هل فهم الباحثون الغربيون تاريخ سيد قطب؟
ملاحظات نقدية حول دراسة باحث أميركي عن أحد أبرز منظري الإخوان المسلمين
|
الرياض: علي العميم
كثيرة هي الكتابات التي تناولت التاريخ السياسي والفكري والاجتماعي لحركة
الإخوان المسلمين في مصر وغيرها، وكثير فيها الخطأ والصواب، لكن قليل من
النقد يوجه لها، إثراء للجهد العلمي والنقدي، خصوصا أن حركات الإسلام
السياسي، وأهمها هي حركة الإخوان المسلمين في مصر، مالئة الدنيا وشاغلة
الناس.
في السياق التالي أجزاء من مطالعة نقدية للكاتب السعودي علي العميم لإحدى
الدراسات الغربية التي تناولت سيد قطب. والدراسة هي للباحث الأميركي من أصل
بريطاني حامد ألجار*.
يسوّغ حامد ألجار إعادة ترجمة كتاب سيد قطب الشهيد: «العدالة الاجتماعية في
الإسلام» المنشور بالعربية سنة 1949، مجددا إلى الإنجليزية بأن ترجمة جون
ب. هاردي له التي نشرت سنة 1953، من قبل المجلس الأميركي للجمعيات الثقافية
American Council of Learned Societies فيها عدد من الفقرات لا تنبئ
بالحقيقة. وأنه وجد عند مقارنتها بالنص العربي أن هاردي لم يفهم النص
الأصلي.
وعرض وهو يشرح ما فعله في إعادة الترجمة، للصعوبات التي واجهته في أداء المهمة التي ندب نفسه لإنجازها.
وبعد ذكره لهذه الصعوبات ذكر الفروقات التي وجدها ما بين الطبعة الأولى
والطبعة الخامسة (1958) التي استند إليها في مطابقة ما ترجمه هاردي مع النص
الأصلي. هذه الفروقات التي ذكرها هي:
1 - في الطبعة الأولى - طبعة هاردي كما يسميها - نقاش مسهب حول بابي
«المصالح المرسلة» و«سد الذرائع» وحول الجفول الذي بدا على القوات العربية
في مواجهة الوحشية والفظائع الصهيونية في أثناء حرب فلسطين الأولى. وفي
الطبعة الخامسة هذا النقاش محذوف.
2 - في الطبعة الخامسة توصيات مفصلة عن تدريس التاريخ الإسلامي ودور الأدب في التعليم. وفي الطبعة الأولى لا يوجد شيء من هذا.
3 - الأحاديث التي تستخدم للاستدلال في مختلف المواضيع ليست متطابقة تماما في هاتين الطبعتين.
يقول عقب ذلك: «بناءً على المقارنة بين الطبعة الأولى والطبعة السابعة يشير
وليم شيبرد إلى أن التغييرات تعكس اتجاه سيد قطب نحو ما سماه «الإسلام
الجوهري الجذري». «هذا الاتجاه سببه التأثير الأيديولوجي لمولانا المودودي
من ناحية والأحداث الآخذة في الظهور في مصر من ناحية أخرى».
ويرى حامد ألجار أن تحليل شيبرد قد يعكس المسافة التي قطعها سيد قطب بين
الطبعة الأولى والطبعة السابعة، ولكن لا يمكن القول بذلك فيما يتعلق
بالطبعة الخامسة، التي اضطر لاستخدامها بهدف تصحيح ترجمة هاردي.
ما تقدم هو نقل للفقرات الأخيرة من مقدمة حامد ألجار لكتاب:
(Social Justice in Islam by Sayyid Qutb–Translated by John B. Hardie,
Translation Revised and Introduction By Hamid Algar) الصادر سنة 2000.
والكتاب عبارة عن ترجمة معدلة لترجمة جون ب. هاردي لكتاب سيد قطب «العدالة
الاجتماعية في الإسلام» المنشورة سنة 1953 بواشنطن، الذي يتضمن مقدمة تقع
في سبع عشرة صفحة.
تقدم على الفقرات الأخيرة من المقدمة التي نقلتها، تقديم لمحة عن حياته
الشخصية والتعليمية والوظيفية والأدبية والسياسية والدعوية منذ ولادته
(1906) إلى سنة إعدامه (1966)، وعرض لعلاقة الإخوان المسلمين بالضباط
الأحرار في مرحلتي التحالف والصراع. ووقوف عند كتابه: «العدالة الاجتماعية
في الإسلام» وكتابيه الآخرين: «في ظلال القرآن» و«معالم في الطريق» وتلمس
لتأثير الكتاب الأول في كتب إسلامية تالية هي:
«اشتراكية الإسلام» لمصطفى السباعي، «كيديلان سوسيال دلم إسلام» للمفكر
الإندونيسي هامكا، «اقتصادنا» لرجل الدين والسياسة العراقي محمد باقر
الصدر، وتأثيره في خطب عالم ديني ناشط سياسيا في إيران، هو أبو القاسم
كاشاني.
لكن قبل ذلك من هو هذا الباحث الأميركي الذي اهتم بسيد قطب؟
حامد ألجار
أميل إلى أن حامد ألجار اسم غير معروف بالقدر الكافي في العالم العربي.
فالمعرفة به تقتصر على بعض الأكاديميين العرب الذين لهم صلة أكاديمية ببعض
الجامعات الأميركية وعلى بعض المثقفين العرب المهتمين بالثورة الإيرانية
وآخرين من المتحمسين لها وأنصارها.
يعود السبب في ذلك إلى أنه لم يترجم من أعماله إلى العربية سوى نزر قليل،
وأنه ليس له حضور في الصحافة والفضائيات العربية. في حدود اطلاعي لم يترجم
من كتبه وأبحاثه سوى هذه الأبحاث:
الأول: «الإسلام كآيديولوجيا: فكر شريعتي» نشر في مجلة «المسلم المعاصر»،
سنة 1983 عدد 34. ويظهر أنه مقدم ضمن ندوة، لأن المجلة ذيلته بنشر نقاشات
حول البحث وردود صاحب البحث على المناقشين (شاما صديقي، إقبال عصرية، فريد
شيال، يحيى الساعي، وحيد منير، والدكتور سلمان (!) لكن من دون بيانات عن
اسم الندوة ومكانها واسم رئيس الجلسة الذي يشار إليه بهذا الاسم، وكان
يشارك في النقاش، واسم مترجم البحث والنقاش.
الثاني، «الإمام الخميني 1902 - 1962، سنوات ما قبل الثورة»، وقد ترجم هذا
البحث الذي هو عبارة عن سيرة شخصية للإمام الخميني وأبحاث أخرى، إلى
العربية محروس سليمان سنة 2000، في كتاب عنوانه «الإسلام والسياسة والحركات
الاجتماعية». وأساس هذا الكتاب أبحاث قدمت إلى مؤتمر جامعة كاليفورنيا
الذي عقد في بيركلي سنة 1981. ونشر في كتاب بالإنجليزية سنة 1988، وقام
بتحريره وكتابة مقدمتين له أدموند بيرك وإيما لابيدوس.
أما الثالث فهو «الوهابية.. بحث نقدي».
وقبل هذين البحثين، كان قد شارك بمحاضرة في الملتقى العاشر للفكر الإسلامي
عنوانها «الجهاد: أبعاده الروحية والسياسية والاجتماعية في حياة الفرد
والمجتمع» منشورة في كتاب صادر سنة 1976، عن الشؤون الدينية بالجزائر.
لذا أرى أنه من المستحسن قبل الشروع في نقاش مقدمته أن أعرّف القارئ العربي به تعريفا مختصرا.
حامد ألجار: أستاذ مرموق في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة كاليفورنيا -
بيركلي. وقد بدأ التدريس في هذا القسم منذ منتصف ستينيات القرن الماضي.
مختص بالآداب الفارسية والعربية والتركية. له كتب وأبحاث في التاريخ
المعاصر لإيران وتركيا ودول البلقان وأفغانستان. يولي للمذهب الشيعي
والصوفية، وبخاصة الطريقة النقشبندية، في دراساته اهتماما كبيرا. حصل في
السنوات المتأخرة على دكتوراه فخرية من جامعة طهران التي ترجع صلته بها إلى
السنوات الأولى من ستينيات القرن الماضي، حيث نال منحة من هذه الجامعة في
طور إعداده لرسالة الدكتوراه ومكث فيها ما يقرب من ثلاث سنوات.
عاد إلى جامعته، جامعة كامبريدج، سنة 1963، لاستكمال تحضيره لأطروحة
الدكتوراه التي كان موضوعها: «الدور السياسي لعلماء الشيعة في القرن التاسع
عشر» والتي دافع عنها سنة 1965. بعد حصوله على درجة دكتوراه راسل جامعة
الملك سعود بالرياض، من أجل أن يتعين مدرسا فيها، لكن لم يأته رد منها يفيد
بالموافقة أو الاعتذار. حرّك رغبته في التدريس بهذه الجامعة، شعور عاطفي
روحي، حيث كان يريد أن يعمل في أقرب مكان للأماكن المقدسة في مكة والمدينة.
وحين لم يأته - بعد مضي شهرين - رد من جامعة الملك سعود، راسل جامعة
كاليفورنيا، فتم قبوله فورا للتدريس فيها.
يتقن حامد ألجار اللغة الفارسية واللغة العربية واللغة التركية القديمة
والتركية الحديثة، وعددا من اللغات الأوروبية، إضافة إلى لغته الأم، اللغة
الإنجليزية.
هو أميركي الجنسية، بريطاني الأصل. اعتنق الدين الإسلامي في شبابه. وهو
شيعي المذهب. وقد تسمى بحامد بعد إسلامه، ولم أتمكن من معرفة اسمه قبل
إسلامه. وربما اختار هذا الاسم لمحبته وإعجابه بالإمام أبي حامد الغزالي
الذي ألّف كتابا عنه.
تربط حامد ألجار صلة شخصية بالإمام الخميني منذ أن كان في منفاه بباريس.
وقد ترجم مختارات من كتاباته وخطبه إلى الإنجليزية في كتاب عنوانه «الإسلام
والثورة». وهو من المناصرين الأشداء - ولا يزال - للثورة الإيرانية.
من كتبه: «الدين والدولة في إيران: 1785 - 1906»، «جذور الثورة الإسلامية
في إيران»، «ميرزا مالكوم خان: دراسة في السيرة الذاتية في الحداثة
الإيرانية»، «الصوفية: المبادئ والتطبيق»، «السنة: جوانب الإلزام والقدوة
فيها»، «المسيح في القرآن»، «سورة الفاتحة: مؤسسة للقرآن»، «الوهابية بحث
نقدي»، «السنة: بوصفها أنموذجا إلزاميا يحتذى». وله محاضرات ودروس دينية
محضة، يعنى بها عادة رجال الدين والوعاظ الشيعة، ألقاها ولا يزال يلقيها في
جامعة كاليفورنيا - بيركلي.
هل منع قطب والإخوان انتشار الماركسية في مصر؟
هناك عدة أخطاء مؤثرة في دارسة حامد ألجار حول تاريخ سيد قطب والحركة
الإخوانية في مصر، توقفت عندها في الدراسة الموسعة التي تنشر في مجلة
«المجلة» كاملة. من هذه الأخطاء زعم ألجار أن إعدام سيد قطب حدث بعد فترة
قصيرة من رحلة إلى موسكو.. واللافت للنظر - أيضا - أن تأثير الإخوان بشكل
عام، وسيد قطب على الخصوص، كان سببا حائلا دون انتشار الماركسية في مصر.
والتعليق على هذا الكلام هو: إن استحضار التفسير التام والكامل الذي نجده
عند زينب الغزالي - من أعضاء تنظيم 65 الأساسيين - يفسد على حامد ألجار
تفسيره المجتزأ. ففي تفسيرها أن القبض عليها وعلى التنظيم وإعدام سيد قطب
ويوسف هواش، وصديقها القريب عبد الفتاح إسماعيل، تم بتعليمات أولا من
المخابرات الأميركية ومن المخابرات السوفياتية ثانيا ومن وليتها الصهيونية
العالمية ثالثا.
ثم إن هذا التفسير العجيب والعجائبي، نلقاه عند عدد من كتبة الإخوان
المسلمين، وربما استمده ألجار من كتاب يوسف العظم «الشهيد سيد قطب: حياته
ومدرسته وآثاره»، ومن كتاب صلاح الخالدي «سيد قطب الشهيد الحي» اللّذين
كانا من بين مراجعه المكتوبة باللغة العربية، ولم يأخذه مباشرة من كتاب
«أيام في حياتي» لزينب الغزالي. ثم اجتزأه ليمنحه - كما قلنا سابقا - وجاهة
ما.
ولمن يهمهم التأصيل، أقول إن هذا التفسير - على نحو رباعي - يتكرر عند سيد
قطب حتى في الانشقاقات ما بين الإخوان المسلمين، التي أنهكتهم قبل أن
ينهكهم عبد الناصر وأرهقهم استمرارها بعد أن زج بهم في المعتقلات. تفسير
سيد قطب ذو الأركان الأربعة يقوم على أن أميركا والصليبية الغربية
والصهيونية (أو اليهودية العالمية) والشيوعية متآمرون على الإخوان المسلمين
وعليه شخصيا، لأنه كشف مخططاتهم التآمرية، ولأنه مفكر إسلامي أصيل!
هذا ما يمكن التعليق به على القول الأول. أما التعليق على القول الثاني، فهو على النحو الآتي:
لم يكن للإخوان المسلمين بشكل عام وسيد قطب على الخصوص، تأثير في عدم
انتشار الماركسية في مصر خاصة في عقدي الخمسينات والستينات لأسباب عملية
وسبب فكري. ذلك أن عبد الناصر ونظامه قبل تبنيه لونا من الاشتراكية وبعد
تنبيه مزيدا من الاشتراكية كان معاديا للشيوعية. وكانت التنظيمات الشيوعية
في عهده محظورة، كما أنه زج بالإخوان والشيوعيين في السجون.
قد لا يعرف حامد ألجار أن في مصر في العهد الناصري إدارة اسمها مكافحة
الشيوعية تابعة لجهاز الاستخبارات، كان أول رئيس لها حسن التهامي، أحد
الضباط الأحرار. وتلاه في رئاستها ضابط شهير عند الشيوعيين هو اللواء حسن
المصيلحي، لأنه عني بمطاردتهم ومكافحة الشيوعية.
ومن الأسباب العملية التي تحول دون أداء الإخوان المسلمين وسيد قطب الدور
الذي زعمه لهم ألجار، أن حركة «حدتو» الشيوعية والحزب المصري الشيوعي تمكنا
من إنشاء جبهة وطنية مكونة من الشيوعيين ومن بعض الإخوان المسلمين وبعض
الوفديين على مستوى الطلاب تطالب بإسقاط حكم الجيش. وقد وصل الشيوعيون إلى
مستوى معين من التنسيق والتحالف مع الإخوان المسلمين.
وفي ظل هذا التنسيق والتحالف أعلن المرشد حسن الهضيبي موقفا جديدا من
الشيوعية. فالشيوعية - حسبما قال - لا تقاوم بالعنف والقوانين. وأنه لا
مانع لديه من أن يكون للشيوعيين حزب ظاهر، والإسلام كفيل بضمان وسلامة
الطرق التي تسلكها البلاد.
وفي ظله أيضا، اشترك الإخوان في توزيع منشورات الحزب الشيوعي المصري، التي
تدعو إلى إسقاط حكم الجيش واشتركوا في مظاهرات الشيوعيين لإسقاط حكم العسكر
سنة 1954.
إن العقوبة التي تلقاها سيد قطب، وهي سجنه خمسة عشر عاما، إثر حادث
المنشية، كانت بسبب تحريره نشرة سرية عنوانها «الإخوان في المعركة»، التي
كانت تطبع في مطابع الحزب الشيوعي المصري السرية، تتهم عبد الناصر ونظامه
بالعمالة للاستعمار الغربي وتعريض البلاد لمخاطر الحرب العالمية الثالثة
المتوقعة، وعقد معاهدة سرية مع إسرائيل، واتهام الضباط بسرقة أموال الشعب،
وعبد الناصر بتأثيث بيته بمفروشات من القصور الملكية المصادرة عن طريق لجنة
جرد القصور. وبسبب هذه المنشورات السرية تعرض سيد قطب، في بداية سجنه سنة
1954، لتعذيب شديد، إذ إن فيها حتى عند بعض قيادات الإخوان المعتدلة،
اتهامات جاوزت الحد، وبعض منها يعلمون أنها غير صحيحة. وحين اعترضوا اتهمهم
الهضيبي ومعه سيد قطب بمهادنة السلطة. أما الإخوان المسلمون الذين لم
يفضوا تحالفهم مع السلطة ولم يقطعوا تعاونهم معها، فهم بحسب تقرير اجتماع
ما بين الحزب الشيوعي المصري بقيادة الدكتور فؤاد مرسي ورسول الإخوان
المسلمين، سيد قطب، ممثلا لجناح الهضيبي: «نفر من الإخوان الخونة الذين
يسيرون وفق خطط الاستعمار».
إن هذا الدور الذي افترضه ألجار لتأثير الإخوان وسيد قطب في التسبب بعدم
انتشار الشيوعية بمصر، ليس صحيحا في عهد عبد لناصر، وصحيح - مع إضافة أسباب
كثيرة - في عهد السادات.
أما ما قبل الثورة، فلقد كان لهم، إلى حد ما، هذا الدور في الأوساط
العمالية، وإلى حد ما أيضا في الأوساط الطلابية الجامعية وما قبل الجامعية
لكن مع ملاحظة أن تركيزهم الأساسي كان منصبا على تنافس وصراع عملي مع أحزاب
سياسية لم تكن يسارية ولا شيوعية.
إننا لو تأملنا في سير عدد من المثقفين المصريين، الأكاديميين وغير
الأكاديميين قبل الثورة وفي أثنائها، لوجدنا أنهم في بداية حياتهم كانوا
إخوانا مسلمين ثم تحولوا إلى اليسار. ولا نجد العكس إذا ما تأملنا في سير
الإخوان المسلمين، إذ لا نجد فيهم قبل تلك الفترة وفي أثنائها من كان
يساريا في سابق حياته أو من هو مقبل من تجربة ثقافية مغايرة تماما
لتجربتهم. الاستثناء في هذا كان سيد قطب، المقبل من تجربة أدبية ثقافية
رومانتيكية. لم يكن فيها علمانيا صرفا ولا من دعاة الثقافة الغربية على نحو
واضح، على الرغم من غرامه بالقراءة في أدبياتها المترجمة إلى العربية.
السبب الفكري الذي يفسر الملحوظة السابقة، أن مؤلفات الإخوان المسلمين في
الثلاثينات والأربعينات، ابتداءً من مؤلفات المرشد والمؤسس الأول، هي
مؤلفات هزيلة على مستوى الفكر الديني الإسلامي وعلى مستوى المعاصرة، قالبا
ومضمونا. ولم يكن بوسعها - نظرا لهذه العلة المزدوجة - أن تزاحم أو تنافس
لا الفكر الليبرالي المصري المستظل بنظرية القومية المصرية، ولا المؤلفات
الإسلامية التي كتبها علماء الأزهر وأكاديمييه، وكتبها آخرون من ذوي
الاتجاه الإسلامي العام ومن أصحاب الاتجاه الليبرالي. ناهيك عن أن تكون
مؤهلة لمقارعة الفكر الماركسي.
ثم مع حصول تطور ما في هذه المؤلفات الهزيلة في أواخر الأربعينات، كما في
كتابي الغزالي: «الإسلام والأوضاع القانونية» و«الإسلام والمناهج
الاشتراكية» اللذين كتبهما بلغة ثورية مشبوبة واستلحق الاشتراكية فيهما
بالإسلام، لم يكن لهما في طبعتيهما الأوليين ولا مع إعادة طباعتهما في
سنوات الخمسينات والستينات، تأثير يذكر سوى التأثير الذي جعل سيد قطب يكتب
كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، الذي كان له منذ أول صدوره تأثيره
في بعض الضباط والأحرار، حينما كانوا تنظيما سريا، وتأثيره في جماعة
الإخوان المسلمين. لكن سيد قطب حينما ألف كتابه هذا متأثرا بكتابي الغزالي
لم يكن يساريا ولم يكن مثل الغزالي منضويا في جماعة الإخوان المسلمين ولا
معبرا عن فكرهم السياسي والاجتماعي.
ولا يسعنا - بمناسبة الحديث عن كتابي الغزالي - إلا أن نقرر أن حظهما كان
عاثرا، فلقد اكتسحهما في البداية كتاب سيد قطب ثم طغى عليهما كتاب السباعي
الذي كان هو المعول عليه والمرجع الذي يعتمد عليه للقول باشتراكية الإسلام
في العهد الناصري.
من المؤلف الحقيقي لكتاب الهضيبي: «دعاة لا قضاة»؟
من الأخطاء الواضحة التي وقع فيها ألجار في دراسته هذه هو قوله: «وعلى
الرغم من تجربته الشخصية في السجن، نجد أن الهضيبي كتب ما يمكن وصفه بنقض
لكتاب سيد قطب (معالم في الطريق) سماه (دعاة لا قضاة). أشار في كتابه إلى
أن الجاهلية هي ظاهرة تاريخية حصرية، وليست ظاهرة تاريخية متجددة. ولذا فهي
ليست قابلة لنعت مجتمع مسلم معاصر، بالجاهلي».
تعليقي على هذا الكلام هو: كشف اللواء فؤاد علام وكيل جهاز مباحث أمن
الدولة الأسبق في كتابه: «الإخوان المسلمون وأنا» أن كتاب «دعاة لا قضاة»
المنسوب للمرشد حسن الهضيبي ليس له. وأن الكتاب وراءه مباحث أمن الدولة،
وأنه تم إعداده بواسطة بعض علماء الأزهر، وأن الذين شاركوا في إعداده إلى
جانب علماء الأزهر بعض المعتقلين من الإخوان المتعاونين مع هذا الجهاز.
(راجع قصة هذا الكتاب والأسباب التي دعت إلى تأليفه وكيف تمت نسبته إلى
الهضيبي في كتاب فؤاد علام المشار إليه آنفا، ص 209، 210، 211، 212).
وسأخصص مقالة مستقلة أذكر فيها شواهد، تثبت أن الكتاب لم يؤلفه الهضيبي.
هل هناك قطب لبناني آخر؟
ذكر ألجار كتابا غامض العنوان في دراسته هو:
Qutb. Muhammad, Sayyid. Al - Shahid Al - Ghazali. Cairo. 1974.
(محمد قطب: سيد قطب، الشهيد الغزالي - القاهرة، 1974).
تعليق: لا أخفيكم أني أمضيت يوما أو بعض يوم لفك شفرة عنوان هذا الكتاب،
لعلمي المسبق أن محمد قطب لم يخص أخاه سيد قطب بتأليف كتاب عنه. وأنه لا
يعرف له كتاب صادر في منتصف السبعينات. ثم ما علاقة عنوان الكتاب الأساسي
«سيد قطب» بعنوانه الشارح «الشهيد الغزالي» الذي هو أساسا عنوان مغلوط.
فالإمام أبو حامد الغزالي مات ميتة طبيعية ولم يغتل، ليحكم له بالشهادة.
الكتاب بعدما فككت شفرة عنوانه عرفت أن المقصود به كتاب «سيد قطب: الشهيد
الأعزل» لمحمد علي قطب. وهذا الكتاب هو الكتاب نفسه الذي كان نشره في
الستينات تحت عنوان «سيد قطب أو ثورة الفكر الإسلامي»، مع بعض الإضافة
اليسيرة، وإعادة نشر مقالة لمحمد قطب شقيق سيد كان كتبها في مجلة «الشهاب» -
كما ذكر ذلك صلاح عبد الفتاح الخالدي - لتكون بمثابة مقدمة للكتاب.
محمد علي قطب - بصرف النظر عن التصحيف الذي وقع في كتابة اسم كتابه باللغة
الإنجليزية - يجب أن لا يكتب اسمه بطريقة ثنائية. لأن ذهن القارئ سينصرف
مباشرة إلى شقيق سيد قطب، محمد. أحسب أن حامد ألجار كتب اسمه بطريقة ثنائية
اتباعا لأحمد موصلي في كتابه «الفكر الإسلامي المعاصر، دراسات وشخصيات،
سيد قطب، بحث مقارن لمبادئ الأصوليين والإصلاحيين» الذي هو أحد مراجعه
المكتوبة باللغة الإنجليزية. فأحمد موصلي - ولعله الوحيد في ذلك - كتب اسمه
بطريقة ثنائية.
ويحسن بي - نظرا لأنه يتعمد أن يوقع القارئ في ارتباك بين الاسمين، فيعتقد القارئ أنه من آل قطب وأنه مصري - أن أعرّف به.
محمد علي قطب (أو القطب كما هو اسم عائلته الرسمي): لبناني صيداوي. من
أتباع دعوة الإخوان المسلمين في لبنان. درس في الأزهر. وتعرف على سيد قطب
شخصيا في أثناء دراسته في مصر. مكث في مصر مددا طويلة في فترات متقطعة.
ربما لأنه متزوج مصرية. اشتغل بالتدريس، متوفٍ من سنوات قريبة. مكثر في
تآليفه. ولعل أشهرها «يهود الدونمة» و«مذابح وجرائم محاكم التفتيش في
الأندلس» و«خبز وحرية» و«مسلمات مؤمنات» و«دليل الحيران في تفسير الأحلام».
ولزيادة التعريف به، أذكر أنه هو أبو الممثلة راندا، زوجة المخرج عادل عوض، ابن الممثل الكوميدي الراحل محمد عوض.
السير خلف الرواية الإخوانية
نختتم مراجعتنا للمقدمة بتوجيه ملحوظة، أراها أساسية.
هذه الملحوظة الأساسية، هي أن حامد ألجار في مقدمته اكتفى برواية الإخوان
المسلمين عن سيد قطب وعن تاريخهم وصدّق هذه الرواية ذات الطابع الدعائي،
المحشوة بالمبالغات التي تتضمن قدرا من حكايات مخترعة وحزمة من العبارات
الملفقة، وأهمل كليا الرواية الرسمية في عهد عبد الناصر، ولم يلتفت إلى كتب
آخرين من اتجاهات أخرى، قدمت سياقا مختلفا لهذه الرواية، وناقشت ما في
محتواها من تدليس وزيف، ولا إلى كتابات تمثل، من ناحية معلوماتية وأخرى
تحليلية، مرحلة متقدمة ومتطورة في الدراسات المقدمة حول فكر سيد قطب
وتحولاته وتاريخه. أن يكون حامد ألجار مؤمنا بالرواية الإخوانية ومصدقا لها
أشد التصديق، فهذا أمر سائغ ومفهوم ولا عُجب فيه، لكن ما هو غير سائغ وغير
مفهوم وعجيب - كل العجب - أن غيره من غربيين كثر، هم أيضا أسيرو الرواية
الإخوانية، وتشملهم تلك الملحوظة التي نبهت عليها، على الرغم من أنهم ليس
مثله مسلمين، وليسوا مثله متشيعين سياسيا وعقديا لإسلام سيد قطب وإسلام
الإخوان المسلمين وإسلام الثورة الإيرانية.
سيد مدينة الحاكمية.. أوراق محمد قطب (1): محمد قطب.. اللاعب الخفي في تنظيم 1965
امتزج بأفكار أخيه سيد وحولها إلى منهج تربوي طويل يهدف إلى «تمكين الصحوة»
| ||
| ||
|
الرياض: عبد الله الرشيد
تحت فصل بعنوان «وكانت بيعة»، تروي الحاجة زينب الغزالي، في كتابها «أيام من حياتي» - الذي يوصف في الأدبيات الإخوانية بأنه «وثيقة قيمة، وسجل تاريخي، لحقبة مهمة من تاريخ الدعوة الإسلامية» - قصة إعادة بعث تنظيم الإخوان المسلمين من جديد، بعد قرار حله إثر أحداث المنشية الشهيرة عام 1954 التي تعرض فيها جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال على يد أعضاء من الجماعة. زينب الغزالي، التي تعد واحدة من أبرز القيادات النسائية في صفوف الإخوان المسلمين، وحظيت بمباركة خاصة من المؤسس حسن البنا، بعد إنشائها لأول جمعية إسلامية نسائية باسم «جمعية السيدات المسلمات»، تقول في مذكراتها: «لما كانت جماعة الإخوان المسلمين معطلا نشاطها بسبب قرار الحل الجاهلي لسنة 1954، كان ضروريا أن يعود إحياء هذا النشاط، لكنه بالطبع سيكون سريا».
تكثفت تحركات مجموعة من الكوادر الإخوانية الذين لم تطلهم حملة الاعتقالات، من أجل إعادة تنظيم صفوف الجماعة من جديد، من أبرزهم عبد الفتاح إسماعيل، وعلي عشماوي، وأحمد عبد المجيد، ومحمد فتحي رفاعي، وعوض عبد العال وآخرون، ضمن ما عرف بتنظيم «سيد قطب»، أو «تنظيم 1965».
في حج عام 1957، كان أول لقاء بين زينب الغزالي وعبد الفتاح إسماعيل، الذي يوصف بأنه «دينامو تنظيم 1965 وثالث ثلاثة أعدموا عام 1966». تروي الغزالي فتقول: «بعد ركعتي الطواف، جلسنا خلف بئر زمزم بالقرب من مقام إبراهيم، وأخذنا نتحدث عن بطلان قرار حل جماعة الإخوان المسلمين ووجوب تنظيم صفوف الجماعة وإعادة نشاطها. واتفقنا على أن نتصل، بعد العودة من الأرض المقدسة، بالإمام حسن الهضيبي، المرشد العام لنستأذنه في العمل. فلما هممنا بالانصراف، التفت علي عبد الفتاح وقال: (يجب أن نرتبط هنا ببيعة مع الله على أن نجاهد في سبيله، لا نتقاعس حتى نجمع صفوف الإخوان، ونفاصل بيننا وبين الذين لا يرغبون في العمل أيا كان وضعهم ومقامهم)، وبايعنا الله على الجهاد والموت في سبيل دعوته».
بدأت التحركات للم شتات الإخوان من جديد، على مستوى محافظات مصر كلها، بتوجيهات وتعليمات تصل من داخل السجن، وفي قصاصات يكتبها سيد قطب تحت مسمى «خيوط خطة»، صدرت، في ما بعد، ضمن كتابه الشهير «معالم في الطريق»، وفقا لما أكده أيضا أحمد عبد المجيد، في مذكراته «الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965».
* مخطط إقامة الدولة الإسلامية
* تحكي الغزالي تفاصيل هذا المخطط الذي يبدأ من الإعداد والتكوين التربوي، وصولا إلى إقامة الدولة أو الخلافة الإسلامية، فتقول: «بتعليمات من الإمام سيد قطب، وبإذن الهضيبي، قررنا أن تستمر مدة التربية والتكوين والإعداد ثلاثة عشر عاما - عمر الدعوة في مكة - على أن قاعدة الأمة الإسلامية الآن هم (الإخوان) الملتزمون بشريعة الله وأحكامه. فنحن ملزمون بإقامة كل الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنة في داخل دائرتنا الإسلامية.. والطاعة واجبة علينا لإمامنا المبايع، على أن إقامة الحدود مؤجلة، مع اعتقادها والذود عنها، حتى تقوم الدولة.. وكنا على قناعة كذلك بأن الأرض اليوم خالية من القاعدة التي تتوافر فيها صفات الأمة الإسلامية الملتزمة التزاما كاملا، كما كان الأمر في عهد النبوة والخلافات الراشدة. ولذلك وجب الجهاد على الجماعة المسلمة (...)، حتى يعود جميع المسلمين للإسلام، فيقوم الدين القيم، لا شعارات ولكن حقيقة عملية واقعة».
وتضيف الغزالي: «درسنا كذلك وضع العالم الإسلامي كله، بحثا عن أمثلة لما كان قائما من قبل بخلافة الراشدين، والتي نريدها نحن في جماعة الله الآن، فقررنا بعد دراسة واسعة للواقع القائم المؤلم أنه ليست هناك دولة واحدة ينطبق عليها ذلك، واستثنينا السعودية مع تحفظات وملاحظات يجب أن تستدركها المملكة وتصححها، وكانت الدراسات كلها تؤكد أن أمة الإسلام ليست قائمة، وإن كانت الدولة ترفع الشعارات بأنها تقيم شريعة الله!.. وكان في ما قررناه بعد تلك الدراسة الواسعة، أنه بعد مضي ثلاثة عشر عاما من التربية الإسلامية للشباب والشيوخ والنساء والفتيات، نقوم بمسح شامل في الدولة، فإذا وجدنا أن الحصاد من أتباع الدعوة الإسلامية المعتقدين أن الإسلام دين ودولة، والمقتنعين بقيام الحكم الإسلامي قد بلغ 75 في المائة من أفراد الأمة رجالا ونساءً، أعلنا قيام الدولة الإسلامية، وقيام الحكم الإسلامي، أما إن وجدنا الحصاد 25 في المائة، جددنا التربية والإعداد لمدة ثلاثة عشر عاما أخرى، وهلم جرا، حتى نجد أن الأمة فد نضجت لتقبل الحكم بالإسلام».
* علاقة محمد قطب بتنظيم 65
* على خلاف شخصية أخيه الأكبر سيد، كان محمد قطب (توفي في الرابع من أبريل/ نيسان، 2014، بمكة المكرمة، وصلي عليه في الحرم المكي) منضويا تحت لواء أخيه. كان امتدادا وظلا وفيا له في العمل الحركي والإنتاج الفكري. أعاد إنتاج مفاهيم أخيه، وكررها وجسدها، وقربها كمنهج تربوي مفصل شكل تأثيرا كبيرا على فكر التيارات الإسلامية وبالأخص المتفرعة من إطار «الإخوان المسلمين»، حيث حظيت أفكاره بحضور بارز ومفصل في أفكار التيار الإسلامي الحركي في السعودية، تماما كما كان لأخيه سيد ذلك الحضور.
لكن ما علاقته بتنظيم 65، وما هي قصة «تنظيم محمد قطب»، الذي فتحت من أجله سلطات أمن الدولة المصرية تحقيقات موسعة مع عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين؟
تروي زينب الغزالي مجددا تتمة نشاط أعضاء الجماعة الفاعلين خارج السجون فترة الستينات، حين كانت تصلهم التوجيهات مباشرة من سيد قطب، وتقول: «رأينا خلال فترة الإعداد التربوي أن يكون هناك مستشار يشرح ويوضح لنا توجيهات سيد قطب وتعليماته».. و«لذلك قررنا، ورأينا أن يكون الأستاذ محمد قطب هو مرجعنا، وبإذن من المرشد الهضيبي كان الأستاذ محمد يأتي بشكل دوري إلى بيتي في مصر الجديدة، ليوضح للشباب ما غمض عليهم فهمه. وكان الشباب يستوضحونه ويسألونه أسئلة كثيرة يجيب عنها».
وضمن منهج الإعداد التربوي للتنظيم السري، وضع سيد قطب مجموعة من الكتب والمراجع التي تشكل المنهج الدراسي والتربوي لكوادر التنظيم، وكان من أبرزها، بالإضافة لكتبه، كتب أخيه محمد قطب، حيث يروي أحمد عبد المجيد في مذكراته: «كنا نركز أساسا على العقيدة، ثم الحركة بهذه العقيدة في تنظيم حركي، ثم الدراية والمعرفة بالمخططات الصهيونية والصليبية وأعوانها لضرب الإسلام ووسائلهم في ذلك. فوضع لنا الأستاذ سيد قطب منهجًا دراسيًا وتربويًا للسير عليه مع إخواننا. ومن أهم الكتب والمراجع التي احتواها هذا المنهج: (منهج التربية الإسلامية)، (جاهلية القرن العشرين)، (هل نحن مسلمون؟)، (معركة التقليد) لمحمد قطب، إضافة إلى كتب من تأليفه، وأخرى لأبي الأعلى المودودي وآخرين».
ونتيجة لذلك، كان موضوع محمد قطب من أكثر المحاور الرئيسة التي تناولتها ملفات التحقيق مع زينب الغزالي، كما تروي في مذكراتها، حيث كان شمس بدران - وزير الحربية في عهد عبد الناصر - يسائلها كثيرا عن «التنظيم الخاص الذي أسسه محمد قطب، وخطط لاغتيال عبد الناصر». ونفت الغزالي ذلك بشدة. وعلى الرغم من أنها قررت في الكتاب عينه أن محمد قطب كان يزورها في بيتها بانتظام بأمر من المرشد، للإجابة عن إشكالات أفراد التنظيم، فإنها أجابت حين سألتها النيابة «لماذا كان يزورك محمد قطب في بيتك باستمرار، حيث يلتقي مع شباب الإخوان؟»، فقالت إن أمينة وحميدة شقيقتي محمد قطب اعتادتا زيارتها «وأحيانا كان يأتي محمد معهما فيلتقي بالشباب المسلم الفاضل صدفة!».
* محمد قطب.. الحيرة والتحول
* في بلدة موشا ضمن محافظة أسيوط مصر، ولد محمد قطب في شهر أبريل عام 1919، ونشأ في عائلة كان لها أثر بالغ في تاريخ الحركة الإسلامية بمصر، بشقيه الفكري والحركي، بين الرجال والنساء على حد سواء. فأخوه الأكبر سيد كان الرجل الثاني في الجماعة بعد حسن البنا، تأثيرا وحضورا، وأعدم عام 1966. أما أختاه أمينة وحميدة فكانتا من أبرز «الأخوات المسلمات» الفاعلات في الجماعة، وجميعهن تعرضن للاعتقال. تزوجت أمينة من القيادي الإخواني كمال السنانيري الذي توفي داخل معتقله عام 1981. أما حميدة فكانت تلقب في الأدبيات الإخوانية، بـ«عذراء السجن الحربي»، ووجهت لها اتهامات بنقل معلومات من سيد قطب داخل السجن إلى زينب الغزالي. في هذا الوسط نشأ محمد قطب، وكانت دراسته في القاهرة بجميع مراحلها، حيث درس فيها المرحلة الابتدائية والثانوية، وتخرج في جامعة القاهرة التي أخذ منها الإجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها عام 1940. بعد تخرجه في الجامعة، بدأ اهتمامه بالتعليم والتربية يظهر، فاتجه نحو معهد التربية العالي للمعلمين بالقاهرة، وحصل منه على شهادة دبلوم في التربية وعلم النفس عام 1941. وعمل بعد ذلك أربع سنوات في التدريس، ثم في دار الكتب المصرية، وبعدها أصبح مترجما في وزارة المعارف المصرية، ثم انتقل إلى الإدارة العامة للثقافة في وزارة التعليم العالي بمصر.
كانت شخصية أخيه الأكبر حاضرة بقوة في حياته، ومؤثرة عليه إلى حد الامتزاج الكامل، وذلك بات واضحا في كل أفكاره وإنتاجه، وطريقة كتابته الأدبية التي تحاكي أسلوب أخيه، بل حتى في كيفية تحوله من الأدب والشعر إلى الفكر والنضال الحركي. يقول محمد عن أخيه سيد: «لقد عايشت أفكار سيد بكل اتجاهاته منذ تفتح ذهني للوعي، ولما بلغت المرحلة الثانوية أصبح يشركني في مجالات تفكيره، ويتيح لي فرصة المناقشة لمختلف الموضوعات، فامتزجت أفكارنا وأرواحنا امتزاجا كبيرا، بالإضافة إلى علاقة الأخوة والنشأة في الأسرة الواحدة، وما يهيئه ذلك من تقارب وتجاوب»، وفقا لما نقله عنه محمد المجذوب في كتاب «علماء ومفكرون عرفتهم».
وكما كان سيد مهموما في بداية حياته بالأدب والتصوير الفني، و«النقد الأدبي أصوله ومناهجه»، ثم تحول حتى وصل إلى مرحلته الأخيرة التي جسدها بوضوح في كتابه «معالم في الطريق»، كان كذلك محمد قطب في مسرى حياته كما يقول. فقد كان تائها ضائعا في الأدب والشعر، ولم ينتبه لحقيقة «المكائد ضد الإسلام» من حوله، حتى جاءت «فتنة السجن الحربي» التي اعتقل فيها هو وأخوه سيد بعد أحداث 1954، حيث كان لذلك الحدث بالغ الأثر في نفسه، إذ إنها كما يقول «أول تجربة من نوعها، كانت من العنف والضراوة بحيث يمكن لي القول إنها غيرت نفسي تغييرا كاملا. كنت أعيش من قبلها في آفاق الأدب والشعر والمشاعر المهمومة، أعاني حيرة عميقة، وكانت تلك الحيرة تشكل أزمة حقيقية في نفسي استغرقت من حياتي عدة سنوات، غير أن الدقائق الأولى منذ دخولي ذلك السجن، والهول الذي يلقاه نزيله، بدلت ذلك كل التبديل. لقد أحسست إذ ذاك أنني موجود، وأن لي وجودا حقيقيا، وأن الذي في نفسي حقيقة وليس وهما، وهذه الحقيقة هي السير في طريق الله، والعمل من أجل دعوته، وعرفت حينها حقيقة المؤامرة الضارية ضد الإسلام، وانتهت الحيرة الضالة، ووجدت نفسي على الجادة».
أصبح محمد قطب يشك في «إسلام» كل المجتمعات الإسلامية، وصار يتساءل دائما: «هل نحن مسلمون؟».. أم أننا نعيش في «جاهلية القرن العشرين»، ونغرق في «ظلمات التيه»، وتنتشر بيننا «شبهات حول الإسلام؟!».. ولذلك يقرر محمد قطب أن الحل في «منهج التربية الإسلامية» الذي يجب أن يقوم عليه «واقعنا المعاصر»، حتى ننتصر في «معركة التقاليد»، ونكشف «المذاهب الفكرية المعاصرة» (عناوين كتب لمحمد قطب).
* منهج للصحوة السعودية
* اعتقل محمد قطب، هو وأخوه سيد، للمرة الأولى بعد حادثة المنشية عام 1954. خرج محمد بعد مدة قصيرة، في حين حكم على أخيه بالسجن 15 سنة. في تلك الفترة، أتم سيد كتابة عدد من كتبه، أهمها «في ظلال القرآن». لكن محمد عاد إلى السجن مرة أخرى في يوليو (تموز) 1965، وبقي ست سنوات، فلم يفرج عنه إلا في مطلع عهد السادات، في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1971.
بعد خروجه من السجن، لجأ محمد قطب إلى السعودية مطلع السبعينات الميلادية باحثا عن الأمان. وفي مكة العاصمة المقدسة، أمضى بقية حياته (قرابة نصف قرن) ناقلا معه تجربته الحركية والفكرية إلى أبناء الصحوة السعودية، فأثر فيهم بشكل كبير، وبالأخص في أبناء التيار السروري، والتي تنزع في مرجعيتها إلى المدرسة القطبية أكثر من البنائية، حيث يحظى سيد بحضور طاغ مؤثر في كتابات وأفكار التيار. ولذلك كان لوجود محمد في السعودية دور مهم في تقريب أفكار المنهج القطبي وترسيخها، والدفاع عن أفكار أخيه سيد، وإزالة مواطن الإشكاليات واللبس التي اعترتها، كما يوضح في ختام مرافعاته عن أخيه في أحد الحوارات الصحافية، مدافعا عن «عقيدة» سيد، قائلا: «لا أقول هذا دفاعا عن أخي، فهو بين يدي مولاه، وإنما أقوله لأني عايشته السنين الطوال، وأعلم بما لا يدع مجالا للشك أنه لم يقع في عقيدته شيء من الزيغ أو الدخن».
عمل محمد على صياغة أفكار سيد في مشروع تربوي حركي مفصل قابل للتطبيق العملي في حياة الحركة، إضافة للمنحى الأهم الذي نحاه محمد قطب مختلفا عن أخيه، عبر تأكيده المتكرر في أغلب كتاباته على المنهج التربوي التدريجي، الذي يستلزم الانخراط في «المجتمع الجاهلي» من أجل التأثير فيه. فهو وإن كان يتفق مع سيد حول فكرة «الحاكمية» و«جاهلية المجتمعات»، فإنه يختلف معه في «المفاصلة والعزلة»، إذ يقرر أن الوصول إلى إقامة «المجتمع الإسلامي المنشود» يكون عبر عملية تربوية طويلة من خلال بناء «قاعدة صلبة» تتغلغل داخل المجتمع «الجاهلي» حتى يتغير وتجد الحركة لها ثقلا جماهيريا قويا بين الشرائح كافة، ولذلك نجد النشاط الصحوي في عز ذروته فاعلا وناشطا بقوة في المدارس والجامعات، ومجال التعليم والنشاط الطلابي، حيث اعتنى قطب كثيرا بمسألة التعليم في كتبه ومؤلفاته، معتبرا إياه حقلا من أهم «حقول المعركة والصراع مع أعداء الدين، لا بد أن تكتسبها الصحوة، وتنقيها من أدران الجاهلية».
* القاعدة الصلبة.. قبل الحكم
* في كتابه «واقعنا المعاصر» (صدر في طبعته الأولى عام 1986 عن مؤسسة المدينة للنشر بجدة)، الذي يعد أحد أهم الكتب المؤثرة والمكونة للمنهج التربوي السروري والإخواني عموما، يقدم قطب الرؤية الحركية المعاصرة لأهم مفاصل التاريخ الحديث، والموقف من مخططات الاستعمار، ووسائل تغريب المرأة، والتعليم، والإعلام والفكر والأدب، ومعالم الغزو الفكري والصليبي على بلدان المسلمين.. «فالعالم الإسلامي اليوم يمر بأسوأ مراحله، يمكن أن نطلق عليها مرحلة (التيه).. انحرف المسلمون انحرافا شديدا عن حقيقة الإسلام، ويحاصرهم الغزو الفكري الذي يحيكه أعداء الأمة من كل مكان».. ولكن «اليوم يدور الزمان دورته، ويبزغ فجر جديد للإسلام مع تباشير الصحوة الإسلامية، يحمله الشباب المؤمن الذي يتطلع إلى اليوم الذي يجد فيه الإسلام مطبقا بالفعل، اليوم الذي يعود فيه المسلمون إلى الاستخلاف والتمكين في الأرض».
يشرح قطب في مقدمته أسباب تأليفه للكتاب قائلا: «هذه محاولة لدراسة الصحوة الإسلامية، وما تحمله من دلالة تاريخية.. ماذا أنجزت، وماذا ينبغي أن تنجز حتى تجتاز أزمتها الحالية، وتصل إلى التمكين الذي وعد الله به المؤمنين.. أردت بمحاولاتي تلك الرد على تساؤلات الشباب المتطلع إلى تحقيق الإسلام في عالم الواقع: لماذا طالت المسيرة؟ لماذا تأخر التمكين؟ ما منهج الدعوة؟ ما الطريق الصحيح؟».
بعد أن يستعرض محمد قطب في كتابه ظلامات «الجاهلية» التي يرزح تحتها العالم الإسلامي في كل المجالات، قدم في الربع الأخير منه الحل الأمثل لمواجهة الواقع المعاصر، والمنهج الأصلح لتحقيق التمكين والوصول إلى الحكم، عن طريق «بناء قاعدة إسلامية صلبة» تكون النواة الرئيسة الأولى للمواجهة مع السلطة «الجاهلية» القائمة، والسند الفعلي الداخلي لأبناء الحركة أمام مخططات أعداء الإسلام، وأعداء الحكم الإسلامي.
يؤكد قطب أن أي استعجال في التحرك من أجل التمكين، أو الصدام مع السلطة قبل «تكوين القاعدة المسلمة المجاهدة» هو «عملية انتحارية لا طائل من ورائها، إلا إعطاء الطغاة حجة لتقتيل المسلمين وتذبيحهم، والناس غافلون عن حقيقة المعركة وكون هؤلاء الطغاة إنما يعملون ما يعملون عداء للإسلام ذاته، وولاء للصليبية الصهيونية التي تحارب الإسلام في كل الأرض».
كيف يمكن إذن بناء «القاعدة الإسلامية»؟
يجيب قطب: «لا بد من ارتياد الطريق الطويل، المجهد الشاق المستنفد للطاقة، وهو طريق التربية.. التربية من أجل إنشاء (القاعدة الإسلامية) الواعية المجاهدة التي تسند الحكم الإسلامي حين يقوم، وتظل تسنده لكي يستمر في الوجود بعد أن يقوم.. فهل يمكن أن يقوم حكم الحركة الإسلامية قبل أن توجد القاعدة المؤمنة التي تواجه النتائج المترتبة على إعلان الحكم الإسلامي، وأولاها تحرش الصليبية الصهيونية كما حدث في أفغانستان والسودان؟!.. إن حكم الحركات والأحزاب العلمانية والشيوعية داخل بلاد المسلمين تجد سندها من القوى الغربية، وتدعمها أميركا وروسيا، ولذلك تصل بسهولة للحكم، أما الحكم الإسلامي فإنه لن يواجه من القوى الغربية إلا العداء، ولن يجد سنده الحقيقي إلا من الداخل، من القاعدة الإسلامية الصلبة المجاهدة!».
لا يضع قطب أي مدى زمني لعملية الإعداد والتربية، يورد في ثنايا حديثه تساؤلات أبناء الحركة المستعجلين، فيقول: «أما الذين يسألون إلى متى نظل أن نربي دون أن نعمل؟.. فنقول لا نستطيع أن نعطيهم موعدا محددا، فنقول لهم عشر سنوات من الآن أو عشرين سنة، فهذا رجم بالغيب، إنما نستطيع أن نقول لهم: نظل نربي حتى تتكون القاعدة المطلوبة بالحجم المعقول».
وبتأكيد قطب على جعل العمل التربوي أولوية طويلة المدى، افترقت (السرورية) عن غيرها من التيارات الحركية الأخرى، سواء السلفية الجهادية، أو السلفية العلمية (أهل الحديث)، حيث رأت الأولى أن استغراق هذا الجهد الطويل في التربية هو إضاعة للوقت وتعطيل عن تحقيق الهدف، فاختارت المواجهة المسلحة المباشرة مع السلطة «الجاهلية» أو «القوى الصليبية الصهيونية». أما الثانية فترى أن استغراق الجهود الحركية في التربية هو انصراف عن الغاية الأساسية، وهي التبحر في طلب العلم الشرعي، وفهم منهج السلف على الوجه الصحيح، بدلا من إضاعة الوقت في أنشطة تربوية واجتماعية «لا تبني طالب العلم»، وقد عبرت عن ذلك مقولة عالم الحديث السوري محمد ناصر الدين الألباني «التصفية والتربية».
* غدا:
* محمد قطب يواصل مشوار أخيه سيد في تكفير المجتمعات الإسلامية
http://classic.aawsat.com/details.asp?section=39&article=772381&issueno=12955#.VDjtG1cq-Bw
تحت فصل بعنوان «وكانت بيعة»، تروي الحاجة زينب الغزالي، في كتابها «أيام من حياتي» - الذي يوصف في الأدبيات الإخوانية بأنه «وثيقة قيمة، وسجل تاريخي، لحقبة مهمة من تاريخ الدعوة الإسلامية» - قصة إعادة بعث تنظيم الإخوان المسلمين من جديد، بعد قرار حله إثر أحداث المنشية الشهيرة عام 1954 التي تعرض فيها جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال على يد أعضاء من الجماعة. زينب الغزالي، التي تعد واحدة من أبرز القيادات النسائية في صفوف الإخوان المسلمين، وحظيت بمباركة خاصة من المؤسس حسن البنا، بعد إنشائها لأول جمعية إسلامية نسائية باسم «جمعية السيدات المسلمات»، تقول في مذكراتها: «لما كانت جماعة الإخوان المسلمين معطلا نشاطها بسبب قرار الحل الجاهلي لسنة 1954، كان ضروريا أن يعود إحياء هذا النشاط، لكنه بالطبع سيكون سريا».
تكثفت تحركات مجموعة من الكوادر الإخوانية الذين لم تطلهم حملة الاعتقالات، من أجل إعادة تنظيم صفوف الجماعة من جديد، من أبرزهم عبد الفتاح إسماعيل، وعلي عشماوي، وأحمد عبد المجيد، ومحمد فتحي رفاعي، وعوض عبد العال وآخرون، ضمن ما عرف بتنظيم «سيد قطب»، أو «تنظيم 1965».
في حج عام 1957، كان أول لقاء بين زينب الغزالي وعبد الفتاح إسماعيل، الذي يوصف بأنه «دينامو تنظيم 1965 وثالث ثلاثة أعدموا عام 1966». تروي الغزالي فتقول: «بعد ركعتي الطواف، جلسنا خلف بئر زمزم بالقرب من مقام إبراهيم، وأخذنا نتحدث عن بطلان قرار حل جماعة الإخوان المسلمين ووجوب تنظيم صفوف الجماعة وإعادة نشاطها. واتفقنا على أن نتصل، بعد العودة من الأرض المقدسة، بالإمام حسن الهضيبي، المرشد العام لنستأذنه في العمل. فلما هممنا بالانصراف، التفت علي عبد الفتاح وقال: (يجب أن نرتبط هنا ببيعة مع الله على أن نجاهد في سبيله، لا نتقاعس حتى نجمع صفوف الإخوان، ونفاصل بيننا وبين الذين لا يرغبون في العمل أيا كان وضعهم ومقامهم)، وبايعنا الله على الجهاد والموت في سبيل دعوته».
بدأت التحركات للم شتات الإخوان من جديد، على مستوى محافظات مصر كلها، بتوجيهات وتعليمات تصل من داخل السجن، وفي قصاصات يكتبها سيد قطب تحت مسمى «خيوط خطة»، صدرت، في ما بعد، ضمن كتابه الشهير «معالم في الطريق»، وفقا لما أكده أيضا أحمد عبد المجيد، في مذكراته «الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965».
* مخطط إقامة الدولة الإسلامية
* تحكي الغزالي تفاصيل هذا المخطط الذي يبدأ من الإعداد والتكوين التربوي، وصولا إلى إقامة الدولة أو الخلافة الإسلامية، فتقول: «بتعليمات من الإمام سيد قطب، وبإذن الهضيبي، قررنا أن تستمر مدة التربية والتكوين والإعداد ثلاثة عشر عاما - عمر الدعوة في مكة - على أن قاعدة الأمة الإسلامية الآن هم (الإخوان) الملتزمون بشريعة الله وأحكامه. فنحن ملزمون بإقامة كل الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنة في داخل دائرتنا الإسلامية.. والطاعة واجبة علينا لإمامنا المبايع، على أن إقامة الحدود مؤجلة، مع اعتقادها والذود عنها، حتى تقوم الدولة.. وكنا على قناعة كذلك بأن الأرض اليوم خالية من القاعدة التي تتوافر فيها صفات الأمة الإسلامية الملتزمة التزاما كاملا، كما كان الأمر في عهد النبوة والخلافات الراشدة. ولذلك وجب الجهاد على الجماعة المسلمة (...)، حتى يعود جميع المسلمين للإسلام، فيقوم الدين القيم، لا شعارات ولكن حقيقة عملية واقعة».
وتضيف الغزالي: «درسنا كذلك وضع العالم الإسلامي كله، بحثا عن أمثلة لما كان قائما من قبل بخلافة الراشدين، والتي نريدها نحن في جماعة الله الآن، فقررنا بعد دراسة واسعة للواقع القائم المؤلم أنه ليست هناك دولة واحدة ينطبق عليها ذلك، واستثنينا السعودية مع تحفظات وملاحظات يجب أن تستدركها المملكة وتصححها، وكانت الدراسات كلها تؤكد أن أمة الإسلام ليست قائمة، وإن كانت الدولة ترفع الشعارات بأنها تقيم شريعة الله!.. وكان في ما قررناه بعد تلك الدراسة الواسعة، أنه بعد مضي ثلاثة عشر عاما من التربية الإسلامية للشباب والشيوخ والنساء والفتيات، نقوم بمسح شامل في الدولة، فإذا وجدنا أن الحصاد من أتباع الدعوة الإسلامية المعتقدين أن الإسلام دين ودولة، والمقتنعين بقيام الحكم الإسلامي قد بلغ 75 في المائة من أفراد الأمة رجالا ونساءً، أعلنا قيام الدولة الإسلامية، وقيام الحكم الإسلامي، أما إن وجدنا الحصاد 25 في المائة، جددنا التربية والإعداد لمدة ثلاثة عشر عاما أخرى، وهلم جرا، حتى نجد أن الأمة فد نضجت لتقبل الحكم بالإسلام».
* علاقة محمد قطب بتنظيم 65
* على خلاف شخصية أخيه الأكبر سيد، كان محمد قطب (توفي في الرابع من أبريل/ نيسان، 2014، بمكة المكرمة، وصلي عليه في الحرم المكي) منضويا تحت لواء أخيه. كان امتدادا وظلا وفيا له في العمل الحركي والإنتاج الفكري. أعاد إنتاج مفاهيم أخيه، وكررها وجسدها، وقربها كمنهج تربوي مفصل شكل تأثيرا كبيرا على فكر التيارات الإسلامية وبالأخص المتفرعة من إطار «الإخوان المسلمين»، حيث حظيت أفكاره بحضور بارز ومفصل في أفكار التيار الإسلامي الحركي في السعودية، تماما كما كان لأخيه سيد ذلك الحضور.
لكن ما علاقته بتنظيم 65، وما هي قصة «تنظيم محمد قطب»، الذي فتحت من أجله سلطات أمن الدولة المصرية تحقيقات موسعة مع عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين؟
تروي زينب الغزالي مجددا تتمة نشاط أعضاء الجماعة الفاعلين خارج السجون فترة الستينات، حين كانت تصلهم التوجيهات مباشرة من سيد قطب، وتقول: «رأينا خلال فترة الإعداد التربوي أن يكون هناك مستشار يشرح ويوضح لنا توجيهات سيد قطب وتعليماته».. و«لذلك قررنا، ورأينا أن يكون الأستاذ محمد قطب هو مرجعنا، وبإذن من المرشد الهضيبي كان الأستاذ محمد يأتي بشكل دوري إلى بيتي في مصر الجديدة، ليوضح للشباب ما غمض عليهم فهمه. وكان الشباب يستوضحونه ويسألونه أسئلة كثيرة يجيب عنها».
وضمن منهج الإعداد التربوي للتنظيم السري، وضع سيد قطب مجموعة من الكتب والمراجع التي تشكل المنهج الدراسي والتربوي لكوادر التنظيم، وكان من أبرزها، بالإضافة لكتبه، كتب أخيه محمد قطب، حيث يروي أحمد عبد المجيد في مذكراته: «كنا نركز أساسا على العقيدة، ثم الحركة بهذه العقيدة في تنظيم حركي، ثم الدراية والمعرفة بالمخططات الصهيونية والصليبية وأعوانها لضرب الإسلام ووسائلهم في ذلك. فوضع لنا الأستاذ سيد قطب منهجًا دراسيًا وتربويًا للسير عليه مع إخواننا. ومن أهم الكتب والمراجع التي احتواها هذا المنهج: (منهج التربية الإسلامية)، (جاهلية القرن العشرين)، (هل نحن مسلمون؟)، (معركة التقليد) لمحمد قطب، إضافة إلى كتب من تأليفه، وأخرى لأبي الأعلى المودودي وآخرين».
ونتيجة لذلك، كان موضوع محمد قطب من أكثر المحاور الرئيسة التي تناولتها ملفات التحقيق مع زينب الغزالي، كما تروي في مذكراتها، حيث كان شمس بدران - وزير الحربية في عهد عبد الناصر - يسائلها كثيرا عن «التنظيم الخاص الذي أسسه محمد قطب، وخطط لاغتيال عبد الناصر». ونفت الغزالي ذلك بشدة. وعلى الرغم من أنها قررت في الكتاب عينه أن محمد قطب كان يزورها في بيتها بانتظام بأمر من المرشد، للإجابة عن إشكالات أفراد التنظيم، فإنها أجابت حين سألتها النيابة «لماذا كان يزورك محمد قطب في بيتك باستمرار، حيث يلتقي مع شباب الإخوان؟»، فقالت إن أمينة وحميدة شقيقتي محمد قطب اعتادتا زيارتها «وأحيانا كان يأتي محمد معهما فيلتقي بالشباب المسلم الفاضل صدفة!».
* محمد قطب.. الحيرة والتحول
* في بلدة موشا ضمن محافظة أسيوط مصر، ولد محمد قطب في شهر أبريل عام 1919، ونشأ في عائلة كان لها أثر بالغ في تاريخ الحركة الإسلامية بمصر، بشقيه الفكري والحركي، بين الرجال والنساء على حد سواء. فأخوه الأكبر سيد كان الرجل الثاني في الجماعة بعد حسن البنا، تأثيرا وحضورا، وأعدم عام 1966. أما أختاه أمينة وحميدة فكانتا من أبرز «الأخوات المسلمات» الفاعلات في الجماعة، وجميعهن تعرضن للاعتقال. تزوجت أمينة من القيادي الإخواني كمال السنانيري الذي توفي داخل معتقله عام 1981. أما حميدة فكانت تلقب في الأدبيات الإخوانية، بـ«عذراء السجن الحربي»، ووجهت لها اتهامات بنقل معلومات من سيد قطب داخل السجن إلى زينب الغزالي. في هذا الوسط نشأ محمد قطب، وكانت دراسته في القاهرة بجميع مراحلها، حيث درس فيها المرحلة الابتدائية والثانوية، وتخرج في جامعة القاهرة التي أخذ منها الإجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها عام 1940. بعد تخرجه في الجامعة، بدأ اهتمامه بالتعليم والتربية يظهر، فاتجه نحو معهد التربية العالي للمعلمين بالقاهرة، وحصل منه على شهادة دبلوم في التربية وعلم النفس عام 1941. وعمل بعد ذلك أربع سنوات في التدريس، ثم في دار الكتب المصرية، وبعدها أصبح مترجما في وزارة المعارف المصرية، ثم انتقل إلى الإدارة العامة للثقافة في وزارة التعليم العالي بمصر.
كانت شخصية أخيه الأكبر حاضرة بقوة في حياته، ومؤثرة عليه إلى حد الامتزاج الكامل، وذلك بات واضحا في كل أفكاره وإنتاجه، وطريقة كتابته الأدبية التي تحاكي أسلوب أخيه، بل حتى في كيفية تحوله من الأدب والشعر إلى الفكر والنضال الحركي. يقول محمد عن أخيه سيد: «لقد عايشت أفكار سيد بكل اتجاهاته منذ تفتح ذهني للوعي، ولما بلغت المرحلة الثانوية أصبح يشركني في مجالات تفكيره، ويتيح لي فرصة المناقشة لمختلف الموضوعات، فامتزجت أفكارنا وأرواحنا امتزاجا كبيرا، بالإضافة إلى علاقة الأخوة والنشأة في الأسرة الواحدة، وما يهيئه ذلك من تقارب وتجاوب»، وفقا لما نقله عنه محمد المجذوب في كتاب «علماء ومفكرون عرفتهم».
وكما كان سيد مهموما في بداية حياته بالأدب والتصوير الفني، و«النقد الأدبي أصوله ومناهجه»، ثم تحول حتى وصل إلى مرحلته الأخيرة التي جسدها بوضوح في كتابه «معالم في الطريق»، كان كذلك محمد قطب في مسرى حياته كما يقول. فقد كان تائها ضائعا في الأدب والشعر، ولم ينتبه لحقيقة «المكائد ضد الإسلام» من حوله، حتى جاءت «فتنة السجن الحربي» التي اعتقل فيها هو وأخوه سيد بعد أحداث 1954، حيث كان لذلك الحدث بالغ الأثر في نفسه، إذ إنها كما يقول «أول تجربة من نوعها، كانت من العنف والضراوة بحيث يمكن لي القول إنها غيرت نفسي تغييرا كاملا. كنت أعيش من قبلها في آفاق الأدب والشعر والمشاعر المهمومة، أعاني حيرة عميقة، وكانت تلك الحيرة تشكل أزمة حقيقية في نفسي استغرقت من حياتي عدة سنوات، غير أن الدقائق الأولى منذ دخولي ذلك السجن، والهول الذي يلقاه نزيله، بدلت ذلك كل التبديل. لقد أحسست إذ ذاك أنني موجود، وأن لي وجودا حقيقيا، وأن الذي في نفسي حقيقة وليس وهما، وهذه الحقيقة هي السير في طريق الله، والعمل من أجل دعوته، وعرفت حينها حقيقة المؤامرة الضارية ضد الإسلام، وانتهت الحيرة الضالة، ووجدت نفسي على الجادة».
أصبح محمد قطب يشك في «إسلام» كل المجتمعات الإسلامية، وصار يتساءل دائما: «هل نحن مسلمون؟».. أم أننا نعيش في «جاهلية القرن العشرين»، ونغرق في «ظلمات التيه»، وتنتشر بيننا «شبهات حول الإسلام؟!».. ولذلك يقرر محمد قطب أن الحل في «منهج التربية الإسلامية» الذي يجب أن يقوم عليه «واقعنا المعاصر»، حتى ننتصر في «معركة التقاليد»، ونكشف «المذاهب الفكرية المعاصرة» (عناوين كتب لمحمد قطب).
* منهج للصحوة السعودية
* اعتقل محمد قطب، هو وأخوه سيد، للمرة الأولى بعد حادثة المنشية عام 1954. خرج محمد بعد مدة قصيرة، في حين حكم على أخيه بالسجن 15 سنة. في تلك الفترة، أتم سيد كتابة عدد من كتبه، أهمها «في ظلال القرآن». لكن محمد عاد إلى السجن مرة أخرى في يوليو (تموز) 1965، وبقي ست سنوات، فلم يفرج عنه إلا في مطلع عهد السادات، في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1971.
بعد خروجه من السجن، لجأ محمد قطب إلى السعودية مطلع السبعينات الميلادية باحثا عن الأمان. وفي مكة العاصمة المقدسة، أمضى بقية حياته (قرابة نصف قرن) ناقلا معه تجربته الحركية والفكرية إلى أبناء الصحوة السعودية، فأثر فيهم بشكل كبير، وبالأخص في أبناء التيار السروري، والتي تنزع في مرجعيتها إلى المدرسة القطبية أكثر من البنائية، حيث يحظى سيد بحضور طاغ مؤثر في كتابات وأفكار التيار. ولذلك كان لوجود محمد في السعودية دور مهم في تقريب أفكار المنهج القطبي وترسيخها، والدفاع عن أفكار أخيه سيد، وإزالة مواطن الإشكاليات واللبس التي اعترتها، كما يوضح في ختام مرافعاته عن أخيه في أحد الحوارات الصحافية، مدافعا عن «عقيدة» سيد، قائلا: «لا أقول هذا دفاعا عن أخي، فهو بين يدي مولاه، وإنما أقوله لأني عايشته السنين الطوال، وأعلم بما لا يدع مجالا للشك أنه لم يقع في عقيدته شيء من الزيغ أو الدخن».
عمل محمد على صياغة أفكار سيد في مشروع تربوي حركي مفصل قابل للتطبيق العملي في حياة الحركة، إضافة للمنحى الأهم الذي نحاه محمد قطب مختلفا عن أخيه، عبر تأكيده المتكرر في أغلب كتاباته على المنهج التربوي التدريجي، الذي يستلزم الانخراط في «المجتمع الجاهلي» من أجل التأثير فيه. فهو وإن كان يتفق مع سيد حول فكرة «الحاكمية» و«جاهلية المجتمعات»، فإنه يختلف معه في «المفاصلة والعزلة»، إذ يقرر أن الوصول إلى إقامة «المجتمع الإسلامي المنشود» يكون عبر عملية تربوية طويلة من خلال بناء «قاعدة صلبة» تتغلغل داخل المجتمع «الجاهلي» حتى يتغير وتجد الحركة لها ثقلا جماهيريا قويا بين الشرائح كافة، ولذلك نجد النشاط الصحوي في عز ذروته فاعلا وناشطا بقوة في المدارس والجامعات، ومجال التعليم والنشاط الطلابي، حيث اعتنى قطب كثيرا بمسألة التعليم في كتبه ومؤلفاته، معتبرا إياه حقلا من أهم «حقول المعركة والصراع مع أعداء الدين، لا بد أن تكتسبها الصحوة، وتنقيها من أدران الجاهلية».
* القاعدة الصلبة.. قبل الحكم
* في كتابه «واقعنا المعاصر» (صدر في طبعته الأولى عام 1986 عن مؤسسة المدينة للنشر بجدة)، الذي يعد أحد أهم الكتب المؤثرة والمكونة للمنهج التربوي السروري والإخواني عموما، يقدم قطب الرؤية الحركية المعاصرة لأهم مفاصل التاريخ الحديث، والموقف من مخططات الاستعمار، ووسائل تغريب المرأة، والتعليم، والإعلام والفكر والأدب، ومعالم الغزو الفكري والصليبي على بلدان المسلمين.. «فالعالم الإسلامي اليوم يمر بأسوأ مراحله، يمكن أن نطلق عليها مرحلة (التيه).. انحرف المسلمون انحرافا شديدا عن حقيقة الإسلام، ويحاصرهم الغزو الفكري الذي يحيكه أعداء الأمة من كل مكان».. ولكن «اليوم يدور الزمان دورته، ويبزغ فجر جديد للإسلام مع تباشير الصحوة الإسلامية، يحمله الشباب المؤمن الذي يتطلع إلى اليوم الذي يجد فيه الإسلام مطبقا بالفعل، اليوم الذي يعود فيه المسلمون إلى الاستخلاف والتمكين في الأرض».
يشرح قطب في مقدمته أسباب تأليفه للكتاب قائلا: «هذه محاولة لدراسة الصحوة الإسلامية، وما تحمله من دلالة تاريخية.. ماذا أنجزت، وماذا ينبغي أن تنجز حتى تجتاز أزمتها الحالية، وتصل إلى التمكين الذي وعد الله به المؤمنين.. أردت بمحاولاتي تلك الرد على تساؤلات الشباب المتطلع إلى تحقيق الإسلام في عالم الواقع: لماذا طالت المسيرة؟ لماذا تأخر التمكين؟ ما منهج الدعوة؟ ما الطريق الصحيح؟».
بعد أن يستعرض محمد قطب في كتابه ظلامات «الجاهلية» التي يرزح تحتها العالم الإسلامي في كل المجالات، قدم في الربع الأخير منه الحل الأمثل لمواجهة الواقع المعاصر، والمنهج الأصلح لتحقيق التمكين والوصول إلى الحكم، عن طريق «بناء قاعدة إسلامية صلبة» تكون النواة الرئيسة الأولى للمواجهة مع السلطة «الجاهلية» القائمة، والسند الفعلي الداخلي لأبناء الحركة أمام مخططات أعداء الإسلام، وأعداء الحكم الإسلامي.
يؤكد قطب أن أي استعجال في التحرك من أجل التمكين، أو الصدام مع السلطة قبل «تكوين القاعدة المسلمة المجاهدة» هو «عملية انتحارية لا طائل من ورائها، إلا إعطاء الطغاة حجة لتقتيل المسلمين وتذبيحهم، والناس غافلون عن حقيقة المعركة وكون هؤلاء الطغاة إنما يعملون ما يعملون عداء للإسلام ذاته، وولاء للصليبية الصهيونية التي تحارب الإسلام في كل الأرض».
كيف يمكن إذن بناء «القاعدة الإسلامية»؟
يجيب قطب: «لا بد من ارتياد الطريق الطويل، المجهد الشاق المستنفد للطاقة، وهو طريق التربية.. التربية من أجل إنشاء (القاعدة الإسلامية) الواعية المجاهدة التي تسند الحكم الإسلامي حين يقوم، وتظل تسنده لكي يستمر في الوجود بعد أن يقوم.. فهل يمكن أن يقوم حكم الحركة الإسلامية قبل أن توجد القاعدة المؤمنة التي تواجه النتائج المترتبة على إعلان الحكم الإسلامي، وأولاها تحرش الصليبية الصهيونية كما حدث في أفغانستان والسودان؟!.. إن حكم الحركات والأحزاب العلمانية والشيوعية داخل بلاد المسلمين تجد سندها من القوى الغربية، وتدعمها أميركا وروسيا، ولذلك تصل بسهولة للحكم، أما الحكم الإسلامي فإنه لن يواجه من القوى الغربية إلا العداء، ولن يجد سنده الحقيقي إلا من الداخل، من القاعدة الإسلامية الصلبة المجاهدة!».
لا يضع قطب أي مدى زمني لعملية الإعداد والتربية، يورد في ثنايا حديثه تساؤلات أبناء الحركة المستعجلين، فيقول: «أما الذين يسألون إلى متى نظل أن نربي دون أن نعمل؟.. فنقول لا نستطيع أن نعطيهم موعدا محددا، فنقول لهم عشر سنوات من الآن أو عشرين سنة، فهذا رجم بالغيب، إنما نستطيع أن نقول لهم: نظل نربي حتى تتكون القاعدة المطلوبة بالحجم المعقول».
وبتأكيد قطب على جعل العمل التربوي أولوية طويلة المدى، افترقت (السرورية) عن غيرها من التيارات الحركية الأخرى، سواء السلفية الجهادية، أو السلفية العلمية (أهل الحديث)، حيث رأت الأولى أن استغراق هذا الجهد الطويل في التربية هو إضاعة للوقت وتعطيل عن تحقيق الهدف، فاختارت المواجهة المسلحة المباشرة مع السلطة «الجاهلية» أو «القوى الصليبية الصهيونية». أما الثانية فترى أن استغراق الجهود الحركية في التربية هو انصراف عن الغاية الأساسية، وهي التبحر في طلب العلم الشرعي، وفهم منهج السلف على الوجه الصحيح، بدلا من إضاعة الوقت في أنشطة تربوية واجتماعية «لا تبني طالب العلم»، وقد عبرت عن ذلك مقولة عالم الحديث السوري محمد ناصر الدين الألباني «التصفية والتربية».
* غدا:
* محمد قطب يواصل مشوار أخيه سيد في تكفير المجتمعات الإسلامية
http://classic.aawsat.com/details.asp?section=39&article=772381&issueno=12955#.VDjtG1cq-Bw
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire