vendredi 19 février 2016

من روائع نزار القباني أوقفوني .. وأنا أضحك كالمجنون وحدي من خطاب كان يلقيه أمير المؤمنين كلفتني ضحكتي عشر سنين





 




أوقفوني ..
وأنا أضحك كالمجنون وحدي
من خطاب كان يلقيه أمير المؤمنين
كلفتني ضحكتي عشر سنين
سألوني وأنا في غرفة التحقيق ، عمن حرضوني
فضحكت..
وعن المال وعمن مولوني ..
فضحكت ..
كتبوا كل إجاباتي .. ولم يستجوبوني
قال عني المدعي العام , وقال الجند حين اعتقلوني :
أنني ضد الحكومة
لم أكن أعرف أن الضحك يحتاج لترخيص الحكومة
ورسوم ، وطوابع ..
لم أكن أعرف شيئاً عن غسيل المخ او فرم الأصابع
في بلادي
ممكن أن يكتب الإنسان ضد الله .. لا ضد الحكومة
فاعذروني أيها السادة إن كنت ضحكت
كان في ودي بأن أبكي .. لكني ضحكت
كنت بعد الظهر في المقهى .. وكان البهلوان
يلبس الطرطور بالرأس .. ويلقي كل ( ما يطلبه المستمعون )
عن حزيران الذي صار مع الأيام .. ( ما يطلبه المستمعون )
واحتفالاً مثل عيد الفطر والأضحى..
أراجيح .. وكعكاً .. وفطائر ..
وزيارات مقابر..
كنت أسترجع أفكار ، وكان المخبرون
كالجراثيم على كل الفناجين وفي كل الصحون ..
كنت أصغي كألوف البسطاء الطيبين
لكلام البهلوان
وهو يحكي .. ثم يحكي .. ثم يحكي ..
مثل صندوق العجائب
.. وتذكرت ليالي رمضان
وأراجوز الذي كان له ألف لسان ولسان
وتذكرت فلسطين التي صارت حقيبة
ما لها في الأرض صاحب
كان في حنجرتي ملح وحزني كان في حجم الكواكب
فاعذروني أيها السادة إن كسرت صندوق العجائب
وتقيأت على وجه أمير المؤمنين
وكبير الياوران
واسترحت ..
كان في ودي أن أبكي ..
ولكني ضحكت ..
نشروا في صحف اليوم تصاويري .. على أول صفحة ..
واعترافاتي على أول صفحة ..
فضحكت ..
قدموني للإذاعات طعاماً ولأسنان الصحافة
جعلوني دون أن أدري خرافة
ربطوني بالسفارات .. وأحلاف الأجانب
فضحكت ..
إنني لم أشتغل من قبل قواداً ولا كنت حصانا ًللأجانب
أنا عبد من عباد الله مستور ، ومغمور ، ومحدود المواهب
أسمع الأخبار كالناس .. واستقبل مأمور الضرائب
زوجتي طيبة القلب ولي ولدان
أبي حارب ضد الترك في الشام .. مات
وأنا لا أفهم في النحو .. وفي الصرف .. وفي علم الكلام
غير أني لم أعد أفهم من بعد حزيران الكلام
لم أعد أهضم حرف من أكاذيب أمير المؤمنين
صارت الألفاظ مطاطاً ..
وصارت لغة الحكام صمغاً وعجين
خدروني بملايين الشعارات .. فنمت
وأروني القدس في الحلم ..
ولم أجد القدس ولا أحجارها حين استفقت
فاعذروني أيها السادة إن كنت ضحكت
كان في ودي أن أبكي .. ولكني ضحكت
كنت في المخفر مكسوراً .. كبلور كنيسة
نافخاً (سورة ياسين) بوجه القاتلين
لم أكن أملك إلا الصبر .. (والله يحب الصابرين )
وجراحي .. كبساتين أريحا..
يمطر الياقوت منها .. ويضوع الياسمين
وفلسطين على الأرض حمامة
سقطت تحت نعال المخبرين ..
كنت وحدي ..
لم يزرني أحد في السجن ..
إلا جبل الكرمل ، والبحر ، وشمس الناصره
كنت وحدي ..
وملوك الشرق كانوا جثثاً فوق مياه الذاكرة
كنت مجروحاً ، ومطروحاً على وجهي كأكياس الطحين
أيها السادة : لا تندهشوا ..
كلنا في نظر الحاكم أكياس طحين
كلنا _ بعد حزيران _ خراف ..
نتسلى بحشيش الصبر .. (والله يحب الصابرين )
فأطال الله في عمر أمير المؤمنين
نائب الله على الأرض .. كبير العادلين ..
أيها السادة :
إني وارث الأرض الخراب
كلما جئت إلى باب الخليفة
سائلاً عن (شرم الشيخ ) وعن (حيفا)
و(رام الله ) و ( الجولان ) أهداني خطاب ..
كلما كلمته _ جل جلاله _
عن حزيران الذي صار حشيشاً .. نتعاطاه صباحاً ومساء
واحتفالاً مثل عيد الفطر ، والأضحى ، وذكرى كربلاء
ركب السيارة المكشوفة السقف .. وغطى صدره بالأوسمة
ورشاني بخطاب..
كلما ناديته : يا أمير البر ، والبحر .. ويا عالي الجناب
سيف إسرائيل في رقبتنا .. سيف إسرا .. سيف إسـ ….
ركب السيارة المكشوفة السقف .. إلى دار الإذاعة
ورشاني بخطاب ..
ورماني بين أسنان الجواسيس ، وأنياب الكلاب
فاعذروني . أيها السادة إن كنت كفرت
وصفوا لي صبر أيوب دواء .. فشربت
أطعموني ورق النشاف .ز ليلاً ونهاراً فأكلت
أدخلوني لفلسطين على أنغام ( ما يطلبه المستمعون )
أدخلوني في دهاليز الجنون ..
فاعذروني _ أيها السادة_ إن كنت ضحكت ..
كان في ودي أن أبكي ..
ولكني ضحكت

Aucun commentaire: