samedi 4 octobre 2014

آحمد صبحي منصور كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين



النبى لا يشفع يوم الدين : ( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين ) ب 1 ف 5
 الباب الأول : الشفاعة فى الاسلام
الفصل الخامس : توضيح عن دور الملائكة فى الشفاعة
 
كتب الاستاذ ( جمال خالدى) يسأل:

( هناك أمر أود لو توضحه وهو الأية رقم 26 من سورة الأنبياء فهل هذه الأية تتحدث على الملائكة ام على الرسل ؟ 

لأن الله عز وجل يقول ( وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [29]

 فهل يمكن أن تقول الملائكة قولا فتسبق قول الله عز وجل وهو يقول لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [27].

وهل يمكن للملائكة أن تعمل عملا من تلقاء نفسها من غير أمر الله عز وجل . 

وهل يمكن أن تعذب الملائكة في جهنم.).

وأردّ عليه مع الشكر والتقدير .
 .

أولا :
1 ـ طبقا لحديث رب العزّة فى القرآن الكريم فلا يمكن لأى نفس بشرية أن تجزى أو أن تنفع أو تشفع فى نفس بشرية أخرى ، وينطبق هذا خصوصا على الأنبياء ، وينطبق على وجه أخصّ على خاتم الأنبياء. والتفاصيل فى الفصل القادم .
2 ـ وطبقا للتدبر القرآنى وأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا وأن الآيات المتشابهة تشرح الآيات المحكمة فإن الملائكة هى التى تقوم بالشفاعة بعد إذن الرحمن لها وعلمه ورضاه جل وعلا بمن يصلح عمله لأن يكون شفيعا فيه . 
وهذا يتضح من ربط الآيات ببعضها البعض:( وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ )(23) سبأ )( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) (البقرة 255 ).
( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى )( الانبياء 26- 28 )( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا )طه 108 ـ )( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) النجم ).
 وعليه فإن الملائكة هى المقصودة بقوله جل وعلا : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ )( الانبياء 26- 28 ).
 وقد فصّلنا هذا فى الفصل السابق عن شفاعة الملائكة .
3 ـ ونتوقف بمزيد من التدبر مع قوله جل وعلا عن الملائكة : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ )( الانبياء 26- 28 )
ثانيا :
1 ـ القائلون (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ) هم بالتحديد العرب المشركون فى عهد النبى محمد عليه السلام فى مكة ، وهم قد عبدوا الأوثان والأنصاب أى القبور المقدسة وعبدوا الملائكة على انها بنات الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . ولم يقيموا أصناما وأوثانا للملائكة بإعتبارها فى زعمهم جزءا من الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا .
 بينما أقاموا الأوثان والأصنام والأنصاب والقبور المقدسة لأوليائهم التى تقربهم لله جل وعلا زلفى، والتى إعتبرها رب العزة جل وعلا رجسا من عمل الشيطان :
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)( المائدة ) . 
وبالتالى إنحصرت عقائدهم الشركية فى عبادة الشيطان وعبادة الملائكة ، وقال جل وعلا فى ذلك : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً (117) النساء ). ( الإناث ) هى الملائكة . 
والله جل وعلا يردّ على زعمهم بأتخاذ الاناث ملائكة وبنات له جل وعلا:( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (40) الاسراء ).
2ـ يؤكد هذا أنّه تكرر فى السور المكية الرّد على زعمهم هذا ؛ يقول جل وعلا :

 ( فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) الصافات ). 
 نلاحظ هنا الرد الالهى على زعمهم بأن الله جل وعلا إتخذ الملائكة ولدا وخلقهم إناثا. وتكرر الردّ فى قوله جل وعلا : ( وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) ، ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) الزخرف ).
3 ـ وفى سورة الأنبياء جاء الرد على عبادتهم الآلهة الشيطانية وعبادتهم الملائكة معا ، يقول جل وعلا عن عبادتهم الآلهة الشيطانية:

 ( أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25). 
ويقول بعدها جل وعلا عن عبادتهم الملائكة ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29).
4 ـ المشهور أن النصارى هم الذين أتخذوا المسيح إبنا لله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ).
 وقد توالت الآيات فى السّور المدنية الردّ على ذلك فى وقت تعاظم فيه الاحتكاك بأهل الكتاب . 
ومنه قوله جل وعلا :
 (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) النساء ) ، ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) ) (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) ( المائدة ).
 
ولكن هذا لا علاقة له بالآيات الخاصة بموضوعنا عن الملائكة فى سورة الأنبياء لأنّ قوله جل وعلا (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً ) يشير الى عبادة العرب للملائكة وليس للأنبياء ، فلم يعرف العرب (الأميون) عبادة الأنبياء لسبب بسيط هو أنهم لم يأتهم أنبياء بعد جيل جدهم إسماعيل :

( لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) القصص ) ( لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) السجدة ) (لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) يس ) ، ولهذا وُصفوا بأنهم ( أميون) أى لم ينزل عليهم ( كتاب ) مثل (أهل الكتاب ):( وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )(75)( آل عمران ).
5 ـ فإن قيل بأن الاية الكريمة تتحدث عن ( الولد ) تقول : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا )ولم تقل (بنتا ). وبالتالى فإن الآية تتحدث عن عبادة المسيح ، وليس الملائكة . ونقول إن ( ولد ) فى مصطلحات القرآن تعنى ( المولود ) ذكرا أو أنثى . يقول جل وعلا : (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (11) النساء ) ، وبالتالى فقولهم : (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ) تعنى زعمهم بأن رب العزة إتّخذ الملائكة بناتا .
6 ـ فى الآيات الكريمة:

( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) وصف الله جل وعلا الملائكة بأنهم عباد مكرمون ، وأنهم لا يسبقونه بالقول ، وأنهم بأمره يعملون ، وأنه جل وعلا يعلم ما بين أيديهم وماخلفهم ، وأنهم لا يشفعون إلا لمن إرتضى ، ، وأنهم من خشية ربهم مشفقون . 
ووصف (عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ) لم يأت إلا للملائكة فى هذه الدنيا،وسيأتى وصفا لأهل الجنة فى اليوم الآخر ( إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)الصافات ) .
 أى لا ينطبق على الأنبياء وصف (عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ) فى هذه الدنيا ، وسينطبق عليهم فى الآخرة وهم فى الجنة .
 ولقد تخصص الملائكة فى تنفيذ ( الأمر ) الالهى كما أوضحنا فى الفصل السابق ، لذا فهم المُشار اليهم فى قوله جل وعلا ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) ) أى ينتظرون الأمر ليعملوا به ، ولا يسبقون الأمر .
 ومن الأمور الموكلة بهم الشفاعة ، والشفاعة مرتبطة بعلمه جل وعلا ورضاه ، لذا جاء قوله جل وعلا عن الملائكة : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)).
ثالثا : عن حرية الملائكة وحسابها يوم الدين :
1 ـ من الخطأ الشائع أن الملائكة لا تعصى الله جل وعلا ، وأنه ينطبق عليها جميعا قوله جل وعلا : (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم ). 
هو خطأ لأن الآية الكريمة مقصود بها فقط ملائكة العذاب فى جهنم :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم ).
 وهذه ملائكة لم يتم خلقها بعد . سيخلقها الله جل وعلا مع خلق جهنم ، وسيكون وقود جهنم اصحاب النار والحجارة ، أى الحديث هنا عن المستقبل ، يوم الدين ، الذى لم يأت بعدُ .! ولذا نستبعدهم فيما يخص الحقائق القرآنية التى تنطبق على الملائكة المخلوقة قبل يوم الدين .
2 ـ من الحقائق القرآنية أن هذه الملائكة لها حرية الاختيار وما يعنيه هذا من إحتمال الوقوع فى المعصية والعذاب . ولقد عصى واحد من الملائكة وهو إبليس فطرده رب العزة من الملأ الأعلى حين رفض السجود لآدم وسيكون مع أوليائه فى الجحيم . ولنا مقال بحثى عن ابليس الذى كان من الملائكة فأصبح من الجنّ بعد عصيانه وطرده .
 ولكن نقرأ سريعا قوله جل وعلا فى هذا الموضوع :

 ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (34) البقرة )
ونلاحظ هنا أن الملائكة تناقش الله جل وعلا وتراجعه فى قراره بجعل خليفة فى الأرض ، وأنهم كانوا يكتمون شيئا ، والله جل وعلا يعلمه .
 ثم جاء إفتضاح أحدهم وهو ابليس حين رفض السجود لآدم .
3 ـ ومن الحقائق القرآنية أن هذه الملائكة ستأتى فردا فردا أمام الرحمن يوم الحساب مثل أفراد البشر:

( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) مريم )
4 ـ ومن الحقائق القرآنية أن هذه الملائكة ستقف صفّا يوم العرض على الرحمن ، وكالبشر لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا : 

( رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) النبأ ).
5 ـ ومن الحقائق القرآنية أن هذه الملائكة ستتعرض مثلنا للحساب .
 يبدأ الحساب بالنبيين والشهداء :

 (وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)الزمر)

 ثم دخول اهل النار (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً )(71) 

ثم دخول أهل الجنة: 

( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً)73) الزمر ) وفى النهاية حساب الملائكة والقضاء بينهم بالحق :

 ( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )(75) الزمر
)

 
ودائما : صدق الله العظيم .!!
 
أحمد صبحى منصور باحث ومفكر اسلامي ، ورئيس المركز العالمى للقرآن الكريم
 

http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=11431



الأرضية التاريخية التى مهّدت لأساطير الشفاعة: إتّخاذ الأحاديث دينا



(1 ) : إتّخاذ الأحاديث دينا
مقدمة
1 ـ دين الله جل وعلا ينزل رسلات  لاصلاح البشر، فيقوم البشر بتصنيع أديان أرضية تحقق أهواءهم. 

وأهم أهوائهم أن يجعلوا عصيانهم فريضة دينية، وأن يدخلوا الجنة مهما إقترفوا من آثام. 
ولهذا يجعلون من مهام آلهتهم المصنوعة القدرة على الشفاعة أو ( الخلاص ) فى الآخرة.
 حدث هذا قبل نزول الرسالة  الخاتمة، وحدث بعهدها بقرنين. وأدت عوامل سياسية الى تمهيد التربة التى نبتت فيها أساطير الشفاعة، ثم ترعرعت وأثمرت ثمارها السّامة فى إفساد أخلاق ( أمة محمد )أو(المحمديين )… ولا تزال. 


2 ـ و البخارى هو رائد التصنيع لأساطير الشفاعة. وبعده استخدمها أئمة المحمديين فيما يعرف بالتفسير، ودخلت هذه الأساطير فى الجدل الدينى بين أصحاب الملل والنحل التى تأسست فى العصر العباسى، وأصبحت أساطير البخارى من أُسس الأديان الأرضية للمحمديين حتى الآن. وبها صار كتاب ( البخارى ) الكتاب المقدس عندهم جميعا، بحيث غذا تعارض حديث واحد مع مئات الآيات القرآنية فإنه يتم الانتصار للبخارى على القرآن. المحمديون يقولون بأفواههم إن البخارى هو أصح كتاب بعد القرآن، ولكنهم فى قلوبهم يؤمنون بأن البخارى يعلو ولا يُعلى عليه. وإيمانهم بالقرآن مرتبط بمدى إتفاقه مع ( صحيح البخارى ). 

3 ـ ونعطى لمحة تاريخية موجزة عن الأرضية التاريخية التى مهّدت لأساطير الشفاعة من خلال علاقة المثقفين المسلمين سياسيا بالخلفاء من عصر الراشدين الى العصر العباسى الأول.
ونقصد بالمثقفين المسلمين المنشغلين بالعلم. وقد تنوّعت ألقابهم حسب الأجيال، من ( القُرّاء ) الى ( الزهّاد ) الى ( الفقهاء ) و( الحُفّاظ ). ونتعرض لهم هنا لأنهم دائما مخترعو الأديان الأرضية، وتدفعهم الظروف السياسية لهذا. وهذا موضوع تاريخى غاية فى التعقيد نحاول تبسيطه بايجاز قدر المستطاع. 

أولا : إضطهاد الموالى قبل العصر العباسى وأثرها فى ظهور حركتى البكائين والزُّهّاد
1 ـ أرسى عمر بن الخطاب إضطهاد سكان الأمم المفتوحة،( راجع مقال : المسكوت عنه من تاريخ عمر ) ثم اصبح سياسة ثابتة فى العصر الأموى. ومع إنشغال الأمويين بالفتوحات الخارجية حتى وصلوا تخوم الهند والصين شرقا وجنوب فرنسا غربا فقد دخلوا فى نفس الوقت فى حروب طاحنة داخلية مع العلويين والشيعة والخوارج وواجهوا ثورات الأقباط والبربر. وإنضم موالى العراق وايران الى كل ثائر على الأمويين خصوصا الثورات الشيعية. وعومل الموالى فى الدولة الأموية بإحتقار شديد، ولم ينج من هذا من تخصّص فى العلم منهم، والموالى كانوا روّاد الحركة العلمية فى العصر الأموى بسبب خلفيتهم الثقافية وتفرغهم للعلم وخدمتهم لكبار الصحابة ورغبتهم فى التفوق والنبوغ تعويضا لشعورهم بالنقص فى مجتمع ظالم يضطهدهم لأنهم من غير العرب. 

2 ـ واشتهر الحجاج بن يوسف بالقسوة المفرطة فى قتل المعارضين بمجرد الريب والشّك، وكان معظمهم من المثقفين، كما إشتهر الحجاج بإضطهاد الموالى، وهم الأكثرية الساحقة للسكان فى العراق وفارس. ولم تفلح سياسته فى كسر شوكة معارضية فأراد التخلص منهم ( بالجهاد ) فى المشرق، فأرسل جيشا للفتوحات فى الشرق يقوده محمد بن الأشعث. وهو إبن الأشعث بن قيس زعيم قبائل كندة الذى تقلب فى ولاءاته من الاسلام الى الردة الى الفتوحات، ومن الانضمام لعلى الى التآمر عليه. ثم سار ابنه محمد بن الأشعث على سيرة أبيه، فكان زعيم الشيعة، وممّن استجلب الحسين ثم غدر به وانضم للأمويين. وحافظ بهذا محمد بن الأشعث على زعامته ومكانته فى العراق فى الدولة الأموية. وبعثه الحجاج قائدا لهذا الجيش، وتطوع معه آلاف مؤلفة من الكارهين للأمويين والحجاج، من الشيعة والخوارج والموالى والقرّاء (أى المثقفين العلماء )، على أمل أن يؤثروا فى القائد المتقلب ( محمد بن الأشعث ) لينقلب على سيده ( الحجاج ) فيستدير بالجيش لحرب الحجاج. وهذا ما حدث فعلا. وكانت معركة دير الجماجم عام 83 التى كانت نقطة تحول فى تاريخ الدولة الأموية. وانتصر الحجاج فأسرف فى قتل الأسرى حتى لقد أقام اهرامات من رءوسهم فسميت المعركة بدير الجماجم.وانتصار الحجاج وتنكيله بالأسرى أدّى الى خيبة أمل المثقفين فى التغيير، فكان تلك أكبر فرصة تمكنوا فيها من السيطرة على جيش كبير يقاتلون به الدولة الأموية فلم يفلحوا. 

4 ـ أدت خيبة الأمل هذه الى يأس أنتج بدوره حركتى الزهد والبكائين بين المثقفين الحالمين مع الأمل فى ظهور شخص من عالم الغيب (المسيا أو المسيح المنتظر أو المهدى المنتظر) يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا.هى أحلام يقظة للشعوب المقهورة، تأتى ردّ فعل لظلم هائل، فتصنع دينا أرضيا يكون لها ( حائط مبكى ) يعينها على معايشة القهر. ذلك القهر الذى بدأ قبل البيزنطيين والأكاسرة واستمر الى ما بعد الأمويين والعباسيين..ولا يزال. ولقد تعرضنا هنا فى بحث رائد عن ( البكائين والزُّهّاد ). 

5 ـ إستثمر الدعاة العباسيون السّريون حاجة المقهورين الى (المهدى المنتظر ) فأسهموا فى سبك ونشر الأحاديث الخاصة به وقامت ( للمهدى المنتظر ) دعوة سرية تتحرك بثبات فى خراسان تحمل الدعوة الى (الرضى من آل محمد ) بدون تحديد لصاحب الدعوة سوى أنه من آل بيت النبى محمد عليه السلام. وانضم الكثيرون للدعوة الجديدة، خصوصا من الشيعة، فخرجت فى خراسان الى الدور العلنى المسلح بقيادة (أبو مسلم الخراسانى ) الذى نجح فى تدمير الدولة الأموية سريعا وإقامة الدولة العباسية عام 132 هجرية. وفوجىء الشيعة أن الدعوة ليست لذرية على بن أبى طالب ولكن لبنى عمومتهم العباسيين، وكانت المفاجأة الكبرى أن أولئك العباسيين أشد قسوة من الأمويين، وان أول ضحاياهم كانوا من أنصارهم الطامعين فى المشاركة فى السلطة، فكان أن قضى عليهم الخليفة أبو جعفر المنصور، فهو الذى قضى على أبى مسلم الخراسانى، وهو الذى قضى على الرواندية. وهو الذى حارب أتباع أبى مسلم الخراسانى فى أقاصى الشرق، وهو الذى عذّب أبناء عمه العلويين لمجرد الاشتباه، وهو الذى كان يرتكب كل تلك الجرائم بفتاوى دينية يصدرها له أتباعه من كبار الفقهاء لتقطع الطريق على كل من يزايد فى الدين على الخليفة. وحين امتعض ابو حنيفة ورفض أن يفتى له بما يريد قام ابو جعفر المنصور بسجنه وتعذيبه وقتله بالسم. 

6 ـ كانت خيبة أمل المثقفين شديدة، فقد جاء الظلم اشد، وجاء متوشحا بفتاوى دينية وأحاديث نبوية، وخليفة يعلن أنه سلطان الله فى أرضه. هذه الخيبة الشديدة كان التعبير عنها هائلا أيضا، وتمثل في الرفض الكامل ليس للدولة فحسب وإنما للدنيا أيضا التي يئسوا منها فأقاموا لهم دولة بديلة صنعوها من آمالهم المحبطة وأحلامهم التي لم يكن لها أن تحقق إلا في دنيا الخيال والأقاصيص، واكتفي أولئك بدنياهم تلك وابتدعوا لهم طقوسا دينية جديدة غلفوها بالبكاء والمنامات وأقاصيص الكرامات. وهذه هى ملامح حركة البكائين فى العصر العباسى الأول. ثم ورثتها حركة جديدة مختلفة هى ( حركة السنيين المتشددين : أو الحنابلة ) فى العصر العباسى الثانى، كان قوامها أحبار الديانة المُزدكية الفارسية. 

ثانيا : قيام الدولة العباسية بالتحالف مع أحبار المّزدكية
1 ـ كان تغلغل الديانة المزدكية الفارسية أكبر خطر تعرضت له الدولة الأموية بعد فتح فارس وتحولها إلى مسرح لمقاومة الحكم الأموي، إذ إرتبط الشعور القومى الفارسى الوطنى بالدين الفارسى المُزدكى. والاضطهاد العربى للفرس ( الموالى ) قابله الفُرس بالتمسك بالمزدكية واللغة اللفارسية وآدابها وثقافتها ومدارسها العلمية. والاضطهاد الأموى جعل المزدكية تنتشر أكثر وسرا لتصبح حافزا للمقاومة، بل وتتخفّى فى أشكال مختلفة للتهرب من القسوة الأموية فى معاملة خصومها. 

2 ـ وبسبب قسوة الأمويين فى قمع ثورات آل البيت ( بدءا من الحسين فى كربلاء 61 الى حفيده زيد بن على زين العابدين 121 / 122 ثم ابنه يحيى 125 ) وبسببب مراقبتهم الشديدة لذرية ( على ) من ( فاطمة الزهراء ) فقد نشأت حركة شيعية جديدة ومختلفة، تتشدّد فى السّرية والكتمان بتنظيم عنقودى، تدعو لامام مجهول الاسم والعنوان من ذرية محمد بن على ( ابن الحنفية ) وليس ابنا لفاطمة الزهراء، تحت شعار( الرضى من آل محمد )، لا يعرف شخصيته إلا كبار الدعاة. هذه هى ( الكيسانية ) التى تنتسب الى ( كيسان ) الفارسى خادم ( على بن أبى طالب ). وهذه الكيسانية تؤله الامام ( العلوى ) وتُضفى عليه عقائد المّزدكية لتوثيق التحالف السياسى بين المُزدكية والشيعة. تحالفت الكيسانية مع أحبار المّزدكية فى نشر دعوتهم السرية بين الفُرس لاسقاط الدولة الأموية. 

3 ـ وقتها عاش أبناء ( عبد الله بن عباس ) مكرمين فى الدولة الأموية لابتعادهم عن العمل السياسى، ثم جاءتهم الفرصة بموت الزعيم السرى للدعوة السرية مسموما بمؤامرة أموية عشوائية، وكان على مقربة من بيت محمد ابن على بن عبد الله بن العباس فى منطقة الأردن، فمات بين يديه بعد أن أفضى اليه بأسرار الدعوة والتنظيم، فركب العباسيون هذا التنظيم العنقودى ووصلوا به الى إقامة الدولة العباسية. 

ثالثا : الصراع العسكرى بين العباسيين والمُزدكيين الفُرس
1 ـ لم يهتم زعماء المزدكية بأن يصل العباسيون للخلافة بدلا من العلويين طالما أن الدولة التى أسهموا بالجهد الأكبرفى إقامتها ستؤسس لهم نفوذا يساوى جهدهم فى تأسيسها. وكان نفوذ أبى مسلم الخراسانى طاغيا فى خلافة السفّاح أول خليفة عباسى،وأحسّ ابوجعفر المنصور بخطورة أبى مسلم الخراسانى فقتله سنة 137 هجرية. وبهذا تحطّمت أمنيات زعماء القومية الفارسية فى أن يعيدوا مجدهم القديم من خلال تحكمهم فى الخلافة العباسية،وكانت أكثرية الفرس الذين مع أبي مسلم الخرساني يتمنون إعادة الديانة المزدكية، وقد فجعهم مصرع قائدهم أبي مسلم الخرساني فقاموا بثورة على العباسيين للطلب بدم أبي مسلم، وتزعمهم سيناذ وقد استولى على خزائن أبي مسلم وورثه في أتباعه، واستطاع العباسيون هزيمته وقتلوا ستين ألفاً من أتباعه،وكان سيناذ مجوسياً كما يذكر الطبري ( تاريخ الطبري 7/ 495. المقدسي : البدء والتاريخ 6/ 82، 83 )

2 ـ ويلاحظ أن بعض الفرس تعجل في استغلال الدعوة العباسية في إرجاع الدين المزدكي الفارسي حتى قبل أن تنجح الدعوة العباسية في إقامة الدولة لبني العباس،وذلك يدلنا على عمق الدوافع الدينية القومية لدى الفرس عندما تحالفوا مع العباسيين ضد الأمويين، ويذكر المقديسى أن أحد المجوس من المزاد كية وهو (عمار بن بديل ) استطاع أن يخدع بكير بن ماهان كبير الدعاة العباسيين في العراق، فأرسله إلى خراسان ليدعو إلى الرضى من آل محمد وأعطاه أسرار الدعوة وفي خراسان غيّر ّ (عمار بن بديل) اسمه إلى اسم فارسي هو(خداش) ونشر المزدكية بين مسلمي فارس،والمقدسي يقول عنه : (ومثّل لهم الباطل في صورة الحق فرخص لبعضهم في نساء بعض،وأخبرهم أنها تعاليم الرضى من آل محمد،وقد انتهى أمره بالقتل.( المقدسى : البدء والتاريخ 6/60 : 61 )

3 ـ وبعد قيام الدولة العباسية وفجيعة الفرس فيها ظهر التحدي واضحا ًباكتساب الثورات الفارسية ضد الدولة العباسية طابعاً دينياً مزدكياً صريحاً، وقد كان أبو مسلم في حياته وأثناء قيادته للجيوش العباسية يمنع أتباعه من إظهار المزدكية، وبعد أن قتله العباسيون ثاروا على الدولة العباسية وسموا أنفسهم ” الأبو مسلمية” وأعلنوا ألوهية أبي مسلم الخرساني ثم ألوهية ابنته فاطمة ويزعمون أنه يخرج من نسلها رجل يستولي على الأرض كلها( المقدسي : البدء والتاريخ 6/ 95.).وبعد إخماد ثورة سيناذ التي أشرنا إليها قامت ثورة أخرى بقيادة (استاذيس) المجوسي المزدكي الذي ادعى النبوة ـ وبعث إليه الخليفة المنصور العباسي بجيش فقتله(تاريخ اليعقوبي 3/ 104،115.)

4 ـ واستمرت ثورات الفرس الدينية العسكرية في خراسان وما حولها وأرهقت الدولة العباسية، وكان أهمها ثورة المقنع الخرساني الذي ادعى الألوهية وأباح جميع النساء والأموال، وأتعب الدولة العباسية حتى قضت عليه،ثم قام الفرس بثورات أخرى في عهد هارون الرشيد وأولاده، وكانت أقوى ثوراتهم في خلافة المعتصم بقيادة بابك الخرمي الذي كاد يقضي على الدولة العباسية، واستمرت الحرب عشرين عاماً، حتى قضى عليه الأفشين قائد المعتصم سنة 220هـ، وكان الأفشين نفسه مزدكياً فقتله المعتصم، مما يدل على تغلغل عقيدة المزدكية في البلاط العباسي. ولذلك كانت الدولة العباسية تطارد عملاء المزدكية في بغداد والعراق بتهمة الزندقة وتهمة الزنا، واخترع العباسيون لذلك حد الردة وحد الرجم، وكلاهما ليسا من تشريعات الإسلام، ولم يعرفه عصر النبي محمد عليه السلام.

رابعا : الصراع بين العباسيين والمزدكيين الفُرس بالأحاديث
1 ـ وما يهمنا من ذلك كله أن الفرس قسموا أنفسهم قسمين في حرب الدولة العباسية،قسم أعلن الحرب وأظهر معتقداته المزدكية،وكان لهم في بلادهم البعيدة عن مركز الخلافة ما مكنهم من الثورة، ثم قسم آخر كان يعيش في بغداد وقصور الخلافة ينافق السلطات ويكيد لها.وبينما حارب العباسيون القسم الأول بإرسال الجيوش فإنهم واجهوا عملاء عدوهم في الداخل بالقتل بمبرّر دينى مصنوع. ولأن الفرس متهمون بالكفر والانحلال الخلقي وإباحة النساء كلهن فقد كان سهلاً أن يخترع لهم الكهنوت العباسي عقوبات جديدة ما لبثت أن أضيفت للإسلام مع أنها تناقض القرآن،وتلك العقوبات هي ما اصطلح على تسميته بحد الردة وحد الرجم وحد تارك الصلاة. وبينما انهمك أبو جعفر المنصور في حرب الفرس الثائرين عليه عسكريا، فإن ابنه ( المهدي ) انهمك بعدها في حرب الزنادقة في بغداد نفسها. وسار أبناؤه على نهجه يتلقبون بألقاب دينية ( المهدي الهادي. الرشيد. المعتصم.) ويقتلون خصومهم بشعارات دينية وفقا لنصوص أضيفت لشريعة الإسلام وأخذت لقبا جديدا هو سنة النبي. وبهذا قام الدين السنى فى أحضان السلطة العباسية يقتل خصومه فى الدين والفكر بتهمة الزندقة. 

2 ـ وجدير بالذكر أن الدعوة العباسية كانت تصطنع الأحاديث لإقامة دولتها ثم لتدعيم خلافتها، وتعلم المزدكية على أيديهم هذه الحرفة حين كانوا متحالفين معا، فلما حدث الشقاق بينهما تفرغ بعض أحبار المزدكية في حرب الإسلام عن طرق صناعةالأحاديث. وفطنت الدولة العباسية أبان قوتها لهذا الأسلوب، وإكشفت أحدهم، وهوعبد الكريم بن أبي العوجاء أكبر راوية للأحاديث في عصر الخليفة أبي جعفر المنصور، والذي كان يصنع الأحاديث ويخترع لها أسانيد قوية، وقد قتله محمد بن سليمان والي الكوفة سنة 155 هـ، وقد قال قبيل عبد الكريم هذا قبيل مقتله بأنه وضع أربعة آلاف حديث يحرم فيها الحلال ويحل بها الحرام.(تاريخ المنتظم لابن الجوزي8 /184 ) ولم يتعرف أحد على تلك الأحاديث، كما لم يتعرف أحد على باقي أعوان ذلك الشيخ المزدكي. 

خامسا : الأحاديث وسيلة العباسيين فى تأسيس دولة دينية كهنوتية
1 ـ والواقع، فإنّ تبنّى الأحاديث والسّنة دينا للدولة بدأ عمليا فى العصر العباسى، وهنا يظهر الاختلاف بين الأمويين والعباسيين. قدم الأمويين لنا فى عصر الرواية الشفهية أبا هريرة أقل الصحابة صحبة للنبي فجعلوه أكثر الصحابة رواية عن رسول الله، وكذلك فعل العباسيون مع جدهم عبد الله بن عباس. يقول ابن القيم الجوزية فى كتابه ( الوابل الصيب 77 ص 77 ) أن ابن عباس لم يبلغ ما سمعه من النبي عشرين حديثا،ويرى الأمدي في كتاب الأحكام (2/ 78، 180 ) أن ابن عباس لم يسمع من النبي سوى أربعة أحاديث. وفعلا فإن ابن عباس لم يدرك النبي إلا وهو دون الحلم، وقد قضى طفولته في مكة في حين كان النبي يومئذ بالمدينة. ولكن شاءت الدولة العباسية أن ترفع من شان جدها ابن عباس، فجعلته أكثر الصحابة علما، وتبارى الفقهاء العباسيون في نسبة الأقوال والاجتهادات إليه في الحديث والتفسير والفرق المذهبية والفقه والأحكام. 

2 ـ وتميّز العباسيون بصناعة الأحاديث لتأسيس ملكهم ولتأسيس كهنوتهم الدينى. قام بهذا الفقهاء والخلفاء على حد سواء، فأضافوا لابن عباس وغيره ما لم يكن معروفا من قبل من الأحاديث المصنوعة التي تتحدث عن ملك بني العباس وخلافتهم التي ستظل في أيديهم إلى يوم القيامة، بل تتحدث عن الخلفاء العباسيين بالاسم واللقب. وظلت هذه الأحاديث تحظى بالتصديق حتى لقد عقد السيوطي فى اواخر العصر المملوكى في كتابه ” تاريخ الخلفاء” فصلا بعنوان ( فصل في الأحاديث المبشرة بخلافة بني العباس ) وقد تمت نسبتها لصحابة ماتوا دون أن يعرفوا شيئا عن الدولة العباسية وخلفائها، منها : أحاديث يرويها أبو هريرة أن النبي قال للعباس: ” فيكم النبوة والملك “. أي أن العباسيين انتقموا من أبي هريرة بعد موته فوضعوا عليه ذلك الحديث رغم أنفه. وحديث آخر نسبوه لأبي هريرة أن النبي قال للعباس إن الله افتتح بي هذا الأمر وبذريتك يختمه ” وحديث آخر ” يكون من ولد العباس ملوك تكون أمراء أمتي”. ثم حديث ابن عباس يروي فيه أن أمه كانت حاملا فيه وقد أمرها النبي أن تأتي به إليه إذا ولدت ــ هذا مع أن ابن عباس ولد بمكة ولم يكن بمقدور النبي ـــ أن يدخلها ـــ وتمضي الرواية فتقول إن الأم جاءت بابنها عبد الله فأعطاه النبي الاسم وباركه وقال إنه سيكون أب الخلفاء حتى يكون منهم السفاح وحتى يكون منه المهدي ويكون منهم من يصلي بعيسى بن مريم.. وهذه بشرى بأنهم سيظلون في الحكم إلى أن تقوم الساعة. وهناك حديث يرويه أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي يقول : حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس أن النبي قال للعباس إذا سكن بنوك السواد لم يزل الأمر لهم حتى يدفعوه إلى عيسى بن مريم. وحديث آخر ” الخلافة في ولد عمي أخو أبي حتى يسلموها إلى المسيح “، وحديث فيه مدح الخليفة المهدي ــ قاتل الزنادقة ــ يقول إن النبي دعا ثلاثا تقول اللهم انصر العباس، ثم قال ياعم أما شعرت أن المهدي من ولدك سيكون موفقا مرضيا.”. ووضعوا في السفاح أول الخلفاء العباسيين حديثاً يقول : “يخرج رجل من العباسيين بعد انقطاع من الزمان وظهور الفتن يقال له السفاح…”. وقالوا إن ابن عباس روى عن النبي حديث “منا السفاح ومنا المنصور ومنا المهدى..” أي يفخر النبي بأولئك الخلفاء. وهناك أحاديث كثيرة عن الخليفة المهدى منها ” المهدى من ولد العباس عمى ” و “المهدى يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبى “. 

3 ـ ولاستكمال الصبغة الكهنوتية فقد تعدى الأمر ليصل الى أن الخليفة بالاختيار الإلهي وأن الله يخلق الخلفاء بصورة الاهية متميزة عن باقي الخلق، فيقول حديث مصنوع منسوب إلى ابن العباس وأبى هريرة وأنس ” إذا أراد الله أن يخلق خلقاً للخلافة مسح على ناصيته بيمينه “. ومن الطبيعي بعد ذلك أن الاعتراض على الخليفة المنصوص على اسمه ولقبه إنما يكون اعتراض على مشيئة الله وقراره الذي لابد من طاعته.. ومن هنا تقترن الجبرية السياسية بالأحاديث التي نسبوها للنبي عليه السلام. 

4 ـ وقد حرص الخلفاء العباسيون على تحصين الأحاديث بسياج من الإرهاب والتقديس حتى لا ينالها النقد واستعمال العقل، يروي أبو معاوية الضرير أن رجلا من قريش استمع إلى حديث ” احتج آدم وموسى ” وذلك في مجلس الرشيد فتعجب القرشي قائلا: أين التقى موسى بآدم ؟!، فغضب الرشيد من ذلك التعليق وقال :النُّطع والسيف.. زنديق يطعن في حديث النبي.. وما زالوا بالرشيد حتى عفا عن الرجل من القتل.. والسبب واضح فإن باب الاعتراض على الأحاديث سيجر مشاكل كثيرة للملك العباسي القائم على صناعة الأحاديث لتأسيس الكهنوت الديني.

5 ـ بل تعدى الأمر الى تقديس قريش، يروي الصولي أن رجلا شتم قريشا فجيء به للخليفة الهادي فقال سمعت أبي المهدي يحدث عن أبيه المنصور عن أبيه محمد عن أبيه على عن أبيه عبد الله بن عباس أنه قال : من أراد هوان قريش أهانه الله، وأمر بقتل الرجل.. أي أن الخلافة العباسية امتدت بكهنوتها لتشمل قريشا كلها. 

6 ـ وقريش تشمل الأمويين أيضا أعداء العباسيين، وحرص العباسيون على الكهنوت الأموي فيما يخص الخلافة حتى لا يصل التطاول على مقام الخلافة الأموية إلي الخلافة العباسية،وقد كان الخليفة الأموي الوليد بن يزيد مشهورا بالمجون والزندقة، وقد ذكروا سيرته أمام الخليفة المهدى، فقال بعض الحاضرين عنه إنه كان زنديقا،فقال المهدي : ” مه ــ خلافة الله عنده أجل من أن يضعها في زنديق ” : فنسب الخلافة لله وجعلها باختيار الله تعالى لشخص الخليفة ومن هنا تكون للخلافة قدسية وللخليفة عصمة ومكانة بحيث لا يتطاول أحد على مقامه، والمهدي العباسى لا يهتم بالخليفة الأموي الوليد بن يزيد ولكن يهتم بمقام الخلافة الذي يحتله وبالكهنوت الذي أصبح يحيط به. 

وجدير بالذكر أن تلك الدعاية العباسية القائمة على ختراع الأحاديث قد آتت أكلها فظل الناس يعتقدون أن ملك بني العباس سيظل إلى يوم القيامة كما أشاعوا في الأحاديث، وبلغ بهم ذلك مبلغ الإيمان حتى أن هولاكو والمغول تأثروا بالأساطير التي تجعل الهلاك من نصيب الذي يتعرض للخلافة العباسية، وعقد هولاكو مجلسا عسكريا لبحث هذا الأمر كما يذكر الهمداني في تاريخ المغول، وأخيرا تشجع هولاكو بنبوءة نصير الدين الطوسي الفلكي وهجم على بغداد. فأنهى الكهنوت العباسي وما أغنت عنهم الأحاديث التي اخترعوها.

خاتمة
نخلص من هذا أن إختراع الأحاديث كان مجالا سياسيا تخصص فيه العباسيون وأحبار المزدكية، وأن الدولة العباسية استعملت الأحاديث فى تأسيس سلطانها وكهنوتها الدينى والسياسى، وايضا فى مواجهة خصومها السياسيين بما يعرف بحد الردة وحد الرجم، وبالتالى كان منتظرا أن تدوم شهور العسل أو سنوات العسل بين السلطة العباسية والفقهاء صانعى الأحاديث ومنشئى الدين السّنى، لولا أن وقع الصدام بين العباسيين وجانب هام من هؤلاء الفقهاء. إستفاد من هذا الصراع أحبار المّزدكية بعد فشل حركاتهم العسكرية فى فارس. إستغلوه فى نشر المزدكية تحت شعارات ( اسلامية محمدية )، وهذا يستلزم التوقف فى لمحة سريعة مع الحركة العلمية فى العصر العباسى وعلاقتها بالسلطة العباسية.

الأرضية التاريخية التى مهّدت لأساطير الشفاعة: إتّخاذ الأحاديث دينا













أبو هريرة والكلاب



أحمد صبحى منصور


1 ـ هل تريد ان تكون مفكرا ؟ ضع نصب عينيك سؤالا واحدا يقول :" لماذا ؟" احمله على كاهل عقلك تواجه به كل مألوف من الثوابت المحيطة بك . منذ صغرى وأنا أحمل هذا التساؤل يسعدنى ويشقينى ويفعل نفس الشىء مع من يقرأ لى .

2 ـ أول "لماذا" طرأت على عقلى هى أخطر "لماذا" على الاطلاق .
كنت صبيا صغيرا يرى فى أبيه المثل الأعلى ، أبى كان فقيرا كريما عفيف النفس متسامحا مبتسما دائما برغم مرضه وضعف صحته . كان مأذون القرية الذى يتنازل عن معظم أتعابه رغم فقره ، ويتنازل عن الأجرة من الطلبة الفقراء الذين يقوم بتعليمهم القرآن وتأهيلهم لدخول الأزهر، ويمضى يومه بين الصلاة والقرآن والقراءة معتكفا عن الناس . مات فى الخامسة والأربعين حين كنت فى الرابعة عشر من عمرى، ولا زلت أذكر كيف حببنى فى التاريخ والسؤال والاستفهام بلماذا حتى أفهم التاريخ والحياة بصدق.
كان أبى يرحمه الله تعالى هو موضوع أول وأخطر " لماذا " فى حياتى .
فى ظل الاحتراف الدينى السائد والتدين السطحى الغالب كنت أقارن بين أبى الأزهرى والشيوخ الشعبيين المشهورين بالولاية الذين تشاع عنهم أساطير الكرامات ، بينما هم فى الحقيقة جهلة و منحرفون ، أى أنهم عند الله تعالى فئة " مسجل خطر " وعند الناس أولياء الله تعالى الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون . لا وجه للمقارنة بينهم وبين أبى ،" فلماذا " أصبحوا هم أولياء لله بينما ظل أبى شيخا عاديا مع علمه وورعه ؟. فى صغرى قلت لنفسى اذا كان هذا هو الاسلام فهو ظلم أرفضه ، واذا كان الاسلام يرفض ذلك الظلم فلا بد أن أتأكد بنفسى . هذا هو السبب الذى جعلنى أختار التصوف لبحث الدكتوراه . دخلت فى البحث فى التصوف فتبين لى وجود فجوة هائلة بين الاسلام والمسلمين ، بالتعمق فى بحث الفقه والتراث السنى اتسعت تلك الفجوة لتصبح تناقضا وعداءا مستحكما بين الاسلام ومعظم المسلمين.
الفضل فى هذا الاكتشاف الذى أتعبنى واتعب غيرى يرجع لكلمة " لماذا ؟" .

3ـ "لماذا" أخرى ظريفة تسللت الى عقلى وجعلتنى اقف موقفا متشككا من الفقه والحديث والسنة منذ كنت طالبا فى الاعدادى الأزهرى
تعلمنا فى الفقه أن الكلب نجاسة مغلظة لا بد من التطهر منه سبع مرات احداهن بالتراب. ولكن القرآن الكريم يقول شيئا مختلفا . لو كان الكلب حيوانا نجسا ما صحبه أهل الكهف معهم وهم يتسللون لواذا من قريتهم الظالم أهلها . أهل الكهف شباب أطهار وصفهم الله تعالى بأنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله تعالى هدى ، فكيف لمن كان فى منزلتهم فى التقوى والايمان أن يصحب معه كلبا اذا كان الكلب نجسا يتأفف المؤمن من الاقتراب منه كما نفعل نحن الان ؟.
لقد أباح الله تعالى لنا أن نأكل مما تصطاده لنا كلاب الصيد ، فاذا ماتت الفريسة بين انيابها فلا حاجة لذبحها بل نطهوها مباشرة لأن أسنان الكلب طاهرة مثل السكين الذى نذبح به. وأذا كان رب العزة قد جعل هذا تشريعا فى كتابه الحكيم { المائدة 4 } فلماذا يكون الكلب نجسا نجاسة مغلظة وهو الذى نأكل مباشرة مما يصطاده لنا بأسنانه ؟
سألت نفسى " لماذا " جعل الفقهاء السنيين الكلب نجسا بالمخالفة لتشريع الاسلام ؟
وتتابعت "لماذات " كثيرة عن الكلب المظلوم فى تراثنا الفقهى وحياتنا المعاصرة.
4 ـ يلفت النظر أن الكلب – عكس القط - مشهور بالوفاء لصاحبه وخدمته باخلاص ، يستوى فى ذلك ان كان الانسان يعيش فى الصحراء الجليدية أو فى الريف المصرى أو فى الصحراء العربية. أن من أقذع الهجاء فى العصر الأموى ما قاله جرير الخطفى فى قوم الأخطل.
قال يصفهم بالبخل الشديد :
قوم اذا استنبح الضيفان كلبهم قالوا لأمهم بولى على النار
فتمنع البول ـ شحا أن تجود به ـ وما تجود الا بمقدار
كان من عادة العرب فى البوادى أن يشعلوا النار ليهتدى بضوئها الضيوف . وكان من عادة الضيوف ـ السائرين فى ليل الصحراء اذا اقتربوا من مضارب قبيلة ما - أن يتحرشوا بالكلاب لتنبح فيعرف أهل القبيلة أن ثمة ضيوفا قادمين فيتأهبون لاستقبالهم . ويتهم جرير قبيلة الأخطل انه اذا استنبح الضيفان كلبهم ليلا أطفأت أمهم النار - ببولها ـ حتى لا يصل اليهم الضيوف .
بغض النظر عن تلك الصورة الشعرية المضحكة الموحية والنابضة بالحياة التى رسمها جريرفى شعره فان الكلب هنا يبدو فيها عنصرا هاما فى الحياة العربية ، ولا يزال . والقصص فى التراث كثيرة عن ذكاء الكلب ووفائه لصاحبه .
والسؤال هنا أيضا لماذا يعامل الفقه السنى الكلب بهذا الاحتقار مع عظيم فائدته ووفائه واخلاصه ؟

5 ـ ان أقوى قبيلة فى العصر الأموى كانت قبيلة " كلب " التى كانت تنتمى الى قبائل العرب اليمنية القحطانية مثل الأنصار. كانت "كلب "هى القبيلة التى كانت تسيطر على الطرق المؤدية للشام ، وكانت لها صلات وثيقة بالأمويين فى مكة . تزعم الأمويون رحلة الشتاء والصيف ، وبتحالفهم مع قبيلة "كلب " كانت قوافل قريش تسير فى الشام لا يتعرض لها أحد . ثم اختار الأمويون الدخول فى الاسلام حرصا على مصالحهم السياسية والتجارية ، وبعد اخماد حركة الردة أقنعوا أبا بكر والمسلمين بفتح الشام والعراق . وأحيا الأمويون التحالف القديم مع قبيلة "كلب " فسهلت " كلب " للمسلمين غزو الشام والعراق . وتوثق التحالف بين " كلب " ومعاوية اثناء ولايته على الشام ، و بسيوفهم استطاع أن يقيم ملكه . مذ كان معاوية أميرا على الشام فى خلافة عمر تزوج ابنة بحدل الكلبى أشهر زعيم لقبيلة "كلب" وانجب منها ابنه " يزيد ". كانت ميسون بنت بحدل الكلبى منذ أن استقر بها المقام فى قصر معاوية فى دمشق تحن الى حياة الصحراء وخشونتها ، وقالت فى ذلك شعرا مشهورا ، كان منه:
ولبس عباءة وتقر عينى أحب الى من لبس الشفوف .
فطلقها معاوية وأرسلها لأهلها ومعها ابنها يزيد ليتربى هناك فى مضارب أخواله فى الصحراء ليتعلم الفروسية والفصاحة. ولم يؤثر هذا الطلاق فى الحلف بين معاوية وقبيلة " كلب " بدليل أنهم هم الذين أرسوا توارث الحكم لأول مرة فى تاريخ المسلمين بتعيين ابن ميسون الكلبية "يزيد بن معاوية" ولى عهد لأبيه ثُم خليفة بعده.
وظل تاريخ الدولة الأموية يتأرجح فى أتون الصراع بين قبيلة "كلب " أقوى القبائل العربية القحطانية اليمنية وقبيلة " قيس " المضرية أقوى القبائل العربية الشماليةالعدنانية، حتى انشقت " كلب " على الأمويين وانضمت للدعوة الجديدة التى أقامها العباسيون فانهارت الدولة الأموية .
هذه القبيلة المشهورة - التى أقامت الدولة الأموية وأسقطتها والتى قامت على أكتافها الفتوحات العربية من بدايتها حتى وصلت الى آسيا الوسطى شرقا وجنوب فرنسا غربا - كان اسمها " كلب ". لم يستنكف أحدهم ان يقول بملء فمه أنه "كلبى " ، أوانه " ابن كلب " فلماذا أصبحت كلمة " ابن كلب " لعنة وسبا فى حياتنا الاجتماعية المتاثره بالفقه السنى ؟

6 ـ أكثر من ذلك انك لو بالغت فى شتم عدو لك ستقول له أنه " ابن ستين كلب " أو ما يعنى انه :" ابن كلاب " والمثل الشعبى المصرى يقول " كلب أبيض وكلب أسود ، قال : كلهم أولاد ستين كلب " أى "أولاد كلاب " وليس كلبا واحدا. مع اننا نعرف ان احد اجداد النبى محمد عليه السلام اسمه "كلاب "، يعنى اذا نسبت النبى محمد لجده " كلاب " وقلت انه "ابن كلاب " فقد قلت نسبه الحقيقى الشرعى ولا عيب فى ذلك ، ولكن الفقيه السنى سيصاب بامساك واسهال فى بطنه و" حول " – بفتح الحاء وفتح الواو – فى عينيه اذا طرأت له هذه الفكرة.

7 ـ باختصار : أننا ـ نحن العرب ـ الشعب الوحيد الذى يعترف بفضل الكلاب ولكن يجعلها نجسه ومحتقرة ويجعلها شتيمة وسبا ولعنة. والسؤال هنا " لماذا"؟ .
سألت نفسى منذ الصغر لماذا هذا الظلم لهذا الحيوان المخلص الوفى . وتجدد السؤال الى أن عثرت على السبب ، أنه أبو هريرة ، أكبر وأشهر كذاب فى تاريخ المسلمين وتراثهم.

8 ـ أبو هريرة مع شهرته الا ان اسمه الحقيقى مختلف فيه، طغت على اسمه كنيته :" أبوهريرة" بسبب شهرته بحمله للقطط الصغيرة . ولو ظل رجل يحمل قطة صغيرة فى ذهابه وايابه وسيره وحله وترحاله بحيث يطلق عليه : أبو هريرة لكان محلا للسخرية من الناس. وهكذا كان أبوهريرة فى حياته كما جاء فى تاريخه ، كان الناس يستهزئون به وكان يستمرىء منهم هذا الاستهزاء حتى وهو شيخ فى أرذل العمر ، حتى وهو أمير على المدينة فى الخلافة الأموية ، اذ كان يستهزىء به الكبار والأطفال طبقا لما جاء فى تاريخه . وموعدنا مع مقال خاص عما قالوه فى التراث السنى ذاته عن أبى هريرة حين كان "مسخرة " للمعاصرين له.
انه أقل الناس صحبة للنبى محمد عليه السلام ، الا أن شهرته ترجع لعاملين: لأنه عاش طويلا بعد موت كبار الصحابة ، ولأنه انحاز الى الأمويين يفترى لهم الأحاديث التى تناصرهم ، ويقوم القصاصون برواية احاديثه بعد الصلاة حيث كان القصاص وظيفة رسمية فى العصر الأموى تعادل منصب القضاء ،حيث كان القصاص يقوم بوظيفة وزير الاعلام فى عصرنا.
وابو هريرة - بأحاديثه التى نشرها القصاصون وتداولها الناس بالرواية الشفهية - هواشهر مؤسسى الثقافة السمعية التى لا زلنا أسرى لها حتى الآن ، وهى المسئولة عن تخلفنا العقلى والفكرى والدينى خصوصا بعد تدوين هذه الثقافة السمعية الشفهية ونسبتها كذبا وزورا للنبى محمد عليه السلام فى العصر العباسى ، اذ أصبحت دينا اسمه " السنة " وله تشريع يسمى " الفقه السنى ".

9 ـ أبو هريره فى تخلفه العقلى كان متعصبا للقطة منحازا لها فى كراهيتها للكلب ، أبو هريرة المسكين كره الكلاب لأن الهرة تكره الكلاب. وانعكس هذا فى أحاديثه التى جعلت الكلب نجسا محتقرا، تقول : (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار). (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات). (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب). رواه مسلم حديث رقم 279)
وجاء الفقه السنى يأخذ بأحاديثه ويجعلها دينا، ويختلف فى التفصيلات كالعادة .
ننقل هنا بعض الفتاوى السنية الوهابية المعاصرة التى أحيت التخلف السنى فى عصر الانترنت ، تقول الفتوى "المباركة" :
" ذهب الجمهور إلى نجاسة الكلب بجميع أجزائه وذهب الحنفية في الأصح عندهم إلى نجاسة سؤره وطهارة بدنه، وذهب المالكية إلى طهارة سؤره وبدنه، والراجح هو مذهب الجمهور، قال الإمام النووي في المجموع: مذهبنا أن الكلاب كلها نجسة، المَُعَلَّم وغيره، الصغير والكبير، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ، . واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات. رواه مسلم .
وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب. رواه مسلم ، وفي رواية له: طهر إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبع مرات.
والراجح نجاسة الكلب، ونجاسة جميع أجزائه، وإنما يجب غسل ما أصاب من ثوب أو بدون أو غيره بسؤره أو بدنه المبلول. والله أعلم."
ولتأكيد وجهة نظر أبى هريرة اخترع السنيون أحاديث أخرى نسبوها لأم المؤمنين عائشة، ورواها البخارى ومسلم تزعم أن من يقتنى كلبا ينتقص من أجره كل يوم قيراطاً. وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة.
نكتة يضحك منها كل مكتئب محزون أن يقال أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة. لا يوجد الآن بيت فى العالم لبس فيه صورة انسان أو حيوان أو نبات، كما أن معظم البشر يحملون أوراق هوية أو جوازات سفر تحمل صورهم. فاذا كانت الملائكة لا تقترب من اى صورة مرسومة أو فوتوغرافية { فضلا عن السينما والتليفزيون ) فالمعنى الوارد أن الملائكة لن تدخل بيتا على الاطلاق ، فهل نجارى التخلف السنى ونسأل ببراءة : هل يعنى هذا أن الملائكة ستقضى ليالى البرد القارس فى الشارع معرضة للاصابة بالبرد والانفولنزا ؟؟
ذلك الافتراء الذى يزعم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة أو كلب يخالف الحقيقة القرآنية التى تؤكد أن النبى محمد عليه السلام لا يعلم الغيب وليس له ان يتكلم فيه . ولكن الجهل السنى افترى هذه الأحاديث ليؤكد الخرافة ويحعلها دينا.
نكتة أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب تخالف أيضا القرآن الكريم . المؤمن بالقرآن الكريم يعلم ان هناك اثنان من الملائكة يلازمان كل انسان ويسجلان كل ما يلفظ من قول أو ما يفعل من فعل. طبقا لذلك التخلف السنى الوهابى من الممكن لأى شخص أن يتصور نفسه فى بيت ملىء بالعاهرات يفعل ما ما يشاء وسيضمن أن معاصيه لن يتم تسجيلها اذا اوقف كلبا على باب البيت ليطرد البوليس والملائكة أيضا. وهناك تطبيقات أخرى لهذه الفكرة الجهنمية لكل سارق وقاتل وخائن ومرتشى ونصيحة لهم باصطحاب الكلاب لطرد الملائكة وخداعها.
الفضل لهذه الأفكار العبقرية يرجع للتخلف السنى وأحاديثه المضحكة البائسة.
نعود الى أبى هريرة امام الفقه السنى لنرى كيف حاباه ذلك الفقه المتخلف فى أحاديثه وتشريعاته . فأكثر مما سبق تخلفا وسذاجة هو انحياز الفقه السنى للقطة واعلان طهارتها كيدا فى الكلب ، ووفاء لشيخهم أبى هريرة المأفون ، فرووا أحاديث تؤكد على طهارة القط – لاغاظة الكلب، ونقلت الفتاوى الوهابية هذا التخلف كالعادة فى عصر الانترنت. تقول احدى فتاويهم :" ..فإن الهر طاهر. ففي الموطأ والمسند والسنن أن أبا قتادة دخل على كبشة بنت كعب بن مالك وهي زوجة ابنه ، فسكبت له وضوءا ، فجاءت هرة لتشرب منه ، فأصغى لها الإناء حتى شربت. قالت كبشة: فرآني أنظر إليه. فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقالت: نعم. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنها ليست بنجس ، إنما هي من الطوافين أو الطوافات." فالحديث صريح في طهارة الهر كما هو واضح. وإذا كان طاهراً فلا يؤثر استلقاؤه على فراش المصلي ، ولا ملامسته له على صحة صلاته. ولكن يجب التحرز من بوله لأنه نجس عند الجمهور. ولمزيد من الفائدة فإن الكلب نجس على الراجح من أقوال أهل العلم، ونجاسته مغلظة يجب غسلها سبعاً على الراجح من أقوالهم أيضاً، وهو بعد موته أشد نجاسة منه قبل الموت، فما أصاب منه من رطوبة ثوباً أو بدناً أو غيره، فإنه يغسل سبعاً إحداها بالتراب. "
المهم أن الصراع بين القطة والكلب قد جعله أبو هريرة دينا وتشريعا ، وتأكد ذلك التخلف المضحك بالفقه السنى فى العصور الوسطى وظلاميتها. ثم جاءت الصحوة السلفية الوهابية لتبعث ذلك الافك المفترى وتنسبه للاسلام .
وفى الوقت الذى ينوء فيه المسلمون بكل أوزار العصر من تخلف وديكتاتورية وفساد وحروب أهلية وزلازل وفقر ومرض وانحلال يقوم الوهابيون السلفيون بنشر هذا التخلف المضحك لمناصرة القط والكيد للكلب ووفاء لشيخهم المقدس أبىهريرة ـ حامى حمى القطط والعدو اللدود للكلاب .
وبهذا التراث السنى الفقهى وبالصحوة السلفية المعاصرة تأثرت ثقافتنا السمعية المتخلفة فكافأنا الكلب على اخلاصه وخدمته لنا بجعله نجسا ولعنة متناسين تشريع القرآن والمكتوب فى تاريخنا نفسه. كل ذلك بسبب كذاب أشر وأفاك أثيم اسمه أبو هريرة .
10 ـ كل ذلك أيضا لأن احدا لم يسأل السؤال السحرى " لماذا "
هل تعرفون " لماذا" لا نسأل "لماذا" ؟
لأن اسرى الثقافة السمعية المتخلفة - الذين يعبدون الثوابت وما وجدنا عليه آباءنا - لا يسألون لماذا . هم قطيع من الأنعام طبقا لما وصفهم به رب العزة فى القرآن الكريم { البقرة170 ـ 171 } بل هم أضل سبيلا : ( الفرقان 44 ).

- المفجع ان الاخوان المسلمين - فى عصر الانترنت - يريدون أن يحكمونا بشريعة أبى هريرة التى لا يعرفون غيرها ..!!
والسؤال لك عزيزى القارىء الذكى هو : "لماذا "؟ 



أبو هريرة والكلاب



أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 1364 - 2005 / 10 / 31 - 10:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



تعليق صاحب الصفحة نحن لا نشارك الاستاذ صبحي في كلمته التي تخص الاخوان  

Aucun commentaire: