صراع الحضارات
ألقيت هذه المحاضرة في اتحاد الأدباء والكُتَّاب الأردنيين
الموافق الثالث من حزيران 1999 م
تمهيد ( هذا التمهيد ليس من المحاضرة )
في اليوم التاسع عشر من صفر 1420 هـ
الحضارة هي مجموعة المفاهيم عن الحياة لكنها ليست مفاهيم ساكنة وإنما هي مؤثرة تشكل الحياة من حيث السلوك ومن حيث التسخير ومن الطبيعي أن ترث أو تتجاور مع حضارات أخرى لها مفاهيمها ولها حركتها والسؤال ما هي العلاقة بين الحضارات المتزامنة والتاريخية ؟
ما
من حضارة موجودة إلاَّ ولها جذر حضاري تاريخي ، وما يجب أنْ يهتم به
المفكرون معرفة أصول وجذور الحضارة الغربية إذ أخذت تسعى جاهدة للعولمة
باعتبار حتميتها ومن هنا تبرز خطورتها واضحة للعيان وقد ظهرت توجهات متعددة
حول العلاقة مع هذه الحضارة فالبعض يرى قبولها مطلقا وآخرون قبولها مع
التحفظ وجمع ثالث يصم أذنيه ويغلق عينيه عنها وجمع يرى الحوار معها ( حوار الحضارات ) والحق أن يجري الصراع معها
وهذا يعني قراءة الحضارة الغربية قراءة نقدية وكشف تهاوي الأسس التي قامت
عليها وفساد نظرتها ومظالمها ومخازيها والانتفاع بها دون الانبهار بها أي
إعادة تشكيل معطياتها النافعة من مكتشفات علمية وأساليب يحث ووسائل إدارية
والدخول معها في صراع فكري ومناورات سياسية لزحزحتها عن قيادة العالم وجعل
السياسات تجري وفق وجهة النظر الإسلامية وهذا يعني إعادة إنتاجها وليس
أسلمة معرفتها من هنا جاءت هذه المحاضرة لتضع النقاط على الحروف .المفكرون
العرب مهتمون بكثير من القضايا مثل
: القومية ، الاشتراكية ، التنمية ، التقدم ، التراث والمعاصرة ،
الديمقراطية ، التعددية ، حقوق الإنسان ، المرأة ، دولة المؤسسات والقانون ،
المجتمع المدني ، الإسلام السياسي والأصولية ، التنوير ، الخصوصية ،
الثوابت والمتغيرات ، الثورة ، الشمولية ، وقد انشغل بهذه
القضايا المفكرون والمثقفون والباحثون ضمن الندوات والمؤتمرات والمحاضرات
والكتابة في الدوريات والمجلات والصحف ونشر الكتب والحديث في وسائل الأعلام
المتاحة رغم كل هذه الأنشطة وتعدد النشطاء الباحثين هذه المواضيع إلاَّ
أنها لم تحدث الانقلاب الفكري المنشود وبقيت هذه الأبحاث تراوح مكانها دون
أي مؤشر للخروج من التيه .
المحاضرة
ملاحظة
: أجري بعض التعديل وهو تعديل قليل جداً على نص المحاضرة لا يؤثر أدنى
تأثير على المواضيع غايته التوضيح أكثر لمعاني المحاضرة .
يروج بعض الناس الآن لمقولات :
إن الحضارات تأخذ من بعضها ، وما وصلت إليه الإنسانية الآن في مضمار
التقدم ، إلا بفضل التراكم المعرفي ، الذي يتحول بالضرورة ، إلى إنجاز
تقدمي علمي ، يجعل الإنسان في محل القدرة على السيطرة على الطبيعة .بينما يدعي البعض الآخر ،
أن الحضارة الغربية تمثل أرقى ما وصل إليه الفكر الإنساني ، في كل مجالات
الحياة ، أي أن التقدم والرقي لم يكن حصراً ، على مجال علوم الطبيعة
والتقنيات ولهذا فليس أمام شعوب العالم إلاَّ الأخذ بها ، والسير على
طريقها.
تُشَكِّلُ هاتان المقدمتان
ماهية الأساس الذي ارتكز إليه دعاة التغريب ـ وهم كُثْرٌ ـ إذ وقد شاهدوا
وهج التقنيات الغربية وقفوا مشدوهين حيالها ، وصاروا ينادون علناً بالتبعية
لها وتعتبر هذه المناداة أهمَّ اختراقٍ للفكر بشكل عام ، وإعلان الغزل
بإفرازات الحضارة الغربية . لم يكن هذا الموقف الإختراقي تحصيل حاصلٍ ، نتج
عن دراسات واجتهادات في تراث الأمة ومعطيات الحضارة الغربية ، بل يعود
السبب الرئيسي لهذا الموقف إلى اتخاذ الغرب سياسة السيطرة الشاملة على
نواظم حياة الأمة ، وجعلها في محل التبعية له ، من أحوال عسكرية أو سياسية
أو اقتصادية ، ولم يكتف بذلك [ أي لم يكتف بالسيطرة الاستعمارية فقط] بل
عمد إلى العمل المنظم والمستمر ، للسيطرة الحضارية بمفهوميها : العقلي [
وجهة النظر] والثقافي [ مفاهيم الحياة ] .
لقد أدرك الغربيون الغازون من سياسيين ومفكرين ومنظرين وموجهين [ خبراء ] ضرورة إحكام القبضة الغربية على هذه الأمة الإسلامية الخيرة عرباً وعجماً وهذا يتطلب أبعد من السيطرة الاستعمارية التقليدية فلا بد من تحطيم المكونات الإيمانية والفكرية والحضارية والثقافية والأنماط المعيشية والإنتاجية لبلدان العالم الإسلامي كله واضعاً بديلاً عن هذه المكوِّنات [ البديل هو مُكَوِّنات الحضارة الغربية] .
لقد قام الاستعمار الغربي بالعمل على تركيز استعماره فقط في العالم (غير الإسلامي) كالهند والصين والهند الصينية واليابان وكوريا وجنوب القارة الإفريقية (أي الدول ذات الحضارات الخاملة)
وهي حضارات تفتقد القدرة على الانبعاث وإنما هي مجرد تراث روحي أخلاقي ،
لكنه قام بعملية مزدوجة في العالم الإسلامي إذ عمل فوق تركيز استعماره على
قلب القناعات والمفاهيم والمعايير والموازين رأساً على عقب محولا عقل
الشعوب المتواجدة في ساحة العالم الإسلامي إلى النظر إلى الغرب باعتباره
مركز العالم ومكان إشعاع الحضارة المتقدمة الممثلة لأرقى أشكال التطور وصار
النظر إلى الإسلام وتراثه والنمط الحياتي لمجتمعات بلدان العالم الإسلامي
كعناوين للتخلف والجمود والهمجية والبربرية وهذا ما يدركه كل من يتعامل أو
يستمع لرؤية المنبهرين بالحضارة الغربية ومنجزاتها التقنية .
زيادة في التضليل عهد الغرب إلى تشجيع نمطين من أنماط الفكر الإسلامي : نمط التدين الأصولي
، الذي يركز على العبادات و الهيئات و اللباس و الناحية الشكلية في
الإسلام و بناء المعتقدات الخرافية الأسطورية المبنية على الملاحم و الفتن و
علامات الساعة و ما يجري للإنسان في القبر قبل البعث ونمط الاجتهادات
التحريفية باسم العقلانية والتنوير القابلة للتشكل والتوافق مع مفاهيم
ومعايير وموازين الحضارة الغربية من خلال الاتكاء على هذا التراث أو ذاك .
النمط الأول : نمط ترك الحياة أي ترك الحضارة الإسلامية والنمط الثاني : جعل الحياة قي التبعية للغرب
وكردة فعل على هذين النمطين تَوَلَّدَ نمط ثالث أخذ يشكِّل الإسلام على
هواه وهو نمط لايشكل تياراً إذ هو مجرد حالات فردية متعاظمة الذات محدثةً
بلبلة في المجتمع فكانت ضِغْثاً على إبالة واشغلت المجتمع بجعجعةٍ دون طحن .
سعى الغرب الحاقد
على الأمة الإسلامية إثر انتصاره في الحرب العالمية الأولى على الدولة
العثمانية بصفتها الأم الجامعة ـ على ما فيها من هزال وتقصير وظلم وانحراف
وتخلف ـ إلى تركيز التبعية الأبدية على العالم الإسلامي له لقد وضع الغرب
خطوطا ثلاثة هي الهيمنة والتجزئة وتمييع الهوية السياسية الحضارية للأمة
ولكي لا تنفلت الأمور عليه زرع كيانا غريبا في قلب العالم العربي أي في
قلب العالم الإسلامي هذا الكيان هو الكيان اليهودي أو إسرائيل أو
الصهيونية وهو كيان يعتمد في استمرار بقائه على السند الغربي فالكيان
اليهودي مجرد قطعة لحم كلب ميت زرعت في إنسان سوي هيهات أن يعيش بالرغم من
استمرار إمداده بأسباب الحياة فالكيان السوي من خلال عمل الأمة الدائب لا
الانتظار ، لا بد أن يلفظ الكيان الغريب لفظ النواة .أدار السياسيون
والفصائليون العرب ومجموع الشعب في فلسطين صراعاً مستمراً مع الكيان
اليهودي وهو مجرد مشروع وبعد تحوله إلى دولة لم يتح لهذا الصراع التقدم
خطوة واحدة إلى الأمام وحل بدلا عن الصراع التراجع النضالي سواء في الأهداف
أو الواقع المنظور فوجدت جراء ذلك حالة من الإحباط واليأس وظهر بسبب ذلك
على المستوى السياسي الرسمي العربي والإسلامي وعلى بعض النخب الفكرية بل
وعلى المستوى الشعبي مقالة أو دعوة للمصالحة والتعايش مع الكيان المزروع .
لم يدرك السياسيون
والفصائليون حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي من كونه صراعاً متولداً عن
قضية كبرى هي القضية الإسلامية الحضارية وكان يجب أن يتوجه للعدو الرئيسي
أي إلى الغرب بوصفه العدو الحضاري وإلى إسرائيل بصفتها أداة هذا العدو إذ
هذا هو التوجه الذي يؤدي إلى نتائج وبالتالي يمنع تشظي الوعي وتعدد
التوجهات وتشرذم العمل . وقعت الحركة الإسلامية الأصولية بشقيها
السلفي والدعوي أسيرة دعاية غربية ـ أثناء صراع المبدأين الرأسمالي
والشيوعي ـ إذ تشكَّل الذهن الأصولي على أساس النظر للغرب بأنه من معسكر
الإيمان وأن المعسكر الشيوعي هو معسكر الإلحاد ولذلك توجه الفعل الوعظي
والدعوي والنضالي والجهادى نحو المعسكر الشيوعي الملحد ! على اعتبار أنه
الأكثر خطرا على الدين ولم يلفت انتباههم الغزو الحضاري الغربي ومارسوا
السكوت بل والموالاة للغرب وحضارته واستعماره وبنوا علاقتهم مع الأنظمة
المحلية على أساس هذا التقسيم وما موقف الإسلاميين في أفغانستان عن المجتمع
ببعيد ! . ظهرت الصحوة الإسلامية سنة 73 م بعد حرب رمضان
على الجبهة المصرية والسورية وتعلق الرأي فيها منتظراً نصراً حاسماً
وارتفعت وتيرتها شدة بزوال نظام الشاه وتسلم الآيات الحكم وتعلقت مشاعر
الجماهير بحديث الرايات السود تأتي من المشرق لكن السلفية مع أنها تعتمد
الحديث رأت في نظام الآيات انتصارا للمجوسية فوضعت عشرات الكتب ضد الشيعة
والفرس والمجوس وفي انكشاف أنَّ الشيعة والسلفية لم تقدما للإسلام و
المسلمين خيرا بل كان الأمر عكس ذلك تماما بدأت تظهر في الأفق كردة فعل
معاكس حـركة ثـورية أصولية تعتمد على العمل المادي و تباشر القتل غير
المنظم والتفجير و الاغتيال و اتهموا بقتل الأبرياء فاتهم الإسلام كله
بالتطرف و هوجم الإسلام بديلا عن الهجوم على أسباب ردة الفعل هذه و من
المعلوم ان أسباب ردة الفعل لم تكن إنشاء للحركة الإسلامية بل استدرجت
اليها الحركات الإسلامية بسبب شدة المعاناة المفروضة عليها .
ليس المراد من هذا القول تبرئة الحركة الإسلامية من القصور الظاهر في وعيها فهي دائما في محل الاستدراج بديلا عن إنشاء الفعل ومباشرته من خلال الوعي المُعَيِّن لغايته وهدفه .
تلك هي الأجواء التي تحركت فيها الدعوة لحوار الحضارات الولايات المتحدة
تنفرد بقيادة العالم القطب الثاني فقد قدرته الشركاء الغربيون المنافسون
رضوا بشراكة ثانوية ولهذا فرضت الولايات نفسها على العالم بطريقة بربرية
متحكمة بأوضاع العالم الاقتصادية يعلن مؤرخ أمريكي من أصل ياباني مهاجر
نهاية التاريخ وخاتم البشر وينام العالم الثالث ويصحوا على حلم وخيال
باقتصاد مريح وغياب لمشاكل الاقتصاد والعيش دون أزمات سياسية خطرة أو غير
خطرة .
تقدم الولايات المتحدة وصفتها للعالم الثالث للحصول على عونها هي وشركائها وتتمثل هذه الوصفة بما يلي :
1. إقامة نظام حكم ديمقراطي ، يعتمد التعددية ، ويقيم دولة المؤسسات والقانون يخلو من الاستبداد ويعتمد الانتخابات الحرة على زعم أنها تمثيل لإرادة الشعب .
2. تطبيق سياسة اقتصادية ليبرالية ، مرتكزها الخصخصة ، أي اعتماد القطاع الخاص .
3. الالتزام بحقوق الإنسان محددة بوجهة النظر الغربية المؤسسة على الحريات الأربع .
تلك هي الوصفة باختصار شديد وتبدو لأول وهلة أنها لمصلحة الناس ، فهل هي كذلك ؟ !
¨ الديمقراطية والتعددية والمؤسسات ثلاثة كلمات جميلة ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب الديمقراطية حكم الشعب ! التعددية حق تكوين الأحزاب والتنافس عبر الانتخابات لنوال مشروعية حكم الشعب ! المؤسسات تكوين إدارات للحكم والتشريع والقضاء والتنفيذ ! فأين هو الشعب واقعيا فيها ؟ ! ! !
المنبهرون بالحضارة الغربية لا يرون الحقائق كما هي إذ هم مصابون بإعشاء البصر وضعف البصيرة هم لا يرون تحكم أل (WASP) في الولايات المتحدة أنهم
يرون أفرادا من منابت أخرى جنَّدوا أنفسهم لخدمة المتنفذين فحازوا على
مكانة ثانوية وشاهدوا اقتصاداً قوياً أتاح لطبقة العمال عيشا رغداً ، ومع هذا فإن المجتمع الأمريكي
لا يخلو من فقر وقهر وظلم وجرائم قتل وعهر واغتصاب وتناول مخدرات ودفع
أتاوات ورشوات ولم يتورع رجال الحكم فيهم من التصنت على بعضهم البعض فالغرب والأمريكان من الغرب يفتقدون القيم العليا وفوق هذا يعاني المجتمع الأمريكي برمته من الاستلاب ووقع العقل أسيرا للدعاية الإعلانية أماَّ القتل والفقر الذي يعيشه 80% من
سكان العالم والحروب التي قُتل فيها عشرات الملايين منذ أن وضعت الحرب
العالمية الثانية أوزارها والاستعلاء الهمجي الناظر للناس من علٍ ،
والتفاخر بنظرتهم للحياة من خلال [ القيم اليهودية المسيحية المترومة] والإدعاء بِ [المركزية الغربية] المستحقة الولاية على العالم كله فالعالم مجموعة قاصرين وسواءٌ كان في الحكم الديمقراطيين أو الجمهوريين فالنظرة واحدة . هذه النظرة الأمريكية المستعلية الموصوفة بالبربرية والهمجية هي نظرة الغرب كله تستوي في ذلك المملكة المتحدة [بريطانيا]
أو فرنسا أو ألمانيا أو أسبانيا والبرتغال واليونان وإيطاليا وبلجيكا
والنرويج ومثل ذلك سويسرا والسويد والنمسا والدول السلافية كلها من روسيا
إلى الصرب فكلهم يثوي في أعماق أعماقهم البغض للمسلمين ، والعرب على رأس
القائمة والحقد على الإسلام كدين ووجهة نظر وحضارة وتاريخ ، إلاَّ إنهم
الآن اتجهوا للتعامل مع الإسلام كواحد من الأديان الثلاثة مع تجريده من
الحضارة .
الاقتصاد الحر والخصخصة والقطاع العام والقطاع الخاص وبرنامج التصحيح الاقتصادي
ما
سبق من كلمات هي مفردات دارجة في وصفات صندوق النقد الدولي أو في النصائح
التي تقدم من قبل الأمريكيين وهذه الكلمات تثير اشمئزاز الاشتراكيين ولكنها
تفتح شهية أصحاب الفعاليات الاقتصادية وينبري للدفاع عنها الدارسون
الاقتصاد في الولايات المتحدة والمتأثرين بنظريات الاقتصاد الغربي يحلم
أصحاب الفعاليات الاقتصادية المالية والتجارية والصناعية والخدماتية بأن
يتحولوا مثل الرأسماليين إلى أصحاب شركات تمويل كبرى وأعمال تجارية عالمية
وصناعات ضخمة ولا يدرون أنهم محكومون لاقتصاد عالم ثالث ! ويسعى دارسو
الاقتصاد الغربي للتربع في طبقة المستشارين فيكونوا شركاء لأصحاب الفعاليات
في العوائد والمكاتب الفخمة ! تلك أمانيهم ولا يعدهم الأمريكان إلاَّ
غرورا ، من الضروري
جداً إدراك الأهداف التي تسعى اليها الولايات المتحدة وشركائها من رسم هذه
الوصفات وتلك السياسات فأهدافها واضحة وهي توجيه اقتصاد العلم الثالث نحو
الزراعة التكنولوجية والصناعة الاستهلاكية والخدمات السياحية واستخراج
معادن الأرض كل ذلك باستيراد الآلات والتكنولوجيا والمواد الأولية من الغرب .أَدَّى
قبول هذا التوجيه في الاقتصاد إلى زيادة الاستهلاك وضعف القيمة الشرائية
للنقد المحلي فالغلاء والبطالة فأغرقت البلاد بالديون وعجزت السلطة [
النظام والدولة والحكم] عن تحقيق أهداف الأمة العليا فارتعبت من الأمة
وتفننت في تكوين العديد من أجهزة القمع واستوردت السلاح لا لقتال الأعداء
وحماية البيضة بل لتوجيهه نحو صدر الأمة محليا أو نحو الجوار من الأمة.
تلك هي الأسس
التي قام عليها مشروع حوار الحضارات ، وهو مشروع يهدف إلى استبدال الصراع
بالحوار بين حضارة مهيمنة ومسيطرة ومتقدمة وحضارة كانت وهي الآن ليست شيئا
مذكورا ، إنَّ المراد من حوار الحضارات هو بقاء سيطرة الحضارة المهيمنة
ومداعبة غفلة أصحاب الحضارة الثانية بتقدير لا معنى له وإبقاء ما سموه
بالخصوصية الحضارية متجسداً بالفلكلور والتدين الكسيح وبعض القيم غير
المهمة في التغيير .يؤدي قبول الحضارة الغربية إلى ظهور
حالة الاستلاب فالإنسان حرٌ ظاهرا مستلبٌ حقيقةً هو مجرد حر شكلاً ولكنه
أكثر الناس عبودية ويتحول الاقتصاد من أداة في خدمة الحاجات الأساسية إلى
أداة في الاستثمار والتنمية من جراء تطبيق السياسة الاقتصادية اللبرالية
ويطلق الإنسان عنان شهوتي البطن والفرج إذا أتاح اقتصاده ذلك له : قالوا سنهربُ ثم لاذوا بالقبور من القبور !. هذه هي صورة الأوضاع
التي بدأت تتضح منذ الآن فهل هذه الصورة هي المرجوة للحاضر والمستقبل ؟
لماذا يصر الماديون العِلْمَانيون ودعاة الحريات اللبرالية ( العَلْمانيون )
؟ ـ على ضرورة تشويه صورة الأمة في : إيمانها ، وأفكارها ، وتاريخها ـ
والدعوة لاستبدال صورة الماضي مع القدرة على عودة الحركة إليه ، وذلك بقبول
الاستكانة والخضوع لأشرس عدو ، لهذه الأمة العريقة .
إنَّ عدو أمتنا الشرس الهمجي هو العدو الغربي
وهو عدو لها منذ أمد طويل يمكن القول أنَّ عداوته لهذه الأمة الخيرة ضاربة
في عمق التاريخ حتى أنه عاداها أثناء فترة الجاهلية وما أنْ بزغت شمس
الإسلام حتى زاد غيظه على هذه الأمة وإذ استسلم بادئ الأمر أمام قوة
الإسلام لكنه اهتبل أول فرصة سنحت له فجاء بقضه وقضيضه فكانت الحرب
الصليبية التي دامت قرنين من الزمان ولا زال الغرب يمارس عقلية الحرب
الصليبية على هذه الأمة والكيان اليهودي المزروع هو واحدة من مفردات هذه
السياسة .
على ضوء ما سبق يمكن ملاحظة النقاط التالية : ـ
¨ الولايات المتحدة والغرب كله سواء كان رأسماليا أو اشتراكيا عدو للأمة الإسلامية ويعمل جاهداً على منع نهوضها وإعادة ديناميكية حضارتها .
¨ تشكيل العالم الإسلامي من حيث الجغرافيا السياسية وفق مخطط يحول دون انعتاق هذه الأمة من هيمنة الغرب والعمل على تخليد تجزئتها وتمييع هويتها .
¨ سيطر على حكام العالم الإسلامي رعب قاتل من ساسة الغرب لارتباطهم أثناء الفترة الاستعمارية وجودا وعدما بالغرب فساروا بالسياسات وفق توجيه الغرب فساسة العالم الإسلامي ليسوا أصحاب أفكار في الحكم لارتباطهم وتبعيتهم للغرب وجل اعتمادهم على التأثير الغربي بالسياسات .
¨ بديلاً من خوف الحكام على الأمة من عدوها ـ إذ هم واقعون تحت تأثيره ـ خافوا من الأمة وأصابهم التوجس
منها فتفننوا بإيجاد أجهزة القمع فما من نظام قائم في العالم الإسلامي
يخلوا من عشرة أجهزة من أجهزة القمع تختلف الأسماء ولكنها كلها لمهمة واحدة
هي الحفاظ على أمن الحكام ورجال الدولة وليسوا للحفاظ على حماية الأمة من
تسلط عدوها عليها .
¨ سيطر على الجماهير الفكر السطحي
وسيطر على النخب فكر فج ذاتي فردي ومن هنا تشرذمت النخب وبزغت ظواهر فردية
تسعى لمجد ذاتها وتشكلت أحزاب ومنتديات وجمعيات غايتها التعبير عن الشللية
وليس عن مشروع للنهوض .
¨ وقعت النخب التغريبية تحت سيطرة التبعية للغرب في التفكير والتوجه بسبب انفعالهم في صورة الغرب المتقدم في الصناعة والتقانة ( التقدم التكنولوجي ) ومستوى دخل الفرد ، حدث من جراء ذلك انبهار شديد بالغرب ، والمراد بنخب التغريب ما يلي (1)اللبراليون الديمقراطيون العَلْمانيون (2) الماديـون الاشتراكيـون العِلْمانيـون ( اليسار ) (3) أغلبية الأكاديميين والأدباء والإعلاميين (4) بعض من الناس العاديين بسبب سيطرة الغرب على التدفق الإعلامي مما مكن الغرب التلاعب بعقولهم .
¨ تقدم هذه الزمر خاصة الثلاثة الأولى أقوالها الداعية إلى التغريب عند مواجهتها بالإسلام إلى وصف موقفهم بالعقلاني ويزيفون الدعوى بأنهم أهل العقل ـ
دون تحرير معنى العقل والشروط التي يعقل بها الإنسان ويصفون الإسلام بصورة
مباشرة أو غير مباشرة بأنه في محل المواجهة أو التعارض مع العقل أو
الإدعاء بأنَّ المعرفة الإسلامية غير مؤسسة على العقل وهكذا يوصف الإسلام
بأنه في جهة مضادة تماماً للعقل .
¨ إنَّ قبول هذا الأساس ،
أي التضاد بين الإسلام والعقل ، في معركة الإسلام مع العقل يعني حسم
المعركة قبل بدايتها ، لصالح دعاة التغريب ، والأصل رفض هذا القول .
¨ معركة العقل والإسلام : كجهتين متضادتين ، غير مقبولة أبداً ،
وجعل الإسلام في حالة مساواة مع الدينين : اليهودية ، والنصرانية ، اعتداء
على الحق فالعقل حجة بذاته عند أكثرية المناهج الإسلامية ، وهو الحجة
الأساسية عند العدليين ، فلا تضاد بين العقل والإسلام .
¨ العقل ليس منهجا واحدا عند
البشرية والمناهج العقلية الغربية متعددة من عقل مادي إلى عقل تجريبي إلى
عقل وجودي ملحد فالوضعي فالوجودي المؤمن فالمثالي وغير ذلك من مناهج ومسالك
يسلكها العقل للحصول على المعرفة ؟ فأي منهج هو الحق ؟ وأي منهج هو الباطل ؟ لا بد من معيار متفق عليه يُعرف به الحق من الباطل ! .
¨ طريقة الإسلام لمعرفة الحق من الباطل هي الطريقة العقلية مباشرة بقضايا الإيمان المستدل عليها من عالم الشهادة أو من الخبر الذي أثبت العقل صدقه .
*** لما سبق بيانه لا بد من تعريف العقل ومعرفة مناهجه للوصول إلى الحقائق .
يدرك القارئ
لهذه الصورة الموجزة التي رصدت الأفكار والتوجهات المتواجدة قي العالم
الإسلامي مقدار الخطر الداهم الذي يستهدف هذه الأمة في إيمانها ودينها
وقيمها وخيريتها وقيمها بل وفي حياتها السياسية بحيث تمنع من وحدتها وتحرر
القرار السياسي وتحديد هويتها الحضارية وهي ممنوعة من الإنجاز الحضاري
والعلمي على السواء . لا يمكن الاعتماد على الغرب والتغريبيين أو الحكام أو
الحركات الإسلامية أو الحركات الأخرى للسير بمشروع النهوض الحضاري لهذه
الأمة إذ لا بد من التسليم بفشل جميع محاولات النهوض السابقة فمن الضروري
بناء النهضة بإعادة بناء العقل الإسلامي على فكر أهل التوحيد والعدل وبدون
ذلك هو الدوران بالحلقة المفرغة .
للخروج من التيه لا بد من بعث ديناميكية الحضارة الإسلامية
التي تعطلت منذ بداية القرن الخامس الهجري القرن الحادي عشر الميلادي
بصدور الوثيقة القادرية والتي نصت على منع التفكير وتعطيل الاجتهاد وإعمال
السيف في رقاب المعتزلة ونتج عن تصفية المعتزلة هبوط التفكير
فلا بد من عودة إلى نقطة الخلل وإصلاحها والسير قدما بمعرفة الواعين
وبعزيمة المؤمنين وتقوى العاملين ودأب المخلصين . يكمن الداء والدواء معاً
في الأمة الإسلامية ويدرك ذلك الغرب الحاقد فيخشاها ويعمد إلى مراقبتها
ويعمل على إعاقة نهوضها ويصل به الأمر إلى حد التلاعب بعقول من يحسبون
عليها وما هم منها فتبين معالم الدرب هي نصف الدرب وها هو الدرب قد اتضح
فتعالوا لنسير معاً رافضين الغرب والولايات المتحدة ورأس حربتهما إسرائيل .
صراع الحضارات أمين نايف ذياب
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire