mercredi 3 septembre 2014

رســالــة إبـلـيـس إلـى إخــوانـه الـمـنـاحـيـس












هذه رسالة طريفة جداً في تأليفها وفكرتها، ولكنها أيضاً كلفت مؤلفها حياته نفسها عندما تم قتله غيلة في مكة بسببها، ولم تشفع له سنوات عمره التي تجاوزت الثمانين عند قاتله. المؤلف هو الإمام الحاكم أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي. ولد بخراسان في شهر رمضان سنة 413 هجرية، وقُتل بمكة غيلة بسبب (رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس) في الثالث من رجب سنة 494 هجرية. كان على المذهب الحنفي ثم تحول بعد ذلك إلى المذهب الزيدي، ولكنه كان في الإصول على رأي فرقة المعتزلة الذين يقدمون العقل ودلالاته ومنطقه على مجرد التقيد الحرفي لمنطوق النص. كما أنهم رفضوا أن يقفوا على مجرد كلمات الخبر أو النص من غير إعمال الفكر فيه طلباً لإستنتاج “عقلاني” يتوافق مع منطق الأمور السليم وما يدل عليه أي منهج منطقي بسيط. ولذلك هو يقف على موقف العداء مع التوجهات السلفية ومن يناصرها من المذاهب الإسلامية التقليدية وكذلك يناصب العداء الشيعة الإثنى العشرية، كلهم عنده سواء في تبني روايات و “منطق” تخالف البديهة والعقل. وكونه زيدي فهو على خلاف الشيعة الإثنى عشرية يرى صحة خلافة الخلفاء الراشدين وأفضلية الصحابة، ولكونه زيدي أيضاً فهو على خلاف المذهب السني فإنه يرى علي بن أبي طالب أفضل الصحابة بعد النبي (ص) ولكنه يرى جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل وبالتالي خلافة الخلفاء صحيحة لا شبهة فيها. وبما أنه لا يوجد في الكويت من هو على المذهب الزيدي، فإن الحاكم البيهقي لن يجامل لا هؤلاء ولا هؤلاء في كتابه هذا، فهم عنده سواء بسواء، وهو أفضل منهم باعتزاله عنهم. ولذلك سوف يغضب عليه سنة الكويت وشيعتهم، سواء بسواء، لأن في آرائه ما هو مصادم لآرائهم، تماماً كما في آرائه ما هو موافق لآرائهم وطعناً في خصومهم المذهبيين. هذا بالإضافة إلى أن المعتزلة كانوا على الطرف النقيض لكل منهج “سلفي”، وعلى أي مذهب، يحاول أن يلغي العقل تماماً أمام منطوق النص أو بديهة العقول.

ويجب أن أشدد على نقطة مهمة جداً هنا، وهي لماذا يجب علينا أن نتعرض هنا لهذا الصراع الفكري وقد مضى ورحل أصحابه؟ والجواب هو أننا يجب أن نعوّد أنفسنا أن نتخلى عن “التعصب” فيما يخص مذاهبنا على الخصوص. فــــــلا وجـــــــود لــــمــــذهــب صــــحـــيــح مـــئــة بــالــمـــئــة، كـمـا أنــه لا وجــود لــمــذهــب خــاطــئ مـــئــة بــالــمـــئــة. فكمية لا بأس بها من الأوهام يتبادلها كل فريق بدون فرق إلا في النوع والكم والكيف. ولكن ليكن لدينا رحابة الصدر في أن نقر ونعترف بأنه ربما، مجرد كلمةربما“، لدى المذهب الآخر شيء يستحق أن نفكر فيه، أو على الأقل يستحق أن نبحث عنه ونفهمه، لعلهم يملكون منطقاً عقلانياً من ورائه، وليس بالضرورة أن نتبناه، هذا لا يهم على الحقيقة، ولكن ما يهم أن نفهم الآخر لنعذره على الأقل ويتسع له صدرنا. ليكن عندنا سعة الصدر في أن نقبل النقد والنقاش من دون أن يثير نعرة مذهبية أو طائفية أو يكون الهدف هو إثبات خطأ الآخر. ولكن ليكن الهدف هو البحث عن الحقيقة، لك أو عليك، لا يهم. وماذا سوف يضر هنا؟ لا شيء فيما أحسب إلا سقوط قناعة واستبدالها بقناعة أكثر عقلانية من وجهة نظرك. ويجب علينا أن نشجع هذا الأمر ولا نرفضه أو نعاديه. فقد لاحظ أبن أبي حديد منذ قرون شيئاً خطيراً، فقد قال: “فليعجب المتعجب من العقائد كيف تسري في القلوب، وتغلب على العقول، حتى يرتكب الناس عظائم الأمور وأهوال الخطوب لأجلها“. وقد كتب ذاك الداعي إلى حكيم معرة النعمان أبي العلاء يقول له أنه رأى الناس صنفين، أحدهما “منتحلاً لشريعة صبأ إليها ولهج بها إلى الحد الذي إنْ قيل له من أخبار شرعه: أن فيلاً طار أو جمَلاً باض، لما قابله إلا بالقبول والتصديق. فالعقل عند من هذه سبيله في مهواة ومضيعة“.

هذه الرسالة جاءت كلها على لسان إبليس (الشيطان) وهو يشكو إلى إخوانه الشياطين والجن (المناحيس) مما يلقاه من معشر الجن الذين على مذهب ورأي المعتزلة. فهي كلها شكوى حارقة لإبليس يبثها لإخوانه المناحيس. ولكن الحقيقة أن شكوى إبليس هذه هي محاولة من الإمام الحاكم البيهقي لإثبات آراء المعتزلة في وجه خصومه من أهل الحديث (السلفيون كما يسمون أنفسهم اليوم)، والشيعة الإثنى عشرية، وهذا هو سبب قتله في الحرم المكي. فهو يحاججهم، على لسان شكوى إبليس لإخوانه المناحيس، تارة بإيراد القصص الذي أفحم فيه معتزلة الجن إبليس، وتارة بندب حظه (حظ إبليس) الذي أوقعه بين المعتزلة ومنطقهم العقلي ولسانهم الحاد، وتارة ثالثة في إجهاد فكره (فكر إبليس) في كيفية الخلاص منهم.

هو كتاب ممتع في الحقيقة جداً، وخصوصاً فيما يتعلق بشكوى إبليس وندبه لحظه التعيس وبث حزنه لإخوانه المناحيس. إذ يتعرض لرأي المعتزلة في أمور شتى نراها بارزة إلى اليوم في إطروحات الفكر المتشدد، بعضها اندثر بموت الفرقة التي تبنتها، وبعضها لا يزال بارزاً بشقيه السني السلفي والشيعي الإخباري وإن كان على سبيل المنهج العام وليس بالضرورة التعيين. فلكل من يهوى الحِجاج العقلي، هذا الكتاب بمثابة نزهة جميلة وممتعة له.

سوف أعرض أدناه إقتباسات مختصرة من الكتاب تعطي القارئ الكريم فكرة عامة عن اسلوبه. ولكن يجب على القارئ أن يتذكر أن الخطاب هو دائماً بلسان إبليس، فإذا قرأت (فكرت) أي إبليس الذي فكر، وإذا قرأت (رأيت) أي إبليس هو الذي رأى، وهكذا.




مــــــــلاحــــــظــــــــة هــــــــامــــــــــة


قبل أن يعترض معترض، وأنا أعلم بأن الإعتراض سوف يأتي لا محالة إما هنا أو عن طريق البريد الإلكتروني، فإنني أود أن أقول بأن هذه الآراء هي لــــفــــرقـــة مـــــــنــــــــــقـــــــرضـــــــــة، أكرر، المعتزلة فرقة منقرضة، ولا وجود لها اليوم إلا بقايا لآراء متفرقة ضمن تفاصيل بعض المذاهب. فلا ضرر ولا خوف منها إلا من باب معرفة التاريخ ومعرفة التصادم الفكري الذي كان أسلافنا يخوضون فيه بكل حرية ورحابة صدر، ولا يخافون إلا عصا المحتسب، أو دسيسة بعض الفقهاء، أو حماس العامة لإحراق الكتب، أو عقوبة السلطان، أو إغتيال مجانين التعصب، ولا شيء غير هذه الأمور البسيطة. ولهذا السبب لم يكونوا يحتاجون إلى لجنة للظواهر السلبية كما هو حالنا اليوم. فعفا الله عنا وعنهم، وغفر لنا ولهم، وأعاننا على ما ابتلانا، ورحمنا وإياهم برحمته الواسعة.



فرناس





تفاصيل نسختي الشخصية من الكتاب كالآتي:

رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس
الحاكم أبي سعيد المحسن بن محمد البيهقي
دار المنتخب العربي، توزيع المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 1995

ما بين [  ] هو من إضافتي أنا للتوضيح، وقد استبدلت بعض الكلمات التي تجري مجرى النبز بأخرى. كما أنني لم اتطرق إلى مسائل الخلاف الأزلية بين المذاهب لعدم فائدة الخوض فيها في مثل أجواء التعصب المذهبي الذي نعيش فيه هنا. ربما إن أعطانا الله عمراً بعد مئة وخمسين سنة من الآن، هذا إن بقي النفط، سوف أضع هذه الفقرات هنا. :D








إقتباسات مختصرة من كتاب
رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس
الإمام الحاكم البيهقي





[على القراء الكرام أن يتذكروا دائماً أن الكلام هنا كله بلسان إبليس يخاطب به إخوانه المناحيس من الجن والشياطين الذين هُم على مذهبه هو]




أما بعد، معاشر إخواني، كثر الله عددكم أطال أمدكم. لقد علمتم وأیقنتم انه لا موافقة فوق موافقة الإعتقادات، ولا مطابقة أعظم من المطابقة في الدیانات، جُبلت القلوب على حبھا حتى یتواصل فیھا الأجانب ویتقاطع علیھا الأقارب (…) ولقد علمتم معاشر إخواني ما بیني وبینكم من موافقة الاعتقاد وما یجمعني وإیاكم من خلوص الوداد، فإن اعتمادي علیكم واعتدادي بكم وانقطاعي إلیكم. وأنتم الذابون عني والسالكون على سنتي، فینوبني ما نابكم ویریبني ما رابكم، فأنتم مني وأنا منكم.

وقد علمتم معاشر إخواني ما لقیت ولقیتم من ھؤلاء المعتزلة قدیماً وحدیثاً. ولقد عظمت فتنتھم، واشتدت شوكتھم، وعلت كلمتھم، وظھرت مقالتھم وحجتھم. وكنت أحسبھم في الإنس فإذا ھم في الجن أكثر، ومذاھبھم أظھر، وعددھم أوفر. قد طبقوا البر والبحر والسھل والوعر. فلا بلد إلا ولھم فیھا داع ومدرس وخطیب ومصنّف یصرخون بمذاھبھم على المنابر، ویملؤون الدنیا بالكتب والدفاتر. وقد جمعت بینھم وبین إخواني من مجبّرة الجن كثیراً، ودبّرت مع خواصي في شأنھم تدابیر، فلم ینفذ لي فیھم حیلة ولا مكیدة. كنت أطمع في كل مرة أن نفحمھم فأفحمونا، وأرجو أن نقطعھم فقطعونا، وأؤمل أن نفضحھم ففضحونا. وبلغ من أمرھم أن قابلوني بقبیح الفعال، وجبھوني وإیاكم باللعن وسوء المقال. وفي كل ذلك أنتم الذابون عني والمناضلون دوني، ولكن لا ینفع معھم التوازر والقتال ولا ینجع فیھم المقال. إن قاتلناھم ھزمونا، وإن قاولناھم أفحمونا، وإن تركناھم لعنونا.


فكّرتُ وقلت:

إن ألقیت إلیھم عبادة الوثن لا یقبلون، فألقیت ما ھو في معناھا وھو أن الله ذو صورة وأعضاء، له وجه وجنب وید وساق وعین ولسان، وأنه جسم. أما المعتزلة فقابلوني بالرد وقالوا: ھذه عبادة الأوثان، ونعوذ بالله من نزغات الشیطان. وذكروا أن الله تعالى لیس بجسم ولا عرض ولا یشبه شیئاً. وأنه تعالى لیس له أعضاء ولا أكفاء ولا أنداد ولا أضداد. وأنه واحد ﴿لیس كمثله شيء وھو السمیع البصیر، وأنه لو كان جسماً لكان مؤلفاً مركباً مصوراً مُحدثاً، تعالى الله عن ذلك.


[لاحظ من هنا أدناه في شكوى إبليس، بدأ الحاكم البيهقي في نسبة الآراء المعارضة للمنهج المعتزلي صراحة إلى إبليس، فعندما يقول (حضرت) و (وإيانا) و (مشايخنا) يقصد الشياطين والجن الذين على مذهب إبليس. وهذا هو سبب قتله غيلة لاحقاً. فرناس].


حضرت یوماً مجلساً قد جمعھم وإیانا، فقال بعض المعتزلة لبعض المشبھة:
أتقولون لله ید؟
قال: نعم.
قال [المعتزلي]: لِم؟
قال: لقوله تعالى ﴿ید الله فوق أیدیھم.
قال [المعتزلي]: فقل له یدان لقول تعالى ﴿بل یداه مبسوطتان.
قال : كذا نقول .
قال [المعتزلي]: فقل له ثلاثة أیدي لقوله تعالى ﴿مما عملت أیدینا.
فانقطع [أي لم يعرف كيف يجيب].
ثم قال [المعتزلي] له: أتقول له عین؟
قال: نعم.
قال [المعتزلي]: لِمَ ؟
قال: لقوله تعالى ﴿ولتصنع على عیني .
فقال [المعتزلي] له: فقل له أعین لقوله تعالى ﴿تجري بأعیننا .
فانقطع.


وحضرت یوماً مجلساً وفیه جماعة من مشایخنا ومن المعتزلة، فجرت مسألة العرش. فقال شیخ منا: إنه تعالى یقول ﴿الرحمن على العرش استوى ولفظة (على) تقتضي الفوق.
فقام المعتزلي : فقل في قوله تعالى ﴿ولو ترى إذ وقفوا على ربھم أنھم فوقه.
فانقطع [أي لم يعرف كيف يجيب].


[هنا مسألة الجبر والإختيار]

جاء خراساني إلى أبي الھذیل [العلاف، أحد أئمة المعتزلة] وسأله عن العدل، فقال: یا خراساني من جاء بك من خراسان؟
قال: الله.
قال [العلاف]: فمن جاء باللص حتى قطع علیك الطریق؟
قال: الله.
قال [العلاف]: فمن جاء بالسلطان حتى قطع یده ؟
قال: الله.
قال [العلاف]:فإذاً الله فعل جمیع ذلك حیث جاء بك من خراسان وجاء باللص لیذھب بمالك وجاء بالسلطان لیقطع یده، أھذا فعل حكیم؟
فانقطع وتاب.


[هذه مسألة في القضاء والقدر. والمعتزلة لها نظرة خاصة في القضاء والقدر، إذ لو كان الكفر بقضاء وقدر لكان الرضى به واجب وهذا مخالف لنص الآية ﴿ولا يرضى لعباده الكفر. ولكنهم يفهمونها على أنه جل وعلا یعلم جمیع الأشیاء قبل كونھا لأنه عالم لذاته لا یخفى عنه جل وعلا خافیة في الأرض ولا في السماء. وينكرون أن يكون قضاء الله وقدره على أن تكون بأمر الله أو بواسطة خلق يخلقه الرب جل شأنه، وهذا مخالف لبعض المذاهب الإسلامية ومفهومها للقضاء والقدر. فرناس]

واجتمع عدلي [يقصد معتزلي] ومجبر شيعي [يقصد شيعي إثنى عشري] فقال العدلي: ما تقول في علي؟ أقاتل معاویة على شيء جعله الله لمعاویة وقضاه له، أم على شيء جعله لعلي وقضاه له وغصبه معاویة؟
فقال: بل على شيء جعله لمعاویة وقضاه له ولم یجعله لعلي.
فقال [المعتزلي]: فمعاویة أحسن حالاً من علي حیث رضي بما قُضي له وجُعل له، وعلي لم یرض بما قضي له ولم یقنع بما جعل له، فمعاویة وافق ربه وعلي خالفه.
فانقطع .

http://www.4shared.com/office/jC3UFhM_ba/__________.html






 http://fernas.blog.com/2009/12/%D8%B1%D8%B3%D9%80%D9%80%D8%A7/

Aucun commentaire: