jeudi 26 juin 2014

ثبات بقلم: حمادي بلخشين

ثبات بقلم: حمادي بلخشين






ثبات بقلم: حمادي بلخشين




ــــــــــ 1 ـــــــ

ذات مرّة، أعلن جحا أمام ملأ من قومه عن عزمه شراء حمار.. حين قيل له :"قل إنشاء الله يا رجل" أجاب جحا بكلّ ليبراليّة: " و ما وجوب إنشاء الله، والمال في الجيب و الحمير في السّوق؟!"... في نفس اليوم، حين سئل جحا ــ و قد شوهد مهموما ــ :" لعلّ الحمار الجديد لم يرق لك؟"، أجاب " بالله عليكم، كيف لا يروق لي حمار لم أشتره أصلا... بعد أن سرق المال ...إنشاء الله؟!".




ما حدث لجحا، حدث تقريبا لمجموعتنا التى سماها النظام "جماعة المفسدين" ثم اصطلح على تسميتها أخيرا" بالمجموعة الأمنية".. فكما أن ثقة حجا بوجود المال و الحمير قد حملته على ترك الحذر، فان ثقة مجموعتنا العسكرية في إزاحة الدكتاتور الخرف قد حملتنا أيضا على إهمال إحتياطات أمنية منها البحث عن أمكنة إختباء العناصر الناجية من اعتقال لم نحسب له حسابا.. خصوصا و ان العملية كانت أيسر من جلب حمار من سوق قريب.. كانت العملية سهلة الى حدّ شبّهها بعضنا بقيام أحد عناصر المجموعة بسرقة بيته أو إغتصاب أمّ ولده!

كما فوجىء جحا بسرقة ماله، فقد فوجئت مجموعتنا العسكرية قبيل ساعات قليلة من ساعة الصفر، بوزير الداخلية الرّهيب و هو يسبقنا الى الإنقلاب على سيّده حين أيقن أنه لن يتمكّن من تفكيك الآلة الانقلابية (التي كشفها له عنصر منا قد أدركه الجبن)، دون أن تنفجر عليه.

ما حدث كان طريفا، لنقل جحويا الى حدّ بعيد..فبدل أن تنعم تونس الخضراء بإماطة دكتاتور خرف ها نحن نتطوع بكل غباوة في تشبيب دكتاتوريتها و بعث الحياة في شرايينها!

ـــــــــــــ 2 ـــــــــــــــ

كنت ضمن الناجين من الإعتقال.. تمّ ذلك بطريقة مضحكة كانت تنمّ عن غباوة آمر الوحدة، كما نمّت أيضا عن سياستنا العربية الكارثيّة في عدم إعطاء القوس باريها.. فبدل أن يكلّف آمر الوحدة من يجلبني الى مكتبه طوعا أو كرها ـ خصوصا وقد كان تحت تصرّفه أكثر من نصف ألف عنصر مسلّح


مستعّد لجلب أبيه مقرّنا في الأصفاد ــ خيّر الآمر الغبيّ الإتصال بي مباشرة! أنا ضابط الصفّ الذي لا يحقّ لي في سائر الأيام أن أحظى بمقابلة حضرته الا بعد طلب خطّي يوافق عليه خمسة من أصحاب الرتب الأدنى منه!

بلغت حماقة آمر وحدتي منتهاها، حين سألني هاتفيا عن منصف ثابت و هو ضابط لا يخفى تدينه و لا تربطني بها صلة مهنيّة، كما بلغ سخف آمر الوحدة سقفه الأعلى، حين أفادني بأنه قد سخّر لي سيارته الشخصية التي ستوصلني بعد دقائق قليلة الى مقرّ قيادته الذي يقع على مسافة ميلين من مكتب التجنيد الذي أعمل فيه!



كنت أطلق ساقيّ للريح وأنا أردّد المثل العربي "شرّ أيّام الدّيك يوم تغسل رجلاه"(1)، حين اصطدمت بالملازم اول منصف ثابت، بطل قصتنا وهو يصل متأخّرا الى مكتبه.. كنت أعلم أن الملازم أول منصف ثابت ينتمي الى مجموعتنا.. لم يحتج تعريفي له بنفسي غير كلمات مقتضبة تبادلنا فيها كلمة تعارف أعقبها إبلاغي اياه بالقبض على النقيب جواد عزمي، قبل ننطلق معا و لسان حالنا يقول" انج سعد فقد هلك سعيد!"

ـــــــــــــــ 3 ـــــــــــــ

بعد فراق الملازم اول منصف ثابت في يومي ذاك، ظللت لأكثر من أربعة أشهر و أنا نهب الخوف و التشرّد، إلى أن آواني جنديّ سابق كنت قد أشرفت على تدريبه بعد أن طرقت باب كوخه الجبلي الحقير.. لم أكن أتصوّر حين دخولي عليه بأنني سأجد الملازم أول منصف ثابت في ضيافته أيضا!.


كان سرور الملازم أول منصف ثابت بي جارفا بقدر ما كان سخطه عظيما على حركة النهضة التي قرّرت نفي من كان في وضعنا الى خارج أرض الوطن، بعد أن أعلنت ولاءها و ثقتها في الدكتاتور الجديد!..." هل يعقل أن أغادر تونس، وقد بذلت من أجلها ما بذلت، لأعيش في بلاد نصرانية تزوّج الذكر بالذكر؟.. قل لي بالله عليك، كيف سينشأ أولادي هناك.. و إن نجا أولادي، فكيف سيكون مصير أحفادي، خصوصا و أن اخوانيّة حركة النهضة و إستعدادها للقبول بأي حلّ سلميّ مع النظام، سيحتّم عليّ الموت في بلاد الغرب حتى لو عشت عمر نوح؟.. إياك اخي سامي أن تغترّ بوعود النهضة و الإخوان عموما، فانهم يقولون ما لا يفعلون.. هم كذلك منذ حياة مؤسّسهم حسن البنا.. لا تتعجب من مبادرة الشيخ راشد الغنوشي الى التبرؤ منا، فالعمل المسلح ليس من سياسة الإخوان.. ولولا ما اعتزمه بورقيبة من إعدام ثلاثين من قادة النهضة ما فكرت النهضة في عمل مسلّح.. فالعمل المسلح كانت غايته إنقاذ رقابهم من حبال المشانق.. فسياسة النهضة هي الوصول للسلطة عبر صناديق الإقتراع.. " حين واجهت الملازم أول بكتابات سيد قطب التّي تنظّر للثورة و للعمل المسلح ضحك طويلا ثم قال" يا أخي.. الله يهديك.. الشهيد سيد قطب هو قميص معاوية بالنسبة للإخوان، فسيد قطب مجرّد لافتة إشهار إخوانية لجلب الشباب الغرّ الى تنظيمهم، فهم يستغلون جهاد الرجل الكبير للترويج لمشروعهم الفاشل، و سيتنكرون له حتما و سيلعن الإخوان جد قطب السابع فور حصولهم على أول مقاعد برلمانية.. ثم ان تباهي الإخوان بجهاد سيد قطب و نهجه النبوي في التغيير لا يشبه سوى تباهي مومس بشرف مريم العذراء.. أنصحك بعدم مغادرة تونس. الموت بشرف أفضل من الغربة و الضياع في بلاد النصارى ".

كنت مغسول الدماغ إلى درجة اعرت فيها أقوال الملازم اول منصف ثابت أذنا من رصاص و أخرى من إسمنت مسلّح.. كنت وقتها مريدا متيّما "بمجّدد القرن الإمام حسن البنا"، خصوصا وقد همس لي مسؤول نهضوي كبير كنت التقيت به إثناء فراري، بما يفيد أن مسّا من جنون قد خالط الملازم أول منصف ثابت كنتيجة حتميّة لحالة الضياع و الإحباط التي يعيشها..لأجل ذلك فأن كلّ أقواله تؤخذ كي تهمل.


حين شدّدت حركة النهضة طلبها على الملازم أول منصف ثابت بمغادرة الوطن، طمأنها بأنه لن يورّطها بتسيلم نفسه حيّا مهما كان الثمن الذي سيدفعه.


ظللت نصف سنة كاملة رفقة الملازم اول منصف ثابت.. حكى لي أثناءها ما جرى له أثناء تشرّده الذي استمرّ ثلاثة أشهر، قبل أن يؤويه الجندي الشجاع.. كانت قصته مع الشيخ مفتاح، أكثر ما روى لي الملازم أول منصف ثابت مدعاة للضحك.. قبل أن يشرع في سردها على مسمعي، أخبرني بكثير من الحزن بأنه قد صاغها في ثوب أدبيّ منمّق سمّاه "المقامة الشتائميّة" و قد أحسن إخفاءها، و لكنه خلّفها وراءه إثر مداهمة أمنيّة لنزل حقير كان يعيش فيه متنكّرا، وإن كان يأمل في استرجاعها الى حوزته بمساعدة الجنديّ الشابّ الذي آوانا.



ـــــــــ 4 ــــــــ

بعد مرور عقدين مدمّرين على إقامتي في النرويج، و في صباح يوم شتويّ كئيب، عثرت في صندوق بريدي الذي اكتنفه الجليد من كل جانب، على رسالة تونسية بلا عنوان.. حين فتحتها، وجدت فيها دفترا باليا، حين قلّبته طالعني عنوان "المقامة الشتائمية"!.. لم أحتج الى طول تفكير، حتى أدرك هويّة من أرسلها.. مجرّد قراءة عنوانها أثار فيّ مواجع و شجونا لم أملك حيالها إلاّ الإنهيار على أقرب كومة ثلج ثم الشروع في النشيج!



كنت قد احتجت إلى أكثر من عقدين من الزمان كي أصدّق كلّ كلمة قالها الملازم أول منصف ثابت في حق الإخوان المسلمين و مشروعهم الذي مات قبل مصرع حسن البنا.. فهاهم قادة إلإخوان يقبضون" ثمن الدّم"(2) متمثلا في فتح ابواب البرلمانات بل و كراسي الوزارات بل و الرئاسة في و جوههم المقيتة، اثر احتفاء الغرب بهم بعد فتوى شيخهم القرضاوي بوجوب قتال المجند المسلم في أي جيش غربي ضد أبناء ملته في صورة إرساله رفقة قيادته النصرانية الي أي بلد اسلامي أثارت سياسته قادة البيت الأبيض.. و ها هم إخوان افغانستان يقفون ممثلين بوزراء كثر في صف أمريكا، وهاهم إخوان العراق ممثلين بطارق الهاشمي نائب الأول للرئيس العراقي يقاتلون في محافظة ديالى صفا الى صف بجانب القوات الأمريكية الغازية، و ها هم إخوان تركيا يضعون أيدهم" في يد إسرائيل، و يبادرون بزيارة القدس في خطوة لم يقدم عليها عتاة الساسة العلمانيين بعد أنور السادات، و هاهم أخوان تركيا ايضا يمدّون القوات الأمريكية بالعون اللوجستيكي وهي تعبر أرض تركيا بثمانين في المائة من الذخيرة التي يستخدمونها في بلاد الرافدين لقتل العراقيين، وها هم إخوان تركيا يضحّون بكل شيء في سبيل مناصب شكلية فاقدة لأي صلاحية، لا تؤهلهم حتى لسن قانون يتيح لطالبة مسلمة ارتداء خمار. وها هم إخوان فلسطين ـ حماس ـ ينسفون ـ عملا باتفاقية السلام ـ كل من وجه من أحرار الفلسطينيين بندقية نحو الصهاينة، و ها هو راشد الغنوشي رئيس النهضة يشيد بحكمة مجلس الحكم الإنتقالي في العراق في تعامله مع المحتل الأمريكي! و ها هو القرضاوي يسفّه كتابات سيد قطب في كل مجلس يعقده، كي يبعد عن جماعة الإخوان كل وصمة فكر جهاديّ تحوم حولها..


زاد بكائي حرقة حين خطر ببالي ان خيبة أمل المسلمين لم تكن الأولى و لن تكون الأخيرة.. ما حدث لجحا لا يختلف عما حدث للمسلمين.. حدّث جحا قال " رأيت في منامي حلما نصفه الأول حقّ و نصفه الثاني باطل، قيل له كيف ذلك يا أبا الغصن؟ " قال رأيت في منامي وكأنني عثرت على بدرة ملئت دنانير ذهبية ولمّا حملتها سلحت على نفسي من شدة ثقـلها.. وحين أفقت، وجدت النتونة و الرطوبة ولم أجد البدرة بين يديّ!.

ما حدث لجحا، حدث لأمتنا في صور متعددة..أولها مع إسلامنا..
حين انطلق المارد الإسلامي كإعصاركاترينا وهو يعصف بالدول ويطيح بالأمبراطوريات، ويخلع الجبابرة و المستبدين، و يرسي الأمن بين الخائفين.. كان حلم الإنسانية أن يتمّ ذلك الخير، و يشمل كل المعمورة، وتجمع أسلحة المجرمين الشرقيين و الغربيين وتنتهي الحروب الدينية و الطائفية والقومية، وتضع الحروب أوزارها، فتأمن البشريّة من خوف، و تطعم من جوع، و تعيش آمنة مطمئنة تمارس عقائدها بكل حرية تحت جناح النظام الرباني.. حين أفاقت الإنسانية من حلمها الجميل، وجدت إنقلابا أمويّا جاهليا عنصريا يخدم مصالح أسرة وحيدة! فقلبت كل الموازين، وضاعت آمال البشرية ، وطارت بدرتها الثمينة، كما تلاشت بدرة جحا و بقيت الإنسانية بما فيها الشعوب الإسلامية غارقة في النتونة والعفونة، خصوصا وقد أيّد الغباء السلفي أو برّر على الأقل نظرياّ ما أحدثه معاوية ميدانيا من عبث و تغيير و مسخ لديننا العظيم.

لما سقط كياننا السياسي سنة 1924 بتركيا، اتجهت الأنظار الى الشاطر حسن البنا.. شابّ مصري طموح التفت حوله الملايين من الأتباع المستعدين لبذل النفس و النفيس في سبيل إحياء الكيان الإسلامي المنهار على أسس قوية تضمن له أسباب البقاء..حلم المصريون و العرب و المسلمون بأن يقود حسن البنا شعبه المصري و من خلفه الشعوب الإسلامية الى ثورة حقيقية.. بعد فترة قصيرة أفاقت أمتنا العربية من حلمها لتجد فراشها اكثر تلوثا و أشدّ نتونة من فراش جحا!.. الذي حدث،ان ما حسبته الأمة لجينا قد تبين انه مجرّد تراب، بعد ما "أبدى الكير عن خبث الحديد".. لقد تبين أن حسن البنا كان مجرّد نسخة سلفية بائسة عرفت امتنا آلافا من أمثالها.. حسن البنا.. باختصار شديد، وقف مع الملك المنحلّ فاروق و سماه الفاروق العظيم.. كفّر كل من امتدت يده الي النظام الملكي بسوء.. أيّد دستور1923 الدستور العلماني الذي وضعه البريطانيون في مصر عوض الشريعة الحكيمة ثم وافق أخيرا على معاهدة 1936 التي تمنح بريطانيا وجودا شرعيا بمصر!
حين احتلت دول الغرب بلاد المسلمين ،كان على السلفية ان تنادي بقتال الكفار و إجلائهم فهبّ المسلمون لدحرهم فتحقق لهم ذلك..حلمت الشعوب العربية بدول ذات دساتير تعبّر عن ثقافتها ورؤيتها للحياة، كما حلمت بنظام عادل يحسن توزيع الثروات ويرحم شعبه.. بعد حين أفاقت شعوبنا الإسلامية على نتونة تسدّ عليها أنفاسها، حين التفتت حولها، وجدت مراحيض بشرية متنقلة تعتلى كراسي الحكم.. بيادق ذليلة لا تليق بها غير الكراسي الكهربائية، فقد تبين أنهم ألعن ألف مرة من المستعمر نفسه، ولا يختلفون عنه الا بلون البشرة. كما فوجئت شعوبنا بدساتير اروبية تحكمها بقانون هنري وميشال المخنثين و كاترين و جوزيفين العاهرتين.. فالمسلم الذي يجد زوجته تضاجع في فراشه شخصا غريبا كان عليه قانونيا ان يفرّ كالغزال، أو أن يقدّم للزاني كأس شربات، لأنه لو دافع عن شرفه فقتله الزاني فلا شيء على الزاني، لأن الزنا تم برضا زوجة (كل جرمها هو سوء اختيار المكان)و قد سقطت دعوى الزنا بموت الزوج صاحب الدعوي، ثم ان قتل الزاني للزوج كان دفاعا شرعيا عن النفس!

ذات 1979 أفاقت أمتنا الإسلامية على انتصار الثورة الإيرانية، حسنا، هذا شاه إيران قد سقط، ستتبعه شياهنا بكل تأكيد.. إزاء تهديدات الخميني بزوال دولة اليهود، اعتقد الكثيرون أن وجود إسرائيل أصبح مسالة وقت لا اكثر ولا أقلّ!.. حين أفاق المسلمون، وجدوا في كل بيت خرية إيرانية أعرض من مؤخرة جلال الطالباني..هذا ابن يلعن الصحابة، وهذه ابنه تتهم الشريفة عائشة بالفاحشة، وهذه إيران تتعامل عسكريا واقتصاديا مع اليهود و توالي امريكا في العراق و افغانستان، و هذا حسن نصر الله يثني على تأييد مراجع العراق للإحتلال الأمريكي هناك!
" ما حدث لجحا حدث لي على المستوى الشخصي، كنت احلم بمجتمع تظلله شريعة السماء فاذا بي أنفى الي بلد الإباحة و الشذوذ لأعيش بين طابقين يحتل أعلاه لوطي و أسفله سحاقية!

سقوط يوسف القرضاوي، كاهن الإخوان، دفعني الي قراءة سيرة شيخه البنا... سقوط حسن البنا دفعني الى البحث عن المنظومة السلفية التي صنعت فكر البنا المدمّر.. صرفت سنوات عديدة وصلت فيها الى قناعة ان الفكر الطائفي لا الأسلام ، هو الذي يقدّم للناس على أساس انه دين محمد !..اذا نظرنا الي بلاد المسلمين وجدنا طائفتين: سنة وشيعة... طائفة السنة تؤمن بالحكم الوراثي، أي باختيار الحاكم على اساس عنصري( من قريش) أو على أساس بلطجي ( اعطاء الشرعية للحاكم للإنقلابي الناجح ـ المتغلب ـ).. وهذا أول الوهن.

ثاني مصائب الفكر السنيّ، إيمان كهنته ومفسريه و منظريه بان الشورى غير ملزمة للحاكم، بمعني انها شكلية. والنتيجة المريعة: ان الحاكم الوراثي المدلّل قد اعطي أيضا، حق فيتو مجّاني لإفساد نتيجة كل شورى تصبّ نتيجتها في صالح الأمة. فاذا قال الشعب" نعم لشيء ما"،فيكفي الحاكم الوراثي مجرّد قول"لا"، حتى يفسد نتيجة الشورى. و الحصيلة الكارثية: تنصيب حاكم في شكل وحش مطلق السراح، لا يسأل عما يفعل. هذا مع العلم ان الرسول، لم يثبت عنه قط ّ، انه استشار صحابته ثم عمل بغير رأي أغلبيتهم، ولو خالف راي الأغلبية رأيه!

ثالث المقاتل السنية،اعتقادهم بالإجماع الحنبلي والأشعري، ان افعال المرء مخلوقة، ولا قدرة له عليها، اي انها من صنع الله!! في نهاية المطاف،ايمانهم بالجبرية المطلقة ( معاوية اول من أرسى هذه العقيدة المميتة، فحين رجع من حربه لعلي رضي الله عنه صّرح بان القدر و إرادة الله هي التي حملته على كلّ ما فعل! )
رابع الكوارث السنية، اعطاء الحاكم الوراثي والدكتاتور(والذي يعتبر هو ذاته من اعظم المنكرات التي يجب اماطتها) صلاحية تغير المنكر باليد دون سواه! اي انهم قد سل{موا السمّ الى الجرذان التي تعيث في البيت فسادا، ثم قالوا لها :استعمليه متى يحلو لك ذلك! و في الوقت الذي يناسبك.. تصبحين على خير!
خامس الدواهي السنية، تحريمها الخروج على الحاكم الفاسد ـ وأخيرا، المبدل لشرع الله والمظاهر لليهود و النصارى ـ ولو سجد ذلك الحاكم لصنم، ما دام يقول لا اله الا الله .كما جعلوا الخارج عليه ملعونا في الأرض و السماء. ففي حين اعتبر القرآن الكريم ان الركون للظلمة و عدم تغيير الظلم السياسي بشتى الوسائل( الإستضعاف) يدخل صاحبه النار، حث البخاري على الصبر على ظلم الحاكم، وزودها ابن حنبل حبتين حين حرّم على المسلم ان يبيت ليلة واحدة وهو ينكر شرعية حاكمه السفّاح!

سادس الكوارث السنية...(على، فكرة لا علاقة لسنة الرسول التي تفسر القرآن الكريم وتوافق آياته، بتسمية هاته الفرقة) تعزية المظلومين من خلال ايهامهم بحصول تغيير خارجي يتمّ عن طريق مجدد قرن( لم يتقن شيئا قدر اتقانه التغيب عن موعد قدومه) او المهدي او المسيح. ففي حين يخبرنا الله بانه "لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم" يصرّ الفكر السنّي على ان التغيير سيتم و نحن نيام، ومن قبل قوى غيبية...وفي حين يؤكد الله تعالى ان الرعية الفاسدة تعاقب بحاكم أفسد و ألعن (و كذلك نولى الظالمين بعضهم بعضا بما كانوا يكسبون) يوهم الفكر السني اتباعه بان الفساد السياسي يعالج ربانيا بمهدي أو مجدّد قرن يملأ الدنيا عدلا.لأجل ذلك سقطنا في الحضيض ولو لم يوجد اليهود و النصارى وكل " أعداء الإسلام" لأستعمرتـنا الفقمات ولأستضعفتنا طيور البطريق، ما دامت المنظومةالسنية تمتلك هذا الكمّ الهائل من مؤهلات السقوط وهذا القدر المفجع من قابلية الإمتطاء و الإستعباد.

اما طائفة الشيعة فهي عمياء تماما، اذا قيست بالفكر السني الأعور. فهي تؤمن باختيار الحاكم على اساس عنصري(اهل البيت) كما تعطي لأئمتهما صلاحية حساب الناس يوم القيامة، كما نسبت اليهم تلقي الوحي و معرفة الغيب و الإطلاع على ما في الصدور، كما اضافت الى سقوطها الإيمان بتحريف القرآن ثم تكفير صحابة الرسول و اتهامهم بانهم خدعوا الله تعالى حين اثنى علي ايمانهم و الحال انهم لم يؤمنوا في حياتهم قط !
خلاصة الأمر ،لا خير في السنة ولا الشيعة .فالطائفتان موجودتان معا في الفراش الأمريكي، كما انهما لا تخدمان قضايا المسلمين، بل تخدمان الجنرالات و الملوك و كهنة الشيعة الحاكمين في إيران.

ـــــــــــــــــــــ 5 ـــــــــــــــــ


حين استرجعت بعض هدوئي: فتحت الدفتر فطالعني ما كتب الملازم اول منصف ثابت: "

في بداية أمري توغلت في الغاب و عاشرت الضبع، ثم ما لبثت أن استوحشت فغلب عليّ إلتماس الأنس لأن الإنسان مدنيّ بالطبع، خصوصا وقد داهمني فصل الشتاء، وما يوعد به من برد و أنواء، فأنحرفت الى أقرب قرية و بقيت ثلاثا أرصد سكانها ثم أجوس ليلا بين أزقتها و جدرانها، حتى أطمأن قلبي الى خلوها من زبانية النظام، و كلّ جاسوس نمّام.

لما كان اليوم الرابع، دنوت سحرا من مصلّى القرية، حين شق الصمت سعال حادّ متواصل علمت انه ينتاب إمام مسجد في غدوه و رواحه. لم ألبث إلا هنيهة حتى رأيت الإمام يتقدّم بخطى وئيدة فتأخّرت قليلا ريثما يتخطّاني دون أن أشعره بمكاني.. ما إن تجاوزني بخطوتين، حتى رأيت ملثّما يسدّ الطريق دونه صائحا به " أين المفرّ يا أنجس بشر؟ " ما إن أتمّ الصائل كلامه حتى استلّ سكينا ثم عمد الى الشيخ فطرحه أرضا ثم افترشه وهو يقول بين لطمة و اخرى" ادع ربّك لو كان قادرا على انقاذك " حينذاك ذهلت عن محنتي و غادرت مخبئي مسارعا بضرب يد الصائل بكيفيّة أسقطت منه السكين ثم ركلته ركلة طوّحت به بعيدا قبل، أن أتوجّه الى الشيخ اللطيم، مفسحا المجال للزنيم كي يفرّ حتى لا أورط نفسي في سين و جيم. وقد شكر الإمام جهدي في إنقاذه من شخص ضلّ عن الطريق و فقد رشاده. ثم قدته الى المسجد حيث

صلينا الفجر معا، بعد أن أمرني بالغسل و التشهّد من جديد، لأنني كنت كافرا بترك الصلاة، بعد أن أوهمته بأنني لم أركع في حياتي لا في يقظتي ولا في سباتي، حتى أعمّي عليه أمري، و أضلله عن سرّي. و قد أوهمت الشيخ مفتاح( وهو اسم الكلب النبّاح) و نحن في طريقنا الى بيته بأنني فقدت شغلي منذ شهرين أو أكاد، فهمت في البلاد بحثا عن عمل أسدّ به جوعتي فعرض علي العمل تحت إمرته و مشاركته المؤقتة شقته، قبل الإنتقال للسكنى في مزرعته حين تقدم ابنته بعد فراغها من دراستها الجامعية التي ستسبق قدوم زوجته من زيارة ابنها في السعودية. و قد كنت بين يدي الشيخ كالميت بين يدي غاسله، فلم يسمع مني غير "عظيم و نعم" رغم تخبطه في العمل و إسفافه في الكلم، فقد كان الشيخ سلفيا غبيّا و متزمّتا وهّابيّا لا يفهم الدين الا تحمل الرعيّة لسع الجمر، و طاعتها وليّ الأمر، حتى لو جار و خرّب الديار. " فالدنيا يا ولدي دار بلاء، و مملكتنا ليست في الأرض بل في سابع سماء، هكذا علمنا سلفنا الكرام فسلطان غشوم خير من فتنة تدوم. فسبحان من ولّى حكامنا مقاليد الأمور، فأعطاهم السياط و أعطانا الظهور" (ثم وهو يسرّ لي) " لأجل ذلك سعيت يا أبا شجاع، الى التبليغ و الإيقاع بكل مواطن ذي إجرام يستهدف النظام، و لا ريب أن الزنيم الذي استهدفني منذ حين،كان قريب خارجيّ لعين قد حلّ به القصاص فكان عبرة للناس، فما ذنب مفتاح المسكين ان كان قد أغضب المجرم حزمي في قمعي أعداء الدين؟ " قلت في نفسي" لا بد أن أداريك علني أجهض بعض مساعيك، فأكون كأمّ موسى في قصر فرعون ترضع ولدها و تأخذ أجرها"... و عند وصولنا البيت، خصّص لي الشيخ مفتاح شقّة أنام فيها، فطاب لي المقام، و نسيت ما كابدت من آلام. و قد تبيّن لي أثناء إقامتي مع الشيخ مفتاح، خلوص نيته في التبليغ بأهل الغيرة و الكفاح، فقد كان يدفع بهم الى المنيّة و مسالخ الداخلية بحسن نيّة، ظنا منه انه يخدم الإسلام بتقربّه بدماء هؤلاء من النظام. فلطالما سمعته يدعو باكيا أثناء السّحر "اللهم دمّر أعداء النظام، و اجعلهم عبرة للأنام، اللّهم أعن فخامة رئيس الجمهورية الذي اصطفيته قائدا للرعيّة، على الخوارج الملاعين أعداء الملّة و الدين". وقد سعيت الى إرضاء الشيخ السّفيه عبر العمل بما كان يرضيه، فحلقت هامتي ولبست عمامتي، و قصّرت ثوبي و أكثرت من صلاة النوافل، كما جاريته في مدح النظام و الإشادة بالظلاّم، كما بالغت أيضا في مدحه بمناسبة و غير مناسبة بقولي له "يا حجة الإسلام و يا ركن النظام" حتى انني ذات نفاق قلت فيه شعرا طويلا أذكر منه قولي:


خلقت لكي ترأس العالمين
بما قد وهبت من الإستقامة

فما علم أحمد و الشافعيّ
بجانب علمك غير قــلامـة
و لو في قريش ولدت قديما
لكنت أحقّ الورى بالإمامة !

بعد أسبوع من مقامي عند الشيخ مفتاح، قدمت علينا ابنته "سماح" و ذلك بصفة استثنائية، بعيد إغلاق الجامعات التونسية، إثر شغب طلابيّ أعقبه تدهور أمنيّ، وقد راعني جمالها فرغبت في وصالها. و حين كلّمت أباها زوجني إيّاها. لكنني في ليلة العمر وجدتها غير بكر، و حين استنطقتها أخبرتني بان ابن خالتها عمارة قد أفقدها البكارة بعد أن خدعها بمعسول الكلام، و هيّأ لها أنه فارس الأحلام. فتغاضيت عما سلف منها من زلات و الحسنات يذهبن السيآت، خصوصا وانّ وضعي العجيب، قد فرض علي العمل بقول الأديب" "دارهم ما دمت في دارهم، و أرضهم ما دمت في أرضهم" فإن كان زواجي قد تمّ في خفية عن النظام، فان طلاقي ــ الذي يقتضي منّي الظهور ــ سيجرّني إلى منصّة الإعدام!
وقد أثلج زواجي صدر الشيخ مفتاح، الى حدّ قوله ذات غمرة إنشراح:


رزقت بصهر خلوق وسيم
و أشجع من عنتر أو أسامة(أسد)

فمن حبّه سنة المصطفى

أقام الصلاة و أرخى العمامة

و آمن أن الاله اصطفى
رئيس البلاد لنيل الزعامة
و أن ذنوب الرئيس هباء
اذا لـــقي الله يوم القيامة

ففي وسع حاكمنا قتل ثلث
من الشعب دون أقلّ ملامة
فكلّ خطاياه مغفـــــورة
كما صحّ عن جعفر عن دلامة

لأن الإلــــه اصطفاه علينا
و قـــــلّده الحكم بعد الإمامة
وآمن أنّ النساء سلبـــن
عقولا ودينا مع الإستقامة
كما أنّ كوكبنا يستقرّ
على قرن وعل عظيم الجسامة
كما صحّ ذلـــــــــــــــك عن أحمد
و أعنى بن حنبل رمز الفهامة!

فطوبى لدهر حباني بصهر
فنعم العطاء و نعم الكرامة

في الأسبوع الثالث من شهر العسل أصابتني حمّى شديدة غيبتني عن وعيي أيّاما عديدة، و في اليوم السادس أفقت مرعوبا على طلق ناريّ هز ّ أركان البيت، حين فتحت عينيّ و جدت عروسي المسكينة تجثم فوقي وهي مضرّجة بدمائها و المقدّم اللعين عمارة الحمزاوي يقف وراءها وهو يستعد ثانية لإطلاق النار بعد أن فدتني المرأة بجسدها، وهي تتوسل إليه الاّ يفعلها، لإعتقاد المسكينة أن لا صلة لي بشخص "ارهابيّ" كان يبحث عنه. وقد علمت من الشيخ مفتاح أن الضابط اللعين قد استغل غيابي عن وعيي لقتلي في الحين، و ذلك فور تعرفه عليّ، فقد كان المقدم عمارة زميلا لي في الأكاديمية العسكرية قبل زواجه من ابنة وزير الحربية مما رشّحه (بالإضافة الى دمويته) ليكون الساعد الأيمن لوزير الداخلية. و رغم وهن جسمي فقد تمكنت من السيطرة على الضابط الأذلّ، ثم تصفيته بلا وجل، و لسان حالي يردد " أنا الغريق فما خوفي من البلل" خصوصا بعد أن تبين لي وفاة سماح و مآل أمري الى إفتضاح.


حين هممت بمغادرة الشيخ مفتاح قال لي الوقاح:" هب لي يا شقيّ فرصة أعبّر لك فيها عن كراهيتي" فقلت له :"يا أهوج أنا إليها منك أحوج، فأنت أبغض إليّ من الشيطان، يا أوسخ من نطق بلسان. فلطالما ــ يا حثالة ــ قد سكتّ عنك و أنت تحشو رأسي بكلّ سخف و زبالة".. وهذا بعض ما احتفظت به الذاكرة من تلاسن بلغ حد التّلاعن:

ـــ يا عدّو الجماعة، و شاقّ عصا الطاعة .
ــ يا حياة بلا أمل، و يا إستحاضة في شهر العسل!
ـــ يا أضرّ من ثعبان، و يا أكفر من موشي ديان.
ـــ يا نعل السلطان، و أنجس من خان، فلو بعث خير الأنام، لظاهرت عليه النظام.
ـــ يا عابد الكراسيّ و مريد الخناس...رميت في سقر، و بليت بالعور.
ـــ يا كاهن النظام و مطيّة الظلاّم، ليتني تركت الرجل يقتلك و الى جهنم ينقلك.
ثم أنشدت من فوري:
أيا ليتني كنت عنك بعيدا
سويعة طوردت بالماضية(3)
و يا ليته شقّ منك الفؤاد
و يا ليـــــتها كانت القاضية!
ــ يا مضلّ الشباب و يا مسيلمة الكذاب، رزقت ببلية و احتوشتك زبانية الداخليّة.
ـــ صه يا فاسد، يا أنتن من ماء راكد.. يا أحــــنّ على النظام من والد و يا أسخف من عمر خالد.
ـــ يا معارض أمر الله، و يا ألعن من سواهّ. أعمى الله بصرك بعد بصيرتك و اسكنك جهنم بجريرتك.
ـــ يا إمام المفسدين و معرّة العابدين، لقد ضلّ من استهداك، و خسر من استرعاك. و من طمع من نفعك و أمل في رفدك كمن استمطر النيران و استفحل الخصيان...
بعد ذلك غادرت المكان و أفلت في الإباّن، ميمّما وجهي شطر الغابة. وهبت و اياكم الإنابة".

حين فرغت من المقامة ترحمت على الملازم الأول منصف ثابت، بكيت على نفسي طويلا، أي ثابت كان.. لقد توفاه الرحمن بعد سنتين من مغادرتي تونس ــ الطغيان.. لم يلق سلاحه حتى لقد أردى خمسة من زبانية النظام قبل ان يردى قتيلا... لقد كان حقا من طراز " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه و ما بدّلوا تبديلا"(4).

أوسلو 29 أكتوبر 2010
ـــــــــــــــ
(1) أي يوم يهيئ للذبح
Bloodmoney(2)المال الذي ياخذه القاتل المأجور.
(3) الشفرة.
(4) قرآن كريم.

Aucun commentaire: