غيلان الدمشقي : مأساة
العقل العربي
غيلان الدمشقي : مأساة العقل العربي
غيلان بن مسلم الدمشقي ، اختلف في اسم
أبيه، درس على الحسن بن محمد بن الحنفية في المدينة، وكان من الوعاظ والكتاب
والخطباء المفوهين، وكان صاحب مدرسة فقهية سميت (الغيلانية) نادت بالإنسان حرا
مختارا في تصرفاته وصانعا لأفعاله لذلك يعتبره مناصروه، خاصة المحدثين، من أوائل
المنظرين لحركة التنوير وواحدا من أهم منظري الفكر السياسي في التاريخ الإسلامي,
إن لم نقل بأنه أهمهم جميعا مادام هو الذي أسس للفكر الديمقراطي ودافع عنه ودفع
حياته ثمنا لذلك. يروي
البغدادي أن الحسن بن محمد بن الحنفية كان يقول عن غيلان بأنه " حجة الله على
أهل الشام ولكن الفتى مقتول... " وهي شهادة من إسلامي كبير تشهد لغيلان
بمكانته الدينية الكبيرة وتتنبأ بمصيره... أما الذهبي فيقول عنه " غيلان بن
غيلان المقتول في القدر. ضال مسكين..
كان غيلان يقود المعارضة ضد الأمويين
في الشام, وكان ينتقد الدولة الأموية وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية والمالية,
فضلا عن عقيدتها الجبرية المعادية للحرية, والتي كانت تتأسس عليها شرعيتها. لذلك
كان غيلان من أشد المدافعين عن حرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله( وهو ما كان
الأمويون ومعهم أصحاب الحديث يحاولون التهرب منه), وهو ما جعله يتبنى وجهة نظر ديمقراطية
في قضية الحكم, ففي
الوقت الذي كان فيه الجميع يشترطون " القرشية " للحكم, كان غيلان يرفضها
فهي عنده ليست شرطا للإمامة. " بل تصلح لغير قريش. وكل من كان قائما بكتاب
الله والسنة كان مستحقا لها. وهي لا تثبت إلا بإجماع الأمة...
، وقامت الغيلانية بنشاط سياسي مهم ضد الأمويين وفي عاصمتهم دمشق
بالذات التي كان يسكنها غيلان، ولقد استعان به الخليفة عمر بن عبد العزيز في تطبيق
إصلاحاته السياسية والاقتصادية، وكذا في تصفية الأموال التي صادرها من أسرته
الأموية وردها لبيت مال المسلمين، وحول غيلان المزاد العلني للثروات المصادرة إلى
ما يشبه المظاهرة السياسية ضد الأمويين، حيث وقف ينادي جماهير الناس ويقول لهم :
تعالوا إلى متاع الخونة••• تعالوا إلى متاع الظلمة••• تعالوا إلى متاع من خلف
الرسول في أمته بغير سنته وسيرته• وقد وصلت هذه الكلمات العنيفة إلى مسامع هشام بن
عبد الملك، ( الذي سيصبح خليفة بعد اغتيال عمر بن عبد العزيز) فقال: هذا يعيبني
ويعيب آبائي, والله إن ظفرت به لأقطعن يديه ورجليه...
وتنقل لنا المصادر التاريخية رسالة من
غيلان إلى عمر بن عبد العزيز أرسلها له بعد أن أحس منه التهاون في تطبيق إصلاحاته
تحت ضغط أبناء عمومته من الأمويين, ويدافع غيلان في رسالته تلك عن حرية الإنسان
والعدالة الإلهية التي تستلزم العدالة الإنسانية, مستخدما في سبيل ذلك منهجا عقليا
في الاستدلال والاحتجاج, فيقول: " أبصرت يا عمر وما كدت ونظرت وما كدت, اعلم
يا عمر أنك أدركت من الإسلام خلقا باليا ورسما عافي, فيا ميتا بين الأموات ألا ترى
أثرا فتتبع ولاتسمع صوتا فتنتفع. طفا أمر السنة وظهر البدعة, أخيف العالم فلا
يتكلم ( قمع حرية التعبير) ولا يعطى الجاهل فيسأل ( لا يسمح له بالسؤال عما يجهل )
وربما نجت الأمة بالإمام, فانظر أي الإمامين أنت ( العادل أم الجائر) فإنه تعالى
لا يقول تعالوا إلى النار, إذا لا يبعه أحد ولكن الدعاة إلى النار هم الدعاة إلى
معاصي الله . فهل يا عمر وجدت حكيما ( يقصد الله ) يعيب ما يصنع أو يصنع ما يعيب؟
أو يعذب على ما قضى أو يقضي بما يعذب عليه؟ أم هل وجدت رحيما يكلف العباد فوق
طاقتهم أو يعذبهم على الطاعة؟ أم هل وجدت عدلا يحمل الناس على الظلم والتظالم؟ وهل
وجدت صادقا يحمل الناس على الكذب أو التكاذب بينهم؟ كفا ببيان هذا بين وبالعمى عنه
عمى...).
معارضوا الرجل ممن عايشوه، وسموه بما
وسم به المعتزلة وعلماء الكلام ممن ساروا على رأيه أو سار على رأيهم، فكان في
نظرهم مارقا، زنديقا، أو" قدريا"، أي من فرقة " القدرية " كما
أشر على ذلك مؤرخوا الفرق الإسلامية.
بعد تولي هشام بن عبد الملك عرش
الأمويين هرب غيلان إلى أرمينية وهو ينشر عيوب هشام و أخبار ظلمه وظلم بني أمية
اللذين يزعمون أنهم يحكمون بقضاء من الله وقدره وأنه لا مهرب من القضاء والقدر.
فأمر هشام بإحضار غيلان وحبسه,
استعدادا لقتله. ولأنه كان بحاجة إلى فتوى شرعية لقتله ( خصوصا مع ما كان يعرف به
غيلان من الصلاح بين الناس) التجأ هشام إلى أحد أهم أقطاب مدرسة الحديث الإمام
الأوزاعي, المحدث وصاحب المذهب الفقهي الشهير الذي لم يكتب له الاستمرار ( لحسن الحظ )...
ليحاكم غيلان ويكفره تمهيدا لقتله.
"ولما حضر الأوزاعي
قال له هشام : يا أبا عمر ناظر لنا هذا القدريّ ، فقال الأوزاعي مخاطباً غيلان :
اختر إن شئت ثلاث كلمات و إن شئت أربع كلمات و إن شئت واحدة. فقال غيلان : بل ثلاث
كلمات. فقال الأوزاعي : أخبرني عن الله عزّ و جلّ هل قضى على مانهى؟
فقال غيلان :
ليس عندي في هذا شيء. فقال الأوزاعي : هذه واحدة. ثمّ قال: أخبرني عن الله عزّ و
جلّ أحال دون ما أمر؟ فقال غيلان: هذه أشدّ من الأولى، ما عندي في هذا شيء. فقال الأوزاعي
: هذه اثنتان يا أمير الموٌمنين ثمّ قال : أخبرني عن الله عزّ و جلّ هل أعان على
ما حرّم؟ فقال غيلان : هذه أشدّ من الأولى و الثانية ، ما عندي في هذا شيء.
فقال
الأوزاعي:هذه ثلاث كلمات.
فأمر هشام فضربت عنقه.
ثمّ إنّ هشاماً طلب من الأوزاعيّ أن
يفسّر له هذه الكلمات الثلاث.
فقال الأوزاعي: أمّا
الأوّل فإنّ الله تعالى قضى على ما نهى ، نهى آدم عن الأكل من الشجرة ثمّ قضى عليه
بأكلها.
أمّا الثاني فإنّ الله
تعالى حال دون ما أمر، أمر إبليس بالسجود لآدم ثمّ حال بينه و بين السجود، و أمّا
الثالث، فإنّ الله تعالى أعان على ما حرّم، حرّم الميتة و الدم و لحم الخنزير، ثمّ
أعان عليها بالاضطرار..).
إننا هنا أمام أحد أكثر المشاهد
مأساوية وسخرية في التاريخ الإسلامي, حيث تتحالف السلطتين الدينية والسياسية
لتصفية المفكرين المتنورين حيث تتكفل السلطة السياسية بتصفيتهم ماديا في حين تلعب
السلطة الدينية ( وممثليها
من فقهاء مدرسة الحديث ) أكثر الأدوار قذارة: تبرير للجريمة...
فهل يجوز تكفير إنسان لأنه لا يعرف
أجوبة ألغاز مبهمة , فإذا كانت هذه الألغاز جزءا من الدين بل عماده ( مادام جهلها
يؤدي إلى الكفر...) فالأولى أن يكون الخليفة كافرا بنفس المنطق مادام هو الآخر لا
يعرف الأجوبة. لكن الأوزاعي بمنطق فقهاء الموائد ووعاظ السلاطين يحكم على الناس
دون الحاكمين, وهو منطق لا زال سائدا إلى اليوم.
المهم أن الخليفة حصل على ما يريد
فأمر بصلب غيلان يعد قطع يديه ورجليه وتعليقه بباب كيسان بدمشق. فتوجه غيلان إلى
الناس قائلا: " قاتلهم الله ( يقصد الأمويين). كم من حق أماتوه ( الحرية, العدالة...) وكم
من باطل أحيوه ( أيديولوجيا القدر...) وكم من ذليل في الدين أعزوه ( من أمثال ابن
أبي سرح...) وكم من عزيز في الدين أذلوه ( وعلى رأسهم الحسين بن علي الذي قتل في كربلاء...).
فغضب الأمويون الذين سمعوا هذا الكلام من غيلان وذهبوا إلى هشام يقولون له: قطعت
يديه ورجليه وأطلقت لسانه ( وهل هناك ما هو أهم عند المفكر من لسانه؟). إنه أبكى
الناس ونبههم إلى ما كانوا عنه غافلين. فأرسل إليه من قطع لسانه...) .وبقي كذلك
حتى مات وكان ذلك سنة 125 هجرية
محمد الكوخي
فقال غيلان : ليس عندي في هذا شيء. فقال الأوزاعي : هذه واحدة. ثمّ قال: أخبرني عن الله عزّ و جلّ أحال دون ما أمر؟ فقال غيلان: هذه أشدّ من الأولى، ما عندي في هذا شيء. فقال الأوزاعي : هذه اثنتان يا أمير الموٌمنين ثمّ قال : أخبرني عن الله عزّ و جلّ هل أعان على ما حرّم؟ فقال غيلان : هذه أشدّ من الأولى و الثانية ، ما عندي في هذا شيء.
فقال الأوزاعي:هذه ثلاث كلمات.
فأمر هشام فضربت عنقه.
1
|
|||||||
2
|
|||||||
3
|
|||||||
4
|
|||||||
5
|
|||||||
6
|
|||||||
7
|
|||||||
8
|
|||||||
9
|
|||||||
10
|
|||||||
11
|
|||||||
12
|
|||||||
غيلان الدمشقي : مأساة العقل العربي
..
...
محمد الكوخي
http://www.ahewar.org/m.asp?i=1856
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire