lundi 13 octobre 2014

(وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)) [سورة الزمر]


الغلاة العبّاد، الذين لا يتقون الله في حقوق الناس، لن يتقبل الله منهم أعمالهم بنص القرآن الكريم.
ها سنثبته من القرآن الكريم، ولكن أطلب سماع الحجة من القرآن ثم إذا أخطأت فقولوا أخطأ.
أولاً: من هم الغلاة الذين أقصدهم؟
ثانياً: ما الدليل؟
الغلاة الذين أقصدهم ليسوا أصحاب التخاريف من سنة أو شيعة، ليس المجسم ولا الحلولي ولا الصوفي ولا غيرهم من أصحاب الأفكار، إنما المغالي المعتدي، وهذا لا يعني أن الحلولي والمجسم ليسوا من الغلاة، ولكن قد يتقي المغالي إذا لم يتعدّ على حقوق الآخرين، إنما أقصد المعتدي على حقوق الآخرين. وهذا أيضاً لا يختص بالمغالي، لكن صاحب الغلو العابد قد ينخدع بعبادته، ويظن أن الله سيتقبل منه (مع أنه خارج دائرة المتقين الذين يتقبل الله منهم)..
بمعنى أن الظالم - الذي لا يعتقد غلواً فكرياً - لن يتقبل الله منه أيضاً، لأنه ليس من المتقين، ولكن مثل هذا الظالم لا يغتر مثلما يغتر الغلاة .
الغلاة أصحاب العبادة والدعوة والخطابة، ومع ذلك يعتدون على دماء الناس وأعراضهم، هم الذين ينخدعون بعبادتهم ويظنون أن الله سيقبلها منهم.
والآن سنثبت من القرآن الكريم أن هؤلاء العباد إذا لم توصلهم عبادتهم إلى التقوى (كف الأذى مع الإحسان) فلن يتقبل الله منهم أعمالهم وعباداتهم، وهؤلاء العبادة المعتدون قد تنجو منهم بعض الفرق (كالصوفية)، فالصوفي - ولو كان مغالياً - لكنه في الغالب لا يتعدى، غلوه مسألة الأفكار، فلا يعتدي.
أذاً فأغلب العباد - من أهل العلم والدعوة الذين لن يتقبل الله منهم - هم غالباً من التيارات المذهبية السياسية، وهؤلاء معروفون دون تحديد المذهب.
حتى تعرف أن الله لن يتقبل منهم لابد أن تعرف الفرق بين العبادة والتقوى، فالعبادة وإن كانت غاية الخلق، إلا أنها وسيلة إلى غاية أكبر (التقوى)، والله قال (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ولم يقل ( يتقبل من العابدين)، لأن الشخص قد يكون عابداً قاتلاً (كالخوارج)، وهنا عندما يأتي العابد من هؤلاء الغلاة وفي ذمته آلف من القتلى وأموال منهوبة وتكفير للبريء ورمي للأعراض وكذب وافتراء، فلا يكون من المتقين، والمتقون فقط هم من يتقبل الله منهم، وهم مرتبة فوق العُبّاد، والمتقي لا يظلم ولا يقتل ولا يغش ولا يسرق ولا يقذف، فهو من يتقبل الله منه.. ومن الطبيعي أن يتقبل ممن فوقه، كالشاكر مثلاً، فغاية الشكر فوق غاية التقوى، كما في قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فإذا أتى العابد المغالي بصلاة وصيام وحج وقراءة قرآن ثم أتى وقد سفك دم هذا وأكل مال هذا وقذف هذا .. فلن يتقبل الله منه عباداته..
 لماذا؟
لأن العبادة لها غاية، وهي التقوى، فالله شرع لك عبادته لتكون من المتقين، فإذا لم تحقق الغاية من العبادة فتصبح عبادتك غير منتجة ولا تُقبل.. فاسمعوا الدليل:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)) [سورة البقره]
لماذا الله طلب منكم العبادة؟
لماذا؟
لعلكم تتقون.. فما هو التقوى؟
هل هو العبادة؟
كلا.. ولن تجد في القرآن (اتقوا لعلكم تعبدون) أبداً.
فهل العبادة هي التقوى؟
كلا.. فالخلق ليس العبادة، وإنما وسيلة لها، وهي له غاية، كما أن العبادة ليست التقوى، وإنما وسيلة للتقوى، والتقوى لها غاية.
لا تصدقوا الذين يخلطون الأمور، فيجعلون التقوى هي العبادة وهي الصلاح وهي الذكر وهي الصلاة والصوم والحج.. هذا الخلط شيطاني ليلبس عليكم دينكم.. القرآن نظام دقيق والشيطان - حتى يحرمكم التعلم منه أو بناء نظريات معرفية منه - فهو يخلط لكم الغايات بالوسائل بوسائل الوسائل .. الخ، يلعب لعباً.
أنت عندما يكون في فناء بيتك شجرة فهي نظام كامل، فيها جذع وأغصان وأوراق وثمار .. فإذا قطعها جارك وسلمك إياها هل ستغضب؟
الجواب: نعم.
 لماذا؟
لأنها لم تعد شجرة.. فيها الجذع والأغصان والأوراق والثمار، لم تعد الشجرة نظاماً تتفيأ ظلاله وتستفيد من إنتاجه.. كذلك فعل الشيطان بالقرآن، لم يبقها نظاماً معرفياً أو منتجاً للمعرفة، قطع الساق والأغصان إلى فتافت، وخرص الأوراق وشقق الثمار، وجعل الجميع سواء في أكياس بجوار بيتك! ولذلك نجح الشيطان مع أكثر المسلمين، فالقرآن عندهم كالشجرة المقطعة في أكوام، لم تعد منتجة، وليس فيها ظلال وارفة ولا ثمار ولا حسن منظر.
أنت حاول أن تعيد الثقة في القرآن الكريم بأنه يمكن أن ينتج معرفة فوق المذاهب والتفاسير المذهبية والفتاوى والعقائد..
 تعلم منه يعلمك..
فلذلك اجمع الغايات في القرآن الكريم، ستجدها بعد (لعل) غالبا..
ً لعلكم تتقون..
 لعلكم تشكرون..
 ثم سيرتبها لك بدقة، كل غاية فوق آخرى، ولن يتناقض.
والغريب أنك لن تجد لعلكم تصلون.. لعلكم تصومون.. لعلكم تحجون.. لأن هذه وسائل من فروع العبادة، وهي غاية للخلق فقط، وهي وسيلة للتقوى، فالتقوى فوق.
الشيطان تمكن - بالرواية والحديث - من الانقلاب على (غايات القرآن الثماني عشرة كلها)! وأهمل ذكرها، حتى لا يكاد يعرفها أحد! وخلطها بوسائلها ولعب! ثم نقلنا الشيطان - بعد تغييب غايات القرآن - إلى وسائل جعلها أهم من الغايات.. كالصلاة والصوم والحج ، وهي فرائض بلا شك، لكنها كلها فروع غاية، وتلك الغاية التي من فروها الصلاة والصوم والحج ... هي أدنى الغايات، ففوقها غايات كثيرة جداً، أهم منها، كالتقوى والذكر والشكر.. الخ، لكن الشيطان احتال على تلك الغايات - وخاصة التقوى-  لماذا؟ لأن الله يتقبل من المتقين، وهو لا يريد أن يتقبل الله منك، لذلك شوش عليها وأخفاها.
والمتقون والتقوى في القرآن الكريم لهم عدة تعريفات متطابقة متناظمة متضافرة لا متناقضة، ولنأخذ أسهلها وأقصرها وننظر.. هل نحن من المتقين أم لا؟
قال تعالى (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)) [سورة الزمر]
تعريف عجيب مليء عميق وليس عند الغلاة!
فصاحب الغلو لا يأتيك بصدق إلا عرضاً، ولا يقبل منك صدقاً أبداً، ولذلك لا يكون المغالي من المتقين..
 لماذا؟
وما قيمة الصدق في تحقيق التقوى؟
الذي يأتي بالصدق ولا يقبل الكذب ويقبل منك الصدق ببراهينه لا يمكن أن يكون دموياً ولا ظالماً، إذن فهو يكف الأذى، فالصدق هنا ساقه إلى التقوى، وهذا بخلاف العابد المغالي، فهو يكذب ويحرف ويغالط ويخفي ويخون ويستعدي، وفي الجانب الآخر لا يقبل منك صدقاً ولا برهاناً ولا آية ولا حديثاً.
إذاً فالمتقي يتقبل الله منه لأنه يأتي الله سيلم الذمة - من القتل وانتهاك الحقوق - أما العابد المغالي فلن يتقبل الله منه لأنه طبعة أذى واعتداء.
إذاً قولوا للذي يفتي بقتل الأبرياء ويكذب على الآخرين ويفجر في الخصومة ويضيق بالصدق يستعرض عباد الله بسوء القول:
 ابشر لن يتقبل الله منك!
قولوا له:
أنت عابد.. فلماذا تعبد الله؟
إذا لم يقل لكم: أعبده لعلي أكون من المتقين فهو جاهل..
وإذا قالها لكم فقولوا: ما هو التقوى؟
إذا جاءكم بتعريف إنشائي فقولوا له تعال نستعرض آيات القرآن في التقوى والمتقين، فإذا رفض فهو كاذب، لأنك جئته بالصدق ولم يصدق به ولم يتبعه.
نعم.. إذا رفض فقل له: أنت كاذب، لست من المتقين، فالله يقول :
(وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(33)) [سورة ألزمر]
ونحن جئناك بآيات الله (ومن أصدق من الله قيلاً) ثم تكبرت عن معرفة التقوى من القرآن، وذهبت إلى تعريفات إنشائية موروثة تفضلها على تعريف الله.
قولوا له:
 أنت كاذب، لست من المتقين، ولو كنت منهم لقبلت الصدق عندما جئناك به، أنت تعبد مذهبك وأمراضك ومصالحك وكبرك وفخرك.. لا تعبد الله.
هل تعلمون الآن السر في الآية (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)؟
أرأيتم الترابط بين القبول والتقوى والصدق؟
ألم أقل لكم إن القرآن نظام محكم يبني معرفة تريح أصحاب القلوب السليمة؟!
هل تذكرون الآن (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)؟!
هل رأيتم الآن الترابط بين التقوى والصدق وكف الأذى والقلب السليم ... الخ؟!
وهكذا.. لو استعرضنا آيات العقل والقلب وحسن العمل.. الخ، الغلاة محرومون، حرموا أنفسهم من القرآن بالرواية، ومن الصدق بكراهيته، ومن العبادة بهجر بثمرتها وغايتها، هم الأخسرون أعمالاً، وهم الذين يحسبون أنهم مهتدون.
إذاً نعيد ونقول:

 لن يتقبل الله إلا من المتقين، فابحث عن التقوى ولا تغتر بالعبادة، فلن تفيدك بلا تقوى، ولب التقوى الصدق، فكن صادقاً تكن تقياً.

Aucun commentaire: