الهوية والتراث
نادي الحصن الثقافي
الهوية والتراث
20 من رجب 1424
الموافق 17/9/2003
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الحضور!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
ابدأ بتقديم الشكر لكم جميعاً واثني بالشكر ايضاً للقائمين على هذا المنتدى!
((قال رب اشرح لي صدري* ويسر لي أمري*واحلل عقدة من لساني*يفقهوا قولي))
في البدء لا بد من وضع التساؤلات الآتية:
* ماذا تعني كلمة الهوية؟
* ما المراد بكلمة التراث؟
* هل من علاقة ضرورية بينهما؟
* لماذا الحديث عنهما؟
* هل يمكن تصنيف الحديث عنهما بانه مجرد ثرثرة ؟ تضاف الى ثرثرة العالم اليوم بعد الانفجار المعلوماتي الرهيب، والتقدم الهائل في الاعلان والاعلام، ومستجدات تكنولوجيا الطباعة.
* ما المراد بكلمة التراث؟
* هل من علاقة ضرورية بينهما؟
* لماذا الحديث عنهما؟
* هل يمكن تصنيف الحديث عنهما بانه مجرد ثرثرة ؟ تضاف الى ثرثرة العالم اليوم بعد الانفجار المعلوماتي الرهيب، والتقدم الهائل في الاعلان والاعلام، ومستجدات تكنولوجيا الطباعة.
كلمة الهوية مصطلح حديث جداً منسوبة الى هو تحديداً، وهي تعني ادراك تميز هو عن الآخر، كلمة هو في هذا السياق ليست (هو) ضمير الغائب المعروف باللسان العربي الدال على الحقيقة المشخصة (شخص) هي كلمة دالة على التمايز او السمات في أمة دون غيرها من الامم.
الامم لا تتمايز بالعرق، (فكلنا لآدم وآدم من تراب). تتمايز الامم عن بعضها بنهج فكرها،
ونظم حياتها، وطراز عيشها، وموضوعة قيمها، ونظرتها لنفسها والعالم حولها،
تلك هي المحددات التي تعين هوية أمة ما عن غيرها من الامم.
من الخطل
ان ينظر للامم من خلال المشترك بينها أي الحالة البشرية صورة اللحم والدم
(الحياة البيولوجية) (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم
شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عن الله اتقاكم إن الله عليم خبير)
(الحجرات: ١٣) فالآية نص على المشترك، والآية ذاتها نص على التمايز،
والامران مدركان بدون إعمال نظر، او حاجة لبصيرة، فالمعنيان واضحان على
درجة عالية من الشفافية حسب المصطلح الوافد الجديد.
الصورة المشتركة وواقع التمايز موجودان في الافراد كما هما في الامم، وإذا كان علة وجودهما في الافراد هو البشرية - أي المورثات - فلا يمكن بأي حال من الاحوال رد الافتراق في الامم الى صورة اللحم والدم، وصورة الافتراق بسبب اللحم والدم مركوزة في ذهن الغرب - منذ تطلع الغرب عبر الرومان البرابرة القدماء الى السيطرة والهيمنة على العالم - ومن هنا يمكن تفسير قول
رديارد كبلنج في منتصف القرن المنصرم في واحدة من قصائده: الشرق شرق
والغرب غرب ولن يلتقيا، يقصد ان الشرق عنوان التخلف والحقارة، والغرب عنوان
التقدم والرفعة، وقد ردّ عليه شاعر حيفا بقصيدة رائعة منها البيت التالي:
الشرق شرق عزة ومهابة والغرب غرب خسة وهوانا
صورة
الافتراق في الافراد ترجع الى البشرية وهي تدرك فردياً، لكن صورة الافتراق
في الامم لايمكن حسابها من خلال الافراد، فمعرفة الافتراق تعود الى ادراك
مجمل الامة في سيرورتها الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية والعلمية
والقيمية أي في جملة الحركة الحضارية التي عليها تلك الامة.
ويمكن ايضاً فهم سيرورة الحضارة الغربية على ضوء ما جاء في كتاب قصة الحضارة ل (ول ديورانت) جزء ٨ ص ١٩١، ناقلاً عن المؤرخ بولبيوس ما يلي: (من
ذا الذي تبلغ به الحقارة او البلادة حداً، لا يريد معه ان يعرف بأية
وسائل، وفي ظل أي نظام سياسي، افلح الرومان في ان يخضعوا لسلطانهم في اقل
من خمسين عاماً جميع العالم المعمور؟) ويعلق صاحب قصة
الحضارة بعد ذلك بما يلي: (ولقد حاولنا في الفصول السابقة ان نظهر ان السبب
الرئيسي الذي يسّر للرومان فتح بلاد اليونان، هو انحلال الحضارة اليونانية
من الداخل، ذلك ان ما من امة عظيمة قد غلبت على امرها، الا بعد ان دمرت هي نفسها)
ويقوم بعد ذلك بتعداد مظاهر انهيار الحضارة اليونانية على يد اليونان
انفسهم. يقول صاحب قصة الحضارة بعد ذلك: ( في الوقت الذي كانت فيه الدولة
الصغيرة (يقصد روما) القائمة على ضفاف نهر التيبر، والتي كانت تحكمها
ارستقراطية صارمة بعيدة النظر، تدرب جحافلها القوية المجندة من طبقة
الملاك، وتتغلب على جيرانها ومنافسيها، وتستولي على ما في البحر الابيض
المتوسط من طعام ومعادن، وتزحف عاماً فعاماً على المستعمرات اليونانية في
جنوب ايطاليا، لقد استغاثت المدن الايطالية برومة فأغاثتها والتهمتها.
لقد كان هم روما السيطرة على العالم، وهذا خط سيرها باختصار كاشفاً ذلك: صارعت روما طويلاً قرطاجة، من اجل السيادة على غربي البحر المتوسط، نتج عن ذلك ان تنازلت قرطاجة لرومة بعد حرب دامت جيلاً كاملاً عن سردينية وقوريسقا، والاجزاء التي كانت لها في صقلية، ولم يحل عام ٢٦٠ ق.م
حتى كانت صقلية كلها قد سقطت في يد رومة، وتحولت الى مزرعة من اهراء روما،
يورد الحبوب، يقوم بالعمل تقريباً عبيد لا آمال لهم في الحياة، ووضعت روما
القيود الشديدة على الصناعة والتجارة، ونقلت ثروة صقلية الى روما، ونقص
عدد سكانها كثيراً، واختفت صقلية من تاريخ الحضارة مدى الف عام.
بعد ذلك اتجه
توسع روما شرقاً ، فتوسعت في البانيا، ثم في اليونان، ورحبت اثينا وكورنث
القصبتين اليونانيتين برومة وعدتها منقذة لها من اعمال القرصنة الاليرية،
لم تستطع رومة قتل خصومها بالضربة القاضية، وإنما هي الحرب الضروس الشرسة
الفاقدة لكل معاني الانسانية، والحرب سجال ولكن النتيجة النهائية كانت
لصالح رومة، ففي عام ٢١٦ ق.م مزق هنيبال القائد القرطاجي الجيش الروماني شر ممزق،
وقد زحف بجيشه حتى دق ابواب رومة، لكن رومة لم تندثر، لقد زحفت الى بلاد
اليونان لتطرد منها، ثم لتعود اليها، الى ان استقرت نهائياً في السيطرة
التامة عليها عام ١٤٦ ق.م بعد استيلاء مميوس على كورنثوس المدينة الغنية،
لقد اشعل الفاتحون الرومان النار في كورنثوس مدينة التجار والعاهرات،
وذبحوا جميع رجالها، وباعوا جميع نسائها واطفالها في اسواق الرقيق، وقد
زامن ذلك ان قائداً رومانياً آخر هو
سبيو قضى بتدمير قرطاجة، ونقل مميوس الى يطاليا كل ما استطاع نقله من
الاموال ومظاهر الثراء، ومنها جميع التحف الفنية التي كان الكورنثيون
يجملون بها بيوتهم ومدينتهم، ويحدث بولبيوس ان الجنود الرومان كانوا
يستخدمون الرسوم الفنية ذات الشهرة العالمية لوحات في لعب الداما او النرد
تلك هي نهاية الحضارة اليونانية، والمقولة المأثورة ان الحضارة لا
تموت، ولكنها تهاجر من بلد الى بلد، فهي تغير مسكنها وملبسها ولكنها تظل
حية، وموت إحدى الحضارات او اندثارها يفسح المكان لنشأة حضارة اخرى،
وهكذا فسحت الحضارة اليونانية المكان لنشأة الحضارة الرومانية، تلك
الحضارة التي لا تزال ثاوية وحاضرة في الحضارة الاوروبية الامريكية الحديثة
وفي كل مراحلها.
كان لابد
من نقل هذه الفقرة بتمامها، إذ هي تكشف دواعي ما يعاين الآن وما يجري في
العراق وفلسطين وغيرهما على امتداد سطح هذا الكوكب، فالحضارات إذ تتحرك في
الحياة فهي تتصل اتصالاً وثيقاً بتراثها الخاص وخط سيرها المتميز عن غيرها،
ولا يخدعنكم الجعجعة الممارسة من قبل اهل الاعلام في الحضارة الغربية من
كونها حضارة تبذل جل همها في حماية الشعوب من نظم الارهاب والاستبداد
والقتل، كل ما تريده تلك الحضارة هو سيادتها وهيمنتها لا غير.
هوية امتنا ليست هوية غيرنا،
واستبدال هوية الامة بهوية غيرها، طلباً لما عند اصحاب تلك الهوية من
منجزات تكنولوجية او من شعارات للتقدم والحرية وزوال الاستبداد ووجود نظام
سياسي يؤدي الحقوق، كل ذلك لن يكون الا ضرباً من الاحلام وحالة من العبث،
وهذا ما كشفه ويكشفه مسارنا مع هذه الحضارة ردحاً طويلاً من الزمن بلغ
قرنين من الزمان، فهل ستبقى الامة تسير القهقرى عقداً بعد عقد وتعيش الذل
والهوان؟ ام تعود لتكتشف ذاتها الضائعة في ركام المقولات؟ ام تننكب عن خط
سيرها وتستبدل تاريخها بتاريخ امة الغرب؟ تلك هي المشكلة التي استعصت على
الحل، وتطاول الزمن عليها، بحيث صارت القسوة على تراثنا وخط سيرنا هو
السائد فينا (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو
اشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما شقق فيخرج منه
الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون) (البقرة:٧٤).
من الضروري معرفة - حتى لا يقع الذهن في تصور خاطئ -
ان الحضارة هي السمة التي تميز الامم عن بعضها البعض، والحضارة هي هوية
الامة، وتوجد الحضارات حيث توجد الامم العظيمة، والامم غير العظيمة هي امم
خارج الحضارات، وربما يطلق على الامم المنخفضة في التفكير انها ذات حضارة
على سبيل التجاوز، وليس على سبيل الحقيقة، ويمكن تقسم تاريخ الحضارات الى
مايلي:
١- حضارات مندثرة أي حضارات تاريخية.
٢- حضارات كامنة وهي التي فيها القابلية للعودة للحياة مرة اخرى.
٣- حضارات فاعلة.
إن الحضارات المندثرة لا يمكن ان تعود للحياة مطلقاً،
وإنما يمكن قراءتها كتاريخ لا كحضارة من خلال الآثار الباقية لها او من
خلال المكتوب عنها بعد تمحيصه، لأخذ العظة والاعتبار منها، او لمعرفة دورها
في الحياة الانسانية في مسيرتها أي لحساب التاريخ فقط، ويمكن ان يكون - لواحدة او اكثر من الحضارات المندثرة - وجود في اسس حضارة كامنة، او حضارة فاعلة، فالحضارة اليونانية هي الجدة الاولى للحضارة الغربية بشقيها الليبرالي، والمادي.
الاسلام كما هو دين هو حضارة، بل الحالة الاكثر بروزاً فيه هو الحضارة،
ولذلك يمكن ان يقول قائل: ديني الاسلام وحضارتي الاسلام، كما يقول من يدين
بغير الاسلام من المواطنين: ديني المسيحية وحضارتي الاسلام، وهنا استميحكم
العذر لأقول: إن المسيحية من حيث هي تنزيل هي تعديل لمسار سماوي حضاري
مرحلي أي على التوقيت هي الحضارة اليهودية، وعند دخول المسيحية روما لم
تدخلها الا بعد ان رومّت روما المسيحية، أي شكلتها كما تريد،
فالحضارة الرومانية ليس حضارة مسيحية ابداً، وحتى يكون هذا القول صادقاً
لا بد من التذكير بأن بوش تفاخر في خطاباته لأكثر من مرة بأن جذره هو
الحضارة المسيحية اليهودية، فهل مسار بوش فعلاً يمثل المسيحية كما جاء بها
المسيح ابن مريم عليه السلام - ومما يذكر في هذا السياق
ان ما سماه مؤرخو الغرب الحروب الصليبية، بينما رفض المؤرخون المسلمون زج
كلمة الصليب بتلك الحرب، مع ان الايمان الاسلامي يرفض حادثة الصلب، ضنا
منهم - لارتباط الصليب بالمسيح عليه السلام عند مواطنيهم المسيحيين -
الاساءة لهم، فسموها حرب الفرنجة.
الهوية والحضارة وجهان لعملة واحدة فلا يمكن الفصل بينهما، والتراث هو ذلك الخيط الذي يشد الحاضر الى الماضي، ان تكن حضارتنا الآن يعتريها الخمول وتتكاثر حولها جملة من الخطط والاعمال لتندثر لاسباب معلومة ومعروفة، فإن فيها يكمن امكانية العودة،
العودة التي تزيل غشاوات اعترتها اثناء خط سيرها، وضلالات غلفتها، وجهالات
غريبة اقحمت فيها وعليها، ومن هنا كانت معرفة التراث أي معرفة الخيط الذي
يربط بين الماضي والحاضر هو الدرب الاقصر للنهضة، وهو السبيل الذي يقطع
الطريق امام جماعات التغريب المتعددة، فالتراث هو الذي يعين الهوية،
والتراث ليس التاريخ، فالتاريخ الى عبور دائم مستمر، فاللحظة هذه ستكون
تاريخاً بعد زمن يسير، وما يبقى من هذه اللحظة هو التراث، وبمقدار تأثيره
في المجتمع تكون الهوية والحضارة معاً، التراث يقدم ادراكاً لما يجب ان
يكون عليه المجتمع الآن، وليس لما كان عليه المجتمع، فالتراث يعين لنا
الصورة التي نريد دون تنكب عن الماضي.
إن
قاموس الامة السياسي الاصلاحي او الثوري اوالسلفي متخم بالكلمات
والمصطلحات مثل الثقافة، السلطة، النهضة، الوحدة، التحرير، الحياة الافضل،
العدل الاجتماعي، العزة، المؤسسات، القانون، التنمية، الرعاية، التقدم
العلمي، الحرية، المساواة، زوال الاستبداد، مكافحة الفساد، استقلال القضاء،
حكم الشعب ويزيف عادة باسم الديمقراطية، الشورى او المصطلح المنحوت
الشورقراطية، فعل الخيرات، الاستقلال، زوال الاستغلال، توزيع عادل للثروة،
معالجة البطالة، ضبط الغلاء، الكرامة، مراقبة السلطة، المشاركة بصنع
القرار، وغير ذلك من مئات الكلمات، فضلاً عن ان بعضاَ منها لا مفهوم له
يصدق عليها قول الشاعر:
وما مثلها إلا كفارغ بندق خلي من المعنى ولكن يفرقع
كل هذه الكلمات - الدالة على معنى منها - ليس
من الممكن وجودها في واقع حياة الامة عملياً دون ان تعي الامة هويتها، وان
يباشر جمع منها بجدية متناهية الدعوة للناس لتتبنى الامة في مجملها الهوية
المحددة تحديداً واضحاً.(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) (يوسف:١٠٨)
ليست هذه محاضرة عليكم، فالكلام يقل نفعه - بل ويحدث الضرر احياناً - إذا لم يشكل وعياً عاماً أي (إرادة عامة) وعملاً من الامة أي (سيادة عامة) فالإرادة تصميم ، والسيادة فعل، ونعم القول يتبعه الفعل، وساء القول لايتبعه الفعل ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله أن
تقولوا ما لا تفعلون*إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان
مرصوص) وكل فعل لا يسبقه قول مخاطرة قد تحمد وقد لا تحمد (ومن أحسن قولاً
ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين).
هذه
محاولة لتحفيز الذاكرة الجماعية في هذه الامة، بإرهاف حسها الجماعي،
وتنشيط العقل الجماعي فيها، لإعادة الذاكرة بناءاً متميزاً في القول
والعمل.
المشكلة
ان الامة تتنازعها منذ ان شعرت بضرورة النهوض تيارات متعددة، ويمكن قبول
القسمة السائدة لهذه التيارات مع التحفظ، والقسمة السائدة لها هي قسمتها
لأربعة تيارات رئيسة هي:
التيار الاسلامي.
التيار القومي.
التيار الاشتراكي.
التيار الليبرالي.
في عهد العولمة هذا، الذي تتعايش معه الامة الآن، بدأت الدعوى للتشرذم، وصارت هذه الدعوة هي المطلب، بحجة ضرورة التعددية،
وتحول الانقلاب على بقية الذات الحضارية الى كونه هدفاً مطلوباً باسم
التقدم، وتركزت الدعوة للقطرية باسم الخصوصية، وباشرت التيارات الانفلات من
الدعوة لتوزيع عدل للثروة، الى الموافقة على تركيز الثروة في مراكز مالية
وافدة، او محلية، وان ذلك ضرورة ملحة باسم الاستثمار، الذي من شأنه ان يقضي
على الفقر والبطالة وصار مجرد الحلم بالانفكاك من هيمنة الولايات المتحدة
ضرباً من الخبال والجنون، ونشطت الدعوات للتعايش مع دولة العدو على ماهي
عليه، ووصفت كل هذه الدعوات استراتيجية من قبل الكيانات السياسية.
وبقيت بقية مناضلة من كل تيار، تتبنى الافكار والاهداف التي رفعت في فترة ما بعد ١٩٤٨-١٩٨٢
، ولكنها رضيت بحالة الحصار المفروضة عليها، إذ لم تعد النظر بمنظومة
فكرها، ووسائل نشر الفكر، واساليب دعوتها، وآليتها للوقوف في وجه الزحف
العام التراجعي، ولم تستطع معالجة الجمود الذي عليه المجتمع، ولا بلادة
الحس التي قابل بها المجتمع الاحداث والخطوب المتوالية، وبالتالي فهي راوحت
مكانها.
كان
ناتج ذلك كله تبلد الحس الجماعي للجماهير، فلا تحركها الاحداث - وإن عظمت –
ولا الكوارث السياسية - وإن طغت - ولا افعال الكيانات الكرتونية - وإن
شانت – ولا العدوان على الامة - وإن تجبّر-.
من هذا الواقع شاهد الناس كلهم العجز الكلي لهذه التيارات امام احداث جسام حدث العراق وحدث انتفاضة الاقصى فمن المسؤول عن هذا العجز؟
إن
العجز كامن في مجمل الامة بانقطاعها عن هويتها وتراثها، وكل التيارات فيها
ادارت الظهر لمفهوم الهوية والتراث، ومن هنا قعدت كسيحة على الطوار تنتظر
المخلص وسيطول الانتظار، والخشية كل الخشية ان تندثر هذه الامة الخيرة
فيأتيها الموت الى مكان قعودها.
حتى
تتحرك الامة حركة وعي هي في حاجة الى إعادة بناء إدراكها لذاتها، أي للعقل
الجماعي وكيف يعقل، وللقرآن وكيف يفهم، ولسنة المصطفى وكيف يجري التثبت
منها، وكيف يستدل بها، ولتاريخ فكرها وعوامل نقاوته وغشاوته، ومن هنا يقوم
حشد منها لا فرد بنقل دعوة الحياة الى مجمل الامة، هذا من ناحية الدعوة من
حيث هي نظرية للحياة، فتكون الهوية والتراث واضحان في حركتها الفكرية
الانقلابية.
ومن ناحية الجغرافيا فالحركة التغييرية - وفي كل حقب التاريخ - لا تنشأ دون تحديد نواتها المكانية، ونواة هذه الامة - كما يدل واقعها على ذلك - هو مصر، ولبلاد الشام، والعراق ليس غير، وهذا ما ادركه عدونا في المكان ومن هنا كانت هذه النواة محل خططه للسيطرة على هذا المكان.
هذه
هي المعالم للسير في درب التغيير وبغيره السير في الحلقة المفرغة (وأن هذا
صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به
لعلكم تتقون).
ختاماً شكري لكم ولعلكم تقومون بإغناء الموضوع خلال حواراتكم وسلام الله لكم.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire