم أن في المال ثلاثة شركاء : القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت، والوارث ينتظر أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم، وأنت الثالث، إن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكونن.. إن الله عز وجل يقول : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ". " اتخذتم ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمتم الاضطجاع على الصوف الأذربي، وكان رسول الله ينام على الحصير، واختلف عليكم بألوان الطعام، وكان رسول الله لا يشبع من خبز الشعير ".
وروى مالك بن عبد الله الزيادي عن أبي ذر : " أنه جاء يستأذن على عثمان بن عفان، فأذن له وبيده عصاه. فقال عثمان، يا كعب، إن عبد الرحمن توفي وترك مالاً، فما ترى فيه ؟ فقال : إن كان يصل فيه حق الله فلا بأس عليه. فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعباً. وقال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " ما أحب لو أن لي هذا الجبل ذهباً أنفقه ويتقبل مني، أذر خلفي منه ست أواق " أنشدك الله يا عثمان. أسمعته ـ ثلاث مرات ـ قال : نعم ". وما كانت مثل هذه الدعوة ليطيقها معاوية، ولا ليطيقها مروان بن الحكم , فما زالا به عند عثمان يحرضانه عليه حتى كان مصيره إلى "الربذة " منفياً من الأرض في غير حرب لله ولرسوله، وفي غير سعي في الأرض بالفساد. كما تقول شريعة الإسلام ! 
  سياسة عثمان أدت إلى تفريق الجماعة الإسلامية طبقات وإلى تحطيم الأسس التي جاء بها هذا الدين  :
قال سيد في (ص : 175 ـ 176 ) ((لقد كانت هذه الصيحة يقظة ضمير مسلم لم تخدره الأطماع، أمام تضخم فاحش في الثروات، يفرق الجماعة الإسلامية طبقات، ويحطم الأسس التي جاء هذا الدين ليقيمها بين الناس. وبحسبنا أن نعرض هنا نموذجاً للثروات الضخام أورده المسعودي، قال : " في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال : فكان لعثمان يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار، وخلف إبلاً وخيلاً كثيرة. وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار، وخلف ألف فرس وألف أمة. وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم. ومن ناحية السراة أكثر من ذلك. وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف ألف فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف من الغنم، وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً. وخلف زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع، وبنى الزبير دارة بالبصرة. وبنى أيضاً بمصر والكوفة والإسكندرية وكذلك بنى طلحة دارة بالكوفة، وشيد دارة بالمدينة، وبناها بالجص والآجر والساج. وبنى سعد بن أبي وقاص دارة بالعقيق، ورفع سمكها وأوسع فضاءها، وجعل على أعلاها شرفات. وبنى المقداد دارة بالمدينة، وجعلها مجصصة الظاهر والباطن. وخلف يعلى بن منبه خمسين ألف دينار وعقاراً، وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف درهم ". هذا هو الثراء الذي بدأ صغيراً بإيثار بعض المسلمين على بعض في العطاء في أيام عمر ـ ذلك الإيثار الذي كان معتزماً إبطاله وتلافي آثاره لولا أن عاجلته الطعنة التي لم تصب قلب عمر وحده، وإنما أصابت قلب الإسلام ـ ثم نما وازداد بإبقاء عثمان عليه، فضلاً عن العطايا والهبات والقطائع. ثم فشا فشواً ذريعاً بتجميع الأملاك والضياع وموارد الاستغلال، بما أباحه عثمان من شراء الأرضين في الأقاليم وتضخيم الملكيات في رقعة واسعة، وبمقاومة الصيحة الخالصة العميقة التي انبعثت من قلب أبي ذر، وكانت جديرة لو بلغت غايتها، ولو وجدت من الإمام استماعاً لها، أن تعدل الأوضاع، وأن تحقق ما أراده عمر في أواخر أيامه من رد فضول الأغنياء على الفقراء، بما يبيحه له سلطان الإمامة لدفع الضرر عن الأمة، بل بما يحتمه عليه تحقيقاً لمصلحة الجماعة.
  عثمان رضي الله عنه 
 :
  (ص : 175-176) ((وبقدر ما تكدست الثروات وتضخمت في جانب، كان الفقر والبؤس في الجانب الآخر حتماً، وكانت النقمة والسخط كذلك، وما لبث هذا كله أن تجمع وتضخم، لينبعث فتنة هائجة، يستغلها أعداء الإسلام، فتودي في النهاية بعثمان. وتودي معه بأمن الأمة الإسلامية وسلامتها، وتسلمها إلى اضطراب وفوات لم يخب أواره حتى كان قد غشي بدخانه على روح الإسلام، وأسلم الأمة إلى ملك عضوض. لذلك لم يكن غريباً أن يغضب أصحاب الأموال، والمستنفعون من تفاوت الحظوظ في العطاء، على سياسة المساواة والعدالة التي اعتزمها علي بعد عثمان، وأن يتظاهروا بأنهم إنما ينصحون بالعدول عن هذه السياسة خوفاً عليه من الانتقاض، فما كان جوابه إلا أن يستلهم روح الإسلام في ضميره القوي فيقول : " أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ؟ لو كان هذا المال لي لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله ؟ إلا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف وهو يرفع صاحبه في الدنيا، ويضعه في الآخرة ".
فأما بنو أمية فقد ساروا في سياسة المال سيرة أخرى. حتى كان عمر بن عبد العزيز فصنع الذي أسلفنا في رد المظالم، وفي الكف عن بعثرة أموال المسلمين في غير حقها، فلم يكن لبني أمية إلا ما لسائر الناس، ولم يكن للمتملقين والملهين نصيب في هذا المال، فقد انقطع عن الشعراء المداح، ولم يجزهم بشيء من بيت المال)). ثم تكلم عن عهد عمر بن عبد العزيز ثم قال :(( إنما الفقر والحاجة ثمرة التضخم والزيادة. والفقراء في كل وقت هم ضحايا الأغنياء المفحشين والأغنياء المفحشون في الغالب هم نتاج الأعطيات والإقطاعيات والمحاباة والظلم والاستغلال ! وفي أيام بني أمية ثم في أيام بني العباس من بعدهم، كان بيت المال مباحاً للملوك كأنه ملك لهم خاص، وذلك على الرغم من وجود بيتين للمال : بيت المال العام، وبيت المال الخاص . والأول مفروض أن موارده ومصارفه للجماعة، والثاني مفروض أن موارده ومصارفه من خاصة السلطان. لكنا نجد أحياناً أن أموالاً عامة تحمل إلى بيت المال الخاص. وأن مصارف خاصة تؤخذ من بيت المال العام ! 
جاء في كتاب الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري تأليف آدم ميتز وترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة : " أما العطايا وكل ما يتعلق بنفقات دار الخلافة فكان يؤخذ من بيت المال العام. وعندنا بيان يرجع إلى أول القرن الرابع مشتمل على وجوه الأموال التي تحمل إلى بيت مال الخاصة : 
1-الأموال المختلفة التي يتركها الآباء لأبنائهم في بيت المال. ويقال : إن الرشيد خلف أكبر مقدار من المال، وهو ثمانية وأربعون ألف ألف دينار، وكان المعتضد[ 297 – 289 هـ] يستفضل من كل سنة من سني خلافته بعد النفقات، مما كان يحصله بيت مال الخاصة ألف ألف دينار، حتى اجتمع في بيت المال تسعة آلاف ألف دينار، وكان يريد أن يتممها عشرة آلاف ألف دينار، ثم يسبكها ويجعلها نقرة واحدة، ونذر عند بلوغ ذلك أن يترك عن أهل البلاد ثلث الخراج في تلك السنة. وأراد أن يطرح السبيكة على باب العامة ليبلغ أصحاب الأطراف أن له عشرة آلاف ألف دينار وهو مستغن عنها، فاخترمته المنية قبل بلوغ الأمنية. ثم جاء المكتفي بعد المعتضد[ 289 – 295 هـ] فأبلغ المدخر إلى أربعة عشر ألف ألف دينار.
2-مال الخراج والضياع العامة الذي يرتفع من أعمال فارس وكرمان[ بعد إسقاط النفقات].))
ثم واصل هذا التشويه مستفيدا ذلك من كلام آدم ميتز. وهكذا يستقي سيد قطب الطعون في الصحابة والتابعين والعهد الأموي والعباسي ثم يبالغ فيها ويضخمها فلا ندري ماذا أبقى للإسلام والمسلمين من الاعتزاز بتلك العهود ولا سيما القرون المفضلة عهد عزّة الإسلام وعهد الفتوحات العظيمة.
  معاوية وعمرو
 – قال سيد قطب في كتابه
 :[ كتب وشخصيات] ص/[242-243] :[[إن معاوية وزميله عمْراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب. ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك على أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل. فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح. على أن غلبة معاوية على علي، كانت لأسباب أكبر من الرجلين : كانت غلبة جيل على جيل، وعصر على عصر، واتجاه على اتجاه. كان مد الروح الإسلامي العالي قد أخذ ينحسر. وارتد الكثيرون من العرب إلى المنحدر الذي رفعهم منه الإسلام، بينما بقي علي في القمة لا يتبع هذا الانحسار، ولا يرضى بأن يجرفه التيار. من هنا كانت هزيمته , وهي هزيمة أشرف من كل انتصار. وهنا نصل إلى الملاحظة الرابعة. إذ نرى المؤلف يهش لروح النفعية في السياسة، ويشيد بأصحابها، ولا يعترف بغير النجاح العملي،ولو على أشلاء المثل العليا والأخلاق)). ثم واصل كلامه إلى أن قال: ((لقد كان انتصار معاوية هو أكبر كارثة دهمت روح الإسلام التي لم تتمكن بعد من النفوس. ولو قد قدر لعلي أن ينتصر لكان انتصاره فوزاً لروح الإسلام الحقيقية : الروح الخلقية العادلة المترفعة التي لا تستخدم الأسلحة القذرة في النضال. ولكن انهزام هذه الروح ولما يمض عليها نصف قرن كامل، وقد قضي عليها فلم تقم لها قائمة بعد ـ إلا سنوات على يد عمر بن عبد العزيز ـ ثم انطفأ ذلك السراج، وبقيت الشكليات الظاهرية من روح الإسلام الحقيقية. لقد تكون رقعة الإسلام قد امتدت على يدي معاوية ومن جاء بعده. ولكن روح الإسلام قد تقلصت، وهزمت، بل انطفأت. فأن يهش إنسان لهزيمة الروح الإسلامية الحقيقية في مهدها، وانطفاء شعلتها بقيام ذلك الملك العضود... فتلك غلطة نفسية وخلقية لا شك فيها. 
على أننا لسنا في حاجة يوماً من الأيام أن ندعو الناس إلى خطة معاوية. فهي جزء من طبائع الناس عامة. إنما نحن في حاجة لأن ندعوهم إلى خطة علي، فهي التي تحتاج إلى ارتفاع نفسي يجهد الكثيرين أن ينالوه. وإذا احتاج جيل لأن يدعى إلى خطة معاوية، فلن يكون هو الجيل الحاضر على وجه العموم. فروح " مكيافيلي " التي سيطرت على معاوية قبل مكيافيلي بقرون، هي التي تسيطر على أهل هذا الجيل، وهم أخبر بها من أن يدعوهم أحد إليها ! لأنها روح " النفعية " التي تظلل الأفراد والجماعات والأمم والحكومات ! وبعد فلست شيعياً لأقرر هذا الذي أقول. إنما أنا أنظر إلى المسألة من جانبها الروحي والخلقي، ولن يحتاج الإنسان أن يكون شيعياً لينتصر للخلق الفاضل المترفع عن " الوصولية " الهابطة المتدنية، ولينتصر لعلي على معاوية وعمرو. إنما ذلك انتصار للترفع والنظافة والاستقامة)).
 http://feker.net/ar/wp-content/uploads/2009/05/qutb.jpg
 من كتاب العدالة الاجتماعية سيد قطب
 https://lh5.googleusercontent.com/-feAb1SXiplg/TbVWV4PkgrI/AAAAAAAABns/oFgqht70ZjM/222222.PNG
علي العميم

بقلم : علي العميم


في نقد الباحث الأمريكي حامد ألجار وروايته عن تاريخ الاخوان في مصر
أساطير حول سيد قطب
يسوّغ حامد ألجار إعادة ترجمة كتاب سيد قطب الشهيد: (العدالة الاجتماعية في الإسلام) المنشور بالعربية سنة 1949م، مجدداً إلى الإنجليزية بأن ترجمة جون ب. هاردي له التي نشرت سنة 1953م من قبل المجلس الأمريكي للجمعيات الثقافية * American Council of Learned Societies فيها عدد من الفقرات لا تنبئ بالحقيقة. وأنه وجد عند مقارنتها بالنص العربي أن هاردي لم يفهم النص الأصلي.
سيد قطب خلف القضبان
يضيف ألجار قائلاً: “كانت أخطاء المترجم شائعة إلى درجة تجعل إعادة النظر أمراً ضرورياً، وقد نتج عن إعادة النظر هذا أني اكتشفت أخطاءً كثيرة أخرى. وغالباً ما خلط كلمات متشابهة إلى حد كبير مع بعضها البعض وفشل في فهم بنية اللغة العربية، ولجأ أحياناً إلى تخمين واضح عندما واجهته جملة أو عبارة بها إشكال”.
ويعجب من أن الأخطاء الفادحة التي تفسد ترجمة هاردي استمرت كلها تقريباً من دون أن تكشف. ويستثني من هذا الغفلة “تعليق متحفظ قدمه وليم شيبرد في مقالة قيّمة عن العدالة الاجتماعية في الإسلام” نشر سنة 1992م.
يعلل حامد ألجار وقوع أخطاء جمّة في ترجمة هاردي وفق الترجيح الآتي: ” وهذا قد يعود إلى أن الترجمة قد عملت بالتعاون مع سيد قطب نفسه. وإذا كان ذلك صحيحاً، فإما أن تكون معرفة سيد قطب بالإنجليزية لا توازي مهمة الترجمة، أو أنه وثق بمعرفة هاردي باللغة العربية إلى درجة أن اقتنع باستعراض سريع لها “. 
ويجمل رأيه بترجمة هاردي بعبارة موجزة هي: أن هذه الترجمة تبدو أثناء قراءتها جيدة أحياناً على نحو خادع، وصحيحة ولبقة في الوقت نفسه.
ثم يشرح بعد ذلك ما فعله في إعادة الترجمة، فيقول: ” لقد عدلت الترجمة بأكملها لكي أصحح كل الأغلاط الجسيمة في المعاني. كما أن إعادة النظر مرة أخرى بشكل شامل لجعل الكلمات والبنية تعكس بشكل أقرب إلى ما هو موجود في النص العربي، كان – بالطبع – ممكناً “. 
وعرض وهو يشرح ما فعله في إعادة الترجمة، للصعوبات التي واجهته في أداء المهمة التي ندب نفسه لإنجازها. هذه الصعوبات بحسب ذكره لها هي:
1- أن كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) خرج في عدة طبعات مختلفة لم تكن بالضرورة مطابقة تماماً لبعضها البعض. وينبِّه إلى أن هذا الأمر على نحو عام، لم يلفت الانتباه. ويستثني من ذلك مرة أخرى وليم شيبرد الذي وصف مقالته – كما مرّ بنا – بالقيّمة.
2- تم طبع الكتاب سبع مرات على الأقل، لكن ليس من المؤكد أن كل نشرة كانت طبعة مختلفة. لأن كلمة طبعة قد تعني نسخة وقد تعني أيضاً طبعة منقحة.
3- لم يتسنى لي سوى الحصول على الطبعة / النشرة الخامسة الصادرة في القاهرة بتاريخ 1377هـ/1958م، وهي بالتأكيد حتى لو أخذنا بعين الاعتبار أخطاؤه في الترجمة – تختلف كثيراً عن الطبعة الأولى التي استخدمها هاردي.
4- هناك فقرأت بأكملها في طبعة هاردي ليست موجودة في طبعة 1377هـ/ 1958م، والتي أضيف إليها مواد لم تكن موجودة في الطبعة الأولى. وفيما إذا كانت تلك التغييرات قد علمت للطبعة الخامسة أو بتاريخ سابق، فهذا أمر لم يمكنني التحقق منه.
وبعد ذكره لهذه الصعوبات ذكر الفروقات التي وجدها ما بين الطبعة الأولى والطبعة الخامسة (1377هـ/1958م) التي استند إليها في مطابقة ما ترجمه هاردي مع النص الأصلي. هذه الفروقات التي ذكرها هي:
1- في الطبعة الأولى – طبعة هاردي كما يسميها – نقاش مسهب حول بابي (المصالح المرسلة) و (سد الذرائع) وحول الجفول الذي بدا على القوات العربية في مواجهة الوحشية والفضائع الصهيونية في أثناء حرب فلسطين الأولى. وفي الطبعة الخامسة هذا النقاش محذوف منها.
2- في الطبعة الخامسة توصيات مفصلة عن تدريس التاريخ الإسلامي ودور الأدب في التعليم. وفي الطبعة الأولى لا يوجد شيء من هذا.
3- الأحاديث التي تستخدم للاستدلال في مختلف المواضيع ليست متطابقة تماماً في هاتين الطبعتين.
يقول عقب ذلك: ” بناءً على المقارنة بين الطبعة الأولى والطبعة السابعة يشير وليم شيبرد إلى أن التغييرات تعكس اتجاه سيد قطب نحو ما أسماه (الإسلام الجوهري الجذري). هذا الاتجاه سببه التأثير الأيديولوجي لمولانا المودودي من ناحية والأحداث الآخذة في الظهور في مصر من ناحية أخرى”. 
ويرى حامد ألجار أن تحليل شيبرد قد يعكس المسافة التي قطعها سيد قطب بين الطبعة الأولى والطبعة السابعة ولكن لا يمكن القول بذلك فيما يتعلق بالطبعة الخامسة والتي اضطر لاستخدامها بهدف تصحيح ترجمة هاردي.
ويختم شرحه بما فعله بصدد إعادة الترجمة بالقول: ” أما فيما يتعلق بالفروق الموجودة بين الطبعة الأولى والخامسة فإنني امتنعت عن إضافة المواد الموجودة فقط في الأخيرة وحذف مواد موجودة فقط في الأولى معتقداً على يقين بأن الطبعة الأولى لها منطقيتها وقيمتها الوثائقية”.
ما تقدم هو نقل للفقرات الأخيرة من مقدمة حامد ألجار لكتاب (Social Justice in Islam by Sayyid Qutb–Translated by John B. Hardie، Translation Revised and Introduction By Hamid Algar) الصادر سنة 2000م. والكتاب عبارة عن ترجمة معدلة لترجمة جون ب. هاردي لكتاب سيد قطب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) المنشورة سنة 1953م بواشنطن. يتضمن مقدمة تقع في سبعة عشر صفحة، تفضل الأستاذ أحمد الشنبري مشكوراً بترجمتها لي وترجمة بيانات نشر الطبعة الأولى لترجمة هاردي وتصديره للترجمة، كما ترجم لي فقرات من كتاب جيمس هيوراث دن: (Religious and Political Trends Modern Egypt الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة)، الصادر سنة 1950م. وفقرات من كتاب وليم شيبرد: (Sayyid Qutb and Islamic Activism: a Translation and Critical Analyses of Social Justice in Islam) سيد قطب والحراك الإسلامي: ترجمة وتحليل نقدي لكتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام) الصادر سنة 1996م. هذه الفقرات وبيانات النشر، كنت بحاجة إلى ترجمتها إلى العربية لكتابة مراجعة نقدية لمقدمة حامد ألجار عن تاريخ سيد قطب وكتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) في القسم الأول من البحث. 
تقدم على الفقرات الأخيرة من المقدمة التي نقلتها، تقديم لمحة عن حياته الشخصية والتعليمية والوظيفية والأدبية والسياسية والدعوية منذ ولادته (1906م) إلى سنة إعدامه (1966م). وعرض لعلاقة الإخوان المسلمين بالضباط الأحرار في مرحلتي التحالف والصراع. ووقوف عند كتابه:(العدالة الاجتماعية في الإسلام) وكتابيه الآخرين:(في ظلال القرآن) و (معالم في الطريق) وتلمس لتأثير الكتاب الأول في كتب إسلامية تالية هي:
(اشتراكية الإسلام) لمصطفى السباعي، (كيديلان سوسيال دلم إسلام) للمفكر الاندونيسي هامكا، (اقتصادنا) لمحمد باقر الصدر، وتأثيره في خطب عالم ديني ناشط سياسياً في إيران، هو أبو القاسم كاشاني.
من هو حامد ألجار؟
قبل الاسترسال في الملاحظات النقدية لحامد ألجار، لنسأل من هو هذا الرجل؟
أميل إلى أن حامد ألجار اسم غير معروف بالقدر الكافي في العالم العربي. فالمعرفة به تقتصر على بعض الأكاديميين العرب الذين لهم صلة أكاديمية ببعض الجامعات الأمريكية وعلى بعض المثقفين العرب المهتمين بالثورة الإيرانية وآخرين من المتحمسين لها وأنصارها.
يعود السبب في ذلك أنه لم يترجم من أعماله إلى العربية سوى نزر قليل وأنه ليس له حضور في الصحافة والفضائيات العربية.

  




 
 من كتاب العدالة الاجتماعية سيد قطب
 







ينشغل العالم بمكافحة الإرهاب، وتشن الحروب وتعقد المؤتمرات تحت مسميات عدة، محورها الأساسي هو هذا الهدف، وبغض النظر عن المخططات والمشاريع والمستفيد والمستهدف،نجد أنفسنا كمسلمين مؤمنين بالرسالة المحمدية، معنيين بشكل أو بآخر، كون الإرهاب المقصود إسلامي المصدر، سواء كان هذا القصد في محله أم لا أساس له من الصحة، هذا عدا عن كوننا نحن السوريون لم نخرج بعد من سلطة مستبد أحرق الحرث والنسل، ووجدنا أنفسنا في مواجهة مع أطراف عدة، حولت سورية إلى مستنقع لتصفية الحسابات من كل حدب وصوب، وكل طرف من هذه الأطراف يسمي حربه “جهاداً” ضد “إرهابيين” وقتلاه “شهداء”.
اليوم لم تعد الغيرة على النظرة للإسلام فقط هي الحافز لتصحيحها، بل ما آلت إليه حالنا، فالثقافة الإسلامية الموروثة مسؤولة عن أخطاء جمة شائعة في فهمنا لمصطلحات أساسية شكلت وعينا الجمعي، بحيث أصبحنا شعوب تقدس الموت بدل الحياة، وتعتبره غاية يسعد من يصل إليها، في حين أغفلت هذه الثقافة غاية رئيسية من خلق الإنسان وهي حرية الناس في اختيار عقائدهم.
ومن هنا، وانطلاقاً من القناعة بأن التنزيل الحكيم نص مقدس صالح لكل زمان ومكان، كاف وواف وغير منقوص، أكمل الله لنا من خلاله ديننا، علينا البحث فيه عن تلك المفاهيم التي تحرك آلاف الشباب، وتحولهم وفق فهم مغلوط إلى قتلى أو قتلة باسم الله، ونحن آخذين بالاعتبار أن هذا التنزيل يضم بين دفتيه، نبوة محمد (ص) كنبي، ورسالته كرسول، وأن آيات النبوة نص تاريخي، تخص عصرها ونأخذ منها العبر فقط، ولا يؤخذ منها أية أحكام تشريعية، أما آيات الرسالة فتحوي على الأحكام وفيها من المرونة ما يجعلها تتحرك ضمن حدود دنيا وعليا، لتتطابق مع الظروف الموضوعية للمجتمعات الإنسانية، وأن السنة النبوية هي الاختيار الأول للإطار التطبيقي الذي نفذه محمد (ص) تجسيداً للرسالة، من خلال ظروف مجتمعه، لكن هذا الاختيار ليس الأخير، وإنما الواقع الموضوعي هو الذي يفرض تفاعل المسلمين عبر العصور مع كتابهم المرسل من الله تعالى.
ولعل من أشد المصطلحات تعقيداً مصطلح “الجهاد”، إذ صلح عبر مختلف العصور الإسلامية ليكون أداة بيد كل من تسول له نفسه الاستيلاء على السلطة، وشعاراً براقاً يستدرج العديد من المؤمنين ليكونوا قرابين على مذابح لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فالجهاد “فعل إنساني واع لا يقوم إلا بطرفين”، ويكون الطرف فيه فرداً أو جماعة، حيث يبذل كل طرف وسعه في مغالبة صاحبه، وهو مصدر من الفعل الرباعي (جاهد) وليس من (جهد) أي أن الألف فيه أصلية إن سقطت اختلف المعنى، وإذ تحول الجهاد إلى جهد عند أهل اللغة، فقد تحول إلى قتال في سبيل الله عند أهل الفقه، فنرى القسطلاني في شرح صحيح البخاري يقول:
الجهاد في الاصطلاح يعني قتال الكفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله
في حين نجد التنزيل الحكيم يضع الجهاد في حديث أبعد ما يكون عن القتال:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} (العنكبوت 8) و{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} (لقمان 15)
علماً أن الشرك هو الثبات وعدم التطور، والثبات لله وحده، والشرك المقصود في الآيتين هو طريقة التفكير الآبائية التي يلزم الأهل أولادهم عليها سواء بالمغريات {على أن تشرك} أو بالإكراه {لتشرك بي}، والجهاد في التنزيل الحكيم معناه المشقة لذا هو تكليف {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة 35)، والتكاليف وفق الاستطاعة {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (الأعراف 42)، والجهاد قد يكون معنوياً، فيدخل ضمنه جهاد النفس، أي تدريبها على التحكم بالغرائز والشهوات، أو الجهاد السلمي لنصرة قضية ما، وقد يكون مادياً فيصبح قتالاً، والقتال هو من أكثر أنواع الجهاد ثقلاً على النفس البشرية، لذا قال عنه الله تعالى{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} (البقرة 216)، و”كُره” بضم الكاف من الكراهية، فهو أكره الحلول في تسوية النزاعات، ولا يُلجأ إليه إلا اضطراراً، وباعتباره نوع من الجهاد فهو تكليف أيضاً، وبترتيل الآيات المتعلقة بالقتال في التنزيل الحكيم نستنتج وجوب وجود ما يبرره، فهو إما دفاعاً عن النفس {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة 190)، أو لظلم أو إخراج من الديار {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ٌ} (الحج 39 -40)، أو إعلاء لكلمة الله في الأرض برفع راية الحرية، أو محاربة الطغيان بكل أنواعه سواء كان مستعمراً داخلياً أم خارجياً {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} (النساء 76).
وهنا لا بد من التوقف عند عبارة “في سبيل الله”، فقد وردت في مواضع عدة من التنزيل الحكيم، واقترنت حيناً بالجهاد{لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (النساء 95)، وحيناً بالهجرة {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ—} (الحج 58)، وحيناً بالإنفاق {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ —} (البقرة 195)، وحيناً بالسفر لأغراض متعددة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (النساء94)، وحيناً بالقتال {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ —}(البقرة 190).
وفي جميع المواضع لا تخرج عن معنى واحد هو: ضمن طريق الله ومنهجه، وما زال علماؤنا الأفاضل يفهمونها على أساس: من أجل الله وتقرباً له، وهذا معنى مغلوط، لتعارضه مع دلالات الألفاظ، ولأن الله تعالى ليس بحاجة أصلاً لمن يقاتل من أجله، فالإنفاق لا يكون في سبيل الله إلا إذا جرى وفق ما رسمه الله في منهجه الحنيف بعيداً عن التبذير والإسراف، والصدقات بلا من ولا أذى، والسعي لطلب الرزق هو هجرة في سبيل الله إذا التزم الساعي الصراط المستقيم في سعيه، وفي السفر {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} معاملة الناس بالحسنى، أما الجهاد في سبيل الله فمهما كان نوعه هو للدفاع عن الحرية الإنسانية، وهي كلمة الله العليا التي سبقت لكل أهل الأرض، وهو جهاد مقدس مختلف الأوجه، ابتداءً من الكلمة وانتهاءً بالقتال، وهو نابع عن عقيدة فردية يعبر من خلالها الإنسان عن التزامه بحريته، وحرصه على الدفاع عنها، وعلى الدفاع عن حريات الآخرين المخالفين له، في حال تعرضها للانتهاك والتعدي من قبل الطغيان، وهو قناعة شخصية لا علاقة له بالولاء والبراء، وبهذا المعنى يكون القتال في سبيل الله.
وهناك نوع آخر من القتال المشروع يتعلق بالولاء الوطني للفرد، وهو الدفاع عن الديار، فهو قتال مشروع لكنه ليس في سبيل الله، ودفاع الإنسان عن وطنه هو دفاع عن نفسه وأسرته وأهله {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة 9) فإن كان هذا الاحتلال يمنع الحريات فقتاله بالنسبة للمؤمنين هو في سبيل الله.
وللقتال قواعد، فأنت تقاتل من يقاتلك {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}، وإن حاول الطرف الآخر وقف القتال فعليك ذلك {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(الأنفال 61).
وعلينا هنا الإشارة إلى أن كل آيات القتال التي وردت في التنزيل الحكيم لتغطية أحداث جرت في عصر النبوة مثل غزوة بدر وأحد والخندق وتبوك وفتح مكة وخيبر هي قصص محمدي، كقصص نوح وإبراهيم وموسى، تؤخذ منه العبر لا الأحكام، وبالتالي فإن آية السيف {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التوبة 5)، تدخل ضمن سياق الحديث عن غزوة تبوك وضمن أحداث تاريخية معينة، أما أن يُتكأ عليها بالقول أنها نسخت كل آيات العفو والصفح، فهذا إجحاف كبير بحق الإسلام ورسالة محمد {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل 125)، عدا عما تحمله فكرة وجود ناسخ ومنسوخ ضمن آيات التنزيل الحكيم من إجحاف أيضاً بحق كتاب الله كله.
ومن ضمن أخطاء الفقه الموروث أيضاً، الخلط بين مفهوم الإرهاب والإرعاب، فتم الاعتماد على الآية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (الأنفال 60)، لإعداد العدة لإرهاب العدو وترعيبه، مما استدعى تسمية الجماعات الإسلامية التي تمارس العنف “الجماعات الإرهابية”، مع أن الأصح هو تسميتها “الجماعات الإرعابية”، لأن الإرهاب في سياق الآية هو من “الهيبة”، فإذا أرادت الدولة أن تكون مهابة عليها أن تستعد عسكرياً، أما الإرعاب أو ما يسمى بالانكليزية “terror” فهو زرع الرعب في قلوب الناس والمجتمع، وهو ما تفعله الأنظمة القمعية أو داعش.
من جهة أخرى يجب الانتباه إلى أمر في غاية الأهمية هو أن كل معاني الجهاد والقتال في التنزيل الحكيم، لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بمعنى الشهادة والشهيد، حيث تتطلب الشهادة وجوداً حضورياً لا علاقة له بالموت، والشهيد لا يسمى شهيداً إلا إذا كان على قيد الحياة، وكل ذكر للشهداء في التنزيل الحكيم لا يخرج عن تقديم شهادة {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ –} (البقرة 133)، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً –} (النور 4)، أما ما جرى عبر العصور فهو الخلط بين من قتل في سبيل الله وله مكانته {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران 169)، وبين الشهداء الذين وعدهم الله بمكانتهم قرب الأنبياء في الجنة {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} (النساء 69)، فالشهداء هنا هم من قدموا شهادة علنية ساهمت في تقدم الإنسانية، كمخترع البنسلين مثلاً، أما القول بأن الشهيد لا يصير شهيداً إلا إذا قتل في أرض المعركة، وأن جسده لا يبلى إلى يوم القيامة، وبأنه يشفع لسبعين من قومه، فهذا هراء من اختراع الفقهاء، ولا يوجد أكبر من خدعة إيهام الناس أنهم إذا قتلوا فسوف يذهبون مباشرة إلى الجنة، لذا أصبحت الحياة في وعينا الجمعي لا قيمة لها، كالحرية تماماً.
ما أريد قوله أن القتال وفق التنزيل الحكيم هو آخر الحلول، ولرفع الظلم لا للظلم، ولإقامة دولة تحترم معتقدات الناس وتدافعهم لا لإكراههم على دين معين، ولنا في قوله تعالى خير شعار {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (يونس 99).









علي العميم

بقلم :


طباعة طباعة

في نقد الباحث الأمريكي حامد ألجار وروايته عن تاريخ الاخوان في مصر

أساطير حول سيد قطب

يسوّغ حامد ألجار إعادة ترجمة كتاب سيد قطب الشهيد: (العدالة الاجتماعية في الإسلام) المنشور بالعربية سنة 1949م، مجدداً إلى الإنجليزية بأن ترجمة جون ب. هاردي له التي نشرت سنة 1953م من قبل المجلس الأمريكي للجمعيات الثقافية * American Council of Learned Societies فيها عدد من الفقرات لا تنبئ بالحقيقة. وأنه وجد عند مقارنتها بالنص العربي أن هاردي لم يفهم النص الأصلي.
سيد قطب خلف القضبان
سيد قطب خلف القضبان
يضيف ألجار قائلاً: “كانت أخطاء المترجم شائعة إلى درجة تجعل إعادة النظر أمراً ضرورياً، وقد نتج عن إعادة النظر هذا أني اكتشفت أخطاءً كثيرة أخرى. وغالباً ما خلط كلمات متشابهة إلى حد كبير مع بعضها البعض وفشل في فهم بنية اللغة العربية، ولجأ أحياناً إلى تخمين واضح عندما واجهته جملة أو عبارة بها إشكال”.
ويعجب من أن الأخطاء الفادحة التي تفسد ترجمة هاردي استمرت كلها تقريباً من دون أن تكشف. ويستثني من هذا الغفلة “تعليق متحفظ قدمه وليم شيبرد في مقالة قيّمة عن العدالة الاجتماعية في الإسلام” نشر سنة 1992م.
يعلل حامد ألجار وقوع أخطاء جمّة في ترجمة هاردي وفق الترجيح الآتي: ” وهذا قد يعود إلى أن الترجمة قد عملت بالتعاون مع سيد قطب نفسه. وإذا كان ذلك صحيحاً، فإما أن تكون معرفة سيد قطب بالإنجليزية لا توازي مهمة الترجمة، أو أنه وثق بمعرفة هاردي باللغة العربية إلى درجة أن اقتنع باستعراض سريع لها “.
ويجمل رأيه بترجمة هاردي بعبارة موجزة هي: أن هذه الترجمة تبدو أثناء قراءتها جيدة أحياناً على نحو خادع، وصحيحة ولبقة في الوقت نفسه.
ثم يشرح بعد ذلك ما فعله في إعادة الترجمة، فيقول: ” لقد عدلت الترجمة بأكملها لكي أصحح كل الأغلاط الجسيمة في المعاني. كما أن إعادة النظر مرة أخرى بشكل شامل لجعل الكلمات والبنية تعكس بشكل أقرب إلى ما هو موجود في النص العربي، كان – بالطبع – ممكناً “.
وعرض وهو يشرح ما فعله في إعادة الترجمة، للصعوبات التي واجهته في أداء المهمة التي ندب نفسه لإنجازها. هذه الصعوبات بحسب ذكره لها هي:
1- أن كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) خرج في عدة طبعات مختلفة لم تكن بالضرورة مطابقة تماماً لبعضها البعض. وينبِّه إلى أن هذا الأمر على نحو عام، لم يلفت الانتباه. ويستثني من ذلك مرة أخرى وليم شيبرد الذي وصف مقالته – كما مرّ بنا – بالقيّمة.
2- تم طبع الكتاب سبع مرات على الأقل، لكن ليس من المؤكد أن كل نشرة كانت طبعة مختلفة. لأن كلمة طبعة قد تعني نسخة وقد تعني أيضاً طبعة منقحة.
3- لم يتسنى لي سوى الحصول على الطبعة / النشرة الخامسة الصادرة في القاهرة بتاريخ 1377هـ/1958م، وهي بالتأكيد حتى لو أخذنا بعين الاعتبار أخطاؤه في الترجمة – تختلف كثيراً عن الطبعة الأولى التي استخدمها هاردي.
4- هناك فقرأت بأكملها في طبعة هاردي ليست موجودة في طبعة 1377هـ/ 1958م، والتي أضيف إليها مواد لم تكن موجودة في الطبعة الأولى. وفيما إذا كانت تلك التغييرات قد علمت للطبعة الخامسة أو بتاريخ سابق، فهذا أمر لم يمكنني التحقق منه.
وبعد ذكره لهذه الصعوبات ذكر الفروقات التي وجدها ما بين الطبعة الأولى والطبعة الخامسة (1377هـ/1958م) التي استند إليها في مطابقة ما ترجمه هاردي مع النص الأصلي. هذه الفروقات التي ذكرها هي:
1- في الطبعة الأولى – طبعة هاردي كما يسميها – نقاش مسهب حول بابي (المصالح المرسلة) و (سد الذرائع) وحول الجفول الذي بدا على القوات العربية في مواجهة الوحشية والفضائع الصهيونية في أثناء حرب فلسطين الأولى. وفي الطبعة الخامسة هذا النقاش محذوف منها.
2- في الطبعة الخامسة توصيات مفصلة عن تدريس التاريخ الإسلامي ودور الأدب في التعليم. وفي الطبعة الأولى لا يوجد شيء من هذا.
3- الأحاديث التي تستخدم للاستدلال في مختلف المواضيع ليست متطابقة تماماً في هاتين الطبعتين.
يقول عقب ذلك: ” بناءً على المقارنة بين الطبعة الأولى والطبعة السابعة يشير وليم شيبرد إلى أن التغييرات تعكس اتجاه سيد قطب نحو ما أسماه (الإسلام الجوهري الجذري). هذا الاتجاه سببه التأثير الأيديولوجي لمولانا المودودي من ناحية والأحداث الآخذة في الظهور في مصر من ناحية أخرى”.
ويرى حامد ألجار أن تحليل شيبرد قد يعكس المسافة التي قطعها سيد قطب بين الطبعة الأولى والطبعة السابعة ولكن لا يمكن القول بذلك فيما يتعلق بالطبعة الخامسة والتي اضطر لاستخدامها بهدف تصحيح ترجمة هاردي.
ويختم شرحه بما فعله بصدد إعادة الترجمة بالقول: ” أما فيما يتعلق بالفروق الموجودة بين الطبعة الأولى والخامسة فإنني امتنعت عن إضافة المواد الموجودة فقط في الأخيرة وحذف مواد موجودة فقط في الأولى معتقداً على يقين بأن الطبعة الأولى لها منطقيتها وقيمتها الوثائقية”.
ما تقدم هو نقل للفقرات الأخيرة من مقدمة حامد ألجار لكتاب (Social Justice in Islam by Sayyid Qutb–Translated by John B. Hardie، Translation Revised and Introduction By Hamid Algar) الصادر سنة 2000م. والكتاب عبارة عن ترجمة معدلة لترجمة جون ب. هاردي لكتاب سيد قطب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) المنشورة سنة 1953م بواشنطن. يتضمن مقدمة تقع في سبعة عشر صفحة، تفضل الأستاذ أحمد الشنبري مشكوراً بترجمتها لي وترجمة بيانات نشر الطبعة الأولى لترجمة هاردي وتصديره للترجمة، كما ترجم لي فقرات من كتاب جيمس هيوراث دن: (Religious and Political Trends Modern Egypt الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة)، الصادر سنة 1950م. وفقرات من كتاب وليم شيبرد: (Sayyid Qutb and Islamic Activism: a Translation and Critical Analyses of Social Justice in Islam) سيد قطب والحراك الإسلامي: ترجمة وتحليل نقدي لكتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام) الصادر سنة 1996م. هذه الفقرات وبيانات النشر، كنت بحاجة إلى ترجمتها إلى العربية لكتابة مراجعة نقدية لمقدمة حامد ألجار عن تاريخ سيد قطب وكتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) في القسم الأول من البحث.
تقدم على الفقرات الأخيرة من المقدمة التي نقلتها، تقديم لمحة عن حياته الشخصية والتعليمية والوظيفية والأدبية والسياسية والدعوية منذ ولادته (1906م) إلى سنة إعدامه (1966م). وعرض لعلاقة الإخوان المسلمين بالضباط الأحرار في مرحلتي التحالف والصراع. ووقوف عند كتابه:(العدالة الاجتماعية في الإسلام) وكتابيه الآخرين:(في ظلال القرآن) و (معالم في الطريق) وتلمس لتأثير الكتاب الأول في كتب إسلامية تالية هي:
(اشتراكية الإسلام) لمصطفى السباعي، (كيديلان سوسيال دلم إسلام) للمفكر الاندونيسي هامكا، (اقتصادنا) لمحمد باقر الصدر، وتأثيره في خطب عالم ديني ناشط سياسياً في إيران، هو أبو القاسم كاشاني.

من هو حامد ألجار؟

قبل الاسترسال في الملاحظات النقدية لحامد ألجار، لنسأل من هو هذا الرجل؟
أميل إلى أن حامد ألجار اسم غير معروف بالقدر الكافي في العالم العربي. فالمعرفة به تقتصر على بعض الأكاديميين العرب الذين لهم صلة أكاديمية ببعض الجامعات الأمريكية وعلى بعض المثقفين العرب المهتمين بالثورة الإيرانية وآخرين من المتحمسين لها وأنصارها.
يعود السبب في ذلك أنه لم يترجم من أعماله إلى العربية سوى نزر قليل وأنه ليس له حضور في الصحافة والفضائيات العربية.
حامد ألجار
حامد ألجار
في حدود إطلاعي لم يترجم من كتبه وأبحاثه سوى هذه الأبحاث :
الأول، (الإسلام كأيديولوجيا: فكر شريعتي) نشر في مجلة (المسلم المعاصر)، سنة 1983م عدد 34. ويظهر أنه مقدم ضمن ندوة، لأن المجلة ذيلته بنشر نقاشات حول البحث وردود صاحب البحث على المناقشين (شاما صديقي، إقبال عصرية، فريد شيال، يحيى الساعي، وحيد منير، الدكتور سلمان (!)) لكن من دون بيانات عن اسم الندوة ومكانها واسم رئيس الجلسة الذي يشار إليه بهذا الاسم وكان يشارك بالنقاش، واسم مترجم البحث والنقاش.
الثاني ، (الإمام الخميني 1902 – 1962م، سنوات ما قبل الثورة)، وقد ترجم هذا البحث الذي هو عبارة عن سيرة شخصية للإمام الخميني وأبحاث أخرى، إلى العربية محروس سليمان سنة 2000م في كتاب عنوانه (الإسلام والسياسة والحركات الاجتماعية). وأساس هذا الكتاب أبحاث قدمت إلى مؤتمر جامعة كاليفورنيا الذي عقد في بيركلي سنة 1981م. ونشر في كتاب بالإنجليزية سنة 1988م، وقام بتحريره وكتابة مقدمتين له أدموند بيرك وإيما لابيدوس.
أما الثالث فهو عن ( الوهابية..بحث نقدي).
وقبل هذين البحثين، كان قد شارك بمحاضرة في الملتقى العاشر للفكر الإسلامي عنوانها (الجهاد: أبعاده الروحية والسياسية والاجتماعية في حياة الفرد والمجتمع) منشورة في كتاب صادر سنة 1976م عن الشؤون الدينية بالجزائر.
لذا أرى أنه من المستحسن قبل الشروع في نقاش مقدمته أن أعرّف القارئ العربي به تعريفاً مختصراً.
حامد ألجار: أستاذ مرموق في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة كاليفورنيا – بيركلي. وقد بدأ التدريس في هذا القسم منذ منتصف ستينيات القرن الماضي. مختص بالآداب الفارسية والعربية والتركية. له كتب وأبحاث في التاريخ المعاصر لإيران وتركيا ودول البلقان وأفغانستان. يولي للمذهب الشيعي والصوفية، وبخاصة الطريقة النقشبندية، في دراساته اهتماماً كبيراً. حصل في السنوات المتأخرة على دكتوراه فخرية من جامعة طهران التي ترجع صلته بها إلى السنوات الأولى من ستينيات القرن الماضي، حيث نال منحة من هذه الجامعة في طور إعداده لرسالة الدكتوراه ومكث فيها ما يقرب من ثلاث سنوات.
عاد إلى جامعته، جامعة كيمبرج، سنة 1963م، لاستكمال تحضيره لأطروحة الدكتوراه التي كان موضوعها: (الدور السياسي لعلماء الشيعة في القرن التاسع عشر) والتي دافع عنها سنة 1965م. بعد حصوله على درجة دكتوراه راسل جامعة الملك سعود بالرياض من أجل أن يتعين مدرساً فيها لكنه لم يأته رد منها يفيد بالموافقة أو الاعتذار. حرّك رغبته في التدريس بهذه الجامعة، شعور عاطفي روحي، حيث كان يريد أن يعمل في أقرب مكان للأماكن المقدسة في مكة والمدينة. وحين لم يأته – بعد مضي شهرين – رد من جامعة الملك سعود، راسل جامعة كاليفورنيا، فتم قبوله فوراً للتدريس فيها.
يتقن حامد ألجار اللغة الفارسية واللغة العربية واللغة التركية القديمة والتركية الحديثة، وعدداً من اللغات الأوروبية، إضافة إلى لغته الأم، اللغة الإنجليزية.
هو أمريكي الجنسية، بريطاني الأصل. اعتنق الدين الإسلامي في شبابه. وهو شيعي المذهب *. وقد تسمى بحامد بعد إسلامه، ولم أتمكن من معرفة اسمه قبل إسلامه. وربما اختار هذا الاسم لمحبته وإعجابه بالإمام أبي حامد الغزالي الذي ألّف كتاباً عنه.
تربط حامد ألجار صلة شخصية بالإمام الخميني منذ أن كان في منفاه بباريس. وقد ترجم مختارات من كتاباته وخطبه إلى الإنجليزية في كتاب عنوانه (الإسلام والثورة). وهو من المناصرين الأشداء – ولا يزال – للثورة الإيرانية.
من كتبه: (الدين والدولة في إيران: 1785 – 1906م)، (جذور الثورة الإسلامية في إيران)، (ميرزا مالكوم خان: دراسة في السيرة الذاتية في الحداثة الإيرانية)، (الصوفية: المبادئ والتطبيق)، (السنة: جوانب الإلزام والقدوة فيها)، (المسيح في القرآن)، (سورة الفاتحة: مؤسسة للقرآن)، (الوهابية بحث نقدي)، (السنة: بوصفها أنموذجا إلزامياً يحتذى). وله محاضرات ودروس دينية محضة يعنى بها عادة رجال الدين والوعاظ الشيعة ألقاها ومايزال يلقيها في جامعة كاليفورنيا – بيركلي.

مترجم كتاب سيد قطب اسم مجهول.. و جامعة رثة!

نبتدئ النقاش بتوجيه ملحوظات نقدية أساسية للفقرات التي نقلناها بنصها تقريباً، من مقدمة حامد ألجار فيما سبق، الملحوظات هي، كالتالي:
- لم يعرّف حامد ألجار بصاحب الترجمة الأولى، جون. ب. هاردي. وكان يجب عليه أن يفعل ذلك. لأن هذا الاسم اسم مجهول حتى لدى الأوساط الأكاديمية المعنية للدراسات الشرقية والغربية. ولا يتوفر عنه سوى معلومة يتيمة هي: أنه أستاذ في جامعة هاليفاكس بكندا. وهذه المعلومة التي تتردد في كتابات بعض الذين أرّخو لسيد قطب مستقاة من رسالة منه حينما كان في أمريكا لصديقه الناقد أنور المعداوي ومن خبر نشر ضمن أخبار في زاوية (الكشكول) في مجلة الرسالة.
- كان من المفترض به أن يزود القارئ بنبذة عن المجلس الأمريكي للجمعيات الثقافية الذي نشر الترجمة. ويوضح كيف تعرّف هذا المجلس على كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، وعلى مؤلفه سيد قطب. إن إيضاح هذا الأمر مهم، فسيد حينما كان في أمريكا كانت بعثته لتعليم اللغة الإنجليزية وتلقي دورة تدريبية في التربية وأصول وضع المناهج. وفي حالته يكون الطريق إلى المجلس والطريق إليه غير سالك في بلد كأمريكا هو قارة بالمعنى الحقيقي وليس المجازي. كما كان من المفترض به أن يتلمّس السبب الذي جعل المجلس يختار هذا الكتاب ليترجم وما الهدف كان من ذلك؟ ولماذا أختير أستاذ في جامعة لاهوتية رثّه وقتذاك كجامعة هاليفاكس، لم يتم الاعتراف بها إلا قبل سنة واحدة من نشر الترجمة، هذه السنة هي سنة 1952؟ ولِمَ لمْ يختر أستاذ في جامعة في إحدى المدن الأمريكية التي يتردد سيد على جامعاتها ومعاهدها؟
وكان يجب عليه أن يفحص رواية سيد قطب التي صور فيها أمر ترجمة كتابه بأنها مجرد مبادرة تمت من قبل أستاذ في جامعة كندا، ويتحقق منها، إذ كيف لأستاذ بالصفة التي ذكرناها آنفاً عنه وعن جامعته، يعلم بأمر كتاب حديث الصدور في مصر ثم يحصل عليه ويقرأه ثم يعلم في وقت وجيز بأن صاحبه في أمريكا ثم يراسله لأخذ إذنه في ترجمته ويوافق سيد على ذلك، علماً بأنه لم يكن مستقراً في مدينة واحدة، فلقد كان ينتقل بين فترة وأخرى من مدينة وولاية إلى مدينة وولاية أخرى!
كما كان يجب عليه أن يفحص ويتحقق من رواية أخرى مصدرها أخوه محمد قطب والتي أدلى بها لصلاح دحبور( وهو نفسه :صلاح عبد الفتاح الخالدي) في كتابه: (سيد قطب الشهيد الحي).
سيد قطب مع وليام روس رئيس جامعة نورث كارولينا الأميريكة التي درس فيها بعد حصوله على بعثة للولايات المتحدة في العام 1948 من وزارة المعارف للتخصص في التربية وأصول المناهج
سيد قطب مع وليام روس رئيس جامعة نورث كارولينا الأميريكة التي درس فيها بعد حصوله على بعثة للولايات المتحدة في العام 1948 من وزارة المعارف للتخصص في التربية وأصول المناهج
رواية أخيه محمد قطب تقول: ” إن أحد الأساتذة الإنجليز الذين التقى سيد بهم في أمريكا والذي عرف فيما بعد عنه، أن أحد رجال المخابرات البريطانية عرض عليه – إغراءً له – أن يترجم كتابه الجديد: (العدالة الاجتماعية في الإسلام) إلى الإنجليزية، مقابل عشرة آلاف دولار. ولكن سيد قطب رفض العرض ” وقد زاد عليها الخالدي أنه ” أعطى الكتاب إلى المجلس الأمريكي للدراسات الاجتماعية (!) ليترجم مجاناً، حيث قام بترجمته المستشرق يوحنا (!) (جون. ب. هاردي) الأستاذ بجامعة هاليفاكس بكندا”.
- رسالة سيد قطب إلى صديقه الناقد أنور المعداوي التي أخبره فيها بمكاتبة أستاذ في جامعة هاليفاكس بكندا له يستأذنه في ترجمة كتابه للغة الإنجليزية وموافقته على ذلك، يرجع تاريخها إلى 6 مارس 1950م، وصدور الترجمة كان في سنة 1953م. ويعني هذا أن العمل على الترجمة استغرق ما يقرب من الثلاث سنوات. وهذه السنوات تعد سنوات طويلة في ترجمة كتاب من الحجم المتوسط. هذا الأمر غفل حامد ألجار عن البحث فيه. ومحل البحث فيه: هل التأخر في الترجمة سببه بطء شديد في عمل المترجم أم أن الجهة التي كانت وراء الترجمة كانت تبحث عن طريقة ملائمة للنشر ترفع الشبهة عن الترجمة وعن سيد قطب؟!
- مثلما خلت مقدمته من تطرق للظروف والملابسات الغامضة التي أحاطت بترجمة الكتاب ومن أية معلومة عن المترجم وجهة النشر، فقد خلت من أية معلومة عن نسخته بالإنكليزية: هل تم طبعها طبعة واحدة أم أكثر؟ ما عدد نسخ الطبعة الأولى؟ هل كانت وفيرة أم محدودة؟ هل كان يحال إليها في الكتب التي ألّفت بالإنجليزية من قبل أمريكيين لاهوتيين وعلمانيين في خمسينيات وستينيات والمنتصف الأول من سبعينيات القرن الماضي – أي قبل صعود موجات التطرف الإسلامي – سواء في الحديث عن النظام الاجتماعي في الإسلام أو في مطارحات سجالية مع الشيوعية، وذلك بمعزل عن الحديث عن الإسلام وعن مجتمعاته؟
هذه المعلومات وغيرها مفيدة وهامة لصلتها المباشرة بعملية استجلاء تلك الظروف والملابسات الغامضة بكتاب مفصلي في حياة سيد قطب الفكرية. ومفصلي في تاريخ الفكر الإسلامي الحديث والحركات الإسلامية المعاصرة في العالمين العربي والإسلامي.
يخبرنا حامد ألجار، فيما يتعلق بالفروق الموجودة بين الطبعة الأولى والطبعة الخامسة التي اعتمدها في الترجمة، أنه امتنع عن إضافة المواد المزادة في الطبعة الخامسة إلى الطبعة الأولى وحذف مواد كانت موجودة في الطبعة الأولى. لأنه على يقين بأن الطبعة الأولى لها منطقيتها وقيمتها الوثائقية.
وكان يجب أن يكون على يقين أيضاً، فيقدم وصفاً لما أسماه بطبعة هاردي، لأنها هي الأخرى تعد وثيقة تاريخية.
- أرجع حامد ألجار الأخطاء الفادحة في ترجمة هاردي إلى أن هذا قد يعود إلى أن الترجمة قد عملت بالتعاون مع سيد قطب. وقد كان يجب عليه امتثالاً لمقتضيات الأمانة، أن يذكر أنه في أحد الأغلفة الداخلية للكتاب، وجّه المجلس الأمريكي للجمعيات الثقافية لسيد قطب شكراً وعرفاناً لتعاونه في الترجمة عوضاً عن صياغة عبارة موهمة، توحي بأنه يطرح احتمالاً من عندياته. ويحق له بعد أن يفعل ذلك أن يطرح ذلك الاحتمال الذي قال فيه: ” وإذا كان ذلك صحيحاً، فإما أن تكون معرفة سيد قطب بالإنجليزية لا توازي مهمة فحص الترجمة، أو أنه وثق بمعرفة هاردي باللغة العربية إلى درجة أنه اقتنع باستعراض سريع لها “.
ويجدر التنويه هنا بأن الوحيد ممن كتبوا عن سيد قطب الذي ذكر تلك المعلومة هو شريف يونس في كتابه (سيد قطب والأصولية الإسلامية) الذي هو في الأصل أطروحة ماجستير قدمها في كلية الآداب بجامعة عين شمس. فلقد أشار في هامش ص 69 إليها بأنه ” يتصدر الكتاب شكر لسيد قطب على تعاونه في ترجمة عمله”.

ظلم وليم شيبرد وأجحف بحقه

- خص حامد ألجار وليم شيبرد في مقدمته بالإشارة في موضعين. وفي موضع ثالث أورد استدراكاً مفاده أن تحليله اعتمد الطبعة السابعة ولم يتسنى له مثله الحصول على طبعة أقدم كالطبعة الخامسة (1958م) التي استخدمها هو لتصحيح ترجمة هاردي. مقالة شيبرد التي أحال إليها ثلاث مرات والتي وصفها بالقيّمة، منشورة – كما تبين قائمة مراجعه – في مجلة ألمانية هي: Die Welt ctes Islam سنة 1992م تحت عنوان (The Development of the thought of Sayyid Qutb as reflected in earlier and later Editions of Social Justice in Islam)
تطور فكر سيد قطب المبكر والمتأخر، كما ينعكس في كتابه: (العدالة الاجتماعية في الإسلام).
وكان يجب عليه أن يكون واضحاً مع القارئ، فيحيل إلى كتابه: (Sayyid Qutb and Islamic Activism: A Translation and Critical analysis of Social Justice in Islam) سيد قطب والحراك الإسلامي: ترجمة وتحليل نقدي لكتاب سيد قطب: العدالة الاجتماعية في الإسلام) الصادر سنة 1996م، قبل كتابه بأربع سنوات، عن إي جي. بريل – ليدن، الذي ضم فيه تلك المقالة التي طورها، إلى إعادة ترجمة لكتاب سيد قطب التي سبق فيها ألجار المتحفظ مثله على ترجمة هاردي. إن ألجار لو فعل ذلك، لفهم القارئ مبرر استدراكه المفاجئ بعد إشادتين أحدهما كانت مجانية، ولجازت عنده المفاضلة أو المقارنة بين عمله وعمل شيبرد.
ثم إن استدراكه أو مأخذه على تحليل شيبرد المكتوب في سنة 1992م، ينسحب عليه هو أيضاً. فهو اكتفى بالحصول على الطبعة الخامسة (1958م) ولم يجِّد في الحصول على الطبعة الأولى مع أنها متيسرة لمن يجد في طلبها. لقد كان يلزم حامد ألجار لكي تكون ترجمته دقيقة أن يحصل على الطبعة الأولى ويعتمد عليها في الترجمة. لأن سيداً في طبعات تلتها كان يعدل في الصياغة أحياناً لا لضرورة وإنما رغبة في التجويد والإتقان.
قلت عن أحد الإشادتين أنها مجانية، لأن شيبرد لم يكن الاستثناء الوحيد الذي عرف أن سيد قطب أحدث تغييرات في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، فبعض الذين كتبوا عنه بالعربية أشاروا إلى هذا الأمر. كما أنها معلومة شائعة لدى التيارات الإسلامية عن هذا الكتاب.
وقد أشار أبو الحسن الندوي في كتابه: (شخصيات وكتب) إلى شيء من هذا فقال: ” أحدث تعديلاً فيما كتبه عن سيدنا عثمان وظهر في الطبعات الأولى في كتابه، وحذف بعض العبارات كما يظهر من المقارنة بين الطبعات الأولى والأخيرة “.
والحق استناداً إلى الطبعة الأولى التي بين يدي والطبعات اللاحقة لها أنه من هذه الناحية فعل أكثر من هذا، فلقد خفف بعض العبارات وبعضها الآخر حذفها، المتعلقة بأبي سفيان بن حرب ومعاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية وبني أمية.
إن شريف يونس في كتابه: (سيد قطب والأصولية الإسلامية) قدم ملاحظات هي أوفى من ملاحظات حامد ألجار، فيما يتعلق بالفروقات ما بين طبعات كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) لأنه جدّ في الحصول على الطبعة الأولى وعلى الطبعات التي تلتها.
يقول شريف يونس: ” وقد اعتمدت هذه الدراسة على ثلاث طبعات، هي الطبعة الأولى الصادرة عام 1949م، والطبعة الثالثة الصادرة عام 1952م، والطبعة الشرعية السابعة الصادرة عام 1981م، والتي أعتقد بناءً على شواهد داخلية، أنها إعادة طباعة للطبعة السادسة التي نقحها سيد قطب وفقاً لأفكاره الجديدة الواردة في كتابه: (معالم ي الطريق) بعد خروجه من السجن “. هامش ص 117.


الضعفاء هم الضعفاء، هم الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الذي كرَّمه الله حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه، وجعلوا أنفسهم تبعًا للمستكبرين والطغاة، دانوا لغير الله من عبيده واختاروها على الدينونة لله، والضعف ليس عذرًا بل هو الجريمة، والقوة المادية لا تملك أن تستعبد إنسانًا يريد الحرية ويستمسك بكرامته.. من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله، والله هو خالقهم ورازقهم؟.. فهم ضعفاء.. لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة.. إنما هم ضعفاء لأن الضعف في قلوبهم وفي نخوتهم وفي اعتزازهم بأخص خصائص الإنسان.. إن المستضعفين كثرة، والطواغيت قلة؛ فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة؟ إنما يخضعها ضعف الروح وسقوط الهمة وقلة النخوة والتنازل عن الكرامة.. إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير، فهي دائمًا قادرة على الوقوف لو أرادت، فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان!.. إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء! وهذه القابلية هي التي يعتمد عليها الطغاة!” (الظلال: 2096).
ويقول معلقاً على تغير إستراتيجية سيد قطب الإسلامية ما بين الطبعة الأولى (1949م) والطبعة الشرعية السابعة (1981م): ” اتساقاً مع هذا التحول، فقد حذف سيد قطب من الطبعة السادسة (المتداولة الآن) من الكتاب، كل ما اقترحه في الطبعة الأولى – وحتى الثالثة على الأقل – من تشريعات لتحقيق العدالة الاجتماعية على الطريقة الإسلامية، وكذلك كل مخططات توجيه الثقافة “. هامش ص 241 .
إن في الإفادة الأخيرة إجابة عما تردد ألجار في البت فيه، حينما قال: أنه لم يمكنه التأكد من أن التغييرات قد عملت للطبعة الخامسة أو بتاريخ سابق. فبحسب إفادة شريف يونس أن التغييرات بدأت من الطبعة الثالثة.
ولعل أول من أشار إلى التغييرات هو عبد الله الخباص في كتابه: (سيد قطب الأديب الناقد) الصادر سنة 1983م، حيث أخبرنا في هذا الكتاب بأن سيد قطب طبع الكتاب عدة طبعات، منها الطبعة المنقحة عام ألف تسعمائة وأربعة ستين (1964م) حيث عدل سيد بعض أفكاره الواردة في الطبعات السابقة، كما أضاف إلى الكتاب فصل (التصوير الإسلامي والثقافة الذي نجده في كتابه (معالم في الطريق)” ص 316 .
ولقد عرف وليم شيبرد ما تمت الإشارة إليه في كتابه (سيد قطب والحراك الإسلامي: ترجمة وتحليل نقدي … إلخ)، ففي كتابه هذا اعتمد الطبعة السادسة (1964م)، وأشار إلى الاختلافات الأساسية عن الطبعات السابقة، في الحواشي والملاحق.
إن حامد ألجار أجحف في حقه وظلم كتابه. ففي هذا الكتاب – كما توحي بعض عباراته – رجع إلى الطبعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة وطبعات دار الشروق الأولى للكتاب (1972م + 1974م) وقام بمقارنات دقيقة بينها.
إن دراسته التي جعلها مقدمة لترجمته أجود من مقدمة حامد ألجار التي – على قصرها – تعج بالأخطاء الكثيرة.
يذكر وليم شيبرد في معلومة لافتة أن ” من بين 1663 فقرة في آخر طبعة من الكتاب (يقصد آخر طبعة في حياته، وهي طبعة 1964م التي نشرت قبل إعدامه بسنتين) نجد أن 442 فقرة فقط لم تتعرض للتغييرات منذ الطبعة الأولى والكثير منها اقتباسات من القرآن والمصادر “.
ولا أستبعد أن حامد ألجار تعمد في استدراكه على وليم شيبرد ألا يذكر سنة صدور الطبعة السابعة التي اعتمد عليها في دراسته الأولية المنشورة سنة 1992م، مع ذكره لسنة صدور الطبعة الخامسة التي اعتمد هو عليها في ترجمة كتاب سيد قطب. لقد فعل ذلك ليخلط الدارسين بينها وبين ما يسمى بالطبعة الشرعية السابعة الصادرة عن دار الشروق في تاريخ متأخر (1981م)، بينما هي صادرة في تاريخ متقدم. هذا التاريخ هو 1967م من غير ذكر لجهة النشر.
ومع تثميني لدراسة شيبرد إلا أنها لم تسلم من الوقوع في هفوات من مثل قوله عن الطبعة الأولى: ” ترجمت إلى الإنجليزية منذ سنين (هاردي 1950 + 1970م) وكانت واسعة الانتشار في استخدام الباحثين لها منذ ظهورها”. والصحيح أنها ترجمت إلى الإنجليزية سنة 1953م. وطبعت الترجمة طبعة ثانية سنة 1953م، وطبعت طبعة ثالثة سنة 1955م. هاتان الطبعتان تمتا بعد أخذ الإذن من سيد قطب. هذا إضافة إلى الطبعة التي ذكرها شيبرد طبعة (1975م والتي رأيتها على موقع الأمازون ولم أتمكن من معرفة رقمها.
سيد قطب في السجن
سيد قطب في السجن
وقد وقع في الخطأ في قوله: أن الطبعة تمت سنة 1950م، بسبب أنه لا يوجد فيها تاريخ النشر. لكننا نعرف من خلال مقالة محمود محمد شاكر النقدية الثالثة والرابعة عن الكتاب ومن خلال مقالة عز الدين إسماعيل التي تناولت الكتاب بالنقد أنه طبع سنة 1952م. فهذه المقالات كتبت بمناسبة صدور طبعته الثانية.
كما أن قوله – وهو يفسر الاختلافات البيّنة بين الترجمة الإنجليزية لكتاب سيد قطب وبين النص العربي المتداول -: افترضت عند بدأت لأول مرة ألاحظ الاختلافات بأنها صورة عامة كانت بسبب أن الترجمة الإنجليزية كانت من طبعة عربية مبكرة وثبت لي ذلك مؤخراً بعد الفحص”، قول غير دقيق. فالترجمة الإنجليزية اعتمدت – على وجه الحسم – على الطبعة الأولى. وأعزو عدم حسمه لهذه المعلومة إلى اضطراب في معلومة في الكتابات العربية عن دار النشر التي صدرت عنها الطبعة الأولى للكتاب وإلى بيانات النشر الموجودة في الكتاب الذي ترجمه هاردي إلى الإنجليزية. وهو ما سأتحدث عنه في القسم الثاني من البحث.
- يقول حامد ألجار: أن الكتاب طبع سبع مرات على الأقل. وهذه المعلومة غير صحيحة. فالكتاب طبع أضعاف هذا الرقم. وعلى وجه الدقة نحن لا نعلم الرقم الصحيح لطبعاته. فهناك طبعات لا يوجد عليها اسم دار النشر ولا تاريخ الطبعة وهي صادرة قبل أن تتملك دار الشروق حقوق نشره.

السحار والغزالي سبقا سيد قطب وأخطاء أخرى

- يرى حامد ألجار أن كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) هو ” أول ما صدر من مجموعة من الأعمال المكرسة لنفس الموضوع. وتبعه كتاب آخر هو (اشتراكية الإسلام، للمؤلف مصطفى السباعي أحد قادة فرع الإخوان المسلمين في سوريا”. ويرى أن هذا الكتاب ” مماثل في المحتوى لعمل سيد قطب بالرغم من أن عنوانه يوحي بمخالفته لإصرار سيد قطب على أن الإسلام فريد ومستقل كنظام اجتماعي اقتصادي ويتحدى كل المقارنات مع الأيدلوجيات الأخرى”.
الرأي الأول غير دقيق، فمن بين الأعمال الإسلامية المكرسة لهذا الموضوع في مصر كتاب لعبد الحميد جودة السحار عنوانه (أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله: مصدر يبحث الاشتراكية في الإسلام) صدر سنة 1943م، وقدم له حسن البنا، وكتابان لمحمد الغزالي صدر الأول (الإسلام والأوضاع الاقتصادية)، سنة 1947م والآخر (الإسلام والمناهج الاشتراكية) سنة 1948م. ويذكر شريف يونس في كتابه (سيد قطب والأصولية الإسلامية)، أن سيد قطب في مجلة (الفكر الجديد)، في يناير سنة 1948م عرض وعلق على الكتاب الثاني، وأشار إلى سابق احتفائه بالكتاب الأول دون إشارة إلى مكان النشر. ولم يستطع – كما قال – التوصل إلى المقال الأول. هامش ص 114.
وفي الطبعة الأولى من كتاب سيد قطب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) نجد أن هذين الكتابين من بين قائمة مراجعه. وهي القائمة التي أسقطها في طبعات لاحقة. أما الرأي الثاني، فلقد احتذى فيه بالدارس الإيراني أحمد عنايت في كتابه (الفكر السياسي الإسلامي المعاصر) أو هو أخذه عنه. فأحمد عنايت لا يرى أن هناك فروقاً جوهرية بين أفكار سيد قطب في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) وأفكار السباعي في كتابه (اشتراكية الإسلام)، رغم إقراره أن أصولية سيد قطب مختلفة كثيراً عن أصولية السباعي. إن حامد ألجار استل رأي أحمد عنايت بمعزل عن تعرضه، تعرضاً تفصيلاً للفروقات ما بين الكتابين. فأحمد عنايت صنف كتاب السباعي ضمن الرواية الرسمية أو الحكومية للاشتراكية وصنف كتاب سيد قطب ضمن الرواية الأصولية للاشتراكية، وهناك صنف ثالث أسماه بالرواية الراديكالية للاشتراكية. ولم يُطلع ألجار القارئ على خلاصات منها. وللإطلاع عليها أنصح القارئ بالرجوع إلى فصل أسمه بين الاشتراكية والإسلام (274 – 319)، في هذا الكتاب المرجعي.
إن عمل السباعي (اشتراكية الإسلام)، يندرج ضمن السياق الذي جاء فيه كتاب الغزالي وضمن سياق مقالات سيد قطب الإصلاحية الاجتماعية التي كان ينشرها في مجلات، منها: الرسالة والبلاغ الأسبوعي والمقتطف ومجلة الشؤون الاجتماعية *. وذلك قبل إصداره كتاب: (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، حينما كان يقول باشتراكية الإسلام. وكتاب سيد قطب كان تنظيراً إسلامياً اجتماعياً اقتصادياً عاماً بينما كان كتاب السباعي بحثاً فقهياً في هذه المسألة.
كما لا يمكن إغفال إن الكتابين يعبران عن موقفين – إلى حد ما – متضادين، فكتاب السباعي صدر في عهد بداية دولة الوحدة ما بين مصر وسوريا، وكان بمثابة دعم ونصرة لتطبيق النهج الاشتراكي في مصر، وهذا ما جعل الكتاب يطبع بمطبعة الشعب الحكومية بمصر مرتين لا يفصل بينهما سوى وقت قصير، ويوزع على نطاق واسع، ويحظى مؤلفه بجائزة الدولة التشجيعية من قبل المجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب سنة 1960م. أما سيد قطب فقد أحدث تغييرات فيما تلى الطبعات الأولى من كتابه متراجعاً عن ما كان قرره سابقاً من حق الجماعة في تحديد الملكية الفردية، تعبيراً عن معارضته لجمال عبد الناصر، من جهة، واستغراقا في فكر المودودي الذي تأثر به على نحو متدرج، فلم يؤيد سياسة التأميم التي أيدها بقوة مصطفى السباعي وسوغها فقهياً. على عكس المودودي الذي كان يرفض فكرة التأميم بشكل حاد ونهائي.
وينبغي أن نشدد على أن كتاب السباعي الذي كان نص محاضرة ألقاها على مدرج جامعة دمشق سنة 1959م، (وطبع في كتاب بمطبعة الشعب الحكومية في ذات السنة، وطبع طبعة ثانية في مطلع سنة 1960م زاد فيها)، يعبر عن توجه أصلي عند مؤلفه. فهو كان يقول باشتراكية الإسلام قبل سنوات من قيام ثورة يوليو 1952م. وكان عضواً في الجمعية التأسيسية سنة 1949م التي كانت تسمى الجبهة الاشتراكية الإسلامية المكونة من ثلاث جمعيات دينية هي: (الإخوان المسلمون) و(الجمعية الغراء) و(جمعية الأنصار) ولكن هذا الأمر لا ينفي أن اشتراكية عبد الناصر تبنّت هذا الكتاب واستفادت منه استفادة كبرى *.
وينبغي أن نذكر أن للسباعي موقف من الاتحاد السوفيتي مختلف عن موقف سائر الإخوان المسلمين في مصر وغيرها من البلدان العربية، إذ كان موقفه موقفاً إيجابياً. وللسباعي موقف شهير في المؤتمر الإسلامي المسيحي الذي عقد في بحمدون سنة 1954م، وكان الداعي والراعي له (جمعية أصدقاء الشرق الأوسط) الأمريكية، قال فيه: أن ظاهر المؤتمر محاربة الشيوعية، وباطنه الالتفاف على قضايا العرب والمسلمين، ولاسيما قضية فلسطين. وشكك في أهداف المؤتمر لأن الداعين إليه، هم (جمعية أصدقاء الشرق الأوسط) التي أعلن تحفظه عليها وعلى أنشطتها. هذا الموقف أعجب الشيوعيين اللبنانيين. وكتب الكاتب اللبناني الماركسي جورج حنا مقالة حيّا فيها السباعي بسبب موقفه هذا الذي صُنف عند الشيوعيين بأنه موقف سياسي تقدمي.

تصديق أكاذيب الإخوان المسلمين

هذه هي الملحوظات النقدية الأساسية للفقرات المنقولة من مقدمة حامد ألجار. أما ما لم يتم نقله منها، فلقد وقع فيها في أخطاء تقتضي التصحيح، وسأورد كل خطأ بحسب ترتيب وروده في المقدمة.
الخطأ الأول: أن أعمال سيد قطب الأولى (المبكرة) … جعلته مقرباً من الشخصيات القيادية الأدبية المصرية كعباس محمود العقاد (توفي 1944م) وطه حسين (توفي 1973م).
تعليق: إن سيداً عرف العقاد حينما انتقل إلى القاهرة لإكمال دراسته وكان حديث السن. فلقد عرّفه به خاله أحمد حسين عثمان الذي أقام عنده، وكان صديقاً للعقاد.
الخطأ الثاني: وبعد أن أكمل درجة الماجستير في التعليم في جامعة شمال كولورادو في جريلي، تخلى سيد قطب عن فكرة إمكانية البقاء في أمريكا للحصول على الدكتوراه وعاد إلى مصر عام 1950م.
تعليق: لا يحمل سيد قطب درجة ماجستير، وبعثته إلى أمريكا لم تكن لإكمال الدراسات العليا، وإنما كانت بعثة تدريبية من قبل وزارة المعارف لتعلم اللغة الإنجليزية والتخصص في التربية وأصول المناهج.
هذا الخطأ سبق أن صححه عبد الله الخباص في كتابه (سيد قطب الأديب الناقد) الصادر سنة 1983م. وهذا الكتاب كان من بين مراجع ألجار. ويظهر أنه غفل عن الالتفات إلى تصحيح هذا الخطأ الموجود عند بعض من كتبوا عن سيد قطب. ومما يلفت النظر أن هذا الخطأ لا يقتصر ارتكابه على حامد ألجار، فهو شائع في أكثر من دراسة غربية عن سيد قطب!
سيد قطب في أشهر صوره وهو في حبسه قبل اعدامه
سيد قطب في أشهر صوره وهو في حبسه قبل اعدامه
الخطأ الثالث: ظهرت ميول سيد قطب بشكل واضح ومتزايد نحو الإخوان المسلمين منذ أن شهد الحماس الشديد في أمريكا الذي استقبلت به أخبار اغتيال مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في فبراير 12/1949م.
تعليق: أصل هذا الرواية سيد قطب، وأشاعها الإخوان المسلمون، وقد صدقها كثيرون ممن هم من غير الإخوان المسلمين، وسنتطرق لزيفها عندما نتناول علاقة سيد قطب غير الودية بحسن البنا وبجماعته الإخوان المسلمين في فترة من حياته.
وللإنصاف فإن هذا الخطأ لا يختص به حامد ألجار، فلم يسبق لي أن قرأت لكاتب فحص تلك الرواية المزعومة التي أسلكها ضمن تكاذيب الإخوان المسلمين وتكاذيب سيد قطب.
الخطأ الرابع: بدأ سيد قطب يكتب في مجلات الإخوان المسلمين مثل (الرسالة) و (الدعوة) و(اللواء الجديد).
تعليق: مجلة (الرسالة) ليست من مجلات الإخوان المسلمين، فهي مجلة أدبية ثقافية غير حزبية يملكها الأديب أحمد حسن الزيات. وكان سيد قطب ينشر فيها قصائده ومقالاته منذ فترة مبكرة من حياته، ترجع بداياتها إلى مطلع ثلاثينيات القرن الماضي.
كذلك مجلة (اللواء الجديد)، هي ليست – أيضاً – من مجلات الإخوان المسلمين، فهي لسان الحزب الوطني الجديد الذي أنشأه فتحي رضوان سنة 1944م، وأنشأ معه تلك المجلة في هذه السنة. وهذا الحزب وهذه المجلة دعوة لإحياء مبادئ الحزب الوطني القديم الذي أنشأه مصطفى كامل.
أرجع خطأ حامد ألجار هذا إلى أنه قرأ بتسرع عبارة واردة عند أحمد الموصلي في كتابه (الفكر الإسلامي المعاصر، بحث مقارن لمبادئ الأصوليين والإصلاحيين) – الذي هو من بين مراجعه – ففهمها على نحو خاطئ. تقول العبارة: ” عند عودته إلى مصر كتب قطب في مجلة الإخوان، الدعوة، وفي مجلات أخرى، كالرسالة واللواء الجديد “. ص 27 .
الخطأ الخامس: مع أن الانقلاب – يقصد انقلاب 23 يوليو 1952م – كان له شعبية واسعة وأن القائمين به أسموه ” ثورة “، برغم غياب المشاركة الشعبية الواسعة إلا أن الضباط الأحرار كان يعوزهم قاعدة سياسية منظمة لهم، ولذا لجأوا إلى الإخوان المسلمين حيث لبعضهم علاقة بالمنظمة، لتجبيش الدعم الشعبي الفعال.
تعليق: لم يسم القائمون على هذا الانقلاب انقلابهم ثورة، فلقد كانوا يسمونه الحركة المباركة. وتسميته بالثورة جاءت من قبل مثقفين كمحمد فريد أبو حديد وطه حسين وراشد البراوي وسيد قطب الذي ألحّ أكثر من غيره على هذه التسمية وغالى في تمجيد حركة الضباط الأحرار.
الخطأ السادس: كان سيد قطب أحد الأعضاء الكبار في الإخوان المسلمين الذين تعاونوا مع الضباط الأحرار … وبعد شهر من الانقلاب ألقى سيد قطب محاضرة حول (التحرير الفكري والروحي في الإسلام) وذلك في نادي الضباط في القاهرة، وكان عبد الناصر من بين الحضور.
تعليق: في تلك الفترة لم يكن سيد قطب من الإخوان المسلمين، فهو انضم إليهم في منتصف سنة 1953م. وفي جملة حامد ألجار السابقة وجمل أخرى تلتها يقدم سيد قطب على أنه جزء من الإخوان المسلمين الذين – كما قال – رفضوا في البداية احتواء عبدالناصر لهم عن طريق إعطاء مناصب وزارية لبعض قيادييهم، وكانوا على قدر من الحصافة لمقاومة الذوبان الكلي في الهيكل الجديد للحكومة الناصرية.
هذا التقديم خاطئ من أكثر من جهة، ويدل على أنه لا يعرف أن سيداً في تلك الفترة كان محسوباً على الضباط الأحرار لا على الإخوان وأن اختلافه مع الضباط الأحرار في فترة تالية كان لأسباب هي غير أسباب اختلاف الإخوان معهم. ويدل أيضاً على أنه غير ملم بتفاصيل التحالف والصراع ما بين ضباط الثورة والإخوان المسلمين ومجرياته ومسببات الصدام الفعلية من جهة، ولا ملم بالانشقاقات المتوالية عند الإخوان المسلمين التي حصل اثنان منهما في السنوات الأولى لثورة يوليو من جهة أخرى.
الخطأ السابع: حدث في الإسكندرية في 23 أكتوبر 1954م، ما يبدو أنه كان محاولة غير ناجحة لاغتيال عبد الناصر، ولكن هناك دلائل تشير إلى أن ما حدث كان بتدبير عبدالناصر نفسه. كان الرجل الذي قيل أنه أطلق الرصاص محمد عبد اللطيف – والذي كان عضواً في الإخوان، كان معروفاً لدى عبد الناصر كماهر في الرماية، ولذا فمن المعقول أن يكون عبد الناصر قد أوكل إليه محاولة الاغتيال واثقاً من أنه عمداً لن يصيب الهدف، وأعدمه لضمان سكوته.
تعليق: يميل ألجار هنا إلى ترجيح رواية الإخوان المسلمين بأن حادث المنشية كان مدبراً وتمثيلية بحسب ما يقول الإخوان المسلمون لكن الموازنة ما بين رواية الإخوان المسلمين عن هذا الحادث والوثائق المتعلق بها تؤكد أنه غير مدبّر وليس تمثيلية. ولعل أفضل دراسة تاريخية وثائقية حسمت الجدل حوله، وأثبتت أنه حقيقي هي دراسة المؤرخ عبد العظيم رمضان – الذي كان خصماً لدوداً للناصرية –: (الإخوان المسلمون والجهاز السري).
وقد لا يعلم حامد ألجار أنه حصل تطور يهز من شأن رواية الإخوان المسلمين بخصوص حادث المنشية في السنوات الأخيرة، هذا التطور هو شهادة فريد عبد الخالق – أحد قدامى الإخوان وأحد قيادييهم – بأن محاولة الاغتيال كانت صحيحة، وأنه علم هو وبعض قيادات في الإخوان بها قبل حصولها، وحاولوا منعها لكنهم فشلوا.
سيد قطب في قفص الاتهام في المحاكمة التي أعدم على إثرها
سيد قطب في قفص الاتهام في المحاكمة التي أعدم على إثرها
أما محمود عبد اللطيف الذي قال عنه ألجار أنه عضو في الإخوان المسلمين، فهذه ليست صفته، فصفته الحقيقية، أنه عضو في النظام الخاص أو الجهاز السري في الإخوان المسلمين.
الخطأ الثامن: قيل إن إطلاقه كان بسبب سوء حالته الصحية المستمرة، إضافة إلى شفاعة الرئيس العراقي.
تعليق: لم يكن الإفراج عن سيد قطب في أواخر الشهر الخامس من سنة 1964م بسبب سوء حالته الصحية المستمرة، وإنما بسبب شفاعة الرئيس العراقي الذي كان ينتمي أصلاً إلى الإخوان المسلمين في العراق، وكان معجباً بتفسير سيد قطب (في ظلال القرآن) وبكتاباته الإسلامية. وقد قبل عبد الناصر شفاعته لأنه كان موالياً له. وبما أن سيد قطب أفرج عنه قبل أن يتم مدة عقوبته بـ” عفو صحي ” ومعه يوسف هواش لم يكن من المنتظر أن يقال أنه أفرج عنه بـ”شفاعة” من الرئيس العراقي عبد السلام عارف.
الخطأ التاسع: إنه من الممكن أن الحكومة أطلقته لكي تهيئ الظروف لإعادة القبض عليه ومحاكمته والتخلص النهائي منه.
تعليق: تفسيره هذا الذي صاغه على وجه الاحتمال، تفسير قال به بعض الإخوان المسلمين وقسم من إعلامهم في العالم العربي على وجه القطع، ومن أبرز من قال به زينب الغزالي التي كان لها دور أساسي في تنظيم 1965م السري المسلّح الذي كان قائده سيد قطب بعد الإفراج عنه، وكان قبل الإفراج عنه موجّهاً فكرياً له وحسب، من داخل السجن.
تقول زينب الغزالي في كتابها (أيام من حياتي): انتقلت إلينا أخبار بأن إخراج الإمام سيد قطب من السجن تخطيط من المخابرات ليسهل اغتياله، وأن في خطة الاغتيالات القضاء على عبد الفتاح عبده إسماعيل … وقد تأكدت لدينا الأخبار بأن المخابرات الأمريكية والمخابرات الروسية ووليتهم الصهيونية العالمية قد قدموا تقارير مشفوعة بتعليمات لعبد الناصر بأخذ الأمر بمنتهى الجد للقضاء على هذه الحركة الإسلامية”.
هذا هو التفسير بتمامه وكماله الذي أخذ به ألجار مجتزأً ليمنحه وجاهة ما، ولم ننقُص منه سوى قولها – والحاجة لا تنسى أبداً نفسها –: أنه سبق خروج سيد قطب بشهور، محاولة اغتيالي التي لم تنجح، حين انقلبت بي عربتي إثر اصطدامها بعربة أخرى. وكان الحادث مدبراً من مخابرات جمال عبد الناصر لاغتيالي وتواتر الأخبار تؤكد ذلك. وكذلك قولها بعد أن ساقته: أصبحوا يتوهمون أن هناك حركة فكرية يقودها سيد قطب في داخل السجن، وتقودها وتعمل على تنفيذها جماعة من الإخوان المسلمين، على رأسها الشهيد عبد الفتاح إسماعيل وزينب الغزالي خارج السجن.
يحتاج ألجار إلى أن يحدِّث معلوماته، فتنظيم 65 الذي كانت بداياته عفوية سنة 1957م عند شباب الإخوان المسلمين ممن كانوا خارج السجن، وكانوا ينتمون إلى محافظات ومدن مصرية شتى، والقائم على فكرة اغتيال عبد الناصر واغتيال قيادات أخرى في نظامه، وتدمير منشآت حيوية كبرى في مصر، والمأذون له بالعمل من قبل المرشد حسن الهضيبي رغم معارضة بعض قيادات الإخوان المسلمين الذي كانوا في السجن والذين كانوا يرون أنه في حالة كشفه سيؤخر الإفراج عنهم، هو من بين أمور كان الإخوان المسلمون ينكرونها، وصار بعض منهم في السنوات الأخيرة يعترفون بها مع استمرار إدانتهم لعبد الناصر ولنظامه. وهناك كتاب اسمه (الإخوان وعبد الناصر: القصة الكاملة لتنظيم 1965م) لأحمد عبد المجيد أحد قياديي التنظيم، وهو ممن لم يبدل في فكره ولم يغيّر فيه. هذا الكتاب وكتاب آخر لصهره السابق علي عشماوي (التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين) أحد قياديي التنظيم والذي قدم اعترافات كاملة حين اعتقل، يعدان – إضافة إلى محاضر التحقيق مع سيد قطب وقادة التنظيم – مراجع أساسية عن التنظيم.
هذا التنظيم الذي احتل فيه سيد قطب دور المنظر والموجه السياسي والفكري، وتالياً القائد الفعلي بعد الإفراج عنه، والذي كان مدعوماً من إخوان الخارج، يعتبر الأساس والمنطلق لحركات العنف التي تتوسل بالإرهاب لتحقيق أهدافها في العقود الأخيرة من القرن الماضي وسنوات القرن الحاضر.
الخطأ العاشر: كانت المحاكمة في أساسها محاكمة كتاب والأفكار التي يحتوي عليها…
تعليق: إعدام سيد قطب كان بسبب تأليف كتابه (معالم في الطريق) زعم أطلقه الإخوان المسلمون وغير الإخوان المسلمين من الليبراليين. فالكتاب طبع أكثر من مرة وكانت هناك تقارير وتوصيات من جهات أمنية تطالب بمنعه وعبد الناصر كان في البداية يرفض ذلك.
إن تكرر ورود اسم الكتاب في محاكمة التنظيم، سببه أن الكتاب كان المرجع الفكري للتنظيم وكان أعضاء التنظيم من سنوات وقبل أن يجمع في كتاب يتدارسونه بوصفه كراساً حزبياً، وكانت مسودات فصوله تهرّب إليهم، بحسب إتمامها، فصلاً ففصل.
ولو أن السلطات المصرية تعلم بأمر التنظيم وصلة سيد قطب به ما كانت لتفرج عنه.
الخطأ الحادي عشر: حكمت السلطة في شهر مايو، سنة 65، على سيد قطب بالإعدام مع ستة من كبار أعضاء الإخوان المسلمين، بمن فيهم الهضيبي. ثم تم تغيير حكم الإعدام بالسجن مدى الحياة على أربعة من المتهمين ولكن سيد قطب واثنين من رفاقه، وهما محمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل تم إعدامهم شنقاً في القاهرة بتاريخ 29 أغسطس سنة 1966م.
تعليق: كل الذين حكم عليهم مع سيد قطب في قضية تنظيم 65 سواء بالإعدام أو بالأشغال الشاقة أو بالأشغال الشاقة المؤبدة ليسوا من كبار الإخوان المسلمين، بل هم من صغارهم ومن مغاميرهم ومن مجاهيلهم، كما كانوا في معظمهم شباناً.
وسيد قطب نفسه لم يكن من كبار الإخوان المسلمين، لأنه ليس عضواً في مكتب الإرشاد ولا في الهيئة التأسيسية، ولا هو من قدامى الإخوان المسلمين، رغم أهميته بوصفه أقوى منظر وأعمق مثقف انضم لجماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها إلى يومنا هذا. فالمنصب الذي كان يشغله قبل سجنه سنة 1954م، هو مسؤول قسم نشر الدعوة في المركز العام للجماعة، ورئيس تحرير جريدة (الإخوان المسلمون). وهذا المنصب منصب متوسط وليس منصباً قيادياً.
الوحيد الذي كان من كبار الإخوان المسلمين في هذه القضية، هو حسن الهضيبي والذي هو من كبارهم بحكم المنصب الذي يتولاه، وهو منصب المرشد العام للجماعة لكن لم يصدر عليه – كما وهم ألجار – حكم بالإعدام. فلقد ” صدر عليه الحكم بالسجن ثلاث سنوات. وأخرج لمدة خمسة عشر يوماً إلى المستشفى، ثم إلى داره، ثم أعيد لإتمام مدة سجنه التي تم تمديدها بعد انتهاء المدة حتى تاريخ 15 أكتوبر 1971م، حيث تم الإفراج عنه”. موقع (الإخوان المسلمون).
إن الذين نفذ فيهم حكم الإعدام هم: سيد قطب قائد تنظيم 65 ونائبه محمد يوسف هواش وعبد الفتاح عبده إسماعيل صديق زينب الغزالي الحميم وخفّف عبد الناصر حكم الإعدام عن آخرين من قادة التنظيم، كعلي عبده عشماوي وأحمد عبد المجيد عبد السميع، وصبري عرفه الكومي ومجدي عبد العزيز متولي إلى أشغال مؤبدة لصغر سنهم ولأنه لم تكن لهم سوابق سياسة كالثلاثة الذين تم تنفيذ حكم الإعدام فيهم.

الإخوان لم يحدوا من انتشار الشيوعية في مصر

الخطأ الثاني عشر: من الملفت للنظر أن إعدام سيد قطب حدث بعد فترة قصيرة من رحلة إلى موسكو … والملفت للنظر – أيضاً – أن تأثير الإخوان بشكل عام وسيد قطب على الخصوص كان سبباً حائلاً دون انتشار الماركسية في مصر.
تعليق: إن استحضار التفسير التام والكامل الذي نجده عند زينب الغزالي – أحد أعضاء تنظيم 65 الأساسيين، يُفسد على حامد ألجار تفسيره المجتزأ. ففي تفسيرها أن القبض عليها وعلى التنظيم وإعدام سيد قطب ويوسف هواش وصديقها الحميم عبد الفتاح إسماعيل تم بتعليمات أولاً من المخابرات الأمريكية ومن المخابرات السوفيتية ثانياً ومن وليتها الصهيونية العالمية ثالثاً!
سيد قطب تحت حراسة مشددة في طريقه الى المحكمة
سيد قطب تحت حراسة مشددة في طريقه الى المحكمة
إن هذا التفسير العجيب والعجائبي، نلقاه عند عدد من كتبة الإخوان المسلمين، وربما استمده ألجار من كتاب يوسف العظم (الشهيد سيد قطب: حياته ومدرسته وآثاره) ومن كتاب صلاح الخالدي (سيد قطب الشهيد الحي) اللّذين كانا من بين مراجعه المكتوبة باللغة العربية، ولم يأخذه مباشرة من كتاب (أيام في حياتي) لزينب الغزالي. ثم اجتزأه ليمنحه – كما قلنا سابقاً – وجاهة ما.
ولمن يهمهم التأصيل، أقول أن هذا التفسير – على نحو رباعي – يتكرر عند سيد قطب حتى في الانشقاقات ما بين الإخوان المسلمين التي أنهكتهم قبل أن ينهكهم عبد الناصر وأرهقهم استمرارها بعد أن زج بهم في المعتقلات. تفسير سيد قطب ذو الأركان الأربعة يقوم على أن أمريكا والصليبية الغربية والصهيونية (أو اليهودية العالمية) والشيوعية متآمرين على الإخوان المسلمين وعليه شخصياً لأنه كشف مخططاتهم التآمرية، ولأنه مفكر إسلامي أصيل!
هذا ما يمكن التعليق به على القول الأول. أما التعليق على القول الثاني، فهو على النحو الآتي:
لم يكن للإخوان المسلمين بشكل عام وسيد قطب على الخصوص تأثير في عدم انتشار الماركسية في مصر خاصة في عقدي الخمسينيات والستينيات لأسباب عملية وسبب فكري.
ذلك أن عبد الناصر ونظامه قبل تبنيه لون من الاشتراكية وبعد تنبيه مزيد من الاشتراكية كان معادياً للشيوعية. وكانت التنظيمات الشيوعية في عهده محظورة. كما أنه زج بالإخوان والشيوعيين في السجون.
قد لا يعرف حامد ألجار أن في مصر في العهد الناصري إدارة اسمها مكافحة الشيوعية تابعة لجهاز الاستخبارات كان أول رئيس لها حسن التهامي، أحد الضباط الأحرار. وتلاه في رئاستها ضابط مشهور عند الشيوعيين هو اللواء حسن المصيلحي لأنه عنى بمطاردتهم ومكافحة الشيوعية.
ومن الأسباب العملية التي تحول دون أداء الإخوان المسلمين وسيد قطب الدور الذي زعمه لهم ألجار، أن حركة حدتو الشيوعية والحزب المصري الشيوعي تمكنا من إنشاء جبهة وطنية مكونة من الشيوعيين ومن بعض الإخوان المسلمين وبعض الوفديين على مستوى الطلاب تطالب بإسقاط حكم الجيش. وقد وصل الشيوعيون إلى مستوى معين من التنسيق والتحالف مع الإخوان المسلمين.
وفي ظل هذا التنسيق والتحالف أعلن المرشد حسن الهضيبي موقفاً جديداً من الشيوعية. فالشيوعية – حسبما قال – لا تقاوم بالعنف والقوانين. وأنه لا مانع لديه من أن يكون للشيوعيين حزب ظاهر، والإسلام كفيل بضمان وسلامة الطرق التي تسلكها البلاد”.
وفي ظله أيضاً، اشترك الإخوان في توزيع منشورات الحزب الشيوعي المصري التي تدعو إلى إسقاط حكم الجيش واشتركوا في مظاهرات الشيوعيين لإسقاط حكم العسكر سنة 1954م.
إن العقوبة التي تلقاها سيد قطب وهي سجنه خمسة عشر عاماً، أثر حادث المنشية، كانت بسبب تحريره نشرة سرية عنوانها (الإخوان في المعركة) والتي كانت تطبع في مطابع الحزب الشيوعي المصري السرية، تتهم عبد الناصر ونظامه بالعمالة للاستعمار الغربي وتعريض البلاد لمخاطر الحرب العالمية الثالثة المتوقعة، وعقد معاهدة سرية مع إسرائيل، واتهام الضباط بسرقة أموال الشعب، وعبد الناصر بتأثيث بيته بمفروشات من القصور الملكية المصادرة عن طريق لجنة جرد القصور. وبسبب هذه المنشورات السرية تعرض سيد قطب في بداية سجنه سنة 1954م، لتعذيب شديد، إذ أن فيها حتى عند بعض قيادات الإخوان المعتدلة، اتهامات جاوزت الحد، وبعض منها يعلمون أنها غير صحيحة. وحين اعترضوا اتهمهم الهضيبي ومعه سيد قطب بمهادنة السلطة. أما الإخوان المسلمون الذين لم يفضوا تحالفهم مع السلطة ولم يقطعوا تعاونهم معها، فهم بحسب تقرير اجتماع ما بين الحزب الشيوعي المصري بقيادة الدكتور فؤاد مرسى ورسول الإخوان المسلمين، سيد قطب، ممثلاً لجناح الهضيبي: ” نفر من الإخوان الخونة الذين يسيرون وفق خطط الاستعمار”.
إن هذا الدور الذي افترضه ألجار لتأثير الإخوان وسيد قطب في التسبب بعدم انتشار الشيوعية بمصر ليس صحيحاً في عهد عبدا لناصر، وصحيح – مع إضافة أسباب عديدة – في عهد السادات.
أما ما قبل الثورة، فلقد كان لهم إلى حد ما، هذا الدور في الأوساط العمالية، وإلى حد ما أيضاً في الأوساط الطلابية الجامعية وما قبل الجامعية لكن مع ملاحظة أن تركيزهم الأساسي كان منصباً على تنافس وصراع عملي مع أحزاب سياسية لم تكن يسارية ولا شيوعية.
إننا لو تأملنا في حيوات عدد من المثقفين المصريين، الأكاديميين وغير الأكاديميين قبل الثورة وفي أثناءها لوجدنا أنهم في بداية حياتهم كانوا إخواناً مسلمين ثم تحولوا إلى اليسار. ولا نجد العكس إذا ما تأملنا في حيوات الإخوان المسلمين، إذ لا نجد فيهم قبل تلك الفترة وفي أثناءها من كان يسارياً في سابق حياته أو من هو قادم من تجربة ثقافية مغايرة تماماً لتجربتهم. الاستثناء في هذا كان سيد قطب، القادم من تجربة أدبية ثقافية رومانتيكية.لم يكن فيها علمانياً صرفاً ولا من دعاة الثقافة الغربية على نحو واضح، رغم غرامه بالقراءة في أدبياتها المترجمة إلى العربية.
السبب الفكري الذي يفسر الملحوظة السابقة، أن مؤلفات الإخوان المسلمين في الثلاثينيات والأربعينيات، ابتداءً من مؤلفات المرشد والمؤسس الأول، هي مؤلفات هزيلة على مستوى الفكر الديني الإسلامي وعلى مستوى المعاصرة، قالباً ومضموناً. ولم يكن بوسعها – نظراً لهذه العلة المزدوجة – أن تزاحم أو تنافس لا الفكر الليبرالي المصري المستظل بنظرية القومية المصرية، ولا المؤلفات الإسلامية التي كتبها علماء الأزهر وأكاديمييه وكتبها آخرون من ذوي الاتجاه الإسلامي العام ومن أصحاب الاتجاه الليبرالي. ناهيك عن أن تكون مؤهلة لمقارعة الفكر الماركسي.
ثم مع حصول تطور ما في هذه المؤلفات الهزيلة في أواخر الأربعينيات، كما في كتابي الغزالي: (الإسلام والأوضاع القانونية) و(الإسلام والمناهج الاشتراكية) اللذين كتبهما بلغة ثورية مشبوبة واستلحق الاشتراكية فيهما بالإسلام، لم يكن لهما في طبعتيهما الأوليتين ولا مع إعادة طباعتهما في سنوات الخمسينيات والستينيات تأثير يذكر سوى التأثير الذي جعل سيد قطب يكتب كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) والذي كان له منذ أول صدوره تأثيره في بعض الضباط والأحرار حينما كانوا تنظيماً سرياً. وتأثيره في جماعة الإخوان المسلمين. لكن سيد قطب حينما ألّف كتابه هذا متأثراً بكتابي الغزالي لم يكن يسارياً ولم يكن مثل الغزالي منضوياً في جماعة الإخوان المسلمين ولا معبراً عن فكرهم السياسي والاجتماعي.
ولا يسعنا – بمناسبة الحديث عن كتابي الغزالي – إلا أن نقرر أن حظيهما كان عاثراً، فلقد اكتسحهما في البداية كتاب سيد قطب ثم طغى عليهما كتاب السباعي الذي كان هو المعول عليه والمرجع الذي يعتمد عليه للقول باشتراكية الإسلام في العهد الناصري.
الخطأ الثالث عشر: وبالرغم من تجربته الشخصية في السجن، نجد أن الهضيبي كتب ما يمكن وصفه بنقض لكتاب سيد قطب (معالم في الطريق) أسماه (دعاة لا قضاة). أشار في كتابه إلى أن الجاهلية هي ظاهرة تاريخية حصرية وليست ظاهرة تاريخية متجددة. ولذا فهي ليست قابلة لنعت مجتمع مسلم معاصر، بالجاهلي.
تعليق: كشف اللواء فواد علام وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق في كتابه: (الإخوان المسلمون وأنا) أن كتاب (دعاة لا قضاة) المنسوب للمرشد حسن الهضيبي ليس له. وأن الكتاب ورائه مباحث أمن الدولة. وأنه تم إعداده بواسطة بعض علماء الأزهر. وأن الذين شاركوا في إعداده إلى جانب علماء الأزهر بعض المعتقلين من الإخوان المتعاونين مع هذا الجهاز. (راجع قصة هذا الكتاب والأسباب التي دعت إلى تأليفه وكيف تمت نسبته إلى الهضيبي في كتاب فؤاد علام المشار إليه آنفاً، ص 209، 210، 211، 212).
وسأخصص مقالة مستقلة أذكر فيها شواهد، تثبت أن الكتاب لم يؤلفه الهضيبي.
الخطأ الرابع عشر: Qutb. Muhammad، Sayyid. Al-Shahid Al-Ghazali. Cairo. 1974.
محمد قطب: سيد قطب، الشهيد الغزالي، القاهرة، 1974م.
اللواء فؤاد علام
اللواء فؤاد علام
تعليق: لا أخفيكم أني أمضيت يوماً أو بعض يوم لفك شفرة عنوان هذا الكتاب. لعلمي المسبق أن محمد قطب لم يخص أخيه سيد قطب بتأليف كتاب عنه. وأنه لا يعرف له كتاب صادر في منتصف السبعينيات. ثم ما علاقة عنوان الكتاب الأساسي (سيد قطب) بعنوانه الشارح (الشهيد الغزالي) الذي هو أساساً عنوان مغلوط. فالإمام أبو حامد الغزالي مات ميتة طبيعية ولم يغتل، ليحكم له بالشهادة.
الكتاب بعدما فككت شفرة عنوانه عرفت أن المقصود به كتاب (سيد قطب: الشهيد الأعزل) لمحمد علي قطب. وهذا الكتاب هو الكتاب نفسه الذي كان نشره في الستينيات تحت عنوان (سيد قطب أو ثورة الفكر الإسلامي)، مع بعض الإضافة اليسيرة، وإعادة نشر مقالة لمحمد قطب شقيق سيد كان كتبها في مجلة (الشهاب) – كما ذكر ذلك صلاح عبد الفتاح الخالدي – لتكون بمثابة مقدمة للكتاب.
محمد علي قطب – بصرف النظر عن التصحيف الذي وقع في كتابة اسم كتابه باللغة الإنجليزية – يجب ألا يكتب اسمه بطريقة ثنائية. لأن ذهن القارئ، سينصرف مباشرة إلى شقيق سيد قطب، محمد. أحسب أن حامد ألجار كتب اسمه بطريقة ثنائية اتباعاً لأحمد موصلي في كتابه (الفكر الإسلامي المعاصر، دراسات وشخصيات، سيد قطب، بحث مقارن لمبادئ الأصوليين والإصلاحيين) الذي هو أحد مراجعه المكتوبة باللغة الإنجليزية. فأحمد موصلي – ولعله الوحيد في ذلك – كتب اسمه بطريقة ثنائية.
ويحسن بي – نظراً لأنه يتعمد أن يوقع القارىء في ارتباك بين الاسمين، فيعتقد القارىء أنه من آل قطب وأنه مصري – أن أعرّف به.
محمد علي قطب (أو القطب كما هو اسم عائلته الرسمي): لبناني صيداوي. من أتباع دعوة الإخوان المسلمين في لبنان. درس في الأزهر. وتعرف على سيد قطب شخصياً في أثناء دراسته في مصر. مكث في مصر مدداً طويلة في فترات متقطعة. ربما لأنه متزوج من مصرية. اشتغل بالتدريس، متوفٍ من سنوات قريبة.
مكثر في تآليفه. ولعل أشهرها (يهود الدونمة) و (مذابح وجرائم محاكم التفتيش في الأندلس) و(خبز وحرية) و(مسلمات مؤمنات) و(دليل الحيران في تفسير الأحلام).
ولزيادة التعريف به. أذكر أنه هو أبو الممثلة راندا، زوجة المخرج عادل عوض، ابن الممثل الكوميدي الراحل محمد عوض.
نختتم مراجعتنا للمقدمة بتوجيه ملحوظة، أراها أساسية.
هذه الملحوظة الأساسية، هي أن حامد ألجار في مقدمته اكتفى برواية الإخوان المسلمين عن سيد قطب وعن تاريخهم وصدّق هذه الرواية ذات الطابع الدعائي، المحشوة بالمبالغات التي تتضمن قدراً من حكايات مخترعة وحزمة من العبارات الملفقة. وأهمل كلياً الرواية الرسمية في عهد عبد الناصر. ولم يلتفت إلى كتب آخرين من اتجاهات أخرى، قدمت سياقاً مختلفاً لهذه الرواية، وناقشت ما في محتواها من تدليس وزيف. ولا إلى كتابات تمثل، من ناحية معلوماتية وأخرى تحليلية، مرحلة متقدمة ومتطورة في الدراسات المقدمة حول فكر سيد قطب وتحولاته وتاريخه.
إن يكن حامد ألجار مؤمناً بالرواية الإخوانية ومصدقاً لها أشد التصديق، أمر سائغ ومفهوم ولا عُجب فيه لكن ما هو غير سائغ وغير مفهوم وعجيب – كل العجب – أن غيره من غربيين كثر، هم أيضاً أسيروا الرواية الإخوانية، وتشملهم تلك الملحوظة التي نبهت عليها، رغم أنهم ليس مثله مسلمين، وليسوا مثله متشيعين سياسياً وعقدياً لإسلام سيد قطب وإسلام الإخوان المسلمين وإسلام الثورة الإيرانية.

الهوامش:


* وفق خبر نشر في مجلة (الرسالة) سنة 1951م، هذا نصه: ” قرر المجلس الأمريكي للدراسات الاجتماعية ترجمة كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) للأستاذ سيد قطب إلى اللغة الإنجليزية، ونشره في أمريكا للتعريف بسياسة الإسلام الاجتماعية، وسيقوم بترجمته المستشرق يوحنا (!) (جون ب. هاردي) الأستاذ بجامعة هاليفاكس بكندا”. يذكر صلاح عبد الفتاح الخالدي – صاحب أكثر من دراسة عن سيد قطب – اسم المجلس على هذا النحو من دون النص على اسمه باللغة الإنجليزية. ويترجمه شريف يونس في كتابه (سيد قطب والأصولية الإسلامية) إلى المجلس الأمريكي للمجتمعات المتعلمة. عندما أخبرت أحمد الشنبري مترجم النصوص الإنكليزية المستخدمة في البحث قال: الترجمة الأولى ترجمة خاطئة والترجمة الثانية ترجمة حرفية، والأقرب للصحة ترجمته بالمجلس الأمريكي للجمعيات الثقافية وليس المجتمعات المتعلمة. لأنه اتحاد فيدرالي يضم سبعين مؤسسة فكرية ذات مستوى عال متخصص في مجال العلوم الإنسانية، وقد ذكر لي أنه تأسس سنة 1919م.
* في النقاش الذي أشرت إليه سلفاً، في مجلة المسلم المعاصر، أشار في خاتمة نقاشه الذي كان فيه يُعلى من شأن أفكار علي شريعتي أن لديه عديداً من التحفظات على الكثير من أفكاره وإن إحداها مشتق من حقيقة أنه سني، في حين أن علي شريعتي كان من الشيعة. ويستفاد من هذه الإشارة على أنه في إسلامه تحول من السنية إلى الشيعة.
* راجع هذه المقالات في كتاب: المجتمع المصري، جذوره وآفاقه، إعداد وتقديم آلان روسيون.
* راجع دفاع الدكتور عدنان زرزور في كتابه (مصطفى السباعي، الداعية المجدد) عنه إزاء مؤخذات الإسلاميين على كتابه (اشتراكية الإسلام). ومما يجدر ذكره أن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر طبعته طبعة ثالثة هذا العام، وكان قد طبع قبل سنوات قليلة من قبل دار الوراق والمكتب الإسلامي في عنوان مختلف عن عنوانه الأصلي، فبعد أن كان عنوانه (اشتراكية الإسلام)، أصبح عنوانه (التكافل الاجتماعي).

سيد قطب إبراهيم:

وُلد سيد قطب إبراهيم في قرية “موشه” التابعة لمحافظة أسيوط في صعيد مصر عام 1324هـ الموافق 9-10-1906م، ودخل المدرسة الابتدائية في القرية عام 1912م، حيث تخرّج فيها عام 1918م، ثم انقطع عن الدراسة لمدة عامين بسبب ثورة 1919م.
وفي عام 1920م سافر إلى القاهرة للدراسة، حيث التحق بمدرسة المعلمين الأولية عام 1922م، ثم التحق بمدرسة “تجهيزية دار العلوم” عام 1925م، وبعدها التحق بكلية دار العلوم عام 1929م، حيث تخرج فيها عام 1352هـ – 1933م حاملاً شهادة الليسانس في الآداب.

عُيِّن بعد تخرجه مدرسًا في وزارة المعارف بمدرسة الدوادية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مدرسة دمياط عام 1935م، ثم إلى حُلوان عام 1936م، وفي عام 1940م نُقل إلى وزارة المعارف، ثم مُفتشًا في التعليم الابتدائي، ثم عاد إلى الإدارة العامة للثقافة بالوزارة عام 1945م، وفي هذا العام ألّف أول كتاب إسلامي وهو “التصوير الفني في القرآن”، وابتعد عن مدرسة العقاد الأدبية.
وفي عام 1368 هـ – 1948م، أوفدته وزارة المعارف إلى أمريكا للاطلاع على مناهج التعليم، ونظمه، وبقي فيها حوالي السنتين، حيث عاد إلى مصر في عام 1370هـ 1950م، وعُيِّن في مكتب وزير المعارف بوظيفة مراقب مساعد للبحوث الفنية، واستمر حتى 18-10-1952م حيث قدَّم استقالته.
عمل “سيد قطب” في الصحافة منذ شبابه، ونشر مئات المقالات في الصحف والمجلات المصرية كالأهرام والرسالة والثقافة، وأصدر مجلتي “العالم العربي” و”الفكر الجديد”.
ترأس جريدة “الإخوان المسلمون” الأسبوعية عام 1373هـ – 1953م وهي السنة التي انتسب فيها إلى الإخوان المسلمين رسميًا، وكان قبل ذلك قريبًا من الإخوان، متعاونًا معهم.
قُدم للمحاكمة يوم 22-11-1954م، وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمد خمسة عشر عامًا، وأُفرج عنه بعفو صحي عام 1964م.
وفي عام 1965م اعتُقل، ثم حُكم عليه بالإعدام فجر يوم الإثنين 13 جمادى الأولى 1386 هـ الموافق 29 أغسطس 1966.
علي العميم

علي العميم

كاتب وصحافي وناقد ومؤرخ سعودي عمل صحافياً في مجلة اليمامة، زاول الكتابة في الجرائد التالية: الرياض، اليوم، والاقتصادية. عمل صحافياً متفرغاً في جريدة الشرق الأوسط. من مؤلفاته "شيء من النقد شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة وفي الليبرالية واليسار" و عبدالله النفيسي: الرجل، الفكرة، التقلبات: سيرة غير تبجيلية" و العلمانية والممانعة الإسلامية: محاورات في النهضة والحداثة".
 http://www.majalla.com/arb/2012/09/article55238286
 

سيد قطب .. الأديب و المصلح الاجتماعي





معظم ما كُتب عن سيد قطب تَرَكَّزَ حول فكره وجهاده أو سجنه وتعذيبه وإعدامه، ولكنه لا يُلمّ بحياة هذا الشهيد وجوانبها الأدبية والإصلاحية، كما أنه يهمل فترة الضياع الروحي والصراع النفسي التي أعقبها انضمامه للحركة الإسلامية الإصلاحية، وتبنيه لقضية العدالة الإسلامية دون أن تعرف أن حياته سلسلة متصلة الحلقات لم تشهد تحولاً مفاجئًا أو تغييرًا غامضًا!


نشأة سيد قطب

ولد سيد قطب مولدًا خاصة لأسرة شريفة في مجتمع قروي (صعيدي) في يوم 9-10-1906م بقرية موشا بمحافظة أسيوط، وهو الابن الأول لأمه بعد أخت تكبره بثلاث سنوات وأخ من أبيه غير شقيق يكبره بجيل كامل. وكانت أمه تعامله معاملة خاصة وتزوده بالنضوج والوعي؛ حتى يحقق لها أملها في أن يكون متعلمًا مثل أخواله.
كما كان أبوه راشدًا عاقلاً وعضوًا في لجنة الحزب الوطني، وعميدًا لعائلته التي كانت ظاهرة الامتياز في القرية، واتصف بالوقار وحياة القلب، يضاف إلى ذلك أنه كان دَيِّنًا في سلوكه.
ولما كتب سيد قطب إهداء عن أبيه في كتابه "مشاهد القيامة في القرآن" قال: "لقد طبعتَ فيَّ وأنا طفل صغير مخافة اليوم الآخر، ولم تعظني أو تزجرني، ولكنك كنت تعيش أمامي، واليوم الآخر ذكراه في ضميرك وعلى لسانك.. وإن صورتك المطبوعة في مُخيلتي ونحن نفرغ كل مساء من طعام العشاء، فتقرأ الفاتحة وتتوجه بها إلى روح أبيك في الدار الآخرة، ونحن أطفالك الصغار نتمتم مثلك بآيات منها متفرقات قبل أن نجيد حفظها كاملات".
وعندما خرج إلى المدرسة ظهرت صفة جديدة إلى جانب الثقة بالذات من أمه والمشاعر النبيلة من أبيه وكانت الإرادة القوية، ومن شواهدها حفظه القرآن الكريم كاملاً بدافع من نفسه في سن العاشرة؛ لأنه تعود ألاَّ يفاخره أبناء الكتاتيب بعد إشاعة بأن المدرسة لم تعد تهتم بتحفيظ القرآن.
وفي فورة الإحساس والثقة بالنفس كان لظروف النضال السياسي والاجتماعي الممهدة لثورة 1919م أثر في تشبعه بحب الوطن، كما تأثر من الثورة بالإحساس بالاستقلال وحرية الإرادة، وكانت دارهم ندوة للرأي، شارك سيد قطب فيها بقراءة جريدة الحزب الوطني، ثم انتهي به الأمر إلى كتابة الخطب والأشعار وإلقائها على الناس في المجامع والمساجد.


سيد قطب في القاهرة

ذهب سيد قطب إلى القاهرة في سن الرابعة عشرة وضمن له القدر الإقامة عند أسرة واعية وجهته إلى التعليم، وهي أسرة خاله الذي يعمل بالتدريس والصحافة، وكان لدى الفتى حرص شديد على التعلم
إلا أنه في القاهرة واجه عقبات محصته تمحيصًا شديدًا، جعلته يخرج من الحياة برؤية محددة قضى نحبه -فيما بعد- من أجلها.
والتحق سيد قطب أولاً بإحدى مدارس المعلمين الأولية -مدرسة عبد العزيز- ولم يكد ينتهي من الدراسة بها حتى بلغت أحوال الأسرة درجة من السوء جعلته يتحمل المسئولية قبل أوانه، وتحولت مهمته إلى إنقاذ الأسرة من الضياع بدلاً من استعادة الثروة وإعادة المجد.
واضطر إلى العمل مدرسًا ابتدائيًّا حتى يستعين بمرتبه في استكمال دراسته العليا من غير رعاية من أحد اللهُمَّ إلا نفسه وموروثاته القديمة. وكان هذا التغير سببًا في الاحتكاك المباشر بالمجتمع الذي كان لا بد له من أسلوب تعامل يختلف عن أسلوب القرويين وتجربتهم.
فالمجتمع الجديد الذي عاش فيه انقلبت فيه موازين الحياة في المدينة السليمة، وبدت في القاهرة سوءات الاحتلال الأجنبي ومفاسد السياسة؛ حيث سادت عوامل التمزق الطبقي والصراع الحزبي وغدت المنفعة وما يتبعها من الرياء والنفاق والمحسوبية هي الروح التي تسري، ويصف عبد الرحمن الرافعي هذا المجتمع بأنه "مجتمع انهارت فيه الثقافة العربية أمام الثقافة الغربية التي تؤمن بالغرب حتى بلغت في بعض الأحيان حد التطرف في الإيمان بالغرب وبمبادئه إيمانًا مطلقًا"، فكيف يواجهها هذا الشاب الناشئ المحافظ الطموح؟!
كانت صلته بهذا المجتمع صلة تعليم، ثم أصبح الآن مشاركًا فيه، وعليه أن يختار ما بين السكون والعزلة، وبالتالي عدم إكمال تعليمه أو الحركة والنشاط، واختار سيد قطب المواجهة مع ما ينبت معها من عناصر الإصرار والتحدي وعدم الرضا بهذا الواقع المؤلم.


سيد قطب ..ارتحال فكري

واختار سيد قطب حزب الوفد ليستأنس بقيادته في المواجهة، وكان يضم وقتذاك عباس محمود العقاد وزملاءه من كتاب الوفد، وارتفعت الصلة بينه وبين العقاد إلى درجة عالية من الإعجاب؛ لما في أسلوب العقاد من قوة التفكير ودقة التغيير والروح الجديدة الناتجة عن الاتصال بالأدب الغربي.
ثم بلغ سيد قطب نهاية الشوط وتخرج في دار العلوم 1933م وعين موظفًا -كما أمل وأملت أمه معه- غير أن مرتبه كان ستة جنيهات، ولم يرجع بذلك للأسرة ما فقدته من مركز ومال؛ فهو مدرس مغمور لا يكاد يكفي مرتبه إلى جانب ما تدرُّه عليه مقالاته الصحفية القيام بأعباء الأسرة بالكامل.
وهذه الظروف التي حرمته من نعيم أسلافه منحته موهبة أدبية إلا أن الأساتذة من الأدباء -كما يصفهم- كانوا: "لم يروا إلا أنفسهم وأشخاصهم فلم يعد لديهم وقت للمريدين والتلاميذ، ولم تكن في أرواحهم نسمة تسع المريدين والتلاميذ". كل هذا أدى إلى اضطرابه وإحساسه بالضياع إلى درجة -وصفها الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه "مذكرات سائح من الشرق"- انقطعت عندها كل صلة بينه وبين نشأته الأولى وتبخرت ثقافته الدينية الضئيلة وعقيدته الإسلامية، ولكن دون أن يندفع إلى الإلحاد، وكان دور العقاد حاسمًا في ذلك.
وانتقل سيد قطب إلى وزارة المعارف في مطلع الأربعينيات، ثم عمل مفتشًا بالتعليم الابتدائي في عام 1944م وبعدها عاد إلى الوزارة مرة أخرى، وفي تلك الفترة كانت خطواته في النقد الأدبي قد اتسعت وتميزت وظهر له كتابان هما: "كتب وشخصيات"، "والنقد الأدبي.. أصوله ومناهجه".
وبعد ميدان النقد سلك سيد قطب مسلكًا آخر بعيدًا بكتابه "التصوير الفني في القرآن" الذي لاقى مقابلة طيبة من الأوساط الأدبية والعلمية فكتب "مشاهد القيامة في القرآن"، ووعد بإخراج "القصة بين التوراة والقرآن" و"النماذج الإنسانية في القرآن"، و"المنطق الوجداني في القرآن"، و"أساليب العرض الفني في القرآن"، ولكن لم يظهر منها شيء.
وأوقعته دراسة النص القرآني على غذاء روحي لنفسه التي لم تزل متطلعة إلى الروح. وهذا المجال الروحي شده إلى كتابة الدراسات القرآنية فكتب مقالاً بعنوان "العدالة الاجتماعية بمنظور إسلامي" في عام 1944م.
ولما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها زادت الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية سوءًا وفسادًا، وكانت جماعة الإخوان المسلمين هي أوضح الجماعات حركة وانتشارًا حتى وصلت لمعاقل حزب الوفد كالجامعة والوظائف والريف، وأخذت تجذب بدعوتها إلى الإصلاح وقوة مرشدها الروحية المثقفين، وأخذت صلة سيد قطب بالجماعة تأخذ شكلاً ملموسًا في عام 1946م، ثم ازدادت حول حرب فلسطين 1948م.
وفي هذا الاتجاه ألف سيد قطب كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وأهداه إلى الإخوان؛ ثم سافر إلى أمريكا وعند عودته أحسنوا استقباله، فأحسن الارتباط بهم، وأكد صلته حتى أصبح عضوًا في الجماعة.


رحلة سيد قطب إلى أمريكا

وجد سيد قطب ضالته في الدراسات الاجتماعية والقرآنية التي اتجه إليها بعد فترة الضياع الفكري والصراع النفسي بين التيارات الثقافية الغربية، ويصف قطب هذه الحالة بأنها اعترت معظم أبناء الوطن نتيجة للغزو الأوربي المطلق.
ولكن المرور بها مكنه من رفض النظريات الاجتماعية الغربية، بل إنه رفض أن يستمد التصور الإسلامي المتكامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان من ابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم؛ لأن فلسفتهم -في رأيه- ظلال للفلسفة الإغريقية.
فكان من المنتظر حين يوم 3-11-1948م في بعثة علمية من وزارة المعارف للتخصص في التربية وأصول المناهج ألاَّ تبهره الحضارة الأمريكية المادية، ووجدها خلوًّا من أي مذهب أو قيم جديدة، وفي مجلة الرسالة كتب سيد قطب مقالاً في عام 1951 بعنوان "أمريكا التي رأيت"، يصف فيها هذا البلد بأنه "شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء، بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى، بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك".


سيد قطب.. المصلح والأديب

امتلك سيد قطب موهبة أدبية قامت على أساس نظري وإصرار قوي على تنميتها بالبحث الدائم والتحصيل المستمر حتى مكنته من التعبير عن ذاته وعن عقيدته يقول: "إن السر العجيب -في قوة التعبير وحيويته- ليس في بريق الكلمات وموسيقى العبارات، وإنما هو كامن في قوة الإيمان بمدلول الكلمات وما وراء المدلول، وإن في ذلك التصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية، المعنى المفهوم إلى واقع ملموس".
وكان سيد قطب موسوعيًّا يكتب في مجالات عديدة إلا أن الجانب الاجتماعي استأثر بنصيب الأسد من جملة كتاباته، وشغلته المسألة الاجتماعية حتى أصبحت في نظره واجبًا إسلاميًّا تفرضه المسئولية الإسلامية والإنسانية، وهذا يفسر قلة إنتاجه في القصة التي لم يكثر فيها بسبب انشغاله بالدراسات النقدية ومن بعدها بالدراسات والبحوث الإسلامية.
وطوال مسيرته ضرب سيد قطب مثل الأديب الذي غرس فيه الطموح والاعتداد بالنفس، وتسلح بقوة الإرادة والصبر والعمل الدائب؛ كي يحقق ذاته وأمله، اتصل بالعقاد ليستفيد منه في وعي واتزان، ولم تفتنه الحضارة الغربية من إدراك ما فيها من خير وشر، بل منحته فرصة ليقارن بينها وبين حضارة الفكر الإسلامي، وجمع بينه وبين حزب الوفد حب مصر ومشاعر الوطنية، وجمع بينه وبين الإخوان المسلمين حب الشريعة وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع إسلامي متكامل. واستطاع بكلمته الصادقة أن يؤثر في كثير من الرجال والشباب التفوا حوله رغم كل العقبات والأخطار التي أحاطت بهم، وأصبح من الأدباء القلائل الذين قدموا حياتهم في سبيل الدعوة التي آمنوا بها.


سيد قط .. العودة والرحيل

عاد سيد قطب من أمريكا في 23 أغسطس 1950م ليعمل بمكتب وزير المعارف إلا أنه تم نقله أكثر من مرة حتى قدم استقالته في 18 أكتوبر 1952م، ومنذ عودته تأكدت صلته بالإخوان إلى أن دُعي في أوائل عام 1953م ليشارك في تشكيل الهيئة التأسيسية للجماعة تمهيدًا لتوليه قسم الدعوة.
وخاض مع الإخوان محنتهم التي بدأت منذ عام 1954م إلى أن أُعدم في عام 1966م. وبدأت محنته باعتقاله -بعد حادث المنشية في عام 1954م (اتهم الإخوان بمحاولة اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر)- ضمن ألف شخص من الإخوان، وحكم عليه بالسجن 15 سنة ذاق خلالها ألوانًا من التعذيب والتنكيل الشديدين، ومع ذلك أخرج كتيب "هذا الدين" و"المستقبل لهذا الدين"، كما أكمل تفسيره "في ظلال القرآن".
وأفرج عنه بعفو صحي في مايو 1964م وكان من كلماته وقتذاك: أن إقامة النظام الإسلامي تستدعي جهودًا طويلة في التربية والإعداد، وأنها لا تجيء عن طريق إحداث انقلاب.
وأوشكت المحنة على الانتهاء عندما قبض على أخيه محمد قطب يوم 30-7-1965م، فبعث سيد قطب برسالة احتجاج إلى المباحث العامة؛ فقبض عليه هو الآخر 9-8-1965م، وقدم مع كثير من الإخوان للمحاكمة، وحكم عليه وعلى 7 آخرين بالإعدام، ونفذ فيه الحكم في فجر الاثنين 13 جمادى الأولى 1386هـ الموافق 29 أغسطس 1966م.من مؤلفات سيد قطب:

1- طفل من القرية (سيرة ذاتية).
2- المدينة المسحورة (قصة أسطورية).
3- النقد الأدبي.. أصوله ومناهجه.
4- التصوير الفني في القرآن.
5- مشاهد القيامة في القرآن.
6- معالم على الطريق.
7- المستقبل لهذا الدين.
8- هذا الدين.
9- في ظلال القرآن.
10- كيف وقعت مراكش تحت الحماية الفرنسية؟
11- الصبح يتنفس (قصيدة).
12- قيمة الفضيلة بين الفرد والجماعة.
13- حدثيني (قصيدة).
14- الدلالة النفسية للألفاظ والتراكيب العربية.
15- هل نحن متحضرون؟
16- هم الحياة (قصيدة).
17- وظيفة الفن والصحافة.
18- العدالة الاجتماعية.
19- شيلوك فلسطين أو قضية فلسطين.
20- أين أنت يا مصطفى كامل؟
21- هتاف الروح (قصيدة).
22- تسبيح (قصيدة).
23- فلنعتمد على أنفسنا.
24- أين الطريق؟
25- ضريبة الذل.
المصدر: موقع إسلام أون لاين.

وثيقة اخوانية تشرح الفارق بين أفكار قطب و البنا .. فقه حسن البنا في التغيير قام علي الإصلاح المتدرج وفقه سيد قطب قام علي منهج الانقلاب الإسلامي



لم يؤثر في فكر جماعة الإخوان المسلمين ويحدد وجهتها الفكرية سوي اثنين من المفكرين رغم طول رحلة الجماعة الممتدة من القرن الماضي , بالتأكيد الأول هو مؤسس الجماعة الشهيد الراحل حسن البنا الذي سيطرت عليه النزعة الإسلامية منذ صغره وشغل همه تكوين جماعة اسلامية واعية تقود حركة النهضة الإسلامية التي أسسها في العصر الحديث جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ثم جاء البنا تلميذا في مدرستهم ولكن لم يكتفي أن يسير علي نهج المدرسة الفكرية بشكل نخبوي ولتأثره بالحركة الصوفية في طفولته قرر أن يجعل هذه المدرسة الإسلامية الحديثة تنظيما له أتباعا ومريدين فأسس هو ورفاقه جماعة الإخوان المسلمين
المفكر الثاني الذي كان له عميق الأثر في فكر الإخوان هو سيد قطب الذي بدأ حياته مثقفا وأديبا وشاعرا ضمن جماعة " أبولوا " الأدبية وكان قطب تلميذا بارا للأديب محمود عباس العقاد ومنتميا في بداية حياتة لحزب الوفد ثم انتقل منه إلي حزب السعديين وفاءا لسعد زغلول إلي أن تطورت أفكاره بعد زيارته لأمريكا وتحوله للجانب الإسلامي من خلال كتابته الإسلامية " العدالة الإجتماعية في الإسلام " و " التصوير الفني للقرأن الكريم " حتي وجد أن الإخوان هم أقرب اليه وهو أقرب إليهم فانتمي للجماعة في عام 1953 وأصبح مسئولا عن قسم نشر الدعوة وتولي رئاسة تحرير جريدة الإخوان المسلمين الإسبوعية , واستمر قطب في مراجعة أفكاره حتي دخل السجن في 1954 علي أثر أول أزمة للإخوان مع عبدالناصر وتعرضه للتعذيب الشديد مما دعاه لاستخدام أساليب فكرية ربما كانت أقسي مما عرفته جماعة الاخوان وظهر ذلك جليا في كتابته من داخل السجن " هذا الدين " و " المستقبل لهذا الدين " والكتاب الأكثر جدلا في الفكر الإسلامي المعاصر " معالم علي الطريق " كما أنه عدل من تفسير القرأن في كتابه الأشهر " في ظلال القرأن " فعدل فيه 13 جزاء داخل سجنه
وأحدثت أفكار قطب انقلابا جذريا في جماعة الإخوان والتي كان أبرزها تكوين تنظيم 1965 الذي يختلف كليا عن منهج الإخوان في التغيير المتدرج عن طريق الإصلاح بل أصبحت أفكار قطب دستورا لأبناء الحركة الإسلامية الذين تبنوا العنف كمنهج للتغيير واتخاذهم كتابات قطب مرجعا فكريا أساسيا في معركتهم الجديدة
واختلف الباحثين والإخوان حول أفكار قطب حيث اعتبرها فريق كبير من الباحثين أنها تختلف عن أفكار حسن البنا وأنها لا تعبر عن جماعة الإخوان وشاركهم في هذا التصور القليل من أبناء الجماعة وعلي رأسهم العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وعدد من تلامتذة من جيل السبعينات كالدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والذين أبرزوا مسالب أفكار قطب وأوضحوا أن الجماعة رفضت هذه الأفكار من خلال كتاب "دعاة لا قضاة " الذي أخرجه مرشد الجماعة الثاني حسن الهضيبي
, بينما دافع الكثير من قيادات الإخوان عن فكر سيد قطب وخاصة الذي انتموا لتنظيم 1965 وحاولوا أن يبرروا مواقفه ويؤكدوا علي أن أفكاره هي من معين الجماعة
" الدستور " عثرت علي وثيقة علمية شديدة الأهمية كتبها أحد قيادات تنظيم 65 عن الفروق الفكرية بين منهج حسن البنا وسيد قطب , وهذه الوثيقة التي كتبها المهندس الراحل محمد الصروي
ضمن كتابه " محنة 1965 الزلزال والصحوة " وعرضها في فصل كامل بعنوان قضايا فكرية عن سيد قطب إلا أن لجنة المراجعة الفكرية عند الجماعة عندما راجعت الكتاب رأت أن تحذف منه الكثير من القصص والشهادات والأحداث التي يرويها "الصروي " باعتباره شاهدا وفاعلا في هذا التنظيم كما قررت حذف كل ما أورده "الصروي" في شكل مقارنات بين البنا وقطب واختذلت الفصل المشار اليه والذي كتبه" الصروي" في 77 صفحة إلي مبحث صغير في الكتاب ظهر في 7 صفحات فقط وحدث ذلك بموافقة الكاتب بدعوي عدم اثارة الشبهات لدي أعضاء الجماعة وصدر الكتاب في عام 2004 قبل وفاة الصروي بعام واحد وقدمه له الشيخ محمد عبدالله الخطيب عضو مكتب الإرشاد في حينه
إلا أن أحد أفراد أسرته والذي كان يساعد الصروي في الجمع والمراجعة أطلعنا علي النص الكامل للكتاب قبل تنقيحه أو حذف شهادة الصرواي علي قضايا فكرية وتنظيمية شديدة الأهمية والخطورة في تنظيم الإخوان في عهد عبدالناصر – والدستور تتحفظ علي النسخة الكاملة للكتاب لديها – ونشير هنا إلي أهم ما أورده الكاتب من فروقات فكرية ومنهجية بين العملاقين الإسلاميين حسن البنا وسيد قطب
فتحت عنوان " الاتجاه الإسلامي المحدد " كتب الصروي عن انتقال سيد قطب الي مدرسة الإخوان بشكل واضح ويقول أن أن حياته الفكرية مع " الإخوان المسلمين " تنقسم إلى مرحلتين :
المرحلة الأولى تبدأ منذ انتسابه في أواخر الأربعينات وحتى دخوله السجن عام 1954 , وهذه مرحلة فيها الغث وفيها السمين , ولعل خير ما يمثل هذه المرحلة كتاب " دراسات إسلامية ".
والمرحلة الثانية تبدأ منذ دخوله السجن , أو قل منذ ظهور كتابيه " هذا الدين " و " المستقبل لهذا الدين " كعلامة .. وحتى إعدامه عام 1966 , وهذه تعتبر مرحلة النضج الكامل , ولم يتخل ـ حين أعلن تخليه عن العديد من كتبه ـ عما كتبه في الفترة الواقعة بين سجنه وإعدامه . وإنما كان الأمر كذلك لان التقدم الفكري وصفاء التصور قد تكون لديه ـ بعون الله وتيسيره ـ بجهوده الشخصية , وليس معنى ذلك أنه لم يكن لحركة " الإخوان المسلمين " فضل عليه , فهذه الحركة هي التي أحيت فكرة العمل لإعادة الدولة الإسلامية , وأحيت معها جوا فكريا ضخما أثر على كافة المفكرين المسلمين في مصر بصورة ما , وبديهي أن تأثير هذه الحركة على أحد أبنائها كان اكبر من التأثير في بقية المفكرين الذين لم يعملوا مع الجماعة , إنما الذي نعنيه هو صفاء التصور ووضوح الميزان القائم على هذا التصور الصافي , فليس ثمة إنسان منصف ينكر أن سيد قطب قمة لا تطالها القمم المعاصرة جميعا في صفاء التصور ودقة ميزانه , ولا من ينكر أن ذلك لم يكن في أول أمره ..
ويقول الصروي لقد كان " قطب " معجبا جدا بحسن البنا وكان إعجابه يتركز - بصورة خاصة - على عبقرية البنا في ناحيتين , في البناء النفسي المتوازن لأعضاء الحركة , بإيجاد النسب المتكافئة بين العلم والروح والحركة من جهة , وبين المدارس الإسلامية " التخصصية " ـ كالصوفية والسلفية والمذهبية ـ من جهة ثانية والبناء التنظيمي للجماعة , وقد كان هذا البناء هو الأول من نوعه في العالم بالنسبة للعمل الجماعي المتجسد في صورة " حزب إسلامي ".
أما من الناحية الفكرية فيقول الصروي : " فلا ريب أن لسيد قطب تفرده , فهو ــ في رأينا ــ يمثل قمة النضج الفكري عند " الإخوان المسلمين " , بحيث يمكن أن يعتبر ظاهرة خاصة , لها طابعها المميز , ولا يعتبر مجرد استمرار لمدرسة البنا الفكرية , أو تلميذا متخرجا منها , كما ذهب إليه الأستاذ غازي التوبة ."
ويضيف الكاتب : " نعم إن سيد قطب استفاد من فكر " الإخوان المسلمين " الذي غذاه البنا ونماه , ويحتمل كثيرا أننا لم نكن لنجد سيد قطب " المفكر المسلم " لولا الإخوان المسلمون ولولا البنا ولكن ذلك لا يعنى انه كان تلميذا نجيبا فحسب , بل هو مجدد حقيقي , استقل بمنهج فكرى خاص به , يعرف بجلاء لدى قراءة كتبه التي كتبها فيما بين سجنه وإعدامه , ولدى مقارنة ذلك بكتب البنا الرائد , وبكتب كتّاب الإخوان المسلمين ومقالاتهم المكتوبة منذ إنشاء الحركة وحتى أوائل الخمسينيات
وفي بداية الفصل كتب" الصروي " بأنه أدق وأصعب أبواب هذا البحث موضوحا : " فهو يتناول القضايا الشائكة وما أكثرها .. ولكن لا بد من الكتابة فيه .. فان لي تجربة شخصية مع كتب ومنهج سيد قطب , ومع التنظيم الذي كان يرأسه الشهيد عليه رحمة الله ورضوانه فإذا كتبت فهو من واقع الأحداث , ومن قلب المعركة , ومن خضم المعاناة والمكابدة , ولقد دفع الشهيد سيد قطب حياته ثمنا لهذا الفكر , وتلك الحركة هو وزميلاه الشهيدان محمد يوسف هواش , وعبد الفتاح إسماعيل على حبل المشنقة .. "
وحاول الكاتب أن يضع في بداية بحثه الفرو بين المناخ الذي عاش فيها الإمام المؤسس حسن البنا والإمام المنظر سيد قطب
فقطب عاش حسب الصروي مقاتل صلب عنيد .. فلم تجد معه مساومات , ولم تنفع معه ضغوط .. هذا معناه انه ظل في حرب مع عبد الناصر وأعوانه تسعة أعوام في السجن ( 55 ــ 1964 ) معذبا في سجنه يوما بعد يوم أي حوالي 3285 يوم .. معركة استمرت ثلاثة آلاف يوم .. والجنود في المعركة يحاربون نهارا وينامون ليلا , أما سيد قطب فكانوا يحاربونه في سجنه ليل ونهارا .. في نومه ونبهه .. في يقظته وغفوته .
ولقد رأى سيد قطب إخوانه شهداء مذبحة طره عام ( 1957 ) ( 21 شهيدا ) ومثلهم من الجرحى يموتون في ساحة السجن في معركة غير متكافئة بل ورأى على سرير بجواره يموتون من التعذيب صبرا بمنع الدواء مثل الشهيد أحمد نار و غيره.
فأيقن أنها معركة حربية هو في قلب ساحتها .. والمعارك لها قانون ونظام غير نظام الحياة العادية .
ويضيف الصروي : " عاش سيد قطب ساحة قتال , وليست زنازين سجن وهو مريض لا يملك إلا قلمه .. فحارب الباطل بقلمه .. فنزلت كلماته ـ عليه رضوان الله ـ سيوفا على الباطل في كل أرجاء الأرض , جريء لا يتردد .. فالتردد في المعركة هزيمة نكراء "
من هنا حرص سيد قطب حسب الصروي على وضع كثير من النقط فوق الحروف , ورفض أي لبس , وعرّى الباطل , وحرص على التمايز عنه , وأختار لهم مفردات لغة لعلها من وجهة نظره المناسبة لساحة القتال ( مثل الجاهلية ــ دار الحرب وغيرها كثير ) هكذا كان اجتهاده رحمه الله .
أما حسن البنا فيري الصروي أنه كان في حقل مختلف , وظروف أخرى .. هو حقل الدعوة والتفهيم والشرح والبيان ...وكانت عنده معارك أخري لا تقل ضراوة
ويضيف الكاتب إن حسن البنا بلا شك هو مجدد القرن العشرين لهذه الأمة , وكثير من الناس لاحظ فروقا جوهرية من كلام حسن البنا , وكلام سيد قطب ويتسائل فما موقع هذا من التقييم الفكري والعلمي ؟
ويجيب علي نفسه قائلا : " والذي تستريح له نفسي , وتطمئن له تجربتي .. أن سيد قطب مثله مع حسن البنا . كمثل المجتهدين على أصول نفس المذهب .. أو بتعبير أدق " مجتهد على أصول نفس المنهج " موضحا فالإمامان الجليلان محمد , وأبو يوسف مجتهدان على مذهب الإمام أبو حنيفة النعمان .. فهما في إطار أصول مذهبه يجتهدان ولا يخرجان عن أصول المذهب , والاجتهاد في بعض الفروع والوسائل , وفق الظروف والأحوال المستجدة .
وأكد الصروي في بحثه المطول الذي تم اختذاله في الكتاب المطبوع عن دار " التوزيع والنشر الإسلامية " أنه سيعرض بالتفصيل والنصوص بعض الفروق التي فيها اجتهاد لسيد قطب في إطار منهج حسن البنا , لكنه حرص أن يعرض في البداية الأصول التي يلتزم بها كل من البنا وقطب
• هذا الدين نظام حياة لكن عامة الناس , وكل الحكام أو جلهم لا يحب هذا
• هذا الدين حضارة متكاملة لا تقبل القسمة ولا الترقيع ولا قطع الغيار لأنه منهج كامل متكامل من عند الله "
• إن الناس بعدوا كثيرا عن الدين والتدين .. ولا بد من رجوعهم إلى حظيرة الدين .
• لا بد من إيقاظ المسلمين في غفلتهم الشديدة
• إن الإصلاح لا يأتي أبدا من الرأس بمعنى تغيير الحكومة , فكلاهما ( أي حسن البنا وسيد قطب ) متفقان على أن الإصلاح يبدأ من القاعدة
• كما يتفق الإمام والشهيد بضرورة عودة الخلافة
• يتفق الإمام والشهيد على " ألا نكفر مسلما نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها "
ويقول الصروي على نفس الدرب سار سيد قطب لكنه كان شديدا جدا في وصفه لكل من بعد عن تعاليم الدين , ولعله أصدر بعض الأحكام على بعض الأفراد من الحكام ( والله أعلم ) كما أنه وصف علماء السلطان وصفا صعبا .. والعلماء أيضا قابلوا سيد قطب بكلمات قاسية في محنته ووصفوه ومن معه بأنهم الخوارج في موقف سيئ من العلماء في عام ( 1965 ) .. وعلى رأسهم للأسف شيخ الأزهر .. فلعله كان مكرها !!
كان سيد قطب حسب الكاتب متشددا في حكمه على بعض الحكام والأشخاص كما قلت ولكنه لم يكن يكفر عوام الناس , أو من ليس في جماعته أو تنظيمه
كما يري الصروي أن البنا وقطب يتفقان على ضرورة " التدرج " في الخطوات بهذا المنهج تدرجا يناسب الزمان والمكان و هذا المنهج سماه الإمام البنا " التدرج " وسماه قطب " المرحلية " ولم يتوسع البنا في شرح ( التدرج ) لكن قطب توسع في شرح " المرحلية " ففهم منها أناس مفاهيم شتى , لكن الأستاذ سيد قطب رحمه الله حسب – الكاتب - كانت له اجتهادات لعل أغلب ألفاظها ومصطلحاتها لا توجد في أديبات الإخوان التي تتمثل في رسائل حسن البنا كما أن هذه المصطلحات كانت موجودة من قبل في عصور الإسلام الأولى عند فقهاء الأمة مثل دار الحرب ودار الإسلام وغيرها , ولكن في ظروف عالمية ومحلية مختلفة .ولقد أثارت هذه المصطلحات أزمات كثيرة بعد وفاة الشهيد سيد قطب
وانقسمت الآراء بين متحامل عليها , وبين موائم بينها , وبين ناقد لها في موضوعية وبين من يصف عبارات الشهيد بالعاطفية , ومن يصفها ببلاغة الأدباء وتعبيرات الفصحاء .. وبين متعصب لها بدرجات متفاوتة فمنهم حتى الان من يتوقف في الحكم على إسلام الناس , ومنهم من يكفر الناس , ومنهم من يكفر من ليس على مزاجه ومقاسه وهواه .. حتى ظن بعضهم انه وحده على الحق وان الدنيا كلها على باطل ,
وهذه المصطلحات هي التي أتى بها الأستاذ سيد قطب إلى قاموس الدعاة هي :
الجاهلية , الجماعة المسلمة , معنى شهادة لا اله إلا الله , دار الحرب ودار الكفر ودار الإسلام , الحاكمية ,المرحلية , المفاصلة بين الشعورية والمادية ,استعلاء الإيمان
ولقد أفرد الكاتب الفروق الجوهرية في رؤية البنا لهذه المصطلحات ورؤية قطب وان كان يبرر لقطب رؤيته التي وصفها هو بالمتشددة وأفرد الكاتب لكل مصطلح من هذه المصطلحات الثمانية صفحات مطولة بينما النسخة التي صدر فيها الكتاب لم يزد توضيحه لهذه الأفكار سوي عن سطور قليلة تبرر فكر قطب فقط ونعرض هنا ما توصل له الاستاذ الصروي من فروقات جوهرية بين قطب والبنا في المصطلاحات الثمانية ونعرض هنا لاهم فارقين وهما الجاهلية والمرحلية
1- الجاهلية
ان الإمام حسن البنا حريصا على البعد عن استخدام أي مصطلحات فقهية لها مدلولات محددة .. أو يمكن إساءة فهمها , أو لها ظلال فتوى معينة , أو لها مدلول تاريخي أو مدلول في كتب علوم التوحيد والعقيدة .. قد يترتب عليها إصدار حكم ما في شخصية أو هيئة معينة , بل إن البنا حرص ألا يفرض مذهب فقهيا معينا على الإخوان حتى لا تنحصر الجماعة في إطار مذهبي فقهي , والتزم البنا سلوك الداعية , ولم يسلك طريق الفتوى والتزم أخلاق الدعاة
وكان البنا حريصا أن يري الناس من منطق ( إني أراكم بخير ) فهو يقول : " وليعلم قومنا , وكل المسلمين قومنا , أنهم أحب إلينا من أنفسنا ...ليس معنى هذا أن حسن البنا لم يحسن تشخيص حال المسلمين بل تشهد رسائله أنه يعرف بالتفصيل الشديد أمراض الأمة ويضع لها روشتة العلاج.
وشبه الصروي فقه حسن البنا في وصف حال المسلمين ومنهجه في الدعوة كمن رأى سيارة تحطمت وتهشمت في حادثة .. تهشم الموتور والسقف والعجل والشاسية وغيرها وبقيت اللوحة المعدنية سليمة .. فسحب البنا هذه السيارة وذهب بها إلى الورشة لإصلاح كل شيء من الألف إلى الياء وأصر على منهج الإصلاح .. دون الحكم على السيارة بالإعدام ما دامت اللوحات المعدنية سليمة .
أما الشهيد سيد قطب فنظر إلى السيارة وقال : لا بد من سيارة جديدة , والتخلص من هذه السيارة المهشمة ورميها في صناديق القمامة فلا يجدي معها الإصلاح
كان حسن البنا يقول على بلاد المسلمين وساكنيها انهم مسلمون وان فيهم أملا كبيرا وخيرا كثيرا لكن ينقصهم الكثير ويعدد ويوضح ويسهب في ذكر الأمراض وعلاجه ,
أما قطب فله نظرات في كتاب الله تعالى ووصف بجاهلية هذه المجتمعات وشبهها بجاهلية ما قبل الإسلام فمعتقدات الناس فيها جاهلية الظن بالله غير الحق بعدم تحكيم شريعته وسلوك النساء فيه تبرج الجاهلية الأولى أو يزيد وغضب الناس لغير الله أكثر من أن ينكر .
والحكم بغير ما انزل الله واضح لكل ذي عينين , والدين في واد والناس والحكام في واد آخر .. إلا ما رحم ربى .. وقليل ما هم .
وخلص سيد قطب إلى جاهلية المجتمع بهذه المواصفات وأنها أشبه ما تكون بالجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم . ورتب الشهيد سيد قطب منهجا للحركة بناء على هذا التصور استلهمه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الجاهلية الأولى شبرا بشبرا , وذراعا بذراع .
وحسب الصروي لكن سيد قطب كان عالما .. فكان يفرق بين النظرة الإجمالية للمجتمع وبين النظرة إلى أفراد هذا المجتمع .. وهذه التفرقة صعبة جدا أن يستوعبها القارئ العادي بل والعالم المتخرج من الأزهر الشريف وهى عسيرة على العقل أن يفهمها
كان حسن البنا يصف الناس والمجتمعات أنها أمم إسلامية بعدت كثيرا عن الإسلام لكن أصل الإسلام واضح فيها . وباق فيها فشجرة الإسلام أصلها ثابت وفرعها في السماء لكن ساق الشجرة اجتثت من فوق الأرض .
وخلاصة منهج حسن البنا .. الإصلاح .. ثم الإصلاح .. ثم الإصلاح .. فهو يعترف بوجود الخير في هذه الأمة .. وذلك المجتمع وان الإصلاح ممكن .. وليس مستحيلا .. وخير له أن يقوم بالإصلاح فهو منهج غير مستفز , ولا يقلب للحكام ظهر المجن , ويعطى فرصة أطول للدعوة والدعاة للتغلغل داخل المجتمع , والغوص في أعماقه .
أما منهج التغييرالذي يحبذه سيد قطب .. أو إن شئت قل منهج الانقلاب الإسلامي .. فهو يشعل معركة مع الناس ومع الحكام .. معركة في وقت مبكر جدا .. كما يعطى تبريرات للحكام للتعامل بمنطق الرفض المتبادل ..

من ثم فهو ـ أي الإمام البنا ـ يطالب بإصلاح كل شيء .. وليس تدمير أي شيء .. يطالب بالعلاج , وليس بالتغيير .
أما الشهيد سيد قطب فيصف المجتمعات كلها بالجاهلية .. ويترتب على هذا الوصف ضرورة اتباع منهج ( التغيير) وليس ( الإصلاح ) وهذا الوصف الذي قاله الشهيد سيد قطب عن ( الأمة ) وعن ( المجتمعات ) فهو يعنى به الأمة أو المجتمع كشخصية معنوية متمثل في الدولة ومؤسساتها الدستورية من تشريعية وتنفيذية وقضائية , ولا يتعلق هذا الحكم بالأفراد .
2- المرحلية

كان حديث قطب عن المرحلية قاصرا على كلامه حول مسائل الجهاد وذلك في مواضع متعددة " في ظلال القرآن " وفى كتابه " معالم في الطريق "ويقول الصروي هذا الكلام عن المرحلية حرّفه كثيرون ونسبوه إلى الشهيد سيد قطب , ولعله من كل هذا برئ .
وهو لا يتحمل وزر من نسبوا إليه تعطيل كثير من الأحكام الشرعية بحجة المرحلية , واستنبطوها ـ فقط ـ من فكرة المرحلية , ونسجوا حولها أحاديث شتى , وفتاوى عدة .. فقسموا الأحكام إلى مكي أي ما نزل بمكة , ومدني وهو ما نزل بالمدينة , وزعموا أن وضع الناس اليوم يشبه الوضع في مكة من حيث جاهلية المجتمع كله في مواجهة إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه القلائل في مكة ... بل وغالوا في ذلك فزعموا عدم فرضية الحج مثلا وكذلك الزكاة ـ الآن ـ على المسلمين لأن فريضة الحج نزلت في أواخر عهد المدينة ..
اما حسن البنا حينما تكلم عن ( التدرج في الخطوات ) تناول موضوعا آخر مختلفا تمام الاختلاف عن كلام الشهيد سيد قطب .. وقال البنا في احدي رسائله عن التدرج : " وأما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لابد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك
 http://afkarmonem.blogspot.fr/2010/05/blog-post.html

Aucun commentaire: