أولا : نهي النبي صلى الله
عليه وسلم عن تدوين الحديث:
"عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتبوا عني ،ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده
من النار" ( مسلم : كتاب الزهد والرقائق ؛التثبت في
الحديث وحكم كتابة العلم .)
هذا هو الأصل في تدوين الحديث ،أما ما ورد عنه
صلى الله عليه وسلم أنه أذن لبعض الصحابة بالتدوين ، فلا يعدو كونه استثناء جاء
لحالات خاصة محددة ، وهو بأي حال لا يلغي الأصل في التدوين،وهو نهيه صلى الله عليه
وسلم عن تدوين الحديث .
ومن أمثلة إذنه صلى الله عليه وسلم بكتابة
الحديث ؛حديث اكتبوا لأبي شاة :
"عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : أنه عام فتح مكة،
قتلت خزاعة رجلاً من بني ليث، بقتيل لهم في الجاهلية، فقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلَّط عليهم رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم
تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ألا وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها
ساعتي هذه حرام، لا يختلى شوكها، ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد ومن
قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما يودى وإما يقاد، فقام رجل من أهل اليمن، يقال
له أبو شاه، فقال: اكتب لي يا رسول الله،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه"( البخاري : الديات ؛ من قتل له قتيل فهو
بخير النظرين)
روى
عبد الرزاق بن
همام في مصنفه ،عن معمر عن الزهري عن عروة: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب
السنن ، فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأشاروا عليه أن
يكتبها ، فطفق يستخير الله فيها شهرا ، ثم أصبح يوما وقد عزم الله [ له ] فقال:
إني كنت أريد أن أكتب السنن ، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا ، فأكبوا
عليها وتركوا كتاب الله ، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا( المصنف لعبد الرزاق: ج 11 ،ص 257)
وفيه
ايضا : حدّث عن معمر عن الزهري قال:
كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء ، فرأينا ألا
نمنعه أحدا من المسلمين (المصنف
لعبد الرزاق: ج 11، ص 258)
يزعم
بعضهم أن الحديث كتب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أذن لعبد الله بن عمرو بن العاص بكتابة الحديث ، وأن كتب ما يسمونه
بالصحيفة الصادقة .
فنقول لهم : أين هي هذه الصحبفة الصادقة التي تزعمون !؟
فنقول لهم : أين هي هذه الصحبفة الصادقة التي تزعمون !؟
ائتونا
بحديث واحد ذكر الرواة أنه قرؤوها في هذه الصحيفة الصادقة .
ائتونا
بحديث واحد زعم الرواة أنه كُتِبَ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبي بكر
أو عمر، غير حديث أبي شاة المزعوم !
ثانيا
: بدايات تدوين الحديث :
ذكر
البخاري في صحيحه ج 1 ص 33 باب كيف يقبض العلم ، قال: "وكتب عمر بن
عبد العزيز إلى أبى بكر بن حزم (توفي سنة 120 هـ) : انظر ما كان من حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاكتبه ، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، ولا يقبل إلا
حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وليفشوا العلم وليجلسوا حتى يعلم من لا يعلم ،
فان العلم لا يهلك حتى يكون سرا".( صحيح البخاري : كتاب
العلم ن باب كبف يقبض العلم )
يقول
ابن حجر: قوله : ( فاكتبه ) يستفاد منه
ابتداء تدوين الحديث النبوي . وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ فلما خاف عمر بن عبد العزيزوكان
على رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء رأى أن في تدوينه ضبطا له
وإبقاء .(فتح الباري :كتاب العلم
؛ باب كيفي قبض العلم )
يقول
الذهبي في تاريخ الإسلام ص 1034 ، أحداث
سنة (143 هـ) ثلاث وأربعين ومائة قال:
وفي هذا العصر شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير ، فصنف ابن جريج التصانيف بمكة ، وصنف سعيد بن أبي عروبة ، وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة ، وصنف الأوزاعي بالشام ، وصنف مالك الموطأ بالمدينة ، وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف معمر باليمن ، وصنف أبو حنيفة وغيره الفقه والرأي بالكوفة ، وصنف سفيان الثوري كتاب الجامع ، ثم بعد يسير صنف هشيم كتبه ، وصنف الليث بمصر وابن لهيعة ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب . وكثر تدوين العلم وتبويبه ، ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس . وقبل هذا العصر كان سائر الأئمة يتكلمون عن حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة ،فسهل ولله الحمد تناول العلم ، وأخذ الحفظ يتناقص ، فلله الأمر كله.( تاريخ الإسلام للذهبي، ص 1034 ، أحداث سنة 143 هـ)
وفي هذا العصر شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير ، فصنف ابن جريج التصانيف بمكة ، وصنف سعيد بن أبي عروبة ، وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة ، وصنف الأوزاعي بالشام ، وصنف مالك الموطأ بالمدينة ، وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف معمر باليمن ، وصنف أبو حنيفة وغيره الفقه والرأي بالكوفة ، وصنف سفيان الثوري كتاب الجامع ، ثم بعد يسير صنف هشيم كتبه ، وصنف الليث بمصر وابن لهيعة ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب . وكثر تدوين العلم وتبويبه ، ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس . وقبل هذا العصر كان سائر الأئمة يتكلمون عن حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة ،فسهل ولله الحمد تناول العلم ، وأخذ الحفظ يتناقص ، فلله الأمر كله.( تاريخ الإسلام للذهبي، ص 1034 ، أحداث سنة 143 هـ)
يقول
ابن حجر في مقدمة فتح الباري: "الفصل الاول
في بيان السبب الباعث لأبي عبد الله البخاري على تصنيف جامعه الصحيح وبيان
حسن نيته في ذلك: أعلم علمني الله وإياك أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن
في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع، ولا مرتبة لأمرين: أحدهما إنهم كانوا
في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك
بالقرآن العظيم، وثانيهما لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون
الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر
العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكرى الاقدار فأول من جمع
ذلك الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة ، وغيرهما وكانوا يصنفون كل باب على حدة
إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام فصنف الإمام مالك الموطأ وتوخى
فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم
وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة وأبو عمر وعبد الرحمن بن عمر
والأوزاعي بالشام وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حماد بن
سلمة بن دينار بالبصرة ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن
رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وذلك على رأس
المائتين فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد بن مسرهد البصري
مسندا وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا ثم
اقتفى الأئمة بعد ذلك اثرهم فقل إمام من الحفاظ الا وصنف حديثه على المسانيد
كالامام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم من النبلاء
ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة فلما رأي
البخاري رضي الله عنه هذه التصانيف ورواها وانتشق رياها واستجلى محياها وجدها بحسب
الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف فلا
يقال لغثه سمين فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين وقوى عزمه
على ذلك ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم
الحنظلي المعروف بابن راهويه وذلك فيما أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر اللؤلؤي عن
الحافظ أبي الحجاج المزي أخبرنا (مقدمة
فتح الباري شرح صحيح البخاري:الفصل الأول ،صفحة 4 )
ومعلوم
أن البخاري الذي ولد سنة 194 للهجرة وتوفي
رحمه الله سنة 256 للهجرة،
ويذكر كثيرون أنه بدأ العمل بكتاب الصحيح وعمره
ثماني عشرة سنة، وهذا خطأ وإنما الذي بدأ بكتابته في هذه العمر كتاب التاريخ وليس
كتاب الصحيح، حيث يقول رحمه الله: "في ثمان عشرة
جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت
كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله في الليالي المقمرة وقل اسم في التاريخ إلا
وله قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب" (مقدمة فتح الباري)
إذا : البخار ي رحمه الله بدأ كتابه بعد عام 214 هجرية، وانتهى على
الأرجح وعمره ثمان وثلاثون سنة، أي تقريباً في سنة 232 هـ
وأما مسلم الذي ولد سنة 204
للهجرة وتوفي رحمه الله سنة 261 هـ، وكان عمره حين بدأ عمله في كتابه تسعًا وعشرين سنة، واستغرق منه خمس عشرة سنة
حتى أتمه سنة (250 هـ = 864م)
وكان جل حديثهما مشافهة من ذاكرة الرواة ، دون الرجوع إلى المدون من الحديث، حيث يبدأ أحدهما الحديث عادة بقوله: حدثني فلان، أو حدثنا فلان ، ولو كان الحديث من الروايات المدونة في الكتب لَبُدِئ الحديث بـِ ( قرأت ،أو قرأ علي فلان ) وهذا النوع ظاهر في بعض أحاديث يحيى بن يحيى التميمي عن مالك حيث يبدأ الحديث بقوله قرأت على مالك .
وكان جل حديثهما مشافهة من ذاكرة الرواة ، دون الرجوع إلى المدون من الحديث، حيث يبدأ أحدهما الحديث عادة بقوله: حدثني فلان، أو حدثنا فلان ، ولو كان الحديث من الروايات المدونة في الكتب لَبُدِئ الحديث بـِ ( قرأت ،أو قرأ علي فلان ) وهذا النوع ظاهر في بعض أحاديث يحيى بن يحيى التميمي عن مالك حيث يبدأ الحديث بقوله قرأت على مالك .
وهل
يمكن لحديث أن يبقى يتداول مشافهة على الألسن مدة تقارب المائتين وخمسين سنة دون أن
يناله التبديل والتحريف والزيادة والنقصان ! ؟
إذا البخاري ومسلم
كتبا صحيحيهما بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائتين وعشر سنين إلى
مائتين وخمسين سنة تقريبا، فإذا علمنا أن متوسط عدد الرواة عند البخاري في السند
الواحد خمسة رواه تقريبا، يكون بين كل راو والذي يليه أكثر من أربعين سنة في
المتوسط ، بمعنى أن الصحابي سمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله
عليه وسلم ثم رواه للتابعي بعد أربعين سنة، وكذلك التابعي سمعه من الصحابي ثم رواه
لتابع التابعي بعد أربعين سنة، وكذلك تابع التابعي سمعه من التابعي ثم رواه لمن
بعده بعد أربعين سنة، إلى أن وصل الحديث إلى مسلم والبخاري بعد مائتين وثلاثين سنة
في المتوسط .
وأعجب من ذلك، عندما
يكون عدد الرواة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والبخاري ثلاثة
رواة فقط ، وهو ما يسمي بالعوالي، وهذا يعني أن كل راو من هؤلاء
الرواة سمع الحديث ثم نقله إلى من بعده من الرواة بعد أكثر من سبعين سنة من سماعه
الحديث، أي أنه إذا كان عمر الصحابي عند سماعه الحديث من رسول الله صلى الله عليه
وسلم عشرين سنة، فقد نقله إلى التابعي وعمره تسعين سنة، وكذلك التابعي إذا كان
عمره عند سماعه الحديث عشرين سنة، فقد نقله لتابع التابعي وعمره تسعين سنة، وكذلك
تابع التابعي إذا كان عمره عند سماعه الحديث عشرين سنة، فقد نقله للبخاري وعمره
تسعين سنة .
ومن أمثلة ذلك ما يرويه البخاري عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة ذلك ما يرويه البخاري عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسلمة بن الأكوع توفي
سنة أربع وسبعين و كان من أبناء التسعين ،
و يزيد بن أبي عبيد توفي سنة سبع وأربعين ومائة، أي بعد وفاة سلمة بن الأكوع رضي
الله عنه بثلاث وسبعين سنة، والمكي بن إبراهيم ولد في سنة ست وعشرين ومائة، و مات سنة أربع عشرة ومائتين،
وكان عمره عند وفاته ثمان وثمانين سنة، وكان عمر البخاري عند وفاة المكي بن
إبراهيم ثماني عشرة سنة ." سير أعلام النبلاء للذهبي "
وعندما نتكلم عن تدوين
الحديث عند السنة ، فلا بد أن ننوه إلى أن واقع الحديث عند الشيعة أسوأ بكثير من
واقع الحديث عند السنة ، فالكليني مثلا دون كتابه الكافي وهو أهم مصدر للحديث عند
الشيعة في القرن الرابع الهجري أي بعد البخاري ومسلم بحوالي قرن من الزمان ،ثم جاء
دور الشيخ ابن بابويه القمي ( الصدوق ) - 381 هـ - فألف كتابه ( من لا يحضره
الفقيه ) ، وبعده قام شيخ الطائفة الشيخ الطوسي - 460 هـ - فدون كتابيه ( التهذيب
والاستبصار ) واشتهرت هذه الكتب بعد ذلك بالكتب الأربعة .
وفي هذه الفترات
الزمنية الطويلة، يتعرض الحديث لكثير من الأمور، التي تلزمنا تمحيص الروايات التي
وصلتنا،والتثبت منها، وعرضها على كتاب الله سبحانه وتعالى، فإن خالف الحديث كتاب
الله سبحانه وتعالى، يردّ الحديث دون النظر إلى راويه، ولا نحاول التوفيق بين الروايات
وكتاب الله، وتكون النتيجة في كثير من الأحيان صرف الآية الكريمة عن مضمونها
لتوافق الحديث، دون الأخذ بعين الاعتبار احتمالية كون الحديث موضوعا،كونه حديث آحاد،
ولمخالفته كتاب الله سبحانه وتعالى: " أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ
غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا۟ فِيهِ ٱخْتِلَٰفًۭا كَثِيرًۭا"
( النساء :82 )
وهذا النسيان
كان يعرض للصحابة وهم حديثو عهد برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن بعد عنهم
العهد برسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أمثلة ذلك :
1. "عن عباد بن عبد
الله بن الزبير أن عائشة أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في
المسجد فتصلي عليه، فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: ما أسرع ما نسي الناس،
ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد" ( مسلم : الجنائز ؛ الصلاة على الجنازة في
المسجد)
2. "عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: لا عدوى، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا
يورد ممرض على مصح، قال أبو سلمة: كان أبو هريرة يحدثهما كلتيهما عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى، وأقام على أن لا يورد
ممرض على مصح، قال: فقال الحارث بن أبي ذباب - وهو بن عم أبي هريرة-: قد كنت أسمعك
يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثا آخر، قد سكت عنه، كنت تقول: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى، فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك وقال: لا يورد ممرض
على مصح، فماراه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة، فرطن بالحبشية فقال للحارث:
أتدري ماذا قلت؟ قال: لا، قال أبو هريرة: قلت: أبيت، قال أبو سلمة: ولعمري لقد كان
أبو هريرة يحدثنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى، فلا أدري أنسى
أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر" ( مسلم : السلام ؛ لا عدوى ولا طيرة ولا
هامة ولا صفر)
3. "عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا عدوى ولا صفر
ولا هامة، فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء؛
فيخالطها البعير الأجرب فيجربها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى
الأول. وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة بعد يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا
يوردن ممرض على مصح، وأنكر أبو هريرة الحديث الأول، قلنا: ألم تحدث أنه لا عدوى،
فرطن بالحبشية، قال أبو سلمة: فما رأيته نسي حديثا غيره" ( البخاري : الطب ؛لا هامة)
4. "عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة
وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: يغفر
الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول
الله صلى الله عليه وسلم، على يهودية يبكى عليها فقال: إنهم ليبكون عليها، وإنها
لتعذب في قبرها" .(مسلم
: الجنائز؛ الميت يعذب ببكاء أهله عليه)
5. "عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله لبى
حين أفاض من جمع، فقيل: أعرابي هذا؟ فقال عبد الله أنسي الناس أم ضلوا،
سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول: في هذا المكان لبيك اللهم لبيك" (مسلم :الحج ؛ استحباب إدامة الحاج التلبية
حتى يشرع في رمي جمرة العقبة)
6. "عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد مولى بن عباس، أنه
سمعه يخبر عن بن عباس قال: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا بالتكبير، قال عمرو: فذكرت ذلك لأبي معبد فأنكره، وقال: لم
أحدثك بهذا، قال عمرو، وقد أخبرنيه قبل ذلك " ( مسلم : كتاب المساجد ومواضع الصلاة ؛
الذكر بعد الصلاة)
7. "عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن
الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما جالس إلى حجرة عائشة،
وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة، ثم قال
له: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعا؛ إحداهن في رجب، فكرهنا أن
نرد عليه، قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا أماه،
يا أم المؤمنين؛ ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن، قالت: ما يقول؟ قال: يقول إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب، قالت: يرحم الله
أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط" ( مسلم : الحج ؛ بيان عدد عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمانهن)
8. "عن أبي هريرة كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، قال
سفيان: الحديث ثلاث؛ زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي" (البخاري
: الدعوات ؛ التعوذ من جهد البلاء)
9. "عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا، أو سبعمائة ألف، لا يدري أبو حازم أيهما قال، متماسكون آخذ
بعضهم بعضا، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر"
(البخاري : الرقاق ؛
صفة الجنة والنار)
2) السمع
يخطئ :
"تقول
عائشة رضي الله عنها : لا والله ما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إن الميت يعذب ببكاء أحد، ولكنه قال: إن
الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا، وإن الله لهو " أضحك وأبكى "
" ولا تزر وازرة وزر أخرى " قال أيوب: قال بن أبي مليكة: حدثني القاسم
بن محمد قال: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين
ولا مكذبين ولكن السمع يخطئ"
( مسلم
: االجنائز؛الميت يعذب ببكاء أهله عليه)
إذا كان سمع عمر وابن عمر رضي الله عنهما يخطئ، وهما حديثا
عهد بالنبوة، فكيف إذا كان: "حدثني فلان عن فلان عن فلان عن فلان عن..."
3 ) الوهم، فقد يتوهم الإنسان شيئا يحسبه صحيحا وهو
غير صحيح :
1.
"عن عبد الله بن طاوس عن
أبيه عن عائشة أنها قالت: وهم عمر، إنما نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها" ( مسلم : صلاة المسافرين وقصرها ؛لا
تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها)
2.
"عَنْ
أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنَّهُ أَبْصَرَ فِي
يَد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِق يَوْمًا
وَاحِدًا, فَصَنَعَ النَّاس الْخَوَاتِم مِنْ وَرِق فَلَبِسُوهُ, فَطَرَحَ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمه, فَطَرَحَ النَّاس
خَوَاتِمهمْ" (
متفق عليه.البخاري : اللباس ؛خاتم الفضة / مسلم :كتاب اللباس والزينة ؛في طرح
الخواتم)
قال النووي في شرحه للحديث: "قَالَ الْقَاضِي : قَالَ جَمِيع
أَهْل الْحَدِيث : هَذَا وَهْم مِنْ اِبْن شِهَاب , فَوَهَمَ مِنْ
خَاتَم الذَّهَب إِلَى خَاتَم الْوَرِق , وَالْمَعْرُوف مِنْ رِوَايَات أَنَس مِنْ
غَيْر طَرِيق اِبْن شِهَاب اِتِّخَاذه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَم
فِضَّة, وَلَمْ يَطْرَحهُ , وَإِنَّمَا طَرَحَ خَاتَم الذَّهَب كَمَا ذَكَرَهُ
مُسْلِم فِي بَاقِي الروايات "(مسلم بشرح النووي : كتاب اللباس والزينة ؛
في طرح الخواتم)
فهل نقول :هذا حديث صحيح ،
رواه البخاري
؟
4 ) تغير الراوي عندما يكبر سنه:
روى
مسلم رحمه الله
حديثا يقول أحد رجاله عمن روى عنه: " وقد كان كبر وما
كنت أثق بحديثه"
فهل يمكن الجزم بصحة هذا الحديث ؛ لأنه رواه مسلم ؟
فهل يمكن الجزم بصحة هذا الحديث ؛ لأنه رواه مسلم ؟
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا بن علية،
ح وحدثني علي بن حجر، حدثنا إسماعيل، عن أبي ريحانة، عن سفينة، قال أبو بكر صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يغتسل بالصاع ويتطهر بالمد، وفي حديث بن حجر أو قال ويطهره المد، وقال: وقد
كان كبر وما كنت أثق بحديثه"
( مسلم
: الحيض ؛ القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد)
5) وضع الروايات
:
ذكر فضيلة الشيخ العلامة محمد
رشيد رضا اثني عشر سببا لوضع الحديث،
نوجزها فيما يلي :
1. وهو أهمها: ما وضعه الزنادقة اللابسون لباس
الإسلام غشاً ونفاقاً، وقصدهم بذلك: إفساد الدين، وإيقاع الخلاف والافتراق في
المسلمين.
قال حماد بن زيد: وضعت
الزنادقة أربعة آلاف حديث، وهذا بحسب ما وصل إليه علمه واختباره في كشف كذبها،
وإلا فقد نقل المحدثون أن زنديقاً واحداً وضع هذا المقدار، وقالوا: لما أخذ ابن
أبي العوجاء ليضرب عنقه قال: "وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال
وأحل الحرام"
ولقد أثر وضعهم في الإسلام أقبح التأثير ففرق
بين المسلمين شيعاً ومذاهب مع أن الإسلام هو الحق الذي لا يقبل الخلاف ولا التعدد.
2. الوضع لنصر المذاهب في أصول الدين وفروعه: فإن
المسلمين لما تفرقوا شيعاً ومذاهب جعل كل فريق يستفرغ ما في وسعه لإثبات مذهبه،
ولا سيما بعد ما فتح عليهم باب المجادلة والمناظرة في المذاهب . وإليك الآن مثالا
واحدا على هذا النوع،ً وهو: "يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر
على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي"
3. الغفلة عن الحفظ، اشتغالاً عنه بالزهد
والانقطاع للعبادة، وهؤلاء العباد والصوفية يحسنون الظن بالناس ويعدون الجرح من
الغيبة المحرمة، ولذلك راجت عليهم الأكاذيب، وحدثوا عن غير معرفة ولا بصيرة.
4.
قصد
التقرب من الملوك والسلاطين والأمراء.
5.
الخطأ
والسهو: وقع هذا لقوم، ومنهم من ظهر له الصواب ولم يرجع إليه أنفة واستنكافاً أن
ينسب إليهم الغلط.
6.
التحديث
عن الحفظ ممن كانت له كتب يعتمد عليها فلم يتقن الحفظ، فضاعت الكتب فوقع في الغلط.
7.
اختلاط
العقل في أواخر العمر.
8.
الظهور
على الخصم في المناظرة، لا سيما إذا كانت في الملأ.
9.
إرضاء
الناس وابتغاء القبول عندهم واستمالتهم لحضور مجالسهم الوعظية وتوسيع دائرة
حلقاتهم .
10.شدة الترهيب وزيادة الترغيب لأجل هداية الناس،
ولعل الذي سهل على واضعي هذا النوع من الروايات المكذوبة؛ هو قول العلماء أن الروايات
الضعيفة يعمل بها في فضائل الأعمال.
11.إجازة وضع الأسانيد للكلام الحسن ليجعل حديثاً.
12. تنفيق
المدعي للعلم لنفسه على من يتكلم عنده إذا عرض البحث عن حديث ووقع السؤال عن كونه
صحيحاً أو ضعيفاً أو موضوعا، فيقول من في دينه رقة وفي علمه دغل: هذا الحديث خرجه
فلان وصححه فلان، ويسند هذا إلى كتب يندر وجودها؛ ليوهم أنه مطلع على ما لم يطلع
عليه غيره، أو يخلق للحديث إسناداً جديداً.
كيفية وضع الحديث:
وهذا
التصرف قد يكون في المتن، وقد يكون في السند:
ويكون
في المتن بإحدى طريقتين، هما:
1- أن يضع الراوي متناً من عنده، وذلك بأن يؤلف
ويصوغ من كلامه عبارات الحديث الذي يروم وضعه.
2- أن يعمد الراوي إلى مأثورة من كلام أحد الحكماء
أو العلماء أو غيرهما، وينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ويكون
في السند بإحدى طريقتين أيضاً، هما:
1-
أن
يختلق الراوي سنداً لحديثه الموضوع، وذلك بأن يضع أسماء لرواة لا واقع لهم.
2- أن يعمد الراوي إلى سند من الأسانيد، ويحمّله
متن حديثه.
6) :
الرواية عن الضعفاء والمدلسين :
وقد أفرد بن حجر-
رحمه الله- الفصل التاسع من كتابه: "هدي الساري مقدمة فتح الباري" لذكر
أسماء من طعن فيه من رجال "صحيح البخاري " مرتبا لهم على حروف المعجم
والجواب عن الاعتراضات موضعا موضعا ، وذكر في هذا الفصل أكثر من ثلاثمائة من رجال
البخاري ممن طعن فيهم علماء الحديث وضعفوهم. (هدي
الساري مقدمة صحيح البخاري : الفصل التاسع )
وإن كان ابن حجر
قد دافع عن هؤلاء الرجال ليدفع التهم عنهم
، فإنه دفاع المحامي دون وجود قاض ولا وكيل نيابة "المدعي العام "
هؤلاء الذين طعن
فيهم علماء الحديث وضعفوهم ،أضف إليهم المدلسين ، والذين ذكر ابن حجر ان ابن مندة
عد البخاري نفسه منهم. يقول ابن حجر :
" 23ــ (ت
س) محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، الإمام، وصفه بذلك أبو عبد الله ابن مَنْدَه في كلامٍ له،فقال فيه:"أخرج البخاري: قال فلان وقال لنا فلان، وهو تدليس"
(تعريف أهل التقديس ،بمراتب الموصوفين بالتدليس، لابن حجر ، المرتبة
الأولى ، رقم23)
عكرمة مولى ابن عباس مثال على رجال البخاري الذين طُعِنَ
فيهم:
عكرمة
أبو عبد الله مولى بن عباس احتج به البخاري وروى عنه حوالي مائتي حديث :
1-
روى عن بن عمر أنه قال لنافع لا
تكذب علي كما كذب عكرمة على بن عباس
2-
روى عن سعيد بن المسيب أنه قال ذلك
لبرد مولاه
3- قال
إسحاق بن عيسى بن الطباع سألت مالكا أبلغك أن بن عمر قال لنافع لا تكذب علي كما
كذب عكرمة على بن عباس قال لا ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه
4- وقال
جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة
مقيد عنده فقلت ما لهذا قال إنه يكذب على أبي وروى هذا أيضا عن عبد الله بن الحارث
أنه دخل على علي
5-
سئل بن سيرين عنه فقال ما يسوءني أن
يدخل الجنة ولكنه كذاب
6- قال
عطاء الخراساني قلت لسعيد بن المسيب إن عكرمة يزعم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم تزوج ميمونة وهو محرم فقال كذب مخبثان
7- قال
فطر بن خليفة قلت لعطاء إن عكرمة يقول سبق الكتاب الخفين فقال كذب سمعت بن عباس
يقول أمسح على الخفين وإن خرجت من الخلاء
8- قال
عبد الكريم الجرزي قلت لسعيد بن المسيب إن عكرمة كره كرى الأرض فقال كذب سمعت بن
عباس يقول إن أمثل ما أنتم صانعون استئجار الأرض البيضاء
9-
قال وهب بن خالد كان يحيى بن سعيد
الأنصاري يكذبه
10-
قال إبراهيم بن المنذر عن معن بن
عيسى وغيره كان مالك لا يرى عكرمة ثقة ويأمر أن لا يؤخذ عنه
11-
قال الربيع قال الشافعي وهو يعني
مالكا سيء الرأي في عكرمة قال لا أرى لأحد أن يقبل حديث عكرمة
12-
وقال عثمان بن مرة قلت للقاسم إن
عكرمة قال كذا فقال يا بن أخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة بحديث يخالفه عشية
المصدر:
هدي الساري مقدمة فتح الباري ،المؤلف :أحمد بن علي بن حجر العسقلاني،الفصل التاسع، حرف العين ، عكرمة أبو عبد الله مولى بن عباس.
الفهــــــــرس