mardi 14 octobre 2014

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
 {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]

في ظلال القرآن - سيد قطب     

 

الجزء الثلاثون

في صفة محمد [ ص ] , وصفة وظيفته التي جاء ليؤديها ورد في القرآن الكريم: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين . . (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف , وينهاهم عن المنكر , ويحل لهم الطيبات , ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)فقد جاء [ ص ] رحمة للبشرية . جاء ميسرا يضع عن كواهل الناس الأثقال والأغلال التي كتبت عليهم , حينما شددوا فشدد عليهم .
وفي صفة الرسالة التي حملها ورد: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر . . (وما جعل عليكم في الدين من حرج). . (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). . (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم)فقد جاءت هذه الرسالة ميسرة في حدود الطاقة لا تكلف الناس حرجا ولا مشقة . وسرى هذا اليسر في روحها كما سرى في تكاليفها (فطرة الله التي فطر الناس عليها).
وحيثما سار الإنسان مع هذه العقيدة وجد اليسر ومراعاة الطاقة البشرية , والحالات المختلفة للإنسان , والظروف التي يصادفها في جميع البيئات والأحوال . . العقيدة ذاتها سهلة التصور . إله واحد ليس كمثله شيء . أبدع كل شيء , وهداه إلى غاية وجوده . وأرسل رسلا تذكر الناس بغاية وجودهم , وتردهم إلى الله الذي خلقهم . والتكاليف بعد ذلك كلها تنبثق من هذه العقيدة في تناسق مطلق لا عوج فيه ولا انحراف . وعلى الناس أن يأتوا منها بما في طوقهم بلا حرج ولا مشقة:" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم , وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " . . والمنهي عنه لا حرج فيه في حالة الضرورة: إلا ما اضطررتم إليه . . وبين هذه الحدود الواسعة تنحصر جميع التكاليف . . .
ومن ثم التقت طبيعة الرسول بطبيعة الرسالة , والتقت حقيقة الداعي بحقيقة الدعوة . في هذه السمة الأصيلة البارزة . وكذلك كانت الأمة التي جاءها الرسول الميسر بالرسالة الميسرة . فهي الأمة الوسط , وهي الأمة المرحومة الحاملة للرحمة . الميسرة الحاملة لليسر . . تتفق فطرتها هذه مع فطرة هذا الوجود الكبير . .
وهذا الوجود بتناسقه وانسياب حركته يمثل صنعة الله من اليسر والانسياب الذي لا تصادم فيه ولا احتكاك . . ملايين الملايين من الأجرام تسبح في فضاء الله وتنساب في مداراتها متناسقة متجاذبة . لا تصطدم ولا تضطرب ولا تميد . . وملايين الملايين من الخلائق الحية تجري بها الحياة إلى غاياتها القريبة والبعيدة في انتظام وفي احكام .وكل منها ميسر لما خلق له , سائر في طريقه إلى غاية . وملايين الملايين من الحركات والأحداث والأحوال تتجمع وتتفرق وهي ماضية في طريقها كنغمات الفرقة العازفة بشتى الآلات , لتجتمع كلها في لحن واحد طويل مديد !
إنه التوافق المطلق بين طبيعة الوجود , وطبيعة الرسالة , وطبيعة الرسول , وطبيعة الأمة المسلمة . . صنعة الله الواحد , وفطرة المبدع الحكيم .




Aucun commentaire: